الكتاب : شرح ابن عقيل
مصدر الكتاب : الإنترنت
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

أو " ليت هنا غير البذي " أي الوقح، فيجوز تقديم " فيها، وهنا " على " غير " وتأخيرهما عنها.
والثاني: أنه يجب تقديمه، نحو: " ليت في الدار صاحبها " فلا يجوز تأخير " في الدار " لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور، نحو: " إن زيدا آكل طعامك " فلا يجوز " إن طعامك زيدا آكل " وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا، نحو: " إن زيدا واثق بك " أو " جالس عندك " فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم، فلا تقول: " إن بك زيدا واثق " أو " إن عندك زيدا جالس " وأجازه بعضهم، وجعل منه قوله: 95 - فلا تلحني فيها، فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلابله * * *
.
__________
95 - هذا البيت من شواهد سيبويه الخمسين التي لم ينسبوها إلى قائل معين (انظر كتاب سيبويه 1 / 280).
اللغة: " لا تلحني " - من باب فتح - أي: لا تلمني ولا تعذلني " جم " كثير، عظيم " بلابله " أي وساوسه، وهو جمع بلبال، وهو الحزن واشتغال البال.
المعنى: قال الاعلم في شرح شواهد سيبويه " يقول لا تلمني في حب هذه المرأة فقد أصيب قلبي بها، واستولى عليه حبها، فالعذل لا يصرفني عنها " اه.
الاعراب: " فلا " ناهية " تلحني " تلح: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والنون للوقاية، والياء مفعول به " فيها " جار ومجرور متعلق بتلحني " فإن " الفاء تعليلية، إن: حرف توكيد ونصب " بحبها " الجار والمجرور متعلق بقوله " مصاب " الآتي، وحب مضاف، وها: ضمير الغائبة مضاف إليه " أخاك " أخا: اسم إن، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه " مصاب " خبر إن، ومصاب مضاف و " القلب " مضاف إليه " جم " خبر ثان لان " بلابله " بلابل: فاعل لجم، مرفوع بالضمة الظاهرة، وبلابل مضاف وضمير الغائب العائد إلى " أخاك " مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر.
= (*)
(1/349)

وهمز إن افتح لسد مصدر مسدها، وفي سوى ذاك اكسر (1) " إن " لها ثلاثة أحوال: وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الامرين: فيجب فتحها إذا قدرت بمصدر، كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل (2)،.
__________
= الشاهد فيه: تقديم معمول خبر " إن " وهو قوله " بحبها " على اسمها وهو قوله " أخاك " وخبرها وهو قوله " مصاب القلب " وأصل الكلام " إن أخاك مصاب القلب بحبها " فقدم الجار والمجرور على الاسم، وفصل به بين إن واسمها، مع بقاء
الاسم مقدما على الخبر، وإجازة هذا هو ما رآه سيبويه شيخ النحاة (انظر الكتاب 1 / 280).
(1) " وهمز " مفعول مقدم على عامله، وهو قوله " افتح " الآتي، وهمز مضاف و " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " افتح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لسد " جار ومجرور متعلق بافتح، وسد مضاف و " مصدر " مضاف إليه " مسدها " مسد: مفعول مطلق، ومسد مضاف والضمير مضاف إليه " وفي سوى " جار ومجرور متعلق بقوله " اكسر " الآتي، وسوى مضاف واسم الاشارة من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " اكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
(2) شمل قول الشارح " مرفوع فعل " ما إذا وقعت أن في موضع الفاعل كالمثال الذي ذكره، ومنه قوله تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا) أي: أو لم يكفهم إنزالنا، وما إذا وقعت في موضع النائب عن الفاعل، نحو قوله تعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) أي: قل أوحي إلي استماع نفر من الجن، ولا فرق بين أن يكون الفعل ظاهرا كما في هذه الامثلة، وبين أن يكون الفعل مقدرا، وذلك بعد " ما " المصدرية نحو قولهم: " لا أكلمه ما أن في السماء نجما " وقولهم: " لا أفعل هذا ما أن حراء مكانه " التقدير: لا أكلمه ما ثبت كون نجم في السماء، ولا أفعله ما ثبت كون حراء في مكانه، وبعد " لو " الشرطية في مذهب الكوفيين، وذلك كما في نحو قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم) أي لو ثبت صبرهم.
(*)
(1/350)

نحو: " يعجبني أنك قائم " أي: قيامك، أو منصوبه، نحو: " عرفت أنك قائم " أي: قيامك، أو في موضع مجرور حرف، نحو: " عجبت من أنك قائم " أي: من قيامك (1)، وإنما قال: " لسد مصدر مسدها " ولم يقل: " لسد مفرد مسدها " لانه قد يسد المفرد مسدها ويجب كسرها، نحو: " ظننت
زيدا إنه قائم "، فهذه يجب كسرها وإن سد مسدها مفرد، لانها في موضع المفعول الثاني، ولكن لا تقدر بالمصدر، إذ لا يصح " ظننت زيدا قيامه ".
فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها، بل تكسر: وجوبا، أو جوازا، على ما سنبين، وتحت هذا قسمان، أحدهما: وجوب الكسر، والثاني: جواز الفتح والكسر، فأشار إلى وجوب الكسر بقوله:.
__________
(1) ذكر المؤلف ضابطا عاما للمواضع التي يجب فيها فتح همزة " إن " وهو أن يسد المصدر مسدها - وقد ذكر الشارح ثلاثة منها، وبقيت عليه خمسة مواضع أخرى: الاول: أن تقع في موضع مبتدأ مؤخر، نحو قوله تعالى: (ومن آياته أنك ترى الارض) أي ومن آياته رؤيتك الارض.
الثاني: أن تقع في موضع خبر مبتدأ، بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قوله، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقا على ذلك المبتدأ، نحو قولك: ظني أنك مقيم معنا اليوم، أي ظني إقامتك معنا اليوم.
الثالث: أن تقع في موضع المضاف إليه نحو قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) أي مثل نطقكم، فما: صلة، ومثل مضاف وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالاضافة.
الرابع: أن تقع في موضع المعطوف على شئ مما ذكرناه، نحو قوله تعالى: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، وأني فضلتكم على العالمين) أي: اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم.
الخامس: أن تقع في موضع البدل من شئ مما ذكرناه، نحو قوله تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) أي: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم، فهو بدل اشتمال من المفعول به.
(*)
(1/351)

فاكسر في الابتدا، وفي بدء صله وحيث " إن " ليمين مكمله (1) أو حكيت بالقول، أو حلت محل حال، كزرته وإني ذو أمل (2) وكسروا من بعد فعل علقا باللام، كاعلم إنه لذو تقى (3).
__________
(1) " فاكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في الابتدا " جار ومجرور متعلق باكسر " وفي بدء " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق، وبدء مضاف و " صله " مضاف إليه " وحيث " الواو عاطفة، حيث: ظرف معطوف على الجار والمجرور " إن " قصد لفظه: مبتدأ " ليمين " جار ومجرور متعلق بقوله " مكمله " الآتي " مكمله " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة " حيث " إليها.
(2) " أو " حرف عطف " حكيت " حكى: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن، والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة " بالقول " جار ومجرور متعلق بحكيت " أو " حرف عطف " حلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن " محل " مفعول فيه، ومحل مضاف، و " حال " مضاف إليه " كزرته " الكاف جارة لقول محذوف، كما سلف مرارا، زرته: فعل وفاعل ومفعول " وإني " الواو واو الحال، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " ذو " خبرها، وذو مضاف، و " أمل " مضاف إليه، والجملة من إن واسمها وخبرها في محل نصب حال صاحبه ناء المتكلم في " زرته ".
(3) " وكسروا " الواو عاطفة، وكسروا: فعل وفاعل " من بعد " جار ومجرور متعلق بكسروا، وبعد مضاف، و " فعل " مضاف إليه " علقا " علق: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل والجملة في محل جر نعت لفعل " باللام " جار ومجرور متعلق بعلق " كاعلم " الكاف جارة
لقول محذوف، اعلم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إنه " إن حرف توكيد ونصب، والهاء اسمها " لذو " اللام هي لام الابتداء، وهي المعلقة، ذو: خبر إن مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لانه من الاسماء الستة، وذو مضاف، و " تقى " مضاف إليه.
(*)
(1/352)

[ فذكر أنه ] يجب الكسر في ستة مواضع: الاول: إذا وقعت " إن " ابتداء، أي: في أول الكلام، نحو: " إن زيدا قائم " ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء، فلا تقول: " أنك فاضل عندي " بل يجب التأخير، فتقول: " عندي أنك فاضل " وأجاز بعضهم الابتداء بها.
الثاني: أن تقع " إن " صدر صلة، نحو: " جاء الذي إنه قائم "، ومنه قوله تعالى: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء).
الثالث: أن تقع جوابا للقسم وفي خبرها اللام، نحو: " والله إن زيدا لقائم " وسيأتي الكلام على ذلك.
الرابع: أن تقع في جملة محكية بالقول، نحو: " قلت إن زيدا قائم " [ قال تعالى: (قال إني عبد الله) ]، فإن لم تحك - به بل أجرى القول مجرى الظن - فتحت، نحو: " أتقول أن زيدا قائم " أي: أتظن.
الخامس: أن تقع في جملة في موضع الحال، كقوله: " زرته وإني ذو أمل " ومنه قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) وقول الشاعر: 96 - ما أعطياني ولا سألتهما إلا وإني لحاجزي كرمي.
__________
96 - البيت لكثير عزة، وهو كثير بن عبد الرحمن، من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان بن الحكم وأخاه عبد العزيز بن مروان، وأول هذه القصيدة قوله:
دع عنك سلمى إذ فات مطلبها واذكر خليليك من بني الحكم اللغة: " مطلبها " يجوز أن يكون ههنا مصدرا ميميا بمعنى الطلب، ويجوز أن يكون اسم زمان بمعنى وقت الطلب، والثاني أقرب " إلا " رواية سيبويه - رحمه الله - على أنها أداة استثناء مكسورة الهمزة مشددة اللام، ورواية أبي العباس المبرد بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أنها أداة استفتاح، ورواية سيبويه أعرف وأشهر وأصلح من جهة = (23 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/353)

السادس: أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام، نحو: " علمت إن زيدا لقائم " وسنبين هذا في باب " ظن " فإن لم في خبرها اللام فتحت، نحو: " علمت أن زيدا قائم ".
هذا ما ذكره المصنف، وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إن " فيها: الاول: إذا وقعت بعد " ألا " الاستفتاحية، نحو: " ألا إن زيدا قائم ".
ومنه قوله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء)..
__________
= المعنى " حاجزي " أي مانعي، وتقول: حجزه يحجزه من باب ضرب - إذا منعه وكفه.
الاعراب: " ما " نافية " أعطياني " أعطي: فعل ماض، وألف الاثنين فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، والتقدير: ما أعطياني شيئا " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " سألتهما " فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، وتقديره كالسابق " إلا " أداة استثناء، والمستثنى منه محذوف، أي: ما أعطياني ولا سألتهما في حالة من الاحوال " وإني " الواو واو الحال، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " لحاجزي " اللام للتأكيد، حاجز: خبر إن، وحاجز مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله " كرمي " كرم:
فاعل بحاجز، وكرم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، وجملة إن واسمها وخبرها في محل نصب حال، وهذه الحال في المعنى مستثناة من عموم الاحوال، وكأنه قال: ما أعطياني ولا سألتهما في حالة إلا هذه.
الشاهد فيه: قوله " إلا وإني - إلخ " حيث جاءت همزة " إن " مكسورة لانها وقعت موقع الحال، وثمت سبب آخر في هذه العبارة يوجب كسر همزة " إن " وهو اقتران خبرها باللام، وقال الاعلم (ج 1 ص 472): الشاهد فيه كسر إن، لدخول اللام في خبرها، ولانها واقعة موقع الجملة النائبة عن الحال، ولو حذف اللام لم تكن إلا مكسورة لذلك " اه.
ومثل هذا البيت قول الله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق) فإن في هذه الآية الكريمة مكسورة الهمزة وجوبا لسببين كل واحد منهما يقتضي ذلك على استقلاله: وقوعها موقع الحال، واقتران خبرها باللام.
(*)
(1/354)

الثاني: إذا وقعت بعد " حيث "، نحو: " اجلس حيث إن زيدا جالس ".
الثالث: إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين، نحو: " زيد إنه قائم ".
ولا يرد عليه شئ من هذه المواضع، لدخولها تحت قوله: " فاكسر في الابتدا " لان هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها.
* * * بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده بوجهين نمي (1) مع تلو فا الجزا، وذا يطرد في نحو " خير القول إني أحمد " (2).
__________
(1) " بعد " ظرف متعلق بقوله " نمي " في آخر البيت، وبعد مضاف، و " إذا " مضاف إليه، وإذا مضاف و " فجاءة " مضاف إليه، وهي من إضافة الدال إلى المدلول " أو " حرف عطف " قسم " معطوف على إذا " لا " نافية للجنس " لام " اسمها
" بعده " بعد: ظرف متعلق بمحذوف خبر لا، وبعد مضاف والهاء مضاف إليه، وجملة لا واسمها وخبرها في محل جر نعت لقسم " بوجهين " جار ومجرور متعلق بقوله " نمي " الآتي " نمي " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى همز إن.
(2) " مع " ظرف معطوف على قوله " بعد " السابق بعاطف مقدر، ومع مضاف و " تلو " مضاف إليه، وتلو مضاف و " فا " قصر للضرورة: مضاف إليه، وفا مضاف و " الجزا " قصر للضرورة أيضا: مضاف إليه " ذا " اسم إشارة مبتدأ " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على اسم الاشارة، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " في نحو " جار ومجرور متعلق بيطرد " خير " مبتدأ، وخير مضاف و " القول " مضاف إليه " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " أحمد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وجملة المضارع وفاعله في محل رفع خبر إن، وجملة إن ومعموليها في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة " نحو " إليه.
(*)
(1/355)

يعني أنه يجوز فتح " إن " وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية، نحو " خرجت فإذا إن زيدا قائم " فمن كسرها جعلها جملة، والتقدير: خرجت فإذا زيد قائم، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا، وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية، والتقدير " فإذا قيام زيد " أي ففي الحضرة قيام زيد، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، والتقدير " خرجت فإذا قيام زيد موجود " (1)، ومما جاء بالوجهين قوله: 97 - وكنت أرى زيدا - كما قيل - سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم.
__________
(1) هذان الوجهان اللذان جوزهما المؤلف على تقدير فتح همز أن بعد إذا الفجائية
مبنيان على الخلاف في إذا الفجائية: أهي حرف أم ظرف ؟ (انظر ص 244 وما بعدها) فمن قال هي ظرف مكاني أو زماني جعلها الخبر، وفتح الهمزة، ومن قال هي حرف أجاز جعل إن واسمها وخبرها جملة أو جعلها في تأويل مفرد، وهذا المفرد إما أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وإما أن يكون مبتدأ والخبر محذوفا، فإن جعلتها جملة كسرت الهمزة، وإن جعلتها مفردا فتحت الهمزة.
والحاصل أن من قال " إذا حرف مفاجأة " وهو ابن مالك - جاز عنده كسر همزة إن بعدها على تقدير أن ما بعدها جملة تامة، وجاز عنده أيضا فتح الهمزة على تقدير أن ما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ خبره محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف، وأما من جعل إذا ظرفا زمانيا أو مكانيا فقد أوجب فتح همزة أن على أنها في تأويل مصدر مبتدأ خبره الظرف قبله.
ومن هنا يتبين لك أن كلام الناظم وجعله " إن " بعد " إذا " ذات وجهين لا يتم إلا على مذهبه أن إذا الفجائية حرف، أو على التلفيق من المذهبين: بأن يكون الفتح على مذهب من قال بظرفيتها والكسر على مذهب من قال بحرفيتها، مع أن من قال بحرفيتها يجوز فيها الفتح أيضا.
97 - هذا البيت من شواهد سيبويه التي لم ينسبوها، وقال سيبويه قبل أن ينشده (472 1): " وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به " اه.
اللغة: " اللهازم " جمع لهزمة - بكسر اللام والزاي - وهي طرف الحلقوم، ويقال: هي عظم ناتئ تحت الاذن، وقوله " عبد القفا واللهازم " كناية عن الخسة والدناءة والذلة، وذلك لان القفا موضع الصفع، واللهزمة موضع اللكز، فأنت إذا = (*)
(1/356)

.
__________
نظرت إلى هذين الموضعين منه اتضح لك أنه يضرب على قفاه ولهزمته، وليس أحد يضرب على قفاه ولهزمته غير العبد، فتعرف من ذلك عبوديته وذلته ودناءته.
المعنى: كنت أظن زيدا سيدا كما قيل لي عنه، فإذا هو ذليل خسيس لا سيادة له ولا شرف.
الاعراب: " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " أرى " بزنة المبني للمجهول ومعناه أظن - فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " زيدا " مفعوله الاول " كما " الكاف جارة، وما: مصدرية " قيل " فعل ماض مبني للمجهول وما المصدرية مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف: أي كقول الناس، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا، والتقدير: ظنا موافقا قول الناس " سيدا " مفعول ثان لارى، والجملة من " أرى " وفاعلها ومفعوليها في محل نصب خبر كان " إذا " فجائية " إنه " إن: حرف توكيد ونصب، والهاء اسمه " عبد " خبر إن، وعبد مضاف و " القفا " مضاف إليه " واللهازم " معطوف على القفا.
الشاهد فيه: قوله " إذا أنه " حيث جاز في همزة " إن " الوجهان، فأما الفتح فعلى أن تقدرها مع معموليها بالمفرد الذي هو مصدر، وإن كان هذا المفرد محتاجا إلى مفرد آخر لتتم بهما جملة، وهذا الوجه يتأتى على الراجح عند الناظم من أن إذا حرف لا ظرف، كما أنه يتأتى على القول بأنها ظرف، وأما الكسر فلتقديرها مع مفعوليها جملة، وهي في ابتدائها، قال سيبويه: " فحال إذا ههنا كحالها إذا قلت: مررت فإذا أنه عبد، تريد مررت به فإذا العبودية واللؤم، كأنك قلت: مررت فإذا أمره العبودية واللؤم، ثم وضعت أن في هذا الموضع جاز " اه، وقال الاعلم: " الشاهد فيه جواز فتح إن وكسرها يعد إذا، فالكسر على نية وقوع المبتدأ، والاخبار عنه بإذا، والتقدير فإذا العبودية، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا على تقدير: فإذا العبودية شأنه " اه.
والمحصل من وجوه الاعراب الجائز في هذا الاسلوب أن نقول لك:
أما من ذهب إلى أن إذا الفجائية ظرف فأوجب فتح همزة إن، وجعل أن وما دخلت = (*)
(1/357)

روى بفتح " أن " وكسرها، فمن كسرها جعلها جملة [ مستأنفة ]، والتقدير " إذا هو عبد القفو اللهازم " ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ، وفي خبره الوجهان السابقان، والتقدير على الاول " فإذا عبوديته " أي: ففي الحضرة عبوديته، وعلى الثاني " فإذا عبوديته موجودة ".
وكذا يجوز فتح " إن " وكسرها إذا وقعت جواب قسم، وليس في خبرها اللام، نحو " حلفت أن زيدا قائم " بالفتح والكسر، وقد روي بالفتح والكسر قوله: 98 - لتقعدن مقعد القصي مني ذي القاذورة المقلي أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبي.
__________
= عليه في تأويل مصدر، ويجوز لك - حينئذ - ثلاثة أوجه من الاعراب: الاول أن يكون المصدر مبتدأ خبره إذا نفسها، والثاني أن يكون المصدر مبتدأ خبره محذوف، أي فإذا العبودية شأنه، أو فإذا العبودية موجودة، وهذا تقدير الشارح كغيره، والثالث أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف، والتقدير فإذا شأنه العبودية، وهذا تقدير سيبويه كما سمعت في عبارته.
وأما من ذهب إلى أن إذا الفجائية حرف فأجاز فتح همزة إن وأجاز كسرها، فإن فتحتها فهي ومدخولها في تأويل مصدر، ولك وجهان من الاعراب، الاول أن تجعل المصدر مبتدأ خبره محذوف، والثاني: أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف، وليس لك على هذا أن تجعل " إذا " نفسها خبر المبتدأ، لان إذا حينئذ حرف وليست ظرفا، وإن كسرتها فليس لك إلا الاعراب الظاهر، إذ ليس في الكلام تقدير، فاحفظ هذا والله تعالى يرشدك.
98 - البيتان ينسبان إلى رؤبة بن العجاج، وقال ابن برى: " هما لاعرابي قدم من سفر فوجد امرأته وضعت ولدا فأنكره ".
اللغة: " القصي " البعيد النائي " ذي القاذورة " المراد به الذي لا يصاحبه الناس لسوء خلقه، ويقال: هذا رجل قاذورة، وهذا رجل ذو قاذورة، إذا كان الناس = (*)
(1/358)

.
__________
يتحامون صحبته لسوء أخلاقه ودنئ طباعه " المقلي " المكروه، اسم مفعول مأخوذ من قولهم: قلاه يقليه، إذا أبغضه واجتواه، ويقال في فعله أيضا: قلاه يقلوه، فهو يائي واوي، إلا أنه ينبغي أن يكون اسم المفعول الذي معنا في هذا الشاهد مأخوذا من اليائي، لانه لو كان من الواوي لقال: مقلو، كما تقول: مدعو ومغزو، من دعا يدعو، وغزا يغزو.
الاعراب: " لتقعدن " اللام واقعة في جواب قسم محذوف، تقعدن: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الامثال، وياء المؤنثة المخاطبة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين فاعل، والنون للتوكيد، وأصله " نقعدينن " فحذفت نون الرفع فرارا من اجتماع ثلاث نونات، فلما حذفت التقى ساكنان، فحذفت ياء المؤنثة المخاطبة للتخلص من التقائهما وهي كالثابتة، لكون حذفها لعلة تصريفية، وللدلالة عليها بكسر ما قبلها " مقعد " مفعول فيه أو مفعول مطلق، ومقعد مضاف و " القصي " مضاف إليه " مني " جار ومجرور متعلق بتقعدن، أو بالقصي، أو بمحذوف حال " ذي " نعت للقصي، وذي مضاف و " القاذورة " مضاف إليه " المقلي " نعت ثان للقصي " أو " حرف عطف بمعنى إلا " تحلفي " فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو، وعلامة نصبه حذف النون، وياء المخاطبة فاعل " بربك " الجار والمجرور متعلق بتحلفي، ورب مضاف والكاف مضاف إليه " العلي " صفة لرب " أني " أن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمه " أبو " خبر أن، وأبو مضاف وذيا من " ذيالك " اسم إشارة مضاف
إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " الصبي " بدل من اسم الاشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له.
الشاهد فيه: قوله " أني " حيث يجوز في همزة " إن " الكسر والفتح، لكونها واقعة بعد فعل قسم لا لام بعده.
أما الفتح فعلى تأويل أن مع اسمها وخبرها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أو تحلفي على كوني أبا لهذا الصبي.
وأما الكسر فعلى اعتبار إن واسمها وخبرها جملة لا محل لها من الاعراب جواب القسم.
ووجه جواز هذين الوجهين في هذا الموضع أن القسم يستدعي جوابا لابد أن = (*)
(1/359)

ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح " إن " وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام، سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية، والفعل فيها ملفوظ به، نحو " حلفت إن زيدا قائم " أو غير ملفوظ به، نحو " والله إن زيدا قائم " أو اسمية، نحو " لعمرك إن زيدا قائم " (1)..
__________
= يكون جملة، ويستدعي محلوفا عليه يكون مفردا ويتعدى له فعل القسم بعلي، فإن قدرت " أن " بمصدر كان هو المحلوف عليه وكان مفردا مجرورا بعلي محذوفة، وإن قدرت أن جملة فهي جواب القسم، فتنبه لهذا الكلام.
(1) اعلم أن ههنا أربع صور: الاولى: أن يذكر فعل القسم، وتقع اللام في خبر إن، نحو قولك: حلفت بالله إنك لصادق، ومنه قوله تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) وقوله جل شأنه: (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم).
والثانية: أن يحذف فعل القسم، وتقع اللام أيضا في خبر إن، نحو قولك: والله
إنك لمؤدب، ومنه قوله تعالى: (والعصر إن الانسان لفي خسر).
ولا خلاف في أنه يتعين كسر همزة إن في هاتين الصورتين، لان اللام لا تدخل إلا على خبر إن المكسورة.
والصورة الثالثة: أن يذكر فعل القسم، ولا تقترن اللام بخبر إن، كما في البيت الشاهد السابق (رقم 98).
ولا خلاف أيضا في أنه يجوز في هذه الصورة وجهان: كسر همزة إن، وفتحها، على التأويلين اللذين ذكرهما الشارح، وذكرناهما في شرح الشاهد السابق.
والصورة الرابعة: أن يحذف فعل القسم، ولا تقترن اللام بخبر إن، نحو قولك، والله إنك عالم، ومنه قوله تعالى: (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه).
وفي هذه الصورة خلاف، والكوفيون يجوزون فيها الوجهين، والبصريون لا يجوزون فتح الهمزة، ويوجبون كسرها، والذي حققه أثبات العلماء أن مذهب الكوفيين في هذا الموضع غير صحيح، فقد نقل ابن هشام إجماع العرب على الكسر، وقال السيوطي في جمع الجوامع: " وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط، لانه لم يسمع " اه.
= (*)
(1/360)

وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " إن " بعد فاء الجزاء، نحو " من يأتني فإنه مكرم " فالكسر على جعل " إن " ومعموليها جملة أجيب بها الشرط، فكأنه قال: من يأتني فهو مكرم، والفتح على جعل " أن " وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير " من يأتني فإكرامه موجود " ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا، والتقدير " فجزاؤه الاكرام ".
ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه
من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) قرئ (فإنه غفور رحيم) بالفتح [ والكسر، فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن، والفتح ] على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف، والتقدير " فالغفران جزاؤه " أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير " فجزاؤه الغفران ".
وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " أن " بعد مبتدأ هو في المعنى قول وخبر " إن " قول، والقائل واحد، نحو " خير القول إني أحمد [ الله ] " فمن فتح جعل " أن " وصلتها مصدرا خبرا عن " خير "، والتقدير " خير القول حمد لله " ف " خير ": مبتدأ، و " حمد الله ": خبره، ومن كسر جعلها جملة خبرا عن " خير " كما تقول " أول قراءتي (سبح اسم ربك الاعلى) " فأول: مبتدأ، و " سبح اسم ربك الاعلى " جملة خبر عن " أول " وكذلك " خير القول " مبتدأ، و " إني أحمد الله " خبره، ولا تحتاج هذه.
__________
= وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام الناظم، فيكون تجويز الوجهين مخصوصا بذكر فعل القسم مع عدم اقتران الخبر باللام، وهي الصورة التي أجمعوا فيها على جواز الوجهين.
(*)
(1/361)

الجملة إلى رابط، لانها نفس المبتدأ في المعنى، فهي مثل " نطقي الله حسبي " ومثل سيبويه هذه المسألة بقوله: " أول ما أقول أني أحمد الله " وخرج الكسر على الوجه الذي تقدم ذكره، وهو أنه من باب الاخبار بالجمل، وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين: كالمبرد، والزجاج، والسيرافي، وأبي بكر بن طاهر، وعليه أكثر النحويين.
* * *
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء، نحو: إني لوزر (1) يجوز دخول لام الابتداء على خبر " إن " المكسورة (2)، نحو " إن زيدا لقائم "..
__________
(1) " بعد " ظرف متعلق بقوله تصحب الآتي، وبعد مضاف، و " ذات " مضاف إليه، وذات مضاف، و " الكسر " مضاف إليه " تصحب " فعل مضارع " الخبر " مفعول به لتصحب مقدم على الفاعل " لام " فاعل مؤخر عن المفعول، ولام مضاف و " ابتداء " مضاف إليه " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء التي هي ضمير المتكلم اسمها " لوزر " اللام لام الابتداء، وهي للتأكيد، وزر: خبر إن، ومعناه الملجأ الذي يستعان به.
(2) يشترط في خبر إن الذي يجوز اقتران اللام به ثلاثة شروط.
ذكر المصنف منها شرطين فيما يأتي: الاول: أن يكون مؤخرا عن الاسم، فإن تقدم على الاسم لم يجز دخول اللام عليه نحو قولك: إن في الدار زيدا، ولافرق في حالة تأخره على الاسم بين أن يتقدم معموله عليه وأن يتأخر عنه، وزعم ابن الناظم أن معمول الخبر لو تقدم عليه امتنع دخول اللام على الخبر، وهو مردود بنحو قوله تعالى: (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) فقد دخلت اللام على الخبر في أفصح الكلام مع تقدم معموليه وهما " بهم " و " يومئذ ".
الثاني: أن يكون الخبر مثبتا غير منفي، فإن كان منفيا امتنع دخول اللام عليه.
الثالث: أن يكون الخبر غير جملة فعلية فعلها ماض متصرف غير مقترن بقد، وذلك = (*)
(1/362)

وهذه اللام حقها أن تدخل على أول الكلام، لان لها صدر الكلام، فحقها أن تدخل على " إن " نحو " لان زيدا قائم " لكن لما كانت اللام
للتأكيد، وإن للتأكيد، كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد، فأخروا اللام إلى الخبر.
ولا تدخل هذه اللام على خبر باقي أخوات " إن "، فلا تقول " لعل زيدا لقائم " وأجاز الكوفيون دخولها في خبر " لكن "، وأنشدوا: 99 - يلومونني في حب ليلى عواذلي ولكنني من حبها لعميد.
__________
= بأن يكون واحدا من خمسة أشياء، أولها: المفرد نحو " إن زيدا لقائم "، وثانيها: الجملة الاسمية نحو " إن أخاك لوجهه حسن "، والثالث: الجملة الفعلية التي فعلها مضارع نحو " إن زيدا ليقوم "، والرابع: الجملة الفعلية التي فعلها ماض جامد نحو " إن زيدا لعسى أن يزورنا "، والخامس: الجملة الفعلية التي فعلها ماض متصرف مقترن بقد، نحو " إن زيدا لقد قام ".
ثم إذا كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على أول جزءيها نحو " إن زيدا لوجهه حسن "، وعلى الثاني منهما نحو " إن زيدا وجهه لحسن "، ودخولها على أول الجزءين أولى، بل ذكر صاحب البسيط أن دخولها على ثانيهما شاذ.
99 - هذا البيت مما ذكر النحاة أنه لا يعرف له قائل، ولم أجد أحدا ذكر صدره قبل الشارح العلامة، بل وقفت على قول ابن النحاس: " ذهب الكوفيون إلى جواز دخول اللام في خبر لكن، واستدلوا بقوله: * ولكنني من حبها لعميد * والجواب أن هذا لا يعرف قائله ولا أوله، ولم يذكر منه إلا هذا، ولم ينشده أحد ممن وثق في العربية، ولا عزى إلى مشهور بالضبط والاتقان " اه كلامه، ومثله للانباري في الانصاف (214)، وقال ابن هشام في مغنى اللبيب: " ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير " اه.
ولا ندري أرواية الصدر على هذا الوجه مما نقله الشارح العلامة أم وضعه من عند = (*)
(1/363)

.
__________
= نفسه أم مما أضافه بعض الرواة قديما لتكميل البيت غير متدبر لما يجره هذا الفعل من عدم الثقة، وإذا كان الشارح هو الذي رواه فمن أي المصادر ؟ مع تضافر العلماء من قبله ومن بعده على ما ذكرنا.
اللغة: " عميد " من قولهم: عمده العشق، إذا هذه، وقيل: إذا انكسر قلبه من المودة.
الاعراب: " يلومونني " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر مقدم، وهذا إذا جرينا على اللغة الفصحى، وإلا فالواو حرف دال على الجمع، وعواذلي: هو فاعل يلوم، وقوله " في حب " جار ومجرور متعلق بيلوم، وحب مضاف، و " ليلى " مضاف إليه " عواذلي " مبتدأ مؤخر على الفصحى " ولكنني " لكن: حرف استدراك ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمه " من حبها " الجار والمجرور متعلق بقوله عميد الآتي، وحب مضاف، وها: مضاف إليه " لعميد " اللام لام الابتداء، أو هي زائدة على على ما ستعرف في بيان الاستشهاد، وعميد خبر لكن.
الشاهد فيه: قوله " لعميد " حيث دخلت لام الابتداء - في الظاهر - على خبر لكن، وجواز ذلك هو مذهب الكوفيين.
والبصريون يأبون هذا وينكرونه، ويجيبون عن هذا البيت بأربعة أجوبة.
أحدها: أن هذا البيت لا يصح، ولم ينقله أحد من الاثبات.
الثاني: ما ذكره الشارح العلامة من أن اللام زائدة، وليست لام الابتداء.
الثالث: سلمنا صحة البيت، وأن اللام فيه للابتداء، ولكنها ليست داخلة على خبر " لكن " وإنما هي داخلة على خبر " إن " المكسورة الهمزة المشددة النون، وأصل الكلام " ولكن إنني من حبها لعميد " فحذفت همزة " إن " تخفيفا، فاجتمع
أربع نونات إحداهن نون " ولكن " واثنتان نونا " إن " والرابعة نون الوقاية، فحذفت واحدة منهن، فبقي الكلام على ما ظننت.
الرابع: سلمنا أن هذا البيت صحيح، وأن اللام هي لام الابتداء، وأنها داخلة على خبر لكن، ولكننا لا نسلم أن هذا مما يجوز القياس عليه، بل هو ضرورة وقعت في هذا البيت بخصوصه، والبيت المفرد والبيتان لا تبنى عليهما قاعدة.
= (*)
(1/364)

وخرج على أن اللام زائدة، كما شذ زيادتها في خبر " أمسى " نحو قوله: 100 - مروا عجالى، فقالوا: كيف سيدكم ؟ فقال من سألوا: أمسى لمجهودا.
__________
= والتخريجان الثالث والرابع متحتمان فيما ذكره الشارح من الشواهد (100، 101) وما نذكره من قول كثير في شرح الشاهد الآتي، وكذلك في قول الآخر: أمسى أبان ذليلا بعد عزته وما أبان لمن أعلاج سودان 100 - حكى العيني أن هذا البيت من أبيات الكتاب، ولم ينسبوه إلى أحد، وأنشده أبو حيان في التذكرة مهملا أيضا، وأنشده ثعلب في أماليه، وأنشده أبو علي الفارسي، وأنشده أبو الفتح ابن جنى، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين، وقد راجعت كتاب سيبويه لاحقق ما قاله العيني فلم أجده بين دفتيه.
اللغة: " عجالى " جمع عجلان - كسكران وسكارى - ومن العلماء من يرويه " عجالا " بكسر العين على أنه جمع عجل - بفتح فضم مثل رجل ورجال - ومنهم يرويه " سراعا " على أنه جمع سريع " كيف سيدكم " روى في مكانه " كيف صاحبكم " وقوله " من سألوا " يروى هذا الفعل بالبناء للمعلوم، على أن جملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، وتقدير الكلام: فقال الذي سألوه
ويروى ببناء الفعل للمجهول، على أن الجملة صلة، والعائد للموصول هو واو الجماعة، وكأنه قال: فقال الذين سئلوا " مجهودا " نال منه المرض والعشق حتى أجهداه وأتعباه.
الاعراب: " مروا " فعل وفاعل " عجالى " حال " فقالوا " فعل وفاعل " كيف " اسم استفهام خبر مقدم " سيدكم " سيد: مبتدأ مؤخر، وسيد مضاف، والضمير مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول " قال " فعل ماض " من " اسم موصول فاعل قال " سألوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، أي سألوه، وقد بينا أنه يروى بالبناء للمجهول، وعليه يكون العائد هو واو الجماعة التي هي نائب الفاعل، ويكون الشاعر قد راعى معنى من = (*)
(1/365)

أي: أمسى مجهودا، وكما زيدت في خبر المبتدأ شذوذا، كقوله: 101 - أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من اللحم بعظم الرقبه.
__________
= " أمسى " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سيدكم " لمجهودا " اللام زائدة، مجهودا: خبر أمسى، وجملة أمسى ومعموليها مقول القول في محل نصب.
الشاهد فيه: قوله " لمجهودا " حيث زيدت اللام في خبر " أمسى " وهي زيادة شاذة، ومثل هذا قول كثير عزة: وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها لكالهائم المقصى بكل سبيل حيث زاد اللام في خبر " زال " - وهو قوله لكالهائم - زيادة شاذة.
وفي ذلك رد لما زعم الكوفيون من أن اللام الداخلة في خبر لكن في قول الشاعر: * ولكنني من حبها لعميد *
هي لام الابتداء، وحاصل الرد عليهم بهذين الشاهدين أنا لا نسلم أن اللام التي في خبر لكن هي - كما زعمتم - لام الابتداء، بل هي لام زائدة مقحمة اقترنت بخبر لكن بدليل أن مثل هذه اللام قد دخلت على أخبار قد وقع الاجماع منا ومنكم على أن لام الابتداء لا تقترن بها كخبر أمسى وخبر زال في البيتين.
101 - نسب جماعة هذا البيت - ومنهم الصاغاني - إلى عنترة آبن عروس مولى بني ثقيف، ونسبه آخرون إلى رؤبة بن العجاج، والاول أكثر وأشهر، ورواه الجوهري.
اللغة: " الحليس " هو تصغير حلس، والحلس - بكسر فسكون - كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وهذه الكنية في الاصل كنية الانان - وهي أنثى الحمار - أطلقها الراجز على امرأة تشبيها لها بالانان " شهربة " بفتح الشين والراء بينهما هاء ساكنة، والمراد بها ههنا الكبيرة الطاعنة في السن " ترضى من اللحم " من هنا بمعنى البدل مثلها في قوله تعالى (لجعلنا منكم ملائكة) أي بدلكم، وإذا قدرت مضافا تجره بالباء، وجعلت أصل الكلام: ترضى من اللحم بلحم عظم الر قبة - كانت من دالة على التبعيض.
= (*)
(1/366)

وأجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة، وقد قرئ شاذا: (إلا أنهم ليأكلون الطعام) بفتح " أن "، وبتخرج أيضا على زيادة اللام.
* * * ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الافعال ما كرضيا (1).
__________
= الاعراب: " أم " مبتدأ، وأم مضاف، و " الحليس " مضاف إليه " لعجوز " خبر المبتدأ " شهربة " صفة لعجوز " ترضى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أم الحليس، والجملة صفة ثانية لعجوز " من اللحم " جار
ومجرور متعلق بترضى " بعظم " مثله، وعظم مضاف و " الرقبة " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " لعجوز " حيث زاد اللام في خبر المبتدأ، والذهاب إلى زيادة اللام أحد تخريجات في هذا البيت، ومنها أن " عجوز " خبر لمبتدأ محذوف كانت اللام مقترنة - به وأصل الكلام على هذا: أم الحليس لهي عجوز - إلخ.
فحذف المبتدأ، فاتصلت اللام بخبره، وهي في صدر المذكور من جملتها وقد مضى بحث ذلك في باب المبتدأ والخبر (انظر ما تقدم لنا ذكره في شرح الشاهد رقم 53) ومثل هذا البيت قول أبي عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد امتن عليه يوم بدر: فإنك من حاربته لمحارب شقي، ومن سالمته لسعيد الشاهد في قوله: " من حاربته لمحارب " وفي قوله " من سالمته لسعيد " فإن " من " اسم موصول مبتدأ في الموضعين، وقد دخلت اللام على خبره في كل منهما.
(1) " ولا " نافية " يلي " فعل مضارع " ذي " اسم إشارة مفعول به ليلي مقدم على الفاعل " اللام " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة، أو نعت له " ما " اسم موصول فاعل يلي " قد " حرف تحقيق " نفيا " نفي: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " من الافعال " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الآتية " ما " اسم موصول معطوف على " ما " = (*)
(1/367)

وقد يليها مع قد، كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا (1) إذا كان خبر " إن " منفيا لم تدخل عليه اللام، فلا تقول " إن زيدا لما يقوم " وقد ورد في الشعر، كقوله: 102 - وأعلم إن تسليما وتركا للامتشابهان ولا سواء
.
__________
= الاولى " كرضيا " قصد لفظه: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف، تقع جملته صلة " ما " الثانية، وتقدير البيت: ولا يلي هذه اللام اللفظ الذي تقدمته أداة نفي، ولا الماضي الذي يشبه رضى حال كونه من الافعال.
(1) " وقد " حرف تقليل " يليها " يلي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضي المعبر عنه بقوله " ما كرضى " وها: ضمير عائد إلى اللام مفعول به ليلي " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل يلي، ومع مضاف و " قد " قصد لفظه مضاف إليه " كإن " الكاف جارة لقول محذوف، إن: حرف تأكيد ونصب " ذا " اسم إشارة: اسم إن " لقد " اللام لام التأكيد، وقد: حرف تحقيق " سما " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الاشارة، والجملة خبر إن في محل رفع " على العدا " جار ومجرور متعلق بسما " مستحوذا " حال من الضمير المستتر في " سما ".
102 - البيت لابي حزام - غالب بن الحارث - العكلي.
اللغة: " إن " إذا جريت على ما هو الظاهر فالهمزة مكسورة، لان اللام في خبر، وإذا جعلت اللام زائدة فتحت الهمزة، والاول أقرب، لان الذي يعلق " أعلم " عن العمل هو لام الابتداء، لا الزائدة " تسليما " أراد به التسليم على الناس، أو تسليم الامور إلى ذويها وعدم الدخول فيما لا يعني " تركا " أراد به ترك ما عبر عنه بالتسليم.
الاعراب: " أعلم " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " إن " حرف توكيد ونصب " تسليما " اسمه " وتركا " معطوف عليه " للامتشابهان " اللام لام الابتداء أو زائدة على ما ستعرف، ولا: نافية، ومتشابهان: خبر إن " ولا " الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي " سواء " معطوف على خبر إن.
= (*)
(1/368)

وأشار بقوله: " ولا من الافعال ما كرضيا " إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام، فلا تقول " إن زيدا لرضي " وأجاز ذلك الكسائي، وهشام، فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام.
__________
= الشاهد فيه: قوله " للامتشابهان " حيث أدخل اللام في الخبر المنفي بلا، وهو شاذ.
وقد اختلف العلماء في رواية صدر هذا البيت، فظاهر كلام الرضي وهو صريح كلام ابن هشام أن همزة إن مكسورة، لوجود اللام في خبرها.
قال ابن هشام: " إن بالكسر لدخول اللام على الخبر " اه، وهذا مبني على ما هو الظاهر من أن اللام لام الابتداء، كما ذكرنا لك في لغة البيت.
وذهب ابن عصفور - تبعا للفراء - إلى أن الهمزة مفتوحة، ومجازه عندنا أنه اعتبر اللام زائدة، وليست لام الابتداء.
فإذا جعلت همزة إن مكسورة - على ما هو كلام ابن هشام، وهو الذي يجري عليه كلام الشارح ههنا - كان في البيت شذوذ واحد، وهو دخول اللام على خبر إن المنفي.
وإذا جريت على كلام ابن عصفور، فإن اعتبرت اللام لام الابتداء كان في هذا الشاهد شذوذان: أحدهما دخول اللام على خبر أن المفتوحة، وثانيهما: دخولها على خبر أن المنفي.
ويخلص من هذا كله أن نعتبر اللام زائدة كما اعتبروها كذلك في الشواهد السابقة.
وقال ابن جنى: " إنما أدخل اللام وهي للايجاب على لا وهي للنفي من قبل أنه شبه لا بغير، فكأنه قال: لغير متشابهين، كما شبه الآخر ما التي للنفي بما التي بمعنى الذي في قوله:
لما أغفلت شكرك فاجتنبني فكيف ومن عطائك جل مالي ؟ ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية لولا ما ذكرت لك من الشبه " انتهى كلامه.
(24 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/369)

عليه، ولا فرق بين المتصرف نحو " إن زيدا ليرضى " وغير المتصرف، نحو " إن زيدا ليذر الشر " هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف، فإن اقترنت به ]، نحو " إن زيدا سوف يقوم " أو " سيقوم " ففي جواز دخول اللام عليه خلاف، [ فيجوز إذا كان " سوف " على الصحيح، وأما إذا كانت السين فقليل ].
وإن كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف [ جواز ] دخول اللام عليه، فتقول: " إن زيدا لنعم الرجل، وإن عمرا لبئس الرجل " وهذا مذهب الاخفش والفراء، والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك.
فإن قرن الماضي المتصرف ب " قد " جاز دخول اللام عليه، وهذا هو المراد بقوله: " وقد يليها مع قد " نحو " إن زيدا لقد قام ".
* * * وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل، واسما حل قبله الخبر (1) تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسط بين اسم إن والخبر، نحو " إن زيدا لطعامك آكل " وينبغي أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثلنا (2) فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح دخولها.
__________
(1) " وتصحب " الواو عاطفة، تصحب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى اللام " الواسط " مفعول به لتصحب " معمول " بدل منه، أو حال منه، ومعمول مضاف، و " الخبر " مضاف إليه " والوصل " معطوف على
الواسط " واسما " معطوف على الواسط أيضا " حل " فعل ماض " قبله " قبل: ظرف متعلق بحل، وقبل مضاف والضمير الذي للغائب العائد إلى قوله " اسما " مضاف إليه " الخبر " فاعل لحل، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب نعت لقوله " اسما ".
(2) يشترط لدخول اللام على معمول الخبر أربعة شروط: الاول: أن يكون هذا المعمول متوسطا بين ما بعد إن، سواء أكان التالي لان هو = (*)
(1/370)

على المعمول، كما إذا كان [ الخبر ] فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون ب " قد " لم يصح دخول اللام على المعمول، فلا تقول " إن زيدا لطعامك أكل " وأجاز ذلك بعضهم، وإنما قال المصنف: " وتصحب الواسط " أي: المتوسط تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر، فلا تقول " إن زيدا آكل لطعامك ".
وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسط لا تدخل على الخبر، فلا تقول " إن زيدا لطعامك لآكل "، وذلك من جهة أنه خصص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط، وقد سمع ذلك قليلا، حكى من كلامهم " إني لبحمد الله لصالح "..
__________
= اسمها كما في مثال الشارح، أم كان التالي لان هو خبرها الظرف أو الجار والمجرور، نحو " إن عندي لفي الدار زيدا " أم كان التالي لها معمولا آخر للخبر المؤخر، نحو " إن عندي لفي الدار زيدا جالس " ويشمل كل هذه الصور قول الناظم " الواسط معمول الخبر "، وإن كان تفسير الشارح قد قصره على صورة واحدة منها.
الشرط الثاني: أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه، وهذا يستفاد من قول الناظم " معمول الخبر " فإن أل في الخبر للعهد الذكرى، والمعهود هو الخبر الذي تدخل اللام عليه، والذي بينه وذكر شروطه فيها قبل ذلك.
الشرط الثالث: ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر، وهو الشرط الذي بين الشارح أن كلام الناظم يشعر به، وقد بين أيضا وجه إشعار كلامه به.
الشرط الرابع: ألا يكون المعمول حالا ولا تمييزا، فلا يصح أن تقول " إن زيدا لراكبا حاضر " ولا تقول " إن زيدا لعرقا يتصبب " وقد نص الشارح على الحال، ونص غيره على التمييز، وزاد أبو حيان ألا يكون المعمول مفعولا مطلقا ولا مفعولا لاجله، فعنده لا يجوز أن تقول " إن زيدا لركوب الامير راكب " ولا أن تقول " إن زيدا لتأديبا ضارب ابنه " واستظهر جماعة عدم صحة دخول اللام على المستثنى من الخبر، ولا على المفعول معه، وإن كان المتقدمون لم ينصوا على هذين.
(*)
(1/371)

وأشار بقوله: " والفصل (1) " إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل، نحو " إن زيدا لهو القائم " وقال الله تعالى: (إن هذا لهو القصص الحق) ف " هذا " اسم " إن "، و " هو " ضمير الفصل، ودخلت عليه اللام، و " القصص " خبر " إن ".
وسمى ضمير الفصل لانه يفصل بين الخبر والصفة، وذلك إذا قلت " زيد هو القائم " فلو لم تأت ب " هو " لاحتمل أن يكون " القائم " صفة لزيد، وأن يكون خبرا عنه، فلما أتيت ب " هو " تعين أن يكون " القائم " خبرا عن زيد.
وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر (2)، نحو " زيد هو القائم " أو بين ما أصله المبتدأ والخبر، نحو " إن زيدا لهو القائم "..
__________
(1) البصريون يسمونه " ضمير الفصل " ووجه تسميته بذلك ما ذكره الشارح، ومن العلماء من يسميه " الفصل " كما قال الناظم " والفصل " والكوفيون يسمونه " عمادا " ووجه تسميتهم إياه بذلك أنه يعتمد عليه في تأدية المعنى المراد، وقد اختلفوا
فيه: أهو حرف أم اسم وإذا كان اسما فهل له محل من الاعراب أم لا محل له من الاعراب وإذا كان له محل من الاعراب فهل محله هو محل الاسم الذي قبله أم محل الاسم الذي بعده ؟ فالاكثرون على أنه حرف وضع على صورة الضمير وسمي " ضمير الفصل " ومن النحاة من قال: هو اسم لا محل له من الاعراب، ومنهم من قال: هو اسم محله محل الاسم المتقدم عليه، فهو في محل رفع إذا قلت " زيد هو القائم " أو قلت " كان زيد هو القائم "، وفي محل نصب إذا قلت " إن زيدا هو القائم " ومنهم من قال: هو اسم محله محل الاسم المتأخر عنه، فهو في محل رفع في المثالين الاول والثالث، وفي محل نصب في نحو قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم).
(2) يشترط في ضمير الفصل بقطع النظر عن كونه بين معمولي إن أربعة شروط: الاول: أن يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصلهما ذلك، وقد ذكر الشارح هذا الشرط.
= (*)
(1/372)

وأشار بقوله: " واسما حل قبلة الخبر " إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر، نحو " إن في الدار لزيدا " قال الله تعالى: (وإن لك لاجرا غير ممنون).
وكلامه يشعر [ أيضا ] بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر، وهو كذلك، فلا تقول: " إن زيدا لهو لقائم "، ولا " إن لفي الدار لزيدا ".
ومقتضى إطلاقه في قوله: إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر - أن كل معمول إذا توسط جاز دخول اللام عليه، كالمفعول الصريح، والجار والمجرور، والظرف، والحال، وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال، فلا تقول: " إن زيدا لضاحكا راكب ".
* * * ووصل " ما " بذي الحروف مبطل إعمالها، وقد يبقى العمل (1).
__________
= الشرط الثاني: أن يكون الاسمان اللذان يقع بينهما معرفتين نحو " إن محمدا هو المنطلق " أو أولهما معرفة حقيقة وثانيهما يشبه المعرفة في عدم قبوله أداة التعريف كأفعل التفضيل المقترن بمن، نحو " محمد أفضل من عمرو ".
الشرط الثالث: أن يكون ضمير الفصل على صيغة ضمير الرفع كما في هذه الامثلة.
الشرط الرابع: أن يطابق ما قبله في الغيبة أو الحضور، وفي الافراد أو التثنية أو الجمع، نحو قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) فأنت للخطاب، وهو في الخطاب وفي الافراد كما قبله، ونحو (وإنا لنحن الصافون) فنحن للتكلم كما قبله.
(1) " ووصل " مبتدأ، ووصل مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " بذي " جار ومجرور متعلق بوصل " الحروف " بدل أو عطف بيان من ذي " مبطل " = (*)
(1/373)

إذا اتصلت " ما " غير الموصولة بإن وأخواتها كفتها عن العمل، إلا " ليت " فإنه يجوز فيها الاعمال [ والاهمال ] فتقول: " إنما زيد قائم " ولا يجوز نصب " زيد " وكذلك أن [ وكأن ] ولكن ولعل، وتقول: " ليتما زيد قائم " وإن شئت نصبت " زيدا " فقلت: " ليتما زيدا قائم " وظاهر كلام المصنف - رحمه الله تعالى ! - أن " ما " إن اتصلت بهذه الاحرف كفتها عن العمل، وقد تعمل قليلا، وهذا مذهب جماعة من النحويين (1) [ كالزجاجي، وابن السراج ]، وحكى الاخفش والكسائي " إنما.
__________
= خبر المبتدأ، وفاعله ضمير مستتر فيه " إعمالها " إعمال: مفعول به لمبطل، وإعمال مضاف وها مضاف إليه " وقد " حرف تقليل " يبقى " فعل مضارع مبني للمجهول " العمل "
نائب فاعل يبقى.
(1) ذهب سيبويه إلى أن " ما " غير الموصولة إذا اقترنت بهذه الادوات أبطلت عملها، إلا ليت، فإن إعمالها مع ما جائز، وعللوا ذلك بأن هذه الادوات قد أعملت لاختصاصها بالاسماء ودخول " ما " عليها يزيل هذا الاختصاص، ويهيئها للدخول على جمل الافعال نحو قوله تعالى: (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) وقوله سبحانه: (كأنما يساقون إلى الموت) ونحو قول امرئ القيس: ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وتسمى " ما " هذه ما الكافة، أو ما المهيئة، ووجه هاتين التسميتين ظاهر بعد الذي ذكرناه لك من شأنها، وتسمى أيضا ما الزائدة، ولكون " ما " هذه لا تزيل اختصاص " ليت " بالجمل الاسمية، بل هي باقية معها على اختصاصها بالاسماء، لم تبطل عملها، وقد جاء السماع معضدا لذلك، كما في قول النابغة الذبياني: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد فإنه يروى بنصب " الحمام " ورفعه، فأما النصب فعلى إعمال ليت في اسم الاشارة والحمام بدل منه أو عطف بيان عليه أو نعت له، وأما الرفع فعلى إهمال ليت، وذهب الزجاج في كتابه " الجمل " إلى أن جميع هذه الادوات بمنزلة واحدة، وأنها إذا اقترنت بها " ما " لم يجب إهمالها، بل يجوز فيها الاعمال والاهمال، غير أن الاهمال أكثر في = (*)
(1/374)

زيدا قائم " والصحيح المذهب الاول، وهو أنه لا يعمل منها مع " ما " إلا " ليت "، وأما ما حكاه الاخفش والكسائي فشاذ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل، بل تعمل معها، والمراد من الموصولة التي بمعنى " الذي "، نحو " إن ما عندك حسن " [ أي: إن الذي عندك حسن ]، والتي هي مقدرة بالمصدر، نحو " إن ما فعلت حسن " أي:
إن فعلك حسن.
* * * وجائز رفعك معطوفا على منصوب " إن "، بعد أن تستكملا (1) أي: إذا أتي بعد اسم " إن " وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان، أحدهما: النصب عطفا على اسم " إن " نحو " إن زيدا قائم وعمرا ".
__________
= الجميع، أما الاعمال فعلى اختصاصها الاصلي، وأما الاهمال فلما حدث لها من زوال الاختصاص وذكر الزجاج أن ذلك مسموع في الجميع، قال: " من العرب من يقول: إنما زيدا قائم، ولعلما بكرا جالس، وكذلك أخواتها: ينصب بها، ويلغى ما " اه، وتبعه على ذلك تلميذه الزجاجي، وابن السراج، وهو الذي يفيده كلام الناظم.
(1) " وجائز " خبر مقدم " رفعك " رفع: مبتدأ مؤخر، ورفع مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " معطوفا " مفعول به للمصدر " على منصوب " جار ومجرور متعلق بمعطوف، ومنصوب مضاف وقوله " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق برفع " أن " مصدرية " تستكملا " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة " بعد " إليه، وثمة مفعول لتستكمل محذوف، والتقدير: بعد استكمالها معموليها.
(*)
(1/375)

والثاني: الرفع نحو " إن زيدا قائم وعمرو " واختلف فيه (1)، فالمشهور أنه معطوف على محل اسم " إن " فإنه في الاصل مرفوع لكونه مبتدأ، وهذا يشعر به [ ظاهر ] كلام المصنف، وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: وعمرو كذلك، وهو الصحيح.
فإن كان العطف قبل أن تستكمل " إن " - أي قبل أن تأخذ خبرها - تعين النصب عند جمهور النحويين، فتقول: إن زيدا وعمرا قائمان، وإنك وزيدا ذاهبان، وأجاز بعضهم الرفع..
__________
(1) مما لا يستطيع أن يجحده واحد من النحاة أنه قد ورد عن العرب - في جملة صالحة من الشعر، وفي بعض النثر - وقوع الاسم المرفوع مسبوقا بالواو بعد اسم إن المنصوب وقبل خبرها، ومنه قول ضابئ بن الحارث البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب ومنه ما أنشده ثعلب، ولم يعزه إلى قائل معين: خليلي هل طب فإني وأنتما - وإن لم تبوحا بالهوى - دنفان ! وقد ورد في القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذن البيتين، الاولى قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) والثانية قراءة بعضهم: (إن الله وملائكته يصلون) برفع " ملائكته ".
وقد اختلف النحاة في تخريج ذلك، فذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إن باعتباره مبتدأ قبل دخول إن، وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبره المذكور فيما بعد وخبر إن هو المحذوف وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها، وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو حسن، لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه، لان خبر إن متأخر في اللفظ أو في التقدير عن جملة المبتدأ والخبر، وخبر إن جزء من الجملة المعطوف عليها.
(*)
(1/376)

وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن (1)
حكم " أن " المفتوحة و " لكن " في العطف على اسمهما حكم " إن " المكسورة، فتقول: " علمت أن زيدا قائم وعمرو " برفع " عمرو " ونصبه، وتقول: " علمت أن زيدا وعمرا قائمان " بالنصب فقط عند الجمهور، وكذلك تقول: " ما زيد قائما، لكن عمرا منطلق وخالدا " بنصب خالد ورفعه، و " ما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان " بالنصب فقط.
وأما " ليت، ولعل، وكأن " فلا يجوز معها إلا النصب.
[ سواء تقدم المعطوف، أو تأخر، فتقول: " ليت زيدا وعمرا قائمان، وليت زيدا قائم وعمرا " بنصب " عمرو " في المثالين، ولا يجوز رفعه، وكذلك " كأن، ولعل "، وأجاز الفراء الرفع فيه - متقدما ومتأخرا - مع الاحرف الثلاثة.
* * * وخففت إن فقل العمل وتلزم اللام إذا ما تهمل (2).
__________
(1) " وألحقت " الواو عاطفة، ألحق: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " بإن " جار ومجرور متعلق بألحق " لكن " قصد لفظه: نائب فاعل لالحق " وأن " معطوف على لكن " من دون " جار ومجرور متعلق بألحق أيضا، ودون مضاف و " ليت " قصد لفظه: مضاف إليه " ولعل، وكأن " معطوفان على ليت.
(2) " وخففت " الواو عاطفة، خفف: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " إن " نائب فاعل خفف " فقل " الفاء عاطفة، قل: فعل ماض معطوف بالفاء على خفف " العمل " فاعل لقل " وتلزم " فعل مضارع " اللام " فاعل تلزم " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " تهمل " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أن المخففة، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إذا ما تهمل إن التي خففت لزمتها اللام.
(*)
(1/377)

وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا (1) إذا خففت " إن " فالاكثر في لسان العرب إهمالها، فتقول: " إن زيد لقائم " وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين " إن " النافية، ويقل إعمالها فتقول: " إن زيدا قائم " وحكى الاعمال سيبويه، والاخفش، رحمهما الله تعالى (2)، فلا تلزمها حينئذ اللام، [ لانها لا تلتبس - والحالة هذه -.
__________
(1) " وربما " الواو عاطفة، رب حرف تقليل، وما كافة " استغنى " فعل ماض مبني للمجهول " عنها " جار ومجرور نائب عن الفاعل لاستغنى، والضمير المجرور محلا عائد على اللام المحدث عنها بأنها تلزم عند تخفيف إن في حالة إهمالها " إن " شرطية " بدا " فعل ماض فعل الشرط " ما " اسم موصول فاعل بدا " ناطق " مبتدأ، وهو فاعل في المعنى، فلذا جاز أن يبتدأ به مع كونه نكرة " أراده " أراد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ناطق، والهاء مفعول به، والجملة من أراد وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول " معتمدا " حال من الضمير المستتر في " أراد ".
(2) على الاعمال في التخفيف ورد قوله تعالى (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) في قراءة من قرأ بسكون نون " إن " وتخفيف ميم " لما "، وفي هذه الآية - على هذه القراءة - إعرابان: أولهما أن " إن " مؤكدة مخففة من الثقيلة " كلا " اسم إن المخففة " لما " اللام لام الابتداء، وما اسم موصول بمعنى الذين خبر إن المؤكدة المخففة " ليوفينهم " اللام واقعة في جواب قسم محذوف، يوفى: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب، وضمير الغائبين العائد على الذين مفعول أول، و " ربك " رب فاعل يوفى، ورب مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه، وأعمال: مفعول ثان ليوفى، وأعمال مضاف
وضمير الغائبين العائد على الذين مضاف إليه، وجملة الفعل المضارع وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الاعراب جواب القسم المحذوف، وتقدير الكلام: وإن كلا للذين والله ليوفينهم ربك أعمالهم، والجملة القسمية لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، ويرد على هذا الاعراب أن جملة القسم إنشائية، وجملة الصلة يجب أن تكون خبرية معهودة، وقد = (*)
(1/378)

بالنافية ] لان النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود [ بها ] فإن ظهر المقصود [ بها ] فقد يستغنى عن اللام، كقوله: 103 - ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن.
__________
= أجاب ابن هشام عن هذا في كتابه المغنى بأن صلة الموصول في الحقيقة هي جملة جواب القسم لا جملة القسم، وجملة جواب القسم خبرية لا إنشائية، والاعراب الثاني أن " إن " مؤكدة مخففة " كلا " اسم إن " لما " اللام لام الابتداء، وما زائدة " ليوفينهم " اللام مؤكدة للام الاولى، ويوفى فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والضمير مفعول به أول " ربك " فاعل، ومضاف إليه، و " أعمالهم " مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة من الفعل المضارع ومفعوليه في محل رفع خبر إن المؤكدة المخففة.
103 - البيت للطرماح - الحكم بن حكيم - وكنيته " أبو نفر "، وهو شاعر طائي، وستعرف نسبه في بيان لغة البيت.
اللغة: " ونحن أباة الضيم " يروى في مكانه " أنا ابن أباة الضيم " وأباة: جمع آب اسم فاعل من أبى يأبى - أي امتنع - تقول: أمرت فلانا أن يفعل كذا فأبى، تريد أنه امتنع أن يفعله والضيم: الظلم " مالك " هو اسم قبيلة الشاعر، فإن الطرماح هو الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أبان
ابن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ " كرام المعادن " طيبة الاصول شريفة المحتد.
الاعراب: " ونحن " مبتدأ " أباة " خبر المبتدأ، وأباة مضاف، و " الضيم " مضاف إليه " من آل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثان، أو حال من الخبر، وآل مضاف و " مالك " مضاف إليه " وإن " مخففة من الثقيلة مهملة " مالك " مبتدأ " كانت " كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى مالك باعتبار القبيلة، والتاء تاء التأنيث " كرام " خبر كان، وكرام مضاف و " المعادن " مضاف إليه، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو مالك.
=
(1/379)

التقدير: وإن مالك لكانت، فحذفت اللام، لانها لا تلتبس بالنافية، لان المعنى على الاثبات، وهذا هو المراد بقوله: " وربما استغنى عنها إن بدا إلى آخر البيت ".
واختلف النحويون في هذه اللام: هل هي لام الابتداء أدخلت للفرق بين " إن " النافية و " إن " المخففة من الثقيلة، أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق ؟ وكلام سيبويه يدل على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في مسألة جرت بين ابن أبي العافية وابن الاخضر، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: " قد علمنا إن كنت لمؤمنا " فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر " إن " ومن جعلها لا ما أخرى اجتلبت للفرق فتح أن، وجرى الخلاف في هذه المسألة قبلهما بين أبي الحسن علي بن سليمان البغدادي الاخفش الصغير، وبين أبي علي الفارسي، فقال الفارسي: هي لام غير.
__________
= الشاهد فيه: قوله " وإن مالك كانت إلخ " حيث ترك لام الابتداء التي تجتلب
في خبر " إن " المكسورة الهمزة المخففة من الثقيلة عند إهمالها، فرقانا بينها وبين " إن " النافية، وإنما تركها هنا اعتمادا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع، وثقة منه بأنه لا يمكن توجيهه إلى الجحد، بقرينة أن الكلام تمدح وافتخار، وصدر البيت واضح في هذا، والنفي يدل على الذم، فلو حمل عجز البيت عليه لتناقض الكلام واضطرب، ألا ترى أنك لو حملت الكلام على أن " إن " نافية لكان معنى عجز البيت: وليست مالك كرام المعادن، أي فهي قبلة دنيئة الاصول، فيكون هذا ذما ومتناقضا مع ما هو بصدده، فلما كان المقام مانعا من جواز إرادة النفي ارتكن الشاعر عليه، فلم يأت باللام، فالقرينة ههنا معنوية.
ومثل هذا البيت - في اعتماد الشاعر على القرينة المعنوية - قول الشاعر: إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم لو لم تمنوا بوعد غير مكذوب ألا ترى أنه في مكان إظهار الالم وشكوى ما نزل به من فراق أحبابه ؟ فلو حملت " إن " في صدر البيت على النفي فسد المعنى على هذا، ولم يستقم الكلام.
(*)
(1/380)

لام الابتداء اجتلبت للفرق، وبه قال ابن أبي العافية، وقال الاخفش الصغير: انما هي لام الابتداء أدخلت للفرق، وبه قال ابن الاخضر (1).
* * * والفعل إن لم يك ناسخا فلا تلفيه غالبا بإن ذي موصلا (2).
__________
(1) قد علمت فيما مضى أن لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ، أو على ما أصله المبتدأ، وأنها تدخل في باب إن على الخبر أو معموله أو ضمير الفصل، وعلمت أيضا أنها لا تدخل على خبر إن إلا إذا كان مثبتا متأخرا غير ماض متصرف خال من قد، ولو أنك نظرت في شواهد هذه المسألة لوجدت هذه اللام الفارقة بين " إن " النافية والمخففة من الثقيلة تدخل على مفعول ليس أصله مبتدأ ولا خبرا كما في قول عاتكة
بنت زيد بن عمرو، وسيأتي شرحه: شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد وهو الشاهد رقم 104 ويأتي قريبا جدا.
وتدخل على الماضي المتصرف الذي لم يسبقه " قد " نحو قولك: إن زيد لقام، وتدخل على المنصوب المؤخر عن ناصبه نحو قوله تعالى: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)، فلما كان شأن اللام التي تدخل لاجل الفرق بين المخففة المؤكدة والنافية غير شأن لام الابتداء كان القول بأن إحداهما غير الاخرى أصح نظرا وأقوم حجة، فمذهب أبي علي الفارسي الذي أخذ به ابن أبي العافية مذهب مستقيم في غاية الاستقامة.
(2) " والفعل " مبتدأ " إن " شرطية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وهو فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل " ناسخا " خبر يك " فلا " الفاء لربط الجواب بالشرط، ولا: نافية " تلفيه " تلفي: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول لتلفي، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فأنت لا تلفيه، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط " غالبا " حال من الهاء في " تلفيه " السابق " بإن " جار ومجرور متعلق بقوله " موصلا " الآتي " ذي " نعت لان " موصلا " مفعول ثان لتلفي.
(*)
(1/381)

إذا خففت " إن " فلا يليها من الافعال إلا الافعال الناسخة للابتداء، نحو كان وأخواتها، وظن وأخواتها، قال الله تعالى: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)، وقال الله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم)، وقال الله تعالى: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ويقل أن يليها غير الناسخ، وإليه أشار بقوله: " غالبا " ومنه قول بعض
العرب: " إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه " وقولهم: " إن قنعت كاتبك لسوطا " وأجاز الاخفش " إن قام لانا (1) ".
ومنه قول الشاعر: 104 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد * * *.
__________
(1) ههنا أربع مراتب، أولاها: أن يكون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) ونحو (إن كدت لتردين) والثانية: أن يكون الفعل مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك)، ونحو (وإن نظنك لمن الكاذبين) والثالثة: أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قول عاتكة " إن قتلت لمسلما " والرابعة: أن يكون الفعل مضارعا غير ناسخ نحو قول بعض العرب " إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه " وهي مرتبة على هذا الترتيب الذي سقناها به، ويجوز القياس على كل واحدة منها عند الاخفش، ومنع جمهور البصريين القياس على الثالثة والرابعة.
104 - البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القريشية العدوية، ترثي زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله.
اللغة: " شلت " بفتح الشين، وأصل الفعل شللت - بكسر العين التي هي اللام الاولى - والناس يقولونه بضم الشين على أنه مبني للمجهول، وذلك خطأ " حلت عليك " أي نزلت، ويروى مكانه " وجبت عليك ".
= (*)
(1/382)

وإن تخفف أن فاسمها استكن والخبر اجعل جملة من بعد أن (1) إذا خففت أن [ المفتوحة ] بقيت على ما كان لها من العمل، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا (2)، وخبرها لا يكون إلا جملة، وذلك نحو " علمت
أن زيد قائم " ف " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وهو محذوف، والتقدير [ " أنه "، و " زيد قائم " في جملة في موضع رفع خبر " أن " والتقدير ] " علمت أنه زيد قائم " وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، كقوله:.
__________
= الاعراب: " شلت " شل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " يمينك " يمين: فاعل شل، ويمين مضاف والكاف مضاف إليه " إن " مخففة من الثقيلة " قتلت " فعل وفاعل " لمسلما " اللام فارقة، مسلما: مفعول به لقتل " حلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " عليك " جار ومجرور متعلق بحل " عقوبة " فاعل لحل، وعقوبة مضاف و " المتعمد " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " إن قتلت لمسلما " حيث ولى " إن " المخففة من الثقيلة فعل ماض غير ناسخ وهو " قتلت " وذلك شاذ لا يقاس عليه إلا عند الاخفش.
(1) " وإن " شرطية " تخفف " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط " أن " قصد لفظه: نائب فاعل لتخفف " فاسمها " الفاء لربط الجواب بالشرط، اسم: مبتدأ، واسم مضاف والضمير مضاف إليه " استكن " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسمها، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط " والخبر " مفعول مقدم على عامله وهو قوله " اجعل " الآتي " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " جملة " مفعول ثان لاجعل " من بعد " جار ومجرور متعلق باجعل، وبعد مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه.
(2) الذي اشترط في أن المخففة أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا من النحاة هو ابن الحاجب، فأما الناظم والجمهور فلم يشترطوا فيه ذلك، لانهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس، فلا يحمل الكلام عليه ما وجد له وجه آخر، ومن أجل ذلك قدر سيبويه - رحمه الله ! - في قوله تعالى: (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا)
أنك يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
(*)
(1/383)

105 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق * * *.
*
__________
105 - البيت مما أنشده الفراء، ولم يعزه إلى قائل معين: اللغة: " أنك " بكسر كاف الخطاب لان المخاطب أنثى، بدليل ما بعده، والتاء في " سألتني " مكسورة أيضا لذلك " صديق " يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول فيكون تذكيره مع أن المراد به أنثى قياسا، لان فعيلا بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره غالبا كجريح وقتيل، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل، ويكون تذكيره مع المؤنث جاريا على غير القياس، والذي سهل ذلك فيه أنه أشبه في اللفظ فعيلا بمعنى مفعول، أو أنهم حملوه على " عدو " الذي هو ضده في المعنى، لان من سننهم أن يحملوا الشئ على ضده كما يحملونه على مثله وشبيهه.
المعنى: لو أنك سألتني إخلاء سبيلك قبل إحكام عقدة النكاح بيننا لم أمتنع من ذلك ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لي، وخص يوم الرخاء لان الانسان قد لا يعز عليه أن يفارق أحبابه في يوم الكرب والشدة.
الاعراب: " فلو " لو: شرطية غير جازمة " أنك " أن: مخففة من الثقيلة، والكاف اسمها " في يوم " جار ومجرور متعلق بقوله " سألتني " الآتي، ويوم مضاف و " الرخاء " مضاف إليه " سألتني " فعل وفاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول " فراقك " فراق: مفعول ثان لسأل، وفراق مضاف والكاف مضاف إليه " لم " حرف نفي وجزم وقلب " أبخل " فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة جواب الشرط غير الجازم، فلا محل لها من الاعراب " وأنت " الواو
واو الحال، أنت: ضمير منفصل مبتدأ " صديق " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله " أنك " حيث خففت " أن " المفتوحة الهمزة وبرز اسمها وهو الكاف، وذلك قليل، والكثير عند ابن الحاجب الذي جرى الشارح على رأيه أن يكون اسمها ضمير الشأن واجب الاستتار، وخبرها جملة.
(*)
(1/384)

وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا (1) فالاحسن الفصل بقد، أو نفي، أو تنفيس، أو لو، وقليل ذكر لو (2).
__________
= واعلم أن الاسم إذا كان محذوفا - سواء أكان ضمير شأن أم كان غيره فإن الخبر يجب أن يكون جملة.
أما إذا كان الاسم مذكورا شذوذا كما في هذا الشاهد، فإنه لا يجب في الخبر أن يكون جملة، بل قد يكون جملة كما في البيت، وقد يكون مفردا، وقد اجتمع مع ذكر الاسم كون الخبر مفردا وكونه جملة، في قول جنوب بنت العجلان من كلمة ترثي فيها أخاها عمرو بن العجلان: لقد علم الضيف والمرملون إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأنك ربيع وغيث مريع وأنك هناك تكون الثمالا ألا ترى أنه خفف " أن " وجاء بها مرتين مع اسمها، وخبرها في المرة الاولى مفرد، وذلك قوله " بأنك ربيع " وخبرها في المرة الثانية جملة، وذلك قوله " وأنك تكون الثمالا ".
(1) " وإن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " فعلا " خبر يكن " ولم " الواو واو الحال لم: حرف نفي وجزم وقلب " يكن " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، واسمه ضمير مستتر
فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، أو إلى الخبر " دعا " قصر للضرورة: خبر يكن المنفي بلم، والجملة من يكن المنفي بلم واسمه وخبره في محل نصب حال " ولم " الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب " يكن " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم " تصريفه " تصريف: اسم يكن، وتصريف مضاف، والهاء مضاف إليه " ممتنعا " خبر يكن الاخير.
(2) " فالاحسن " الفاء واقعة في جواب الشرط الواقع في أول البيت السابق، الاحسن: مبتدأ " الفصل " خبر المبتدأ " بقد " جار ومجرور متعلق بقوله " الفصل " " أو نفي، أو تنفيس، أو لو " كل واحد منها معطوف على " قد " " وقليل " الواو عاطفة، وقليل خبر مقدم " ذكر " مبتدأ مؤخر، وذكر مضاف و " لو " قصد لفظه مضاف إليه.
(25 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/385)

إذا وقع خبر " أن " المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل، فتقول: " علمت أن زيد قائم " من غير حرف فاصل بين " أن " وخبرها، إلا إذا قصد النفي، فيفصل بينهما بحرف [ النفي ] كقوله تعالى: (وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون).
وإن وقع خبرها جملة فعلية، فلا يخلو: إما أن يكون الفعل متصرفا، أو غير متصرف، فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل، نحو قوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) وقوله تعالى: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) وإن كان متصرفا، فلا يخلو: إما أن يكون دعاء، أو لا، فإن كان دعاء لم يفصل، كقوله تعالى: (والخامسة أن غضب الله عليها) في قراءة من قرأ (غضب) بصيغة الماضي، وإن لم يكن دعاء فقال قوم: يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا، وقالت فرقة منهم المصنف: يجوز الفصل وتركه (1) والاحسن الفصل، والفاصل
.
__________
(1) مما ورد فيه الخبر جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء ولم يفصل بفاصل من هذه الفواصل - سوى ما سينشده الشارح - قول النابغة الذبياني: فلما رأى أن ثمر الله ماله وأثل موجودا وسد مفاقره أكب على فأس يحد غرابها مذكرة من المعاول باتره فأن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، وثمر: فعل ماض، والله: فاعل، ومال: مفعول به لثمر، ومال مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، وجملة الفعل الماضي وفاعله في محل رفع خبر أن، وهذا الفعل: ماض متصرف غير دعاء ولم يفصل وممن قال بوجوب الفصل الفراء وابن الانباري.
وقد اختلف العلماء في السبب الذي دعا إلى هذا الفصل، فذهب الجمهور إلى أن هذا الفصل يكون للتفر قة بين أن المخففة من الثقيلة وأن المصدرية.
وعلى هذا ينبغي أن يقسم الفصل إلى قسمين: واجب، وغير واجب، فيجب إذا كان الموضع يحتملهما، ولا يجب إذا كان مما تتعين فيه إحداهما كما فيما بعد العلم غير المؤول = (*)
(1/386)

أحد أربعة أشياء.
الاول: " قد " كقوله تعالى: (ونعلم أن قد صدقتنا).
الثاني: حرف التنفيس، وهو السين أو سوف، فمثال السين قوله تعالى: (علم أن سيكون منكم مرضى) ومثال " سوف " قول الشاعر: 106 - واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا.
__________
= بالظن، فإن هذا الموضع يكون لان المخففة لا غير، إلا عند الفراء وابن الانباري، فليس عندهما موضع تتعين فيه المخففة، ولذلك أوجبا الفصل بواحد من هذه الاشياء للتفرقة دائما.
وقال قوم: إن المقصود بهذا الفصل جبر الوهن الذي أصاب أن المؤكدة بتخفيفها
ويشكل على هذا أن الوهن موجود إذا كان الخبر جملة اسمية، أو جملة فعلية فعلها جامد أو دعاء، فلماذا لم يجبر الوهن مع شئ من ذلك ؟ ! 106 - هذا البيت أنشده أبو علي الفارسي وغيره، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين، والبيت من الكامل، وقد وهم العيني رحمه الله في زعمه أنه من الرجز المسدس.
الاعراب: " واعلم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فعلم " مبتدأ، وعلم مضاف، و " المرء " مضاف إليه " ينفعه " ينفع: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " علم " والهاء مفعول به لينفع، والجملة من ينفع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف وجوبا " سوف " حرف تنفيس " يأتي " فعل مضارع " كل " فاعل يأتي، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر أن، وكل مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " قدرا " قدر: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة من قدر ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
الشاهد فيه: قوله " أن سوف يأتي " حيث أتى بخبر " أن " المخففة من الثقيلة جملة فعلية، وليس فعلها دعاء، وقد فصل بين " أن " وخبرها بحرف التنفيس، وهو " سوف ".
= (*)
(1/387)

الثالث: النفي، كقوله تعالى: (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) وقوله تعالى: (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه) وقوله تعالى: (أيحسب أن لم يره أحد).
الرابع: " لو " - وقل من ذكر كونها فاصلة من النحويين ومنه قوله [ تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة) وقوله ] تعالى: (أو لم يهد للذين
يرثون الارض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم).
ومما جاء بدون فاصل قوله: 107 - علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل.
__________
= ومثل هذا البيت قول الفرزدق: أبيت أمني النفس أن سوف نلتقي وهل هو مقدور لنفسي لقاؤها 107 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
الاعراب: " علموا " فعل وفاعل " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف " يؤملون " فعل مضارع مبني للمجهول، وواو الجماعة نائب فاعل، والجملة في محل رفع خبر " أن " المخففة " فجادوا " الفاء عاطفة، وجادوا: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة علموا " قبل " ظرف متعلق بجاد " أن " مصدرية " يسألوا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن المصدرية، وواو الجماعة نائب فاعل، وقبل مضاف و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مضاف إليه " بأعظم " جار ومجرور متعلق بجاد، وأعظم مضاف، و " سؤل " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " أن يؤملون " حيث استعمل فيه " أن " المخففة من الثقيلة، وأعملها في الاسم الذي هو ضمير الشأن المحذوف، وفي الخبر الذي هو جملة " يؤملون " ومع أن جملة الخبر فعلية فعلها متصرف غير دعاء لم يأت بفاصل بين " أن " وجملة الخبر.
والاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب الجمهور الذين يذهبون إلى أن " أن " الواقعة بعد علم غير مؤول بالظن تكون مخففة من الثقيلة لا غير، فأما على مذهب الفراء وابن الانباري اللذين لا يريان للمخففة موضعا يخصها وأوجبا الفصل بواحد من الامور التي ذكرها الشارح للتفرقة، فإنهما ينكران أن تكون " أن " في هذا البيت = (*)
(1/388)

وقوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) في قراءة من رفع (يتم) في قول،
والقول الثاني: أن " أن " ليست مخففة من الثقيلة، بل هي الناصبة للفعل المضارع، وارتفع (يتم) بعده شذوذا (1).
* * * وخففت كأن أيضا فنوي منصوبها، وثابتا أيضا روي (2).
__________
= مخففة من الثقيلة، ويزعمان أنها هي المصدرية التي تنصب المضارع، وأنها لم تنصبه في هذا البيت كما لم تنصبه في قول الشاعر: أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام، وأن لا تشعرا أحدا وكما لم تنصبه في قوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) في قراءة من قرأ برفع " يتم " وكما لم تنصبه في حديث البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها (6 / 120 الطبعة السلطانية) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها " وما منعك أن تأذنين له ؟ عمك "، إلا أنه قد يقال: إنه لا يجوز على مذهبهما أيضا أن تكون " أن " في البيت الشاهد مصدرية مهملة، من قبل أن الشاعر قد قال بعد ذلك " قبل أن يسألوا " فنصب الفعل بحذف النون، فدل ذلك على أن لغة هذا القائل النصب بأن المصدرية، فيكون هذا قرينة على أن " أن " الاولى مخففة من الثقيلة، فإن من البعيد أن يجمع الشاعر بين لغتين في بيت واحد.
(1) قد ذكر العلماء أن هذه لغة لجماعة من العرب، يهملون " أن " المصدرية كما أن عامة العرب يهملون " ما " المصدرية فلا ينصبون بها، وأنشدوا على ذلك شواهد كثيرة، وتحقيق هذا الموضوع على الوجه الاكمل مما لا تتسع له هذه العجالة، ولكنا قد ذكرنا لك في شرح الشاهد السابق بعض شواهد من القرآن الكريم ومن الحديث الصحيح ومن الشعر.
(2) " وخففت " الواو عاطفة، خفف: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء تاء التأنيث " كأن " قصد لفظه: نائب فاعل لخفف " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " فنوى "
الفاء عاطفة، نوى: فعل ماض مبني للمجهول " منصوبها " منصوب: نائب فاعل نوى، ومنصوب مضاف والضمير مضاف إليه " وثابتا " الواو عاطفة، وثابتا: حال مقدم = (*)
(1/389)

إذا خففت " كأن " نوي اسمها، وأخبر عنها بجملة اسمية (1)، نحو " كأن زيد قائم " أو جملة فعلية مصدرة ب " لم (2) " كقوله تعالى: (كأن لم تغن بالامس) أو مصدرة ب " قد " كقول الشاعر: أفد الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا، وكأن قد [ 2 ] (3).
__________
= على صاحبه وهو الضمير المستتر في قوله " روى " الآتي، و " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " روى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منصوبها.
(1) لم يستشهد الشارح هنا لمجئ خبر " كأن " جملة اسمية، ومن شواهد ذلك قول الشاعر (ش 108) في رواية أخرى غير التي ذكرها الشارح في إنشاد البيت، ولكنه أشار إليها بعد: وصدر مشرق اللون كأن ثدياه حقان فكأن: حرف تشبيه ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، وثدياه.
مبتدأ ومضاف إليه، وحقان: خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر كأن.
(2) إذا كانت جملة خبر " كأن " المخففة فعلية، فإن قصد بها الثبوت اقترنت حتما بقد كبيت النابغة الذي أنشده الشارح (رقم 2)، وكقول الآخر: لا يهولنك اصطلاء لظى الحرب فمحذورها كأن قد ألما وإن قصد بها النفي اقترنت بلم كما في الآية الكريمة، وكما في قول الخنساء: كأن لم يكونوا حمى يتقى إذ الناس إذ ذاك من عزبزا وكقول شاعر من غطفان (انظره في معجم البلدان 6 / 18).
كأن لم يدمنها أنيس، ولم يكن لها بعد أيام الهدملة عامر (3) هذا هو الشاهد رقم (2) وقد شرحنا هذا البيت في مبحث التنوين أول الكتاب، فانظره هناك، والاستشهاد به هنا في قوله " وكأن قد " حيث خففت " كأن " وحذف اسمها وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد، والتقدير: وكأنه (أي الحال والشأن) قد زالت، ثم حذفت جملة الخبر، لانه قد تقدم في الكلام ما يرشد إليها ويدل عليها، وهو قوله " لما تزل برحالنا ".
(*)
(1/390)

أي: " وكأن قد زالت " فاسم " كأن " في هذه الامثلة محذوف، وهو ضمير الشأن، والتقدير " كأنه زيد قائم، وكأنه لم تغن بالامس، وكأنه قد زالت " والجملة التي بعدها خبر عنها، وهذا معنى قوله: " فنوي منصوبها " وأشار بقوله " وثابتا أيضا روي " إلى أنه قد روي إثبات منصوبها، ولكنه قليل، ومنه قوله: 108 - وصدر مشرق النحر كأن ثدييه حقان
__________
108 - هذا الشاهد أحد الابيات التي استشهد بها سيبويه (ج 1 ص 281) ولم ينسبوها.
اللغة: " وصدر " قد روى سيبويه في مكان هذه الكلمة " ووجه " وروى غيره في مكانها " ونحر " وعلى هاتين الروايتين تكون الهاء في قوله " ثدييه " عائدة إلى " وجه " أو " نحر " بتقدير مضاف، وأصل الكلام: كأن ثديي صاحبه، فحذف المضاف وهو الصاحب وأقام المضاف إليه مقامه " مشرق اللون " مضئ لانه ناصع البياض، وهذا هو الثابت، وقد رواه الشارح كما ترى " حقان " تثنية حقة، وحذفت التاء التي في المفرد من التثنية كما حذفت في تثنية " خصية، وألية " فقالوا: خصيان، وأليان، هكذا قالوا، وليس هذا الكلام بشئ، بل حقان
تثنية حق بضم الحاء وبدون تاء وقد ورد في فصيح شعر العرب بغير تاء، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم التغلبي: وصدرا مثل حق العاج رخصا حصانا من أكف اللامسينا والعرب تشبه الثديين بحق العاج كما في بيت الشاهد وكما في بيت عمرو، ووجه التشبيه أنهما مكتنزان ناهدان.
الاعراب: " وصدر " بعضهم يرويه بالرفع فهو مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ولها صدر، والاكثرون على روايته بالجر، فالواو واو رب، وصدر: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد " مشرق " صفة لصدر، ومشرق مضاف و " اللون " مضاف إليه " كأن " مخففة من الثقيلة " ثدييه " ثديي: اسمها، وثديي مضاف والضمير مضاف إليه = (*)
(1/391)

ف " ثدييه " اسم كأن، وهو منصوب بالياء لانه مثنى، و " حقان " خبر كأن، وروى " كأن ثدياه حقان " فيكون اسم " كأن " محذوفا وهو ضمير الشأن، والتقدير " كأنه ثدياه حقان " و " ثدياه حقان ": مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر كأن، ويحتمل أن يكون " ثدياه " اسم " كأن " وجاء بالالف على لغة من يجعل المثنى بالالف في الاحوال كلها.
* * *.
__________
= " حقان " خبر كأن، ومن روى " ثدياه حقان " وهي الرواية التي أنشدنا البيت عليها في تعليقة سبقت قريبا (ص 390) فهي جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر كأن، واسمها محذوف، والتقدير: كأنه - أي الحال والشأن - ثدياه حقان، وجملة كأن واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ، وقد ذكر الشارح - رحمه الله ! - الروايتين جميعا، وبين وجه كل واحدة منهما بما لا يخرج عما ذكرناه.
الشاهد فيه: قوله " كأن ثدييه حقان " حيث روى بنصب " ثدييه " بالياء المفتوح ما قبلها: على أنه اسم " كأن " المخففة من الثقيلة، وهذا قليل، بالنظر إلى حذف اسمها ومجئ خبرها جملة، ولهذا يروى برفع ثدييه على ما ذكرناه في إعراب البيت، فيكون البيت على هذه الرواية جاريا على ا لكثير الغالب.
ولا داعي لما أجازه الشارح على رواية " كأن ثدياه " من أن يكون " ثدياه " اسم كأن أتى به الشاعر على لغة من يلزم المثنى الالف، فإن في ذلك شيئين كل واحد منهما خلاف الاصل، أحدهما: أن مجئ المثنى في الاحوال كلها بالالف لغة مهجورة قديمة لبعض العرب.
ثانيهما: أن فيه حمل البيت على القليل النادر - وهو ذكر اسم كأن - مع إمكان حمله على الكثير المشهور، والذي يتعين على المعربين ألا يحملوا الكلام على وجه ضعيف متى أمكن حمله على وجه صحيح راجح.
(*)
(1/392)

لا التي لنفي الجنس عمل إن اجعل للا في نكره * مفردة جاءتك أو مكرره (1) هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء، وهي " لا " التي لنفي الجنس، والمراد بها " لا " التي قصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله.
وإنما قلت " التنصيص " احترازا عن التي يقع الاسم بعدها مرفوعا، نحو: " لا رجل قائما "، فإنها ليست نصا في نفي الجنس، إذ يحتمل نفي الواحد ونفي الجنس، فبتقدير إرادة نفي الجنس لا يجوز " لا رجل قائما بل رجلان " وبتقدير إرادة نفي الواحد يجوز " لا رجل قائما بل رجلان "، وأما " لا " هذه فهي لنفي الجنس ليس إلا، فلا يجوز " لا رجل قائم بل رجلان ".
وهي تعمل عمل " إن "، فتنصب المبتدأ اسما لها، وترفع الخبر خبرا لها،
ولا فرق في هذا العمل بين المفردة - وهي التي لم تتكرر - نحو " لا غلام رجل قائم " وبين المكررة، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " (2)..
__________
(1) " عمل " مفعول أول مقدم على عامله وهو قوله " اجعل " الآتي، وعمل مضاف و " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " للا " جار ومجرور متعلق باجعل، وهو المفعول الثاني لاجعل " في نكره " جار ومجرور متعلق باجعل " مفردة " حال من الضمير المستتر في " جاءتك " الآتي " جاءتك " جاء: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " لا " والتاء للتأنيث، والكاف مفعول به لجاء " أو " عاطفة " مكررة " معطوف على مفردة.
(2) ومع أنها تعمل مفردة ومكررة فعملها بعد استيفاء شروطها وهي مفردة واجب، وعملها مكررة جائز.
(*)
(1/393)

ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة (1)، فلا تعمل في المعرفة، وما ورد من ذلك مؤول بنكرة، كقولهم " قضية ولا أبحسن لها " فالتقدير: ولا مسمى بهذا الاسم لها (2) ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك " لا أبا حسن حلالا لها " ولا يفصل بينها وبين اسمها، فإن فصل بينهما ألغيت، كقوله تعالى: (لا فيها غول).
فانصب بها مضافا، أو مضارعه وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه (3).
__________
(1) الشروط التي يجب توافرها لاعمال " لا " عمل إن ستة، وهي: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي بها الجنس، وأن يكون النفي نصا في ذلك، وألا يدخل عليها جار كما دخل عليها في نحو قولهم: جئت بلا زاد، وقولهم: غضبت من لا شئ، وأن يكون
اسمها وخبرها نكرتين، وألا يفصل بينها وبين اسمها فاصل أي فاصل ولا خبرها، وقد صرح الشارح هنا بشرطين وهما الخامس والسادس، وأشار في صدر كلامه إلى الثلاثة الاولى، وترك واحدا، وهو ألا يدخل عليها جار.
(2) هكذا أوله الشارح، وليس تأويله بصحيح، لان المسمى بأبي حسن موجود وكثيرون، فالنفي غير صادق.
وقد أوله العلماء بتأويلين آخرين، أحدهما أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: ولا مثل أبي حسن لها، ومثل كلمة متوغلة في الابهام لا تتعرف بالاضافة، ونفي المثل كناية عن نفي وجود أبي الحسن نفسه، والثاني: أن يجعل " أبا حسن " عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل: ولا فيصل لها، وهذا مثل تأويلهم في باب الاستعارة نحو " حاتم " بالمتناهي في الجود، ونحو " مادر " بالمتناهي في البخل، ونحو " يوسف " بالمتناهي في الحسن، وضابطه: أن يؤول الاسم العلم بما اشتهر به من الوصف.
(3) " فانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بها " جار ومجرور متعلق بانصب " مضافا " مفعول به لانصب " أو " عاطفة " مضارعه " مضارع بمعنى: مشابه: معطوف على قوله " مضافا " ومضارع مضاف والهاء العائدة إلى قوله " مضافا " مضاف إليه " وبعد " ظرف متعلق بقوله " اذكر " الآتي، وبعد مضاف، =
(1/394)

وركب المفرد فاتحا: كلا حول ولا قوة، والثاني اجعلا (1) مرفوعا، أو منصوبا، أو مركبا، وإن رفعت أولا لا تنصبا (2).
__________
= و " ذا " من " ذاك " اسم إشارة: مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الخبر " مفعول به لاذكر الآتي " اذكر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره
أنت " رافعة " رافع: حال من الضمير المستتر في " اذكر " ورافع مضاف والهاء مضاف إليه، من إضافة الصفة لمعمولها، وهي لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا، ولذلك وقع هذا المضاف حالا.
(1) " وركب " الواو عاطفة، ركب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المفرد " مفعول به لركب " فاتحا " حال من الضمير المستتر في " ركب " ومتعلقه محذوف، والتقدير: فاتحا له " كلا " الكاف جارة لقول محذوف على ما سبق غيره مرة، ولا: نافية للجنس " حول " اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، والتقدير: لا حول موجود " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية للجنس أيضا " قوة " اسمها، وخبرها محذوف، وهذه الجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة " والثاني " مفعول أول قدم على عامله، وهو قوله اجعلا الآتي " اجعلا " اجعل: فعل أمر، مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وحرك بالفتح لاجل مناسبة الالف، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف للاطلاق، أو هو فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لاجل الوقف لامحل له من الاعراب، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الاعراب.
(2) " مرفوعا " مفعول ثان لاجعل في البيت السابق " أو منصوبا " أو: حرف عطف، منصوبا: معطوف على مرفوع " أو مركبا " معطوف على قوله " مرفوعا " السابق " وإن " الواو عاطفة، إن: شرطية " رفعت " رفع: فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح المقدر في محل جزم، وتاء المخاطب فاعل " أولا " مفعول به لرفعت " لا " ناهية " تنصبا ": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة = (*)
(1/395)

لا يخلو اسم " لا " [ هذه ] من ثلاثة أحوال، الحال الاول: أن يكون مضافا [ نحو " لا غلام رجل حاضر " ].
الحال الثاني: أن يكون مضارعا
للمضاف، أي مشابها له، والمراد به: كل اسم له تعلق بما بعده: إما بعمل، نحو " لا طالعا جبلا ظاهر، ولا خيرا من زيد راكب "، وإما بعطف نحو: " لا ثلاثة وثلاثين عندنا " ويسمى المشبه بالمضاف: مطولا، وممطولا، أي: ممدودا، وحكم المضاف والمشبه به النصب لفظا، كما مثل، والحال الثالث: أن يكون مفردا، والمراد به - هنا - ما ليس بمضاف، ولا مشبه بالمضاف، فيدخل فيه المثنى والمجموع، وحكمه البناء على ما كان ينصب به، لتركبه مع " لا " وصيرورته معها كالشئ الواحد، فهو معها كخمسة عشر، ولكن محله النصب بلا، لانه اسم لها، فالمفرد الذي ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح، لان نصبه بالفتحة نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء نحو " لا مسلمين لك، ولا مسلمين " فمسلمين ومسلمين مبنيان، لتركبهما مع " لا " كما بنى " رجل " [ لتركبه ] معها.
وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن " رجل " في قولك: " لا رجل " معرب، وأن فتحته فتحة إعراب، لا فتحة بناء، وذهب المبرد إلى أن " مسلمين " و " مسلمين " معربان (1)..
__________
= المنقلبة ألفا لاجل الوقف في محل جزم بلا الناهية، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذف منها الفاء ضرورة، وكان حقه أن يقول: وإن رفعت أولا فلا تنصبا.
(1) ذهب أبو العباس المبرد إلى أن اسم " لا " إذا كان مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما فهو معرب منصوب بالياء، وليس مبنيا كما ذهب إليه جمهور النحاة، واحتج لما ذهب إليه بأن التثنية والجمع من خصائص الاسماء، وقد علمنا أن من شرط بناء الاسم لشبهه = (*)
(1/396)

وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم: مبني على ما كان ينصب به وهو الكسر، فتقول: " لا مسلمات لك " بكسر التاء، ومنه قوله: 109 - إن الشباب الذي مجد عواقبه فيه نلذ، ولا لذات للشيب.
__________
= بالحرف في وجه من وجوه الشبه التي تقدم بيانها: ألا يعارض هذا الشبه شئ من خصوصيات الاسماء، والجواب على هذه الشبهة من وجهين: أولهما وهو وجه عقلي أن ما كان من خصائص الاسماء إنما يقدح في بناء الاسم ويعارضه إذا طرأ على الاسم بعد كونه مبنيا، فأما إذا كان ما هو من خصائص الاسماء موجودا في الاسم ثم عرض لهذا الاسم ما يقتضي شبهه بالحرف من بعد ذلك فإنه لهذا لا يعارض سبب البناء ولا يمنع منه، ونحن ندعي أن الاسم كان مثنى أو مجموعا، ثم دخلت عليه لا فتركب معها تركب خمسة عشر، فوجد سبب البناء طارئا على ما هو من خصائص الاسم، الثاني - وهو نقض لمذهبه بعدم الاطراد - أن المبرد نفسه قد اتفق مع الجمهور على بناء اسم لا المجموع جمع تكسير، ولم يعبأ معه بما هو من خصائص الاسم وهو الجمع، كما اتفق مع الجمهور على بناء المنادى المثنى أو المجموع جمع المذكر السالم على ما يرفع به، ولم يعبأ بما هو من خصائص الاسماء.
109 - البيت لسلامة بن جندل السعدي، من قصيدة له مستجادة، وأولها قوله أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب أودى، وذلك شأو غير مطلوب ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه لو كان يدركه ركض اليعاقيب اللغة: " أودى " ذهب وفنى، وكرر هذه الكلمة تأكيدا لمضمونها، لانه إنما أراد إنشاء التحسر والتحزن على ذهاب شبابه " حميدا " محمودا " التعاجيب " العجب، وهو جمع لا واحد له من لفظه، ويروى في مكانه " الاعاجيب " وهو جمع أعجوبة، وهي الامر الذي يتعجب منه " شأو " هو الشوط " حثيثا " سريعا " اليعاقيب " جمع
يعقوب، وهو ذكر الحجل " مجد عواقبه " المراد أن نهايته محمودة " الشيب " بكسر الشين جمع أشيب وهو الذي ابيض شعره، وروى صدر البيت المستشهد به هكذا: * أودى الشباب الذي مجد.
إلخ * = (*)
(1/397)

وأجاز بعضهم الفتح، نحو " لا مسلمات لك " (1)..
__________
= الاعراب: " إن " حرف توكيد ونصب " الشباب " اسم إن " الذي " اسم موصول: نعت للشباب " مجد " يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو مجد، وعواقبه على هذا نائب فاعل مجد، لانه مصدر بمعنى اسم المفعول كما فسرناه ويجوز أن يكون " مجد " خبرا مقدما، و " عواقبه " مبتدأ مؤخرا، وجاز الاخبار بالمفرد وهو مجد عن الجمع وهو عواقب لان الخبر مصدر، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد، لانه لا يثنى ولا يجمع، وعلى كل حال فجملة " مجد عواقبه " سواء أقدرت مبتدأ أم لم تقدر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله نلذ الآتي " نلذ " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن " ولا " نافية للجنس " لذات " اسم لا، مبني على الكسرة نيابة عن الفتحة لانه جمع مؤنث سالم في محل نصب " للشيب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " الشاهد فيه: قوله " ولا لذات للشيب " حيث جاء اسم لا - وهو لذات - جمع مؤنث سالما، ووردت الرواية ببنائه على الكسرة نيابة عن الفتحة، كما كان ينصب بها لو أنه معرب.
(1) اعلم أن للعلماء في اسم " لا " إذا كان جمع مؤنث سالما أربعة مذاهب: الاول: أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة من غير تنوين، وهذا مذهب جمهرة النحاة.
الثاني: أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لكن يبقى له تنوينه، وهذا مذهب
صححه ابن مالك صاحب الالفية، وجزم به في بعض كتبه، ونقله عن قوم، وحجتهم في عدم حذف التنوين أنه قد تقرر أن تنوين جمع المؤنث السالم هو تنوين المقابلة، وهو لا ينافي البناء، فلا يحذف.
الثالث: أنه مبني على الفتح، وهذا مذهب المازني والفارسي، ورجحه ابن هشام في المغنى والمحقق الرضي في شرح الكافية وابن مالك في بعض كتبه.
الرابع: أن يجوز فيه البناء على الكسرة نيابة عن الفتحة، والبناء على الفتح.
وزعم كل شراح الالفية أن بيت سلامة بن جندل (الشاهد رقم 109) يروى بالوجهين جميعا، فإذا صح ذلك لم يكن لايجاب أحد الامرين بعينه وجه وجيه، ويؤخذ = (*)
(1/398)

وقول المصنف: " وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه " معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم " لا " مرفوعا، والرافع له " لا " عند المصنف وجماعة [ وعند سيبويه الرافع له لا ] إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف، وإن كان الاسم مفردا فاختلف في رافع الخبر، فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا ب " لا " وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ، لان مذهبه أن " لا " واسمها المفرد في موضع رفع بالابتداء، والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ، ولم تعمل " لا " عنده في هذه الصورة إلا في الاسم، وذهب الاخفش إلى أن الخبر مرفوع ب " لا " فتكون " لا " عاملة في الجزءين كما عملت فيهما مع المضاف والمشبه به.
وأشار بقوله: " والثاني اجعلا " إلى أنه إذا أتى بعد " لا " والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت " لا " نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " يجوز فيهما خمسة أوجه، وذلك لان المعطوف عليه: إما أن يبنى مع " لا " على الفتح، أو ينصب، أو يرفع.
فإن بنى معها على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه:
الاول: البناء على الفتح، لتركبه مع " لا " الثانية، وتكون [ لا ] الثانية عاملة عمل إن، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " (1).
__________
= من كلام ابن الانباري أن بيت سلامة يروى بالفتح دون الكسر، فيكون تأييدا لمذهب المازني ومن معه، ولكنا لا نستطيع أن نرد رواية الكسر بمجرد كون ابن الانباري لم يحفظها.
(1) وعلى تركيب الثانية مع اسمها كتركيب الاولى مع اسمها قرأ أبو عمرو وابن كثير في قوله سبحانه: (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) بفتح بيع وخلة وشفاعة، و " لا " في المواضع الثلاثة نافية للجنس عاملة عمل إن، والاسم المفتوح بعدها اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها - فيما عدا الاول - محذوف لدلالة ما قبله عليه.
ومن شواهد ذلك قول الراجز (وقد أنشدناه في شرح الشاهد رقم 27 السابق): نحن بنو خويلد صراحا لا كذب اليوم ولا مزاحا (*)
(1/399)

الثاني: النصب عطفا على محل اسم " لا "، وتكون " لا " الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " ومنه قوله: 110 - لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع.
__________
110 - البيت لانس بن العباس بن مرداس، وقيل: بل هو لابي عامر جد العباس ابن مرداس، ويروى عجز البيت كما رواه الشارح العلامة من كلمة عينية، وبعده: كالثوب إذ أنهج فيه البلى أعيا على ذي الحيلة الصانع وروى أبو علي القالي صدر هذا البيت مع عجز آخر، وهو: * اتسع الخرق على الراتق * من كلمة قافية، وقبله: لا صلح بيني فاعلموه ولا بينكم، ما حملت عاتقي
سيفي، وما كنا بنجد، وما قرقر قمر الواد بالشاهق اللغة: " خلة " بضم الخاء وتشديد اللام هي الصداقة، وقد تطلق الخلة على الصديق نفسه، كما في قول رجل من بني عبد القيس، وهو أحد شعراء الحماسة.
ألا أبلغا خلتي راشدا وصنوي قديما إذا ما تصل " الراقع " ومثله " الراتق " الذي يصلح موضع الفساد من الثوب " أنهج " أخذ في البلى " أعيا " صعب، وشق، واشتد " العاتق " موضع الرداء من المنكب " قرقر قمر " قرقر: صوت، وصاح، و " قمر " يجوز أن يكون جمع أقمر، فوزانه وزان أحمر وحمر وأصفر وصفر، ويجوز أن يكون جمع قمري، كروم في جمع رومي " الشاهق " الجبل المرتفع.
الاعراب: " لا " نافية للجنس " نسب " اسمها، مبني على الفتح في محل نصب " اليوم " ظرف متعلق بمحذوف خبر لا " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " خلة " معطوف على نسب، بالنظر إلى محل اسم " لا " الذي هو النصب " اتسع " فعل ماض " الخرق " فاعل لاتسع " على الراقع " جار ومجرور متعلق بقوله " اتسع ".
= (*)
(1/400)

الثالث: الرفع، وفيه ثلاثة أوجه، الاول: أن يكون معطوفا على محل " لا " واسمها، لانهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وحينئذ تكون " لا " زائدة، الثاني: أن تكون " لا " الثانية عملت عمل " ليس "، الثالث: أن يكون مرفوعا بالابتداء، وليس للاعمل فيه، وذلك نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " ومنه قوله: 111 - هذا - لعمركم - الصغار بعينه لا أم لي - إن كان ذاك - ولا أب
.
__________
= الشاهد فيه: قوله " ولا خلة " حيث نصب على تقدير أن تكون " لا " زائدة للتأكيد، ويكون " خلة " معطوفا بالواو على محل اسم " لا " وهو قوله " نسب " عطف مفرد على مفرد، وهذا هو الذي حمله الشارح تبعا لجمهور النحاة عليه.
وقال يونس بن حبيب: إن " خلة " مبني على الفتح في محل نصب، ولكنه نونه للضرورة، وبناؤه على الفتح عنده على أن " لا " الثانية عاملة عمل " إن " مثل الاولى، وخبرها محذوف يرشد إليه خبر الاولى، والتقدير " ولا خلة اليوم " والواو قد عطفت جملة " لا " الثانية مع اسمها وخبرها على جملة لا الاولى، وهو كلام لا متمسك له، بل يجب ألا يحمل عليه الكلام، لان الحمل على وجه يستتبع الضرورة لا يجوز متى أمكن الحمل على وجه سائغ لا ضرورة معه.
وقال الزمخشري في مفصله: إن " خلة " منصوب بفعل مضمر، وليس معطوفا على لفظ اسم لا، ولا على محله، والتقدير عنده: لانسب اليوم ولا تذكر خلة، وهو تكلف لا مقتضى له، ويلزم عليه عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، والافضل في العطف توافق الجملة المعطوفة مع الجملة المعطوف عليها في الفعلية والاسمية ونحوهما.
111 - اختلف العلماء في نسبة هذا البيت، فقيل: هو لرجل من مذحج، وكذلك نسبوه في كتاب سيبويه، وقال أبو رياش: هو لهمام بن مرة أخي جساس بن مرة قاتل كليب، وقال ابن الاعرابي: هو لرجل من بني عبد مناف، وقال الحاتمي: هو لابن أحمر، وقال الاصفهاني: هو لضمرة بن ضمرة، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدا، ولا يعرف له قائل.
= (26 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/401)

.
__________
= اللغة: " هذا لعمركم " العمر بفتح فسكون الحياة، وقد فصل بين المبتدأ الذي هو اسم الاشارة وخبره، بجملة القسم وهي قوله " لعمركم " مع خبره المحذوف ويروى " هذا وجدكم " والجد: الحظ والبخت، وهو أيضا أبو الاب " الصغار "
بزنة سحاب الذل، والمهانة، والحقارة " بعينه " يزعم بعض العلماء أن الباء زائدة، وكأنه قد قال: هذا الصغار عينه، ولا داعي لذلك.
الاعراب: " هذا " اسم اشارة مبتدأ " لعمركم " اللام لام الابتداء، وعمر: مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا، والتقدير: لعمركم قسمي، وعمر مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة معترضة بين المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب " الصغار " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة " بعينه " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، وقيل: الباء زائدة، وعليه يكون قوله عين تأكيدا للصغار، وعين مضاف والهاء مضاف إليه " لا " نافية للجنس " أم " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا " إن " شرطية " كان " فعل ماض ناقص فعل الشرط، مبني على الفتح في محل جزم " ذاك " ذا: اسم كان، وخبرها محذوف، والتقدير: إن كان ذاك محمودا، أو نحوه " ولا " الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي " أب " بالرفع - معطوف على محل لا واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وفيه إعرابان آخران ستعرفهما في بيان الاستشهاد بالبيت.
الشاهد فيه: قوله " ولا أب " حيث جاء مرفوعا على واحد من ثلاثة أوجه: إما على أن يكون معطوفا على محل " لا " مع اسمها كما ذكرناه، أو على أن " لا " الثانية عاملة عمل ليس، و " أب " اسمها، وخبرها محذوف، أو على أن تكون " لا " غير عاملة أصلا، بل هي زائدة، ويكون " أب " مبتدأ خبره محذوف، وقد ذكر ذلك الشارح العلامة.
ومثله قول جرير بن عطية: بأي بلاء يا نمير بن عامر وأنتم ذنابى، لا يدين ولا صدر ؟ وقد ورد على غرار ذلك قول المتنبي: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
(1/402)

وإن نصب المعطوف عليه جاز في المعطوف الاوجه الثلاثة المذكورة - أعني البناء، والرفع، والنصب - نحو: لا غلام رجل ولا امرأة، ولا امرأة، ولا امرأة.
وإن رفع المعطوف عليه جاز في الثاني وجهان، الاول البناء على الفتح، نحو " لا رجل ولا امرأة، ولا غلام رجل ولا امرأة " ومنه قوله: 112 - فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به أبدا مقيم.
__________
112 - البيت لامية بن أبي الصلت، ولكن الشارح - كغيره من النحاة - قد لفق صدر بيت من أبيات كلمة أمية على عجز بيت آخر منها، وصواب إنشاد البيتين هكذا: ولا لغو ولا تأثيم فيها ولا حين ولا فيها مليم وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به أبدا مقيم اللغة: " لغو " أي.
قول باطل، وما لا يعتد به من الكلام " تأثيم " هو مصدر أثمته - بتشديد الثاء - بمعنى نسبته إلى الاثم بأن قلت له: يا آثم، يريد أن بعضهم لا ينسب بعضا إلى الاثم، لانهم لا يفعلون ما يصحح نسبتهم إليه " حين " هلاك وفناء " مليم " بضم الميم وهو الذي يفعل ما يلام عليه " ساهرة " هي وجه الارض، يريد أن في الجنة لحم حيوان البر.
الاعراب: " فلا " نافية ملغاة " لغو " مبتدأ، مرفوع بالضمة الظاهرة " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية للجنس تعمل عمل إن " تأثيم " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب " فيها " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " وخبر المبتدأ محذوف يدل عليه خبر لا هذا، ويجوز عكس ذلك على ضعف فيه فيكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف خبر المبتدأ، ويكون خبر لا هو المحذوف، وعلى أية حال فإن الواو قد عطفت جملة لا مع اسمها وخبرها على جملة المبتدأ والخبر " وما " اسم موصول مبتدأ " فاهوا " فعل وفاعل، والجملة من فاه وفاعله لا محل لها صلة الموصول " به "
جار ومجرور متعلق بفاهوا " أبدا " منصوب على الظرفية ناصبه فاهوا أو مقيم " مقيم " خبر المبتدأ، ويجوز أن تكون لا الاولى نافية عاملة عمل ليس، ولغو: اسمها، وخبرها محذوف يدل عليه خبر لا الثانية العاملة عمل إن أو خبر لا الاولى هو = (*)
(1/403)

والثاني: الرفع، نحو " لا رجل ولا امرأة، ولا غلام رجل ولا امرأة (1) ".
ولا يجوز النصب للثاني، لانه إنما جاز بها تقدم للعطف على [ محل ] اسم " لا " و " لا " هنا ليست بناصبة، فيسقط النصب، ولهذا قال المصنف: " وإن رفعت أولا لا تنصبا ".
* * * ومفردا نعتا لمبني يلي فافتح، أو انصبن، أو ارفع، تعدل (2).
__________
= المذكور بعد، وخبر الثانية محذوف يدل عليه خبر الاولى، وتكون الواو قد عطفت جملة لا الثانية العاملة عمل إن على جملة لا الاولى العاملة عمل ليس، ولكن الوجه الثاني من وجهي الخبر ضعيف، لما يلزم عليه من العطف قبل استكمال المعطوف عليه.
الشاهد فيه: قوله " فلا لغو ولا تأثيم " حيث ألغى لا الاولى، أو أعملها عمل ليس، فرفع الاسم بعدها، وأعمل " لا " الثانية عمل " إن " على ما بيناه في إعراب البيت.
ومثل هذا الشاهد قول عامر بن جوين الطائي، وهو الشاهد رقم 146 الآتي في باب الفاعل: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها الرواية فيه برفع " مزنة " بالضمة الظاهرة وبفتح " أرض " والقول فيهما كالقول في " لا لغو ولا تأثيم ".
(1) من شواهد هذا الوجه قول الله تعالى: (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة)
يرفع الثلاثة في قراءة غير أبي عمرو وابن كثير، وقول عبيد بن حصين الراعي: وما هجرتك حتى قلت معلنة: لا ناقة لي في هذا ولا جمل وقد نسج عليه أبو الطيب المتنبي في قوله: بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن ؟ (2) " ومفردا نعتا " يجوز أن يكون مفردا مفعولا مقدما تنازعه العوامل الثلاثة = (*)
(1/404)