لطفاً کليه فايل هاي قابل دانلود در اين سايت، مخصوصاً فايل هاي پيوست شده را با نرم افزارهاي مخصوص مديريت دانلود، دريافت نماييد مانند نرم افزار دانلود منيجر که در این لينک قابل دريافت و نصب است http://mcaf.ee/6wz9g در صورت عدم استفاده از نرم افزارهاي مخصوص دانلود و استفاده از دانلود منيجر داخلي مرورگرها احتمال دانلود ناقص فايل ها وجود دارد
نمایش نتایج: از شماره 1 تا 3 , از مجموع 3
  1. #1
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 10

    الكتاب : شرح ابن عقيل
    مصدر الكتاب : الإنترنت
    [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

    الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختص بالابتداء، كإذا التي للمفاجأة، فتقول: " خرجت فإذا زيد يضربه عمرو " برفع " زيد " - ولا يجوز نصبه، لان " إذا " هذه لا يقع بعدها الفعل: لا ظاهرا، ولا مقدرا.
    وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولى الفعل المشتغل بالضمير أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كأدوات الشرط، والاستفهام، و " ما " النافية، نحو " زيد إن لقيته فأكرمه، وزيد هل تضربه، وزيد ما لقيته " فيجب رفع " زيد " في هذه الامثلة ونحوها (1)، ولا يجوز نصبه، لان ما لا يصلح أن يعمل.
    __________
    = وفي هذا القسم لا يتم ذلك، ألا ترى أن نحو قولك: " خرجت فإذا زيد يضربه عمرو " لو حذفت الضمير لم يعمل " يضرب " في " زيد " المتقدم، لان المتقدم مرفوع، والمتأخر يطلب منصوبا لا مرفوعا، ولان الفعل المتأخر لا يصح أن يقع بعد " إذا ".
    ومن الناس من عده من باب الاشتغال غير مكترث بهذا الضابط، والحق هو الاول لما ذكرنا.
    (1) الاشياء التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عشرة أنواع: (الاول) أدوات الشرط جميعها، نحو زيد إن لقيته فأكرمه، وزيد حيثما تلقه فأكرمه.
    (الثاني) أدوات الاستفهام جميعها، نحو زيد هل أكرمته، وعلى أسلمت عليه.
    (الثالث) أدوات التحضيض جميعها، نحو زيد هلا أكرمته، وخالد ألا تزوره.
    (الرابع) أدوات العرض جميعها، نحو زيد ألا تكرمه، وبكر أما تجيبه.
    (الخامس) لام الابتداء، نحو زيد لانا قد ضربته، وخالد لانا أحبه حبا جما.
    (السادس) " كم " الخبرية، نحو زيدكم ضربته، وإبراهيم كم نصحت له.
    (السابع) الحروف الناسخة، نحو زيد إني ضربته، وبكر كأنه السيف مضاء عزيمة.
    (الثامن) الاسماء الموصولة، نحو زيد الذي تضربه، وهند التي رأيتها.
    (التاسع) الاسماء الموصوفة بالعامل المشغول، نحو زيد رجل ضربته.
    (العاشر) بعض حروف النفي، وهي " ما " مطلقا، نحو زيد رجل ما ضربته، و " لا " بشرط أن تقع في جواب قسم، نحو زيد والله لا أضربه، فإن كان حرف = (*)
    (1/524)

    فيما قبله لا يصلح أن يفسر عاملا فيما قبله، وإلى هذا أشار بقوله: " كذا إذا الفعل تلا - إلى آخره ".
    أي: كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئا لا يرد ما قبله معمولا لما بعده، ومن أجاز عمل ما بعد هذه الادوات فيما قبلها، فقال: " زيدا ما لقيت " أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدر، فيقول: " زيدا ما لقيته ".
    * * * واختير نصب قبل فعل ذي طلب وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب (1) وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا (2).
    __________
    = النفي غير " ما " و " لا " نحو زيد لم أضربه أو كان حرف النفي هو " لا " وليس في جواب القسم، نحو زيد لا أضربه فإنه يترجح الرفع ولا يجب، لانها حينئذ لا تفصل ما بعدها عما قبلها.
    (1) " واختير " فعل ماض مبني للمجهول " نصب " نائب فاعل لاختير " قبل " ظرف متعلق باختير، وقبل مضاف و " فعل " مضاف إليه " ذي طلب " نعت لفعل، ومضاف إليه " وبعد " معطوف على قبل، وبعد مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " إيلاؤه " إيلاء: مبتدأ، وإيلاء مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لاحد مفعوليه " الفعل " مفعول ثان للمصدر " غلب " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إيلاء، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالاضافة.
    (2) " وبعد " معطوف على بعد في البيت السابق، وبعد مضاف و " عاطف " مضاف إليه " بلا فصل " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف " على معمول " متعلق بعاطف، ومعمول مضاف و " فعل " مضاف إليه " مستقر " نعت لفعل " أولا " ظرف متعلق بمستقر.
    (*)
    (1/525)

    هذا هو القسم الثالث، وهو ما يختار فيه النصب.
    وذلك إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب - كالامر، والنهي، والدعاء - نحو " زيدا اضربه، وزيدا لا تضربه، وزيدا رحمه الله "، فيجوز رفع " زيد " ونصبه، والمختار النصب (1).
    وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل (2)، كهمزة الاستفهام، نحو " أزيدا ضربته " بالنصب والرفع، والمختار النصب.
    وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية ولم يفصل بين العاطف والاسم، نحو " قام زيد وعمرا أكرمته " ؟ فيجوز رفع " عمرو " ونصبه، والمختار النصب، لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية، فلو فصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شئ، نحو " قام زيد وأما عمرو فأكرمته " فيجوز رفع " عمرو " ونصبه، والمختار
    الرفع كما سيأتي، وتقول: " قام زيد وأما عمرا فأكرمه " فيختار النصب كما تقدم، لانه وقع قبل فعل دال على طلب.
    * * *.
    __________
    (1) إنما اختبر نصب الاسم المشغول عنه إذا كان الفعل المشغول طلبيا مع أن الجمهور يجيزون الاخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية لان الاخبار بها خلاف الاصل، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.
    (2) الادوات التي يغلب وقوع الفعل بعدها أربعة (الاولى) همزة الاستفهام (الثانية) " ما " النافية، ففي نحو " ما زيدا لقيته " يترجح النصب (الثالثة) " لا " النافية، ففي نحو " لا زيدا ضربته ولا عمرا " يترجح النصب (الرابعة) " إن " النافية، ففي نحو " إن زيدا ضربته " بمعنى ما زيدا ضربته - يترجح النصب أيضا.
    (*)
    (1/526)

    وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا به عن اسم، فاعطفن مخيرا (1) أشار بقوله: " فاعطفن مخيرا " إلى جواز الامرين على السواء، وهذا هو الذي تقدم أنه القسم الخامس، وضبط النحويون ذلك بأنه إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة ذات وجهين، جاز الرفع والنصب على السواء، وفسروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة: صدرها اسم، وعجزها فعل، نحو " زيد قام وعمرو أكرمته " فيجوز رفع " عمرو " مراعاة للصدر، ونصبه مراعاة للعجز.
    * * * والرفع في غير الذي مر رجح فما أبيح افعل، ودع ما لم يبح (2).
    __________
    (1) " إن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط " المعطوف " فاعل لتلا " فعلا " مفعول به لتلا " مخبرا " نعت لفعل " به، عن اسم " متعلقان بمخبر " فاعطفن "
    الفاء لربط الجواب بالشرط، اعطف: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مخيرا " حال من الضمير المستتر في " اعطفن ".
    (2) " والرفع " مبتدأ " في غير " جار ومجرور متعلق برجح الآتي، وغير مضاف و " الذي " اسم موصول: مضاف إليه " مر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة من مر وفاعله لا محل لها صلة " رجح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرفع الواقع مبتدأ، والجملة من رجح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " فما " الفاء للتفريع، وما: اسم موصول به مقدم لافعل " أبيح " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أبيح ونائب فاعله لا محل لها صلة " افعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ودع " مثله " ما " اسم موصول مفعول به لدع " لم يبح " مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة الموصول.
    (*)
    (1/527)

    هذا هو الذي تقدم أنه القسم الرابع، وهو ما يجوز فيه الامران ويختار الرفع، وذلك: كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه، ولا ما يوجب رفعه، ولا ما يرجح نصبه، ولا ما يجوز فيه الامرين على السواء، وذلك نحو " زيد ضربته " فيجوز رفع " زيد " ونصبه، والمختار رفعه، لان عدم الاضمار أرجح من الاضمار، وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب، لما فيه من كلفة الاضمار، وليس بشئ، فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية، وهو كثير، وأنشد أبو السعادات ابن الشجري في أماليه على النصب قوله:
    158 - فارسا ما غادروه ملحما غير زميل ولا نكس وكل ومنه قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها) بكسر تاء " جنات ".
    * * *.
    __________
    158 - البيت لامرأة من بني الحارث بن كعب، وهو أول ثلاثة أبيات اختارها أبو تمام في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي 3 - 121 بتحقيقنا) ونسبها قوم إلى علقمة بن عبدة، وليس ذلك بشئ، وبعد بيت الشاهد قولها: لو يشا طار به ذو ميعة لاحق الآطال نهد ذو خصل غير أن الباس منه شيمة وصروف الدهر تجري بالاجل اللغة: " فارسا " هذه الكلمة تروى بالرفع وبالنصب، وممن رواها بالرفع أبو تمام في ديوان الحماسة، وممن رواها بالنصب أبو السعادات ابن الشجري كما قال الشارح " ما " زائدة " غادروه " تركوه في مكانه، وسمي الغدير غديرا لانه جزء من الماء يتركه السيل، فهو فعيل بمعنى مفعول في الاصل.
    ثم نقل إلى الاسمية " ملحم " بزنة المفعول: الذي ينشب في الحرب فلا يجد له مخلصا " الزميل " بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا: الضعيف الجبان " النكس " بكسر أوله وسكون ثانيه: الضعيف الذي يقصر عن النجدة وعن غاية المجد والكرم " الوكل " بزنة كتف - الذي يكل أمره إلى غيره عجزا " لو يشا - إلخ " معناه أنه لو شاء النجاة لانجاه فرس له نشاط وسرعة جرى وحدة، والنهد: الغليظ، والخصل: جمع خصلة، وهي ما يتدلى من أطراف العشر = (*)
    (1/528)

    وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة كوصل يجري (1) يعني أنه لا فرق في الاحوال الخمسة السابقة بين أن يتصل الضمير بالفعل المشغول به نحو " زيد ضربته " أو ينفصل منه: بحرف جر، نحو " زيد مررت به " أو بإضافة، نحو " زيد ضربت غلامه "، [ أو غلام صاحبه ]،
    أو مررت بغلامه، [ أو بغلام صاحبه ] "، فيجب النصب في نحو " إن زيدا مررت به أكرمك " كما يجب في " إن زيدا لقيته أكرمك " وكذلك يجب الرفع في " خرجت فإذا زيد مر به عمر و " ويختار النصب في " أزيدا مررت.
    __________
    = " غير أن البأس - إلخ " الشيمة: الطبيعة والسجية والخليقة، وصروف الدهر: أحواله وأهواله وأحداثه وغيره ونوازله، واحدها صرف.
    الاعراب: " فارسا " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، وتقدير الكلام: غادروا فارسا " ما " حرف زائد لقصد التفخيم، ويجوز أن يكون اسما نكرة بمعنى عظيم، فهو حينئذ نعت لفارس " غادروه " فعل وفاعل ومفعول به " ملحما " حال من الضمير المنصوب في غادروه، ويقال: مفعول ثان، وليس بذاك " غير " حال ثان، وغير مضاف و " زميل " مضاف إليه " ولا نكس " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي، ونكس: معطوف على زميل " وكل " صفة لنكس.
    الشاهد فيه: قوله " فارسا ما غادروه " حيث نصب الاسم السابق، وهو قوله " فارسا " المشتغل عنه، بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، ولا مرجح للنصب في هذا الموضع ولا موجب له، فلما نصب " فارسا " مع خلو الكلام مما يوجب النصب أو يرجحه دل على أن النصب حينئذ جائز، وليس ممتنعا.
    (1) " فصل " مبتدأ، وفصل مضاف و " مشغول " مضاف إليه " بحرف " جار ومجرور متعلق بفصل، وحرف مضاف و " جر " مضاف إليه " أو " عاطفة " بإضافة " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق " كوصل " جار ومجرور متعلق بيجري الآتي " يجري " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فصل الواقع مبتدأ في أول البيت، والجملة من يجري وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (34 - شرح ابن عقيل) (*)
    (1/529)

    به ؟ " ويختار الرفع في " زيد مررت به " ويجوز الامران على السواء في " زيد
    قام وعمرو مررت به " وكذلك الحكم في " زيد [ ضربت غلامه، أو ] مررت بغلامه ".
    * * * وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل بالفعل، إن لم يك مانع حصل (1) يعني أن الوصف العامل في هذا الباب يجري مجرى الفعل فيما تقدم، والمراد بالوصف العامل: اسم الفاعل، واسم المفعول.
    واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل، نحو " زيد دراكه " فلا يجوز نصب " زيد "، لان أسماء الافعال لا تعمل فيما قبلها، فلا تفسر عاملا فيه.
    واحترز بقوله " ذا عمل " من الوصف الذي لا يعمل، كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، نحو " زيد أنا ضاربه أمس "، فلا يجوز نصب " زيد "، لان ما لا يعمل لا يفسر عاملا.
    ومثال الوصف العامل " زيد أنا ضاربه: الآن، أو غدا، والدرهم أنت معطاه " فيجوز نصب " زيد، والدرهم " ورفعهما كما كان يجوز ذلك مع الفعل..
    __________
    (1) " وسو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في ذا " جار ومجرور متعلق بسو " الباب " بدل من اسم الاشارة أو عطف بيان عليه أو نعت له " وصفا " مفعول به لسو " ذا " بمعنى صاحب: نعت لوصف، وذا مضاف، و " عمل " مضاف إليه " بالفعل " جار ومجرور متعلق بسو " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " يك " فعل مضارع تام مجزوم بلم، فعل الشرط، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف " مانع " فاعل يك " حصل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مانع، والجملة في محل رفع نعت لمانع، وجواب الشرط محذوف، وتقديره: إن لم يكن مانع حاصل وموجود فسو وصفا ذا عمل بالفعل.
    (*)
    (1/530)

    واحترز بقوله: " إن لم يك مانع حصل " عما إذا دخل على الوصف مانع يمنعه من العمل فيما قبله، كما إذا دخلت عليه الالف واللام، نحو " زيد أنا الضاربه "، فلا يجوز نصب " زيد "، لان ما بعد الالف واللام لا يعمل فيما قبلهما، فلا يفسر عاملا فيه، والله أعلم (1).
    * * * وعلقة حاصلة بتابع كعلقة بنفس الاسم الواقع (2) تقدم أنه لا فرق في هذا الباب بين ما اتصل فيه الضمير بالفعل، نحو " زيدا ضربته " وبين ما انفصل بحرف جر، نحو " زيدا مررت به "، أو بإضافة، نحو " زيدا ضربت غلامه "..
    __________
    (1) تلخيص ما أشار إليه الناظم والشارح أن العامل المشغول إذا لم يكن فعلا اشترط فيه ثلاثة شروط (الاول) أن يكون وصفا، وذلك يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، ويخرج به اسم الفعل والمصدر، فإن واحدا منهما لا يسمى وصفا (الثاني) أن يكون هذا الوصف عاملا النصب على المفعولية باطراد، فإن لم يكن بهذه المنزلة لم يصح، وذلك كاسم الفاعل بمعنى الماضي والصفة المشبهة واسم التفضيل (الثالث) ألا يوجد مانع، فإن وجد ما يمنع من عمل الوصف فيما قبله لم يصح في الاسم السابق نصبه على الاشتغال، ومن الموانع كون الوصف اسم فاعل مقترنا بأل، لان " أل " الداخلة على اسم الفاعل موصولة، وقد عرفت أن الموصولات تقطع ما بعدها عما قبلها، فيكون العامل غير الفعل في هذا الباب منحصرا في ثلاثة أشياء: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، بشرط أن يكون كل واحد منها بمعنى الحال أو الاستقبال، وألا يقترن بأل.
    (2) " وعلقة " مبتدأ " حاصلة " نعت لعلقة " بتابع " جار ومجرور متعلق
    بحاصلة " كعلقة " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " بنفس " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلقة المجرور بالكاف، ونفس مضاف، و " الاسم " مضاف إليه " الواقع " نعت للاسم.
    (*)
    (1/531)

    وذكر في هذا البيت أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسببي، ومعناه أنه إذ عمل الفعل في أجنبي، وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق: من صفة، نحو " زيدا ضربت رجلا يحبه " أو عطف بيان، نحو " زيدا ضربت عمرا أباه " أو معطوف بالواو خاصة نحو " زيدا ضربت عمرا وأخاه " حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببي، فينزل " زيدا ضربت رجلا يحبه " منزلة " زيدا ضربت غلامه " وكذلك الباقي.
    وحاصله أن الاجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببي، والله أعلم.
    * * *
    (1/532)

    تعدى الفعل، ولزومه علامة الفعل المعدى أن تصل " ها " غير مصدر به، نحو عمل (1) ينقسم الفعل إلى متعد، ولازم، فالمتعدي: هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر، [ نحو " ضربت زيدا " ] واللازم: ما ليس كذلك، وهو: ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر (2) نحو " مررت بزيد " أولا مفعول له،.
    __________
    (1) " علامة " مبتدأ، وعلامة مضاف، و " الفعل " مضاف إليه " المعدى " نعت للفعل " أن " مصدرية " تصل " فعل مضارع منصوب بأن، وسكن للوقف، وفاعله ضمير
    مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ، والتقدير: علامة الفعل المعدى وصلك به ها إلخ " ها " مفعول به لتصل، وها مضاف و " غير " مضاف إليه، وغير مضاف، و " مصدر " مضاف إليه " به " جار ومجرور متعلق بتصل " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و " عمل " قصد لفظه: مضاف إليه.
    (2) أكثر النحاة على أن الفعل من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى قسمين: المتعدي، واللازم، ولا ثالث لهما، وعبارة الناظم والشارح تدل على أنهما يذهبان هذا المذهب، ألا ترى أن الناظم يقول " ولازم غير المعدى " والشارح يقول " واللازم ما ليس كذلك " وذلك يدل على أن كل فعل ليس بمتعد فهو لازم، فيدل على انحصار التقسيم في القسمين.
    ومن العلماء من ذهب إلى أن الفعل من هذه الجهة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الاول المتعدي، والثاني اللازم، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم، وجعلوا من هذا القسم الثالث الاخير " كان " وأخواتها، لانها لاتنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر، كما مثلوا له ببعض الافعال التي وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر، نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له وما أشبههما وقد يقال: إن " كان " ليست خارجة عن القسمين، بل هي متعدية، وحينئذ يكون = (*)
    (1/533)

    نحو " قام زيد " ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه: فعلا متعديا، وواقعا، ومجاوزا، وما ليس كذلك يسمى: لازما، وقاصرا، وغير متعد، و [ يسمى ] متعديا بحرف جر.
    وعلامة الفعل المتعدي أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر، وهي هاء المفعول به، نحو " الباب أغلقته ".
    واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر، فإنها تتصل بالمتعدي واللازم، فلا تدل على تعدي الفعل، فمثال المتصلة بالمتعدي " الضرب ضربته زيدا " أي ضربت الضرب [ زيدا ] ومثال المتصلة باللازم " القيام قمته " أي: قمت القيام.
    * * * فانصب به مفعوله إن لم ينب عن فاعل، نحو تدبرت الكتب (1).
    __________
    = المراد من المفعول به هو أو ما أشبهه كخبر كان، أو يقال: إن المقسم هو الافعال التامة، فليست " كان " وأخواتها من موضع التقسيم حتى يلزم دخولها في أحد القسمين، كما انه قد يقال: إن نحو شكرته وشكرت له لم تخرج عن القسمين، بل هي إما متعدية، وحرف الجر في شكرت له زائد، أو لازمة، ونصبها للمفعول به في شكرته على نزع الخافض.
    (1) " فانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " به " جار ومجرور متعلق بانصب " مفعوله " مفعول: مفعول به لانصب، ومفعول مضاف والهاء مضاف إليه " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " ينب " فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعوله، ؟ الشرط محذوف، والتقدير: إن لم ينب مفعوله عن فاعل فانصبه به " عن فاعل " ؟ مجرور متعلق بينب " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو " تدبرت " ؟ فاعل " الكتب " مفعول به، ونحو مضاف، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله = (*)
    (1/534)

    شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله، نحو " تدبرت الكتب " فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم، نحو " تدبرت الكتب ".
    وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس، كقولهم: " خرق الثوب المسمار " ولا ينقاس ذلك، بل يقتصر فيه على السماع (1)..
    __________
    = في محل جر مضاف إليه، والمراد بالمفعول في قوله " فانصب به مفعوله " هو المفعول به، لامرين، أحدهما: أن المفعول عند الاطلاق هو المفعول به، وأما بقية المفاعيل فلابد فيها من التقييد، تقول: المفعول معه، والمفعول لاجله، والمفعول فيه، والمفعول المطلق.
    وثانيهما: أن الذي يختص به الفعل المتعدي هو المفعول به، فأما غيره من المفاعيل فيشترك في نصبه المتعدي واللازم، تقول: ضربت ضربا، وقمت قياما، وتقول: ذاكرت والمصباح، وسرت والنيل، وتقول: ضربت ابني تأديبا، وقمت إجلالا للامير، وتقول: لعبت الكرة أصيلا، وخرجت من الملعب ليلا.
    (1) قال السيوطي في همع الهوامع (1 / 186): وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل، حكوا: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وقال الشاعر: مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سوآتهم هجر فإن السوآت هي البالغة، وسمع أيضا رفعهما، قال: [ إن من صاد عقعقا لمشوم ] كيف من صاد عقعقان وبوم وسمع نصبهما، قال: قد سالم الحيات منه القدما [ الافعوان والشجاع الشجعما ] والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الالباس، ولا يقاس على شئ من ذلك " اه وقال ابن مالك في شرح الكافية: " وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر، كقولهم: خرق الثوب المسمار، ومنه قول الاخطل * مثل القنافذ.
    البيت " اه.
    والظاهر من هذه العبارات كلها أن الاسم المنصوب في هذه المثل التي ذكروها هو الفاعل، والاسم المرفوع هو المفعول، وأن التغير لم يحصل إلا في حركات الاعراب،
    لكن ذهب الجوهري إلى أن المنصوب هو المفعول به، والمرفوع هو الفاعل، والتغيير = (*)
    (1/535)

    والافعال المتعدية على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يتعدى إلى مفعولين، وهي قسمان، أحدهما: ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر، كظن وأخواتها، والثاني: ما ليس أصلهما ذلك، كأعطى وكسا.
    والقسم الثاني: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، كأعلم وأرى.
    والقسم الثالث: ما يتعدى إلى مفعول واحد، كضرب، ونحوه.
    * * * ولازم غير المعدى، وحتم لزوم أفعال السجايا، كنهم (1) كذا افعلل، والمضاهي اقعنسسا، وما اقتضى: نظافة، أو دنسا (2) أو عرضا، أو طاوع المعدى لواحد، كمده فامتدا (3).
    __________
    = إنما حصل في المعنى، وهذا رأي لجماعة من النحاة، وقد اختاره الشاطبي، وانظر ما ذكرناه واستشهدنا له في مطلع باب الفاعل.
    (1) " ولازم " خبر مقدم " غير " مبتدأ مؤخر، وغير مضاف و " المعدى " مضاف إليه " وحتم " فعل ماض مبني للمجهول " لزوم " نائب فاعل لحتم، ولزوم مضاف، و " أفعال " مضاف إليه، وأفعال مضاف، و " السجايا " مضاف إليه " كنهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كنهم.
    (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " افعلل " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " والمضاهي " معطوف على قوله " افعلل " السابق، وهو اسم فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، وقوله " اقعنسسا " مفعوله، وقد قصد لفظه " وما " اسم موصول: معطوف على المضاهي " اقتضى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا
    تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " نظافة " مفعول به لا قتضى " أو دنسا " معطوف على قوله نظافة.
    (3) " أو عرضا " معطوف على قوله نظافة في البيت السابق " أو طاوع " أو: = (*)
    (1/536)

    اللازم هو: ما ليس بمتعد، وهو: ما لا يتصل به هاء [ ضمير ] غير المصدر، ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية - وهي الطبيعة - نحو: " شرف، وكرم، وظرف، ونهم " وكذا كل فعل على وزن افعلل، نحو: " اقشعر، واطمأن " أو على وزن افعنلل، نحو: " اقعنسس، واحرنجم " أو دل على نظافة ك " طهر الثوب، ونظف " أو على دنس ك " دنس الثوب، ووسخ " أو دل على عرض نحو: " مرض زيد، واحمر " أو كان مطاوعا لما تعدى إلى مفعول واحد نحو: " مددت الحديد فامتد، ودحرجت زيدا فتدحرج " واحترز بقوله: " لواحد " مما طلوع المتعدي إلى اثنين، فإنه لا يكون لازما، بل يكون متعديا إلى مفعول واحد، نحو: " فهمت زيدا المسألة ففهمها، وعلمته النحو فتعلمه ".
    * * * وعد لازما بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر (1).
    __________
    = حرف عطف، وطاوع: فعل ماض معطوف على اقتضى، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المعدى " مفعول به لطاوع " لواحد " جار ومجرور متعلق بالمعدى " كمده " متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمده " فامتدا " الفاء عاطفة، امتد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو.
    (1) " وعد " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لازما "
    مفعول به لعد " بحرف " جار ومجرور متعلق بعد، وحرف مضاف و " جر " مضاف إليه " وإن " شرطية " حذف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرف جر " فالنصب " الفاء لربط الجواب بالشرط، النصب: مبتدأ " للمنجر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط.
    (*)
    (1/537)

    نقلا، وفي " أن " " وأن " يطرد مع أمن لبس: كعجبت أن يدوا (1) تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر، نحو: " مررت بزيد " وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه، نحو: " مررت زيدا " قال الشاعر: 159 - تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذا حرام.
    __________
    (1) " نقلا " مفعول مطلق، أو حال صاحبه اسم المفعول المفهوم من قوله " حذف " وتقديره منقولا " وفي أن " جار ومجرور متعلق بيطرد الآتي " وأن " معطوف على أن " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف المفهوم من حذف " مع " ظرف متعلق بيطرد، ومع مضاف و " أمن " مضاف إليه، وأمن مضاف و " لبس " مضاف إليه " كعجبت " الكاف جارة لقول محذوف، عجبت: فعل وفاعل " أن " مصدرية " يدوا " فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعله، و " أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة، والتقدير: عجبت من وديهم أي إعطائهم الدية والجار والمجرور متعلق بعجب.
    159 - البيت لجرير بن عطية بن الخطفي.
    اللغة: " تعوجوا " يقال: عاج فلان بالمكان يعوج عوجا ومعاجا - كقال يقول
    قولا ومقالا - إذا أقام به، ويقال: عاج السائر بمكان كذا، إذا عطف عليه، أو وقف به، أو عرج عليه وتحول إليه، ورواية الديوان * أتمضون الرسوم ولا نحيا *.
    الاعراب: " تمرون " فعل وفاعل " الديار " منصوب على نزع الخافض، وأصله: تمرون بالديار " ولم تعوجوا " الواو للحال، ولم: نافية جازمة، تعوجوا: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل نصب حال " كلامكم " كلام: مبتدأ، وكلام مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه " على " جار ومجرور متعلق بحرام " حرام " خبر المبتدأ.
    الشاهد فيه: قوله " تمرون الديار " حيث حذف الجار، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا، فنصبه، وأصل الكلام " تمرون بالديار " ويسمى ذلك: = (*)
    (1/538)

    أي: تمرون بالديار.
    ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير " أن " و " أن " بل يقتصر فيه على السماع، وذهب [ أبو الحسن علي ابن سليمان البغدادي وهو ] الاخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا، بشرط تعين الحرف، ومكان الحذف، نحو: " بريت القلم بالسكين " فيجوز عنده حذف الباء، فتقول: " بريت القلم السكين " فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، نحو: " رغبت في زيد " فلا يجوز حذف " في "، لانه لا يدرى حينئذ: هل التقدير " رغبت عن زيد " أو " في زيد " وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز، نحو " اخترت القوم من بني تميم " فلا يجوز الحذف، فلا تقول: " اخترت القوم بني تميم "، إذ لا يدرى: هل الاصل " اخترت القوم من بني تميم " أو " اخترت من القوم بني تميم ".
    وأما " أن، وأن " فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا، بشرط أمن اللبس، كقولك " عجبت أن يدوا " والاصل " عجبت من أن يدوا " أي:
    من أن يعطوا الدية، ومثال ذلك مع أن بالتشديد " عجبت من أنك قائم " فيجوز حذف " من " فتقول: " عجبت أنك قائم "، فإن حصل لبس لم يجز.
    __________
    = " الحذف والايصال " وهذا قاصر على السماع، ولا يجوز ارتكابه في سعة الكلام، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من " أن " المؤكدة مع اسمها وخبرها، أو من " أن " المصدرية مع منصوبها.
    ومثل هذا الشاهد قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: غضبت أن نظرت نحو نساء ليس يعرفنني مررن الطريقا ومحل الاستشهاد قوله " مررن الطريقا " حيث حذف حرف الجر ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا فنصبه، وأصل الكلام: مررن بالطريق، وفيه شاهد آخر للقياسي من هذا الباب، وذلك في قوله " غضبت أن نظرت " وأصله: غضبت من أن نظرت.
    (*)
    (1/539)

    الحذف، نحو " رغبت في أن تقوم " أو " [ رغبت ] في أنك قائم " فلا يجوز حذف " في " لاحتمال أن يكون المحذوف " عن " فيحصل اللبس.
    واختلف في محل " أن، وأن " - عند حذف حرف الجر - فذهب الاخفش إلى أنهما في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب (1)، وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين..
    __________
    (1) أما الذين ذهبوا إلى أن المصدر المنسبك من الحرف المصدري ومعموله في محل نصب بعد حذف حرف الجر الذي كان يقتضى جره فاستدلوا على ذلك بشيئين: أولهما: أن حرف الجر عامل ضعيف، وآية ضعفه أنه مختص بنوع واحد هو الاسم، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا كان مذكورا، فمتى حذف من الكلام زال عمله.
    وثاني الدليلين: أن حرف الجر إذا حذف من الكلام وكان مدخوله غير " أن " و " أن " فنحن متفقون على أن الاسم الذي كان مجرورا به ينصب كما في بيت عمر وبيت جرير السابق (رقم 159) وكما في قول ساعدة بن جؤية الهذلي: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه، كما عسل الطريق الثعلب وكما في قول المتلمس جرير بن عبد المسيح يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة: آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس أراد الاول: كما عسل في الطريق، وأراد الثاني: آليت على حب العراق، فلما حذفا حرف الجر نصبا الاسم الذي كان مجرورا، فيجب أن يكون هذا هو الحكم مع أن وأن.
    وأما الذين ذهبوا إلى أن المصدر في محل جر بعد حذف حرف الجر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسماع عن العرب.
    فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة يمدح فيها عبد المطلب بن عبد الله المخزومي: وما زرت ليلى أن تكون حبيبة إلي، ولا دين بها أنا طالبه فقوله " ولا دين " مروى بجر دين المعطوف على المصدر المنسبك من " أن تكون إلخ " = (*)
    (1/540)

    وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير " أن، وأن " لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا، وإن كان " أن، وأن " جاز [ ذلك ] قياسا عند أمن اللبس، وهذا هو الصحيح.
    * * * والاصل سبق فاعل معنى كمن من " ألبسن من زاركم نسج اليمن " (1) إذا تعدى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الاصل، فالاصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، نحو " أعطيت زيدا درهما " فالاصل تقديم " زيد "
    .
    __________
    = وذلك يدل على أن هذا المصدر مجرور، لوجوب تطابق المعطوف والمعطوف عليه في حركات الاعراب.
    وقد حذف الفرزدق حرف الجر وأبقى الاسم مجرورا على حاله قبل الحذف، وذلك في قوله.
    إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ؟ أشارت كليب بالاكف الاصابع أصل الكلام: أشارت إلى كليب، فلما حذف " إلى " أبقى " كليب " على جره.
    فلما رأى سيبويه - رحمه الله ! - تكافؤ الادلة، وأن السماع ورد بالوجهين، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، جوز كل واحد منهما.
    (1) " والاصل " مبتدأ " سبق " خبر المبتدأ، وسبق مضاف، و " فاعل " مضاف إليه " معنى " منصوب على نزع الخافض، أو تمييز " كمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمن - إلخ " من " حرف جر، ومجروره قول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال " ألسن " فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " من " اسم موصول: مفعول أول لالبس " زاركم " زار: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، وضمير المخاطبين مفعول به، والجملة لا محل لها صلة " نسج " مفعول ثان لالبس، ونسج مضاف و " اليمن " مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.
    (*)
    (1/541)

    على " درهم " لانه فاعل في المعنى، لانه الآخذ للدرهم، وكذا " كسوت زيدا جبة " و " ألبسن من زاركم نسج اليمن " ف " من ": مفعول أول، و " نسج ": مفعول ثان، والاصل تقديم " من " على " نسج اليمن " لانه اللابس، ويجوز تقديم ما ليس فاعلا معنى، لكنه خلاف الاصل.
    * * * ويلزم الاصل لموجب عرى وترك ذاك الاصل حتما قد يرى (1) أي: يلزم الاصل - وهو تقديم الفاعل في المعنى - إذا طرأ ما يوجب ذلك، وهو خوف اللبس، نحو " أعطيت زيدا عمرا " فيجب تقديم الآخذ منهما، ولا يجوز تقديم غيره، لاجل اللبس، إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل.
    وقد يجب تقديم ما ليس فاعلا في المعنى، وتأخير ما هو فاعل في المعنى، نحو " أعطيت الدرهم صاحبه " فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا في المعنى، فلا تقول: " أعطيت صاحبه الدرهم " لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة [ وهو ممتنع ] والله أعلم (2).
    * * *.
    __________
    (1) " ويلزم الاصل " فعل وفاعل " لموجب " جار ومجرور متعلق بيلزم " عرى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى موجب، والجملة في محل جر نعت لموجب " وترك " مبتدأ، وترك مضاف واسم الاشارة من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الاصل " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " حتما " حال من نائب الفاعل المستتر في " يرى " الآتي، وتقديره باسم مفعول: أي محتوما " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) تلخيص ما أشار إليه الشارح والناظم في هذه المسألة أن للمفعول الاول مع المفعول الثاني - اللذين ليس أصلهما المبتدأ والخبر - ثلاثة أحوال، الحالة الاولى يجب = (*)
    (1/542)

    وحذف فضلة أجز، إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر (1) الفضلة: خلاف العمدة، والعمدة: ما لا يستغنى عنه كالفاعل، والفضلة:
    ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به، فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر، كقولك.
    __________
    = فيها تقديم الفاعل في المعنى، والحالة الثانية يجب فيها تقديم المفعول في المعنى، والحالة الثالثة يجوز فيها تقديم أيهما شئت، وسنبين لك مواضع كل حالة منها تفصيلا.
    أما الحالة الاولى فلها ثلاثة مواضع، أولها: أن يخاف اللبس، وذلك إذا صلح كل من المفعولين أن يكون فاعلا في المعنى، وذلك نحو " أعطيت زيدا عمرا " وثانيهما: أن يكون المفعول في المعنى محصورا فيه، نحو قولك " ما كسوت زيدا إلا جبة، وما أعطيت خالدا إلا درهما " وثالثها: أن يكون الفاعل في المعنى ضميرا والمفعول في المعنى اسما ظاهرا نحو " أعطيتك درهما ".
    وأما الحالة الثانية فلها ثلاثة مواضع أيضا، أولها: أن يكون الفاعل في المعنى متصلا بضمير يعود على المفعول في المعنى نحو " أعطيت الدرهم صاحبه "، إذ لو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وثانيها: أن يكون الفاعل في المعنى منهما محصورا فيه، نحو قولك " ما أعطيت الدرهم إلا زيدا " وثالثها: أن يكون المفعول في المعنى منهما ضميرا والفاعل في المعنى اسما ظاهرا، نحو قولك " الدرهم أعطيته بكرا " وأما الحالة الثالثة ففيما عداما ذكرناه من مواضع الحالتين، ومنها قولك " أعطيت زيدا ماله " يجوز أن تقول فيه: أعطيت ماله زيدا، فالضمير إن عاد على متأخر لفظا فقد عاد على متقدم رتبة.
    (1) " وحذف " مفعول به مقدم لاجز، وحذف مضاف و " فضلة " مضاف إليه " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " لم " جازمة نافية " يضر " فعل مضارع مجزوم بلم، وجملته فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: إن لم يضر حذف الفضلة فأجزه " كحذف " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كحذف و " ما " اسم موصول: مضاف إليه
    " سيق " فعل ماض مبني " للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " جوابا " مفعول ثان لسيق " أو " عاطفة " حصر " فعل ماض مبني للمجهول معطوف على سيق.
    (*)
    (1/543)

    في " ضربت زيدا ": " ضربت " بحذف المفعول به، وكقولك في " أعطيت زيدا درهما ": " أعطيت "، ومنه قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى)، و " أعطيت زيدا "، ومنه قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، و " أعطيت درهما " قيل: ومنه قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية) التقدير - والله أعلم - حتى يعطوكم الجزية، فإن ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها، كما إذا وقع المفعول به في جواب سؤال، نحو أن يقال: " من ضربت ؟ " فتقول: " ضربت زيدا " أو وقع محصورا، نحو " ما ضربت إلا زيدا "، فلا يجوز حذف " زيدا " في الموضعين، إذ لا يحصل في الاول الجواب، ويبقى الكلام في الثاني دالا على نفي الضرب مطلقا، والمقصود نفيه عن غير " زيد "، فلا يفهم المقصود عند حذفه.
    * * * ويحذف الناصبها، إن علما، وقد يكون حذفه ملتزما (1) يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل، نحو أن يقال: " من ضربت ؟ " فتقول: " زيدا " التقدير: " ضربت زيدا " فحذف " ضربت "، لدلالة ما قبله عليه، وهذا الحذف جائز، وقد يكون واجبا كما تقدم في باب الاشتغال، نحو " زيدا ضربته " التقدير: " ضربت زيدا ضربته " فحذف " ضربت " وجوبا كما تقدم، والله أعلم.
    __________
    (1) " ويحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " الناصبها " الناصب: نائب فاعل
    يحذف، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، و " ها " ضمير الغائب العائد إلى الفضلة مفعول به " إن " شرطية " علما " فعل ماض مبني للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الناصب " وقد " حرف تقليل " يكون " فعل مضارع ناقص " حذفه " حذف: اسم يكون وحذف مضاف وضمير الغائب العائد إلى الناصب مضاف إليه " ملتزما " خبر يكون (*)
    (1/544)

    التنازع في العمل إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل (1) والثان أولى عند أهل البصره واختار عكسا غيرهم ذا أسره (2) التنازع عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحد (3)، نحو " ضربت
    __________
    (1) " إن " شرطية " عاملان " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان " اقتضيا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " في اسم " جار ومجرور متعلق باقتضى " عمل " مفعول به لاقتضى، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " قبل " ظرف متعلق باقتضى، أو بمحذوف يقع حالا من قوله عاملان: أي حال كون هذين العاملين واقعين قبل الاسم، وقبل مبني على الضم في محل نصب " فللواحد " الفاء لربط الجواب بالشرط، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " منهما " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الواحد " العمل " مبتدأ مؤخر (2) " والثاني " مبتدأ " أولى " خبر المبتدأ " عند " ظرف متعلق بأولى، وعند مضاف، و " أهل " مضاف إليه، وأهل مضاف، و " البصرة " مضاف إليه " واختار " فعل ماض " عكسا " مفعول به لاختار " غيرهم " غير: فاعل اختار، وغير مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه " ذا " حال من غيرهم، وذا مضاف و " أسره " مضاف إليه، وهو بضم الهمزة والمراد به ذا قوة، وأصله - بضم الهمزة - الدرع الحصينة، أو قوم
    الرجل ورهطه الاقربون، ويجوز فتح الهمزة، والاسرة - بالفتح - الجماعة القوية.
    (3) قد يكون العاملان المتنازعان فعلين، ويشترط فيهما حينئذ: أن يكونا متصرفين نحو قوله تعالى: (آتوني أفرغ عليه قطرا)، وقد يكونان اسمين، ويشترط فيهما حينئذ أن يكونا مشبهين للفعل في العمل، وذلك بأن يكونا اسمي فاعلين، نحو قول الشاعر: * عهدت مغيثا مغنيا من أجرته * فمن: اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغن، أو بأن يكونا اسمي مفعول كقول كثير: = (*)
    (1/545)

    __________
    = قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها أو بأن يكونا مصدرين كقولك: عجبت من حبك وتقديرك زيدا، أو بأن يكونا اسمي تفضيل كقولك: زيد أضبط الناس وأجمعهم للعلم، أو بأن يكونا صفتين مشبهتين نحو قولك: زيد حذر وكريم أبوه، أو بأن يكونا مختلفين، فمثال الفعل واسم الفعل قوله تعالى (هاؤم اقرءوا كتابيه) ومثال الفعل والمصدر قول الشاعر: لقد علمت أولى المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا فقوله " مسمعا " اسم رجل، وقد تنازعه من حيث العمل كل من " لقيت " و " الضرب ".
    ومنه تعلم أنه لا تنازع بين حرفين، ولا بين فعلين جامدين، ولا بين اسمين غير عاملين، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد، أو فعل متصرف واسم غير عامل.
    ويشترط في العاملين - سوى ما فصلن - شرط ثان، وهو: أن يكون بينهما ارتباط، فلا يجوز أن تقول " قام قعد أخوك " إذ لا ارتباط بين الفعلين:
    والارتباط يحصل بواحد من ثلاثة أمور: (الاول) أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، كما رأيت (الثاني) أن يكون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى: (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله) العاملان هما ظنوا وظننتم، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله) و " كما ظننتم " معمول لظنوا، لانه صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقا ناصبه ظنوا.
    (الثالث) أن يكون جوابا للاول، نحو قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) ونحو قوله جل شأنه: (آتوني أفرغ عليه قطرا).
    ويشترط في العاملين أيضا: أن يكون كل واحد منهما موجها إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى، فخرج بذلك نحو قول الشاعر: * أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس * (*)
    (1/546)

    وأكرمت زيدا " فكل واحد من " ضربت " و " أكرمت " يطلب " زيدا " بالمفعولية، وهذا معنى قوله: " إن عاملان - إلى آخره ".
    وقوله: " قبل " معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا، ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع.
    وقوله: " فللواحد منهما العمل " معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر، والآخر يهمل عنه ويعمل في ضميره، كما سيذكره.
    __________
    = فليس كل واحد من " أتاك أتاك " موجها إلى قوله " اللاحقون "، إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو لقال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الاول، والثاني تأكيد له، وخرج قول امرئ القيس بن حجر الكندي ولو أن ما أسعى لادنى معيشة كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
    وذلك لان كلا من " كفاني " و " لم أطلب " ليس متوجها إلى قوله " من المال " إذ لو كان كل منهما متوجها إليه لصار حاصل المعنى: كفاني قليل من المال ولم أطلب هذا القليل، وكيف يصح ذلك وهو يقول بعد هذا البيت: ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وإنما قوله " قليل من المال " فاعل كفى، وهو وحده المتوجه إلى العمل فيه، وأما قوله " ولم أطلب " فله معمول محذوف يفهم من مجموع الكلام، والتقدير: كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك.
    ويشترط في العاملين أيضا: أن يكونا متقدمين على المعمول كالامثلة التي ذكرناها والتي ذكرها الشارح، فإن تقدم المعمول فإما أن يكون مرفوعا وإما أن يكون منصوبا فإن تقدم وكان مرفوعا نحو قولك " زيد قام وقعد " فلا عمل لاحد العاملين فيه، بل كل واحد منهما عامل في ضميره، وإن كان منصوبا نحو قولك " زيدا ضربت وأهنت " فالعامل فيه هو أول العاملين، وللثاني منهما معمول محذوف يدل عليه المذكور، أولا معمول له أصلا، وإن توسط المعمول بين العاملين نحو قولك " ضربت زيدا وأهنت " فهو معمول للسابق عليه منهما، وللمتأخر عنه معمول محذوف بدل عليه المذكور، وقد أشار الشارح إشارة وجيزة إلى هذا الشرط.
    (*)
    (1/547)

    ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر، ولكن اختلفوا في الاولى منهما (1).
    فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به، لقربه منه، وذهب الكوفيون إلى أن الاول أولى به، لتقدمه.
    * * * وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه، والتزم ما التزما (2)
    .
    __________
    (1) رأى البصريون أن إعمال ثاني العاملين أولى من إعمال الاول منهما لثلاث حجج: الاولى: أنه أقرب إلى المعمول، وهي العلة التي ذكرها الشارح.
    الثانية: أنه يلزم على إعمال الاول منهما الفصل بين العامل - وهو المتقدم - ومعموله - وهو الاسم الظاهر - بأجنبي من العامل، وهو ذلك العامل الثاني، ومع أن الفصل بين العامل والمعمول مغتفر في هذا الباب للضرورة التي ألجات إليه، فهو خلاف الاصل على الاقل.
    الثالثة: أنه يلزم على إعمال العامل الاول في لفظ المعمول أن تعطف على الجملة الاولى - وهي جملة العامل الاول مع معموله - قبل تمامها، والعطف قبل تمام المعطوف عليه خلاف الاصل.
    ورأى الكوفيون أن إعمال الاول أولى من إعمال الثاني لعلتين: الاولى: أنه أسبق وأقدم ذكرا، وهي التي ذكرها الشارح.
    والثانية: أنه يترتب على إعمال العامل الثاني في لفظ المعمول المذكور أن تضمر ضميرا في العامل الاول منهما، فيكون في الكلام الاضمار قبل الذكر، وهو غير جائز عندهم، وخلاف الاصل عند البصريين.
    ولكل فريق من الفريقين مستند من السماع عن العرب.
    ثم إنه قد يوجد في الكلام ما يوجب إعمال الثاني كما في قولك: ضربت بل أكرمت زيدا، وقد يوجد فيه ما يوجب إعمال الاول كما في قولك: لا أكرمت ولا قدمت زيدا.
    (2) " وأعمل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المهمل " = (*)
    (1/548)

    كيحسنان ويسئ ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا (1) أي: إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر وأهملت الآخر عنه، فأعمل المهمل
    في ضمير الظاهر، والتزم الاضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه، كالفاعل، وذلك كقولك: " يحسن ويسئ ابناك " فكل واحد من " يحسن " و " يسئ " يطلب " ابناك " بالفاعلية، فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الاول فاعله، فتقول " يحسنان ويسئ ابناك " وكذلك إن أعملت الاول وجب الاضمار في الثاني، فتقول: " يحسن ويسيئان ابناك " ومثله " بغى واعتديا عبداك " وإن أعملت الثاني في هذا المثال قلت: " بغيا واعتدى عبداك " ولا يجوز ترك الاضمار، فلا تقول " يحسن ويسئ ابناك " ولا " بغى واعتدى عبداك " لان تركه (2) يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل
    __________
    = مفعول به لاعمل " في ضمير " جار ومجرور متعلق بأعمل، وضمير مضاف، و " ما " اسم موصول: مضاف إليه " تنازعاه " فعل ماض وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها صلة الموصول " والتزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت " ما " اسم موصول مفعول به لالتزم " التزما " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لامحل لها صلة.
    (1) " كيحسنان " الكاف جارة لقول محذوف، يحسنان: فعل وفاعل " ويسئ " فعل مضارع " ابناكا " ابنا: فاعل يسئ مرفوع بالالف لانه مثنى، وابنا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " وقد " حرف تحقيق " بغى " فعل ماض " واعتديا " فعل وفاعل " عبداكا " فاعل بغى، ومضاف إليه.
    (2) يريد أن ترك الاضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، وهذا كلام قاصر، ولابد من تقدير ليصح، فإ ترك الاضمار لا يؤدي إلى حذف الفاعل فقط، لجواز أن يظهر مع كل عامل معموله، والكلام التام أن يقال: إن ترك الاضمار يلزم منه أحد أمرين، الاول التكرار إذا أظهرت مع كل عامل معموله، والثاني حذف الفاعل، وكلاهما محظور.
    (*)
    (1/549)

    ملتزم الذكر، وأجاز الكسائي ذلك على الحذف، بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وأجازه الفراء على توجه العاملين معا إلى الاسم الظاهر، وهذا بناء منهما على منع الاضمار في الاول عند إعمال الثاني، فلا تقول: " يحسنان ويسئ ابناك " وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة.
    * * * ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أو هلا (1) بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر (2)
    __________
    (1) " ولا " ناهية " تجئ " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مع " ظرف متعلق بتجئ، ومع مضاف و " أول " مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " أهملا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أول، والجملة في محل جر صفة لاول " بمضمر " جار ومجرور متعلق بتجئ " لغير " جار ومجرور متعلق بأوهل الآتي، وغير مضاف، و " رفع " مضاف إليه " أو هلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر، والجملة في محل جر صفة لمضمر.
    (2) " بل " حرف عطف، ومعناه - هنا - الانتقال " حذفه " حذف: مفعول مقدم لالزم، وحذف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " الزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص، فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " غير " خبر يكن.
    وغير مضاف و " خبر " مضاف إليه " وأخرنه " الواو عاطفة، أخر: فعل
    أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لامحل له من الاعراب، والهاء مفعول به لاخر " إن " شرطية " يكن " فعل = (*)
    (1/550)

    تقدم أنه إذا أعمل أحد العاملين في الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل في ضميره، ويلزم الاضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره: كالفاعل، أو نائبه، ولا فرق في وجوب الاضمار - حينئذ - بين أن يكون المهمل الاول أو الثاني، فتقول: " يحسنان ويسئ ابناك، ويحسن ويسيئان ابناك ".
    وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو: إما أن يكون عمدة في الاصل - وهو مفعول " ظن " وأخواتها، لانه مبتدأ في الاصل أو خبر، وهو المراد بقوله: " إن يكن هو الخبر " - أولا، فإن لم يكن كذلك: فإما أن يكون الطالب له هو الاول، أو الثاني، فإن كان الاول لم يجز الاضمار، فتقول " ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد " ولا تضمر فلا تقول: " ضربته وضربني زيد " ولا " مررت به ومر بي زيد " وقد جاء في الشعر، كقوله: 160 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد وألغ أحاديث الوشاة، فقلما يحاول واش غير هجران ذي ود
    __________
    = مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " هو " ضمير فصل لا محل له من الاعراب " الخبر " خبر يكن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن يكن مضمر غير الرفع هو الخبر فأخرنه.
    160 - البيتان من الشواهد التي لم نقف لاحد على نسبتها لقائل معين.
    اللغة: " جهارا " بزنة كتاب - أي عيانا ومشاهدة، وتقول: رأيته جهرا وجهارا وكلمت فلانا جهرا وجهارا.
    وجهر فلان بالقول جهرا، كل ذلك في معنى العلن، قال الله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) وقال الاخفش في قوله تعالى: (حتى نرى الله جهرة) أي عيانا يكشف عنا ما بيننا وبينه " الغيب " أصله ما استتر عنك ولم = (*)
    (1/551)

    __________
    = تره، ويريد به ههنا ما لم يكن الصاحب حاضرا " أحفظ للعهد " يروى في مكانه " أحفظ للود " والود بضم الواو في المشهور، وقد تكسر الواو، أو تفتح - المحبة " ألغ " يريد لا تجعل لكلام الوشاة سبيلا إلى قلبك " الوشاة " جمع واش، وهو الذي ينقل إليك الكلام عن خلانك وأحبائك بقصد إفساد ما بينكم من أواصر المحبة " يحاول " هو مضارع من المحاولة، وأصلها إرادة الشئ بحيلة.
    المعنى: إذا كانت بينك وبين أحد صداقة، وكان كل واحد منكما يعمل في العلن على إرضاء صاحبه، فتمسك بأواصر هذه المحبة في حال غيبة صديقك عنك، ولا تقبل في شأنه أقوال الوشاة، فإنهم إنما يريدون إفساد هذه الصداقة وتعكير صفوها.
    الاعراب: " إذا " ظرف زمان تضمن معنى الشرط، مبني على السكون في محل نصب " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه، وجملة " ترضيه " من الفعل مع فاعله المستتر ومفعوله في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي جملة الشرط " ويرضيك " فعل ومفعول به " صاحب " فاعل يرضيك، وجملة يرضيك وفاعله ومفعوله في محل نصب معطوفة على جملة ترضيه التي قبلها " جهارا " منصوب على الظرفية تنازعه كل من الفعلين السابقين " فكن " الفاء لربط الجواب بالشرط، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في الغيب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " أحفظ " خبر كن " للعهد " جار ومجرور متعلق بأحفظ.
    الشاهد فيه: قوله " ترضيه ويرضيك صاحب " فقد تقدم في هذه العبارة عاملان - وهما " ترضي " و " يرضي " - وتأخر عنهما معمول واحد - وهو قوله " صاحب " - وقد تنازع كل من " ترضي " و " يرضي " ذلك الاسم الذي بعدهما وهو " صاحب " والاول يطلبه مفعولا به، والثاني يطلبه فاعلا، وقد أعمل الشاعر فيه الثاني وأعمل الاول في ضميره الذي هو الهاء، والجمهور يرون أنه كان يجب على الشاعر ألا يعمل الاول في الضمير، لان هذا الضمير فضلة يستغنى الكلام عنه، وذكر الضمير مع العامل الاول يترتب عليه الاضمار قبل الذكر، والاضمار قبل الذكر لا يجوز، وقد ارتكبه الشاعر، من غير ضرورة ملجئة إلى ارتكاب هذا المحظور، فإنهم إنما أجازوا في = (*)
    (1/552)

    وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الاضمار، فتقول: " ضربني وضربته زيد، ومر بي ومررت به زيد " ولا يجوز الحذف، فلا تقول " ضربني وضربت زيد " ولا " مر بي ومررت زيد "، وقد جاء في الشعر، كقوله: 161 - بعكاظ يعشي الناظرين - إذا هم لمحوا - شعاعه والاصل " لمحوه " فحذف الضمير ضرورة، وهو شاذ، كما شذ عمل المهمل الاول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الاصل.
    __________
    = هذا الباب - الاضمار قبل الذكر، إذا كان الضمير فاعلا، مثلا، لانه لا يستغنى الكلام عنه، ولا يجوز حذفه، والضرورة يجب أن تتقدر بقدرها، ومنهم من منع الاضمار قبل الذكر مطلقا.
    161 - البيت لعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، من كلمة رواها أبو تمام حبيب بن أوس في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي: 2 / 256 بتحقيقنا) وقبل هذا البيت قولها: سائل بنا في قومنا وليكف من شر سماعه
    قيسا، وما جمعوا لنا في مجمع باق شناعه فيه السنور والقنا والكبش ملتمع قناعه اللغة: " عكاظ " بزنة غراب - موضع كانت فيه سوق مشهورة، يجتمع فيها العرب للتجارة، والمفاخرة " يعشي " مضارع من الاعشاء، وأصله العشا، وهو ضعف البصر ليلا " لمحوا " ماض من اللمح، وهو سرعة إبصار الشئ " شعاعه " بضم الشين - ما تراه من الضوء مقبلا عليك كأنه الحبال، والضمير الذي أضيف الشعاع إليه يجوز أن يكون عائدا على عكاظ، لانه موضع الشعاع، ويجوز أن يكون عائدا على القناع الذي ذكرته في البيت السابق على هذا البيت.
    المعنى: تريد أن أشعة سلاح قومها مما تضعف أبصار الناظر إليها، تكنى بذلك عن كثرة السلاح وقوة بريقه ولمعانه.
    الاعراب: " بعكاظ " جار ومجرور متعلق بقولها " جمعوا " في البيت السابق = (*)
    (1/553)

    هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الاصل، فإن كان عمدة في الاصل فلا يخلو: إما أن يكون الطالب له هو الاول، أو الثاني، فإن كان الطالب له هو الاول وجب إضماره مؤخرا، فتقول: " ظنني وظننت زيدا قائما إياه " وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته: متصلا كان، أو منفصلا، فتقول: " ظننت وظننيه زيدا قائما، وظننت وظنني إياه زيدا قائما ".
    ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الاول لم تأت معه بضمير غير مرفوع - وهو المنصوب والمجرور - فلا تقول: " ضربته وضربني زيد "، ولا مررت به ومر بي زيد " بل يلزم الحذف، فتقول: " ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد " إلا إذا كان المفعول خبرا في الاصل، فإنه لا يجوز حذفه، بل يجب الاتيان به مؤخرا، فتقول " ظنني وظننت زيدا
    قائما إياه ".
    __________
    = " يعشي " فعل مضارع " الناظرين " مفعول به ليعشي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " هم " تأكيد لضمير متصل بفعل محذوف، والتقدير: إذا لمحواهم " لمحوا " فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " شعاعه " شعاع: فاعل يعشي مرفوع بالضمة الظاهرة، وشعاع مضاف وضمير الغائب مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " يعشي.
    لمحوا شعاعه " حيث تنازع كل من الفعلين " شعاعه " فالفعل الاول وهو " يعشي " يطلبه فاعلا له، والفعل الثاني وهو " لمحوا " يطلبه مفعولا، وقد أعمل فيه الاول، بدليل أنه مرفوع، وأعمل الثاني في ضميره، ثم حذف ذلك الضمير ضرورة، وأصل الكلام قبل تقديم العاملين " يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه " ثم صار بعد تقديمهما " يعشي الناظرين إذا لمحوه شعاعه " ثم حذفت الهاء من " لمحوه " فصار كما ترى في البيت.
    ومذهب الجمهور أن ذلك الحذف لا يجوز لغير الضرورة وذلك من قبل أن ذكره لا يترتب عليه محظور الاضمار قبل الذكر، وفي حذفه فساد، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له.
    وذهب قوم إلى أن حذف الضمير في مثل هذه الحال جائز في سعة الكلام، وذلك لان هذا الضمير فضلة لا يجب ذكرها.
    (*)
    (1/554)

    ومفهومه أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقا: مرفوعا كان، أو مجرورا، أو منصوبا، عمدة في الاصل أو غير عمدة.
    * * * وأظهر ان يكن ضمير خيرا لغير ما يطابق المفسرا (1) نحو أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين في الرخا (2)
    أي: يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره، لكونه خبرا في الاصل عما لا يطابق المفسر، كما إذا كان في الاصل خبرا عن مفرد ومفسره مثنى، نحو " أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين " ف " زيدا ": مفعول أول لاظن، و " عمرا ": معطوف عليه، و " أخوين ": مفعول ثان لاظن، والياء: مفعول أول ليظنان، فيحتاج إلى مفعول ثان، فلو أتيت به ضميرا فقلت: " أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين "
    __________
    (1) " أظهر " فعل أمر مبني على السكون، وكسر للتخلص من التقاء الساكنين وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط " ضمير " اسم يكن " خبرا " خبر يكن " لغير " جار ومجرور متعلق بخبر، وغير مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " يطابق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المفسرا " مفعول به ليطابق، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسر فأظهره: أي جئ به اسما ظاهرا.
    (2) " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو " أظن " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ويظناني " فعل وفاعل ومفعول أول " أخا " مفعول ثان ليظناني " زيدا " مفعول أول لاظن " وعمرا " معطوف عليه " أخوين " مفعول ثان لاظن " في الرخا " تنازع فيه كل من " أظن " و " يظناني ".
    (*)
    (1/555)

    لكان " إياه " مطابقا للياء، في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو " أخوين "، لانه مفرد، و " أخوين " مثنى، فتفوت مطابقة المفسر للمفسر، وذلك لا يجوز، وإن قلت " أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين " حصلت مطابقة المفسر للمفسر، [ وذلك ] لكون " إياهما " مثنى، و " أخوين " كذلك،
    ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني - الذي هو خبر في الاصل - للمفعول الاول - الذي هو مبتدأ في الاصل، لكون المفعول الاول مفردا، وهو الياء، والمفعول الثاني غير مفرد، وهو " إياهما "، ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ، فلما تعذرت [ المطابقة ] مع الاضمار وجب الاظهار، فتقول: " أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين "، ف " زيدا وعمرا أخوين ": مفعولا أظن، والياء مفعول يظنان الاول، و " أخا " مفعوله الثاني، ولا تكون المسألة - حينئذ - من باب (1) التنازع، لان كلا من العاملين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين.
    وأجاز الكوفيون الاضمار مراعى به جانب المخبر عنه، فتقول: " أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين " وأجازوا أيضا الحذف، فتقول: " أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين ".
    * * *
    __________
    (1) القول بأن هذه المسألة حينئذ ليست من باب التنازع هو الذي ذكره ابن هشام ووجه ذلك بأن العاملين بالنسبة للمفعول الثاني لم يعمل أحدهما في لفظه والآخر في ضميره بل لم تتوجه مطالبة كل واحد منهما إليه، وهو شرط باب التنازع، وذلك لان " أخوين " معمول لاظن، ولم يتوجه إليه يظناني، لعدم مطابقته لمفعوله الاول، فإنه لا يطلب مفعولا ثانيا إلا بشرط مطابقته لمفعوله الاول.
    ونازع في هذا قوم من المتأخرين منهم ابن القاسم وقالوا: إن اشتراط صحة توجه كل من العاملين إلى المعمول إنما هو بالنظر إلى المعنى لا بالنظر إلى الافراد والتثنية، ولا بالنظر إلى نوع العمل، أفلا ترى أنك لو قلت " ضربني وضربت زيدا " لم يكن ليصح أن يتوجه الاول إلى " زيدا " المنصوب، ولو قلت " ضربني وضربته زيد " لم يكن يصح توجه الثاني إليه وهو مرفوع ؟ (*)
    (1/556)

    المفعول المطلق
    المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن (1) الفعل يدل على شيئين: الحدث، والزمان، ف " قام " يدل على قيام في في زمن ماض، و " يقوم " يدل على قيام في الحال أو الاستقبال، و " قم " يدل على قيام في الاستقبال، والقيام هو الحدث - وهو أحد مدلولي الفعل - وهو المصدر، وهذا معنى قوله: " ما سوى الزمان من مدلولي الفعل " فكأنه قال: المصدر اسم الحدث كأمن، فإنه أحد مدلولي أمن.
    والمفعول المطلق هو: المصدر، المنتصب: توكيدا لعامله، أو بيانا لنوعه، أو عدده، نحو " ضربت ضربا، وسرت سير زيد، وضربت ضربتين ".
    وسمى مفعولا مطلقا لصدق " المفعول " عليه غير مقيد بحرف جر ونحوه، بخلاف غيره من المفعولات، فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا، كالمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول معه، والمفعول له.
    * * * بمثله أو فعل أو وصف نصب وكونه أصلا لهذين انتخب (2)
    __________
    (1) " المصدر " مبتدأ " اسم " خبر المبتدأ، واسم مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " سوى " ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، وسوى مضاف، و " الزمان " مضاف إليه " من مدلولي " جار ومجرور متعلق بما تعلق به سوى، ومدلولي مضاف، و " الفعل " مضاف إليه " كأمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كأمن " من أمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لامن المصدر.
    (2) " بمثله " الجار والمجرور متعلق بنصب الآتي، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه " أو فعل، أو وصف " معطوفان على مثل " نصب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل = (*)
    (1/557)

    ينتصب المصدر بمثله، أي بالمصدر، نحو: عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا " أو بالفعل (1)، نحو " ضربت زيدا ضربا " أو بالوصف (2)، نحو " أنا ضارب زيدا ضربا ".
    __________
    = ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " وكونه " الواو عاطفة، كون: مبتدأ، وكون مضاف والضمير مضاف إليه من إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه " أصلا " خبر الكون من جهة النقصان " لهذين " جار ومجرور متعلق بقوله أصلا أو بمحذوف صفة له " انتخب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه أصلا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو كونه أصلا، وهذا خبره من جهة الابتداء.
    (1) يشترط في الفعل الذي ينصب المفعول المطلق ثلاثة شروط، الاول: أن يكون متصرفا، والثاني: أن يكون تاما، والثالث: ألا يكون ملغى عن العمل، فإن كان الفعل جامدا كعسى وليس وفعل التعجب ونعم وبئس، أو كان ناقصا ككان وأخواتها أو كان ملغى كظن وأخواتها إن توسطت بين المفعولين أو تأخرت عنهما - فإنه لا ينصب المفعول المطلق.
    (2) يشترط في الوصف الذي ينصب المفعول المطلق شرطان، أحدهما: أن يكون متصرفا وثانيهما أن يكون إما اسم فاعل وإما اسم مفعول وإما صيغة مبالغة، فإن كان اسم تفصيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلاف فيما نعلم، وأما قول الشاعر: أما الملوك فأنت اليوم الامهم لؤما، وأبيضهم سر بال طباخ فإن قوله " لؤما " مفعول مطلق، لكن ناصبه ليس هو قوله " الامهم " الذي هو أفعل تفضيل، ولكن ناصبه محذوف يدل عليه " الامهم " وتقدير الكلام - على هذا -: فأنت اليوم الامهم تلؤم لؤما، واختلفوا في الصفة المشبهة، فحملها قوم على أفعل التفضيل ومنعوا من نصبها المفعول المطلق، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه
    مستدلا بقول النابغة الذبياني: وأراني طربا في إثرهم طرب الواله أو كالمختبل فإن قوله " طرب الواله " مفعول مطلق، وزعم أن ناصبه قوله " طربا " الذي = (*)
    (1/558)

    ومذهب البصريين أن المصدر أصل، والفعل والوصف مشتقان منه، وهذا معنى قوله: " وكونه أصلا لهذين انتخب " أي: المختار أن المصدر أصل لهذين، أي: الفعل، والوصف.
    ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل، والمصدر مشتق منه.
    وذهب قوم إلى أن المصدر أصل، والفعل مشتق منه، والوصف مشتق من الفعل.
    وذهب ابن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل برأسه، وليس أحدهما مشتقا من الآخر.
    والصحيح المذهب الاول، لان كل فرع يتضمن الاصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك، لان كلا منهما يدل على المصدر وزيادة، فالفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل.
    * * * توكيدا أو نوعا يبين أو عدد كسرت سيرتين سير ذي رشد (1)
    __________
    = هو صفة مشبهة، وغيره يجعل هذه الصفة المشبهة دليلا على العامل، وليست هي العامل، والتقدير: أراني طربا في إثرهم أطرب طرب الواله إلخ، على نحو ما قالوه في أفعل التفصيل.
    (1) " توكيدا " مفعول به مقدم ليبين " أو نوعا " معطوف عليه " يبين " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " أو عدد " معطوف
    على قوله " نوعا " السابق، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " كسرت " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا، سرت: فعل وفاعل " سيرتين " مفعول مطلق يبين العدد " سير " مفعول مطلق يبين النوع، وسير مضاف، و " ذي " بمعنى صاحب مضاف إليه، وذي مضاف، و " رشد " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكنه للوقف.
    (*)
    (1/559)

    المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال كما تقدم: أحدها: أن يكون مؤكدا، نحو " ضربت ضربا ".
    الثاني: أن يكون مبينا للنوع (1)، نحو " سرت سير ذي رشد "، و " سرت سيرا حسنا ".
    الثالث: أن يكون مبينا للعدد، نحو " ضربت ضربة، وضربتين، وضربات ".
    * * * وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد، وافرح الجذل (2)
    __________
    (1) المفعول المطلق الذي يبين نوع عامله هو: ما يكون على واحد من ثلاثة أحوال الاول: أن يكون مضافا، نحو قولك: اعمل عمل الصالحين، وجد جد الحريص على بلوغ الغاية، وهذا النوع من باب النيابة عن مصدر الفعل نفسه، لاستحالة أن يفعل إنسان فعل غيره، وإنما يفعل فعلا (مماثلا) ؟ لفعل غيره، فالحقيقة في هذين المثالين أن تقول: اعمل عملا مشابها لعمل الصالحين، وجد جدا مماثلا لجد الحريص.
    الثاني: أن يكون موصوفا، نحو قولك: اعمل عملا صالحا، وسرت سيرا وئيدا، وليس هذا من باب النيابة قطعا.
    الثالث: أن يكون مقرونا بأل العهدية، نحو قولك: اجتهدت الاجتهاد، وجددت
    الجد، وهذا يحتمل الامرين جميعا، فإذا كان المعهود بين المتكلم والمخاطب فعل شخص آخر كان من باب النيابة، وكأن المتكلم يقول: اجتهدت اجتهادا مثل ذلك الاجتهاد الذي تعلم أن فلانا قد اجتهده، وإن كان المعهود بينهما هو اجتهاد المتكلم نفسه، وأنه قصد بدخول أل عليه استحضار صورته لم يكن من باب النيابة، لانه فعله.
    (2) " وقد " هنا حرف تحقيق " ينوب " فعل مضارع " عنه " جار ومجرور متعلق بينوب " ما " اسم موصول: فاعل ينوب " عليه " جار ومجرور متعلق بدل الآتي " دل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، = (*)
    (1/560)

    قد ينوب عن المصدر ما يدل عليه، ككل وبعض، مضافين إلى المصدر، نحو " جد كل الجد " (1)، وكقوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل)، و " ضربته بعض الضرب ".
    وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور (2)، نحو " قعدت جلوسا، وافرح الجذل " فالجلوس: نائب مناب القعود لمرادفته له، والجذل: نائب مناب الفرح لمرادفته له.
    __________
    = والجملة لا محل لها صلة ما " كجد " الكاف جارة لقول محذوف، جد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كل " مفعول مطلق، نائب عن المصدر، منصوب بالفتحة الظاهرة، وكل مضاف و " الجد " مضاف إليه " وافرح " الواو حرف عطف، افرح: فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الجذل " مفعول مطلق.
    (1) ومنه قول مجنون بني عامر قيس بن الملوح: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا (2) اعلم أنه إذا وقع المصدر المنصوب بعد فعل من معناه لا من لفظه فلك في إعرابه ثلاثة أوجه:
    الاول: أن تجعله مفعولا مطلقا، والنحاة في هذا الوجه من الاعراب على مذهبين فذهب المازني والسيرافي والمبرد إلى أن العامل فيه هو نفس الفعل السابق عليه، واختار ابن مالك هذا القول، وذهب سيبويه والجمهور إلى أن العامل فيه فعل آخر من لفظ المصدر، وهذا الفعل المذكور دليل على المحذوف.
    الثاني: أن تجعل المصدر مفعولا لاجله إن كان مستكملا لشروط المفعول لاجله، الثالث: أن تجعل المصدر حالا بتأويل المشتق، فإذا قلت " فرحت جذلا " فجذلا: عند المازني ومن معه مفعول مطلق منصوب بفرحت، وعند سيبويه مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف، وتقدير الكلام على هذا: فرحت وجذلت جذلا، وعلى الوجه الثاني هو مفعول لاجله بتقدير فرحت لاجل الجذل، وعلى الوجه الثالث حال بتقدير: فرحت حال كوني جذلان.
    (*)
    (1/561)

    وكذلك ينوب مناب المصدر اسم الاشارة، نحو " ضربته ذلك الضرب " وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الاشارة مناب المصدر فلا بد من وصفه بالمصدر، كما مثلنا، وفيه نظر، فمن أمثلة سيبويه " ظننت ذاك " أي: ظننت ذاك الظن، فذاك إشارة إلى الظن، ولم يوصف به.
    وينوب عن المصدر - أيضا - ضميره، نحو " ضربته زيدا " أي: ضربت الضرب، ومنه قوله تعالى: (لا أعذبه أحدا من العالمين) أي: لا أعذب العذاب.
    وعدده، نحو " ضربته [ عشرين ] ضربة " ومنه قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة).
    والآلة، نحو " ضربته سوطا " والاصل: ضربته ضرب سوط، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والله تعالى أعلم.
    * * * وما لتوكيد فوحد أبدا وثن واجمع غيره وأفردا (1) لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله، ولا جمعه، بل يجب إفراده، فتقول: " ضربت ضربا "، وذلك لانه بمثابة تكرر الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع.
    __________
    (1) " وما " اسم موصول مفعول مقدم على عامله وهو وحد الآتي " لتوكيد " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما " فوحد " الفاء زائدة، ووحد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أبدا " منصوب على الظرفية " وثن " فعل أمر، وفيه ضمير مستتر وجوبا هو فاعله " واجمع " معطوف على ثن " غيره " تنازعه كل من ثن واجمع " وأفردا " الواو حرف عطف، وأفرد: فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وقلبت نون التوكيد ألفا للوقف، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله.
    (*)
    (1/562)

    وأما غير المؤكد - وهو المبين للعدد، والنوع - فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه.
    فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه، نحو: ضربت ضربتين، وضربات.
    [ وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه، إذا اختلفت أنواعه، نحو " سرت سيري زيد الحسن والقبيح ] ".
    وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا اختيار الشلوبين.
    * * * وحذف عامل المؤكد امتنع وفي سواه لدليل متسع (1)
    المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله، لانه مسوق لتقرير عامله وتقويته، والحذف مناف لذلك.
    وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه: جوازا، ووجوبا.
    فالمحذوف جوازا، كقولك: " سير زيد " لمن قال: " أي سير سرت " و " ضربتين " لمن قال: " كم ضربت زيدا ؟ " والتقدير: سرت سير زيد، وضربته ضربتين.
    وقول ابن المصنف: إن قوله " وحذف عامل المؤكد امتنع " سهو منه، لان
    __________
    (1) " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " عامل " مضاف إليه، وعامل مضاف، و " المؤكد " مضاف إليه " امتنع " فعل ماض، وفعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من امتنع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وفي سواه " الواو حرف عطف، وما بعدها جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " لدليل " جار ومجرور متعلق بمتسع " متسع " مبتدأ مؤخر.
    (*)
    (1/563)

    قولك " ضربا زيدا " مصدر مؤكد، وعامله محذوف وجوبا، كما سيأتي ليس بصحيح (1)، وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد [ بما سيأتي ] ليس منه، وذلك لان " ضربا زيدا " ليس من التأكيد في شئ، بل هو أمر خال من التأكيد، بمثابة " اضرب زيدا " لانه واقع موقعه، فكما أن " اضرب زيدا " لا تأكيد فيه كذلك " ضربا زيدا " وكذلك جميع الامثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شئ، لان المصدر فيها نائب مناب العامل، دال على ما يدل عليه، وهو عوض منه، ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولا شئ من المؤكدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكد.
    ومما يدل أيضا على أن " ضربا زيدا " ونحوه ليس من المصدر المؤكد لعامله أن المصدر المؤكد لا خلاف في أنه لا يعمل، واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل: هل يعمل أو لا ؟ والصحيح أنه يعمل، ف " زيدا " في قولك " ضربا زيدا " منصوب ب " ضربا " على الاصح، وقيل: إنه منصب بالفعل المحذوف، وهو " اضرب "، فعلى القول الاول ناب " ضربا " عن " اضرب " في الدلالة على معناه وفي العمل، وعلى القول الثاني ناب عنه في الدلالة على المعنى دون العمل.
    * * * والحذف حتم مع آت بدلا من فعله، كندلا اللذ كاندلا (2)
    __________
    (1) جملة " ليس بصحيح " خبر المبتدأ الذي هو قوله " وقول ابن المصنف ".
    (2) " والحذف حتم " مبتدأ وخبر " مع " ظرف منصوب على الطرفية، وهو متعلق بالخبر، ومع مضاف، و " آت " مضاف إليه " بدلا " حال من الضمير المستتر في آت " من فعله " الجار والمجرور متعلق بقوله بدلا، وفعل مضاف والضمير مضاف = (*)
    (1/564)

    يحذف عامل المصدر وجوبا في مواضع: منها: إذا وقع المصدر بدلا من فعله، وهو مقيس في الامر والنهي، نحو " قياما لا قعودا " أي: قم [ قياما ] ولا تقعد [ قعودا ]، والدعاء، نحو " سقيا لك " أي: سقاك الله.
    وكذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ، نحو " أتوانيا وقد علاك المشيب ؟ " أي: أتتوانى وقد علاك (1).
    ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به
    الخبر، نحو " أفعل وكرامة " أي: وأكرمك.
    فالمصدر في هذه الامثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه.
    __________
    = إليه " كندلا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أو حال من الضمير المستتر في آت " اللذ " اسم موصول صفة لندلا " كاندلا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والكاف في " كندلا " وفي " كاندلا " داخلة على مقصود فلظه، فكل منهما مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.
    (2) اعلم أن المصدر الآتي بدلا من فعل على ضربين، أحدهما: المراد به طلب، وثانيهما: المراد به خبر، فأما المراد به طلب فأربعة أنواع، الاول: ما كان المراد به الامر كبيت الشاهد الآتي (رقم 162)، والثاني ما كان المراد به النهي كقولك: قياما لا قعودا، والثالث: ما كان المراد به الدعاء نحو: سقيا لك.
    والرابع ما كان المراد به التوبيخ كقولهم " أتوانيا وقد جد الجد ".
    وأما المراد به خبر فعلى ضربين: سماعي، ومقيس، فأما السماعي فنحو قولهم: لا أفعل ولا كرامة، وأما المقيس فهو أنواع كثيرة: منها ما ذكر تفصيلا لعاقبة جملة قبله.
    ومنها ما كان مكررا.
    أو محصورا، ومنها ما جاء مؤكدا لنفسه، أو لغيره، وقد تكفل الشارح ببيان ذلك النوع بيانا وافيا.
    (*)
    (1/565)

    وأشار بقوله: " كندلا " إلى ما أنشده سيبويه، وهو قول الشاعر: 162 - يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب
    __________
    162 - البيتان لاعشى همدان.
    من كلمة يهجو فيها لصوصا.
    اللغة: " الدهنا " يقصر ويمد - موضع معروف لبني تميم " عيابهم " العياب: جمع عيبة، وهي وعاء الثياب " دارين " قرية بالبحرين مشهورة بالمسك.
    وفيه سوق " بجر " بضم فسكون - جمع بجراء، وهي الممتلئة، والحقائب: جمع حقيبة، وهي - هنا - العيبة أيضا " ألهى الناس " شغلهم وأورثهم الغفلة " جل أمورهم " بضم الجيم وتشديد اللام - معظمها وأكثرها " ندلا " خطفا في خفة وسرعة.
    المعنى: هؤلاء اللصوص يمرون بالدهناء في حين ذهابهم إلى دارين، وقد صفرت عيابهم من المتاع فلا شئ فيها.
    ولكنهم عندما يعودون من دارين يكونون قد ملاوا هذه العياب حتى انتفخت وعظمت.
    وذلك ناشئ من أنهم يختلسون غفلة الناس بمهامهم وبمعظم أمورهم فيسطون على ما غفلوا عنه من المتاع وينادي بعضهم بعضا: اخطف خطفا سريعا، وكن خفيف اليد سريع الروغان.
    الاعراب: " يمرون " فعل وفاعل " بالدهنا " جار ومجرور متعلق بيمر " خفافا " حال من الفاعل " عيابهم " عياب فاعل لخفاف.
    وعياب مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " ويرجعن " فعل وفاعل، والتعبير بنون الاناث لتأويلهم بالجماعات.
    أو لقصد تحقيرهم " من دارين " جار ومجرور متعلق بيرجع " بجر " حال من الفاعل، وبجر مضاف و " الحقائب " مضاف إليه " على " حرف جر " حين " ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر، أو مجرور بالكسرة الظاهرة " ألهى " فعل ماض " الناس " مفعول به لالهى تقدم على فاعله " جل " فاعل ألهى، وجل مضاف.
    وأمور من " أمورهم " مضاف إليه، وأمور مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " فندلا " مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف " زريق " منادى بحرف نداء محذوف " المال " مفعول به = (*)
    (1/566)

    ف " ندلا " نائب مناب فعل الامر، وهو اندل، والندل: خطف الشئ
    بسرعة، و " زريق " منادى، والتقدير: ندلا يا زريق [ المال ]، وزريق اسم رجل، وأجاز المصنف أن يكون مرفوعا بندلا، وفيه نظر (1)، لانه إن جعل " ندلا " نائبا مناب فعل الامر للمخاطب، والتقدير " اندل " لم يصح أن يكون مرفوعا به، لان فعل الامر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهرا، فكذلك ما ناب منابه، وإن جعل نائبا مناب فعل الامر للغائب، والتقدير " ليندل " صح أن يكون مرفوعا به، لكن المنقول أن المصدر لا ينوب مناب فعل الامر للغائب، وإنما ينوب مناب فعل الامر للمخاطب، نحو " ضربا زيدا " أي: اضرب زيدا، والله أعلم.
    * * * وما لتفصيل كإما منا عامله يحذف حيث عنا (2)
    __________
    = لقوله ندلا السابق " ندل " مفعول مطلق، مبين للنوع، وندل مضاف، و " الثعالب " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " فندلا " حيث ناب مناب فعله، وهو مصدر، وعامله محذوف وجوبا، على ما تبين لك في الاعراب.
    (1) ولو كان " زريق " فاعلا لجاء به منونا، لانه اسم رجل كما علمت، فلما جاء به غير منون علمنا أنه منادى بحرف نداء محذوف، ومن هنا تعلم أنه لا داعي لمناقشة الشارح التي رد بها على المصنف زعمه أن " زريق " فاعل.
    (2) " ما " اسم موصول: مبتدأ أول " لتفصيل " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة " كإما " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لتفصيل " منا " مفعول مطلق حذف عامله وجوبا " عامله " عامل: مبتدأ ثان، وعامل مضاف والضمير مضاف إليه " يحذف " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى = (*)
    (1/567)

    يحذف أيضا عامل المصدر وجوبا إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه (1)، كقوله تعالى: (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد، وإما فداء) فمنا، وفداء: مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا، والتقدير - والله أعلم - فإما تمنون منا، وإما تفدون فداء، وهذا معنى قوله: " وما لتفصيل - إلى آخره " أي: يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل، حيث عن، أي: عرض.
    * * * كذا مكرر وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند (2)
    __________
    = عامل، والجملة من يحذف ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " حيث " ظرف متعلق بيحذف مبني على الضم في محل نصب " عنا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل، والجملة من عن وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها (1) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع ثلاثة شروط، الاول: أن يكون المقصود به تفصيل عاقبة، أي بيان الفائدة المترتبة على ما قبله والحاصلة بعده، والشرط الثاني: أن يكون ما يراد تفصيل عاقبته جملة، سواء أكانت طلبية كالآية الكريمة التي تلاها الشارح، أم كانت الجملة خبرية كقول الشاعر: لاجهدن: فإما رد واقعة تخشى، وإما بلوغ السؤل والامل فإن كان ما يراد بيان الفائدة المترتبة عليه مفردا - نحو أن تقول: لزيد سفر فإما صحة وإما اغتنام - مال لم يجب حذف العامل، بل يجوز حذفه ويجوز ذكره، والشرط الثالث: أن تكون الجملة المراد بيان عاقبتها متقدمة عليه، فإن تأخرت مثل أن تقول: إما إهلاكا وإما تأديبا فاضرب زيدا لم يجب حذف العامل أيضا.
    (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " مكرر " مبتدأ مؤخر
    " وذو " معطوف على " مكرر " وذو مضاف، و " حصر " مضاف إليه، وجملة = (*)
    (1/568)

    أي: كذلك يحذف عامل المصدر وجوبا، إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين، أي: أخبر به عنه، وكان المصدر مكررا أو محصورا (1)، فمثال المكرر: " زيد سيرا سيرا " والتقدير: زيد يسير سيرا، فحذف " يسير " وجوبا لقيام التكرير مقامه، ومثال المحصور " ما زيد إلا سيرا "، و " إنما زيد سيرا " والتقدير: ما زيد إلا يسير سيرا، وإنما زيد يسير سيرا، فحذف " يسير " وجوبا لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير، فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف، نحو " زيد سيرا " التقدير: زيد يسير سيرا، فإن شئت حذفت " يسير "، وإن شئت صرحت به، والله أعلم.
    * * * ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه، أو غيره، فالمبتدا (2)
    __________
    = " ورد " وفاعله المستتر فيه في محل رفع نعت للمبتدأ وما عطف عليه " نائب " حال من الضمير المستتر في ورد، ونائب مضاف.
    و " فعل " مضاف إليه " لاسم " جار ومجرور متعلق باستند الآتي، واسم مضاف، و " عين " مضاف إليه " استند " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، والجملة من استند وفاعله في محل جر نعت لفعل.
    (1) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع أربعة شروط، الاول: أن يكون العامل فيه خبرا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، والثاني: أن يكون المخبر عنه اسم عين، والثالث: أن يكون الفعل متصلا إلى وقت التكلم، لا منقطعا، ولا مستقبلا، والرابع أحد أمرين: أولهما أن يكون المصدر مكررا أو محصورا، كما مثل الشارح، أو معطوفا عليه، نحو: أنت أكلا وشربا، وثانيهما: أن يكون المخبر عنه مقترنا بهمزة
    الاستفهام نحو: أأنت سيرا ؟.
    (2) " ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ما " اسم وصول: مبتدأ مؤخر " يدعونه " فعل وفاعل ومفعول أول " مؤكدا " مفعول ثان = (*)
    (1/569)

    نحو " له علي ألف عرفا " والثان ك " ابني أنت حقا صرفا " (1) أي: من المصدر المحذوف عامله وجوبا ما يسمى: المؤكد لنفسه، والمؤكد لغيره.
    فالمؤكد لنفسه هو: الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره، نحو " له علي ألف [ عرفا " أي: ] اعترافا، فاعترافا: مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: " أعترف اعترافا " ويسمى مؤكدا لنفسه، لانه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، بمعنى أنها لا تحتمل سواه، وهذا هو المراد بقوله: " فالمبتدا " أي: فالاول من القسمين المذكورين في البيت الاول.
    والمؤكد لغيره هو: الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فتصير بذكره نصا فيه، نحو " أنت ابني حقا " فحقا: مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: " أحقه حقا " وسمي مؤكدا لغيره، لان الجملة قبله تصلح له ولغيره، لان قولك " أنت ابني " يحتمل أن يكون حقيقة، وأن يكون مجازا
    __________
    = والجملة من يدعو وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " لنفسه " الجار والمجرور متعلق بيدعو، ونفس مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه " أو غيره " أو: حرف عطف، غير: معطوف على نفسه، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " فالمبتدأ " مبتدأ.
    (3) " نحو " خبر للمبتدأ في آخر البيت السابق " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " على " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن
    في الجار والمجرور السابق " ألف " مبتدأ مؤخر " عرفا " مفعول مطلق، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة نحو إليها " والثان " مبتدأ " كابني " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " ابني " ابن خبر مقدم، وابن مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه " أنت " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول لذلك القول المحذوف " حقا " مفعول مطلق " صرفا " نعت لقوله حقا.
    (*)
    (1/570)

    على معنى أنت عندي في الحنو بمنزلة ابني، فلما قال " حقا " صارت الجملة نصا في أن المراد البنوة حقيقة، فتأثرت الجملة بالمصدر، لانها صارت به نصا، فكان مؤكدا لغيره، لوجوب مغايرة المؤثر للمؤثر فيه.
    * * * كذاك ذو التشبيه بعد جمله ك " لي بكا بكاء ذات عضله " (1) أي: كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى (2)، نحو " لزيد صوت صوت حمار،.
    __________
    (1) " كذاك " كذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " ذو " اسم بمعنى صاحب: مبتدأ مؤخر، وذو مضاف و " التشبيه " مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال، وبعد مضاف، و " جملة " مضاف إليه " كلي " الكاف جارة لقول محذوف.
    لي: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " بكا " قصر للضرورة مبتدأ مؤخر " بكاء " مفعول مطلق، وبكاء مضاف و " ذات " مضاف إليه، وذات مضاف و " عضلة " مضاف إليه.
    (2) الشروط التي تشترط في هذا الموضوع سبعة شروط ثلاثة منها تشترط في المفعول المطلق نفسه، والاربعة الباقية في الكلام الذي يسبقه: فأما الثلاثة التي يجب أن تتحقق في المفعول المطلق فهي: أن يكون مصدرا، وأن
    يكون مشعرا بالحدوث، وأن يكون المراد به التشبيه.
    وأما الاربعة التي يجب أن تتحقق فيما يتقدمه فهي: أن يكون السابق عليه جملة، وأن تكون هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر، وأن تكون أيضا مشتملة على معنى المصدر، وأن يكون في هذه الجملة ما يصلح للعمل في المصدر.
    فإن لم يكن المصدر مشعرا بالحدوث نحو قولك: لفلان ذكاء ذكاء الحكماء، أو لم تتقدمه جملة، بل تقدمه مفرد، كقولك: صوت فلان صوت حمار، أو تقدمته جملة ولكنها لم تشتمل على فاعل المصدر، كقولك: دخلت الدار فإذا فيها نوح نوح الحمام - ففي كل هذا المثل وما أشبهها لا يكون المصدر مفعولا مطلقا والعامل فيه محذوف وجوبا، بل هو فيما ذكرنا - مما تقدمته جملة - من الامثلة بدل مما قبله.
    (*)
    (1/571)

    وله بكاء بكاء الثكلى " ف " صوت حمار " مصدر تشبيهي، وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: يصوت صوت حمار، وقبله جملة وهي " لزيد صوت " وهي مشتملة على الفاعل في المعنى، وهو " زيد " وكذلك " بكاء الثكلي " منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: يبكي بكاء الثكلى.
    فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة وجب الرفع، نحو " صوته صوت حمار، وبكاؤه بكاء الثكلى "، وكذا لو كان قبله جملة [ و ] ليست مشتملة على الفاعل في المعنى، نحو " هذا بكاء بكاء الثكلي، وهذا صوت صوت حمار ".
    ولم يتعرض المصنف لهذا الشرط، ولكنه مفهوم من تمثيله.
    * * * (*)
    (1/572)

    المفعول له
    ينصب مفعولا له المصدر، إن أبان تعليلا، ك " جدشكرا، ودن " (1) وهو بما يعمل فيه متحد: وقتا وفاعلا، وإن شرط فقد (2) فاجرره بالحرف، وليس يمتنع مع الشروط: كلزهد ذا قنع (3)
    __________
    (1) " ينصب " فعل مضارع مبني للمجهول " مفعولا " حال من نائب الفاعل " له " جار ومجرور متعلق بقوله مفعولا " المصدر " نائب فاعل لينصب " إن " شرطية " أبان " فعل ماض فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " تعليلا " مفعول به لابان " كجد " الكاف جارة لقول محذوف، جد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " شكرا " مفعول لاجله " ودن " الواو عاطفة، دن: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ويحتمل أن يكون له مفعول مطلق محذوف لدلالة الاول عليه.
    (2) " وهو " مبتدأ " بما " جار ومجرور متعلق بمتحد الآتي " يعمل " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لامحل لها صلة " فيه " جار ومجرور متعلق بيعمل " متحد " خبر المبتدأ " وقتا " تمييز، أو منصوب بنزع الخافض " وفاعلا " معطوف على قوله وقتا " وإن " شرطية " شرط " نائب فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: وإن فقد شرط، والفعل المحذوف هو فعل الشرط " فقد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شرط، والجملة من فقد المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية، وجواب الشرط في البيت التالي.
    (3) " فاجرره " الفاء لربط الجواب بالشرط، اجرر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط في البيت السابق " بالحرف " جار ومجرور متعلق باجرر " وليس " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف " يمتنع " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف، والجملة في محل نصب = (*)
    (1/573)

    المفعول له هو: المصدر، المفهم علة، المشارك لعامله: في الوقت، والفاعل، نحو " جد شكرا " فشكرا: مصدر، وهو مفهم للتعليل، لان المعنى جد لاجل الشكر، ومشارك لعامله وهو " جد ": في الوقت، لان زمن الشكر هو زمن الجود، وفي الفاعل، لان فاعل الجود هو المخاطب وهو فاعل الشكر.
    وكذلك " ضربت ابني تأديبا " فتأديبا: مصدر، وهو مفهم للتعليل، إذ يصح أن يقع في جواب " لم فعلت الضرب ؟ " وهو مشارك لضربت: في الوقت، والفاعل.
    وحكمه جواز النصب إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة أعني المصدرية، وإبانة التعليل، واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل.
    فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جره بحرف التعليل، وهو اللام، أو " من " أو " في " أو الباء، فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك " جئتك للسمن " ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت " جئتك اليوم للاكرام غدا " ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل " جاء زيد لاكرام عمرو له ".
    ولا يمتنع الجر بالحرف مع استكمال الشروط، نحو " هذا قنع لزهد ".
    وزعم قوم أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدرا، ولا يشترط اتحاده مع عامله في الوقت ولا في الفاعل، فجوزوا نصب " إكرام " في المثالين السابقين، والله أعلم.
    * * *.
    __________
    = خبر ليس " مع " ظرف متعلق بيمتنع ومع مضاف، و " الشروط " مضاف إليه " كلزهد " الكاف جارة لقول محذوف.
    زهد: جار ومجرور متعلق بقنع الآتي " ذا " اسم إشارة مبتدأ " قنع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو
    يعود إلى اسم الاشارة، والجملة من قنع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/574)

    وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب " أل " وأنشدوا (1) لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الاعداء [ (2) ] ؟ المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال، أحدها: أن يكون مجردا عن الالف واللام والاضافة، والثاني: أن يكون محلى بالالف واللام، والثالث: أن يكون مضافا، وكلها يجوز أن تجر بحرف التعليل، لكن الاكثر فيما تجرد عن الالف واللام والاضافة النصب، نحو " ضربت ابني تأديبا "، ويجوز جره، فتقول: " ضربت ابني لتأديب "، وزعم الجزولي أنه لا يجوز جره، وهو خلاف ما صرح به النحويون، وما صحب الالف واللام بعكس المجرد، فالاكثر جره، ويجوز النصب، ف " ضربت ابني للتأديب " أكثر من " ضربت ابني التأديب "، ومما جاء فيه منصوبا ما أنشده المصنف: 163 - * لا أقعد الجبن عن الهيجاء *
    __________
    (1) " وقل " فعل ماض " أن " مصدرية " يصحبها " يصحب: فعل مضارع منصوب بأن، وها: مفعول به ليصحب " المجرد " فاعل يصحب، و " أن " ومدخولها في تأويل مصدر فاعل قل، " والعكس " مبتدأ " في مصحوب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ومصحوب مضاف و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " وأنشدوا " فعل وفاعل.
    [ (2) ] ؟ " لا " نافية " أقعد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، " الجبن " مفعول لاجله " عن الهيجاء " جار ومجرور متعلق بأقعد " ولو " شرطية غير جازمة " توالت " توالى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " زمر " فاعل
    توالت، وزمر مضاف و " الاعداء " مضاف إليه.
    163 - لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين، والبيت كما ورد في كلام الناظم، فهذا صدره، وعجزه قوله: = (*)
    (1/575)

    .
    __________
    = * ولو توالت زمر الاعداء * اللغة: " أقعد " أراد لا أنكل ولا أتوانى عن اقتحام المعارك، وتقول: قعد فلان عن الحرب، إذا تأخر عنها ولم يباشرها " الجبن " بضم فسكون هو الهيبة والفزع وضعف القلب والخوف من العاقبة " الهيجاء " الحرب، وهي تقصر وتمد، فمن قصرها قول لبيد: * يا رب هيجا هي خير من دعه * ومن مدها قول الآخر: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند " توالت " تتابعت وتكاثرت وأتى بعضها تلو بعض وتبعه " زمر " جمع زمرة، وهي الجماعة " الاعداء " جمع عدو.
    الاعراب: " لا " نافية " أقعد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " الجبن " مفعول لاجله " عن الهيجاء " جار ومجرور متعلق بقوله أقعد " ولو " الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، والتقدير: لو لم تتوال زمر الاعداء، ولو توالت زمر الاعداء، لو: حرف شرط غير جازم " توالت " توالى: فعل ماض، والتاء حرف دال على تأنيث الفاعل " زمر " فاعل توالت، وزمر مضاف، و " الاعداء " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة.
    الشاهد فيه: قوله " الجبن " حيث وقع مفعولا لاجله، ونصبه مع كونه محلى بأل وقد اختلف النحاة في جواز مجئ المفعول لاجله معرفا، فذهب سيبويه - وتبعه
    الزمخشري - إلى جواز ذلك، مستدلين على هذا بمجيئه عن العرب في نحو بيت الشاهد الذي نحن بصدد شرحه والبيتين (رقم 164 و 165) وقول شاعر الحماسة: كريم يغض الطرف فضل حيائه ويدنو وأطراف الرماح دوانى فقوله " فضل حيائه " مفعول لاجله، وهو معرف بالاضافة، إذ هو مضاف إلى مضاف إلى الضمير.
    وذهب الجرمي إلى أن المفعول لاجله يجب أن يكون نكرة، لانه فيما زعم = (*)
    (1/576)

    البيت، ف " الجبن " مفعول له، أي: لا أقعد لاجل الجبن، ومثله قوله: 164 - فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنوا الاغارة فرسانا وركبانا.
    __________
    كالحال والتمييز، وكل منهما لا يكون إلا نكرة، فإن جاء المفعول لاجله مقترنا بأل، فأل هذه زائدة لا معرفة، وإن جاء مضافا إلى معرفة فإضافته لفظية لا تفيد تعريفا.
    والصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله في هذه المسألة، لورود الشواهد الكثيرة في النظم والنثر، ومما يدل على صحته وروده في قول الله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) والقول بزيادة الحرف أو بأن الاضافة لفظية خلاف الاصل، فلا يصار إليه.
    164 - البيت من مختار أبي تمام في أوائل ديوان الحماسة، وهو من كلمة لقريط ابن أنيف أحد بني العنبر.
    اللغة: " شنوا " أراد: فرقوا أنفسهم لاجل الاغارة " الاغارة " الهجوم على العدو والايقاع به " فرسانا " جمع فارس، وهو راكب الفرس " ركبانا " جمع راكب، وهو أعم من الفارس، وقيل: هو خاص براكبي الابل.
    المعنى: يتمنى بدل قومه قوما آخرين من صفتهم أنهم إذا ركبوا للحرب تفرقوا لاجل الهجوم على الاعداء والايقاع بهم، ما بين فارس وراكب.
    الاعراب: " فليت " حرف تمن ونصب " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم " قوما " اسم ليت مؤخر " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ركبوا " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها " شنوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب جواب إذا، وله مفعول به محذوف، والتقدير: شنوا أنفسهم أي فرقوها لاجل الاغارة " الاغارة " مفعول لاجله " فرسانا " حال من الواو في " شنوا " " وركبانا " معطوف عليه.
    الشاهد فيه: قوله " الاغارة " حيث وقع مفعولا لاجله منصوبا مع اقترانه بأل، وهو يرد على الجرمي الذي زعم أن المفعول لاجله لا يكون إلا نكرة، وادعاؤه أن أل في " الاغارة " ونحوها زائدة لا معرفة خلاف الاصل فلا يلتفت إليه.
    وبما قيل: إنه لا شاهد في البيت، لان الاغارة مفعول به: أي فرقوا إغارتهم على عدوهم، وليست مفعولا لاجله.
    (37 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/577)

    وأما المضاف فيجوز فيه الامران - النصب، والجر - على السواء، فتقول: " ضربت ابني تأديبه، ولتأديبه " وهذا [ قد ] يفهم من كلام المصنف، لانه لما ذكر أنه يقل جر المجرد ونصب المصاحب للالف واللام علم أن المضاف لا يقل فيه واحد منهما، بل يكثر فيه الامران، ومما جاء منصوبا [ قوله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) ومنه ] قوله: 165 - وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما.
    __________
    165 البيت لحاتم الطائي، الجواد المشهور.
    اللغة: " العوراء " الكلمة القبيحة " ادخاره " استبقاء لمودته " وأعرض "
    وأصفح.
    الاعراب: " وأغفر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " عوراء " مفعول به لاغفر، وعوراء مضاف و " الكريم " مضاف إليه " ادخاره " ادخار: مفعول لاجله، وادخار مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " وأعرض " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " عن شتم " جار ومجرور متعلق بأعرض، وشتم مضاف و " اللئيم " مضاف إليه " تكرما " مفعول لاجله.
    الشاهد فيه: قوله " ادخاره " حيث وقع مفعولا لاجله منصوبا مع أنه مضاف للضمير ولو جره باللام فقال " لادخاره " لكان سائغا مقبولا، وهو يرد على الجرمي الذي زعم أن المفعول لاجله لا يكون معرفة لا بإضافة ولا بأل، وما زعمه من أن إضافة المفعول لاجله لفظية لا تفيد التعريف غير صحيح.
    وفي قوله " تكرما " شاهد آخر لهذا الباب، فإن قوله " تكرما " مفعول لاجله، وهو منكر غير معرف لا بإضافة ولا بأل، وقد جاء به منصوبا لاستيفائه الشروط، ولا يختلف أحد من النحاة في صحة ذلك.
    * * * (*)
    (1/578)

    المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا الظرف: وقت، أو مكان، ضمنا " في " باطراد، كهنا امكث أزمنا (1) عرف المصنف الظرف بأنه: زمان - أو مكان - ضمن معنى " في " باطراد، نحو " امكث هنا أزمنا " فهنا: ظرف مكان، وأزمنا: ظرف زمان، وكل منهما تضمن معنى " في "، لان المعنى: امكث في هذا الموضع [ و ] في أزمن.
    واحترز بقوله: " ضمن معنى في " مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان
    معنى " في " كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ، أو خبرا، نحو: " يوم الجمعة يوم مبارك، ويوم عرفة يوم مبارك، والدار لزيد " فإنه لا يسمى ظرفا والحالة هذه، وكذلك ما وقع منهما مجرورا، نحو: " سرت في يوم الجمعة " و " جلست في الدار " على أن في هذا ونحوه خلافا في تسميته ظرفا في الاصطلاح، وكذلك ما نصب منهما مفعولا به، نحو: " بنيت الدار، وشهدت يوم الجمل ".
    واحترز بقوله: " باطراد " من نحو: " دخلت البيت، وسكنت الدار، وذهبت الشأم " فإن كل واحد من " البيت، والدار، والشأم " متضمن معنى " في " ولكن تضمنه معنى " في " ليس مطردا، لان أسماء المكان المختصة لا يجوز حذف " في " معها، فليس " البيت، والدار، والشأم " في المثل.
    __________
    (1) " الظرف " مبتدأ " وقت " خبر المبتدأ " أو مكان " معطوف على وقت " ضمنا " فعل ماض مبني للمجهول، وألف الاثنين نائب فاعل، وهو المفعول الاول " في " قصد لفظه: مفعول ثان لضمن " باطراد " جار ومجرور متعلق بضمن " كهنا " الكاف جارة لقول محذوف، هنا: ظرف مكان متعلق بامكث " امكث " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أزمنا " ظرف زمان متعلق بامكث أيضا.
    (*)
    (1/579)

    منصوبة على الظرفية، وإنما هي منصوبة على التشبيه بالمفعول به، لان الظرف هو: ما تضمن معنى " في " باطراد، وهذه متضمنة معنى " في " لا باطراد.
    هذا تقرير كلام المصنف، وفيه نظر، لانه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى " في "، لان المفعول به غير متضمن معنى " في "، فكذلك ما شبه به، فلا يحتاج إلى قوله: " باطراد "
    ليخرجها، فإنها خرجت بقوله " ما ضمن معنى في "، والله تعالى أعلم.
    * * * فانصبه بالواقع فيه: مظهرا كان، وإلا فانوه مقدرا (1) حكم ما تضمن معنى " في " من أسماء الزمان والمكان النصب، والناصب له ما وقع فيه، وهو المصدر، نحو: " عجبت من ضربك زيدا، يوم الجمعة، عند الامير " أو الفعل، نحو: " ضربت زيدا، يوم الجمعة، أمام الامير " أو الوصف، نحو: " أنا ضارب زيدا، اليوم، عندك ".
    وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط، وهو المصدر، وليس كذلك، بل ينصبه هو وغيره: كالفعل، والوصف (2)..
    __________
    (1) " فانصبه " انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " بالواقع " جار ومجرور متعلق بانصب " فيه " جار ومجرور متعلق بالواقع " مظهرا " خبر لكان الآتي مقدم عليه " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الواقع " وإلا " إن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف: أي وإلا يظهر " فانوه " الفاء واقعة في جواب الشرط، انو: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط " مقدرا " حال من الهاء في " انوه ".
    (2) اعلم أن الذي يقع في الظرف هو الحدث، فإذا قلت " جلست أمامك " = (*)
    (1/580)

    والناصب له إما مذكور كما مثل، أو محذوف: جوازا، نحو أن يقال: " متى جئت ؟ " فتقول: " يوم الجمعة "، و " كم سرت ؟ " فتقول: " فرسخين، والتقدير " جئت يوم الجمعة، وسرت فرسخين " أو وجوبا، كما إذا وقع الظرف صفة، نحو: " مررت برجل عندك " أو صلة، نحو:
    " جاء الذي عندك " أو حالا، نحو: " مررت بزيد عندك " أو خبرا في الحال أو في الاصل، نحو " زيد عندك، وظننت زيدا عندك "، فالعامل في هذه الظروف محذوف وجوبا في هذه المواضع كلها، والتقدير في غير الصلة " استقر " أو " مستقر " وفي الصلة " استقر "، لان الصلة لا تكون إلا جملة، والفعل مع فاعله جملة، واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة (1)، والله أعلم.
    * * *.
    __________
    = فالجلوس - وهو الحدث - هو الذي وقع أمامك، وكذلك إذا قلت " أنا جالس أمامك " وكذلك إذا قلت " كان جلوسي أمامك " واعلم أيضا أن المصدر يدل على الحدث بدلالة المطابقة، لان كل معناه هو الحدث، والفعل والصفة يدلان على الحدث بدلالة التضمن، لان الفعل معناه الحدث والزمان، والصفة معناها الذات والحدث القائم بها أو الواقع منها أو عليها أو الثابت لها، والناظم لم يصرح بأنه أراد أن الذي ينصب الظرف هو اللفظ الدال على الحدث بالمطابقة، بل كلامه يصح أن يحمل على ما يدل بالمطابقة أو بالتضمن، فيكون شاملا للمصدر والفعل والوصف، وعلى هذا لا يرد اعتراض الشارح أصلا.
    (1) ذكر الشارح أربعة مواضع يجب فيها حذف العامل في الظرف، وهي: أن يكون صفة، أو صلة، أو خبرا، أو حالا، وبقى عليه موضعان آخران: (الاول) أن يكون الظرف مشغولا عنه، كقولك: يوم الجمعة سافرت فيه.
    والتقدير: سافرت يوم الجمعة سافرت فيه، ولا يجوز إظهار هذا العامل، لان المتأخر عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض في الكلام (الثاني) أن يكون الكلام قد سمع بحذف العامل، نحو = (*)
    (1/581)

    وكل وقت قابل ذاك، وما يقبله المكان إلا مبهما (1) نحو الجهات، والمقادير، وما صيغ من الفعل كمرمى من رمى (2)
    يعني أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية (3): مبهما كان، نحو " سرت.
    __________
    = قولك لمن يذكر أمرا قد قدم عليه العهد: حينئذ الآن، وتقدير الكلام: قد حدث ما تذكر حين إذ كان كذا واسمع الآن، فناصب " حين " عامل، وناصب " الآن " عامل آخر، فهما من جملتين لا من جملة واحدة، والمقصود نهي المخاطب عن الخوض فيما يذكره، وأمره بالاستماع إلى جديد.
    (1) " وكل " مبتدأ، وكل مضاف، و " وقت " مضاف إليه " قابل " خبر المبتدأ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " ذاك " ذا: اسم إشارة مفعول به لقابل، والكاف حرف خطاب " وما " نافية " يقبله " يقبل: فعل مضارع، والهاء مفعول به ليقبل " المكان " فاعل يقبل " إلا " حرف استثناء دال على الحصر " مبهما " حال، والتقدير: لا يقبل النصب على الظرفية اسم المكان في حال من الاحوال إلا في حال كونه مبهما.
    (2) " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و " الجهات " مضاف إليه " والمقادير " معطوف على الجهات " ما " الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على الجهات " صيغ " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة " من الفعل " جار ومجرور متعلق بصيغ " كمرمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " من رمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من مرمى، وتقدير الكلام: وذلك كائن كمرمى حال كونه مأخوذا من مصدر رمي.
    (3) أنت تعلم أن الفعل يدل بالوضع على شيئين، أحدهما الحدث، وثانيهما الزمن، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، لان كل حدث يقع في الخارج لابد أن يكون وقوعه في مكان ما، فلما كانت دلالة الفعل على الزمان لانه أحد جزءي معناه الوضعي قوى على نصب ظرف الزمان بنوعيه المبهم والمختص، ولما كانت دلالته على المكان بالالتزام
    لا بالوضع لم يقو على نصب جميع الاسماء الدالة على المكان، بل تعدى إلى المبهم منه لكونه دالا عليه في الجملة، وإلى اسم المكان المأخوذ من مادته، لكونه بالنظر إلى المادة قوى الدلالة على هذا النوع.
    (*)
    (1/582)

    لحظة، وساعة " أو مختصا: إما بإضافة، نحو " سرت يوم الجمعة "، أو بوصف نحو " سرت يوما طويلا " أو بعدد، نحو " سرت يومين ".
    وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان، أحدهما: المبهم، والثاني: ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره، والمبهم كالجهات [ الست ]، نحو: " فوق، وتحت، [ ويمين، وشمال ] وأمام، وخلف " ونحو هذا، كالمقادير، نحو " غلوة، وميل، وفرسخ، وبريد " (1) تقول: " جلست فوق الدار، وسرت غلوة " فتنصبهما على الظرفية.
    وأما ما صيغ من المصدر، نحو " مجلس زيد، ومقعده " فشرط نصبه - قياسا - أن يكون عامله من لفظه، نحو " قعدت مقعد زيد، وجلست مجلس عمرو " فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي، نحو: " جلست في مرمى زيد "، فلا تقول: " جلست مرمى زيد " إلا شذوذا.
    ومما ورد من ذلك قولهم: " هو مني مقعد القابلة، ومزجر الكلب، ومناط الثريا " (2) أي: كائن مقعد القابلة، ومزجر الكلب، ومناط الثريا، والقياس " هو مني في مقعد القابلة، وفي مزجر الكلب، وفي مناط الثريا " ولكن نصب شذوذا، ولا يقاس عليه، خلافا للكسائي، وإلى هذا أشار بقوله:.
    __________
    (1) الغلوة - بفتح الغين المعجمة وسكون اللام - فسرها المتقدمون بالباع مائة باع، والباع: مقدار ما بين أصابع يديك إذا مددتهما محاذيتين لصدرك، ومنهم من قدر الغلوة برمية سهم، ومنهم من قدرها بثلثمائة ذراع، والميل: عشر غلوات، فهو ألف
    باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ.
    (2) يقول العرب " فلان مني مقعد القابلة " يريدون أنه قريب كقرب مكان قعود القابلة عند ولادة المرأة من المرأة، ويقولون " فلان مني مزجر الكلب " يريدون أنه بعيد كبعد المكان الذي تزجر إليه الكلب، ويراد بهذا الذم، ويقولون " فلان مني مناط الثريا " يريدون أنه في مكان بعيد كبعد الثريا عمن يروم أن يتصل بها، وهذا كناية عن عدم إدراكه في الشرف والرفعة، يعني أنه فريد في شرفه ورفعة قدره.
    (*)
    (1/583)

  2. #2
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 11

    وشرط كون ذا مقيسا أن يقع * ظرفا لما في أصله معه اجتمع (1) أي: وشرط كون نصب ما اشتق من المصدر مقيسا: أن يقع ظرفا لما اجتمع معه في أصله، أي: أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد، كمجامعة " جلست " ب " مجلس " في الاشتقاق من الجلوس، فأصلهما واحد، وهو " الجلوس ".
    وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من المصدر مبهمان، أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة، لانها - وإن كانت معلومة المقدار - فهي مجهولة الصفة، وذهب الاستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من [ الظروف ] المبهمة، لانها معلومة المقدار، وأما ما صيغ من المصدر فيكون مبهما، نحو " جلست مجلسا " ومختصا، نحو " جلست مجلس زيد ".
    وظاهر كلامه أيضا أن " مرمى " مشتق من رمى، وليس هذا على مذهب البصريين، فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر، لا من الفعل.
    وإذا تقرر أن المكان - المختص وهو: ما له أقطار تحويه - لا ينتصب ظرفا، فاعلم أنه سمع نصب كل مكان مختص مع " دخل، وسكن " ونصب.
    __________
    (1) " وشرط " مبتدأ، وشرط مضاف، و " كون " مضاف إليه، وكون
    مضاف، و " ذا " مضاف إليه، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه " مقيسا " خبر الكون الناقص " أن " مصدرية " يقع " فعل مضارع منصوب بأن، وسكنه للوقف، وفاعله ضمير مسنتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذا الذي هو إشارة للمأخوذ من مصدر الفعل، و " أن " ومنصوبها في تأويل مصدر خبر المبتدأ " ظرفا " حال من فاعل يقع المستتر فيه " لما " جار ومجرور متعلق بقوله " ظرفا " أو بمحذوف صفة له " في أصله، معه " جار ومجرور وظرف، متعلقان باجتمع الآتي " اجتمع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من إجتمع وفاعله لا محل لها صلة " ما " المجرور محلا باللام.
    (*)
    (1/584)

    " الشأم " مع " ذهب "، نحو " دخلت البيت، وسكنت الدار، وذهبت الشأم " واختلف الناس في ذلك، فقيل: هي منصوبة على الظرفية شذوذا، وقيل: منصوبة على إسقاط حرف الجر، والاصل " دخلت في الدار " فحذف حرف الجر، فانتصب الدار، نحو " مررت زيدا " وقيل: منصوبة على التشبيه بالمفعول به (1).
    * * *.
    __________
    (1) في هذه المسألة أربعة أقوال للنحاة ذكر الشارح منها ثلاثة: (الاول) أن هذه الظروف المختصة منصوبة على الظرفية كما انتصب الظرف المكاني المبهم عليها، إلا أن ذلك شاذ لا يقاس عليه، وهو مذهب المحققين من النحاة، ونسبه الشلوبين للجمهور، وصححه ابن الحاجب.
    (الثاني) أن هذه الاسماء منصوبة على إسقاط حرف الجر، يعني على الحذف والايصال، كما انتصب " الطريق " في قول الشاعر (وانظر الشاهد رقم 159): لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب
    وهذا مذهب الفارسي، ومن العلماء من ينسبه إلى سيبويه، وقد اختاره ابن مالك.
    (الثالث) أن هذه الاسماء منصوبة على التشبيه بالمفعول به، وذلك لانهم شبهوا الفعل القاصر بالفعل المتعدي، كما نصبوا الاسم بعد الصفة المشبهة التي لا تؤخذ إلا من مصدر الفعل القاصر، وهذا إنما يتم لو أن الافعال التي تنصب بعدها هذه الاسماء كانت كلها قاصرة.
    (الرابع) أن هذه الاسماء منصوبة على أنها مفعول به حقيقة، وعللوا هذا القول بأن نحو " دخل " يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى، وكثرة الامرين فيه تدل على أن كل واحد منهما أصل، وهذا أيضا يتجه لو أن جميع الافعال التي تنصب بعدها هذه الاسماء كانت من هذا النوع، إلا أن يخص هذا القول بنحو " دخل " مما له حالتان تساوتا في كثرة الورود، بخلاف نحو " ذهب ".
    (*)
    (1/585)

    وما يرى ظرفا وغير ظرف فذاك ذو تصرف في العرف (1) وغير ذي التصرف: الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم (2) ينقسم اسم الزمان واسم المكان إلى: متصرف، وغير متصرف، فالمتصرف من ظرف الزمان أو المكان: ما استعمل ظرفا وغير ظرف، ك " يوم، ومكان ".
    __________
    (1) " وما " اسم موصول مبتدأ أول " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، وهو المفعول الاول " ظرفا " مفعول ثان ليرى، والجملة لا محل لها صلة الموصول " وغير " معطوف على قوله " ظرفا " " السابق " وغير مضاف، و " ظرف " مضاف إليه " فذاك " الفاء زائدة، واسم الاشارة مبتدأ ثان " ذو " خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل
    رفع خبر المبتدأ الاول، وزيدت الفاء في جملة الخبر لان المبتدأ موصول يشبه الشرط في عمومه، وذو مضاف، و " تصرف " مضاف إليه " في العرف " جار ومجرور متعلق بتصرف.
    (2) " وغير " مبتدأ، وغير مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، و " التصرف " مضاف إليه " الذي " اسم موصول: خبر المبتدأ " لزم " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة من لزم وفاعله لا محل لها صلة الذي " ظرفية " مفعول به للزم " أو شبهها " معطوف على مفعول لفعل محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، وليس يجوز أن يكون معطوفا على قوله " ظرفية " المذكور في البيت، إذ يصير حاصل المعنى أن من الظرف ما يلزم الظرفية وحدها، ومنه الذي لزم شبه الظرفية وحدها، والقسم الاول صحيح، والقسم الثاني على هذا الذي يفيده ظاهر البيت غير صحيح، وإنما الصحيح أن الظرف ينقسم إلى قسمين، أحدهما: الذي يلزم الظرفية وحدها ولا يفارقها، وهو نوع من غير المتصرف، وثانيهما: الذي يلزم الامرين الظرفية وشبهها، نعني أنه إذا فارق الظرفية لم يفارق شبهها، وهو النوع الآخر من غير المتصرف " من الكلم " جار ومجرور متعلق بلزم أو بشبه أو بمحذوف حال من " غير ذي التصرف ".
    (*)
    (1/586)

    فإن كل واحد منهما يستعمل ظرفا، نحو " سرت يوما وجلست مكانا "، ويستعمل مبتدأ، نحو " يوم الجمعة يوم مبارك، ومكانك حسن " وفاعلا، نحو " جاء يو الجمعة، وارتفع مكانك ".
    وغير المتصرف هو: ما لا يستعمل إلا ظرفا أو شبهه نحو " سحر " إذا أردته من يوم بعينه (1)، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف، كقوله تعالى: (إلا آل لوط نجيناهم بسحر)، و " فوق " نحو " جلست فوق الدار "
    فكل واحد من " سحر: وفوق " لا يكون إلا ظرفا [ (2) ] ؟.
    والذي لزم الظرفية أو شبهها " عند [ ولدن ] " والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجرورا ب " من "، نحو " خرجت من عند زيد " ولا تجر " عند " إلا ب " من " فلا يقال " خرجت إلى عنده "، وقول العامة: " خرجت إلى عنده " خطأ (3).
    __________
    (1) مثل الشارح للظرف الذي لا يفارق النصب على الظرفية بمثالين: أحدهما " سحر " إذا أردت به سحر يوم معين، وهذا صحيح، وثانيهما " فوق " والتمثيل به لهذا النوع من الظرف غير صحيح، بل الصواب أنه من النوع الثاني الذي لزم الظرفية أو شبهها، بدليل مجيئه مجرورا بمن في قوله تعالى: (فخر عليهم السقف من فوقهم) وفي آيات أخر.
    (2) ومن الظروف التي لا تفارق النصب على الظرفية " قط " و " عوض " ظرفين للزمان أولهما للماضي وثانيهما للمستقبل، وهما خاصان بالوقوع بعد النفي أو شبهه، ومنها أيضا " بدل " إذا استعملته بمعنى مكان، كما تقول: خذ هذا بدل هذا، ومنها أيضا الظروف المركبة كقولك: أنا أزورك صباح مساء، ومنزلتك عندنا بين بين، ومنها أيضا " بينا " و " بينما " ومنها " مذ، ومنذ " إذا رفعت ما بعدهما وجعلتهما خبرين عنه، فهما مبنيان على الضم أو السكون في محل نصب كقط وعوض.
    (3) قد قال العرب الموثوق بعربيتهم: " حتى، ومتى " فأدخلوا حتى على ظرف = (*)
    (1/587)

    وقد ينوب عن مكان مصدر وذاك في ظرف الزمان يكثر (1) ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا، كقولك " جلست قرب زيد " أي: مكان قرب زيد، فحذف المضاف وهو " مكان " وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب بإعرابه، وهو النصب على الظرفية، ولا ينقاس ذلك، فلا تقول
    " آتيك جلوس زيد " تريد مكان جلوسه.
    ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان، نحو " آتيك طلوع الشمس، وقدوم الحاج، وخروج زيد " والاصل: وقت طلوع الشمس، ووقت قدوم الحاج، ووقت خروج زيد، فحذف المضاف، وأعرب المضاف إليه بإعرابه، وهو مقيس في كل مصدر (2)..
    __________
    = الزمان وقالوا: " إلى أين " و " إلى متى " فأدخلوا " إلى " الجارة على ظرف الزمان والمكان، وهذا شاذ من جهة القياس، ومعنى هذا أنه يصح لنا إدخال " حتى " الجارة على لفظ " متى " من بين أسماء الزمان، وإدخال " إلى " الجارة على لفظ " متى " ولفظ " أين " من بين جميع الظروف، اتباعا لهم، ولا يجوز القياس على شئ من ذلك.
    (1) " وقد " حرف تقليل " ينوب " فعل مضارع " عن مكان " جار ومجرور متعلق بينوب " مصدر " فاعل ينوب " وذاك " الواو للاستئناف، واسم الاشارة مبتدأ، والكاف حرف خطاب " في ظرف " جار ومجرور متعلق بيكثر الآتي، وظرف مضاف، و " الزمان " مضاف إليه " يكثر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذاك، والجملة من يكثر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) ذكر الشارح - تبعا للناظم - واحدا مما ينوب عن الظرف، وهو المصدر، وبين أن نيابة المصدر عن ظرف الزمان مقيسة بحيث يجوز لك أن تنيب ما شئت من المصادر عن ظرف الزمان وأن نيابته عن ظرف المكان سماعية يجب ألا تستعمل منه إلا ما ورد عن العرب، وقد بقى عليه أشياء تنوب عن الظرف زمانيا أو مكانيا: = (*)
    (1/588)

    .
    __________
    = الاول: لفظ " بعض " ولفظ " كل " مضافين إلى الظرف، نحو " بحثت عنك
    كل مكان، وسرت كل اليوم " وذلك من جهة أن كلمتي بعض وكل بحسب ما تضافان إليه، وقد مضى في باب المفعول المطلق أنهما ينوبان عن المصدر في المفعولية المطلقة.
    الثاني: صفة الظرف، نحو " سرت طويلا شرقي القاهرة ".
    الثالث: اسم العدد المميز بالظرف، نحو " صمت ثلاثة أيام، وسرت ثلاثة عشر فرسخا ".
    الرابع: ألفاظ معينة تنوب عن اسم الزمان، نحو " أحقا " في قول الشاعر: أحقا عباد الله أن لست صادرا ولا واردا إلا علي رقيب وفي نحو قول الآخر: أحقا أن جيرتنا استقلوا فنيتنا ونيتهم فريق وفي نحو قول الآخر: أحقا بني أبناء سلمى بن جندل تهددكم إياي وسط المجالس وفي نحو قول الآخر: أحقا أن أخطلكم هجاني * * * (*)
    (1/589)

    المفعول معه ينصب تالي الواو مفعولا معه في نحو " سيري والطريق مسرعه " (1) بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب، لا بالواو في القول الاحق (2) المفعول معه هو: الاسم، المنتصب، بعد واو بمعنى مع.
    والناصب له ما تقدمه: من الفعل، أو شبهه.
    فمثال الفعل " سيري والطريق مسرعة " أي: سيري مع الطريق، فالطريق منصوب بسيري.
    ومثال شبه الفعل " زيد سائر والطريق "، و " أعجبني سيرك والطريق " فالطريق: منصوب بسائر وسيرك.
    وزعم قوم أن الناصب للمفعول معه الواو، وهو غير صحيح، لان كل حرف اختص.
    __________
    (1) " ينصب " فعل مضارع مبني للمجهول " تالي " نائب فاعل ينصب، وتالي مضاف و " الواو " مضاف إليه " مفعولا " حال من نائب الفاعل " معه " مع: ظرف متعلق بقوله " مفعولا " ومع مضاف والضمير مضاف إليه " في نحو " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن في نحو " سيري " فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والجملة في محل جر بإضافة نحو إليها " والطريق " مفعول معه " مسرعة " حال من ياء المخاطبة في قوله سيري.
    (2) " بما " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " من الفعل " جار ومجرور متعلق بقوله سبق الآتي " وشبهه " الواو عاطفة، وشبه: معطوف على الفعل، وشبه مضاف والضمير مضاف إليه " سبق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة " ما " المجرورة محلا بالباء " ذا " اسم إشارة مبتدأ مؤخر " النصب " بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الاشارة " لا " حرف عطف " بالواو " جار ومجرور معطوف على بما " في القول " جار ومجرور متعلق بقوله النصب السابق " الاحق " نعت للقول.
    (*)
    (1/590)

    بالاسم ولم يكن كالجزء منه، لم يعمل إلا الجر، كحروف الجر، وإنما قيل " ولم يكن كالجزء منه " احترازا من الالف واللام، فإنها اختصت بالاسم ولم تعمل فيه شيئا، لكونها كالجزء منه، بدليل تخطي العامل لها، نحو " مررت بالغلام " ويستفاد من قول المصنف " في نحير سيري والطريق مسرعة " أن المفعول معه مقيس فيما كان مثل ذلك، وهو: كل اسم وقع بعد واو بمعنى مع،
    وتقدمه فعل أو شبهه، و [ هذا ] هو الصحيح من قول النحويين (1).
    وكذلك يفهم من قوله: " بما من الفعل وشبهه سبق " أن عامله لابد أن يتقدم عليه، فلا تقول: " والنيل سرت " وهذا باتفاق، أما تقدمه على مصاحبه - نحو " سار والنيل زيد " - ففيه خلاف، والصحيح منعه (2)..
    __________
    (1) يريد الشارح بالممائلة في قوله " مقيس فيما كان مثل ذلك إلخ " المشابهة فيما ذكر، وفي كون الاسم الذي بعد الواو مما لا يصح عطفه على ما قبل الواو.
    وقد اختلف النحاة في هذه المسألة، فذهب الجمهور إلى أن كل اسم وقع بعد واو المعية وسبقته جملة ذات فعل أو شبهه، ولم يصح عطفه على ما قبله، فإنه يكون مفعولا معه، وذهب ابن جنى إلى أنه لا يجوز أن يكون مفعولا معه إلا إذا كان بحيث يصح عطفه على ما قبله من جهة المعنى، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، لانه قد ورد عنهم ما لا يحصى من الشواهد نثرا ونظما، وقولهم: سرت والطريق، واستوى الماء والخشبة - بمعنى ارتفع الماء حتى صار الماء مع الخشبة في مستوى واحد - من غير ضرورة ولا ملجئ ما، يقطع بذلك.
    (2) اختلف النحاة في تقديم المفعول معه على مصاحبه: أيجوز أم لا يجوز ؟ فذهب ابن جنى إلى أن ذلك جائز، والذي يؤخذ من كلامه في كتابه " الخصائص " وغيره أنه استدل على جوازه بأمرين، أولهما أن المفعول معه يشبه المعطوف بالواو، والمعطوف بالواو يجوز تقديمه على المعطوف عليه، فتقول: جاء وزيد عمرو، كما قال الشاعر: ألا يا نخلة من ذات عرق عليك - ورحمة الله - السلام = (*)
    (1/591)

    وبعد " ما " استفهام أو " كيف " نصب بفعل كون مضمر بعض العرب (1)
    حق المفعول [ معه ] أن يسبقه فعل أو شبهه، كما تقدم تمثيله، وسمع من كلام العرب نصبه بعد " ما " و " كيف " الاستفهاميتين من غير أن يلفظ بفعل،.
    __________
    = والشئ إذا أشبه الشئ أخذ حكمه، وثاني الاستدلالين أنه ورد عن العرب المحتج بكلامهم تقديم المفعول معه على مصاحبه كما في قول يزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة يعاتب فيها ابن عمه: جمعت وفحشا غيبة ونميمة ثلاث خصال لست عنها بمرعوي فزعم أن الواو في قوله " وفحشا " واو المعية، والاسم بعده منصوب على أنه مفعول معه، ومن ذلك أيضا قول بعض الفزاريين، وهو من شعراء الحماسة: أكنيه حين أناديه لاكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقبا فزعم أن الواو في قوله " والسوءة " واو المعية، والاسم بعدها منصوب على أنه مفعول معه تقدم على مصاحبه وهو قوله " اللقبا " وأصل الكلام عنده: ولا ألقبه اللقبا والسوءة.
    وليس ما ذهب إليه ابن جنى بسديد، ولا ما استدل به صحيح، أما تشبيه المفعول معه بالمعطوف فلئن سلمنا له شبهه به لم نسلم أن المعطوف يجوز أن يتقدم على المعطوف عليه، بل كونه تابعا ينادى بأن ذلك ممتنع، فأما البيت الذي أنشده شاهدا على تقديم المعطوف فضرورة أو مؤول، وأما البيتان اللذان أنشدهما على جواز تقديم المفعول معه على مصاحبه فبعد تسليم صحة الرواية يجوز أن تكون الواو فيهما للعطف وقدم المعطوف ضرورة.
    (1) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " نصب " الآتي، وبعد مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه، وما مضاف و " استفهام " مضاف إليه من إضافة الدال إلى المدلول " أو " عاطفة " كيف " معطوف على " ما " السابق " نصب " فعل ماض " بفعل " جار ومجرور متعلق بنصب، وفعل مضاف، و " كون " مضاف إليه
    " مضمر " نعت لفعل " بعض " فاعل نصب، وبعض مضاف، و " العرب " مضاف إليه.
    (*)
    (1/592)

    نحو " ما أنت وزيدا (1) " و " كيف أنت وقصعة من ثريد " فخرجه النحويون على أنه منصوب بفعل مضمر مشتق من الكون، والتقدير: ما تكون وزيدا، وكيف تكون وقصعة من ثريد، فزيدا وقصعة: منصوبان ب " تكون " المضمرة.
    * * * والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق (2).
    __________
    (1) ومن ذلك قول أسامة بن الحارث بن حبيب الهذلي: ما أنت والسير في متلف يبرح بالذكر الضابط الشاهد في قوله " ما أنت والسير " حيث نصب " السير " على أنه مفعول معه من غير أن يتقدمه فعل، ومن ذلك قول الآخر، وهو من شواهد سيبويه: أتوعدني بقومك يابن حجل أشابات يخالون العبادا بما جمعت من حضن وعمرو وما حضن وعمرو والجيادا ؟ الشاهد في قوله " وما حضن والجيادا " حيث نصب " الجياد " على أنه مفعول معه من غير أن يتقدم عليه فعل أو شبهه.
    ومع ورود ذلك في كلام العرب المحتج به فإنه قليل، والكثير في مثل ذلك رفع ما بعد الواو على أنه معطوف على ما قبله، كما قال زياد الاعجم: تكلفني سويق التمر جرم وما جرم وما ذاك السويق ؟ وكما قال أوس بن حجر: عددت رجالا من قعين تفجسا فما ابن لبينى والتفجس والفخر ؟ وكما قال المخبل يهجو الزبرقان بن بدر:
    يا زبرقان أخا بني خلف ما أنت - ويب - أبيك والفخر ؟ (2) " والعطف " مبتدأ " إن " شرطية " يمكن " فعل مضارع فعل الشرط، = (38 - شرح اين عقيل 1) (*)
    (1/593)

    والنصب إن لم يجز العطف يجب أو اعتقد إضمار عامل تصب (1) الاسم الواقع بعد هذه الواو: إما أن يمكن عطف على ما قبله، أولا، فإن أمكن عطفه فإما أن يكون بضعف، أو بلا ضعف.
    فإن أمكن عطفه بلا ضعف فهو أحق من النصب، نحو " كنت أنا وزيد كالاخوين " فرفع " زيد " عطفا على المضمر المتصل أولى من نصبه مفعولا معه، لان العطف ممكن للفصل، والتشريك أولى من عدم التشريك، ومثله " سار زيد وعمرو " فرفع " عمرو " أولى من نصبه.
    وإن أمكن العطف بضعف فالنصب على المعية أولى من التشريك (2)،.
    __________
    = وجواب الشرط محذوف " بلا ضعف " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور بالباء، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، ولا مضاف وضعف: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية، والجار والمجرور متعلق بيمكن " أحق " خبر المبتدأ، وجملة الشرط وجوابه معترضة بين المبتدأ وخبره " والنصب مختار " مبتدأ وخبره " لدى " ظرف متعلق بمختار، ولدى مضاف و " ضعف " مضاف إليه، وضعف مضاف، و " النسق " مضاف إليه.
    (1) " النصب " مبتدأ " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " يجز " فعل مضارع فعل الشرط " العطف " فاعل يجز، وجواب الشرط محذوف " يجب " فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النصب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " أو اعتقد " أو: عاطفة، اعتقد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا
    تقديره أنت " إضمار " مفعول به لاعتقد، وإضمار مضاف و " عامل " مضاف إليه " تصب " فعل مضارع مجزوم في جواب الامر الذي هو اعتقد، ويجوز أن يكون يجب جواب الشرط، وتكون جملة الشرط وجوابه - على هذا - في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) الضعف الذي لا يتأتى معه العطف إما أن يكون لفظيا: أي عائدا إلى اللفظ بحسب ما تقتضيه صناعة الاعراب، وإما أن يكون معنويا.
    وقد مثل الشارح للضعف اللفظي، ولم يمثل للضعف المعنوي: أي الذي يرجع إلى ما يريد المتكلم من المعنى، ومن أمثلته قولهم " لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها " وبيانه أنك لو عطفت الفصيل = (*)
    (1/594)

    لسلامته من الضعف، نحو " سرت وزيدا "، فنصب " زيد " أولى من رفعه، لضعف العطف على المضمر المرفوع المتصل بلا فاصل.
    وإن لم يمكن عطفه تعين النصب: على المعية، أو على إضمار فعل [ يليق به ]، كقوله: 166 - * علفتها تبنا وماء باردا *
    __________
    = على الناقة لصار المعنى أن رضاع الفصيل للناقة متسبب عن مجرد تركك إياهما، وليس كذلك، فيلزمك أن تجعل التقدير على العطف: لو تركت الناقة وتركت فصيلها يرضعها تعني يتمكن من رضاعها لرضعها، فأما نصب هذا على أنه مفعول معه فيصير به المعنى: لو تركت الناقة مع فصيلها لرضعها، وهذا صحيح مؤد إلى المقصود، لان المعية يراد بها المعية حسا ومعنى، فالتكلف الذي استوجبه العطف لتصحيح المعنى هو الذي جعله ضعيفا، ومثله قول الشاعر: إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل أمره واللياليا إذ لو عطفت " الليالي " على " أمره " لكنت محتاجا إلى تقدير: واكل أمره لليالي وواكل الليالي لامره، فأما جعل الواو بمعنى مع ونصب الاسم على أنه مفعول
    معه فلا يحوج إلى شئ.
    166 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكر العلماء نسبتها إلى قائل معين، وقد اختلفوا في تتمته، فيذكر بعضهم أن الشاهد صدر بيت، وأن تمامه: * حتى شتت همالة عيناها * ويرويه العلامة الشيرازي عجز بيت، ويروي له صدرا هكذا: * لما حططت الرحل عنها واردا * اللغة: " شتت " يروى في مكانه " بدت " وهما بمعنى واحد " همالة " اسم مبالغة من هملت العين، إذا انهمرت بالدموع.
    الاعراب: " علفتها " فعل وفاعل ومفعول أول " تبنا " مفعول ثان " وماء " ظاهره أنه معطوف على ما قبله، وستعرف ما فيه " باردا " صفة للمعطوف.
    = (*)
    (1/595)

    فماء: منصوب على المعية، أو على إضمار فعل يليق به، والتقدير " وسقيتها ماء باردا " وكقوله تعالى: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) فقوله " وشركاءكم " لا يجوز عطفه على " أمركم "، لان العطف على نية تكرار العامل، إذ لا يصح أن يقال " أجمعت شركائي " وإنما يقال " أجمعت أمري، وجمعت شركائي " فشركائي: منصوب على المعية، والتقدير - والله أعلم - فأجمعوا أمركم مع شركائكم، أو منصوب بفعل يليق به، والتقدير " فأجمعوا أمركم، واجمعوا شركاءكم ".
    * * *.
    __________
    = الشاهد فيه قوله " وماء " فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله، لكون العامل في المعطوف عليه لا يتسلط على المعطوف، إذ لا يقال " علفتها ماء " ومن أجل ذلك كان نصبه على أحد ثلاثة أوجه: إما بالنصب على المعية، وإما على تقدير فعل يعطف على
    " علفتها " والتقدير: علفتها تبنا وسقيتها ماء، وإما على أن تضمن " علفتها " معنى " أنلتها " أو " قدمت لها " ونحو ذلك ليستقيم الكلام، وقد ذكر الشارح في البيت والآية الكريمة وجهين من هذه الثلاثة.
    وسيأتي لهذا نظائر نذكرها مع شرح الشاهد (رقم 299) في مباحث عطف النسق، إن شاء الله تعالى.
    (*)
    (1/596)

    الاستثناء ما استثنت " الا " مع تمام ينتصب وبعد نفي أو كنفي انتخب (1) إتباع ما اتصل، وانصب ما انقطع وعن تميم فيه إبدال وقع (2) حكم المستثنى ب " إلا " النصب، إن وقع بعد تمام الكلام لموجب، سواء كان متصلا أو منقطعا، نحو " قام القوم إلا زيدا، وضربت القوم إلا زيدا، ومررت بالقوم إلا زيدا، وقام القوم إلا حمارا، وضربت القوم إلا حمارا،.
    __________
    (1) " ما " اسم موصول مبتدأ " استثنت " استثنى: فعل ماض، والتاء للتأنيث " إلا " قصد لفظه: فاعل استثنت، والجملة من استثنت وفاعله لا محل لها صلة، والعائد إلى الموصول محذوف، والتقدير: ما استثنته إلا " مع " ظرف متعلق باستثنت، ومع مضاف و " تمام " مضاف إليه " ينتصب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة الواقعة مبتدأ، والجملة من ينتصب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وبعد " ظرف متعلق بقوله " انتخب " الآتي، وبعد مضاف، و " نفي " مضاف إليه " أو " حرف عطف " كنفي " الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على نفي، والكاف مضاف ونفي مضاف إليه " انتخب " فعل ماض مبني للمجهول.
    (2) " إتباع " نائب فاعل لانتخب في آخر البيت السابق، وإتباع مضاف، و " ما " اسم موصول: مضاف إليه، وجملة " اتصل " وفاعله المستتر العائد إلى ما
    لا محل لها صلة " وانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ما " اسم موصول: مفعول به لانصب، وجملة " انقطع " وفاعله المستتر فيه العائد إلى ما لا محل لها صلة " وعن تميم " جار ومجرور متعلق بقوله " وقع " الآتي " فيه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " إبدال " مبتدأ مؤخر، وجملة " وقع " من الفعل الماضي وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إبدال في محل رفع نعت لابدال، والتقدير: إبدال كائن في المنقطع وقع عن تميم، ويجوز أن تجعل جملة " وقع " وفاعله المستتر فيه العائد إلى إبدال خبرا عن المبتدأ، وعلى هذا يكون قوله " عن تميم " وقوله " فيه " جارين ومجرورين يتعلق كل منهما بوقع، والتقدير: وإبدال واقع في المنقطع عن تميم.
    (*)
    (1/597)

    ومررت بالقوم إلا حمارا " ف " زيدا " في هذه المثل منصوب على الاستثناء، وكذلك " حمارا ".
    والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة " إلا "، واختار المصنف - في غير هذا الكتاب - أن الناصب له " إلا " وزعم أنه مذهب سيبويه (1) وهذا معنى قوله " ما استثنت إلا مع تمام ينصب " أي: أنه ينتصب الذي استثنته " إلا " مع تمام الكلام، إذا كان موجبا..
    __________
    (1) للنحاة في ناصب الاسم الواقع بعد " إلا " خلاف طويل، غير أن أشهر مذاهبهم في ذلك تتلخص في أربعة أقوال: الاول: أن الناصب له هو الفعل الواقع في الكلام السابق على " إلا " بواسطتها، فيكون عمل " إلا " هو تعدية ما قبلها إلى ما بعدها، كحرف الجر الذي يعدى الفعل إلى الاسم، غير أن هذه التعدية بالنظر إلى المعنى، وهذا مذهب السيرافي، ونسبه قوم منهم ابن عصفور وغيره إلى سيبويه، وقال الشلوبين: إنه مذهب المحققين.
    الثاني: أن الناصب له هو نفس " إلا " وهو مذهب ابن مالك الذي صرح به في غير هذا الكتاب، وعبارته في الالفية تشير إليه، أفلا ترى أنه يقول في مطلع الباب " ما استثنت إلا " ثم يقول بعد أبيات " وألغ إلا " وهي عبارة يدل ظاهرها على أن المراد إلغاؤها عن العمل.
    الثالث: أن الناصب له هو الفعل الواقع قبل " إلا " باستقلاله، لا بواسطتها كالمذهب الاول.
    الرابع: أن الناصب له فعل محذوف تدل عليه " إلا " والتقدير: أستثنى زيدا مثلا ويرد على المذهبين الاول والثالث أنه قد لا يكون في الكلام المتقدم على " إلا " ما يصلح لعمل النصب من فعل أو نحوه، تقول: إن القوم إخوتك إلا زيدا، فكيف تقول: إن العامل الذي قبل " إلا " هو الناصب لما بعدها ؟ سواء أقلنا: إنه ناصبه على الاستقلال أم قلنا: إنه ناصبه بواسطة " إلا ".
    ويمكن أن يجاب على ذلك بأننا في هذا المثال وما أشبهه نلتزم تأويل ما قبل " إلا " بما يصلح لعمل النصب، وهذا الجواب مع إمكانه ضعيف، للتكلف الذي يلزمه.
    (*)
    (1/598)

    فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجب - وهو المشتمل على النفي، أو شبهه، والمراد بشبه النفي: النهي، والاستفهام - فإما أن يكون الاستثناء متصلا، أو منقطعا، والمراد بالمتصل: أن يكون المستثنى بعضا مما قبله، وبالمنقطع: ألا يكون بعضا مما قبله.
    فإن كان متصلا، جاز نصبه على الاستثناء، وجاز إتباعه لما قبله في الاعراب، وهو المختار (1)، والمشهور أنه بدل من متبوعه، وذلك نحو " ما قام أحد إلا زيد، وإلا زيدا، ولا يقم أحد إلا زيد وإلا زيدا، وهل قام أحد إلا
    زيد ؟ وإلا زيدا، وما ضربت أحدا إلا زيدا، ولا تضرب أحدا إلا زيدا، وهل ضربت أحدا إلا زيدا ؟ "، فيجوز في " زيدا " أن يكون منصوبا على الاستثناء، وأن يكون منصوبا على البدلية من " أحد "، وهذا هو المختار،.
    __________
    (1) أطلق الشارح - رحمه الله ! - اختيار إتباع المستثنى منه إذا كان الكلام تاما منفيا، وليس هذا الاطلاق بسديد، بل قد يختار النصب على الاستثناء، ولذلك ثلاثة مواضع: الاول، وسيأتي في كلامه: أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو قولك: ما زارني إلا زيدا أحد، فالنصب على الاستثناء هنا أرجح من الرفع على البدلية، لئلا يلزم تقدم التابع على المتبوع، أو تغير الحال، فيصير التابع متبوعا، والمتبوع تابعا.
    الثاني: أن يفصل بين المستثنى والمستثنى منه بفاصل طويل، نحو أن تقول: لم يزرني أحد أثناء مرضي مع انقضاء زمن طويل إلا زيدا، واختيار النصب على الاستثناء في هذا الموضع لان الاتباع إنما يختار للتشاكل بين التابع والمتبوع، وهذا التشاكل لا يظهر مع طول الفصل بينهما، ونازع في هذا أبو حيان.
    الثالث: أن يكون الكلام جوابا لمن أتى بكلام آخر يجب فيه نصب المستثنى، وذلك كأن يقول لك قائل: نجح التلاميذ إلا عليا، فتقول له " ما نجحوا إلا عليا " وإنما اختير النصب على الاستثناء ههنا ليتم به التشاكل بين الكلام الاول وما يراد الجواب به عنه.
    (*)
    (1/599)

    وتقول: " ما مررت بأحد إلا زيد، وإلا زيدا، ولا تمرر بأحد إلا زيد، وإلا زيدا، وهل مررت بأحد إلا زيد ؟ وإلا زيدا ".
    وهذا معنى قوله: " وبعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل " أي: اختير إتباع الاستثناء المتصل، إن وقع بعد نفي أو شبه نفي.
    وإن كان الاستثناء منقطعا تعين النصب عند جمهور العرب، فتقول:
    " ما قام القوم إلا حمارا "، ولا يجوز الاتباع، وأجازه بنو تميم، فتقول: " ما قام القوم إلا حمار، وما ضربت القوم إلا حمارا، وما مررت بالقوم إلا حمار ".
    وهذا هو المراد بقوله: " وانصب ما انقطع " أي: انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه.
    فمعنى البيتين أن الذي استثنى ب " إلا " ينتصب، إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه، وقد نبه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك، وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب، سواء كان متصلا أو منقطعا.
    وإن كان غير موجب - وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي - انتخب - أي: اختير إتباع ما اتصل، ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع.
    * * * وغير نصب سابق في النفي قد يأتي، ولكن نصبه اختر إن ورد (1).
    __________
    (1) " وغير " مبتدأ، وغير مضاف و " نصب " مضاف إليه، ونصب مضاف و " سابق " مضاف إليه " في النفي " جار ومجرور متعلق بقوله " يأتي " الآتي " قد " حرف دال على التقليل، وجملة " يأتي " وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى = (*)
    (1/600)

    إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى، نحو " قام إلا زيدا القوم " وإن كان غير موجب فالمختار نصبه، فتقول: " ما قام إلا زيدا القوم "، ومنه قوله: 167 - فمالي إلا آل أحمد شيعة ومالي إلا مذهب الحق مذهب
    وقد روي رفعه، فتقول " ما قام إلا زيد القوم " قال سيبويه: " حدثني.
    __________
    = " غير نصب " في محل رفع خبر المبتدأ " ولكن " حرف استدراك " نصبه " نصب: مفعول مقدم لاختر، ونصب مضاف والهاء مضاف إليه " اختر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " ورد " فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقديره: إن ورد فاختر نصبه.
    167 - البيت للكميت بن زيد الاسدي، من قصيدة هاشمية، يمدح فيها آل النبي صلى الله عليه وسلم، وأولها قوله: طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب ؟ اللغة: " طربت " الطرب: استخفاف القلب من حزن أو فرح أو لهو " البيض " جمع بيضاء، وهي المرأة النقية " وذو الشيب يلعب " جعله بعض النحاة ومنهم ابن هشام في المغنى على تقدير همزة الاستفهام، وكأنه قد قال: أو ذو الشيب يلعب ؟ ودليل صحته أنه يروى في مكانه " أذو الشيب يلعب " " شيعة " أشياع وأنصار " مذهب الحق " يروى في مكانه " مشعب الحق " والمراد: أنه لا قصد له إلا طريق الحق.
    الاعراب: " وما " نافية " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " إلا " أداة استثناء " آل " مستثنى، وآل مضاف، و " أحمد " مضاف إليه " شيعة " مبتدأ مؤخر، وهو المستثنى منه، " وما لي إلا مذهب الحق مذهب " مثل الشطر الاول في الاعراب تماما.
    الشاهد فيه: قوله " إلا آل أحمد " وقوله " إلا مذهب الحق " حيث نصب المستثنى بإلا في الموضعين، لانه متقدم على المستثنى منه، والكلام منفي، وهذا هو المختار.
    (*)
    (1/601)

    يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أخوك ناصر " وأعربوا الثاني بدلا من الاول [ على القلب ] [ لهذا السبب ] ومنه قوله:
    168 فإنهم يرجون منه شفاعة إذا لم يكن إلا النبيون شافع فمعنى البيت: إنه قد ورد في المستثنى السابق غير النصب وهو الرفع.
    __________
    168 - البيت لحسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، من قصيدة يقولها في يوم بدر، وأولها قوله: ألا يا لقومي هل لما حم دافع ؟ وهل ما مضى من صالح العيش راجع ؟ اللغة: " حم " تقول: حم الامر - بالبناء للمجهول - ومعناه قدر، وتقول: قد حمه الله، وأحمه، تريد قدره وهيأ أسبابه " يرجون " يترقبون ويأملون، والمراد بالشفاعة شفاعته صلى الله عليه وسلم، وهي المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى في قوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).
    الاعراب: " فإنهم " إن: حرف توكيد ونصب، هم: اسمه " يرجون " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر إن " منك " جار ومجرور متعلق بيرجون " شفاعة " مفعول به ليرجون " إذا " ظرفية " لم " نافية جازمة " يكن " فعل مضارع تام مجزوم بلم " إلا " أداة استثناء " النبيون " مستثنى، وستعرف ما فيه " شافع " فاعل يكن، وهو المستثنى منه.
    الشاهد فيه: قوله " إلا النبيون " حيث رفع المستثنى مع تقدمه على المستثنى منه، والكلام منفي، والرفع في مثل ذلك غير المختار، وإنما المختار نصبه، هذا هو الظاهر.
    وقد خرجه بعض النحاة على غير ظاهره، ليطابق المختار عندهم، فذهبوا إلى أن قوله " النبيون " معمول لما قبل إلا، أي أنه فاعل يكن، فيكون الكلام استثناء مفرغا: أي لم يذكر فيه المستثنى منه، وقوله " شافع " بدل كل مما قبله، ويكون الامر على عكس الاصل، فالذي كان بدلا صار مبدلا منه، والذي كان مبدلا منه قد صار بدلا، وتغير نوع البدل فصار بدل كل بعد أن كان بدل بعض.
    (*)
    (1/602)

    وذلك إذا كان الكلام غير موجب، نحو " ما قام إلا زيد القوم " ولكن المختار نصبه.
    وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفي أن الموجب يتعين فيه النصب، نحو " قام إلا زيدا القوم ".
    * * * وإن يفرغ سابق " إلا " لما بعد يكن كما لو " الا " عدما (1) إذا تفرغ سابق " إلا " لما بعدها - أي: لم يشتغل بما يطلبه - كان الاسم الواقع بعد " إلا " معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل " إلا " قبل دخولها، وذلك نحو " ما قام إلا زيد، وما ضربت إلا زيدا، وما مررت إلا بزيد " ف " زيد ": فاعل مرفوع بقام، و " زيدا ": منصوب بضربت، و " بزيد ": متعلق بمررت، كما لو لم تذكر " إلا ".
    __________
    (1) " وإن " شرطية " يفرغ " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط " سابق " نائب فاعل ليفرغ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " إلا " قصد لفظه: جعله الشيخ خالد مضافا إليه، وليس هذا الاعراب بشئ، بل هو مفعول به لسابق، لانه اسم فاعل منون وترك تنوينه يخل بوزن البيت " لما " جار ومجرور متعلق بيفرغ " بعد " ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة لفظا في محل نصب، وهو متعلق بمحذوف صلة " ما " المجرورة محلا باللام " يكن " فعل مضارع ناقص مجزوم لانه جواب الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا " كما " الكاف جارة، ما زائدة " لو " مصدرية " الا " قصد لفظه: نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده " عدما " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على إلا، و " لو " ومدخولها في تأويل مصدر مجرور
    بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر " يكن "، وتقدير الكلام: يكن هو كائنا كعدم إلا في الكلام.
    (*)
    (1/603)

    وهذا هو الاستثناء المفرغ (1) ولا يقع في كلام موجب (2) فلا تقول " ضربت إلا زيدا ".
    وألغ " إلا " ذات توكيد: كلا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا (3) إذا كررت " إلا " لقصد التوكيد لم تؤثر فيما دخلت عليه شيئا، ولم تفد.
    __________
    (1) يجوز تفريغ العامل المتقدم على إلا بالنظر إلى جميع المعمولات كالفاعل ونائبه والمفعول به، ويستثنى من ذلك: المفعول معه، والمصدر المؤكد لعامله، والحال المؤكدة، فلا يجوز أن تقول: ما سرت إلا والنيل، ولا أن تقول: ما ضربت إلا ضربا، ولا أن تقول: لا تعث إلا مفسدا، وذلك لان الكلام مع هذه المثل ونحوها يتناقض صدره مع عجزه.
    (2) أطلق الشارح القول بعدم وقوع الاستثناء المفرغ في الكلام الموجب، ولم يفرق بين أن يكون ما بعد إلا فضلة وأن يكون عمدة، وللنحاة في هذا الموضوع مذهبان: أحدهما: أنه لا يقع بعد الايجاب مطلقا كما يقتضيه إطلاق الشارح، وهو مذهب الجمهور، واختاره الناظم، والسر في ذلك أنك لو كنت تقول " ضربت إلا زيدا " لكان المعنى أنك ضربت جميع الناس إلا زيدا، وهذا مستحيل، وقيام قرينة تدل على أنك تريد بالناس جماعة مخصوصة، أو أنك قصدت إلى المبالغة - بجعل الفعل الواقع على بعض الناس واقعا على كلهم، تنزيلا لهذا البعض منزلة الكل، لعدم الاعتداد بما عدا هذا البعض - أمر نادر، فلا يجعل له حكم.
    والمذهب الثاني لابن الحاجب، وخلاصته أنه يجوز وقوع الاستثناء بعد الايجاب بشرطين، الاول: أن يكون ما بعد إلا فضلة، والثاني: أن تحصل فائدة، وذلك
    كقولك: قرأت إلا يوم الجمعة، فإن كان عمدة أو لم تحصل فائدة لم يجز.
    (3) " وألغ " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إلا " قصد لفظه: مفعول به لالغ " ذات " حال من " إلا "، وذات مضاف، و " توكيد " مضاف إليه " كلا " الكاف جارة لقول محذوف، لا: ناهية " تمرر " فعل مضارع مجزوم بلا، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بهم " جار ومجرور متعلق بتمرر " إلا " حرف استثناء " الفتى " مستثنى، والمستثنى منه الضمير المجرور محلا بالباء " إلا " توكيد لالا السابقة " العلا " بدل من " الفتى "، بدل كل من كل.
    (*)
    (1/604)

    غير توكيد الاولى، وهذا معنى إلغائها، وذلك في البدل والعطف، نحو " ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك " ف " أخيك " بدل من " زيد " ولم تؤثر فيه " إلا " شيئا، أي لم تفد فيه استثناء مستقلا، وكأنك قلت: ما مررت بأحد إلا زيد أخيك، ومثله " لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا " [ والاصل: لا تمرر بهم إلا الفتى العلا ] ف " العلا " بدل من الفتى، وكررت " إلا " توكيدا، ومثال العطف " قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا " والاصل: إلا زيدا وعمرا، ثم كررت " إلا " توكيدا، ومنه قوله: 169 - هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها والاصل: وطلوع الشمس، وكررت " إلا " توكيدا..
    __________
    169 - البيت لابي ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن خالد، والبيت مطلع قصيدة له، وبعده قوله: أبي القلب إلا أم عمرو، وأصبحت تحرق ناري بالشكاة ونارها وعيرها الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها اللغة: " غيارها " بزنة قيام - هو مصدر بمعنى الغياب " تحرق " بالبناء للمجهول -
    توقد، وتذكى، وتشعل " بالشكاة " بفتح الشين أراد ما يكون من كلام الواشين من النمائم " عيرها الواشون " نسبوها إلى العار، وهو كل ما يوجب الذم.
    الاعراب: " هل " حرف استفهام بمعنى النفي " الدهر " مبتدأ " إلا " أداة استثناء ملغاة " ليلة " خبر المبتدأ " ونهار ها " الواو عاطفة، نهار: معطوف على ليلة، ونهار مضاف والضمير مضاف إليه " وإلا " الواو عاطفة، وإلا زائدة للتوكيد " طلوع " معطوف على ما قبله، وطلوع مضاف و " الشمس " مضاف إليه " ثم " عاطفة " غيارها " غيار: معطوف على طلوع، وغيار مضاف وها مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " وإلا طلوع الشمس " حيث تكررت " إلا " ولم تفد غير مجرد التوكيد، فألغيت، وعطف ما بعدها على ما قبلها، ونظير زيادة " إلا " في هذا = (*)
    (1/605)

    وقد اجتمع تكرارها في البدل والعطف في قوله: 170 - مالك من شيخك إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله.
    __________
    = الموضع زيادة " لا " في نحو قولك: مررت برجل لا كريم ولا شجاع، فالواو عاطفة لما بعد " لا " الثانية على ما بعد " لا " الاولى، وليست " لا " الثانية إلا زائدة لمجرد تأكيد أن ما بعدها معطوف على مدخول الاولى.
    170 - البيت لراجز لم يسمه أحد ممن اطلعنا على أقوالهم، وهو من شواهد سيبويه (1 / 374).
    اللغة: " شيخك " هكذا يقرأه الناس قديما وحديثا بالياء المثناة بعدها خاء معجمة، ويشتهر على ألسنة الجميع أنه الجمل، ولكنا لم نقف على هذا المعنى لهذا اللفظ في كتب اللغة الموثوق بها، والمنصوص عليه أن الشيخ هو الرجل المسن، وعلى هذا يفسر الرسيم كما قال الاعلم بالسعي بين الصفا والمروة، ويفسر الرمل بالسعي في الطواف، وكأنه قال: لا منفعة في ولا عمل عندي أفوق فيه غيري إلا هذان، وزعم بعض الناس أن الصواب
    في رواية هذه الكلمة " شنجك " بالنون والجيم الموحدتين، وهو الجمل، وأصل نونه متحركة فسكنها لاقامة الوزن، وكأن الذي دعاه إلى ادعاء التصحيف ثم إلى هذا التفسير ذكر الرسيم والرمل، ولكن الذي عليه الرواة الاثبات من المتقدمين أولى بالاتباع، إذ كانت اللغة لا تثبت إلا بالنقل، و " رسيمه ورمله " على هذه الرواية الاخيرة ضربان من السير.
    المعنى: المراد على الوجه الاخير: لا منفعة لك من جملك إلا في نوعين من سيره، وهما الرسيم والرمل وقد بينا لك المعنى على الرواية الاصيلة التي اخترناها وصوبناها.
    الاعراب: " ما " نافية " لك " جار ومجرور، ومثله " من شيخك " ويتعلقان بمحذوف خبر مقدم، وشيخ مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " إلا " أداة استثناء " عمله " عمل: مبتدأ مؤخر، وعمل مضاف والضمير مضاف إليه " إلا " زائدة للتوكيد " رسيمه " رسيم: بدل من عمل، بدل بعض من كل، ورسيم مضاف والضمير مضاف إليه " وإلا " الواو عاطفة، إلا: زائدة للتوكيد " رمله " رمل: معطوف على رسيمه، ورمل مضاف وضمير الغائب العائد إلى شيخك مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " إلا رسيمه وإلا رمله " حيث تكررت " إلا " في البدل والعطف، ولم تفد غير مجرد التوكيد، وقد ألغيت.
    (*)
    (1/606)

    والاصل: إلا عمله رسيمه ورمله، ف " رسيمه ": بدل من عمله، " ورمله " معطوف على " رسيمه "، وكررت " إلا " فيهما توكيدا.
    * * * وإن تكرر لا لتوكيد فمع تفريغ التأثير بالعامل دع (1) في واحد مما بإلا استثني وليس عن نصب سواه مغني (2) إذا كررت " إلا " لغير التوكيد - وهي: التي يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء، ولو أسقطت لما فهم ذلك - فلا يخلو: إما أن
    يكون الاستثناء مفرغا، أو غير مفرغ..
    __________
    (1) " وإن " شرطية " تكرر " فعل مضارع مبني للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على إلا " لا " عاطفة " لتوكيد " معطوف على جار ومجرور محذوف، والتقدير: وإن تكرر إلا لتأسيس لا لتوكيد " فمع " الفاء لربط الجواب بالشرط، مع: ظرف متعلق بدع الآتي، ومع مضاف، و " تفريغ " مضاف إليه " التأثير " مفعول به لدع مقدم عليه " بالعامل " جار ومجرور متعلق بالتأثير " دع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (2) " في واحد " جار ومجرور متعلق بدع في البيت السابق " مما " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لواحد " بإلا " جار ومجرور متعلق باستثني الآتي " استثني " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة المجرورة محلا بمن، والجملة من استثني ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " وليس " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد " عن نصب " جار ومجرور متعلق بمغني الآتي، ونصب مضاف وسوى من " سواه " مضاف إليه، وسوى مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " مغني " خبر ليس، ووقف عليه كلغة ربيعة، ويجوز أن يكون مغني اسم ليس، وخبرها محذوف، أي وليس مغن عن نصب سواه موجودا.
    (*)
    (1/607)

    فإن كان مفرغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقي، فتقول: " ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا " ولا يتعين واحد منها لشغل العامل، بل أيها شئت شغلت العامل به، ونصبت الباقي، وهذا معنى قوله: " فمع تفريغ - إلى آخره " أي: مع الاستثناء المفرغ اجعل تأثير العامل في واحد مما استثنيته بإلا، وانصب الباقي.
    وإن كان الاستثناء غير مفرغ - وهذا هو المراد بقوله: -
    ودون تفريغ: مع التقدم نصب الجميع احكم به والتزم (1) وانصب لتأخير، وجئ بواحد منها كما لو كان دون زائد (2) كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي وحكمها في القصد حكم الاول (3).
    __________
    (1) " ودون " ظرف متعلق باحكم، ودون مضاف و " تفريغ " مضاف إليه " مع التقدم " مثله " نصب " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، ونصب مضاف و " الجميع " مضاف إليه " احكم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " به " جار ومجرور متعلق باحكم " والتزم " الواو عاطفة، التزم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله محذوف: أي التزم ذلك الحكم.
    (2) " وانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لتأخير " جار ومجرور متعلق بانصب " وجئ " الواو عاطفة، جئ: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بواحد " جار ومجرور متعلق بجئ " منها " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد " كما " الكاف جارة، وما: زائدة " لو " مصدرية " كان " فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل " كان " و " لو " ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة ثانية لواحد، أو في محل نصب حال منه، لانه تخصص بالوصف.
    (3) " كلم " الكاف جارة لقول محذوف، لم: نافية جازمة " يفوا " فعل مضارع مجزوم بلم، وواو الجماعة فاعله " إلا " أداة استثناء " امرؤ " بدل من واو الجماعة = (*)
    (1/608)

    فلا يخلو: إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه، أو تتأخر.
    فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع، سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب، نحو " قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم، وما قام إلا
    زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم " وهذا معنى قوله: " ودون تفريغ - البيت ".
    وإن تأخرت فلا يخلو: إما أن يكون الكلام موجبا، أو غير موجب، فإن كان موجبا وجب نصب الجميع، فتقول: " قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا " وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء: فيبدل مما قبله وهو - المختار - أو ينصب - وهو قليل - كما تقدم، وأما باقيها فيجب نصبه، وذلك نحو " ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا " ف " زيد " بدل من أحد، وإن شئت أبدلت غيره من الباقين، ومثله قول المصنف " لم يفوا إلا امرؤ إلا علي " ف " امرؤ " بدل من الواو في " يفوا " وهذا معنى قوله " وانصب لتأخير - إلى آخره " أي: وانصب المستثنيات كلها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا، وإن كان غير موجب فجئ بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى، وانصب الباقي.
    ومعنى قوله " وحكمها في القصد حكم الاول " أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الاول، فيثبت له ما يثبت للاول: من الدخول والخروج، ففي قولك " قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا " الجميع..
    __________
    = بدل بعض من كل " إلا " حرف دال على الاستثناء " علي " مستثنى منصوب، ووقف عليه بالسكون كلغة ربيعة " وحكمها " الواو عاطفة أو للاستئناف، حكم: مبتدأ، وحكم مضاف والضمير مضاف إليه " في القصد " جار ومجرور متعلق بحكم " حكم " خبر المبتدأ، وحكم مضاف، و " الاول " مضاف إليه.
    (39 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/609)

    مخرجون، وفي قولك " ما قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا " الجميع داخلون، وكذا في قولك: " ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا "
    [ الجميع داخلون ].
    * * * واستثن مجرورا بغير معربا بما لمستثنى بإلا نسبا (1) استعمل بمعنى " إلا " - في الدلالة على الاستثناء - ألفاظ: منها ما هو اسم، وهو " غير، وسوى، وسوى، وسواء " ومنها ما هو فعل، وهو " ليس، ولا يكون " ومنها ما يكون فعلا وحرفا، وهو " عدا، وخلا، وحاشا " وقد ذكرها المصنف كلها.
    فأما " غير، وسوى، وسوى، وسواء " فحكم المستثنى بها الجر، لاضافتها إليه وتعرب " غير " بما كان يعرب به المستثنى مع " إلا "، فتقول: " قام القوم غير زيد " بنصب " غير " كما تقول " قام القوم إلا زيدا " بنصب " زيد "، وتقول " ما قام أحد غير زيد، وغير زيد " بالاتباع والنصب، والمختار الاتباع، كما تقول " ما قام أحد إلا زيد، وإلا زيدا " وتقول: " ما قام غير زيد " فترفع " غير " وجوبا كما تقول: " ما قام إلا زيد " برفعه.
    __________
    (1) " استثن " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مجرورا " مفعول به لاستثن " بغير " جار ومجرور متعلق باستثن " معربا " حال من غير " بما " جار ومجرور متعلق بمعرب " لمستثنى " جار ومجرور متعلق بنسب الآتي " بإلا " جار ومجرور متعلق بمستثنى " نسبا " نسب: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة " ما " المجرورة محلا بالباء، وتقدير البيت: استثن بلفظ غير اسما مجرورا بإضافة غير إليه حال كون لفظ غير معربا بالاعراب الذي نسب للمستثنى بإلا.
    (1/610)

    وجوبا، وتقول: " ما قام أحد غير حمار " بنصب " غير " عند غير بني
    تميم، وبالاتباع عند بني تميم، كما تفعل في قولك " ما قام أحد إلا حمار، وإلا حمارا ".
    وأما " سوى " فالمشهور فيها كسر السين والقصر، ومن العرب من يفتح سينها ويمد، ومنهم من يضم سينها ويقصر، ومنهم من يكسر سينها ويمد، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف، وقل من ذكرها، وممن ذكرها الفاسي في شرحه للشاطبية.
    ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا، فإذا قلت " قام القوم سوى زيد " ف " سوى " عندهم منصوبة على الظرفية، وهي مشعرة بالاستثناء، ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر.
    واختار المصنف أنها ك " غير " فتعامل بما تعامل به " غير ": من الرفع، والنصب، والجر، وإلى هذا أشار بقوله: ولسوى سوى سواء اجعلا على الاصح ما لغير جعلا (1) فمن استعمالها مجرورة قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها " وقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنتم في سواكم من الامم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الاسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الابيض " وقول الشاعر:.
    __________
    (1) " لسوى " جار ومجرور متعلق باجعل على أنه مفعول ثان له " سوى، سواء " معطوفان على سوى بعاطف مقدر في كل منهما " اجعلا " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة " على الاصح " جار ومجرور متعلق بجعل " ما " اسم موصول: مفعول أول لاجعل " لغير " جار ومجرور متعلق بجعل الآتي على أنه المفعول الثاني " جعلا " جعل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، وهو المفعول الاول، والجملة لا محل لها
    من الاعراب صلة، والالف للاطلاق.
    (*)
    (1/611)

    171 - ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا.
    __________
    171 - البيت للمرار بن سلامة العقيلي، وهو من شواهد سيبويه، وقد أنشده في كتابه مرتين: إحداهما في (1 / 3) ونسبه للمرار بن سلامة، والثانية في (1 / 302) ونسبه لرجل من الانصار، ولم يعينه.
    اللغة: " الفحشاء " الشئ القبيح، وتقول: أفحش الرجل في كلامه، وفحش تفحيشا، وتفحش، إذا أردت أنه يتكلم بقبيح الكلام.
    الاعراب: " لا " نافية " ينطق " فعل مضارع " الفحشاء " منصوب على نزع الخافض " من " اسم موصول فاعل ينطق " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة " منهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة " إذا " ظرفية " جلسوا " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها " منا " جار ومجرور متعلق بجلسوا، ومن الجارة هنا بمعنى مع " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " من سوائنا " الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور السابق، وسواء مضاف والضمير مضاف إليه، وقيل: منا ومن سوائنا يتعلقان بقوله ينطق، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إذا جلسوا فلا ينطق الفحشاء إلخ.
    الشاهد فيه: قوله " من سوائنا " حيث خرجت فيه سواء عن الظرفية، واستعملت مجرورة بمن، متأثرة به، وهو عند سيبويه وأتباعه من ضرورات الشعر.
    قال الاعلم في شرح شواهد سيبويه عند الكلام على هذا البيت: " أراد غيرنا، فوضع سواء موضع غير ضرورة، وكان ينبغي ألا يدخل من عليها، لانها لا تستعمل في
    الكلام إلا ظرفا، ولكنه جعلها بمنزلة غير في دخول من عليها، لان معناها كمعناها " اه.
    ومثل هذا البيت في استعمال سوى مجرورة للضرورة قول الاعشى ميمون ابن قيس: تجانف عن جو اليمامة ناقتي وما عدلت عن أهلها لسوائكا وقول عثمان بن صمصامة الجعدي: على نعمنا، لانعم قوم سوائنا، هي الهم والاحلام لو يقع الحلم (*)
    (1/612)

    ومن استعمالها مرفوعة قوله: 172 - وإذا تباع كريمة أو تشترى فسواك بائعها وأنت المشتري وقوله: 173 - ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا.
    __________
    172 - البيت لمحمد بن عبد الله المدني، يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، وقد روى أبو تمام في الحماسة عدة أبيات من هذه الكلمة، أولها بيت الشاهد (انظر شرح التبريزي 4 / 274 بتحقيقنا) وبعده قوله: وإذا توعرت المسالك لم يكن منها السبيل إلى نداك بأوعر اللغة: " تباع " أراد بالبيع ههنا الزهد في الشئ، والانصراف عنه، وذهاب الرغبة في تحصيله، كما أراد بالشراء الحرص على الشئ، والكلف به، وشدة الرغبة في الحصول عليه، و " أو " ههنا بمعنى الواو " كريمة " أي خصلة كريمة، أي نفيسة حسنة يتسابق الكرام إليها.
    المعنى: إذا رغب قوم في تحصيل المكارم وتأثيل المجد وانصرف آخرون عن ذلك، فأنت الراغب في المجد المحصل للمكارم، وغيرك المنصرف عنه الزاهد فيه.
    الاعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " تباع " فعل مضارع مبني للمجهول
    " كريمة " نائب فاعل تباع، والجملة من تباع ونائب فاعله في محل جر بإضافة إذا إليها " أو " عاطفة " تشترى " فعل مضارع مبني للمجهول معطوف على تباع، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى كريمة " فسواك " الفاء لربط الجواب بالشرط، سوى: مبتدأ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه " بائعها " بائع: خبر المبتدأ، وبائع مضاف، وها: مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب جواب إذا " وأنت " مبتدأ " المشتري " خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.
    الشاهد فيه: قوله " فسواك " فإن " سوى " قد خرجت عن الظرفية، ووقعت مبتدأ متأثرا بالعامل، وهذا العامل معنوي، وهو الابتداء، وهو يرد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور من أن " سوى " لا تخرج عن النصب على الظرفية.
    173 - البيت للفند الزماني من كلمة يقولها في حرب البسوس، واسم الفند شهل ابن شيبان بن ربيعة، وقد روى أبو تمام في مطلع ديوان الحماسة أبياتا من هذه الكلمة = (*)
    (1/613)

    ف " سواك " مرفوع بالابتداء، و " سوى العدوان " مرفوع بالفاعلية.
    ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفية قوله: 174 - لديك كفيل بالمنى لمؤمل وإن سواك من يؤمله يشقى.
    __________
    = يقع بيت الشاهد رابعها، وقبله وقوله: صفحنا عن بني ذهل وقلنا: القوم إخوان عسى الايام أن يرجعن قوما كالذي كانوا فلما صرح الشر وأمسى وهو عريان اللغة: " صفحنا " عفونا، والصفح: العفو، وأصله من قولهم: أعرضت صفحا عن هذا الامر، إذا تركته ووليته جانبك " بني ذهل " يروى في مكانه " بني هند " وهي
    هند بنت مر ابن أخت تميم، وهي أم بكر وتغلب ابني وائل " العدوان " الظلم الصريح " دناهم " جازيناهم وفعلنا بهم مثل الذي فعلوا بنا من الاساءة، وجملة " دناهم " هذه جواب " لما " في قوله " فلما صرح الشر ".
    الاعراب: " ولم " نافية جازمة " يبق " فعل مضارع مجزوم بحذف الالف " سوى " فاعل يبق، وسوى مضاف، و " العدوان " مضاف إليه " دناهم " فعل ومفعول به " كما " الكاف جارة، وما: يجوز أن تكون موصولا اسميا، وأن تكون حرفا مصدريا " دانوا " فعل وفاعل، فإذا كانت " ما " موصولا اسميا فالجملة لا محل لها من الاعراب صلة، والعائد محذوف، والتقدير: دناهم كالدين الذي دانوه، وإذا كانت ما مصدرية فهي ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وعلى كل حال فإن الكاف ومجرورها متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف يدل عليه قوله دناهم، والتقدير: دناهم دينا كائنا كالدين الذي دانوه، أو دناهم دينا مثل دينهم إيانا.
    الشاهد فيه: قوله " سوى العدوان " حيث وقعت " سوى " فاعلا، وخرجت عن الظرفية.
    174 - البيت من الشواهد التي لم ينسبوها لقائل معين، ولم أقف له على سابق أو لاحق.
    = (*)
    (1/614)

    ف " سواك " اسم " إن "، هذا تقرير كلام المصنف.
    ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية، إلا في ضرورة الشعر، وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل.
    * * *.
    __________
    = اللغة: [ " كفيل " ] ؟ ضامن " المنى " الرغبات والآمال، واحدها منية بوزان مدية وغرفة " لمؤمل " اسم فاعل من أمل فلان فلانا تأميلا، إذا رجاه " يشقى " مضارع
    من الشقاء وهو العناء والشدة.
    المعنى: إن عندك من مكارم الاخلاق وشريف السجايا ما يضمن لمن يرجو نداك أن يبلغ قصده وينال عندك ما يؤمل، فأما غيرك ممن يظن بهم الناس الخير فإن آمال الراجين فيهم تنقلب خيبة وشقاء.
    الاعراب: " لديك " لدى: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ولدى مضاف والكاف مضاف إليه " كفيل " مبتدأ مؤخر " بالمنى، لمؤمل " جاران ومجروران يتعلقان بكفيل " إن " حرف توكيد ونصب " سواك " سوى: اسم إن، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه " من " اسم موصول مبتدأ " يؤمله " يؤمل: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة، والهاء مفعول به، والجملة لا محل لها صلة الموصول " يشقى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو من الموصولة، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن.
    الشاهد فيه: قوله " وإن سواك " حيث فارقت " سوى " الظرفية ووقعت اسما لان فتأثرت بالعامل الذي هو إن المؤكدة.
    ومثل هذا البيت - في وقوع سوى منصوبة بالعامل - الشاهد رقم 175 الآتي (ص 618) وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي (البيت 17 من الكلمة 114): وصرمت حبلك إذ صرمت، لانني أخبرت أنك قد هويت سوانا = (*)
    (1/615)

    واستثن ناصبا بليس وخلا وبعدا، وبيكون بعد " لا " (1) أي: استثن ب " ليس " وما بعدها ناصبا المستثنى، فتقول: " قام القوم ليس زيدا، وخلا زيدا، وعدا زيدا، ولا يكون زيدا " ف " زيدا " في قولك:
    " ليس زيدا، ولا يكون زيدا " منصوب على أنه خبر " ليس، ولا يكون "، واسمهما ضمير مستتر، والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم (2)،.
    __________
    = وكل هذه الشواهد دالة على أن هذه الكلمة ليست ملازمة للنصب على الظرفية كما ذهب إليه سيبويه، والخليل، وجمهور البصريين، وادعاؤهم أن ذلك خاص بضرورة الشعر مع كثرة ما ورد منه - مما لا يجوز أن يلتفت إليه أو يؤخذ به، وتأويل هذه الشواهد الكثيرة مما لا تدعو إليه ضرورة، ولا يمكن ارتكابه إلا مع التمحل والتكلف، ولئن ذهبنا إلى ارتكابه لم يبق تأصيل قواعد النحو ممكنا.
    (1) " واستئن " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ناصبا " حال من الفاعل المستتر في استثن " بليس " جار ومجرور متعلق باستثن " وخلا " معطوف على ليس " وبعدا، وبيكون " جاران ومجروران معطوفان على بليس " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون، وبعد مضاف، و " لا " قصد لفظه: مضاف إليه.
    (2) للنحاة في مرجع الضمير المستكن في يكون من قولك " قام القوم لا يكون زيدا " والمستكن في ليس من قولك " قام القوم ليس زيدا " ثلاثة أقوال معروفة: (الاول) أن مرجعه هو البعض المفهوم من الكل السابق الذي هو المستثنى منه، فتقدير الكلام: قام القوم لا يكون هو (أي بعض القوم) زيدا، فهو مثل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء) وهذا أشهر المذاهب في هذه المسألة.
    (الثاني) أن مرجعه اسم فاعل مأخوذ من الفعل العامل في المستثنى منه، فتقدير الكلام: قام القوم لا يكون هو (أي القائم) زيدا.
    (الثالث) أن مرجعه هو مصدر الفعل السابق العامل في المستثنى منه، والمستثنى نفسه على تقدير مضاف، وتقدير الكلام على هذا: قام القوم لا يكون هو (أي القيام)
    قيام زيد.
    = (*)
    (1/616)

    والتقدير: " ليس بعضهم زيدا [ ولا يكون بعضهم زيدا ] "، وهو مستتر وجوبا، وفي قولك: " خلا زيدا، وعدا زيدا " منصوب على المفعولية، " خلا، وعدا " فعلان فاعلهما - في المشهور - ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدم، وهو مستتر وجوبا، والتقدير: خلا بعضهم زيدا، وعدا بعضهم زيدا.
    ونبه بقوله: " ويكون بعد لا " - وهو قيد في " يكون " فقط - على أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير " يكون " وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد " لا " فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفي، نحو: لم، وإن، ولن، ولما، وما.
    * * * واجرر بسابقي يكون إن ترد وبعد " ما " انصب، وانجرار قد يرد (1).
    __________
    = ويضعف الوجهين - الثاني والثالث - أن الكلام قد لا يكون مشتملا على فعل، نحو قولك: القوم إخوتك لا يكون زيدا.
    (1) " واجرر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بسابقي " جار ومجرور متعلق باجرر، وسابقي مضاف، و " يكون " قصد لفظه: مضاف إليه " إن " شرطية " ترد " فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بإن، وعلامة جزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن ترد فاجرر إلخ " وبعد " الواو عاطفة، بعد: ظرف متعلق بانصب الآتي، وبعد مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " انصب "
    فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وانجرار " مبتدأ " قد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انجرار، والجملة من يرد وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/617)

    أي: إذا لم تتقدم " ما " على، " خلا، وعدا " فاجرر بهما إن شئت، فتقول: " قام القوم خلا زيد، وعدا زيد " فخلا، وعدا: حرفا جر، ولم يحفظ سيبويه الجر بهما، وإنما حكاه الاخفش، فمن الجر ب " خلا " قوله: 175 - خلا الله لا أرجو سواك، وإنما أعد عيالي شعبة من عيالكا.
    __________
    175 - البيت من الشواهد التي لم يعينوا قائلها، ولم أقف له على سابق أو لاحق.
    اللغة: " أرجو " مضارع من الرجاء، وهو ضد اليأس من الشئ الذي هو قطع الطماعية في الوصول إليه، وتقول: رجا الانسان الشئ يرجوه رجاء، إذا أمله وتوقع حصوله " سواك " غيرك، وهو دليل على أن هذه الكلمة تستعمل غير ظرف، لوقوعها مفعولا به، وتقدمت هذه المسألة مشروحة مستدلا لها (ص 611 وما بعدها) " أعد " أي أحسب " عيالي " العيال: هم أهل بيت الانسان ومن يمونهم " شعبة " طائفة.
    المعنى: إنني لا أؤمل أن يصلني الخير من أحد إلا منك، وأنا واثق كل الثقة من أنك لا تدخر وسعا في التفضل علي والاحسان إلي، لان أهلي ومن تلزمني مؤنهم في اعتباري فريق من أهلك ومن تلزمك مؤنهم.
    - في اعتباري - فريق من وأهلك ومن تلزمك مؤنهم الاعراب: " خلا " حرف جر " الله " مجرور بخلا، والجار والمجرور متعلق بأرجو الآتي " لا " نافية " أرجو " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " سواك " سوى: مفعول به لارجو، وسوى مضاف والكاف ضمير المخاطب
    مضاف إليه " إنما " أداة حصر " أعد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " عيالي " عيال: مفعول أو لاعد، وعيال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " شعبة " مفعول ثان لاعد " من عيالكا " من عيال: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشعبة، وعيال مضاف والكاف مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " خلا الله " وفي هذه الكلمة وحدها شاهدان للنحاة: أما الاول فحيث استعمل الشاعر " خلا " حرف جر، فجر به لفظ الجلالة، وذكر الشارح = (*)
    (1/618)

    ومن الجر ب " عدا " قوله: 176 - تركنا في الحضيض بنات عوج عواكف قد خضعن إلى النسور أبحنا حيهم قتلا وأسرا عدا الشمطاء والطفل الصغير.
    __________
    = أن هذا مما نقله الاخفش، وأن سيبويه لم يحفظ من العرب الجر بخلا، وهذا نقل غير صحيح، بل نقله سيبويه في كتابه صريحا (1 / 377) حيث يقول " أما حاش فليس باسم، ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها، وفيه معنى الاستثناء، وبعض العرب يقول: ما أنا من القوم خلا عبد الله (بالجر) فجعلوا خلا بمنزلة حاشا، فإذا قلت: ما خلا فليس فيه إلا النصب، لان ما اسم، ولا تكون صلتها إلا للفعل هنا " اه، وأما الشاهد الثاني فحيث قدم الاستثناء فجعله أول الكلام قبل المستثنى منه وقبل العامل فيه، وذلك جائز عند الكوفيين، نص عليه الكسائي، وإليه ذهب أبو إسحاق الزجاج، وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز، وأجاز الفريقان جميعا تقديم المستثنى على المستثنى منه، بشرط أن يتقدم العامل في المستثنى منه أو بعض جملة المستثنى منه.
    وفي قوله " لا أرجو سواك " شاهد ثالث، وحاصله أن " سوى " قد تفارق
    النصب على الظرفية فتتأثر بالعوامل، وقد وقعت هنا مفعولا به، وهذا هو الذي نبهناك إليه في ص 611.
    176 - وهذان البيتان من الابيات التي لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.
    اللغة: " الحضيض " قرار الارض عند منقطع الجبل " بنات عوج " أراد بها الخيل التي ينسبونها إلى فرس مشهور يسمونه " أعوج " ويقال: خيل أعوجيات " عواكف " جمع عاكفة، والعكوف: ملازمة الشئ والمواظبة عليه " خضعن " ذللن وخشعن " أبحنا حيهم " أراد أهلكنا واستأصلنا، والحي: القبيلة " أسرا " الاسر: أن يأخذ الرجل الرجل في الحرب ملقيا بيديه معترفا بالعجز عن الدفاع عن نفسه " الشمطاء " هي العجوز التي يخالط سواد شعرها بياض.
    الاعراب: " تركنا " فعل وفاعل " في الحضيض " جار ومجرور متعلق بتركنا " بنات " مفعول به لتركنا، وبنات مضاف، و " عوج " مضاف إليه " عواكف " حال من بنات عوج " قد " حرف تحقيق " خضعن " فعل وفاعل، والجملة في محل = (*)
    (1/619)

    فإن تقدمت عليهما " ما " وجب النصب بهما، فتقول: " قام القوم ماخلا زيدا، وما عدا زيدا " ف " ما ": مصدرية، و " خلا، وعدا ": صلتها، وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره، و " زيدا ": مفعول، وهذا معنى قوله: " وبعد ما انصب " هذا هو المشهور.
    وأجاز الكسائي الجر بهما بعد " ما " على جعل " ما " زائدة، وجعل " خلا، وعدا " حرفي جر، فتقول: " قام القوم ما خلا زيد، وما عدا زيد " وهذا معنى قوله: " وانجرار قد يرد " وقد حكى الجرمي في الشرح الجر بعد " ما " عن بعض العرب.
    * * *
    وحيث جرا فهما حرفان كما هما إن نصبا فعلان (1).
    __________
    = نصب صفة لعواكف " إلى النسور " جار ومجرور متعلق بخضعن " أبحنا " فعل وفاعل " حيهم " حي: مفعول به لاباح، وحي مضاف والضمير مضاف إليه " قتلا " تمييز " وأسرا " معطوف على قوله قتلا " عدا " حرف جر " الشمطاء " مجرور بعدا " والطفل " معطوف على الشمطاء " الصغير " صفة للطفل.
    الشاهد فيه: قوله " عدا الشمطاء " حيث استعمل " عدا " حرف جر، فجر الشمطاء به، ولم يحفظ سيبويه الجر بعدا، ولا ذكره أبو العباس المبرد، أما الجر بخلا فقد عرفت أن الصحيح في النقل عن سيبويه أنه قد رواه عن بعض العرب (انظر شرح الشاهد رقم 175 السابق) فقد نقلنا لك فيه نص عبارة سيبويه، ودللناك على موضعه من كتابه.
    (1) " وحيث " اسم شرط عند الفراء الذي لا يشترط في المجازاة به اقترانه بما، وعند غيره هو ظرف يتعلق بقوله " حرفان " الآتي، لانه في قوة المشتق " جرا " فعل ماض، وهو فعل الشرط على القول الاول، وألف الاثنين فاعل " فهما حرفان " = (*)
    (1/620)

    أي: إن جررت ب " خلا، وعدا " فهما حرفا جر، وإن نصبت بهما فهما فعلان، وهذا مما لا خلاف فيه.
    * * * وكخلا حاشا، ولا تصحب " ما " وقيل " حاش، وحشا " فاحفظهما (1) المشهور أن " حاشا " لا تكون إلا حرف جر، فتقول: " قام القوم حاشا زيد " بجر " زيد " وذهب الاخفش والجرمي والمازني والمبرد وجماعة منهم المصنف إلى أنها مثل " خلا ": تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها،
    وحرفا فتجر ما بعدها، فتقول: " قام القوم حاشا زيدا، وحاشا زيد " وحكى جماعة منهم الفراء، وأبو زيد الانصاري، والشيباني النصب بها، ومنه: " اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الاصبع " وقوله:.
    __________
    = الفاء لربط الجواب بالشرط، وهي زائدة على القول الثاني، وما بعدها جملة من مبتدأ وخبر في محل جزم جواب الشرط " كما " جار ومجرور متعلق بقوله " فعلان " الآتي، لانه في قوة المشتق " هما " ضمير منفصل مبتدأ " إن " شرطية " نصبا " فعل ماض، فعل الشرط، وألف الاثنين فاعل، وجواب الشرط محذوف، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره " فعلان " خبر المبتدأ.
    (1) " كخلا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " حاشا " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " ولا " نافية " تصحب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى حاشا " ما " قصد لفظه: مفعول به لتصحب " وقيل " فعل ماض مبني للمجهول " حاش " قصد لفظه: نائب فاعل قيل " وحشا " معطوف عليه " فاحفظهما " احفظ: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهما: مفعول به لاحفظ.
    (*)
    (1/621)

    177 - حاشا قريشا، فإن الله فضلهم على البرية بالاسلام والدين وقول المصنف: " ولا تصحب ما " معناه أن " حاشا " مثل " خلا " في أنها تنصب ما بعدها أو تجره، ولكن لا تتقدم عليهما " ما " كما تتقدم على " خلا "، فلا تقول: " قام القوم ما حاشا زيدا "، وهذا الذي ذكره هو الكثير، وقد صحبتها " ما " قليلا، ففي مسند أبي أمية الطرسوسي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة " (1)..
    __________
    177 - هذا البيت من كلام الفرزدق همام بن غالب.
    الاعراب: " حاشا " فعل ماض دال على الاستثناء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من الكل السابق " قريشا " مفعول به لحاشا " فإن " الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب " الله " اسم إن " فضلهم " فضل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله، هم: مفعول به لفضل، والجملة من فضل وفاعله ومفعوله في محل رفع خبر " إن " " على البرية، بالاسلام " جاران ومجروران متعلقان بفضل " والدين " عطف على الاسلام.
    الشاهد فيه: قوله " حاشا قريشا " فإنه استعمل " حاشا " فعلا، ونصب به ما بعده.
    (1) توهم النحاة أن قوله " ما حاشا فاطمة " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا " حاشا " استثنائية، واستدلوا به على أن حاشا الاستثنائية يجوز أن تدخل عليها ما، وذلك غير متعين، بل يجوز أن يكون هذا الكلام من كلام الراوي يعقب به على قول الرسول صلى الله عليه وسلم " أسامة أحب الناس إلي " يريد الراوي بذلك أن يبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن أحدا من أهل بيته لا فاطمة ولا غيرها، فما: نافية، وحاشى: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النبي، وفاطمة: مفعول به، وليست حاشا هذه هي الاستثنائية، بل هي فعل متصرف تام تكتب ألفه ياء لكونها رابعة، ومضارعه هو الذي ورد في قول النابغة الذبياني: = (*)
    (1/622)

    وقوله: 178 - رأيت الناس ما حاشا قريشا فإنا نحن أفضلهم فعالا ويقال في " حاشا ": " حاش، وحشا ".
    * * *.
    __________
    = ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه وما أحاشي من الاقوام من أحد والفرق بين حاشا الاستثنائية وهذا الفعل من ستة أوجه، الاول: أن الاستثنائية تكون حرفا وتكون فعلا، وهذه لا تكون إلا فعلا، والثاني أن الاستثنائية إن كانت فعلا غير متصرفة، وهذه متصرفة، الثالث أن فاعل الاستثنائية مستتر وجوبا، وهذه كغيرها من الافعال ماضيها فاعله مستتر جوازا، والرابع أن ألف الاستثنائية تكتب ألفا، وهذه تكتب ألفها ياء، والخامس: أن الاستثنائية يتعين فيها أن تكون من كلام صاحب الكلام الاول السابق عليها، وهذه ليست كذلك، بل لو تكلم بها صاحب الكلام الاول لقال: ما أحاشي، أو قال: ما حاشيت، كما قال النابغة الذبياني " وما أحاشي " السادس: أن " ما " التي تسبق الاستثنائية مصدرية أو زائدة، وأما التي تسبق هذه فهي نافية، فاعرف ذلك وكن حريصا عليه، والله ينفعك به.
    178 - نسب العيني هذا البيت للاخطل غوث بن غياث، وقد راجعت ديوان شعره فوجدت له قطعة على هذا الوزن والروى يهجو فيها جرير بن عطية، وليس فيها بيت الشاهد.
    اللغة: " رأيت " زعم العيني أن " رأى " ههنا من الرأى، مثل التي في قولهم: رأى أبو حنيفة حرمة كذا، وعلى هذا تكون متعدية إلى مفعول واحد، وليس الذي زعمه بسديد، بل هي بمعنى العلم، وتتعدى إلى مفعولين، وقد ذكر الشاعر مفعولها الاول وحذف الثاني، وتقديره: رأيت الناس دوننا أو أقل منا في المنزلة، ونحو ذلك ويجوز أن تكون جملة " فإنا نحن أكثرهم فعالا " في محل نصب مفعولا ثانيا لرأى، وزيدت الفاء فيها كما زيدت في خبر المبتدأ في نحو قولهم: الذي يزورني فله جائزة = (*)
    (1/623)

    .
    __________
    = سنية " فعالا " هو بفتح الفاء - الكرم، ويجوز أن تكون الفاء مكسورة على
    أنه جمع فعل.
    الاعراب: " رأيت " فعل وفاعل " الناس " مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه، وتقدير الكلام: رأيت الناس أقل منا، أو دوننا، مثلا " ما حاشا " ما: مصدرية، حاشا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من الكل السابق " قريشا " مفعول به لحاشا " فإنا " الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب، نا: اسمه " نحن " توكيد للضمير المتصل الواقع اسما لان " أفضلهم " أفضل: خبر إن، وأفضل مضاف وهم مضاف إليه " فعالا " تمييز، ويجوز أن تكون الفاء زائدة، وتكون جملة " إن " واسمها وخبرها في محل نصب مفعولا ثانيا لرأى، ولا عجب أن تزاد الفاء في المفعول الثاني، فإن أصله خبر، والفاء تزاد في خبر المبتدأ كثيرا.
    الشاهد فيه: قوله " ما حاشا قريشا " حيث دخلت " ما " المصدرية على " حاشا " وذلك قليل، والاكثر أن تتجرد منها.
    * * * (*)
    (1/624)

    الحال الحال وصف، فضلة، منتصب، مفهم في حال كفردا أذهب (1) عرف الحال (2) بأنه، الوصف، الفضلة، المنتصب، للدلالة على هيئة، نحو: " فردا أذهب " ف " فردا ": حال، لوجود القيود المذكورة فيه.
    وخرج بقوله: " فضلة " الوصف الواقع عمدة، نحو: " زيد قائم " وبقوله " للدلالة على الهيئة " التمييز المشتق، نحو: " لله دره فارسا " فإنه تمييز لا حال على الصحيح، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة، بل التعجب من فروسيته، فهو لبيان المتعجب منه، لا لبيان هيئته، وكذلك " رأيت رجلا راكبا " فإن
    " راكبا " لم يسق للدلالة على الهيئة، بل لتخصيص الرجل، وقول المصنف " مفهم في حال " هو معنى قولنا " للدلالة على الهيئة ".
    * * *.
    __________
    (1) " الحال " مبتدأ " وصف " خبره " فضلة، منتصب، مفهم " نعوت لوصف " في حال " جار ومجرور متعلق بمفهم " كفردا " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة، فردا: حال من فاعل أذهب الآتي " أذهب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا.
    (2) الحال في اللغة: ما عليه الانسان من خير أو شر، وهو في اصطلاح علماء العربية ما ذكره الشارح العلامة، ويقال: حال، وحالة، فيذكر لفظه ويؤنث، ومن شواهد تأنيث لفظه قول الشاعر: على حالة لو أن في القوم حاتما على جوده ضنت به نفس حاتم ومن شواهد تذكير لفظه قول الشاعر: إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه، وواكل أمره واللياليا (40 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/625)

    وكونه منتقلا مشتقا يغلب، لكن ليس مستحقا (1) الاكثر في الحال أن تكون: منتقلة، مشتقة.
    ومعنى الانتقال: ألا تكون ملازمة للمتصف بها، نحو " جاء زيد راكبا " ف " راكبا ": وصف منتقل، لجواز انفكاكه عن " زيد " بأن يجئ ماشيا.
    وقد تجئ الحال غير منتقلة (2)، أي وصفا لازما، نحو " دعوت الله سميعا " و " خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها "، وقوله: 179 - فجاءت به سبط العظام، كأنما عمامته بين الرجال لواء
    ف " سميعا، وأطول، وسبط " أحوال، وهي أوصاف لازمة..
    __________
    (1) " وكونه " الواو للاستئناف، وكون: مبتدأ، وكون مضاف والهاء مضاف إليه، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه " منتقلا " خبر المصدر الناقص " مشتقا " خبر ثان " يغلب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه منتقلا، والجملة من يغلب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " لكن " حرف استدراك " ليس " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه منتقلا إلخ " مستحقا " خبر ليس.
    (2) تجئ الحال غير منتقلة في ثلاث مسائل: الاولى: أن يكون العامل فيها مشعرا بتجدد صاحبها، نحو قوله تعالى: (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو قولهم: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، ونحو قول الشاعر * فجاءت به سبط العظام * البيت الذي أنشده الشارح رحمه الله (رقم 179).
    الثانية: أن تكون الحال مؤكدة: إما لعاملها نحو قوله تعالى: (فتبسم ضاحكا) وقوله سبحانه: (ويوم أبعث حيا) وإما مؤكدة لصاحبها، نحو قوله سبحانه: (لآمن من في الارض كلهم جميعا) وإما مؤكدة لمضمون جملة قبلها، نحو قولهم: زيد أبوك عطوفا.
    الثالثة: في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، كقولهم: دعوت الله سميعا، وقوله تعالى: (أنزل إليكم الكتاب مفصلا) وكقوله جل ذكره: (قائما بالقسط).
    179 - البيت لرجل من بني جناب لم أقف على اسمه.
    = (*)
    (1/626)

    وقد تأتي الحال جامدة، ويكثر ذلك في مواضع ذكر المصنف بعضها بقوله: ويكثر الجمود: في سعر، وفي مبدي تأول بلا تكلف (1) كبعه مدا بكذا، يدا بيد، وكر زيد أسدا، أي كأسد (2)
    .
    __________
    = اللغة: " سبط العظام " أراد أنه سوى الخلق حسن القامة " لواء " هو ما دون العلم، وأراد أنه تام الخلق طويل، فكنى بهذه العبارة عن هذا المعنى.
    الاعراب: " فجاءت " جاء: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " به " جار ومجرور متعلق بجاءت " سبط " حال من الضمير المجرور محلا بالباء، وسبط مضاف و " العظام " مضاف إليه " كأنما " كأن: حرف تشبيه ونصب، وما: كافة " عمامته " عمامة: مبتدأ، وعمامة مضاف والضمير مضاف إليه " بين " منصوب على الظرفية، وبين مضاف، و " الرجال " مضاف إليه " لواء " خبر المبتدأ.
    الشاهد فيه: قوله " سبط العظام " حيث ورد الحال وصفا ملازما، على خلاف الغالب فيه من كونه وصفا منتقلا، وإضافة سبط لا تفيده تعريفا ولا تخصيصا، لانه صفة مشبهة، وإضافة الصفة المشبهة إلى معمولها لا تفيد التعريف ولا التخصيص، وإنما تفيد رفع القبح على ما سيأتي بيانه في باب الاضافة إن شاء الله تعالى.
    (1) " يكثر " فعل مضارع " الجمود " فاعل يكثر " في سعر " جار ومجرور متعلق بيكثر " وفي مبدي " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الاول، ومبدي مضاف و " تأول " مضاف إليه " بلا تكلف " جار ومجرور متعلق بتأول، ولا اسم بمعنى غير مضاف وتكلف: مضاف إليه.
    (2) " كبعه " الكاف جارة لقول محذوف، بع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " مدا " حال من المفعول " بكذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، وقال سيبويه: هو بيان لمد " وكر زيد " فعل وفاعل " أسدا " حال من الفاعل " أي " حرف تفسير " كأسد " الكاف اسم بمعنى مثل عطف بيان على قوله " أسدا " الواقع حالا، والكاف الاسمية مضاف وأسد مضاف إليه.
    (*)
    (1/627)

    يكثر مجئ الحال جامدة إن دلت على سعر، نحو " بعه مدا بدرهم (1) " فمدا: حال جامدة، وهي في معنى المشتق، إذ المعنى " بعه مسعرا كل مد بدرهم " ويكثر جمودها - أيضا - فما دل على تفاعل، نحو " بعته يدا بيد (2) " أي: مناجزة، أو على تشبيه، نحو " كر زيد أسدا ": أي مشبها الاسد، ف " يدا، وأسدا " جامدان، وصح وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق، كما تقدم، وإلى هذا أشار بقوله: " وفي مبدي تأول " أي: يكثر مجئ الحال جامدة حيث ظهر تأولها بمشتق.
    وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين " إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة " معناه أن ذلك هو الغالب، لا أنه لازم، وهذا معنى قوله فيما تقدم " لكن ليس مستحقا " (3)..
    __________
    (1) يجوز في هذا المثال وجهان: أحدهما رفع مد، وثانيهما نصبه، فأما رفع مد فعلى أن يكون مبتدأ، والجار والمجرور بعده متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة لان لها وصفا محذوفا، وتقدير الكلام: بع البر (مثلا) مد منه بدرهم، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال، والرابط هو الضمير المجرور محلا بمن، ولا يكون المثال - على هذا الوجه - مما نحن بصدده، لان الحال جملة لا مفرد جامد، أما نصب مد فعلى أن يكون حالا، والجار والمجرور بعده متعلق بمحذوف صفة له، ويكون المثال حينئذ مما نحن بصدده، والمشتق المؤول به ذلك الحال يكون مأخوذا من الحال وصفته جميعا، وتقديره: مسعرا.
    ويجوز أن يكون هذا الحال حالا من فاعل بعه، فيكون لفظ " مسعرا " الذي تؤوله به بكسر العين مشددة اسم فاعل، ويجوز أن يكون حالا من المفعول، فيكون قولك " مسعرا " بفتح العين مشددة اسم مفعول.
    (2) هذا المثال كالذي قبله، يجوز فيه رفع " يد " ونصبه، وإعراب الوجهين هنا كإعرابهما في المثال السابق، والتقدير على الرفع: يد منه على يد مني، والتقدير على النصب: يدا كائنة مع يد.
    (3) ذكر الشارح ثلاثة مواضع تجئ فيها الحال جامدة وهي في تأويل المشتق، = (*)
    (1/628)

    .
    __________
    = وهي: أن تدل الحال على سعر، أو على تفاعل ومنه دلالتها على مناجزة أو على تشبيه، وقد بقيت خمسة مواضع أخرى: الاول: أن تدل الحال على ترتيب، كقولك: ادخلوا الدار رجلا رجلا، وقولك: سار الجند رجلين رجلين، تريد مرتبين، وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولا ثم يفصل هذا المجموع بذكر بعضه مكررا، فالمجموع في المثال الاول هو الذي تدل الواو عليه، وفي المثال الثاني هو الجند، والحال عند التحقيق هو مجموع اللفظين، ولكنه لما تعذر أن يكون المجموع حالا جعل كل واحد منهما حالا، كما في الخبر المتعدد بغير عاطف في نحو قولك: الرمان حلو حامض، وذهب ابن جنى إلى أن الحال هو الاول، والثاني معطوف عليه بعاطف مقدر.
    الموضع الثاني: أن تكون الحال موصوفة، نحو قوله تعالى: (قرآنا عربيا) وقوله: (فتمثل لها بشرا سويا) وتسمى هذه الحال: " الحال الموطئة ".
    الموضع الثالث: أن تكون الحال دالة على عدد، نحو قوله تعالى (فتم ميقات ربه أربعين ليلة).
    الموضع الرابع: أن تدل الحال على طور فيه تفصيل، نحو قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا.
    الموضع الخامس: أن تكون الحال نوعا من صاحبها، كقولك: هذا مالك ذهبا، أو تكون الحال فرعا لصاحبها، كقولك: هذا حديدك خاتما، وكقوله تعالى:
    (وتنحتون الجبال بيوتا) أو تكون الحال أصلا لصاحبها، كقولك: هذا خاتمك حديدا، وكقوله تعالى: (أأسجد لمن خلقت طينا).
    وقد أجمع النحاة على أن المواضع الاربعة الاولى - وهي الثلاثة التي ذكرها الشارح والموضع الاول مما ذكرناه يجب تأويلها بمشتق، ليسر ذلك، وعدم التكلف فيه، ثم اختلفوا في المواضع الاربعة الباقية، فذهب قوم منهم ابن الناظم إلى وجوب تأويلها أيضا، ليكون الحال على ما هو الاصل فيها، وذهب قوم إلى أنه لا يجب تأويلها بمشتق لان في تأويلها بالمشتق تكلفا، وفي ذلك من التحكم ما ليس يخفى.
    (*)
    (1/629)

    والحال إن عرف لفظا فاعتقد تنكيره معنى، كوحدك اجتهد (1) مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة، وأن ما ورد منها معرفا لفظا فهو منكر معنى، كقولهم: جاءوا الجماء الغفير.
    180 - و * أرسلها العراك.
    *.
    __________
    (1) " الحال " مبتدأ " إن " شرطية " عرف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " لفظا " تمييز محول عن نائب الفاعل " فاعتقد " الفاء لربط الجواب بالشرط، اعتقد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " تنكيره " تنكير: مفعول به لاعتقد، وتنكير مضاف والهاء مضاف إليه " معنى " تمييز " كوحدك " الكاف جارة لقول محذوف، وحد: حال من الضمير المستتر في " اجتهد " الآتي، ووحد مضاف والكاف مضاف إليه " اجتهد " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل نصب مقول لقول محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك اجتهد وحدك، والحال في تأويل " منفردا ".
    180 - هذه قطعة من بيت للبيد بن ربيعة العامري يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب، وهو بنمامه:
    فأرسلها العراك، ولم يذدها، ولم يشفق على نغص الدخال اللغة: " العراك " ازدحام الابل أو غيرها حين ورود الماء " يذدها " يطردها " يشفق " يرحم " نغص " مصدر نغص الرجل - بكسر الغين - إذا لم يتم مراده، ونغص البعير إذا لم يتم شربه " الدخال " أن يداخل بعيره الذي شرب مرة مع الابل التي لم تشرب حتى يشرب معها ثانية، وذلك إذا كان البعير كريما، أو شديد العطش، أو ضعيفا.
    الاعراب: " فأرسلها " أرسل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحمار الوحشي المذكور في أبيات سابقة، والضمير البارز المتصل الذي يرجع إلى الابن مفعول به لارسل " العراك " حال " ولم يذدها " الواو عاطفة، لم: نافية جازمة، يذد: فعل مضارع مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فاعل أرسل، وها: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة فأرسلها، = (*)
    (1/630)

    واجتهد وحدك، وكلمته فاه إلى في، ف " الجماء، والعراك، ووحدك، وفاه ": أحوال، وهي معرفة، لكنها مؤولة بنكرة، والتقدير: جاءوا جميعا، وأرسلها معتركة، واجتهد منفردا، وكلمته مشافهة.
    وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا، بلا تأويل، فأجازوا " جاء زيد الراكب ".
    وفصل الكوفيون، فقالوا: إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها، وإلا فلا، فمثال ما تضمن معنى الشرط " زيد الراكب أحسن منه الماشي " ف " الراكب والماشي ": حالان، وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط، إذ التقدير: زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى، فإن لم تتقدر بالشرط لم يصح تعريفها، فلا تقول: " جاء زيد الراكب " إذ لا يصح " جاء زيد إن ركب ".
    * * * ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع (1).
    __________
    = ومثلها جملة " ولم يشفق " وقوله " على نغص " جار ومجرور متعلق بيشفق، ونغص مضاف، و " الدخال " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " العراك " حيث وقع حالا مع كونه معرفة والحال لا يكون إلا نكرة وإنما ساغ ذلك لانه مؤول بالنكرة، أي: أرسلها معتركة، يعني مزدحمة.
    (1) " مصدر " مبتدأ " منكر " نعت " حالا " منصوب على الحال، وصاحبه الضمير المستتر في " يقع " الآتي " يقع " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصدر منكر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " بكثرة " جار ومجرور متعلق بيقع " كبغتة " الكاف جارة لقول محذوف، بغتة: حال من الضمير المستتر في " طلع " الآتي " زيد " مبتدأ " طلع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/631)

    حق الحال أن يكون وصفا - وهو: ما دل على معنى وصاحبه: كقائم، وحسن، ومضروب - فوقوعها مصدرا على خلاف الاصل، إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى.
    وقد كثر مجئ الحال مصدرا نكرة، ولكنه ليس بمقيس، لمجيئه على خلاف الاصل، ومنه " زيد طلع بغتة " ف " بغتة ": مصدر نكرة، وهو منصوب على الحال، والتقدير: زيد طلع باغتا، هذا مذهب سيبويه والجمهور.
    وذهب الاخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية، والعامل فيه محذوف، والتقدير: طلع زيد يبغت بغتة، ف " يبغت " عندهما هو الحال، لا " بغتة ".
    وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه، ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور [ وهو طلع ] لتأويله بفعل من لفظ المصدر، والتقدير في قولك: " زيد طلع بغتة " " زيد بغت بغتة "، فيؤولون " طلع " ببغت، وينصبون به " بغتة ".
    * * * ولم ينكر غالبا ذو الحال، إن لم يتأخر، أو يخصص، أو يبن (1).
    __________
    (1) " ولم " نافية جازمة " ينكر " فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بلم " غالبا " حال من نائب الفاعل " ذو " نائب فاعل ينكر، وذو مضاف، و " الحال " مضاف إليه " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " يتأخر " فعل مضارع مجزوم بلم فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو الحال، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إن لم يتأخر ذو الحال إلخ فلا ينكر " أو يخصص، أو يبن " معطوفان على يتأخر.
    (*)
    (1/632)

    من بعد نفي أو مضاهيه، ك " لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا " (1) حق صاحب الحال أن يكون معرفة، ولا ينكر في الغالب إلا عند وجود مسوغ، وهو أحد أمور (2):.
    __________
    (1) " من بعد " جار ومجرور متعلق بيبن في البيت السابق، وبعد مضاف، و " نفي " مضاف إليه " أو " عاطفة " مضاهيه " مضاهي: معطوف على نفي، ومضاهي مضاف وضمير الغائب العائد إلى نفي مضاف إليه " كلا " الكاف جارة لقول محذوف، لا: ناهية " يبغ " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية " امرؤ " فاعل يبغ " على امرئ " جار ومجرور متعلق بيبغ " مستسهلا " حال من قوله " امرؤ " الفاعل.
    (2) ذكر الشارح - تبعا للناظم - من مسوغات مجئ الحال من النكرة ثلاثة مسوغات: أولها تقدم الحال، وثانيها تخصص صاحبها بوصف أو بإضافة، وثالثها وقوع النكرة بعد النفي أو شبهه، وبقي من المسوغات ثلاثة أخرى لم يصرح بها.
    الاول: أن تكون الحال جملة مقترنة بالواو، كما في قولك: زارنا رجل والشمس طالعة، والسر في ذلك أن وجود الواو في صدر الجملة يرفع توهم أن هذه الجملة نعت للنكرة، إذ النعت لا يفصل بينه وبين المنعوت بالواو، ففي قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) مسوغان، بل ثلاثة، وهي تقدم النفي، ووقوع الواو في صدر جملة الحال، والثالث اقتران الجملة بإلا، لان الاستثناء المفرغ لا يقع في النعوت (انظر ص 604 السابقة و 638 الآتية) وأما قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) فالمسوغ وقوع الواو في صدر جملة الحال.
    الثاني: أن تكون الحال جامدة، نحو قولك: هذا خاتم حديدا، والسر في ذلك أن الوصف بالجامد على خلاف الاصل، فلا يذهب إليه ذاهب، وقد ساغ في مثل هذا أن تكون الحال جامدة كما علمت (انظر ص 628 وما بعدها).
    الثالث: أن تكون النكرة مشتركة مع معرفة أو مع نكرة يصح أن تجئ الحال منها، كقولك: زارني خالد ورجل راكبين، أو قولك: زارني رجل صالح وامرأة مبكرين.
    (*)
    (1/633)

    منها: أن يتقدم الحال على النكرة، نحو " فيها قائما رجل "، وكقول الشاعر، وأنشده سيبويه: 181 - وبالجسم مني بينا لو عملته شحوب، وإن تستشهدي العين تشهد وكقوله:
    182 - وما لام نفسي مثلها لي لائم ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي.
    __________
    181 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
    اللغة: " شحوب " هو مصدر شحب جسمه يشحب شحوبا - بوزن قعد يقعد قعودا - وقد جاء على لغة أخرى، شحب يشحب شحوبة - مثل سهل الامر يسهل سهولة - إذا تغير لونه " بينا " ظاهرا، وهو فيعل من بان يبين، إذ ظهر ووضح.
    المعنى: إن بجسمي من آثار حبك لشحوبا ظاهرا، لو أنك علمته لاخذتك الشفقة علي، وإذا أحببت أن ترى الشاهد فانظري إلى عيني فإنهما تحدثانك حديثه.
    الاعراب: " وبالجسم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " مني " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الجسم " بينا " حال من شحوب الآتي على رأي سيبويه الذي يجيز مجئ الحال من المبتدأ، وهو عند الجمهور حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا " لو " شرطية غير جازمة " علمته " فعل وفاعل ومفعول به، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله شرط لو، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: لو علمته لاشفقت علي، والجملة من الشرط وجوابه لامحل لها معترضة بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر " شحوب " مبتدأ مؤخر " وإن " شرطية " تستشهدي " فعل مضارع فعل الشرط، وياء المخاطبة فاعل " العين " مفعول به " تشهد " جواب الشرط.
    الشاهد فيه: قوله " بينا " حيث وقعت الحال من النكرة، التي هي قوله " شحوب " على ما هو مذهب سيبويه، كما قررناه في الاعراب، والمسوغ لذلك تقدم الحال على صاحبها، فإذا جريت على ما ذهب الجمهور إليه خلا البيت من الشاهد.
    182 - وهذا البيت - أيضا من الشواهد التي لا يعلم قائلها، = (*)
    (1/634)

    ف " قائما ": حال من " رجل "، و " بينا " حال من " شحوب "،
    و " مثلها " حال من " لائم ".
    ومنها: أن تخصص النكرة بوصف، أو بإضافة، فمثما تخصص بوصف قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا) (1)..
    __________
    = اللغة: " لام " عذل، وتقول: لام فلان فلانا لوما وملاما وملامة، إذا عاتبه ووبخه " سد فقري " أراد أغناني عن الحاجة إلى الناس وسؤالهم، شبه الفقر بباب مفتوح يأتيه من ناحيته مالا يجب، فهو في حاجة لايصاده.
    المعنى: إن اللوم الذي يكون له الاثر الناجع في رجوع الانسان عما استوجب اللوم عليه هو لوم الانسان نفسه، لان ذلك يدل على شعوره بالخطأ، وإن ما في يد الانسان من المال لاقرب منالا له مما في أيدي الناس.
    الاعراب: " وما " نافية " لام " فعل ماض " نفسي " نفس: مفعول به تقدم على الفاعل، ونفس مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " مثلها " مثل: حال من " لائم " الآتي، ومثل مضاف وها مضاف إليه، و " مثل " من الالفاظ التي لا تستفيد بالاضافة تعريفا " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من لائم الآتي " لائم " فاعل لام " ولا " الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي " سد " فعل ماض، " فقري " فقر: مفعول به لسد تقدم على الفاعل، وفقر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " مثل " فاعل لسد، ومثل مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " ملكت " ملك: فعل ماض، والتاء للتأنيث " يدي " يد: فاعل ملكت، ويد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، والجملة من ملك وفاعله لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: مثل الذي ملكته يدي.
    الشاهد فيه: قوله " مثلها لي لائم " حيث جاءت الحال - وهي قوله " مثلها "، و " لي " - من النكرة - وهي قوله " لائم " - والذي سوغ ذلك تأخر النكرة عن الحال.
    (1) الامر الاول الوارد في هذه الآية واحد الامور، والامر الثاني واحد الاوامر
    وقد أعرب الناظم وابنه " أمرا " على أنه حال من أمر الاول، وسوغ مجئ الحال منه تخصيصه بحكيم بمعنى محكم، أي حال كونه مأمورا به من عندنا.
    واعترض قوم على هذا الاعراب بأن الحال لا يجئ من المضاف إليه إلا إذا وجد = (*)
    (1/635)

    وكقول الشاعر: 183 - نجيت يا رب نوحا، واستجبت له في فلك ماخر في اليم مشحونا وعاش يدعو بآيات مبينة في قومه ألف عا غير خمسينا.
    __________
    = واحد من الامور الثلاثة التي يأتي بيانها في هذا الباب، وليس واحد منها بموجود هنا.
    وأجيب بأنا لا نسلم أن الامور الثلاثة غير موجودة في هذا المثال، بل المضاف الذي هو لفظ " كل " كالجزء من المضاف إليه الذي هو لفظ " أمر " في صحة الاستغناء به عنه، وذلك لان لفظ كل بمعنى الامر، إذ المعلوم أن لفظ كل بحسب ما يضاف إليه.
    ومن العلماء من جعل أمرا الثاني حالا من كل، وتصلح الآية للاستدلال بها لما نحن بصدده، لان " كل أمر " نكرة، إذ المضاف إليه نكرة، ومنهم من جعل أمرا حالا من الضمير المستتر في حكيم، ومنهم من جعله حالا من الضمير الواقع مفعولا، أي مأمورا به.
    183 - البيتان من الشواهد التي لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.
    اللغة: " الفلك " أصله بضم فسكون - السفينة، ولفظه للواحد والجمع سواء، وقد تتبع حركة عينه التي هي اللام حركة الفاء كما في بيت الشاهد " ماخر " اسم فاعل من مخرت السفينة - من بابي قطع ودخل - إذا جرت تشق الماء مع صوت " اليم "
    البحر، أو الماء " مشحونا " اسم مفعول من شحن السفينة: أي ملاها " آيات مبية " ظاهرة واضحة، أو أنها تبين حاله وتدل على صدق دعواه.
    الاعراب: " نجيت " فعل وفاعل " يا رب " يا: حرف نداء، رب: منادى، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين الفعل مع فاعله ومفعوله " نوحا " مفعول به لنجيت " واستجبت " الواو عاطفة، وما بعدها فعل وفاعل " له " جار ومجرور متعلق باستجبت " في فلك " جار ومجرور متعلق بنجيت " ما خر " صفة لفلك " في اليم " جار ومجرور متعلق بما خر " مشحونا " حال من فلك " وعاش " الواو = (*)
    (1/636)

    ومثال ما تخصص بالاضافة قوله تعالى: (في أربعة أيام سواء للسائلين).
    ومنها: أن تقع النكرة بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام والنهي، وهو المراد بقوله: " أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه " فمثال ما وقع بعد النفي قوله: 184 - ما حم من موت حمى واقيا ولا ترى من أحد باقيا.
    __________
    = عاطفة، عاش: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نوح " يدعو " فعل مضارع، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى نوح فاعل، والجملة في محل نصب حال " بآيات " جار ومجرور متعلق بيدعو " مبينة " صفة لآيات " في قومه " الجار والمجرور متعلق بعاش، وقوم مضاف والضمير العائد إلى نوح مضاف إليه " ألف " مفعول فيه ناصبه عاش، وألف مضاف و " عام " مضاف إليه " غير " منصوب على الاستثناء أو على الحال، وغير مضاف و " خمسينا مضاف إليه، مجرور بالياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم، والالف في آخره للاطلاق.
    الشاهد فيه: قوله " مشحونا " حيث وقع حالا من النكرة، وهي قوله " فلك " والذي سوغ مجئ الحال من النكرة أنها وصفت بقوله " ماخر " فقربت من المعرفة.
    184 - البيت لراجز لم يعينه أحد ممن استشهد به.
    اللغة: " حم " بالبناء للمجهول أي قدر، وهيئ، وتقول: أحم الله تعالى هذا الامر وحمه، إذا قدر وقوعه، وهيأ له أسبابه (انظر ص 602 و 638) " واقيا " اسم فاعل من " وقى يقي " بمعنى حفظ يحفظ.
    المعنى: إن الله تعالى لم يقدر شيئا يحمي من الموت، كما أنه سبحانه لم يجعل لاحد من خلقه الخلود، فاستعد للموت دائما.
    الاعراب: " ما " نافية " حم " فعل ماض مبني للمجهول " من موت " جار ومجرور متعلق بقوله " واقيا " الآتي " حمى " نائب فاعل لحم " واقيا " حل من حمى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " ترى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " من " زائدة " أحد " مفعول به لترى " باقيا " حال من أحد، وهذا مبني على أن " ترى " بصرية، فإذا جريت على أن ترى علمية كان قوله " باقيا " مفعولا ثانيا لترى.
    = (*)
    (1/637)

    ومنه قوله تعالى (1): (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) ف " لها كتاب " جملة في موضع الحال من " قرية "، وصح مجئ الحال من النكرة لتقدم النفي عليها، ولا يصح كون الجملة صفة لقرية، خلافا للزمخشري، لان الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف، وأيضا وجود " إلا " مانع من ذلك، إذ لا يعترض ب " إلا " بين الصفة والموصوف، وممن صرح بمنع ذلك: أبو الحسن الاخفش في المسائل، وأبو علي الفارسي في التذكرة.
    ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله: 185 - يا صاح هل حم عيش باقيا فترى لنفسك العذر في إبعادها الاملا ؟
    .
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " واقيا " و " باقيا " حيث وقع كل منهما حالا من النكرة، وهي " حمى " بالنسبة ل " واقيا " و " أحد " بالنسبة ل " باقيا " والذي سوغ ذلك أن النكرة مسبوقة بالنفي في الموضعين.
    وإنما يكون الاستشهاد بقوله باقيا إذا جعلنا " ترى " بصرية، لانها تحتاج حينئذ إلى مفعول واحد، وقد استوفته، فالمنصوب الآخر يكون حالا، أما إذا جعلت " ترى " علمية فإن قوله " باقيا " يكون مفعولا ثانيا، كما بيناه في الاعراب.
    (1) انظر ما كتبناه عن هذه الآية في ص 633.
    185 - أكثر ما قيل في نسبة هذا البيت إنه لرجل من طيئ، ولم يعينه أحد ممن استشهد بالبيت أو تكلم عليه.
    اللغة: " صاح " أصله صاحبي، فرخم بحذف آخره ترخيما غير قياسي، إذ هو في غير علم، وقياس الترخيم أن يكون في الاعلام، وهو أيضا مركب إضافي " هل حم عيش " (انظر ص 602 و 637) والاستفهام ههنا إنكاري بمعنى النفي، فكأنه قال: ما قدر الله عيشا باقيا " العذر " هو كل ما تذكره لتقطع عنك ألسنة العتاب واللوم.
    الاعراب: " يا " حرف نداء " صاح " منادى مرخم " هل " حرف استفهام = (*)
    (1/638)

    ومثال ما وقع بعد النهي قول المصنف: " لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا " وقول قطري بن الفجاءة: 186 - لا يركنن أحد إلى الاحجام يوم الوغى متخوفا لحمام.
    __________
    = " حم " فعل ماض مبني للمجهول " عيش " نائب فاعل حم " باقيا " حال من عيش " فترى " الفاء فاء السببية، ترى: فعل مضارع منصوب تقديرا بأن مضمرة بعد الفاء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لنفسك " الجار والمجرور متعلق
    بترى وهو المفعول الثاني قدم على المفعول الاول، ونفس مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " العذر " مفعول أول لترى " في إبعادها " الجار والمجرور متعلق بالعذر، وإبعاد مضاف، وها: مضاف إليه، وهي من إضافة المصدر إلى فاعله " الاملا " مفعول به للمصدر.
    الشاهد فيه: قوله " باقيا " حيث وقع حالا من النكرة وهي قوله " عيش " والذي سوغ مجئ الحال منها وقوعها بعد الاستفهام الانكاري الذي يؤدي معنى النفي.
    186 - البيت كما قال الشارح العلامة لابي نعامة قطرى بن الفجاءة، التميمي، الخارجي، وقد نسبه ابن الناظم إلى الطرماح بن حكيم، ولهذا صرح الشارح بنسبته إلى قطرى، قصدا إلى الرد عليه، وقطري: بفتح القاف والطاء جميعا، والفجاءة: بضم الفاء.
    اللغة: " الاحجام " التأخر والنكول عن لقاء العدو، والركون إليه: الميل إليه، والاعتماد عليه " الوغى " الحرب " الحمام " بكسر الحاء الموت.
    المعنى: لا ينبغي لاحد أن يميل إلى الاعراض عن اقتحام الحرب، ويركن إلى التواني خوفا من الموت.
    الاعراب: " لا " ناهية " يركنن " يركن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم بلا الناهية " أحد " فاعل يركن " إلى الاحجام " جار ومجرور متعلق بيركن " يوم " ظرف زمان متعلق بيركن أيضا، ويوم مضاف، و " الوغى " مضاف إليه " متخوفا " حال من أحد " لحمام " جار ومجرور متعلق بمتخوف.
    الشاهد فيه: قوله " متخوفا " حيث وقع حالا من النكرة التي هي قوله " أحد "، والذي سوغ مجئ الحال من النكرة هنا هو وقوعها في حيز النهي بلا، ألا ترى أن قوله " أحد " فاعل يركن المجزوم بلا الناهية ؟ (*)
    (1/639)

    واحترز بقوله: " غالبا " مما قل مجئ الحال فيه من النكرة بلا مسوغ من المسوغات المذكورة، ومنه قولهم: " مررت بماء قعدة رجل (1) "، وقولهم: " عليه مائة بيضا " (2)، وأجاز سيبويه " فيها رجل قائما "، وفي الحديث: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا، وصلى وراءه رجال قياما " (3).
    * * * وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا، ولا أمنعه، فقد ورد (4).
    __________
    (1) قعدة رجل - بكسر القاف وسكون العين المهملة - أي مقدار قعدته.
    (2) بيضا - بكسر الباء الموحدة - جمع بيضاء، وهو حال من مائة، ولا يجوز أن يكون تمييزا، إذ لو كان تمييزا لوجب أن يكون مفردا لا جمعا، وأن يكون مجرورا لا منصوبا، لان تمييز المائة يكون كذلك.
    (3) اختلف النحاة في مجئ الحال من النكرة إذا لم يكن للنكرة مسوغ من المسوغات التي سبق بيانها في كلام الشارح وفي زياداتنا عليه، فذهب سيبويه - رحمه الله إلى أن ذلك مقيس لا يوقف فيه على ما ورد به السماع، وذهب الخليل بن أحمد ويونس ابن حبيب - وهما شيخا سيبويه - إلى أن ذلك مما لا يجوز أن يقاس عليه، وإنما يحفظ ما ورد منه.
    ووجه ما ذهب إليه سيبويه أن الحال إنما يؤتى بها لتقييد العامل، فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها.
    (4) " وسبق " مفعول به مقدم على عامله، وهو أبوا الآتي، وسبق مضاف، و " حال " مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله " ما " اسم موصول: مفعول به للمصدر " بحرف " جار ومجرور متعلق بقوله جر الآتي " جر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من جر ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " قد " حرف تحقيق " أبوا "
    فعل وفاعل " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " أمنعه " أمنع: فعل مضارع، وفاعله = (*)
    (1/640)

    مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف (1) فلا تقول في " مررت بهند جالسة " مررت جالسة بهند.
    وذهب الفارسي، وابن كيسان، وابن برهان، إلى جواز ذلك، وتابعهم المصنف، لورود السماع بذلك، ومنه قوله: 187 - لئن كان برد الماء هيمان صاديا إلي حبيبا، إنها لحبيب.
    __________
    = ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والهاء مفعول به " فقد " الفاء للتعليل، وقد: حرف تحقيق " ورد " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سبق حال، وتقدير البيت: وقد أبى النحاة أن يسبق الحال صاحبه الذي جر بالحرف، ولا أمنع ذلك، لانه وارد في كلام العرب.
    (1) اعلم أن صاحب الحال قد يكون مجرورا بحرف جر غير زائد، كقولك: مررت بهند جالسة، وقد يكون مجرورا بحرف جر زائد، كقولك: ما جاء من أحد راكبا، فراكبا: حال من أحد المجرور لفظا بمن الزائدة.
    ولا خلاف بين أحد من النحاة في أن صاحب الحال إذا كان مجرورا بحرف جر زائد جاز تقديم الحال عليه وتأخيره عنه، فيصح أن تقول: ما جاء من أحد راكبا، وأن تقول: ما جاء راكبا من أحد.
    والخلاف بينهم منحصر في تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي.
    187 - البيت لعروة بن حزام العذري، وقبله: حلفت برب الراكعين لربهم خشوعا، وفوق الراكعين رقيب وبعده بيت الشاهد، وبعده قوله:
    وقلت لعراف اليمامة: داوني فإنك - إن أبرأتني - لطبيب اللغة: " هيمان " مأخوذ من الهيام بضم الهاء وهو في الاصل: أشد العطش " صاديا " اسم فاعل فعله " صدى " من باب تعب إذا عطش.
    الاعراب: " لئن " اللام موطئة للقسم، إن: شرطية " كان " فعل ماض ناقص، فعل الشرط " برد " اسم كان، وبرد مضاف، و " الماء " مضاف إليه " هيمان، صاديا " = (41 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/641)

    ف " هيمان، وصاديا ": حالان من الضمير المجرور بإلى، وهو الياء، وقوله: 188 - فإن تك أذواد أصبن ونسوة فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال ف " فرغا " حال من قتل..
    __________
    = حالان من ياء التكلم المجرورة محلا بإلى " إلى " جار ومجرور متعلق بقوله حبيبا الآتي " حبيبا " خبر كان " إنها " إن: حرف توكيد ونصب، وها: اسمه " لحبيب " اللام لام الابتداء، حبيب: خبر إن، والجملة من إن واسمها وخبرها جواب القسم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم.
    الشاهد فيه: قوله " هيمان صاديا " حيث وقعا حالين من الياء المجرورة محلا بإلى، وتقدما عليها كما أوضحناه في الاعراب.
    188 - البيت لطليحة بن خويلد الاسدي المتنبي، وبعد البيت المستشهد به قوله: وما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم أليسوا وإن لم يسلموا برجال ؟ عشية غادرت ابن أرقم ثاويا وعكاشة الغنمي عنه بحال اللغة: " أذواد " جمع ذود، وهو من الابل ما بين الثلاث إلى العشر " فرغا " أي هدرا لم يطلب به " حبال " بزنة كتاب وهو ابن الشاعر، وقيل: ابن أخيه، وكان المسلمون قد قتلوه في حرب الردة، فقتل به منهم عكاشة بن محصن وثابت بن أرقم،
    كما ذكر هو في البيت الثاني من البيتين اللذين أنشدناهما.
    المعنى: يقول: لئن كنتم قد ذهبتم ببعض إبل أصبتموها وبجماعة من النساء سبيتموهن فلم أقابل صنيعكم هذا بمثله في ذلك، فالامر فيه هين والخطب يسير، والذي يعنيني أنكم لم تذهبوا بقتل حبال كما ذهبتم بالابل والنساء، ولكني شفيت نفسي ونلت ثأري منكم، فلم يضع دمه هدرا.
    الاعراب: " فإن " شرطية " تك " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف " أذواد " اسم تك " أصبن " فعل ماض مبني للمجهول، ونون النسوة نائب فاعل، والجملة من أصيب ونائب فاعله في محل نصب خبر تك " ونسوة " معطوف على أذواد " فلن " الفاء واقعة في جواب الشرط، لن: نافية = (*)
    (1/642)

  3. #3
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 12

    وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز، نحو " جاء ضاحكا زيد، وضربت مجردة هندا " * * * ولا تجز حالا من المضاف له إلا إذا اقتضى المضاف عمله (1) أو كان جزء ما له أضيفا أو مثل جزئه، فلا تحيفا (2)..
    __________
    ناصبة " يذهبوا " فعل مضارع منصوب بلن، وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعل " فرغا " حال من " قتل " الآتي " بقتل " جار ومجرور متعلق بيذهب، وقتل مضاف، و " حبال " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " فرغا " حيث وقع حالا من " قتل " المجرور بالباء وتقدم عليه.
    (1) " ولا " ناهية " تجز " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حالا " مفعول به لتجز " من المضاف " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله " حالا " وقوله " له " جار ومجرور متعلق بالمضاف " إلا " أداة
    استثناء " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " اقتضى " فعل ماض " المضاف " فاعل اقتضى " عمله " عمل: مفعول به لاقتضى، وعمل مضاف، والهاء مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر بإضافة " إذا " إليها، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام.
    (2) " أو " عاطفة " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المضاف له " جزء " خبر كان، وجزء مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بأضيف الآتي " أضيف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أضيف ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " أو " عاطفة " مثل " معطوف على جزء السابق، ومثل مضاف، وجزء من " جزئه " مضاف إليه، وجزء مضاف والهاء مضاف إليه " فلا " ناهية " تحيفا " فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لاجل الوقف في محل جزم، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (*)
    (1/643)

    لا يجوز مجئ الحال من المضاف إليه (1)، إلا إذا كان المضاف مما يصح عمله في الحال: كاسم الفاعل، والمصدر، ونحوهما مما تضمن معنى الفعل، فتقول: هذا ضارب هند مجردة، وأعجبني قيام زيد مسرعا، ومنه قوله تعالى: (إليه مرجعكم جميعا) ومنه قول الشاعر: 189 - تقول ابنتي: إن انطلاقك واحدا إلى الروع يوما تاركي لا أباليا.
    __________
    (1) اختلف النحاة في مجئ الحال من المضاف إليه، فذهب سيبويه - رحمه الله ! - إلى أنه يجوز أن يجئ الحال من المضاف إليه مطلقا: أي سواء أتوفر له واحد من الامور الثلاثة المذكورة أم لم يتوفر، وذهب غيره من النحاة إلى أنه إذا توفر له واحد
    من الامور الثلاثة جاز، وإلا لم يجز، والسر في هذا الخلاف أنهم اختلفوا في: هل يجب أن يكون العامل في الحال هو نفس العامل في صاحب الحال، أم لا يجب ذلك ؟ فذهب سيبويه إلى أنه لا يجب أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها، بل يجوز أن يكون العامل فيهما واحدا وأن يكون مختلفا، وعلى ذلك أجاز أن يجئ الحال من المضاف إليه مطلقا، وذهب غيره إلى أنه لا بد من أن يكون العامل في الحال هو نفس العامل في صاحبها، وترتب على ذلك ألا يجوزوا مجئ الحال من المضاف إليه إلا إذا توفر له واحد من الامور الثلاثة التي ذكرها الناظم والشارح، وذلك لان المضاف إن كان عاملا في المضاف إليه بسبب شبهه للفعل لكونه مصدرا أو اسم فاعل كان كذلك عاملا في الحال فيتحد العامل في الحال والعامل في صاحبه الذي هو المضاف إليه، وإن كان المضاف جزء المضاف إليه أو مثل جزئه كان المضاف والمضاف إليه جميعا كالشئ الواحد، فيصير في هاتين الحالتين كأن صاحب الحال هو نفس المضاف، فالعامل فيه هو العامل في الحال، فاحفظ هذا التحقيق النفيس، واحرص عليه.
    189 - البيت لمالك بن الريب، أحد بني مازن بن مالك، من قصيدة له، وأولها قوله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه وليت الغضى ماشى الركاب لياليا = (*)
    (1/644)

    وكذلك يجوز مجئ الحال من المضاف إليه: إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه، فمثال ما هو جزء من المضاف إليه قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) ف " إخوانا ": حال من الضمير المضاف إليه " صدور "، والصدور: جزء من المضاف إليه، ومثال ما هو مثل جزء المضاف إليه - في صحة الاستغناء
    بالمضاف إليه عنه - قوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم
    __________
    = اللغة: " الروع " الفزع، والمخافة، وأراد به ههنا الحرب، لان الخوف يتسبب عنها، فهو من باب إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب " تاركي " اسم فاعل من ترك بمعنى صير.
    المعنى: إن ابنتي تقول لي: إن ذهابك إلى القتال منفردا يصيرني لا محالة بلا أب، لانك تقتحم لظاها فتموت.
    الاعراب: " تقول " فعل مضارع " ابنتي " ابنة: فاعل تقول، وابنة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " إن " حرف توكيد ونصب " انطلاقك " انطلاق: اسم إن، وانطلاق مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " واحدا " حال من الكاف التي هي ضمير المخاطب " إلى الحرب " جار ومجرور متعلق بانطلاق " تاركي " تارك: خبر إن، وتارك مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى أحد مفعوليه، وفيه ضمير مستتر فاعل " لا " نافية للجنس " أبا " اسمها " ليا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، والجملة من لا ومعموليها في محل نصب مفعول ثان لتارك، ويجوز أن يكون " أبا " اسم لا منصوبا بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، واللام في " ليا " زائدة، وياء المتكلم مضاف إليه، وخبر لا محذوف، وكأنه قال: لا أبي موجود.
    الشاهد فيه: قوله " واحدا " حيث وقع حالا من المضاف إليه - وهو الكاف في قوله " انطلاقك " - والذي سوغ هذا أن المضاف إلى الكاف مصدر يعمل عمل الفعل، فهو يتطلب فاعلا كما يتطلبه فعله الذي هو انطلق، وهذه الكاف هي الفاعل، فكان المضاف عاملا في المضاف إليه، ويصح أن يعمل في الحال لانه مصدر على ما علمت.
    (*)
    (1/645)

    حنيفا) ف " حنيفا ": حال من " إبراهيم " والملة كالجزء من المضاف إليه،
    إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنها، فلو قيل في غير القرآن: " أن اتبع إبراهيم حنيفا " لصح.
    فإن لم يكن المضاف مما يصح أن يعمل في الحال، ولا هو جزء من المضاف إليه، ولا مثل جزئه - لم يجز أن يجئ الحال منه، فلا تقول: " جاء غلام هند ضاحكة " خلافا للفارسي، وقول ابن المصنف رحمه الله تعالى: " إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف " ليس بجيد، فإن مذهب الفارسي جوازها، كما تقدم، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه.
    * * * والحال إن ينصب بفعل صرفا * أو صفة أشبهت المصرفا (1) فجائز تقديمه: ك " مسرعا * ذا راحل، ومخلصا زيد دعا (2)
    __________
    (1) " الحال " مبتدأ " إن " شرطية " ينصب " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحال " بفعل " جار ومجرور متعلق بينصب " صرفا " صرف: فعل ماض مبني للمجهول، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى فعل نائب فاعل، والجملة من صرف ونائب فاعله في محل جر نعت لفعل " أو " عاطفة " صفة " معطوف على فعل " أشبهت " أشبه: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى صفة " المصرفا " مفعول به لاشبه، والجملة من أشبهت وفاعله ومفعوله في محل جر صفة لقوله " صفة ".
    (2) " فجائز " الفاء لربط الجواب بالشرط، جائز: خبر مقدم " تقديمه " تقديم: مبتدأ مؤخر، وتقديم مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، والجملة = (*)
    (1/646)

    يجوز تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفا، أو صفة تشبه الفعل
    المتصرف، والمراد بها: ما تضمن معنى الفعل وحروفه، وقبل التأنيث، والتثنية والجمع: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة (1)، فمثال تقديمها على الفعل المتصرف " مخلصا زيد دعا " [ فدعا: فعل متصرف، وتقدمت عليه الحال ]، ومثال تقديمها على الصفة المشبهة له: " مسرعا ذا راحل ".
    فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف لم يجز تقديمها عليه، فتقول: " ما أحسن زيدا ضاحكا " ولا تقول: " ضاحكا ما أحسن زيدا "، لان فعل التعجب غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله، وكذلك إن كان
    __________
    = في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " الحال " في أول البيت السابق " كمسرعا " الكاف جارة لقول محذوف، مسرعا: حال مقدم على عامله وهو " راحل " الآتي " ذا " مبتدأ " راحل " خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل، وهو صاحب الحال " ومخلصا " حال مقدم على عامله، وهو " دعا " الآتي " زيد " مبتدأ، وجملة " دعا " وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد في محل رفع خبر.
    (1) أطلق الشارح كالناظم القول إطلاقا في أنه يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان هذا العامل فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف، وليس هذا الاطلاق بسديد بل قد يعرض أمر يوجب تأخير الحال على عاملها ولو كان فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف، وذلك في أربعة مواضع: الاول: أن يكون العامل مقترنا بلام الابتداء، كقولك: إني لازورك مبتهجا.
    الثاني: أن يقترن العامل بلام القسم، كقولك: لاصومن معتكفا، وقولهم: لاصبرن محتسبا.
    الثالث: أن يكون العامل صلة لحرف مصدري، كقولك: إن لك أن تسافر راجلا، وإن عليك أن تنصح مخلصا.
    الرابع: أن يكون العامل صلة لال الموصولة، كقولك: أنت المصلى فذا، وعلى المذاكر متفهما.
    (*)
    (1/647)

    الناصب لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمها عليه، وذلك لانه لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، فلم يتصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله، فلا تقول: " زيد ضاحكا أحسن من عمرو "، بل يجب تأخير الحال، فتقول: " زيد أحسن من عمرو ضاحكا " (1).
    * * * وعامل ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخرا لن يعملا (2) ك " تلك، ليت، وكأن " وندر نحو " سعيد مستقرا في هجر " (3) لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي، وهو: ما تضمن معنى الفعل دون حروفه: كأسماء الاشارة، وحروف التمني، والتشبيه، والظرف، والجار
    __________
    (1) سيأتي للمصنف في هذا الباب والشارح الاستثناء من عدم عمل أفعل التفضيل في حال متقدمة، وذلك المستثنى نحو قوله " زيد مفردا أنفع من عمرو معانا " وسيذكر هناك (ص 650) ضابط هذا المثال.
    (2) " وعامل " مبتدأ " ضمن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة من ضمن ونائب فاعله في محل رفع صفة لعامل " معنى " مفعول ثان لضمن، ومعنى مضاف، و " الفعل " مضاف إليه " لا " عاطفة " حروفه " حروف: معطوف على " معنى الفعل " وحروف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " مؤخرا " حال من الضمير المستتر في " يعمل " الآتي " لن " نافية ناصبة " يعملا " يعمل: فعل مضارع منصوب بلن، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الواقع مبتدأ، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
    (3) " كتلك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كتلك " ليت، وكأن " معطوفان على تلك " وندر " فعل ماض " نحو " فاعل ندر " سعيد " مبتدأ " مستقرا " حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الآتي " في هجر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/648)

    والمجرور (1) نحو " تلك هند مجردة، وليت زيدا أميرا أخوك، وكأن زيدا راكبا أسد، وزيد في الدار - أو عندك - قائما "، فلا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي في هذه المثل ونحوها، فلا تقول " مجردة تلك هند " ولا " أميرا ليت زيدا أخوك " ولا " راكبا كأن زيدا أسد ".
    وقد ندر تقديمها على عاملها الظرف [ نحو زيد قائما عندك ] والجار والمجرور
    __________
    (1) اعلم أن ههنا أمرين لا بد من بيانهما حتى تكون على ثبت من الامر: الاول: أن العامل المعنوي قد يطلق ويراد به ما يقابل اللفظي، وهو شيئان: الابتداء العامل في المبتدأ، والتجرد من الناصب والجازم العامل في الفعل المضارع، وليس هذا المعنى مرادا في هذا الموضع، لان العامل المعنوي بهذا المعنى لا يعمل غير الرفع، فالابتداء يعمل في المبتدأ الرفع، والتجرد يعمل في الفعل المضارع الرفع أيضا، وحينئذ فالمراد بالعامل المعنوي ههنا: اللفظ الذي يعمل بسبب ما يتضمنه من معنى الفعل أفلا ترى أن " تلك " وغيرها من ألفاظ الاشارة إنما عملت في الحال لانها متضمنة معنى أشير ؟ وهكذا.
    الثاني: العوامل المعنوية بالمعنى المراد هنا كثيرة، وقد ذكر الشارح منها خمسة، وهي: أسماء الاشارة، وحروف التمني، وأدوات التشبيه، والظروف، والجار والمجرور، وقد بقي خمسة أخرى، أولها: حرف الترجي كلعل، نحو قولك: لعل زيدا أميرا قادم، وثانيها: حروف التنبيه مثل " ها " في قولك: ها أنت زيد راكبا،
    فراكبا: حال من زيد، والعامل في الحال هو " ها "، وثالثها: أدوات الاستفهام الذي يقصد به التعجب كقول الاعشى: * يا جارتا ما أنت جاره *، عند من جعل " جاره " الاخرى حالا لا تمييزا، رابعها: أدوات النداء نحو " يا " في قولك: يأيها الرجل قائما، وخامسها: " أما " نحو قولهم: أما علما فعالم، عند من جعل تقدير الكلام: مهما يذكر أحد في حال علم فالمذكور عالم، فعلما على هذا التقدير حال من المرفوع بفعل الشرط الذي نابت عنه أما.
    (*)
    (1/649)

    نحو " سعيد مستقرا في هجر " ومنه قوله تعالى: (والسموات مطويات بيمينه) (1) في قراءة من كسر التاء، وأجازه الاخفش قياسا.
    * * * ونحو " زيد مفردا أنفع من عمرو معانا " مستجاز لن يهن (2) تقدم أن أفعل التفضيل لا يعمل في الحال متقدمة، واستثنى من ذلك هذه المسألة، وهي: ما إذا فضل شئ في حال على نفسه أو غيره في حال أخرى، فإنه يعمل في حالين إحداهما متقدمة عليه، والاخرى متأخرة عنه، وذلك نحو: " زيد قائما أحسن منه قاعدا " و " زيد مفردا أنفع من عمرو معانا " ف " قائما، ومفردا " منصوبان بأحسن وأنفع، وهما حالان، وكذا " قاعدا، ومعانا " وهذا مذهب الجمهور.
    __________
    (1) القراءة المشهورة برفع السموات على الابتداء ورفع " مطويات " على أنه خبر المبتدأ، والجار والمجرور - وهو " بيمينه " - متعلق بمطويات، والقراءة التي يستدل بها الشارح برفع السموات على أنه مبتدأ، ونصب مطويات بالكسرة نيابة عن الفتحة على أنه حال صاحبه الضمير المستكن في الجار والمجرور، والجار والمجرور - وهو قوله (بيمينه) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.
    (2) " ونحو " مبتدأ " زيد " مبتدأ " مفردا " حال من الضمير المستتر في " أنفع " الآتي " أنفع " خبر المبتدأ الذي هو زيد " من عمرو " جار ومجرور متعلق بأنفع " معانا " حال من عمرو، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة نحو إليها " مستجاز " خبر المبتدأ الذي هو " نحو " في أول البيت " لن " نافية ناصبة " يهن " بمعنى يضعف: فعل مضارع منصوب بلن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " نحو " وجملة يهن وفاعله في محل رفع خبر ثان، أو صفحة للخبر السابق.
    (*)
    (1/650)

    وزعم السيرافي أنهما خبران منصوبان بكان المحذوفة، والتقدير: " زيد إذا كان قائما أحسن منه إذا كان قاعدا، وزيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا ".
    ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل، ولا تأخيرهما عنه، فلا تقول " زيد قائما قاعدا أحسن منه " ولا [ تقول ] " زيد أحسن منه قائما قاعدا ".
    * * * والحال قد يجئ ذا تعدد لمفرد - فاعلم - وغير مفرد (1) يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد (2)، أو متعدد.
    فمثال الاول " جاء زيد راكبا ضاحكا " ف " راكبا، وضاحكا ": حالان من " زيد " والعامل فيهما " جاء ".
    ومثال الثاني " لقيت هندا مصعدا منحدرة " ف " مصعدا ": حال من التاء، و " منحدرة ": حال من " هند " والعامل فيهما " لقيت " ومنه قوله: 190 - لقي ابني أخويه خائفا منجديه، فأصابوا مغنما
    __________
    (1) " الحال " مبتدأ، وجملة " يجئ " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر
    " ذا " حال من الضمير المستتر في يجئ، وذا مضاف و " تعدد " مضاف إليه " لمفرد " جار ومجرور متعلق يتعدد أو بمحذوف نعت لتعدد " فاعلم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة لا محل لها اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه، " وغير " الواو عاطفة، غير: معطوف على مفرد، وغير مضاف، و " مفرد " مضاف إليه.
    (2) ترك الشارح بيان المواضع التي يجب فيها تعدد الحال، ولوجوب ذلك موضعان، أولهما أن يقع بعد " إما " نحو قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) وثانيهما: أن يقع بعد " لا " النافية كقولك: رأيت بكرا لا مستبشرا ولا جذلان.
    190 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها = (*)
    (1/651)

    ف " خائفا " حال من " ابني "، و " منجديه " حال من " أخويه " والعامل فيهما " لقي ".
    فعند ظهور المعنى ترد كل حال إلى ما تليق به، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لاول الاسمين، ففي قولك: " لقيت زيدا مصعدا منحدرا " يكون " مصعدا " حالا من زيد، و " منحدرا " حالا من التاء.
    * * * وعامل الحال بها قد أكدا في نحو: " لا تعث في الارض مفسدا " (1) = اللغة: " منجديه " مغيثيه، وهو مثنى منجد، ومنجد: اسم فاعل ماضيه أنجد، وتقول: أنجد فلان فلانا، إذا أغاثه وعاونه ودفع عنه المكروه " أصابوا " نالوا وأدركوا " مغنما " غنيمة.
    الاعراب: " لقي " فعل ماض " ابني " ابن: فاعل لقي، وابن مضاف وياء المتكلم
    مضاف إليه " أخويه " مفعول به للقي، والهاء مضاف إليه " خائفا " حال من ابني " منجديه " حال من أخويه " فأصابوا " الفاء عاطفة، أصابوا: فعل وفاعل " مغنما " مفعول به لاصابوا، والجملة من أصاب وفاعله ومفعوله معطوفة بالفاء على جملة لقي ومعمولاته.
    الشاهد فيه: قوله " خائفا منجديه " فإن الحال متعددة لمتعدد، والنظرة الاولى تدل على صاحب كل حال فترده إليه، فإن واحدا من الحالين مفرد والآخر مثنى، وكذلك صاحباهما، فلا لبس عليك في أن تجعل المفرد للمفرد والمثنى للمثنى.
    (1) " وعامل " مبتدأ، وعامل مضاف، و " الحال " مضاف إليه " بها " جار ومجرور متعلق بأكد الآتي " قد " حرف تحقيق " أكدا " أكد: فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الحال، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " في نحو " جار ومجرور متعلق بأكد " لا " ناهية " تعث " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل ضمير مستتر فيه = (*)
    (1/652)

    تنقسم الحال إلى مؤكدة، وغير مؤكدة، فالمؤكدة على قسمين، وغير المؤكدة ما سوى القسمين.
    فالقسم الاول من المؤكدة: ما أكدت عاملها، وهي المراد بهذا البيت، وهي: كل وصف دل على معنى عامله، وخالفه لفظا، وهو الاكثر، أو وافقه لفظا، وهو دون الاول في الكثرة، فمثال الاول " لا تعث في الارض مفسدا " ومنه قوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين) وقوله تعالى: (ولا تعثوا في الارض مفسدين)، ومن الثاني قوله تعالى: (وأرسلناك للناس رسولا) وقوله تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره).
    * * * وإن تؤكد جملة فمضمر عاملها، ولفظها يؤخر (1) هذا هو القسم الثاني من الحال المؤكدة، وهي: ما أكدت مضمون الجملة،
    __________
    = وجوبا تقديره أنت " في الارض " جار ومجرور متعلق بتعث " مفسدا " حال من الضمير المستتر في " تعث " وهو حال مؤكدة للعامل وهو " تعث " وجملة " تعث في الارض مفسدا " في محل جر بإضافة نحو إليها.
    (1) " وإن " شرطية " تؤكد " فعل مضارع، فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الحال " جملة " مفعول به لتؤكد " فمضمر " الفاء لربط الجواب بالشرط، مضمر: خبر مقدم " عاملها " عامل: مبتدأ مؤخر، وعامل مضاف وها: مضاف إليه، والجملة في محل جزم جواب الشرط " ولفظها " الواو عاطفة، لفظ: مبتدأ، ولفظ مضاف وها: مضاف إليه، وجملة " يؤخر " من الفعل المضارع المبني للمجهول ونائب الفاعل المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم معطوفة بالواو على جملة جواب الشرط.
    (*)
    (1/653)

    وشرط الجملة: أن تكون اسمية، وجزاها معرفتان، جامدان، نحو: " زيد أخوك عطوفا، وأنا زيد معروفا " ومنه قوله: 191 - أنا ابن دارة معروفا بها نسبي وهل بدارة يا للناس من عار ؟ ف " عطوفا، ومعروفا " حالان، وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا، والتقدير في الاول " أحقه عطوفا " وفي الثاني " أحق معروفا ".
    ولا يجوز تقديم هذه الخال على هذه الجملة، فلا تقول " عطوفا زيد أخوك " ولا " معروفا أنا زيد " ولا توسطها بين المبتدأ والخبر، فلا تقول
    " زيد عطوفا أخوك ".
    * * *
    __________
    191 - البيت لسالم بن دارة، من قصيدة طويلة يهجو فيها فزارة، وقد أوردها التبريزي في شرحه على الحماسة، وذكر لهذه القصيدة قصة، فارجع إليها هناك.
    اللغة: " دارة " الاكثرون على أنه اسم أمه، وقال أبو رياش: هو لقب جده، واسمه يربوع، ويجاب - هلى هذا القول - عن تأنيث الضمير الراجع إلى دارة في قوله " معروفا بها نسبي " بأنه عنى به القبيلة.
    المعنى: أنا ابن هذه المرأة، ونسبي معروف بها، وليس فيها من المعرة ما يوجب القدح في النسب، أو الطعن في الشرف.
    الاعراب: " أنا " ضمير منفصل مبتدأ " ابن " خبر المبتدأ، وابن مضاف، " ودارة " مضاف إليه " معروفا " حال " بها " جار ومجرور متعلق بمعروف " نسبي " نائب فاعل لمعروف لانه اسم مفعول " وهل " حرف دال على الاستفهام الانكاري " بدارة " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " من " زائدة " عار " مبتدأ مؤخر، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وقوله " يا للناس " اعتراض بين المبتدأ والخبر، وياء: للنداء، واللام للاستغاثة.
    الشاهد فيه: قوله " معروفا " فإنه حال أكدت مضمون الجملة التي قبلها.
    (*)
    (1/654)

    وموضع الحال تجئ جمله ك " جاء زيد وهو ناو رحله " (1) الاصل في الحال والخبر والصفة الافراد، وتقع الجملة موقع الحال، كما تقع موقع الخبر والصفة، ولابد فيها من رابط، وهو في الحالية: إما ضمير، نحو " جاء زيد يده على رأسه " أو واو - وتسمى واو الحال، وواو الابتداء،
    وعلامتها صحة وقوع " إذ " موقعها - نحو " جاء زيد وعمرو قائم " التقدير: إذ عمرو قائم، أو الضمير والواو معا، نحو " جاء زيد وهو ناو رحلة ".
    * * *
    __________
    (1) " موضع " ظرف مكان متعلق بتجئ، وموضع مضاف و " الحال " مضاف إليه " تجئ " فعل مضارع " جملة " فاعل تجئ " كجاء زيد " الكاف جارة لقول محذوف، كما سبق مرارا، وما بعدها فعل وفاعل " وهو " الواو واو الحال، وهو: ضمير منفصل مبتدأ " ناو " خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر فاعل " رحله " مفعول به لناو، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال.
    (2) يشترط في الجملة التي تقع حالا أربعة شروط، وقد ذكر الشارح تبعا للناظم من هذه الشروط واحدا، وهو: أن تكون الجملة مشتملة على رابط يربطها بالحال إما الواو، وإما الضمير، وإما هما معا والشرط الثاني: أن تكون الجملة خبرية، فلا يجوز أن تكون الحال جملة إنشائية، والشرط الثالث: ألا تكون جملة الحال تعجبية، والشرط الرابع: ألا تكون مصدرة بعلم استقبال، وذلك نحو " سوف " و " لن " وأدوات الشرط، فلا يصح أن تقول: جاء محمد إن يسأل يعط، فإن أردت تصحيح ذلك فقل: جاء زيد وهو إن يسأل يعط، فتكون الحال جملة اسمية خبرية.
    ومن هذا الكلام - مع ما سبق في مبحث مجئ خبر المبتدأ جملة - تعرف أن الخبر والحال جميعا اشتركا في ضرورة وجود رابط يربط كلا منهما بصاحبه واختلفا في الشروط الثلاثة الباقية، فجملة الخبر تقع إنشائية وتعجبية على الاصح عند النحاة، وتصدر بعلم الاستقبال، وقد رأيت أن تصحيح المثال يكون بجعل جملة الشرط وجوابه خبرا، فتنبه لذلك كله، والله يوفقك ويرشدك.
    (*)
    (1/655)

    وذات بدء بمضارع ثبت * حوت ضميرا، ومن الواو خلت (1) وذات واو بعدها انو مبتدا * له المضارع اجعلن مسندا (2) الجملة الواقعة حالا: إن صدرت بمضارع مثبت لم يجز أن تقترن بالواو، بل لا تربط إلا بالضمير، نحو " جاء زيد يضحك، وجاء عمرو تقاد الجنائب بين يديه " ولا يجوز دخول الواو، فلا تقول " جاء زيد ويضحك " فإن جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أول على إضمار مبتدأ بعد الواو، ويكون المضارع خبرا عن [ ذلك ] المبتدأ، وذلك نحو قولهم " قمت وأصك عينه " وقوله: 192 - فلما خشيت أظافيرهم * نجوت وأرهنهم مالكا
    __________
    (1) " وذات " مبتدأ، وذات مضاف، و " بدء " مضاف إليه " بمضارع " جار ومجرور متعلق ببدء " ثبت " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضارع، والجملة في محل جر صفة لمضارع " حوت " حوى: فعل ماض، والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ذات بدء، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " ضميرا " مفعول به لحوت " ومن الواو " الواو عاطفة، وما بعدها جار ومجرور متعلق بخلت " خلت " خلا: فعل ماض، والتاء لتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ذات بدء بمضارع، والجملة معطوفة على جملة الخبر.
    (2) " وذات " مبتدأ، وذات مضاف و " واو " مضاف إليه " بعدها " بعد: ظرف متعلق بانو الآتي، وبعد مضاف، وها: مضاف إليه " انو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مبتدا " مفعول به لانو " له " جار ومجرور متعلق باجعل الآتي " المضارع " مفعول أول لاجعل تقدم عليه، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة " اجعلن " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه
    وجوبا تقديره أنت، والنون نون التوكيد الثقيلة " مسندا " مفعول ثان لاجعل.
    192 - البيت لعبد الله بن همام السلولي.
    = (*)
    (1/656)

    ف " أصك، وأرهنهم " خبران لمبتدأ محذوف، والتقدير: وأنا أصك، وأنا أرهنهم.
    * * * وجملة الحال سوى ما قدما بواو، أو بمضمر، أو بهما (1)
    __________
    = اللغة: " أظافيرهم " جمع أظفور بزنة عصفور والمراد هنا منه الاسلحة " نجوت " أراد تخلصت منهم.
    الاعراب: " فلما " الفاء للعطف على ما قبله، لما: ظرف بمعنى حين متعلق بنجوت الآتي، وهو متضمن معنى الشرط " خشيت " فعل وفاعل " أظافيرهم " أظافير: مفعول به لخشيت، وأظافير مضاف وهم: مضاف إليه، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة " لما " الظرفية إليها " نجوت " فعل وفاعل، والجملة جواب " لما " الظرفية بما تضمنته من معنى الشرط " وأرهنهم " الواو واو الحال، أرهن: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، هم: مفعول أول لارهن، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وأنا أرهنهم، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال " مالكا " مفعول ثان لارهن.
    الشاهد فيه: قوله " وأرهنهم " حيث إن ظاهره ينبئ عن أن المضارع المثبت تقع جملته حالا، وتسبق بالواو، وذلك الظاهر غير صحيح، ولهذا قدرت جملة المضارع خبرا لمبتدأ محذوف كما فصلناه في الاعراب.
    (1) " وجملة " مبتدأ، وجملة مضاف، و " الحال " مضاف إليه " سوى " منصوب على الاستثناء أو على الظرفية، وسوى مضاف و " ما " اسم موصول مضاف
    إليه " قدما " قدم: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والالف للاطلاق، والجملة من قدم ونائب فاعله لامحل لها صلة الموصول " بواو " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ وهو قوله " جملة الحال " في أول البيت، وقوله " أو بمضمر، أو بهما " معطوفان على قوله بواو.
    (*)
    (1/657)

    الجملة الحالية: إما أن تكون اسمية، أو فعلية، والفعل [ إما ] مضارع، أو ماض، وكل واحدة من الاسمية والفعلية: إما مثبتة، أو منفية، وقد تقدم أنه إذا صدرت الجملة بمضارع مثبت لا تصحبها الواو، بل لا تربط إلا بالضمير فقط (1)، وذكر في هذا البيت أن ما عدا ذلك يجوز فيه أن يربط بالواو
    __________
    (1) قد ذكر الشارح أن الجملة الحالية إذا كانت فعلية فعلها مضارع مثبت وجب أن تخلو هذه الجملة من الواو، وأن يكون رابطها الضمير، وقد بقي عليه بعض شروط يجب تحققها في هذه الجملة: منها ألا يتقدم بعض معمولات المضارع عليه، فلو تقدم معموله عليه اقترنت الجملة بالواو، ولهذا جوز القاضي البيضاوي في قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) أن تكون جملة (وإياك نستعين) حالا من الضمير المستتر وجوبا في (نعبد) ومن الشروط أيضا: ألا تكون جملة المضارع المذكور مقترنة بقد، فإن اقترنت بها وجب أن تقترن بالواو، نحو قوله تعالى (لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم)، فجملة ما يشترط لخلو هذه الجملة من الواو أربعة شروط: أن تكون مضارعية، وأن تكون مثبتة، وأن يتقدم المضارع على كل ما يذكر معه من معمولاته، وألا يقترن بقد.
    وقد ذكر الشارح بعد قليل أن الجملة المضارعية المنفية بلا تمتنع معها الواو، كما في قوله تعالى: (مالي لا أرى الهدهد) وبقي بعد ذلك خمس جمل يجب ألا تقترن بالواو، فيصير مجموع ما لا يجوز اقترانه بالواو من الحال الواقعة جملة سبعا ذكرنا لك
    اثنتين منها.
    (والثالثة) أن تكون مضارعية منفية بما، كقول الشاعر: عهدتك ما تصبو، وفيك شبيبة فمالك بعد الشيب صبا متيما ؟ (الرابعة) الجملة المعطوفة على حال قبلها، نحو قوله تعالى: (فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) فجملة " هم قائلون " معطوفة على " بياتا ".
    (الخامسة) الجملة المؤكدة لمضمون جملة قبلها، نحو قولك: هو الحق لا شك فيه، وقوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) فجملة " لا ريب فيه " حال مؤكدة لمضمون جملة " ذلك الكتاب " في بعض أعاريب يحتملها هذا الكلام.
    = (*)
    (1/658)

    وحدها، أو بالضمير وحده، أو بهما، فيدخل في ذلك الجملة الاسمية: مثبتة، أو منفية، والمضارع المنفي، والماضي: المثبت، والمنفي.
    فتقول: " جاء زيد وعمرو قائم، وجاء زيد يده على رأسه، وجاء زيد ويده على رأسه " وكذلك المنفي، وتقول: " جاء زيد لم يضحك، أو ولم يضحك، أو ولم يقم عمرو، وجاء زيد وقد قام عمرو، وجاء زيد قد قام أبوه، وجاء زيد وقد قام أبوه " وكذلك المنفي، نحو " جاء زيد وما قام عمرو، وجاء زيد ما قام أبوه، أو وما قام أبوه ".
    ويدخل تحت هذا أيضا المضارع المنفي بلا، فعلى هذا تقول: " جاء زيد ولا يضرب عمرا " بالواو.
    وقد ذكر المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يجوز اقترانه بالواو كالمضارع المثبت، وأن ما ورد مما ظاهره ذلك يؤول على إضمار مبتدأ، كقراءة
    __________
    = (السادسة) الجملة التي تقع بعد " إلا " سواء أكانت الجملة اسمية نحو قولك: ما صاحبت أحدا إلا زيد خير منه، أم كانت فعلية فعلها ماض نحو قولك: ما أرى رأيا
    إلا رأيت صوابا، ونحو قوله تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) وقد ورد في الشعر اقتران الفعلية التي فعلها ماض والواقعة بعد " إلا " بالواو كما في قوله.
    نعم امرأ هرم لم تعر نائبة إلا وكان لمرتاع لها وزرا فقيل: هو شاذ والقياس أن تخلو من الواو، وقيل: هو قليل لا شاذ.
    (السابعة) الجملة الفعلية التي فعلها ماض مسبوق بأو العاطفة، نحو قولك: لاضربنه حضر أو غاب، وقول الشاعر: كن للخليل نصيرا جار أو عدلا ولا تشح عليه جاد أو بخلا (*)
    (1/659)

    ابن ذكوان: (فاستقيما ولا تتبعان) بتخفيف النون، والتقدير: وأنتما تتبعان، ف " لا تتبعان " خبر لمبتدأ محذوف.
    * * * والحال قد يحذف ما فيها عمل وبعض ما يحذف ذكره حظل (1) يحذف عامل الحال: جوازا، أو وجوبا.
    فمثال ما حذف جوازا أن يقال: " كيف جئت " فتقول: " راكبا "، [ تقديره " جئت راكبا " ]، وكقولك: " بلى مسرعا " لمن قال لك: " لم تسر " والتقدير: " بلى سرت مسرعا "، ومنه قوله تعالى: (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه ؟ بلى قادرين على أن نسوي بنانه) التقدير - والله أعلم -: بلى نجمعها قادرين.
    ومثال ما حذف وجوبا قولك: " زيد أخوك عطوفا " ونحوه من الحال المؤكدة لمضمون الجملة، وقد تقدم ذلك، وكالحال النائبة مناب الخبر،
    __________
    (1) " والحال " مبتدأ " قد " حرف تحقيق " يحذف " فعل مضارع مبني
    للمجهول " ما " اسم موصول نائب فاعل ليحذف، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " فيها " جار ومجرور متعلق بعمل الآتي " عمل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " وبعض " مبتدأ أول، وبعض مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " يحذف " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا، والجملة لامحل لها صلة الموصول " ذكره " ذكر: مبتدأ ثان، وذكر مضاف والهاء مضاف إليه " حظل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا، والجملة من حظل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
    (*)
    (1/660)

    نحو " ضربي زيدا قائما " التقدير: إذا كان قائما، وقد سبق تقرير ذلك في باب المبتدأ والخبر (1).
    ومما حذف فيه عامل الحال وجوبا قولهم: " اشتريته بدرهم فصاعدا، وتصدقت بدينار فسافلا " ف " صاعدا، وسافلا ": حالان، عاملهما محذوف
    __________
    (1) هنا أمران نحب أن ننبهك إليهما: الاول: أن عامل الحال على ثلاثة أنواع: نوع يجب ذكره ولا يجوز حذفه، ونوع يجب حذفه ولا يجوز ذكره، ونوع يجوز لك ذكره ويجوز لك حذفه.
    فأما النوع الذي يجب ذكره ولا يجوز حذفه فهو العامل المعنوي كالظرف واسم الاشارة، فلا يحذف شئ من هذه العوامل، سواء أعلمت أم لم تعلم، لان العامل المعنوي ضعيف، فلا يقوى على أن يعمل وهو محذوف.
    وأما النوع الذي يجب حذفه فقد بين الشارح ثلاثة مواضع من مواضعه وهي الحال المؤكدة لمضمون جملة، والحال النائبة مناب الخبر، والحال الدالة على
    زيادة أو نقص بتدريج وبقي موضعان آخران، أولهما: أن ينوب عنه الحال كقولك لمن شرب: هنيئا، ومن ذلك قول كثير: هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت وثانيهما: أن تدل الحال على توبيخ، كقولك: أقاعدا وقد جد الناس ؟.
    وأما النوع الذي يجوز ذكره وحذفه فهو ما عدا هذين النوعين.
    الامر الثاني: أن الاصل في الحال نفسه - بسبب كونه فضلة - أنه يجوز حذفه، وقد يجب ذكره، وذلك في خمسة مواضع، أولها: أن يكون الحال مقصورا عليه، نحو قولك: ما سافرت إلا راكبا، وما ضربت عليا إلا مذنبا، وثانيها: أن يكون الحال نائبا عن عامله كقولك: هنيئا مريئا، تريد كل ذلك هنيئا مريئا، وثالثها: أن تتوقف عليه صحة الكلام كقوله سبحانه وتعالى: (وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين) أو يتوقف عليه مراد المتكلم، نحو قوله تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) ورابعها: أن يكون الحال جوابا، كقولك: بلى مسرعا، جوابا لمن قال لك: لم تسر، وخامسها: أن يكون الحال نائبا عن الخبر، نحو قولك: ضربي زيدا مسيئا.
    (*)
    (1/661)

    وجوبا، والتقدير: " فذهب الثمن صاعدا، وذهب المتصدق به سافلا " وهذا معنى قوله: " وبعض ما يحذف ذكره حظل " أي بعض ما يحذف من عامل الحال منع ذكره (1).
    * * *
    __________
    (1) قد بقي الكلام على صاحب الحال من ناحية الذكر والحذف - بعد أن أتينا على ما يتعلق بالحال، وبالعامل فيها من هذه الناحية - فنقول: الاصل في صاحب الحال أن يكون مذكورا، وقد يحذف جوازا، وقد يحذف وجوبا
    بحيث لا يجوز ذكره.
    فيحذف جوازا إذا حذف عامله، نحو قولك: راشدا، أي تسافر راشدا، ويجوز أن تقول تسافر راشدا.
    ويحذف وجوبا مع الحال التي تفهم ازديادا أو نقصا بتدريج، نحو قولهم: اشتريت بدينار فصاعدا، أي: فذهب الثمن صاعدا، ففي هذا حذف صاحب الحال وعامله.
    (*)
    (1/662)

    التمييز اسم، بمعنى " من " مبين، نكره، ينصب تمييزا بما قد فسره (1) كشبر ارضا، وقفيز برا، ومنوين عسلا وتمرا (2) تقدم من الفضلات: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول له، والمفعول فيه، والمفعول معه، والمستثنى، والحال، وبقي التمييز وهو المذكور في هذا الباب - ويسمى مفسرا، وتفسيرا، ومبينا، وتبيينا، ومميزا، وتمييزا.
    وهو: كل اسم، نكرة، متضمن معنى " من "، لبيان ما قبله من إجمال، نحو " طاب زيد نفسا، وعندي شبر أرضا ".
    واحترز بقوله: " متضمن معنى من " من الحال، فإنها متضمنة معنى " في ".
    وقوله: " لبيان ما قبله " احتراز مما تضمن معنى " من " وليس فيه بيان لما قبله: كاسم " لا " التي لنفي الجنس، نحو " لا رجل قائم " فإن التقدير: " لا من رجل قائم ".
    __________
    (1) " اسم " خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو اسم " بمعنى " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لاسم، ومعنى مضاف و " من " قصد لفظه: مضاف إليه " مبين " نعت آخر لاسم " نكرة " نعت ثالث لاسم " ينصب " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة مستأنفة
    لا محل لها من الاعراب " تمييزا " حال من نائب الفاعل المستتر في قوله ينصب " بما " جار ومجرور متعلق بينصب، و " قد فسره " فسر: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، وضمير الغائب مفعوله، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالباء.
    (2) " كشبر " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الموصولة " أرضا " تمييز لشبر " وقفيز " معطوف على شبر " برا " تمييز لقفيز " ومنوين عسلا " مثله " وبرا " معطوف على قوله عسلا.
    (*)
    (1/663)

    وقوله: " لبيان ما قبله من إجمال " يشمل نوعي التمييز، وهما: المبين إجمال ذات، والمبين إجمال نسبة.
    فالمبين إجمال الذات هو: الواقع بعد المقادير - وهي الممسوحات، نحو " له شبر أرضا " والمكيلات، نحو " له قفيز برا " والموزونات، نحو " له منوان عسلا وتمرا " - والاعداد (1)، نحو " عندي عشرون درهما ".
    وهو منصوب بما فسره، وهو: شبر، وقفيز، ومنوان، وعشرون.
    والمبين إجمال النسبة هو: المسوق لبيان ما تعلق به العامل: من فاعل، أو مفعول، نحو " طاب زيد نفسا "، ومثله: (اشتعل الرأس شيبا)، و " غرست الارض شجرا "، ومثله (وفجرنا الارض عيونا).
    ف " نفسا " تمييز منقول من الفاعل، والاصل " طابت نفس زيد "، و " شجرا " منقول من المفعول، والاصل " غرست شجر الارض " فبين
    __________
    (1) قول الشارح " والاعداد " عطف على قوله " المقادير " فأما ما بينهما فهو بيان لانواع المقادير، وعلى هذا يكون الشارح قد ذكر شيئين يكون تمييز إجمال الذات بعدهما - وهما المقادير، والاعداد - وبقي عليه شيئان آخران.
    أولها: ما يشبه المقادير، مما أجرته العرب مجراها لشبهه بها في مطلق المقدار، وإن لم يكن منها، كقولك: قد صببت عليه ذنوبا ماء، واشتريت نحيا سمنا، وقولهم: على التمرة مثلها زبدا.
    وثانيهما: ما كان فرعا للتمييز، نحو قولك: أهديته خاتما فضة، على ما هو مذهب الناظم تبعا للمبرد في هذا المثال من أن فضة ليس حالا، لكونه جامدا، وكون صاحبه نكرة، وكونه لازما، مع أن الغالب في الحال أن تكون منتقلة.
    وذهب سيبويه إلى أن فضة في المثال المذكور حال، وليس تمييزا، لانه خص التمييز بما يقع بعد المقادير وما يشبهها.
    (*)
    (1/664)

    " نفسا " الفاعل الذي تعلق به الفعل، وبين " شجرا " المفعول الذي تعلق به الفعل.
    والناصب له في هذا النوع [ هو ] العامل الذي قبله.
    * * * وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها، ك " مد حنطة غذا " (1) والنصب بعد ما أضيف وجبا إن كان مثل " مل ء الارض ذهبا " (2) أشار ب " ذي " إلى ما تقدم ذكره في البيت من المقدرات وهو: ما دل على مساحة، أو كيل، أو وزن فيجوز جر التمييز بعد هذه
    __________
    (1) " بعد " ظرف متعلق باجرر، وبعد مضاف و " ذي " اسم إشارة مضاف إليه " وشبهها " الواو عاطفة، شبه: معطوف على ذي، وشبه مضاف، وها: مضاف إليه " اجرره " اجرر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " إذا " ظرف أشرب معنى الشرط " أضفتها " فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل جر بإضافة إذا الظرفية إليها " كمد " الكاف جارة لقول محذوف، مد:
    مبتدأ، ومد مضاف و " حنطة " مضاف إليه " غذا " خبر المبتدأ.
    (2) " والنصب " مبتدأ " بعد " ظرف متعلق به، وبعد مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " أضيف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أضيف ونائب فاعله لا محل لها صلة " وجبا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النصب، والجملة من وجب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " إن " شرطية " كان " فعل ماض ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما أضيف " مثل " خبر كان " مل ء " مبتدأ، ومل ء مضاف و " الارض " مضاف إليه، والخبر محذوف تقديره: لي، مثلا، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة مثل إليها " ذهبا " تمييز.
    (*)
    (1/665)

    بالاضافة إن لم يضف إلى غيره، نحو " عندي شبر أرض، وقفيز بر، ومنوا عسل وتمر ".
    فإن أضيف الدال على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز، نحو " ما في السماء قدر راحة سحابا "، ومنه قوله تعالى: (فلن يقبل من أحدهم مل ء الارض ذهبا).
    وأما تمييز العدد فسيأتي حكمه في باب العدد.
    * * * والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلا: ك " أنت أعلى منزلا " (1) التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل: إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبه، وإن لم يكن كذلك وجب جره بالاضافة.
    وعلامة ما هو فاعل في المعنى: أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل
    التفضيل فعلا، نحو " أنت أعلى منزلا، وأكثر مالا " ف " منزلا، ومالا " يجب نصبهما، إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا، فتقول: أنت علا منزلك، وكثر مالك.
    ومثال ما ليس بفاعل في المعنى (2) " زيد أفضل رجل، وهند أفضل امرأة "
    __________
    (1) " والفاعل " مفعول مقدم على عامله - وهو قوله انصبن الآتي - " المعنى " منصوب على نزع الخافض، أو مفعول به للفاعل، أو مجرور تقديرا بإضافة الفاعل إليه " انصبن " انصب: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب " بأفعلا " جار ومجرور متعلق بانصبن " مفضلا " حال من الفاعل المستتر وجوبا في انصبن " كأنت " الكاف جارة لقول محذوف، أنت: مبتدأ " أعلى " خبر المبتدأ " منزلا " تمييز.
    (2) ضابط ما ليس بفاعل في المعنى: أن يكون أفعل التفضيل بعضا من جنس التمييز، = (*)
    (1/666)

    [ فيجب جره بالاضافة، إلا إذا أضيف " أفعل " إلى غيره، فإنه ينصب حينئذ، نحو " أنت أفضل الناس رجلا " ] (1).
    * * * وبعد كل ما اقتضى تعجبا ميز، ك " أكرم بأبي بكر أبا " (2) يقع التمييز بعد كل ما دل على تعجب، نحو " ما أحسن زيدا رجلا،
    __________
    = ويعرف ذلك بصحة حذف أفعل التفضيل، ووضع لفظ بعض موضعه، فنحو " زيد أفضل رجل " تجد أفعل التفضيل - وهو أفضل - باعتبار الفرد الذي يتحقق فيه واحدا من جنس الرجل، وكذلك نحو " هند أفضل امرأة " تجد أفعل التفضيل بعض الجنس، ويمكن أن تحذف أفعل التفضيل في المثالين وتضع مكانه لفظ " بعض " فتقول: زيد بعض جنس الرجل، أي بعض الرجال، وهند بعض جنس المرأة، أي بعض النساء.
    (1) من تقرير هذه المسألة تعلم أن تمييز أفعل التفضيل يجب جره في صورة واحدة، وهي: أن يكون التمييز غير فاعل في المعنى، وأفعل التفضيل ليس مضافا لغير تمييزه، ويجب نصبه في صورتين اثنتين، أولاهما: أن يكون التمييز فاعلا في المعنى - سواء أضيف أفعل التفضيل إلى غير التمييز، نحو أنت أعلى الناس منزلا، أم لم يضف إلى غير التمييز، نحو أنت أعلى منزلا - وثانيتهما: أن يكون التمييز غير فاعل في المعنى، بشرط أن يكون أفعل مضافا إلى غير التمييز، نحو أنت أفضل الناس بيتا، لانه يتعذر حينئذ إضافة أفعل التفضيل مرة أخرى.
    (2) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " ميز " الآتي، وبعد مضاف، و " كل " مضاف إليه، وكل مضاف، و " ما " اسم موصول: مضاف إليه " اقتضى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " تعجبا " مفعول به لاقتضى، والجملة من اقتضى وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول " ميز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كأكرم " الكاف جارة لقول محذوف، أكرم: فعل ماض جاء على صورة الامر " بأبي " الباء زائدة، أبي: فاعل أكرم، وأبي مضاف، و " بكر " مضاف إليه " أبا " تمييز.
    (*)
    (1/667)

    وأكرم بأبي بكر أبا، ولله درك عالما، وحسبك بزيد رجلا، وكفى به عالما " (1).
    193 - و * يا جارتا ما أنت جاره * * * *
    __________
    (1) ذهب ابن هشام إلى أن التمييز في كل هذه الامثلة من تمييز النسبة، وليس بسديد، بل في الكلام تفصيل، وتلخيصه أنه إن كان في الكلام ضمير غائب، ولم يبين مرجعه، كما في قولهم " لله دره فارسا " كان من تمييز المفرد، لان افتقاره إلى بيان
    عينه في هذه الحال أشد من افتقاره لبيان نسبة التعجب إليه، فإن لم يكن ضمير أصلا، نحو لله در زيد فارسا، أو كان ضمير خطاب، نحو لله درك فارسا، أو كان ضمير غائب علم مرجعه نحو زيد لله دره فارسا فهو من تمييز النسبة، وتلخيص هذا أنه يكون تمييز مفرد في صورة واحدة، ويكون تمييز نسبة في ثلاث صور.
    193 - هذا عجز بيت للاعشى ميمون بن قيس، وصدره قوله: * بانت لتحزننا عفاره * اللغة: " بانت " بعدت، وفارقت " لتحزننا " لتدخل الحزن إلى قلوبنا، وتقول: حزنني هذا الامر يحزنني، من باب نصر، وأحزنني أيضا، وفي التنزيل العزيز: (إني ليحزنني أن تذهبوا به) " عفارة " اسم امرأة.
    الاعراب: " يا " حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الاعراب " جارتا " منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا، وجارة مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا مضاف إليه " ما " اسم استفهام مقصود به التعظيم مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " أنت " خبر المبتدأ " جاره " تمييز يقصد به بيان جنس ما وقع عليه التعجب وهو الجوار.
    الشاهد فيه: قوله " جاره " حيث وقع تمييزا بعد ما اقتضى التعجب، وهو قوله: " ما أنت ".
    فإن قلت: أهو تمييز نسبة أم تمييز ذات ؟ = (*)
    (1/668)

    واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد والفاعل المعنى: ك " طب نفسا تفد " (1) يجوز جر التمييز بمن إن لم يكن فاعلا في المعنى، ولا مميزا لعدد، فتقول: " عندي شبر من أرض، وقفيز من بر، ومنوان من عسل وتمر،
    وغرست الارض من شجر " ولا تقول: " طاب زيد من نفس " ولا " عندي عشرون من درهم ".
    * * * وعامل التمييز قدم مطلقا والفعل ذو التصريف نزرا سبقا (2)
    __________
    = قلت: لا خلاف بين أحد من العلماء الذين جعلوا " جاره " تمييزا في أنه من قبيل تمييز النسبة، أما ابن هشام فالامر عنده ظاهر، لانه جعل هذا النوع كله من تمييز النسبة، وأما على ما ذكرناه قريبا من الفرق بين بعض المثل وبعضها الآخر فهو أيضا من تمييز النسبة، لان الضمير المذكور في الكلام ضمير مخاطب، فهو معلوم ما يراد به.
    فإن قلت: فهل يجوز أن أجعل " جارة " شيئا غير التمييز ؟ قلت: قد ذهب جمهرة عظيمة من العلماء إلى أنه حال، وأرى لك أن تأخذ به.
    (1) " واجرر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بمن " جار ومجرور متعلق باجرر " إن " شرطية " شئت " فعل ماض فعل الشرط، وضمير المخاطب فاعله " غير " مفعول به لا جرر، وغير مضاف و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، " العدد " مضاف إليه " والفاعل " معطوف على ذي " المعنى " منصوب بنزع الخافض أو مضاف إليه، أو مفعول به للفاعل، وهو مجرور تقديرا بالاضافة أو منصوب تقديرا على المفعولية أو على نزع الخافض " كطب " الكاف جارة لقول محذوف، طب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " نفسا " تمييز " تفد " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم في جواب الامر، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (2) " وعامل " مفعول به مقدم لقوله " قدم " الآتي، وعامل مضاف، و " التمييز " = (*)
    (1/669)

    مذهب سيبويه - رحمه الله ! - أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله، سواء
    كان متصرفا أو غير متصرف، فلا تقول: " نفسا طاب زيد "، ولا " عندي درهما عشرون ".
    وأجاز الكسائي، والمازني، والمبرد، تقديمه على عامله المتصرف، فتقول: " نفسا طاب زيد، وشيبا اشتعل رأسي " ومنه قوله: 194 - أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ؟ وما كان نفسا بالفراق تطيب
    __________
    = مضاف إليه " قدم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مطلقا " منصوب على الحال من " عامل التمييز " " والفعل " مبتدأ " ذو " نعت للفعل، وذو مضاف، و " التصريف " مضاف إليه " نزرا " حال من الضمير المستتر في قوله سبق الآتي " سبقا " سبق: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والالف للاطلاق، والجملة من سبق ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    194 - ينسب هذا البيت للمخبل السعدي، وقيل: هو لاعشى همدان، وقيل: هو لقيس بن الملوح العامري.
    المعنى: ما ينبغي لليلى أن تهجر محبها وتتباعد عنه، وعهدي بها والشأن أن نفسها لا تطيب بالفراق ولا ترضى عنه.
    الاعراب: " أتهجر " الهمزة للاستفهام الانكاري، تهجر: فعل مضارع " ليلى " فاعل " بالفراق " جار ومجرور متعلق بتهجر " حبيبها " حبيب: مفعول به لتهجر، وحبيب مضاف وها: مضاف إليه " وما " الواو واو الحال، ما: نافية " كان " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير الشأن " نفسا " تمييز متقدم على العامل فيه، وهو قوله " تطيب " الآتي " بالفراق " جار ومجرور متعلق بتطيب " تطيب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ليلى، والجملة من تطيب وفاعله في
    محل نصب خبر " كان ".
    = (*)
    (1/670)

    وقوله: 195 - ضيعت حزمي في إبعادي الاملا، وما ارعويت، وشيبا رأسي اشتعلا ووافقهم المصنف في غير هذا الكتاب على ذلك، وجعله في هذا الكتاب قليلا.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " نفسا " فإنه تمييز، وعامله قوله " تطيب ".
    وقد تقدم عليه والاصل " تطيب نفسا " وقد جوز ذلك التقدم الكوفيون والمازني والمبرد، وتبعهم ابن مالك في بعض كتبه، وهو في هذا البيت ونحوه عند الجمهور ضرورة، فلا يقاس عليه.
    وذهب أبو إسحاق الزجاج إلى أن الرواية في بيت الشاهد: * وما كان نفسي بالفراق تطيب * ونقل أبو الحسن أن الرواية في ديوان الاعشى هكذا: أتؤذن سلمى بالفراق حبيبها ولم تك نفسي بالفراق تطيب وعلى هاتين الروايتين لا شاهد في البيت.
    وقال أبو رجاء عفا الله تعالى عنه: والذي وجدته في ديوان أعشى همدان رواية البيت كما رواه الشارح وأكثر النحاة، ففيه الشاهد الذي يساق من أجله.
    195 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
    اللغة: " الحزم " ضبط الرجل أمره، وأخذه بالثقة " ارعويت " رجعت إلى ما ينبغي لي، والارعواء: الرجوع الحسن.
    الاعراب: " ضيعت " فعل وفاعل " حزمي " حزم: مفعول به لضيع، وحزم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " في إبعادي " الجار والمجرور متعلق بضيع، وإبعاد
    مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله " الاملا " مفعول به للمصدر " وما " الواو عاطفة، ما: نافية " ارعويت " فعل وفاعل " وشيبا " تمييز متقدم على عامله وهو قوله " اشتملا " الآتي " رأسي " رأس: مبتدأ، وياء المتكلم مضاف إليه " اشتملا " فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرأس، والالف للاطلاق، والجملة من اشتعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    = (*)
    (1/671)

    فإن كان العامل غير متصرف، فقد منعوا التقديم (1): سواء كان فعلا، نحو " ما أحسن زيدا رجلا " أو غيره، نحو " عندي عشرون درهما ".
    وقد يكون العامل متصرفا، ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع، وذلك نحو " كفى بزيد رجلا "، فلا يجوز تقديم " رجلا " على " كفى " وإن كان
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " شيبا " حيث تقدم - وهو تمييز - على عامله المتصرف، وهو قوله اشتعل، وقد احتج به من أجاز ذلك كالمبرد، والكسائي، والمازني، وابن مالك في غير الالفية، ولكنه في الالفية قد نص على ندرة هذا، ومثله قول الشاعر: أنفسا تطيب بنيل المنى وداعي المنون ينادي جهارا ؟ وقول الآخر: ولست، إذا ذرعا أضيق، بضارع ولا يائس - عند التعسر - من يسر وقول ربيعة بن مقروم الضبي: رددت بمثل السيد نهد مقلص كميش إذا عطفاه ماء تحلبا وجعل بعض النحاة من شواهد هذه المسألة قول الشاعر: إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا ولم يعن بالاحسان كان مذمما والاستشهاد بهذا البيت الاخير إنما يتم على مذهب بعض الكوفيين الذين يجعلون " المرء " مبتدأ وجملة " قر عينا " في محل رفع خبره، فأما على مذهب جمهور البصريين
    الذين يجعلون " المرء " فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده فلا شاهد فيه، لان التقدير على هذا المذهب: إذا قر المرء عينا بالعيش، فالعامل في التمييز متقدم عليه وهو الفعل المقدر، إلا أن يدعى هؤلاء أن تأخير مفسر العامل بمنزلة تأخير العامل نفسه.
    (1) وربما تقدم على عامله وهو اسم جامد، وذلك ضرورة من ضرورات الشعر اتفاقا، كقول الراجز: ونارنا لم ير نارا مثلها قد علمت ذاك معد كلها (*)
    (1/672)

    فعلا متصرفا، لانه بمعنى فعل غير متصرف، وهو فعل التعجب، فمعنى قولك: " كفى بزيد رجلا " ما أكفاه رجلا (1) ! * * *
    __________
    (1) من القواعد المقررة أن الشئ إذا أشبه الشئ أخذ حكمه، ويجري ذلك في كثير من الابواب، ونحن نذكر لك ههنا بعض هذه المتشابهات لتعرف كيف كان العرب يجرون في كلامهم، ثم لتعرف كيف ضبط أئمة هذه الصناعة قواعدها، ثم لتعود بذاكرتك إلى ما سبق لك أن قرأته في هذا الكتاب وغيره من كتب الفن لجمع أشباه ما نذكره لك.
    أ - المشتقات - كلها من اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة أشبهت الفعل في مادته ومعناه، فأخذت حكمه فرفعت الفاعل، ونصب المتعدي منها المفعول.
    ب - ما، ولا، وإن، ولات، هذه الحروف أشبهت ليس في المعنى، فأخذت حكمها، فرفعت الاسم ونصبت الخبر.
    ج - إن وأخواتها، أشبهت الفعل في معناه، فرفعت ونصبت، وقدم منصوبها وجوبا على مرفوعها، بعكس الفعل، ليظهر من أول وهلة أنها عملت هذا العمل لكونها فرعا، وجاز أن تنصب الحال لهذه المشابهة.
    __________
    (1) من القواعد المقررة أن الشئ إذا أشبه الشئ أخذ حكمه، ويجري ذلك في كثير من الابواب، ونحن نذكر لك ههنا بعض هذه المتشابهات لتعرف كيف كان العرب يجرون في كلامهم، ثم لتعرف كيف ضبط أئمة هذه الصناعة قواعدها، ثم لتعود بذاكرتك إلى ما سبق لك أن قرأته في هذا الكتاب وغيره من كتب الفن لجمع أشباه ما نذكره لك.
    أ - المشتقات - كلها من اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة أشبهت الفعل في مادته ومعناه، فأخذت حكمه فرفعت الفاعل، ونصب المتعدي منها المفعول.
    ب - ما، ولا، وإن، ولات، هذه الحروف أشبهت ليس في المعنى، فأخذت حكمها، فرفعت الاسم ونصبت الخبر.
    ج - إن وأخواتها، أشبهت الفعل في معناه، فرفعت ونصبت، وقدم منصوبها وجوبا على مرفوعها، بعكس الفعل، ليظهر من أول وهلة أنها عملت هذا العمل لكونها فرعا، وجاز أن تنصب الحال لهذه المشابهة.
    * * * (*)
    (1/673)

    قد تم بعون الله تعالى، وحسن تأييده الجزء الاول من شرح العلامة " ابن عقيل " على ألفية ابن مالك، وحواشينا عليه التي سميناها " منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل " ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني، مفتتحا بحروف الجر.
    هذا، وقد عنينا بتحقيق مباحث الكتاب في هذه الطبعة، فجاء بحمد الله جلت قدرته ! على خير ما يرجى من الاتقان، وتلاقت فيه جميع شروح الكتاب وحواشيه على كثرتها، فصار بحيث يغنى عن جميعها، ولا يغنى عنه شئ منها.
    كتبه المفتقر إلى عفو الله تعالى محمد محيي الدين عبد الحميد
    (1/674)

    شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني ج 2
    شرح ابن عقيل
    ابن عقيل الهمداني ج 2
    (2/)

    شرح ابن عقيل قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري المولود في سنة 698 والمتوفى في سنة 769 من الهجرة على ألفية الامام الحجة الثبت: أبي عبد الله محمد جمال الدين بن مالك المولود في سنة 600 والمتوفى في سنة 672 من الهجرة " ما تحت أديم السماء " " أتحى من ابن عقيل " أبو حبان ومعه كتاب منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل تأليف محمد محيي الدين عبد الحميد غفر الله تعالى له ولوالديه ! وجميع حق الطبع محفوظ له الجزء الثاني
    (2/1)

    الطبعة الرابعة عشرة: تمتاز بدقة الضبط، وزيادة الشروح والتعليقات وبالتوسع في التكملة التى وضعناها في تصريف الافعال ربيع الاول 1385 ه.
    - يوليه 1965 م يطلب من ناشره المكتبة التجارية الكبرى، بميدان العتبة، وبأول شارع القلعة بالقاهرة لصاحبها: مصطفى محمد
    (2/2)

    بسم الله الرحمن الرحيم حروف الجر هاك حروف الجر، وهى: من، إلى، * حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على مذ، منذ، رب، اللام، كى، واو، وتا * والكاف، والباء، ولعل، ومتى هذه الحروف العشرون كلها مختصة بالاسماء، وهى تعمل فيها الجر، وتقدم الكلام على " خلا، وحاشا، وعدا " في الاستثناء، وقل من ذكر " كى، ولعل، ومتى " في حروف الجر.
    فأما " كى " فتكون حرف جر في موضعين: أحدهما: إذا دخلت على " ما " الاستفهامية، نحو " كيمه ؟ " أي: لمه ؟ ف " ما " استفهامية مجرورة ب " كى "، وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، وجئ بالهاء للسكت.
    (2/3)

    الثاني: قولك: " جئت كى أكرم زيدا " ف " أكرم ": فعل مضارع منصوب ب " أن " بعد " كى "، و " أن " والفعل مقدران بمصدر مجرور ب " كى " والتقدير: جئت [ كى إكرام زيد، أي ] لاكرام زيد.
    وأما " لعل " فالجر بها لغة عقيل، ومنه قوله: 196 - * لعل أبى المغوار منك قريب *
    (2/4)

    وقوله: 197 - لعل الله فضلكم علينا * بشئ أن أمكم شريم ف " أبى المغوار " والاسم الكريم: مبتدآن، و " قريب "، و " فضلكم "
    خبران، و " لعل " حرف جر زائد دخل على المبتدأ، فهو كالباء في " بحسبك درهم ".
    (2/5)

    وقد روى على لغة هؤلاء في لامها الاخيرة الكسر والفتح، وروى أيضا حذف اللام الاولى، فتقول: " عل " بفتح اللام وكسرها.
    وأما " متى " فالجر بها لغة هذيل، ومن كلامهم: " أخرجها متى كمه "، يريدون " من كمه " ومنه قوله: 198 - شر بن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر، لهن نئيج
    (2/6)

    وسيأتى الكلام على بقية العشرين عند كلام المصنف عليها.
    ولم يعد المصنف في هذا الكتاب " لولا " من حروف الجر، وذكرها في غيره.
    ومذهب سيبويه أنها من حروف الجر، لكن لا تجر إلا المضمر، فتقول: " لولاى، ولولاك، ولولاه " فالياء، والكاف، والهاء - عند سيبويه - مجرورات ب " لولا ".
    وزعم الاخفش أنها في موضع رفع بالابتداء، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع، فلم تعمل " لولا " فيها شيئا، كما لا تعمل في الظاهر، نحو: " لولا زيد لاتيتك ".
    وزعم المبرد أن هذا التركيب - أعنى " لولاك " ونحوه - لم يرد من لسان العرب، وهو محجوج بثبوت ذك عنهم، كقوله: 199 - أتطمع فينا من أراق دماءنا * ولولاك لم يعرض لاحسابنا حسن
    (2/7)

    وقوله: 200 - وكم موطن لولاى طحت كما هوى * بأجرامه من قنة النيق منهوى
    (2/9)

    بالظاهر اخصص: منذ، مذ، وحتى * والكاف، والواو، ورب، والتا واخصص بمذ ومنذ وقتا، وبرب * منكرا، والتاء لله، ورب وما رووا من نحو " ربه فتى " * نزر، كذا " كها "، ونحوه أتى
    (2/10)

    من حروف الجر مالا يجر إلا الظاهر، وهى هذه السبعة المذكورة في البيت الاول، فلا تقول " منذه، ولا مذه " وكذا الباقي.
    ولا تجر " منذ ومذ " من الاسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان، فإن كان الزمان حاضرا كانت بمعنى " في " نحو: " ما رأيته منذ يومنا " أي: في يومنا، وإن كان الزمان ماضيا كانت بمعنى " من " نحو: " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أي: من يوم الجمعة، وسيذكر المصنف هذا في آخر الباب، وهذا معنى قوله: " واخصص بمذ ومنذ وقتا ".
    وأما " حتى " فسيأتي الكلام على مجرورها عند ذكر المصنف له، وقد شذ جرها للضمير، كقوله: 201 - فلا والله لا يلفى أناس * فتى حتاك يا ابن أبى زياد
    (2/11)

    ولا يقاس على ذلك، خلافا لبعضهم، ولغة هذيل إبدال حائها عينا، وقرأ ابن مسعود (فتربصوا به عتى حين).
    وأما الواو فمختصة بالقسم، وكذلك التاء، ولا يجوز ذكر فعل القسم معهما، فلا تقول " أقسم والله " ولا " أقسم تالله ".
    ولا تجر التاء إلا لفظ " الله ": فتقول: " تالله لافعلن " وقد سمع جرها
    ل " رب " مضافا إلى " الكعبة "، [ قالوا ]: " رب الكعبة " ] وهذا معنى قوله: " والتاء لله ورب " وسمع أيضا " تالرحمن "، وذكر الخفاف في شرح الكتاب أنهم قالوا " تحياتك " وهذا غريب.
    ولا تجر " رب " إلا نكرة، نحو: " رب رجل عالم لقيت " وهذا معنى قوله: " وبرب منكرا " أي: واخصص برب النكرة، وقد شذ جرها ضمير الغيبة، كقوله: 202 - واه رأبت وشيكا صدع أعظمه * وربه عطبا أنقذت من عطبه
    (2/12)

    كما شذ جر الكاف له، كقوله: 203 - خلى الذنابات شمالا كثبا * وأم أو عال كها أو أقربا
    (2/13)

    وقوله: 204 - ولا ترى بعلاو لا حلائلا * كه ولا كهن إلا حاظلا وهذا معنى قوله: " ومارووا - البيت " أي: والذى روى من جر " رب " المضمر نحو " ربه فتى " قليل، وكذلك جر الكاف المضمر نحو " كها ".
    * * *
    (2/14)

    بعض وبين وابتدئ في الامكنه * بمن، وقد تأتى لبدء الازمنة وزيد في نفى وشبهه فجر * نكرة:، ك " مالباغ من مفر " تجئ " من " للتبعيض، ولبيان الجنس، ولابتداء الغاية: في غير الزمان كثيرا، وفي الزمان قليلا، وزائدة.
    فمثالها للتبعيض قولك: " أخذت من الدراهم " ومنه قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله).
    ومثالها لبيان الجنس قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان).
    ومثالها لابتداء الغاية في المكان قوله تعالى: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إالى المسجد الاقصى).
    ومثالها لابتداء الغاية في الزمان قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) وقول الشاعر:
    (2/15)

    205 - تخيرن من أزمان يوم حليمة * إلى اليوم، قد جر بن كل التجارب ومثال الزائدة: " ما جاءني من أحد " ولا تزاد - عند جمهور البصريين - إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون المجرور بها نكرة.
    الثاني: أن يسبقها نفى أو شبهه، والمراد يشبه النفى: النهى.
    نحو " لا تضرب من أحد "، والاستفهام، نحو " هل جاءك من أحد ؟ ".
    (2/16)

    ولا تزاد في الايجاب، ولا يؤتى بها جارة لمعرفة، فلا تقول: " جاءني من زيد " خلافا للاخفش، وجعل منه قوله تعالى: (يغفر لكم من ذنوبكم).
    وأجاز الكوفيون زيادتها في الايجاب بشرط تنكير مجرورها، ومنه عندهم: " قد كان من مطر " أي قد كان مطر.
    * * * للانتها: حتى، ولام، وإلى، * ومن وباء يفهمان بدلا يدل على انتهاء الغاية " إلى "، وحتى، واللام "، والاصل من هذه الثلاثة " إلى " فلذلك تجر الآخر وغيره، نحوه: " سرت البارحة إلى آخر الليل، أو إلى نصفه " ولا تجر " حتى " إلا ما كان آخرا أو متصلا بالآخر، كقوله
    (2/17)

    تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر) ولا تجر غيرهما، فلا تقول: " سرت البارحة حتى نصف الليل ".
    واستعمال اللام للانتهاء قليل، ومنه قوله تعالى: (كل يجرى لاجل مسمى).
    ويستعمل " من " والباء، بمعنى " بدل "، فمن استعمال " من " بمعنى " بدل " قوله عز وجل: (أرضيتم بالحياة الدينا من الآخرة)، [ أي: بدل الآخرة ] وقوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون) أي: بدلكم، وقول الشاعر: 206 - جارية لم تأكل المرققا * ولم تذق من البقول الفستقا
    (2/18)

    أي: بدل البقول، ومن استعمال الباء بمعنى " بدل " ما ورد في الحديث " ما يسرنى بها حمر النعم " أي: بدلها، وقول الشاعر: فليت لى بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الاغارة فرسا ناور كبانا [ 154 ] * * * واللام للملك وشبهه، وفي * تعدية - أيضا - وتعليل قفى وزيد، والظرفية استبن ببا * و " في " وقد يبينان السببا
    (2/19)

    تقدم أن اللام تكون للانتهاء، وذكر هنا أنها تكون للملك، نحو (لله ما في السموات وما في الارض) و " المال لزيد "، ولشبه الملك، نحو: " الجل للفرس، والباب للدار "، وللتعدية، ونحو " وهبت لزيد مالا " ومنه قوله تعالى: (فهب إلى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب)، وللتعليل، نحو " جئتك لاكرامك "، وقوله: 207 - وإنى لتعرونى لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر
    (2/20)

    وزائدة: قياسا، نحو " لزيد ضربت " ومنه قوله تعالى: (إن كنتم للرؤيا تعبرون) وسماعا، نحو " ضربت لزيد ".
    وأشار بقوله: " والظرفية استبن - إلى آخره " إلى معنى الباء و " في "، فذكر أنهما اشتركا في إفادة الظرفية، والسببية، فمثال الباء للظرفية قوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل) أي: وفي الليل، ومثالها للسببية قوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا)، ومثال " في " للظرفية قولك " زيد في المسجد " وهو الكثير فيها، ومثالها للسببية قوله صلى الله عليه وسلم: " دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الارض " * * *
    (2/21)

    بالبا استعن، وعد، عوض، ألصق * ومثل " مع " و " من " و " عن " ها انطق تقدم أن الباء تكون للظرفية وللسببية، وذكر هنا أنها تكون للاستعانة، نحو " كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين " وللتعدية، نحو " ذهبت بزيد " ومنه قوله تعالى: (ذهب الله بنورهم) وللتعويض، نحو: " اشتريت الفرس بألف درهم " ومنه قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) وللالصاق، نحو " مررت بزيد " وبمعنى " مع " نحو " بعتك الثوب بطرازه " أي: مع طرازه، وبمعنى " من " كقوله: * شر بن بماء البحر * [ 198 ] أي: من ماء البحر، وبمعنى " عن " نحو (سأل سائل بعذاب) أي: عن عذاب، وتكون الباء - أيضا - للمصاحبة، نحو (فسبح بحمد ربك) [ أي: مصاحبا حمد ربك ].
    * * * على للاستعلا، معنى " في " و " عن " * بعن تجاوزا عنى من قد فطن
    (2/22)

    وقد تجى موضع " بعد " و " على " * كما " على " موضع " عن " قد جعلا تستعمل " على " للاستعلاء كثيرا، نحو " زيد على السطح " وبمعنى " في " نحو قوله تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) أي: في حين غفلة، وتستعمل " عن " للمجاوزة كثيرا، نحو: " رميت السهم عن القوس " وبمعنى " بعد " نحو قوله تعالى (لتركبن طبقا عن طبق) أي: بعد طبق، وبمعنى " على " نحو قوله: 208 - لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب * عنى، ولا أنت ديانى فتخزونى
    (2/23)

    أي: لا أفضلت في حسب على، كما استعملت " على " بمعنى " عن " في قوله:
    (2/24)

    209 - إذا رضيت على بنو قشير * لعمر الله أعجبني رضاها أي: إذا رضيت عنى.
    * * * شبه بكاف، وبها التعليل قد * يعنى، وزائدا لتوكيد ورد تأتى الكاف للتشبيه كثيرا، كقولك: " زيد كالاسد "، وقد تأتى
    (2/25)

    للتعليل، كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) أي: لهدايته إياكم، وتأتى زائدة للتوكيد، وجعل منه قوله تعالى: (ليس كمثله شئ) أي ليس مثله شئ، ومما زيدت فيه قول رؤبة: 210 - * لو احق الاقراب فيها كالمقق *
    أي: فيها المقق، أي: الطول، وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب: كيف تصنعون الافط ؟ فقال: كهين، أي: هينا.
    (2/26)

    واستعمل اسما، وكذا " عن " و " على " * من أجل ذا عليهما من دخلا استعمل الكاف اسما قليلا، كقوله: 211 - أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
    (2/27)

    فالكاف: اسم مرفوع على الفاعلية، والعامل فيه " ينهى " والتقدير: ولن ينهى ذوى شطط مثل الطعن، واستعملت " على، وعن " اسمين عند دخول " من " عليهما، وتكون " على " بمعنى " فوق " و " عن " بمعنى " جانب "، ومنه قوله: 212 - غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها * تصل، وعن قيض بزيزاء مجهل
    (2/28)

    أي: غدت من فوقه، وقوله: 213 - ولقد أرانى للرماح ذريئة * من عن يمينى تارة وأمامي أي: من جانب يمينى.
    (2/29)

    و " مذ، ومنذ " اسمان حيث رفعا * أو أوليا الفعل: ك " جئت مذ دعا " وإن يجرا في مضى فكمن * هما، وفي الحضور معنى " في " استبن
    (2/30)

    تستعمل " مذ، منذ " اسمين إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا، أو وقع بعدهما فعل، فمثال الاول " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أو " مذ شهرنا " ف مذ ":
    [ اسم ] مبتدأ خبره ما بعده، وكذلك " منذ "، وجوز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما، ومثال الثاني " جئت مذ دعا " ف " مذ ": اسم منصوب المحل على الظرفية، والعامل فيه " جئت ".
    وإن وقع ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر: بمعنى " من " إن كان المجرور ماضيا، نحو " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أي: من يوم الجمعة، وبمعنى " في " إن كان حاضرا، نحو " ما رأيته مذ يومنا " أي: في يومنا.
    * * * وبعد " من وعن وباء " زيد " ما " * فلم يعق عن عمل قد علما تزاد " ما " بعد " من، وعن " والباء، فلا تكفها عن العمل، كقوله
    (2/31)

    تعالى: (مما خطيئتهم أغرقوا) وقوله تعالى: (عما قليل ليصبحن نادمين) وقوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم).
    * * * وزيد بعد " رب، والكاف " فكف * وقد تليهما وجر لم يكف تزاد " ما " بعد " الكاف، ورب " فتكفهما عن العمل، كقوله: 214 - فإن الحمر من شر المطايا * كما الحبطات شر بنى تميم
    (2/32)

    وقوله: 215 - ربما الجامل المؤبل فيهم * وعنا جيج بينهن المهار
    (2/33)

    وقد تزاد بعدهما ولا تكفهما عن العمل، وهو قليل، كقوله: 216 - ماوى يا ربتما غارة * شعواء، كاللذعة بالميسم
    (2/34)

    وقوله:
    217 - وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم * * * وحذفت " رب " فجرت بعد " بل " والفاء، وبعد الواو شاع ذا العمل
    (2/35)

    لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله، إلا في " رب " بعد الواو، وفيما سنذكره، وقد ورد حذفها بعد الفاء، و " بل " قليلا، فمثاله بعد الواو قوله: * وقاتم الاعماق خاوى المخترقن * ومثاله بعد الفاء قوله: 218 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فألهيتها عن ذى تمائم محول
    (2/36)

    ومثاله بعد " بل " قوله: 219 - بل بلد مل ء الفجاج قتمه * لا يشترى كتانه وجهرمه
    (2/37)

    والشائع من ذلك حذفها بعد الواو، وقد شذ الجر ب " رب " محذوفة من غير أن يتقدمها شئ، كقوله: 220 - رسم دار وقفت في طلله * كدت أقضى الحياة من جلله * * *
    (2/38)

    وقد يجر بسور رب، لدى * حذف، وبعضه يرى مطردا الجر بغير " رب " محذوفا على قسمين: مطرد، وغير مطرد.
    فغير المطرد، كقول رؤبة لمن قال له " كيف أصبحت ؟ ": " خير والحمد لله " التقدير: على خير، وقول الشاعر: 221 - إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ؟ * أشارت كليب بالا كف الاصابع
    (2/39)

    أي: أشارت إلى كليب، وقوله: 222 - وكريمة من آل قيس ألفته * حتى تبذخ فارتقى الاعلام أي: فارتقى إلى الاعلام.
    (2/40)

    والمطرد كقولك: " بكم درهم اشتريت هذا " ؟ فدرهم: مجرور بمن محذوفة عند سيبويه والخليل، وبالاضافة عند الزجاج، فعلى مذهب سيبويه والخليل يكون الجار قد حذف وأبقى عمله، وهذا مطرد عندهما في مميز " كم " الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر.
    * * *
    (2/41)

    الاضافة نونا تلى الاعراب أو تنوينا * مما تضيف احذف كطور سينا والثانى اجرر، وانو " من " أو " في " إذا * لم يصلح الا ذاك، واللام خذا لما سوى ذينك، واخصص أولا * أو أعطه التعريف بالذى تلا
    (2/42)

    إذا أريد إضافة اسم إلى آخر حذف ما في المضاف: من نون تلى الاعراب - وهى نون التثنية، أو نون الجمع، وكذا ما ألحق بهما - أو تنوين، وجر المضاف إليه، فتقول: " هذان غلاما زيد، وهؤلاء بنوه، وهذا صاحبه ".
    واختلف في الجار للمضاف إليه، فقيل: هو مجرور بحرف مقدر - وهو اللام، أو " من "، أو " في " - وقيل: هو مجرور بالمضاف [ وهو الصحيح من هذه الاقوال ].
    ثم الاضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين، وزعم بعضهم أنها
    تكون أيضا بمعنى " من " أو " في "، وهو اختيار المصنف، وإلى هذا أشار بقوله: " وانو من أو في - إلى آخره ".
    وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير " من " أو " في " فالاضافة بمعنى ما تعين تقديره، وإلا فالاضافة بمعنى اللام فيتعين تقدير " من " إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف، نحو " هذا ثوب خز، وخاتم حديد " والتقدير: هذا ثوب من خز، وخاتم من حديد.
    ويتعين تقدير " في " إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف، نحو " أعجبني ضرب اليوم زيدا " أي: ضرب زيد في اليوم، ومنه قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وقوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار).
    (2/43)

    فإن لم يتعين تقدير " من " أو " في " فالاضافة بمعنى اللام، نحو " هذا غلام زيد، وهذه يد عمرو " أي: غلام لزيد، ويد لعمرو.
    وأشار بقوله: " واخصص أولا - إلى آخره " إلى أن الاضافة على قسمين: محضة، وغيره محضة.
    فالمحضة هي: غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله.
    وغير المحضة هي إضافة الوصف المذكور، كما سنذكره بعد، وهذه لا تفيد الاسم [ الاول ] تخصيصا ولا تعريفا، على ما سنبين.
    والمحضة: ليست كذلك، وتفيد الاسم الاول: تخصيصا إن كان المضاف إليه نكرة، نحو " هذا غلام امرأة "، وتعرفا إن كان المضاف إليه معرفة، نحو " هذا غلام زيد ".
    * * * وإن يشابه المضاف " يفعل " * وصفا، فعن تنكيره لا يعذل
    كرب راجينا عظيم الامل * مروع القلب قليل الحيل
    (2/44)

    وذى الاضافة اسمها لفظية * وتلك محضة ومعنوية هذا هو القسم الثاني من قسمي الاضافة، وهو غير المحضة، وضبطها المصنف بما إذا كان المضاف وصفا يشبه " يفعل " (أي: الفعل المضارع - وهو: كل اسم فاعل أو مفعول، بمعنى الحال أو الاستقبال، أو صفة مشبهة [ ولا تكون إلا بمعنى الحال ].
    فمثال اسم الفاعل: " هذا ضارب زيد، الآن أو غدا، وهذا راجينا ".
    ومثال اسم المفعول: " هذا مضروب الاب، وهذا مروع القلب ".
    ومثال الصفة المشبهة: " هذا حسن الوجه، وقليل الحيل، وعظيم الامل ".
    فإن كان المضاف غير وصف، أو وصفا غير عامل، فالاضافة محضة: كالمصدر، نحو " عجبت من ضرب زيد " واسم الفاعل بمعنى الماضي، نحو " هذا ضارب زيد أمس ".
    وأشار بقوله: " فعن تنكيره لا يعذل " إلى أن هذا القسم من الاضافة - أعنى غير المحضة - لا يفيد تخصيصا ولا تعريفا، ولذلك تدخل " رب " عليه، وإن كان مضافا لمعرفة، نحو " [ رب ] راجينا " وتوصف به النكرة،
    (2/45)

    نحو قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) وإنما التخفيف، وفائدته ترجع إلى اللفظ، فلذلك سميت الاضافة فيه لفظية.
    وأما القسم الاول فيفيد تخصيصا أو تعريفا، كما تقدم، فلذلك سميت الاضافة فيه معنوية، وسميت محضة أيضا، لانها خالصة من نية الانفصال، بخلاف غير المحضة، فإنها على تقدير الانفصال، تقول: " هذا ضارب زيد الآن " على
    تقدير " هذا ضارب زيدا " ومعناهما متحد، وإنما أضيف طلبا للخفة.
    * * * ووصل " أل " بذا المضاف مغتفر * إن وصلت بالثان: ك " الجعد الشعر " أو بالذى له أضيف الثاني: ك " زيد الضارب رأس الجاني " لا يجوز دخول الالف واللام على المضاف الذى إضافته محضة، فلا تقول: " هذا الغلام رجل " لان الاضافة منافية للالف واللام، فلا يجمع بينهما.
    (2/46)

    وأما ما كانت [ إضافته ] غير محضة - وهو المراد بقوله " بذا المضاف " - أي بهذا المضاف الذى تقدم الكلام فيه قبل هذا البيت - فكان القياس أيضا يقتضى أن لا تدخل الالف واللام على المضاف، لما تقدم من أنهما متعاقبان، ولكن لما كانت الاضافة فيه على نية الانفصال اغتفر ذلك، بشرط أن تدخل الالف واللام على المضاف إليه، ك " الجعد الشعر، والضارب الرجل "، أو على ما أضيف إليه المضاف إليه، ك " زيد الضارب رأس الجاني ".
    فإن لم تدخل الالف واللام على المضاف إليه، ولا على ما أضيف إليه [ المضاف إليه ]، امتنعت المسألة، فلا تقول: " هذا الضارب رجل " [ ولا " هذا الضارب زيد " ] ولا " هذا الضارب رأس جان ".
    هذا إذا كان المضاف غير مثنى، ولا مجموع جمع سلامة لمذكر، ويدخل في هذا المفرد كما مثل، وجمع التكسير، نحو: " الضوارب - أو الضراب - الرجل، أو غلام الرجل " [ وجمع السلامة لمؤنث، نحو " الضاربات الرجل، أو غلام الرجل " ].
    فإن كان المضاف مثنى أو مجموعا جمع سلامة المذكر كفى وجودها في المضاف، ولم يشترط وجودها في المضاف إليه، وهو المراد بقوله:
    وكونها في الوصف كاف: إن وقع * مثنى، أو جمعا سبيله اتبع
    (2/47)

    أي: وجود الالف واللام في الوصف المضاف إذا كان مثنى، أو جمعا اتبع سبيل المثنى - أي: على حد المثنى، وهو جمع المذكر السالم - يغنى عن وجودها في المضاف إليه، فتقول: " هذان الضاربا زيد، وهؤلاء الضاربو زيد " وتحذف النون للاضافة.
    * * * ولا يضاف اسم لما به اتحد * معنى، وأول موهما إذا ورد
    (2/48)

    المضاف يتخصص بالمضاف إليه، أو يتعرف به، فلابد من كونه غيره، إذ لا يتخصص الشئ أو يتعرف بنفسه، ولا يضاف اسم لما به اتحد في المعنى: كالمترادفين وكالموصوف وصفته، فلا يقال: " قمح بر " ولا " رجل قائم " وما ورد موهما لذلك مؤول، كقولهم " سعيد كرز " فظاهر هذا أنه من إضافة الشئ إلى نفسه، لان المراد بسعيد وكرز [ فيه ] واحد، فيؤول الاول بالمسمى، والثانى بالاسم، فكأنه قال: جاءني مسمى كرز، أي: مسمى هذا الاسم، وعلى ذلك يؤول ما أشبه هذا من إضافة المترادفين، ك " يوم الخميس ".
    وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته، فمؤول على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة، كقولهم: " حبة الحمقاء وصلاة الاولى "، والاصل: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الاولى، فالحمقاء: صفة للبقلة، لا للحبة، والاولى صفة للساعة، لا للصلاة، ثم حذف المضاف إليه - وهو البقلة، والساعة - وأقيمت صفته مقامه، فصار " حبة الحمقاء، وصلاة الاولى " فلم يضف الموصوف إلى صفته، بل إلى صفة غيره.
    وربما أكسب ثان أولا * تأنيثا أن كان لحذف مؤهلا
    قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، بشرط أن يكون المضاف صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويفهم منه ذلك
    (2/49)

    المعنى، نحو " قطعت بعض أصابعه " فصح تأنيث " بعض " لاضافته إلى أصابع وهو مؤنث، لصحة الاستغناء بأصابع عنه، فتقول: " قطعت أصابعه " ومنه قوله: 223 - مشين كما اهتزت رماح تسفهت * أعاليها مر الرياح النواسم فأنث المر لاضافته إلى الرياح، وجاز ذلك الصحة الاستغناء عن المر بالرياح، نحو " تسفهت الرياح ".
    وربما كان المضاف مؤنثا فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه، بالشرط
    (2/50)

    الذى تقدم، كقوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) ف " رحمة ": مؤنث، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى " الله " تعالى.
    فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقول: " خرجت غلام هند " إذلا يقال " خرجت هند " ويفهم منه خروج الغلام.
    * * * وبعض الاسماء يضاف أبدا * وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا من الاسماء ما يلزم الاضافة، وهو قسمان: أحدهما: ما يلزم الاضافة لفظا ومعنى، فلا يستعمل مفردا - أي: بلا إضافة - وهو المراد بشطر البيت، وذلك نحو " عند، ولدى، وسوى، وقصارى الشئ، وحماداه: بمعنى غايته ".
    والثانى: ما يلزم الاضافة معنى دون لفظ، [ نحو " كل، وبعض، وأى ]،
    فيجوز أن يستعمل مفردا - أي: بلا إضافة - وهو المراد بقوله: " وبعض ذا " أي: وبعض ما لزم الاضافة [ معنى ] قد يستعمل مفردا لفظا، وسيأتى كل من القسمين.
    * * *
    (2/51)

    وبعض ما يضاف حتما امتنع * إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع كوحد، لبى، ودوالى، سعدى، * وشذ إيلاء " يدى " للبى من اللازم للاضافة لفظا مالا يضاف إلا إلى المضمر، وهو المراد هنا، نحو " وحدك " أي: منفردا، و " لبيك " أي: إقامة على إجابتك بعد إقامة، و " دواليك " أي: إدالة بعد إدالة، و " سعديك " أي: إسعادا بعد إسعاد، وشذ إضافة " لبى " إلى ضمير الغيبة، ومنه قوله: 224 - إنك لو دعوتني ودوني * زوراء ذات مترع بيون.
    لقلت لبيه لمن يدعوني.
    (2/52)

    وشذ إضافة " لبى " إلى الظاهر، أنشد سيبويه: 225 - دعوت لما نابنى مسورا * فلبى، فلبى يدى مسور
    (2/53)

    كذا ذكر المصنف، ويفهم من كلام سيبويه أن ذلك غير شاذ في " لبى "، و " سعدى ".
    ومذهب سيبويه أن " لبيك " وما ذكر بعده مثنى، وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف، وأن تثنيته المقصود بها التكثير، فهو على هذا ملحق بالمثنى، كقوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين) أي، كرات، ف " كرتين ": ليس المراد به مرتين فقط، لقوله تعالى: (ينقلب إليك
    النبصر خاسئا وهو حسير) أي: مزدجرا وهو كليل، ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط، فتعين أن يكون المراد ب " كرتين " التكثير، لا اثنين فقط، وكذلك " لبيك " معناه إقامة بعد إقامة كما تقدم، فليس المراد الاثنين فقط، وكذا باقى أخواته، على ما تقدم في تفسيرها.
    ومذهب يونس أنه ليس بمثنى، وأن أصله لبى، وأنه مقصور، قلبت ألفه ياء مع المضمر، كما قلبت ألف " لدى "، وعلى " مع الضمير، في " لديه "، و " عليه ".
    ورد عليه سيبويه بأنه لو كان الامر كما ذكر لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء،
    (2/54)

    كمالا تنقلب ألف " لدى " و " على "، فكما تقول: " على زيد " و " لدى زيد " كذلك كان ينبغى أن يقال: " لبى زيد " لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الالف ياء، فقالوا: * فلبى يدى مسور * [ 225 ] فدل.
    ذلك على أنه مثنى، وليس بمقصور كما زعم يونس.
    * * * وألزموا إضافة إلى الجمل * " حيث " و " إذ " وإن ينون يحتمل إفراد إذ، وما كإذ معنى كإذ * أضف جوازا نحو " حين جانبذ " من اللازم للاضافة: ما لا يضاف إلا إلى الجملة، وهو: " حيث، وإذ، وإذا ".
    فأما " حيث " فتضاف إلى الجملة الاسمية، نحو " اجلس حيث زيد جالس "
    (2/55)

    وإلى الجملة الفعلية، نحو " اجلس حيث جلس زيد " أو " حيث يجلس زيد " وشذ إضافتها إلى مفرد كقوله: 226 - أما ترى حيث سهيل طالعا * [ نجما يضئ كالشهاب لا معا ]
    (2/56)

    وأما " إذ " فتضاف أيضا إلى الجملة الاسمية، نحو " جئتك إذ زيد قائم "، وإلى الجملة الالفعلية، نحو: " جئتك إذ قام زيد "، ويجوز حذف الجملة المضاف إليها، ويؤتى بالتنوين عوضا عنها، كقوله تعالى: (وأنتم حينئذ تنظرون) وهذا معنى قوله: " وإن ينون يحتمل إفراد إذ " أي: وإن ينون " إذ " يحتمل إفرادها، أي: عدم إضافتها لفظا: لوقوع التنوين عوضا عن الجملة المضاف إليها.
    وأما " إذا " فلا تضاف إلا إلى جملة فعلية، نحو " آتيك إذا قام زيد "، ولا يجوز إضافتها إلى جملة اسمية، فلا تقول: آتيك إذا زيد قائم " خلافا لقوم، وسيذكرها المصنف.
    وأشار بقوله: " وما كإذ معنى كإذ " إلى أن ما كان مثل " إذ " - في كونه ظرفا ماضيا غير محدود - يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه " إذ " من [ الجملة، وهى ] الجمل الاسمية والفعلية، وذلك نحو " حين، ووقت، وزمان، ويوم "، فتقول: " جئتك حين جاء زيد، ووقت جاء عمرو، وزمان قدم بكر، ويوم خرج خالد " وكذلك تقول: " جئتك حين زيد قائم "، وكذلك الباقي.
    وأنما قال المصنف: " أضف جوازا " ليعلم أن هذا النوع - أي ما كان مثل " إذ " في المعنى - يضاف إلى ما يضاف إليه " إذ " - وهو الجملة - جوازا، لا وجوبا.
    (2/57)

    فإن كان الظرف غير ماض، أو محدودا، لم يجر مجرى " إذ " بل يعامل غير الماضي - وهو المستقبل - معاملة " إذا " فلا يضاف إلى الجملة الاسمية،
    بل إلى الفعلية، فتقول: " أجيئك حين يجئ زيد " ولا يضاف المحدود إلى جملة، وذلك نحو " شهر، وحول " بل لا يضاف إلا إلى مفرد، نحو " شهر كذا، وحول كذا ".
    * * * وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا * واختر بنا متلو فعل بنيا وقبل فعل معرب أو مبتدا * أعرب، ومن بنى فلن يفندا
    (2/58)

    تقدم أن الاسماء المضافة إلى الجملة على قسمين: أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما، والثانى: ما يضاف إليها جوازا.
    وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الاعراب والبناء، سواء أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض، أو جملة فعلية صدرت بمضارع، أو جملة اسمية، نحو " هذا يوم جاء زيد، ويوم يقوم عمرو، أو يوم بكر قائم ".
    وهذا مذهب الكوفيين، وتبعهم الفارسى والمصنف، لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض البناء، وقد روى بالبناء والاعراب قوله: 227 - * على حين عاتبت المشيب على الصبا *
    (2/59)

    بفتح نون " حين " على البناء، وكسرها على الاعراب.
    وما وقع قبل فعل معرب، أو قبل مبتدأ، فالمختار فيه الاعراب، ويجوز البناء، وهذا معنى قوله: " ومن بنى فلن يفندا " أي: فلن يغلط، وقد قرئ في السبعة: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) بالرفع على الاعراب، وبالفتح على البناء، هذا ما اختاره المصنف.
    ومذهب البصريين أنه لا يجوز فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بمضارع، أو إلى جملة اسمية، إلا الاعراب، ولا يجوز البناء إلا فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض.
    هذا حكم ما يضاف إلى الجملة جوازا، وأما ما يضاف إليها وجوبا فلازم للبناء، لشبهه بالحرف في الافتقار إلى الجملة، كحيث، وإذ، وإذا.
    * * * وألزموا " إذا " إضافة إلى * جمل الافعال، ك " هن إذا اعتلى "
    (2/60)

    أشار في هذا البيت إلى ما تقدم ذكره، من أن " إذا " تلزم الاضافة إلى الجملة الفعلية، ولا تضاف إلى الجملة الاسمية، خلافا للاخفش والكوفيين، فلا تقول: " أجيئك إذا زيد قائم " وأما " أجيئك إذا زيد قام " ف " زيد " مرفوع بفعل محذوف، وليس مرفوعا على الابتداء، هذا مذهب سيبويه.
    وخالفه الاخفش، فجوز كونه مبتدأ خبره الفعل الذى بعده.
    وزعم السيرا في أنه لا خلاف بين سيبويه والاخفش في جواز وقوع المبتدأ بعد إذا، وإنما الخلاف بينهما في خبره، فسيبويه يوجب أن يكون فعلا، والاخفش يجوز أن يكون اسما، فيجوز في " أجيئك إذا زيد قام " جعل " زيد " مبتدأ عند سيبويه والاخفش، ويجوز " أجيئك إذا زيد قائم " عند الاخفش فقط.
    * * * لمفهم اثنين معرف - بلا * تفرق - أضيف " كلتا "، و " كلا "
    (2/61)

    من الاسماء الملازمة للاضافة لفظا ومعنى: " كلتا " و " كلا "، ولا يضافان إلا إلى معرفة، مثنى لفظا [ معنى ]، نحو: " جاءني كلا الرجلين، وكلتا المرأتين " أو معنى دون لفظ، نحو " جاءني كلاهما، وكلتاهما " ومنه قوله:
    228 - إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل وهذا هو المراد بقوله: " لمفهم اثنين معرف "، واحترز بقوله " بلا تفرق " من معرف أفهم الاثنين بتفرق، فإنه لا يضاف إليه " كلا وكلتا " فلا تقول " كلا زيد وعمرو جاء "، وقد جاء شاذا، كقوله:
    (2/62)

    229 - كلا أخى وخليلي واجدى عضدا * في النائبات وإلمام الملمات * * * ولا تضف لمفرد معرف * " أيا "، وإن كررتها فأضف أو تنو الا جزا، واخصص بالمعرفة * موصولة أيا، وبالعكس الصفه
    (2/63)

    وإن تكن شرطا أو استفهاما * فمطلقا كمل بها الكلاما من الاسماء الملازمة للاضافة معنى " أي " ولا تضاف إلى مفرد معرفة، إلا إذا تكررت، ومنه قوله: 230 - ألا تسألون الناس أيى وأيكم * غداة التقينا كان خيرا وأ كرما
    (2/64)

    أو قصدت الاجزاء، كقولك: " أي زيد أحسن " ؟ أي: أي أجزاء زيد أحسن، ولذلك يجاب بالاجزاء، فيقال: عينه، أو أنفه، وهذا إنما يكون فيها إذا قصد بها الاستفهام وأى تكون: استفهامية، وشرطية، وصفة، وموصولة.
    فأما الموصولة فذكر المصنف أنها لا تضاف إلا إلى معرفة، فتقول: " يعجبنى أيهم قائم "، وذكر غيره أنها تضاف - أيضا - إلى نكرة، ولكنه قليل، نجو " يعجبنى أي رجلين قاما ".
    وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة، أو حالا من معرفة، ولا تضاف
    إلا إلى نكرة، نحو " مررت برجل أي رجل، ومررت بزيد أي فتى " ومنه قوله: 231 - فأومأت إيماء خفيا لحبتر * فلله عينا حبتر أيما فتى
    (2/65)

    وأما الشرطية والاستفهامية: فيضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مطلقا، أي سواء كانا مثنيين، أو مجموعين، أو مفردين - إلا المفرد المعرفة، فإنهما لا يضافان إليه، إلا الاستفهامية، فإنها تضاف إليه كما تقدم ذكره.
    واعلم أن " أيا " إن كانت صفة أو حالا، فهى ملازمة للاضافة لفظا ومعنى، نحو " مررت برجل أي رجل، وبزيد أي فتى "، وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة، فهى ملازمة للاضافة معنى لا لفظا، نحو: " أي رجل عندك ؟ وأى عندك ؟ وأى رجل تضرب أضرب، وأيا تضرب أضرب، ويعجبنى أيهم عندك، وأى عندك " ونحو " أي الرجلين تضرب أضرب، وأى رجلين تضرب أضرب، وأى الرجال تضرب أضرب، وأى رجال تضرب أضرب، وأى الرجلين عندك ؟ وأى للرجال عندك ؟ وأى رجل، وأى رجلين، وأى رجال ؟ ".
    * * * وألزموا إضافة " لدن " فجر * ونصب " غدوة " بها عنهم ندر
    (2/66)

    ومع مع فيها قليل، ونقل * فتح وكسر لسكون يتصل من الاسماء الملازمة للاضافة " لدن، ومع ".
    فأما " لدن " فلابتداء غاية زمان أو مكان، وهى مبنية عند أكثر العرب، لشبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد - وهو الظرفية، وابتداء الغاية - وعدم جواز الاخبار بها، ولا تخرج عن الظرفية إلا بجرها بمن، وهو الكثير
    فيها، ولذلك لم ترد في القرآن إلا بمن، كقوله تعالى: (وعلمناه من لدنا علما)، وقوله تعالى: (لينذر بأسا شديدا من لدنه)، وقيس تعربها، ومنه قراءة أبى بكر عن عاصم: (لينذر بأسا شديدا من لدنه) لكنه أسكن الدال، وأشمها الضم.
    (2/67)

    قال المصنف: ويحتمل أن يكون منه قوله: 232 - تنتهض الرعدة في ظهيري * من لدن الظهر إلى العصير ويجر ماولى " لدن " بالاضافة، إلا " غدوة " فإنهم نصبوها بعد " لدن " كقوله: 233 - وما زال مهرى مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب
    (2/68)

    وهى منصوبة على التمييز، وهو اختيار المصنف، ولهذا قال: " ونصب غدوة بها عنهم ندر " وقيل: هي خبر لكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت الساعة غدوة.
    ويجوز في " غدوة " الجر، وهو القياس، ونصبها نادر في القياس، فلو عطفت على " غدوة " المنصوبة بعد " لدن " جاز النصب عطفا على اللفظ، والجر مراعاة للاصل، فتقول " لدن غدوة وعشية، وعشية " ذكر ذلك الاخفش.
    وحكى الكوفيون الرفع في " غدوة " بعد " لدن " وهو مرفوع بكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة [ و " كان " تامة ].
    (2/69)

    وأما " مع " فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، نحو " جلس زيد مع
    عمرو، وجاء زيد مع بكر " والمشهور فيها فتح العين، وهى معربة، وفتحتها فتحة إعراب، ومن العرب من يسكنها، ومنه قوله: 234 - فريشى منكم وهواى معكم * وإن كانت زيارتكم لماما وزعم سيبويه أن تسكينها ضرورة، وليس كذلك، بل هو لغة ربيعة، وهى عندهم مبنية على السكون، وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف، وادعى النحاس الاجماع على ذلك، وهو فاسد، فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم.
    (2/70)

    هذا حكمها إن وليها متحرك - أعنى أنها تفتح، وهو المشهور، وتسكن، وهى لغة ربيعة - فإن وليها ساكن، فالذي ينصبها على الظرفية يبقى فتحها فيقول " مع ابنك " والذى يبنيها على السكون يكسر لالتقاء الساكنين فيقول " مع ابنك ".
    * * * واضمم - بناء - " غيرا " ان عدمت ما * له أضيف، وناويا ما عدما قبل كغير، بعد، حسب، أول * ودون، والجهات أيضا، وعل وأعربوا نصبا إذا ما نكرا * " قبلا " وما من بعده قد ذكرا
    (2/71)

    هذه الاسماء المذكورة - وهى: غير، وقبل، وبعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات الست - وهى: أمامك، وخلفك، وفوقك، وتحتك، ويمينك، وشمالك - وعل، لها أربعة أحوال: تبنى في حالة منها، وتعرب في بقيتها.
    فتعرب إذا أضيفت لفظا، نحو " أصبت درهما لا غيره، وجئت من قبل زيد " أو حذف المضاف إليه ونوى اللفظ، كقوله: 235 - ومن قبل نادى كل مولى قرابة * فما عطفت مولى عليه العواطف
    وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظا، فلا تنون إلا إذا حذف ما تضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فتكون [ حينئذ ] نكرة، ومنه قراءة من قرأ: (لله الامر من قبل ومن بعد) بجر " قبل، وبعد " وتنوينهما، وكقوله:
    (2/72)

    236 - فساغ لى الشراب وكنت قبلا * أكاد أغص بالماء الحميم هذه هي الاحوال الثلاثة التى تعرب فيها.
    (2/73)

    أما الحالة [ الرابعة ] التى تبنى فيها فهى إذا حذف ما تضاف إليه ونوى معناه دون لفظه، فإنها تبنى حينئذ على الضم، نحو (لله الامر من قبل ومن بعد) وقوله: 237 - * أقب من تحت عريض من عل * وحكى أبو على الفارسى " ابدأ بذا من أول " بضم اللام وفتحها وكسرها - فالضم على البناء لنية المضاف إليه معنى، والفتح على الاعراب لعدم نية المضاف
    (2/74)

    إليه، لفظا ومعنى، وإعرابها إعراب مالا ينصرف للصفة ووزن الفعل، والكسر على نية المضاف إليه لفظا.
    فقول المصنف " واضمم بناء - البيت " إشارة إلى الحالة الرابعة.
    وقوله: " ناويا ما عدما " مراده أنك تبنيها على الضم إذا حذفت ما تضاف إليه ونويته معنى لا لفظا.
    وأشار بقوله: " وأعربوا نصبا " إلى الحالة الثالثة، وهى ما إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فإنها تكون حينئذ نكرة معربة.
    وقوله: " نصبا " معناه أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جار، فإن دخل
    [ عليها ] جرت، نحو " من قبل ومن بعد ".
    ولم يتعرض المصنف للحالتين الباقيتين - أعنى الاولى، والثانية - لان حكمهما ظاهر معلوم من أول الباب - وهو: الاعراب، وسقوط التنوين - كما تقدم [ في كل ما يفعل بكل مضاف مثلها ].
    * * * وما يلى المضاف يأتي خلفا * عنه في الاعراب إذا ما حذفا
    (2/75)

    يحذف المضاف القيام قرينة تدل عليه، ويقام المضاف إليه مقامه، فيعرب بإعرابه، كقوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) أي: حب العجل، وكقوله تعالى: (وجاء ربك) أي: أمر ربك، فحذف المضاف - وهو " حب، وأمر " - وأعرب المضاف إليه - وهو " العجل، وربك " - بإعرابه.
    * * * وربما جروا الذى أبقوا كما * قد كان قبل حذف ما تقدما لكن بشرط أن يكون ما حذف * مماثلا لما عليه قد عطف
    (2/76)

    قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا، كما كان عند ذكر المضاف، لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف، كقول الشاعر: 238 - أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا [ و ] التقدير " وكل نار " فحذف " كل " وبقى المضاف إليه مجرورا
    (2/77)

    كما كان عند ذكرها، والشرط موجود، وهو: العطف على مماثل المحذوف وهو " كل " في قوله " أكل امرئ ".
    وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره، والمحذوف ليس مماثلا
    للملفوظ، بل مقابل له، كقوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة) في قراءة من جر " الآخرة " والتقدير " والله يريد باقى الآخرة " ومنهم من يقدره " والله يريد عرض الآخرة " فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ [ به ]، والاول أولى، وكذا قدره ابن أبى الربيع في شرحه للايضاح.
    * * * ويحذف الثاني فيبقى الاول * كحاله، إذا به يتصل بشرط عطف وإضافة إلى * مثل الذى له أضفت الاولا يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا، فيحذف تنوينه
    (2/78)

    وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الاول، كقولهم: " قطع الله يدور جل من قالها " التقدير: " قطع الله يد من قالها، ورجل من قالها " فحذف ما أضيف إليه " يد " وهو " من قالها " لدلالة ما أضيف إليه " رجل " عليه، ومثله قوله: 239 - * سقى الارضين الغيث سهل وحزنها *
    (2/79)

    [ التقدير " سهلها وحزنها " ] فحذف ما أضيف إليه " سهل "، لدلالة ما أضيف إليه " حزن " عليه.
    هذا تقرير كلام المصنف، وقد يفعل ذلك وإن لم يعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الاول، كقوله: ومن قبل نادى كل مولى قرابة * فما عطفت مولى عليه العواطف [ 235 ] فحذف ما أضيف إليه " قبل " وأبقاه على حاله لو كان مضافا، ولم يعطف عليه مضاف ألى مثل المحذوف، والتقدير: " ومن قبل ذلك " ومثله قراءة
    من قرأ شذوذا: (فلا خوف عليهم) أي: فلا خوف شئ عليهم.
    وهذا الذى ذكره المصنف - من أن الحذف من الاول، وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور - هو مذهب المبرد.
    (2/80)

    ومذهب سيبويه أن الاصل " قطع الله يد من قالها ورجل من قالها " فحذف ما أضيف إليه " رجل " فصار " قطع الله يد من قالها ورجل " ثم أقحم قوله " ورجل " بين المضاف - وهو " يد " - والمضاف إليه - الذى هو " من قالها " - فصار " قطع الله يد ورجل من قالها ".
    فعلى هذا يكون الحذف من الثاني، لا من الاول، على مذهب المبرد بالعكس.
    قال بعض شراح الكتاب: وعند الفراء يكون الاسمان مضافين إلى " من قالها " ولا حذف في الكلام: لا من الاول، ولا من الثاني.
    * * *
    (2/81)

    فصل مضاف شبه فعل ما نصب * مفعولا أو ظرفا أجز، ولم يعب فصل يمين، واضطرارا وجدا * بأجنبى، أو بنعت، أو ندا اجار المصنف أن يفصل - في الاختيار - بين المضاف الذى هو شبه الفعل - والمراد به المصدر، اسم الفاعل - والمضاف إليه، بما نصبه المضاف: من مفعول به: أو ظرف، أو شبهه فمثال ما فصل فيه بينهما بمفعول المضاف قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) في قراءة ابن عامر، بنصب " أولاد " وجر الشركاء.
    ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف نصبه المضاف الذى
    هو مصدر ما حكى عن بعض من يوثق بعربيته: " ترك يوما نفسك وهواها، سعى لها في رداها "
    (2/82)

    ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذى هو اسم فاعل قراءة بعض السلف (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) بنصب " وعد " وجر " رسل ".
    ومثال الفصل بشبه الظرف قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبى الدرداء: " هل أنتم تاركولى صاحبي " وهذا معنى قوله " فصل مضاف - إلى آخره ".
    وجاء الفصل أيضا في الاختيار بالقسم، حكى السكائى: " هذا غلام والله زيد " ولهذا قال المصنف: " ولم يعب فصل يمين ".
    وأشار بقوله: " واضطرارا وجدا " إلى أنه قد جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة: بأجنبى من المضاف، وبنعت المضاف، وبالنداء.
    فمثال الأجنبي قوله: 240 - كما خط الكتاب بكف يوما * يهودى يقارب أو يزيل ففصل ب " يوما " بين " كف " و " يهودى " وهو أجنبي من " كف، لانه معمول ل " خط ".
    (2/83)

    ومثال النعت قوله: 241 - نجوت وقد بل المرادى سيفه * من ابن أبى شيخ الاباطح طالب
    (2/84)

    الاصل " من ابن أبى طالب شيخ الاباطح " وقوله: 242 - ولئن حلفت على يديك لاحلفن * بيمين أصدق من يمينك مقسم
    الاصل " بيمين مقسم أصدق من يمينك ".
    ومثال النداء قوله:
    (2/85)

    243 - وفاق كعب بجير منقذ لك من * تعجيل تهلكة والخلد في سقر وقوله: 244 - كأن بر ذون أبا عصام * زيد حمار دق باللجام الاصل " وفاق بجير يا كعب " و " كأن برذون زيد يا أبا عصام ".
    * * *
    (2/86)

    المضاف إلى ياء المتكلم آخر ما أضيف لليا اكسر، إذا * لم يك معتلا: كرام، وقذى أويك كابنين وزيدين، فذى * جميعها اليا بعد فتحها احتذى وتدغم اليا فيه والواو، وإن * ما قبل واو ضم فاكسره يهن
    (2/88)

    وألفا سلم، وفي المقصور - عن * هذيل - انقلابها ياء حسن يكسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم، إن لم يكن مقصورا، ولا منقوصا، ولا مثنى، ولا مجموعا جمع سلامة المذكر، كالمفرد وجمعى التكسير الصحيحين، وجمع السلامة للمؤنث، والمعتل الجارى مجرى الصحيح، نحو " غلامي، وغلماني، وفتيأتى، ودلوى، وظبيى ".
    وإن كان معتلا، فإما أن يكون مقصورا أو منقوصا، فإن كان منقوصا
    (2/89)

    أدغمت ياؤه في ياء المتكلم، وفتحت ياء المتكلم، فتقول: " قاضى " رفعا ونصبا وجرا، وكذلك تفعل بالمثنى وجمع المذكر السالم في حالة الجر والنصب،
    فتقول: " رأيت غلامي وزيدي " و " مررت بغلامي وزيدي " والاصل: بغلامين لى وزيدين لى، فحذفت النون واللام للاضافة، ثم أدغمت الياء في الياء، وفتحت ياء المتكلم.
    وأما جمع المذكر السالم - في حالة الرفع - فتقول فيه أيضا: " جاء زيدي "، كما تقول في حالة النصب والجر، والاصل: زيدوى، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، ثم قلبت الضمة كسرة التصح الياء، فصار اللفظ: زيدي.
    وأما المثنى - في حالة الرفع - فتسلم ألفه وتفتح ياء المتكلم بعده، فتقول: زيداى، وغلاماى " عند جميع العرب.
    وأما المقصور فالمشهور في لغة العرب جعله المثنى المرفوع، فتقول " عصاي، وفتاى ".
    وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم، فتقول " عصى " ومنه قوله: 245 - سبقوا هوى، وأعنقوا لهواهم * فتخرموا، ولكل جنب مصرع ؟
    (2/90)

    فالحاصل: أن يا المتكلم تفتح مع المنقوص: ك " رامى "، والمقصور: ك " عصاي " والمثنى: ك " غلاماى " رفعا، و " غلامي " نصبا وجرا، وجمع المذكر السالم: ك " زيدي " رفعا ونصبا وجرا.
    وهذا معنى قوله: " فذى جميعها اليا بعد فتحها احتذى ".
    وأشار بقوله: " وتدغم " إلى أن الواو في جمع المذكر السالم والياء في المنقوص وجمع المذكر السالم والمثنى، تدغم في ياء المتكلم.
    وأشار بقوله: " وإن ما قبل واو ضم " إلى أن ما قبل واو الجمع: إن انضم
    عند وجود الواو يجب كسره عند قلبها ياء لتسلم الياء، فإن لم ينضم - بل انفتح - بقى على فتحه، نحو " مصطفون "، فتقول: " مصطفى ".
    (2/91)

    وأشار بقوله: " وألفا سلم " إلى أن ما كان آخره ألفا كالمثنى والمقصور، لا تقلب ألفه ياء، بل تسلم، نحو " غلاماى " و " عصاي ".
    واشار بقوله: " وفي المقصور " إلى أن هذيلا تقلب ألف المقصور خاصة: فتقول: " عصى ".
    وأما ما عدا هذه الاربعة فيجوز في الياء معه: الفتح، والتسكين، فتقول: " غلامي، وغلامي ".
    * * *
    (2/92)

    إعمال المصدر بفمله المصدر ألحق في العمل *: مضافا، أو مجردا، أو مع أل إن كان فعل مع " أن " أو " ما " يحل * محله، ولاسم مصدر عمل يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين: أحدهما: أن يكون نائبا مناب الفعل، نحو: " ضربا زيدا " ف " زيدا " منصوب ب " ضربا " لنيابته مناب " اضرب " وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في " اضرب " وقد تقدم ذلك في باب المصدر.
    والموضع الثاني: أن يكون المصدر مقدرا ب " أن " والفعل، أو ب " ما " والفعل، وهو المراد بهذا الفصل، فيقدر ب " أن " إذا أريد المضى أو
    (2/93)

    الاستقبال، نحو " عجبت من ضربك زيدا - أمس، أو غدا " والتقدير: من أن ضربت زيدا أمس، أو من أن تضرب زيدا غدا، ويقدر ب " ما " إذا أريد به
    الحال، نحو: " عجبت من ضربك زيدا الآن " التقدير: مما تضرب زيدا الآن.
    وهذا المصدر المقدر يعمل في ثلاثة أحوال: مضافا، نحو " عجبت من ضربك زيدا " ومجردا عن الاضافة وأل - وهو المنون - نحو: " عجبت من ضرب زيدا " ومحلى بالالف واللام، نحو " عجبت من الضرب زيدا ".
    وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنون، وإعمال المنون أكثر من إعمال المحلى ب " أل "، ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف، ثم المجرد، ثم المحلى.
    ومن إعمال المنون قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذى مسغبة يتيما " ف " يتيما " منصوب ب " إطعام "، وقول الشاعر: 246 - بضرب بالسيوف رؤوس قوم * أزلنا هامهن عن المقيل
    (2/94)

مجوز های ارسال و ویرایش

  • شما نمیتوانید موضوع جدیدی ارسال کنید
  • شما امکان ارسال پاسخ را ندارید
  • شما نمیتوانید فایل پیوست در پست خود ضمیمه کنید
  • شما نمیتوانید پست های خود را ویرایش کنید
  •