لطفاً کليه فايل هاي قابل دانلود در اين سايت، مخصوصاً فايل هاي پيوست شده را با نرم افزارهاي مخصوص مديريت دانلود، دريافت نماييد مانند نرم افزار دانلود منيجر که در این لينک قابل دريافت و نصب است http://mcaf.ee/6wz9g در صورت عدم استفاده از نرم افزارهاي مخصوص دانلود و استفاده از دانلود منيجر داخلي مرورگرها احتمال دانلود ناقص فايل ها وجود دارد
نمایش نتایج: از شماره 1 تا 3 , از مجموع 3
  1. #1
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 4

    الكتاب : شرح ابن عقيل
    مصدر الكتاب : الإنترنت
    [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

    فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف، نحو: " مررت بالذي غضبت عليه " فلا يجوز حذف " عليه " وكذلك " مررت بالذي مررت به على زيد " فلا يجوز حذف " به " منه، لاختلاف معنى الحرفين، لان الباء الداخلة على الموصول للالصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا، نحو: " مررت بالذي فرحت به " فلا يجوز حذف " به ".
    وهذا كله هو المشار إليه بقوله: " كذا الذي جر بما الموصول جر " أي كذلك يحذف الضمير الذي جر بمثل ما جر الموصول به (1)، نحو: " مررت.
    __________
    = المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " تخفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من تخفي وفاعله خبر " كان " في محل نصب " حب " مفعول به لتخفي، وحب مضاف و " سمراء " مضاف إليه " حقبة " ظرف زمان متعلق بتخفي " فبح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لان " ظرف زمان متعلق ببح " بالذي " جار ومجرور متعلق ببح أيضا " أنت بائح " مبتدأ وخبر، والجملة منهما لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالباء، والعائد محذوف، وتقدير الكلام: فبح الآن بالذي أنت بائح به.
    الشاهد فيه: قوله " بالذي أنت بائح " حيث استساغ الشاعر حذف العائد المجرور على الموصول من جملة الصلة، لكونه مجرورا بمثل الحرف الذي جر الموصول وهو الباء والعامل في الموصول متحد مع العامل في العائد مادة: الاول " بح " والثاني " بائح " ومعنى: لانهما جميعا من البوح بمعنى الاظهار والاعلان.
    (1) ومثله أن يكون الموصول وصفا لاسم، وقد جر هذا الموصوف بحرف مثل الذي مع العائد، ومنه قول كعب بن زهير: إن تعن نفسك بالامر الذي عنيت نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا لا تركنن إلى الامر الذي ركنت أبناء يعصر حين اضطرها القدر = (*)
    (1/175)

    بالذي مررت فهو بر " أي: " بالذي مررت به " فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التسبق ذكرها.
    * * *.
    __________
    = ففي كل بيت من هذين البيتين شاهد لما ذكرناه.
    أما البيت الاول فإن الشاهد فيه قوله " بالامر الذي عنيت " فإن التقدير فيه: بالامر الذي عنيت به، فحذف المجرور ثم الجار، لكون الموصوف بالموصول مجرورا بمثل الذي جر ذلك العائد.
    وأما البيت الثاني فالشاهد فيه قوله " إلى الامر الذي ركنت " فإن تقدير الكلام: إلى الامر الذي ركنت إليه، فحذف المجرور، ثم حذف الجار، لكون الموصوف - وهو الامر - مجرورا بحرف مماثل للحرف الذي جر به ذلك العائد.
    * * * (*)
    (1/176)

    المعرف بأداة التعريف
    أل حرف تعريف، أو اللام فقط، فنمط عرفت قل فيه: " النمط " (1) اختلف النحويون في حرف التعريف في " الرجل " ونحوه، فقال الخليل المعرف هو " أل "، وقال سيبويه: هو اللام وحدها، فالهمزة عند الخليل همزة قطع، وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن (2)..
    __________
    (1) " أل " مبتدأ " حرف " خبر المبتدأ، وحرف مضاف و " تعريف " مضاف إليه " أو " عاطفة " اللام " مبتدأ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: أو اللام حرف تعريف " فقط " الفاء حرف زائد (لتزيين) ؟ اللفظ، وقط: اسم بمعنى حسب - أي كاف - حال من " اللام " وتقدير الكلام: أو اللام حال كونه كافيك، أو الفاء داخلة في جواب شرط محذوف و " قط " على هذا إما اسم فعل أمر بمعنى انته، وتقدير الكلام " إذا عرفت ذلك فانته " وإما اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف، أي إذا عرفت ذلك فهو كافيك، وقوله " نمط " مبتدأ " عرفت " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع نعت لنمط " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فيه " جار ومجرور متعلق بقل " النمط " مفعول به لقل، لانه مقصود لفظه، وقيل: إن " عرفت " فعل شرط حذفت أداته، وجملة " قل " جواب الشرط حذفت منه الفاء، والتقدير: نمط إن عرفته فقل فيه النمط، أي إن أردت تعريفه، وجملة الشرط وجوابه على هذا خبر المبتدأ، وهو تكلف لا داعي له.
    (2) ذهب الخليل إلى أن أداة التعريف هي " أل " برمتها، وأن الهمزة همزة أصلية، وأنها همزة قطع، بدليل أنها مفتوحة، إذ لو كانت همزة وصل لكسرت، لان الاصل في همزة الوصل الكسر، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض، وليس هنا عارض يقتضي ضمها أو فتحها، وبقي عليه أن يجيب عما دعا إلى جعلها في الاستعمال همزة وصل، = (12 - شرح ابن عقيل 1)
    (1/177)

    والالف واللام المعرفة تكون للعهد، كقولك: " لقيت رجلا فأكرمت الرجل " وقوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول) ولاستغراق الجنس، نحو: (إن الانسان لفي خسر) وعلامتها أن يصلح موضعها " كل " ولتعريف الحقيقة، نحو: " الرجل خير من المرأة " أي: هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة.
    و " النمط " ضرب من البسط، والجمع أنماط مثل سبب وأسباب والنمط أيضا الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد، كذا قاله الجوهري.
    * * * وقد تزاد لازما: كاللات، والآن، والذين، ثم اللات (1) ولاضطرار: كبنات الاوبر كذا، " وطبت النفس يا قيس " السري (2).
    __________
    = والجواب عنده أنها إنما صارت همزة وصل في الاستعمال، لقصد التخفيف الذي اقتضاه كثرة استعمال هذا اللفظ.
    وذهب سيبويه رحمه الله إلى أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن الهمزة زائدة، وأنها همزة وصل أتى بها توصلا إلى النطق بالساكن، فإن قيل: فلماذا أتى بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ولم تتحرك اللام ؟ أجيب عن ذلك بأنها لو حركت لكانت إما أن تحرك بالكسر فتلتبس بلام الجر، أو بالفتح فتلتبس بلام الابتداء، أو بالضم فتكون مما لا نظير له في العربية، فلاجل ذلك عدل عن تحريك اللام، وأبقيت على أصل وضعها، وجئ بهمزة الوصل قبلها.
    (1) " قد " حرف تقليل " تزاد " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى " أل " " لازما " حال من مصدر الفعل السابق، وتقديره: تزاد حال كون الزيد لازما، وقيل: هو مفعول مطلق، وهو
    وصف لمصدر محذوف: أي زيدا لازما، وأنكر هذا ابن هشام على المعربين " كاللات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كاللات " والآن، والذين، ثم اللات " معطوفات على اللات.
    (2) " لاضطرار " جار ومجرور متعلق بتزاد " كبنات " الكاف جارة لقول = (*)
    (1/178)

    ذكر المصنف في هذين البيتين أن الالف واللام تأتي زائدة، وهي - في زيادتها - على قسمين: لازمة، وغير لازمة.
    ثم مثل الزائدة اللازمة ب " اللات " (1) وهو اسم صنم كان بمكة، وب " الآن " وهو ظرف زمان مبني على الفتح (2)، واختلف في الالف واللام الداخلة عليه،.
    __________
    = محذوف، وهي ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك إلخ، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ من مادة القول محذوف أيضا " طبت " فعل وفاعل " النفس " تمييز " يا " حرف نداء " قيس " منادى مبني على الضم في محل نصب " السري " نعت له، وتقدير الكلام: وقولك: " طبت النفس يا قيس " كذلك.
    (1) مثل اللات كل علم قارنت " أل " وضعه لمعناه العلمي، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا، فمثال المرتجل من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه: السموأل، وهو اسم شاعر جاهلي مشهور يضرب به المثل في الوفاء، ومثال المنقول من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا: العزى، وهو في الاصل مؤنث الاعز وصف من العزة، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها، ومنه اللات، وهو في الاصل اسم فاعل من لت السويق بلته، ثم سمى به صنم، وأصله بتشديد التاء، فلما سمى به خففت تاؤه، لان الاعلام كثيرا ما يغير فيها، ومنه " اليسع " فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به.
    (2) أكثر النحاة على أن " الآن " مبني على الفتح، ثم اختلفوا في سبب بنائه ؟ فذهب قوم إلى أن علة بنائه تضمنه معنى " أل " الحضورية، وهذا الرأي هو الذي نقله الشارح عن المصنف وجماعة، وهؤلاء يقولون: إن " أل " الموجودة فيه زائدة، وبناؤه لتضمنه معنى " أل " أخرى غير موجودة، ونظير ذلك بناء " الامس " في قول نصيب بن رباح: وإني وقفت اليوم والامس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب فإنهم جعلوا بناءه في هذا وما أشبهه لتضمنه معنى " أل " غير الموجودة فيه، وهذا = (*)
    (1/179)

    فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما في قولك: " مررت بهذا الرجل "، لان قولك: " الآن " بمعنى هذا الوقت، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف، وهو لام الحضور.
    ومثل - أيضا - ب " الذين "، و " اللات " والمراد بهما ما دخل عليه " أل " من الموصولات، وهو مبني على أن تعريف الموصول بالصلة، فتكون الالف واللام زائدة، وهو مذهب قوم، واختاره المصنف، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول ب " أل " إن كانت فيه نحو: " الذي " فإن لم تكن فيه فبنيتها نحو: " من، وما " إلا " أيا " فإنها تتعرف بالاضافة، فعلى هذا المذهب لا تكون الالف واللام زائدة، وأما حذفها في قراءة من قرأ: (صراط الذين أنعمت عليهم) فلا يدل على أنها زائدة، إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرفة، كما حذفت من قولهم: " سلام عليكم " من غير تنوين يريدون " السلام عليكم ".
    وأما الزائدة غير اللازمة فهي الداخلة اضطرارا على العلم، كقولهم في " بنات أوبر " علم لضرب من الكمأة " بنات الاوبر " ومنه قوله:.
    __________
    = عجيب منهم، لانهم ألغوا الموجود، واعتبروا المعدوم، وقال قوم: بني " الآن " لضمنه معنى الاشارة، فإنه بمعنى هذا الوقت، وهذا قول الزجاج، وقيل: بني " الآن " لشبهه بالحرف شبها جموديا، ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر ؟ بخلاف غيره من أسماء الزمان كحين ووقت وزمن وساعة، ومن الناس من يقول: الآن اسم إشارة إلى الزمان، كما أن هنا اسم إشارة إلى المكان، فبناؤه على هذا لتضمنه معنى كان حقه أن يؤدى بالحرف، ومن النحاة من ذهب إلى أنه معرب، وأنه ملازم للنصب على الظرفية وقد يخرج عنها إلى الجر بمن، فيقال: سأحالفك من الآن، بالجر، ويقول صاحب النكت: " وهذا قول لا يمكن القدح فيه، وهو الراجح عندي، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة " اه.
    (*)
    (1/180)

    36 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الاوبر.
    __________
    36 - هذا البيت من الشواهد التي لم يعرفوا لها قائلا، وممن استشهد به أبو زيد في النوادر.
    اللغة: " جنيتك " معناه جنيت لك، ومثله - في حذف اللام وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا - قوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم) و (يبغونها عوجا) و (والقمر قدرناه منازل) " أكمؤا " جمع كم ء - بزنة فلس - ويجمع الكم ء على كمأة، أيضا، فيكون المفرد خاليا من التاء وهي في جمعه، على عكس تمرة وتمر، وهذا من نوادر اللغة، " وعساقلا " جمع عسقول - بزنة عصفور - وهو نوع من الكمأة، وكان أصله عساقيل، فحذفت الياء كما حذفت في قوله تعالى: (وعنده
    مفاتح الغيب) فإنه جمع مفتاح، وكان قياسه مفاتيح، فحذفت الياء، ويقال: المفاتح جمع مفتح، وليس جمع مفتاح، فلا حذف، وكذا يقال: العساقل جمع عسقل بزنة منبر و " بنات الاوبر " كمأة صغار مزغبة كلون التراب، وقال أبو حنيفة الدينوري: بنات أوبر كمأة كأمثال الحصي صغار، وهي رديئة الطعم.
    الاعراب: " ولقد " الواو للقسم، واللام للتأكيد، وقد: حرف تحقيق " جنيتك " فعل وفاعل ومفعول أول " أكمؤا " مفعول ثان " وعساقلا " معطوف على قوله أكمؤا " ولقد " الواو عاطفة، واللام موطئة للقسم، و " قد " حرف تحقيق " نهيتك " فعل وفاعل ومفعول " عن " حرف جر " بنات " مجرور بعن، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " بنات الاوبر " حيث زاد " أل " في العلم مضطرا، لان " بنات أوبر " علم على نوع من الكمأة ردئ، والعلم لا تدخله " أل "، فرارا من اجتماع معرفين، وهما حينئذ العلمية وأل، فزادها هنا ضرورة، قال الاصمعي: " وأما قول الشاعر: * ولقد نهيتك عن بنات الاوبر * فإنه زاد الالف واللام للضرورة، وكقول الراجز: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب لدى قصورها = (*)
    (1/181)

    والاصل " بنات أوبر " فزيدت الالف واللام، وزعم المبرد أن " بنات أوبر " ليس بعلم، فالالف واللام - عنده - غير زائدة.
    ومنه الداخلة اضطرارا على التمييز، كقوله: 37 - رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صددت، وطبت النفس يا قيس عن عمرو
    .
    __________
    (وقد سبق لنا ذكر هذا البيت في باب العلم، ونسبناه هناك لابي النجم العجلي) وقول آخر: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي مكان من أشتى على الركائب قال: وقد يجوز أن أوبر نكرة فعرفه باللام، كما حكى سيبويه أن عرسا من ابن عرس قد نكره بعضهم فقال: هذا ابن عرس مقبل " اه كلام الاصمعي.
    37 - البيت لرشيد بن شهاب اليشكري، وزعم التوزي - نقلا عن بعضهم - أنه مصنوع لا يحتج به، وليس كذلك، لان العلماء عرفوا قائله ونسبوه إليه.
    اللغة: " رأيتك " الخطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكري، وهو المذكور في آخر البيت " وجوهنا " أراد بالوجوه ذواتهم، ويروى " لما أن عرفت جلادنا " أي: ثباتنا في الحرب وشدة وقع سيوفنا " صددت " أعرضت ونأيت " طبت النفس " يريد أنك رضيت " عمرو " كان صديقا حميما لقيس، وكان قوم الشاعر قد قتلوه.
    المعنى: يندد بقيس، لانه فر عن صديقه لما رأى وقع أسيافهم، ورضي من الغنيمة بالاياب، فلم يدافع عنه، ولم يتقدم للاخذ بثأره بعد أن قتل.
    الاعراب: " رأيتك " فعل وفاعل ومفعول، وليس بحاجة لمفعول ثان، لان " رأى " هنا بصرية " لما " ظرفية بمعنى حين تتعلق برأى " أن " زائدة " عرفت " فعل وفاعل " وجوهنا " وجوه: مفعول به لعرف، ووجوه مضاف والضمير مضاف إليه " صددت " فعل وفاعل، وهو جواب " لما " و " طبت " فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة صددت " النفس " تمييز نسبة " يا قيس " يا: حرف نداء، و " قيس " منادى، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين العامل ومعموله " عن عمرو " جار ومجرور متعلق بصددت، أو بطبت على أنه ضمنه معنى تسليت.
    = (*)
    (1/182)

    والاصل " وطبت نفسا " فزاد الالف واللام، وهذا بناء على أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وهو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى جواز كونه معرفة، فالالف واللام عندهم غير زائدة.
    وإلى هذين البيتين اللذين أنشدناهما أشار المصنف بقوله: " كبنات الاوبر "، وقوله: " وطبت النفس يا قيس السرى ".
    * * * وبعض الاعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا (1)
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " طبت النفس " حيث أدخل الالف واللام على التمييز الذي يجب له التنكير - ضرورة، وذلك في اعتبار البصريين، وقد ذكر الشارح أن الكوفيين لا يوجبون تنكير التمييز، بل يجوز عندهم أن يكون معرفة وأن يكون نكرة، وعلى ذلك لا تكون " أل " زائدة، بل تكون معرفة.
    ومن العلماء من قال: " النفس " مفعول به لصددت، وتمييز طبت محذوف، والتقدير على هذا: صددت النفس وطبت نفسا يا قيس عن عمرو، وعلى هذا لا يكون في البيت شاهد، ولكن في هذا التقدير من التكلف مالا يخفى.
    (1) " وبعض " مبتدأ، وبعض مضاف و " الاعلام " مضاف إليه " عليه " جار ومجرور متعلق بدخل الآتي " دخلا " دخل فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أل، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " للمح " جار ومجرور متعلق بدخل، ولمح مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام " عنه " جار ومجرور متعلق بقوله نقل الآتي " نقلا " نقل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام، والالف للاطلاق، والجملة في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها صلة الموصول.
    (*)
    (1/183)

    كالفضل، والحارث، والنعمان، فذكر ذا وحذفه سيان (1) ذكر المصنف - فيما تقدم - أن الالف واللام تكون معرفة، وتكون زائدة، وقد تقدم الكلام عليهما، ثم ذكر في هذين البيتين أنها تكون للمح الصفة، والمراد بها الداخلة على ما سمي به من الاعلام المنقولة، مما يصلح دخول " أل " عليه، كقولك في " حسن ": " الحسن " وأكثر ما تدخل على المنقول من صفة، كقولك في " حارث ": " الحارث " وقد تدخل على المنقول من مصدر، كقولك في " فضل ": " الفضل " وعلى المنقول من اسم جنس غير مصدر، كقولك في " نعمان ": " النعمان " وهو في الاصل من أسماء الدم (2)، فيجوز دخول " أل " في هذه الثلاثة نظرا إلى الاصل، وحذفها نظرا إلى الحال.
    وأشار بقوله " للمح ما قد كان عنه نقلا " إلى أن فائدة دخول الالف واللام الدلالة على الالتفات إلى ما نقلت عنه من صفة، أو ما في معناها..
    __________
    (1) " كالفضل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كالفضل " والحارث والنعمان " معطوفان على الفضل " فذكر " مبتدأ، وذكر مضاف و " ذا " اسم إشارة مضاف إليه " وحذفه " الواو حرف عطف، حذف: معطوف على المبتدأ، وحذف مضاف والضمير مضاف إليه " سيان " خبر المبتدأ وما عطف عليه، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد: (2) هنا شيئان: الاول أن الذي تلمحه حين تدخل " أل " على نعمان هو وصف الحمرة التي يدل عليها لفظه بحسب الاصل الاول التزاما، لان الحمره لازمة للدم.
    والثاني: أن الناظم في كتاب التسهيل جعل " نعمان " من أمثلة العلم الذي قارنت " أل " وضعه كاللات والعزى والسموأل، وهذه لازمة، بدليل قوله هناك " وقد تزاد لازما "
    وهنا مثل به لما زيدت عليه " أل " بعد وضعه للمح الاصل، وهذه ليست بلازمة على ما قال " فذكر ذا وحذفه سيان " والخطب في هذا سهل، لانه يحمل على أن العرب سمت " النعمان " أحيانا مقرونا بأل، فيكون من النوع الاول، وسمت أحيانا أخرى " نعمان " بدون أل، فيكون من النوع الثاني.
    (*)
    (1/184)

    وحاصله: أنك إذا أردت بالمنقول من صفة ونحوه أنه إنما سمى به تفاؤلا بمعناه أتيت بالالف واللام للدلالة على ذلك، كقولك: " الحارث " نظرا إلى أنه إنما سمى به للتفاؤل، وهو أنه يعيش ويحرث، وكذا كل ما دل على معنى وهو مما يوصف به في الجملة، كفضل ونحوه، وإن لم تنظر إلى هذا ونظرت إلى كونه علما لم تدخل الالف واللام، بل تقول: فضل، وحارث، ونعمان، فدخول الالف واللام أفاد معنى لا يستفاد بدونهما، فليستا بزائدتين، خلافا لمن زعم ذلك، وكذلك أيضا ليس حذفهما وإثباتهما على السواء كما هو ظاهر كلام المصنف، بل الحذف والاثبات ينزل على الحالتين اللتين سبق ذكرهما، وهو أنه إذا لمح الاصل جئ بالالف واللام، وإن لم يلمح لم يؤت بهما.
    * * * وقد يصير علما بالغلبة مضاف أو مصحوب أل كالعقبه (1) وحذف أل ذي إن تناد أو تضف أوجب، وفي غيرهما قد تنحذف (2).
    __________
    (1) " وقد " الواو للاستئناف، قد: حرف تقليل " يصير " فعل مضارع ناقص " علما " خبر يصير مقدم على اسمه " بالغلبة " جار ومجرور متعلق بيصير " مضاف " اسم يصير مؤخر عن خبره " أو مصحوب " أو: حرف عطف، مصحوب معطوف على مضاف، ومصحوب مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " كالعقبة " جار
    ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كالعقبة.
    (2) " وحذف " الواو للاستئناف، حذف: مفعول به مقدم على عامله وهو " أوجب " الآتي، وحذف مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " ذي " اسم إشارة نعت لال " إن " شرطية " تناد " فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بحذف الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " عاطفة " تضف " معطوف على " تناد " مجزوم = (*)
    (1/185)

    من أقسام الالف واللام أنها تكون للغلبة، نحو: " المدينة "، و " الكتاب "، فإن حقهما الصدق على كل مدينة وكل كتاب، لكن غلبت " المدينة " على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، و " الكتاب " على كتاب سيبويه رحمه الله تعالى، حتى إنهما إذا أطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما.
    وحكم هذه الالف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء أو الاضافة، نحو " يا صعق " في الصعق (1)، و " هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
    وقد تحذف في غيرهما شذوذا، سمع من كلامهم: " هذا عيوق طالعا " (2)، والاصل العيوق (2)، وهو اسم نجم.
    وقد يكون العلم بالغلبة أيضا مضافا: كابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود،.
    __________
    = بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أوجب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، وجواب الشرط محذوف لدلالة هذا عليه، أو جملة أوجب وفاعله في محل جزم جواب الشرط، وحذف الفاء منها - مع أنها جملة طلبية - ضرورة " وفي " الواو حرف عطف، في: حرف جر " غيرهما " غير: مجرور بفي، وغير مضاف والضمير - الذي يعود على النداء والاضافة - مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بتنحذف الآتي " قد " حرف تقليل " تنحذف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " أل " وتقدير البيت: إن تناد أو تضف
    فأوجب حذف أل هذه، وقد تنحذف أل في غير النداء والاضافة.
    (1) الصعق - في أصل اللغة - اسم يطلق على كل من رمى بصاعقة، ثم اختص بعد ذلك بخويلد بن نفيل، وكان من شأنه أنه كان يطعم الناس بتهامة، فعصفت الربح التراب في جفانه، فسبها، فرمى بصاعقة، فقال الناس عنه: الصعق.
    (2) العيوق - في أصل الوضع - كلمة على زنة فيعول من قولهم: عاق فلان فلانا يعوقه، إذا حال بينه وبين غرضه، ومعناه عائق، وهو بهذا صالح للاطلاق على كل معوق لغيره، وخصوا به نجما كبيرا قريبا من نجم الثريا ونجم الدبران، زعموا أنهم سموه بذلك لان الدبران يطلب الثريا والعيوق يحول بينه وبين إدراكها.
    (*)
    (1/186)

    فإنه غلب على العبادلة (2) دون غيرهم من أولادهم، وإن كان حقه الصدق عليهم، لكن غلب على هؤلاء، حتى إنه إذا أطلق " ابن عمر " لا يفهم منه غير عبد الله، وكذا " ابن عباس " و " ابن مسعود " رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الاضافة لا تفارقه، لا في نداء، ولا في غيره، نحو: " يا ابن عمر ".
    * * *
    __________
    (1) العبادلة: جمع عبدل، بزنة جعفر، وعبدل يحتمل أمرين: أولهما أن يكون أصله " عبد " فزيدت لام في آخره، كما زيدت في " زيد " حتى صار زيدلا، والثاني أن يكونوا قد نحتوه من " عبد الله " فاللام هي لام لفظ الجلالة، والنحت باب واسع، فقد قالوا: عبشم، من عبد شمس، وعبدر، من عبد الدار، ومرقس، من امرئ القيس، وقالوا: حمدلة، من الحمد لله، وسبحلة، من سبحان الله، وجعفده، من قولهم: جعلت فداءك، وطلبقة، من قولهم: أطال الله بقاءك - وأشباه لهذا كثيرة.
    وقال الشاعر، وينسب لعمر بن أبي ربيعة، فجاء بالفعل واسم فاعله على طريق النحت:
    لقد بسملت ليلى غداة لقيتها * فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل ولكثرة ما ورد من هذا النحو نرى أنه يجوز لك أن تقيس عليه، فتقول " مشأل مشألة " إذا قال: ما شاء الله، وتقول " سبحر سبحرة " إذا قال: سبحان ربي، وتقول " نعمص نعمصة " إذا قال: نعم صباحك، وتقول " نعمس نعمسة " إذا قال: نعم مساؤك، وهكذا، وقدامي العلماء يرون باب النحت مقصورا على ما سمع منه عن العرب وهو من تحجير الواسع، فتدبر هذا، ولا تكن أسير التقليد، وانظر القسم الاول من كتابنا دروس التصريف (ص 22 طبعة ثانية).
    (*)
    (1/187)

    الابتداء مبتدأ زيد، وعاذر خبر، إن قلت " زيد عاذر من اعتذر " (1) وأول مبتدأ، والثاني فاعل اغنى في " أسار ذان " (2) وقس، وكاستفهام النفي، وقد يجوز نحو " فائز أولو الرشد " (3).
    __________
    (1) " مبتدأ " خبر مقدم " زيد " مبتدأ مؤخر " وعاذر " الواو عاطفة، وعاذر مبتدأ " خبر " خبر المبتدأ " إن " شرطية " قلت " قال: فعل ماض فعل الشرط، وتاء المخاطب فاعل " زيد " مبتدأ " عاذر " خبره، وفاعله - من جهة كونه اسم فاعل - ضمير مستتر فيه، والجملة من المبتدأ والخبر مقول القول " من " اسم موصول مفعول به لعاذر " اعتذر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة لا محل لها صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام وتقدير الكلام: إن قلت زيد عاذر من اعتذر فزيد مبتدأ وعاذر خبره.
    (2) " وأول " مبتدأ " مبتدأ " خبره " والثاني " مبتدأ " فاعل " خبر " أغنى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هو يعود إلى فاعل، والجملة في محل رفع صفة لفاعل " في " حرف جر، ومجروره قول (..) ؟ " أسار " الهمزة للاستفهام،
    وسار: مبتدأ، و " ذان " فاعل سد مسد الخبر، والجملة من المبتدأ وفاعله مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وأول اللفظين مبتدأ وثانيهما فاعل أغنى عن الخبر في قولك: أسار ذان.
    (3) " وقس " الواو عاطفة، قس: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله ومتعلقه محذوفان، والتقدير: وقس على ذلك ما أشبهه " وكاستفهام " الواو حرف عطف، والكاف حرف جر، واستفهام: مجرور بها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " النفي " مبتدأ مؤخر " وقد " الواو حرف، قد حرف تقليل " يجوز " فعل مضارع " نحو " فاعل يجوز " فائز " مبتدأ " أولو " فاعل بفائز سد مسد الخبر، وأولو مضاف و " الرشد " مضاف إليه، والجملة من المبتدأ وفاعله المغنى عن الخبر مقول قول محذوف، والتقدير: وقد يجوز نحو قولك فائز أولو الرشد، والمراد بنحو هذا المثال: كل وصف وقع بعده مرفوع يستغنى به ولم تتقدمه أداة استفهام ولا أداة نفي.
    (*)
    (1/188)

    ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر، فمثال الاول " زيد عاذر من اعتذر " والمراد به: ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني، فزيد: مبتدأ، وعاذر: خبره، ومن اعتذر: مفعول لعاذر، ومثال الثاني " أسار ذان " فالهمزة: للاستفهام، وسار: مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، ويقاس على هذا ما كان مثله، وهو: كل وصف اعتمد على استفهام، أو نفي - نحو: أقائم الزيدان، وما قائم الزيدان - فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ، وهذا مذهب البصريين إلا الاخفش - ورفع (1) فاعلا ظاهرا، كما مثل، أو ضميرا منفصلا، نحو: " أقائم أنتما " وتم الكلام به (1)، فإن لم يتم به [ الكلام ] لم يكن مبتدأ،
    نحو: " أقائم أبواه زيد " فزيد: مبتدأ مؤخر، وقائم: خبر مقدم، وأبواه: فاعل بقائم، ولا يجوز أن يكون " قائم " مبتدأ، لانه لا يستغنى بفاعله حينئذ، إذ لا يقال " أقائم أبواه " فيتم الكلام، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا، فلا يقال في " ما زيد قائم ولا قاعد ": إن " قاعدا " مبتدأ، والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر، لانه ليس بمنفصل، على أن في المسألة خلافا (2)، ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف، كما مثل،.
    __________
    (1) " ورفع " هذا الفعل معطوف بالواو على " اعتمد " في قوله " وهو كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي " وكذلك قوله " وتم الكلام به " ويتحصل من ذلك أنه قد اشترط في الوصف الذي يرفع فاعلا بغنى عن الخبر ثلاثة شروط، أولها: أن يكون معتمدا على استفهام أو نفي - عند البصريين - والثاني أن يكون مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وفي الضمير المنفصل خلاف سنذكره، والثالث أن يتم الكلام بمرفوعه المذكور.
    (2) سنبسط القول في هذه المسألة قريبا (انظر ص 192 من هذا الجزء).
    (*)
    (1/189)

    أو بالاسم كقولك: كيف جالس العمران (1) ؟ وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف، كما مثل، أو بالفعل كقولك: " ليس قائم الزيدان " فليس: فعل ماض [ ناقص ]، وقائم: اسمه، والزيدان: فاعل سد مسد خبر ليس، وتقول: " غير قائم الزيدان " فغير: مبتدأ، وقائم: مخفوض بالاضافة، والزيدان: فاعل بقائم سد مسد خبر غير، لان المعنى " ما قائم الزيدان " فعومل " غير قائم " معاملة " ما قائم " ومنه قوله: 38 - غير لاه عداك، فاطرح اللهو، ولا تغترر بعارض سلم.
    __________
    (1) " كيف " اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من " العمران "
    الآتي و " جالس " مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، و " العمران " فاعل بجالس أغنى عن الخبر، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى.
    38 - لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.
    اللغة: " لاه " اسم فاعل مأخوذ من مصدر لها يلهو، وذلك إذا ترك وسلا وروح عن نفسه بما لا تقتضيه الحكمة، ولكن المراد هنا لازم ذلك، وهو الغفلة " اطرح " - بتشديد الطاء - أي - اترك " سلم " بكسر السين أو فتحها - أي صلح وموادعة، وإضافة عارض إليه من إضافة الصفة للموصوف.
    المعنى: إن أعداءك ليسوا غافلين عنك، بل يتربصون بك الدوائر، فلا تركن إلى الغفلة، ولا تغتر بما يبدو لك منهم من المهادنة وترك القتال، فإنهم يأخذون في الاهبة والاستعداد.
    الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف و " لاه " مضاف إليه " عداك " عدى: فاعل لاه سد مسد خبر غير، لان المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد، وعدى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " فاطرح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " اللهو " مفعول به لاطرح " ولا " الواو عاطفة، لا: ناهية " تغترر " = (*)
    (1/190)

    فغير: مبتدأ، ولاه: مخفوض بالاضافة، وعداك: فاعل بلاه سد مسد خبر غير، ومثل قوله: 39 - غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن.
    __________
    = فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بعارض " جار ومجرور متعلتى بتغترر، وعارض مضاف، و " سلم " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " غير لاه عداك " حيث استغنى بفاعل " لاه " عن خبر المبتدأ
    وهو غير، لان المبتدأ المضاف لاسم الفاعل دال على النفي، فكأنه " ما " في قولك " ما قائم محمد " فالوصف مخفوض لفظا بإضافة المبتدأ إليه وهو في قوة المرفوع بالابتداء وللكلام بقية تأتى في شرح الشاهد التالي لهذا الشاهد.
    39 - البيت لابي نواس - الحسن بن هاني بن عبد الاول، الحكمي - وهو ليس ممن يستشهد بكلامه، وإنما أورده الشارح مثالا للمسألة، ولهذا قال " ومثله قوله " وبعد هذا البيت بيت آخر، وهو: إنما يرجو الحياة فتى عاش في أمن من المحن اللغة: " مأسوف " اسم مفعول من الاسف، وهو أشد الحزن، وفعله من باب فرح، وزعم ابن الخشاب أنه مصدر جاء على صيغة اسم المفعول مثل الميسور، والمعسور، والمجلود، والمحلوف، بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف، ثم أريد به اسم الفاعل، وستعرف في بيان الاستشهاد ما ألجأه إلى هذا التكلف ووجه الرد عليه.
    المعنى: إنه لا ينبغي لعاقل أن يأسف على زمن ليس فيه إلا هموم تتلوها هموم، وأحزان تأتي من ورائها أحزان، بل يجب عليه أن يستقبل الزمان بغير مبالاة ولا اكتراث.
    الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف " مأسوف " مضاف إليه " على زمن " جار ومجرور متعلق بمأسوف، على أنه نائب فاعل سد مسد خبر المبتدأ " ينقضي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " زمن " والجملة من ينقضي وفاعله في محل جر صفة لزمن " بالهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في ينقضي " والحزن " الواو حرف عطف، الحزن: معطوف على الهم.
    = (*)
    (1/191)

    فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالاضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل، وقد سد مسد خبر غير.
    وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت، فارتبك
    في إعرابه.
    ومذهب البصريين - إلا الاخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام (1)، وذهب الاخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط.
    __________
    = التمثيل به: في قوله " غير مأسوف على زمن " حيث أجرى قوله " على زمن " النائب عن الفاعل مجرى الزيدين في قولك " ما مضروب الزيدان في أن كل واحد منهما سد مسد الخبر، لان المتضايفين بمنزلة الاسم الواحد، فحيث كان نائب الفاعل يسد مع أحدهما مسد الخبر فإنه يسد مع الآخر أيضا، وكأنه قال " ما مأسوف على زمن " على ما بيناه في الشاهد السابق.
    هذا أحد توجيهات ثلاثة في ذلك ونحوه، وإليه ذهب ابن الشجري في أماليه.
    والتوجيه الثاني لابن جنى وابن الحاجب، وحاصله أن قوله " غير " خبر مقدم، وأصل الكلام: " زمن ينقضي بالهم غير مأسوف عليه " وهو توجيه ليس بشئ ؟ لما يلزم عليه من التكلفات البعيدة، لان العبارة الواردة في البيت لا تصير إلى هذا إلا بتكلف كثير.
    والتوجيه الثالث لابن الخشاب، وحاصله أن قوله " غير " خبر لمبتدأ محذوف تقديره " أنا غير - إلخ " وقوله " مأسوف " ليس اسم مفعول، بل هو مصدر مثل " الميسور والمعسور، والمجلود، والمحلوف " وأراد به هنا اسم الفاعل، فكأنه قال " أنا غير آسف - إلخ " وانظر ما فيه من التكلف والمشقة والجهد.
    ومثل هذا البيت والشاهد السابق قول المتنبي يمدح بدر بن عمار: ليس بالمنكر أن برزت سبقا غير مدفوع عن السبق (العراب) ؟ (1) مذهب جماعة من النحاة أنه يجب أن يكون الفاعل الذي يرفعه الوصف المعتمد اسما ظاهرا، ولا يجوز أن يكون ضميرا منفصلا، فإن سمع ما ظاهره ذلك فهو محمول على أن الوصف خبر مقدم والضمير مبتدأ مؤخر، وعند هؤلاء أنك إذا قلت " أمسافر = (*)
    (1/192)

    ذلك، فأجازوا " قائم الزيدان " فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر...
    __________
    أنت " صح هذا الكلام عربية، ولكن يجب أن يكون " مسافر " خبرا مقدما، و " أنت " مبتدأ مؤخرا، والجمهور على أنه يجوز أن يكون الفاعل المغنى عن الخبر ضميرا بارزا كما يكون اسما ظاهرا، ولا محل لانكار ذلك عليهم بعد وروده في الشعر العربي الصحيح، وفي القرآن الكريم عبارات لا يجوز فيها عربية أن تحمل على ما ذكروا من التقديم والتأخير، فمن ذلك قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) إذ لو جعلت " راغب " خبرا مقدما و " أنت " مبتدأ مؤخرا للزم عليه الفصل بين " راغب " وما يتعلق به وهو قوله " عن آلهتي " بأجنبي وهو أنت، لان المبتدأ بالنسبة للخبر أجنبي منه، إذ لا عمل للخبر فيه على الصحيح، ولا يلزم شئ من ذلك إذا جعلت " أنت " فاعلا، لان الفاعل بالنظر إلى العامل فيه ليس أجنبيا منه ونظير الآية الكريمة في هذا وعدم صحة التخريج على التقديم والتأخير قول الشاعر " فخير نحن " في الشاهد رقم 40 الآتي.
    ومن ذلك أيضا قول الشاعر: أمنجز أنتم وعدا وثقت به أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب ؟ ومثله قول الآخر: خليلي ما واف بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على من أقاطع وقول الآخر: فما باسط خيرا ولا دافع أذى عن الناس إلا أنتم آل دارم ولا يجوز في بيت من هذه الابيات الثلاثة أن تجعل الوصف خبرا مقدما والمرفوع
    بعده مبتدأ مؤخرا، كما لا يجوز ذلك في الشاهد الآتي على ما ستعرفه، لانه يلزم على ذلك أن يفوت التطابق بين المبتدأ وخبره، وهو شرط لا بد منه، فإن الوصف مفرد والضمير البارز للمثنى أو للمجموع، أما جعل الضمير فاعلا فلا محظور فيه، لان الفاعل يجب إفراد عامله.
    (13 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/193)

    وإلى هذا أشار المصنف بقوله: " وقد يجوز نحو: (فائر) ؟ أولو الرشد " أي: وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام.
    وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله: 40 - فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال: يالا.
    __________
    40 - هذا البيت لزهير بن مسعود الضبى.
    اللغة: " الناس " هكذا هو بالنون في كافة النسخ، ويروى " البأس " بالباء والهمزة وهو أنسب بعجز البيت " المثوب " من التثويب، وأصله: أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، ثم سمى الدعاء تثويبا لذلك " قال يالا " أي: قال يالفلان، فحذف فلانا وأبقى اللام، وانظر ص 159 السابقة.
    الاعراب: " فخير " مبتدأ " نحن " فاعل سد مسد الخبر " عند " ظرف متعلق بخير، وعند مضاف و " والناس " أو " البأس " مضاف إليه " منكم " جار ومجرور متعلق بخير أيضا " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان " الداعي " فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: إذا قال الداعي، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها " المثوب " نعت للداعي " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الداعي، والجملة من قال المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة " يالا " مقول القول، وهو على ما عرفت من أن أصله يالفلان.
    الشاهد فيه: في البيت شاهدان لهذه المسألة، وكلاهما في قوله " فخير نحن "، أما الاول
    فإن " نحن " فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدم على الوصف - وهو " خير " - نفي ولا استفهام وزعم جماعة من النحاة - منهم أبو علي وابن خروف - أنه لا شاهد في هذا البيت، لان قوله " خير " خبر لمبتدأ محذوف، تقديره " نحن خير - إلخ " وقوله " نحن " المذكور في البيت تأكيد للضمير المستتر في خير، وانظر كيف يلجأ إلى تقدير شئ وفي الكلام ما يغنى عنه ؟ وأما الشاهد الثاني فإن " نحن " الذي وقع فاعلا أغنى عن الخبر هو ضمير منفصل، فهو دليل للجمهور على صحة ما ذهبوا إليه من جواز كون فاعل الوصف المغنى عن الخبر ضميرا منفصلا، ولا يجوز في هذا البيت أن يكون قوله " نحن " مبتدأ مؤخرا ويكون " خير " خبرا مقدما، إذ يلزم على ذلك الفصل بين " خير " وما يتعلق به - وهو قوله " عند الناس " وقوله " منكم " - بأجنبي، على ما قررناه في قوله تعالى: = (*)
    (1/194)

    فخير: مبتدأ، ونحن: فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبق " خير " نفي ولا استفهام، وجعل من هذا قوله: 41 - خبير بنو لهب، فلا تك ملغيا * مقالة لهب إذا الطير مرت فخبير: مبتدأ، وبنو لهب: فاعل سد مسد الخبر.
    * * *.
    __________
    = (أراغب أنت عن آلهتي) (في ص 193)، فهذا البيت يتم به استدلال الكوفيين على جواز جعل الوصف مبتدأ وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام، ويتم به استدلال الجمهور على جواز أن يكون مرفوع الوصف المغنى عن خبره ضميرا بارزا.
    41 - هذا البيت ينسب إلى رجل طائي، ولم يعين أحد اسمه فيما بين أيدينا من المراجع.
    اللغة: " خبير " من الخبرة، وهي العلم بالشئ " بنو لهب " جماعة من بني نصر ابن الازد، يقال: إنهم أزجر قوم، وفيهم يقول كثير بن عبد الرحمن المعروف
    بكثيرة عزة: تيممت لهبا أبتغي العلم عندهم * وقد صار علم العائفين إلى لهب المعنى: إن بني لهب عالمون بالزجر والعيافة، فإذا قال أحدهم كلاما فاستمع إليه، ولا تلغ ما يذكره لك إذا زجر أو عاف حين تمر الطير عليه.
    الاعراب: " خبير " مبتدأ، والذي سوغ الابتداء به - مع كونه نكرة - أنه عامل فيما بعده " بنو " فاعل بخبير سد مسد الخبر، وبنو مضاف، و " لهب " مضاف إليه " فلا " الفاء عاطفة، لا: ناهية " تك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ملغيا " خبرتك، وهو اسم فاعل فيحتاج إلى فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " مقالة " مفعول به لملغ، ومقالة مضاف و " لهبي " مضاف إليه " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان ويجوز أن يكون مضمنا معنى الشرط " الطير " فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: إذا مرت الطير، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر = (*)
    (1/195)

    والثان مبتدا، وذا الوصف خبر إن في سوى الافراد طبقا استقر (1).
    __________
    = بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا مرت الطير فلاتك ملغيا.
    إلخ " مرت " مر: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " الطير " والجملة من مرت المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة.
    الشاهد فيه: قوله " خبير بنو لهب " حيث استغنى بفاعل خبير عن الخبر، مع أنه لم يتقدم على الوصف نفي ولا استفهام، هذا توجيه الكوفيين والاخفش للبيت، ومن ثم لم يشترطوا تقدم النفي أو نحوه على الوصف استنادا إلى هذا البيت ونحوه.
    ويرى البصريون - ما عدا الاخفش - أن قوله " خبير " خبر مقدم، وقوله " بنو " مبتدأ مؤخر، وهذا هو الراجح الذي نصره العلماء كافة، فإذا زعم أحد أنه يلزم على هذا محظور - وإيضاحه أن شرط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين، إفرادا وتثنية وجمعا، وهنا لا تطابق بينهما لان " خبير " مفرد، و " بنو لهب " جمع، فلزم على توجيه البصريين الاخبار عن الجمع بالمفرد - فالجواب على هذا أيسر مما تظن، فإن " خبير " في هذا البيت يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، بسبب كونه على زنة المصدر مثل الذميل والصهيل، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ واحد، تقول: محمد عدل، والمحمدان عدل، والمحمدون عدل، ومن عادة العرب أن يعطوا الشئ الذي يشبه شيئا حكم ذلك الشئ، تحقيقا لمقتضى المشابهة، وقد وردت صيغة فعيل مخبرا بها عن الجماعة، والدليل على أنه كما ذكرناه وروده خبرا ظاهرا عن الجمع في نحو قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير) وقول الشاعر: * هن صديق للذي لم يشب * (1) " والثان " مبتدأ " مبتدأ " خبر " وذا " الواو عاطفة، ذا اسم إشارة مبتدأ " الوصف " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " خبر " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة " إن " شرطية " في سوى " جار ومجرور متعلق باستقر الآتي، وسوى مضاف، و " الافراد " مضاف إليه " طبقا " حال من الضمير المستتر في " استقر " الآتي وقيل: هو تمييز محول عن الفاعل " استقر " فعل ماض فعل الشرط، وفاعله ضمير = (*)
    (1/196)

    الوصف مع الفاعل: إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا، أو لا يتطابقا، وهو قسمان: ممنوع، وجائز.
    فإن تطابقا إفرادا - نحو " أقائم زيد " - جاز فيه وجهان (1)، أحدهما: أن.
    __________
    = مستتر فيه جوازا تقديره هو، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام " إن في سوى
    الافراد طبقا استقر فالثان مبتدأ - إلخ ".
    (1) ههنا ثلاثة أمور نحب أن ننبهك إليها، الاول: أنه لا ينحصر جواز الوجهين في أن (يتطابق) ؟ الوصف والمرفوع إفرادا، بل مثله ما إذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع وكان المرفوع بعده واحدا منها، نحو أقتيل زيد، ونحو أجريح الزيدان، ونحو أصديق المحمدون ؟ وقد اختلفت كلمة العلماء فيما إذا كان الوصف جمع تكسير والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا، فذكر قوم أنه يجوز فيه الوجهان أيضا، وذلك نحو: أقيام أخواك ؟ ونحو أقيام إخوتك ؟ وعلى هذا تكون الصور التي يجوز فيها الامران ست صور: أن يتطابق الوصف والمرفوع إفرادا، وأن يكون الوصف مما يستوي فيه المفرد وغيره والمرفوع مفردا، أو مثنى، أو مجموعا، وأن يكون الوصف جمع تكسير والمرفوع مثنى، أو جمعا، وذهب قوم منهم الشاطبي إلى أنه يجب في الصورتين الاخيرتين كون الوصف خبرا مقدما.
    والامر الثاني: أنه مع جواز الوجهين فيما ذكرنا من هذه الصور فإن جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر أرجح من جعل الوصف خبرا مقدما، وذلك لان جعله خبرا مقدما فيه الحمل على شئ مختلف فيه، إذ الكوفيون لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ أصلا، ومع هذا فالتقديم والتأخير خلاف الاصل عند البصريين.
    والامر الثالث: أن محل جواز الوجهين فيما إذا لم يمنع من أحدهما مانع، فإذا منع من أحدهما مانع تعين الآخر، ففي قوله تعالى (أراغب أنت عن آلهتي) وفي قولك " أحاضر اليوم أختك " يمتنع جعل الوصف خبرا مقدما، أما في الآية فقد ذكر الشارح وجه ذلك فيها، وإن يكن قد ذكره بعبارة يدل ظاهرها على أنه مرجح لا موجب، وأما المثال فلانه يلزم على جعل الوصف خبرا مقدما الاخبار بالمذكر عن المؤنث، وهو لا يجوز أصلا، والفصل بين الفاعل والعامل فيه يجوز ترك علامة التأنيث من العامل إذا كان الفاعل مؤنثا، وفي قولك " أفي داره أبوك " يمتنع جعل " أبوك " = (*)
    (1/197)

    يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر، والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا، ويكون الوصف خبرا مقدما، ومنه قوله تعالى (1): (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) فيجوز أن يكون " أراغب " مبتدأ، و " أنت " فاعل سد مسد الخبر، ويحتمل أن يكون " أنت " مبتدأ مؤخرا، و " أراغب " خبرا مقدما.
    والاول - في هذه الآية - أولى، لان قوله: " عن آلهتي " معمول ل " راغب "، فلا يلزم في الوجه الاول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " على هذا التقدير فاعل ل " راغب "، فليس بأجنبي، منه، وأما على الوجه الثاني فيلزم [ فيه ] الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " أجنبي من " راغب " على هذا التقدير، لانه مبتدأ، فليس ل " راغب " عمل فيه، لانه خبر، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح.
    وإن تطابقا تثنية نحو " أقائمان الزيدان " أو جمعا نحو " أقائمون الزيدون " فما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر مقدم، وهذا معنى قول المصنف: " والثان مبتدا وذا الوصف خبر - إلى آخر البيت " أي: والثاني - وهو ما بعد الوصف - مبتدأ، والوصف خبر عنه مقدم عليه، إن تطابقا في غير الافراد.
    __________
    = فاعلا، لانه يلزم عليه عود الضمير من " في داره " على المتأخر لفظا ورتبة، وهو ممتنع.
    (1) قد عرفت (ص 193 و 195) أن هذه الآية الكريمة لا يجوز فيها إلاوجه واحد، لان فيها ما يمنع من تجويز الوجه الثاني، وعلى هذا فمراد الشارح أنه مما يجوز فيه الوجهان في حد ذاته مع قطع النظر عن المانع العارض الذي يمنع أحدهما، فإذا نظرنا إلى ذلك المانع لم يجز إلا وجه واحد، ومن هنا تعلم أن قول الشارح فيما بعد " والاول
    في هذه الآية أولى " ليس دقيقا، والصواب أن يقول " والاول في هذه الآية واجب لا يجوز غيره ".
    (*)
    (1/198)

    - وهو التثنية والجمع - هذا على المشهور من لغة العرب، ويجوز على لغة " أكلوني البراغيث " أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.
    وإن لم يتطابقا - وهو قسمان: ممتنع، وجائز، كما تقدم - فمثال الممتنع " أقائمان زيد " و " أقائمون زيد " فهذا التركيب غير صحيح، ومثال الجائز " أقائم الزيدان " و " أقائم الزيدون " وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر (1).
    * * *.
    __________
    (1) أحب أن أجلى لك حقيقة هذه المسألة، وأبين لك عللها وأسبابها بيانا لا يبقى معه لبس عليك في صورة من صورها، وذلك البيان يحتاج إلى شرح أمرين، الاول: لم جاز في الوصف الذي يقع بعده مرفوع أن يكون الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا، وأن يكون الوصف خبرا مقدما والمرفوع مبتدأ مؤخرا، والثاني: على أي شئ يستند تعين أحد هذين الوجهين وامتناع الآخر منهما ؟.
    أما عن الامر الاول فنقول لك: إن اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما من الاوصاف قد أشبهت الفعل نوع شبه من حيث المعنى، لدلالتها على الحدث الذي يدل عليه الفعل، وهي في طبيعتها أسماء تقبل علامات الاسم، فتردد أمرها بين أن تعامل معاملة الاسماء بالنظر إلى لفظها وبين أن تعامل معاملة الافعال فتسند إلى ما بعدها بالنظر إلى دلالتها على معنى الفعل، ثم ترجح ثاني هذين الوجهين بسبب دخول حرف النفي أو حرف الاستفهام عليها، وذلك لان الاصل في النفي وفي الاستفهام أن يكونا متوجهين إلى أوصاف الذوات، لا إلى الذوات أنفسها، لان الذوات يقل أن تكون مجهولة،
    والموضوع للدلالة على أوصاف الذوات وأحوالها هو الفعل، لا جرم كان الاصل في النفي والاستفهام أن يكونا عن الفعل وما هو في معناه، ومن هنا تفهم السر في اشتراط البصريين - في جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر - تقدم النفي والاستفهام عليه.
    وأما عن الامر الثاني فإنا نقرر لك أن النحاة بنوا تجويز الوجهين وتعين أحدهما وامتناعه جميعا على أصول مقررة ثابتة، فبعضها يرجع إلى حكم الفاعل ورافعه، وبعضها يرجع إلى حكم المبتدأ وخبره، وبعضها إلى حكم عام للعامل والمعمول.
    = (*)
    (1/199)

    ورفعوا مبتدأ بالابتدا كذاك رفع خبر بالمبتدا (1) مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ..
    __________
    = فالفاعل يجب أن يكون عامله مجردا من علامة التثنية والجمع على أفصح اللغتين، فمتى كان الوصف مثنى أو مجموعا لم يجز أن يكون المرفوع بعده فاعلا في الفصحى.
    والمبتدأ مع خبره تجب مطابقتهما في الافراد والتثنية والجمع، فمتى كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا لم يجز أن تجعل الوصف خبرا والمرفوع بعده مبتدأ.
    وإذا كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مفردا كذلك فقد اجتمع شرط الفاعل مع رافعه وشرط المبتدأ مع خبره، فيجوز الوجهان.
    ثم إن كان الوصف مفردا مذكرا والمرفوع مفردا مؤنثا فإذا لم يكن بينهما فاصل امتنع الكلام، لان مطابقة المبتدأ وخبره والفاعل ورافعه في التأنيث واجبة حينئذ، وإن كان بينهما فاصل صح جعل المرفوع فاعلا ولم يصح جعله مبتدأ، فإن وجوب المطابقة بين المبتدأ والخبر لا تزول بالفصل بينهما، وصح جعل المرفوع فاعلا، لان الفصل يبيح فوات المطابقة في التأنيث بين الفاعل المؤنث الحقيقي التأنيث ورافعه.
    وإن كان الوصف والمرفوع مفردين مذكرين وقد وقع بعدهما معمول للوصف جاز أن يكون المرفوع فاعلا ولم يجز أن يكون مبتدأ، إذ يترتب على جعله مبتدأ أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبي.
    وإذا كان الوصف مثنى أو مجموعا والمرفوع مفرد لم يصح الكلام بتة، لا على اللغة الفصحى، ولا على غير اللغة الفصحى من لغات العرب، لان شرط المبتدأ والخبر - وهو التطابق - غير موجود، وشرط الفاعل وعامله - وهو تجرد العامل من علامة التثنية والجمع غير موجود، وغير الفصحى لا تلحقها مع الفاعل المفرد.
    (1) " ورفعوا " الواو للاستئناف، رفعوا: فعل وفاعل " مبتدأ " مفعول به رفعوا " بالابتدا " جار ومجرور متعلق برفعوا " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " رفع " مبتدأ مؤخر، ورفع مضاف و " خبر " مضاف إليه " بالمبتدا " جار ومجرور متعلق برفع.
    (*)
    (1/200)

    فالعامل في المبتدأ معنوي - وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها - واحترز بغير الزائدة من مثل " بحسبك درهم " فيحسبك: مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة، فإن الباء الداخلة عليه زائدة، واحترز " بشبهها " من مثل " رب رجل قائم " فرجل: مبتدأ، وقائم: خبره، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو " رب رجل قائم وامرأة ".
    والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله !.
    وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي.
    وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ.
    وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر.
    وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه [ وهو الاول ]، وهذا الخلاف [ مما ] لا طائل فيه.
    * * * والخبر: الجزء المتم الفائدة، كالله بر، والايادي شاهده (1) عرف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة، ويرد عليه الفاعل، نحو " قام زيد " فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة، وقيل في تعريفه: إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف، لانه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة، بل ينتظم منه مع الفعل جملة، وخلاصة هذا أنه.
    __________
    (1) " والخبر " الواو للاستئناف، الخبر: مبتدأ " الجزء " خبر المبتدأ " المتم " نعت له، والمتم مضاف و " الفائدة " مضاف إليه " كالله " الكاف جارة لقول محذوف، ولفظ الجلالة مبتدأ " بر " خبر المبتدأ " والايادي شاهده " الواو عاطفة، وما بعدها مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة.
    (*)
    (1/201)

    عرف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره، والتعريف ينبغي أن يكون مختصا بالمعرف دون غيره.
    * * * ومفردا يأتي، ويأتي جمله حاوية معنى الذي سيقت له (1) وإن تكن إياه معنى اكتفى بها: كنطقي الله حسبي وكفى (2) ينقسم الخبر إلى: مفرد، وجملة، وسيأتي الكلام على المفرد.
    فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا..
    __________
    (1) " ومفردا " حال من الضمير في " يأتي " الاول " يأتي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر " ويأتي " الواو عاطفة، ويأتي
    فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر أيضا، والجملة معطوفة على جملة " يأتي " وفاعله السابقة " جملة " حال من الضمير المستتر في " يأتي " الثاني منصوب بالفتحة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف " حاوية " نعت لجملة، وفيه ضمير مستتر هو فاعل " معنى " مفعول به لحاوية.
    ومعنى مضاف و " الذي " مضاف إليه " سيقت " سيق: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هي يعود إلى جملة، والجملة من سيق ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " له " جار ومجرور متعلق بسيق.
    (2) " وإن " شرطية " تكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على قوله جملة " إياه " خبر تكن " معنى " منصوب بنزع الخافض أو تمييز " اكتفى " فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف في محل جزم جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " بها " جار ومجرور متعلق باكتفى " كنطقي " الكاف جارة لقول محذوف، نطق: مبتدأ أول، ونطق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " الله " مبتدأ ثان " وحسبي " خبر المبتدأ الثاني ومضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " وكفى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، وأصله وكفى به، فحذف حرف الجر، فاتصل الضمير واستتر.
    (*)
    (1/202)

    فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ (1)، وهذا معنى قوله: " حاوية معنى الذي سيقت له " والرابط: (1) إما ضمير يرجع إلى المبتدأ، نحو " زيد قام أبوه " وقد يكون الضمير مقدرا، نحو " السمن منوان بدرهم " التقدير: منوان منه بدرهم (2) أو إشارة إلى المبتدأ،.
    __________
    (1) يشترط في الجملة التي تقع خبرا ثلاثة شروط، الاول: أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط، وفصل القول فيه، والشرط
    الثاني: ألا تكون الجملة ندائية، فلا يجوز أن تقول: محمد يا أعدل الناس، على أن يكون محمد مبتدأ وتكون جملة " يا أعدل الناس " خبرا عن محمد، الشرط الثالث: ألا تكون جملة الخبر مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل، وحتى.
    وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال الخبر لهذه الشروط الثلاثة، وزاد ثعلب شرطا رابعا، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية، وزاد ابن الانباري خامسا وهو ألا تكون إنشائية، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد والله إن قصدته ليعطينك، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الانشائية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد اضربه، وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طليبة فهو على تقدير قول، فالتقدير عنده في المثال الذي ذكرناه: زيد مقول فيه اضربه، تشبيها للخبر بالنعت، وهو غير لازم عند الجمهور (،) ؟ وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه تمييز المنعوت وإيضاحه، فيجب أن يكون معلوما للمخاطب قبل التكلم، والانشاء لا يعلم إلا بالتكلم، وأما الخبر فإنه يقصد منه الحكم، فلا يلزم أن يكون معلوما من قبل، بل الاحسن أن يكون مجهولا قبل التكلم ليفيد المتكلم المخاطب ما لا يعرفه، وقد ورد الاخبار بالجملة الانشائية في قول العذري (انظر شرح الشاهد رقم 30).
    وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشيمه الجندل وكل النحاة أجاز رفع الاسم المشغول عنه قبل فعل الطلب، وأجاز جعل المخصوص بالمدح مبتدأ خبره جملة نعم وفاعلها، وهي إنشائية، وسيمثل المؤلف في هذا الموضوع بمثال منه، فاحفظ ذلك كله، وكن منه على ثبت.
    (*)
    (1/203)

    كقوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) (1) في قراءة من رفع اللباس (3) أو تكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم كقوله تعالى:
    (الحاقة ما الحاقة) و (القارعة ما القارعة)، وقد يستعمل في غيرها، كقولك: " زيد ما زيد " (4) أو عموم يدخل تحته المبتدأ، نحو " زيد نعم الرجل ".
    وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط، وهذا معنى قوله: " وإن تكن - إلى آخر البيت " أي: وإن تكن الجملة إياه - أي المبتدأ - في المعنى اكتفى بها عن الرابط، كقولك: " نطقي الله حسبي "، فنطقي: مبتدأ [ أ ول ]، والاسم الكريم: مبتدأ ثان، وحسبي: خبر عن المبتدإ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدإ الاول، واستغنى عن الرابط، لان قولك " الله حسبي " هو معنى " نطقي " وكذلك " قولي لا إله إلا الله ".
    * * *.
    __________
    (1) هذه الآية الكريمة أولها: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) وقد قرئ فيها في السبعة بنصب " لباس التقوى " وبرفعه، فأما قراءة النصب فعلى العطف على " لباسا يواري " ولا كلام لنا فيها الآن، وأما قراءة الرفع فيجوز فيها عدة وجوه من الاعراب، الاول: أن يكون " لباس التقوى " مبتدأ أول، و " ذلك " مبتدأ ثانيا، و " خير " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهذا هو الوجه الذي خرج الشارح وغيره من النحاة الآية عليه، والوجه الثاني: أن يكون " ذلك " بدلا من " لباس التقوى "، والثالث: أن يكون " ذلك " نعتا للباس التقوى على ما هو مذهب جماعة و " خير " خبر المبتدأ الذي هو " لباس التقوى " وعلى هذين لا شاهد في الآية لما نحن بصدده في هذا الباب.
    (*)
    (1/204)

    والمفرد الجامد فارغ، وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن (1) تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة، وأما المفرد: فإما أن يكون جامدا، أو مشتقا.
    فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير، نحو " زيد أخوك " وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير، والتقدير عندهم: " زيد أخوك هو " وأما البصريون فقالوا: إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق، أولا، فإن تضمن معناه نحو " زيد أسد " - أي شجاع - تحمل الضمير، وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل.
    وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير، نحو " زيد قائم " أي: هو، هذا إذا لم يرفع ظاهرا.
    __________
    (1) " والمفرد " مبتدأ " الجامد " نعت له " فارغ " خبر المبتدأ " وإن " شرطية " يشتق " فعل مضارع فعل الشرط مبني للمجهول، مجزوم بإن الشرطية، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالفتح تخلصا من التقاء الساكنين وطلبا للخفة، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله المفرد " فهو " الفاء واقعة في جواب الشرط، والضمير المنفصل مبتدأ " ذو " اسم بمعنى صاحب خبر المبتدأ وذو مضاف و " ضمير " مضاف إليه " مستكن " نعت لضمير، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، ويجوز أن يكون قوله " المفرد " مبتدأ أول، وقوله " الجامد " مبتدأ ثانيا، وقوله " فارغ " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، والرابط بين جملة الخبر والمبتدأ الاول محذوف، وتقدير الكلام على هذا: والمفرد الجامد منه فارغ، والشاطبي يوجب هذا الوجه من الاعراب، لان الضمير المستتر في قوله " يشتق " في الوجه الاول عاد على " المفرد " الموصوف بقوله " الجامد " بدون صفته، إذا لو عاد على الموصوف وصفته لكان المعنى:
    إن يكن المفرد الجامد مشتقا، وهو كلام غير مستقيم، وزعم أن عود الضمير على الموصوف وحده - دون صفته - خطأ، وليس كما زعم، لا جرم جوزنا الوجهين في إعراب هذه العبارة.
    (*)
    (1/205)

    وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا، وذلك كأسماء الآلة، نحو " مفتاح " فإنه مشتق من " الفتح " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت: " هذا مفتاح " لم يكن فيه ضمير، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان ك " مرمى " فإنه مشتق من " الرمي " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت " هذا مرمى زيد " تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه.
    وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا، فإن رفعه لم يتحمل ضميرا، وذلك نحو " زيد قائم غلاماه " فغلاماه: مرفوع بقائم، فلا يتحمل ضميرا.
    وحاصل ما ذكر: أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين، ولا يتحمل ضميرا عند البصريين، إلا إن أول بمشتق، وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل، نحو: " زيد منطلق " أي: هو، فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا، نحو: " هذا مفتاح "، و " هذا مرمى زيد ".
    * * * وأبرزنه مطلقا حيث تلا ما ليس معناه له محصلا (1).
    __________
    (1) " وأبرزنه " الواو للاستئناف، أبرز: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون
    التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له من الاعراب، والضمير المتصل البارز مفعول به لابرز " مطلقا " حال من الضمير البارز، ومعناه سواء أمنت اللبس أم لم تأمنه " حيث " = (*)
    (1/206)

    إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه، نحو: " زيد قائم " أي هو، فلو أتيت بعد المشتق ب " هو " ونحوه وأبرزته فقلت: " زيد قائم هو " فقد جوز سيبويه فيه وجهين، أحدهما: أن يكون " هو " تأكيدا للضمير المستتر في " قائم " والثاني أن يكون فاعلا ب " قائم ".
    هذا إذا جرى على من هو له.
    فإن جرى على غير من هو له - وهو المراد بهذا البيت - وجب إبراز الضمير، سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن، فمثال ما أمن فيه اللبس: " زيد هند ضاربها هو " ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير " زيد عمرو ضاربه هو " فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين، وهذا معنى قوله: " وأبرزنه مطلقا " أي سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن.
    وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن اللبس جاز الامران كالمثال الاول - وهو:
    __________
    = ظرف مكان متعلق بأبرز " تلا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر المشتق، والجملة من تلا وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها " ما " اسم موصول مفعول به لتلا، مبني على السكون في محل نصب " ليس " فعل ماض ناقص " معناه " معنى: اسم ليس، ومعنى مضاف والضمير مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بقوله " محصلا " الآتي " محصلا " خبر ليس، والجملة من ليس ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة الموصول الذي هو " ما "، وتقدير البيت: وأبرز ضمير الخبر المشتق مطلقا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلا لذلك المبتدأ، وقد عبر الناظم في الكافية عن هذا المعنى بعبارة سالمة من هذا الاضطراب
    والقلق، وذلك قوله: وإن تلا غير الذي تعلقا به فأبرز الضمير مطلقا في المذهب الكوفي شرط ذاك أن لا يؤمن اللبس، ورأيهم حسن وقد أشار الشارح إلى اختيار الناظم في غير الالفية من كتبه لمذهب الكوفيين في هذه المسألة، وأنت تراه يقول في آخر هذين البيتين عن مذهب الكوفيين " ورأيهم حسن ".
    (*)
    (1/207)

    " زيد هند ضاربها هو " - فإن شئت أتيت ب " هو " وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الابراز كالمثال الثاني، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه " لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا، وأن يكون عمرا، فلما أتيت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه هو " تعين أن يكون " زيد " هو الفاعل.
    واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين، ولهذا قال: " وأبرزنه مطلقا " يعني سواء خيف اللبس، أو لم يخف، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين، وقد ورد السماع بمذهبهم، فمن ذلك قول الشاعر: 42 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان التقدير: بانوها هم، فحذف الضمير لا من اللبس.
    * * *.
    __________
    42 - هذا الشاهد غير منسوب إلى قائل معين فيما بين أيدينا من المراجع.
    اللغة: " ذرا " بضم الذال - جمع ذروة، وهي من كل شئ أعلاه " المجد " الكرم " بانوها " جعله العيني فعلا ماضيا بمعنى زادوا عليها (وتميزوا) ؟، ويحتمل أن
    يكون جمع " بان " جمعا سالما مثل قاض وقاضون وغاز وغازون، وحذفت النون للاضافة كما حذفت النون في قولك " قاضو المدينة ومفتوها " وهو عندنا أفضل مما ذهب إليه العيني " كنه " كنه كل شئ: غايته، ونهايته، وحقيقته.
    الاعراب: " قومي " قوم: مبتدأ أول، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " ذرا " مبتدأ ثان، وذرا مضاف و " المجد " مضاف إليه " بانوها " بانو: خبر المبتدأ الثاني، وبانو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى ذرا المجد مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الاول " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " علمت " علم: فعل ماض، والتاء للتأنيث " بكنه " جار ومجرور متعلق بعلمت، = (*)
    (1/208)

    وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى " كائن " أو " استقر " (1).
    __________
    = وكنه مضاف واسم الاشارة في " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " عدنان " فاعل علمت " وقحطان " معطوف عليه.
    الشاهد فيه: قوله " قومي ذرا المجد بانوها " حيث جاء بخبر المبتدأ مشتقا ولم يبرز الضمير، مع أن المشتق ليس وصفا لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: " قومي ذرا المجد بانوهاهم " وإنما لم يبرز الضمير ارتكانا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع من غير تردد، فلا لبس في الكلام بحيث يفهم منه معنى غير المعنى الذي يقصد إليه المتكلم، فإنه لا يمكن أن يتسرب إلى ذهنك أن " بانوها " هو في المعنى وصف للمبتدأ الثاني الذي هو " ذرا المجد " لان ذرا المجد مبنية وليست بانية، وإنما الباني هو القوم.
    وهذا الذي يدل عليه هذا البيت - من عدم وجوب إبراز الضمير إذا أمن الالتباس، وقصر وجوب إبرازه على حالة الالتباس - هو مذهب الكوفيين في الخبر
    والحال والنعت والصلة، قالوا في جميع هذه الابواب: إذا كان واحد من هذه الاشياء جاريا على غير من هو له ينظر، فإذا كان يؤمن اللبس ويمكن تعين صاحبه من غير إبراز الضمير فلا يجب إبرازه، وإن كان لا يؤمن اللبس واحتمل عوده على من هو له وعلى غير من هو له وجب إبراز الضمير، والبيت حجة لهم في ذلك.
    والبصريون يوجبون إبراز الضمير بكل حال، ويرون مثل هذا البيت غير موافق للقياس الذي عليه أكثر كلام العرب، فهو عندهم شاذ.
    ومنهم من زعم أن " ذرا المجد " ليس مبتدأ ثانيا كما أعربه الكوفيون، بل هو مفعول به لوصف محذوف، والوصف المذكور بعده بدل من الوصف المحذوف، وتقدير الكلام: قومي بانون ذرا المجد بانوها، فالخبر محذوف، وهو جار على من له، وفي هذا من التكلف ما ليس يخفى.
    (1) " وأخبروا " الواو للاستئناف، وأخبروا: فعل وفاعل " بظرف " جار ومجرور متعلق بأخبروا " أو " عاطفة " بحرف " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق، وحرف مضاف، و " جر " مضاف إليه " ناوين " حال من الواو = (*)
    (1/209)

    تقدم أن الخبر يكون مفردا، ويكون جملة، وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو [ جارا و ] مجرورا (1)، نحو: " زيد عندك "، و " زيد في الدار " فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف (2)، وأجاز قوم منهم -.
    __________
    = في قوله " أخبروا " منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، وفاعله ضمير مستتر فيه " معنى " مفعول به لناوين، ومعنى مضاف، و " كائن " مضاف إليه " أو " عاطفة " استقر " قصد لفظه، وهو معطوف على كائن.
    (1) يشترط لصحة الاخبار بالظرف والجار والمجرور: أن يكون كل واحد منهما تاما، ومعنى التمام أن يفهم منه متعلقه المحذوف، وإنما يفهم متعلق كل واحد منهما منه
    في حالتين: أولاهما: أن يكون المتعلق عاما، نحو: زيد عندك، وزيد في الدار.
    وثانيهما: أن يكون المتعلق خاصا وقد قامت القرينة الدالة عليه، كأن يقول لك قائل: زيد مسافر اليوم وعمرو غدا، فتقول له: بل عمرو اليوم وزيد غدا، وجعل ابن هشام في المغنى من هذا الاخير قوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد) أي الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد.
    (2) ههنا أمران، الاول: أن المتعلق يكون واجب الحذف إذا كان عاما، فأما إذا كان خاصا ففيه تفصيل، فإن قامت قرينة تدل عليه إذا حذف جاز حذفه وجاز ذكره، وإن لم تكن هناك قرينة ترشد إليه وجب ذكره، هذا مذهب الجمهور في هذا الموضوع، وسنعود إليه في شرح الشاهد رقم 43 الآتي قريبا.
    الامر الثاني: اعلم أنه قد اختلف النحاة في الخبر: أهو متعلق الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو نفس الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو مجموع المتعلق والظرف أو الجار والمجرور ؟ فذهب جمهور البصريين إلى أن الخبر هو المجموع، لتوقف الفائدة على كل واحد منهما، والصحيح الذي ترجحه أن الخبر هو نفس المتعلق وحده، وأن الظرف أو الجار والمجرور قيد له، ويؤيد هذا أنهم أجمعوا على أن المتعلق إذا كان خاصا فهو الخبر وحده، سواء أكان مذكورا أم كان قد حذف لقرينة تدل عليه، وهذا الخلاف إنما هو في المتعلق العام، فليكن مثل الخاص، طردا للباب على وتيرة واحدة.
    (*)
    (1/210)

    المصنف - أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو: " كائن " أو " استقر " فإن قدرت " كائنا " كان من قبيل الخبر بالمفرد، وإن قدرت " استقر " كان من قبيل الخبر بالجملة.
    واختلف النحويون في هذا، فذهب الاخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد، وأن كلا منهما متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف اسم فاعل، التقدير " زيد كائن عندك، أو مستقر عندك، أو في الدار " وقد نسب هذا لسيبويه.
    وقيل: إنهما من قبيل الجملة، وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل، والتقدير " زيد استقر - أو يستقر - عندك، أو في الدار " ونسب هذا إلى جمهور البصريين، وإلى سيبويه أيضا.
    وقيل: يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد، فيكون المقدر مستقرا ونحوه، وأن يجعلا من قبيل الجملة، فيكون التقدير " استقر " ونحوه، وهذا ظاهر قول المصنف " ناوين معنى كائن أو استقر ".
    وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو علي الفارسي في الشيرازيات.
    والحق خلاف هذا المذهب، وأنه متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف واجب الحذف، وقد صرح به شذوذا، كقوله: 43 - لك العز إن مولاك عز، وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن.
    __________
    43 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.
    اللغة: " مولاك " يطلق المولى على معان كثيرة، منها السيد، والعبد، والحليف، والمعين، والناصر، وابن العم، والمحب، والجار، والصهر " يهن " يروى بالبناء = (*)
    (1/211)

    .
    = للمجهول كما قاله العيني وتبعه عليه كثير من أرباب الحواشي، ولا مانع من بنائه للمعلوم بل هو الواضح عندنا، لان الفعل الثلاثي لازم، فبناؤه للمفعول مع غير الظرف أو
    الجار والمجرور ممتنع، نعم يجوز أن يكون الفعل من أهنته أهينه، وعلى هذا يجئ ما ذكره العيني، ولكنه ليس بمتعين، ولا هو مما يدعو إليه المعنى، بل الذي اخترناه أقرب، لمقابلته بقوله: " عز " الثلاثي اللازم، وقوله: " بحبوحة " هو بضم فسكون، وبحبوحة كل شئ: وسطه " الهون " الذل والهوان.
    الاعراب: " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " العز " مبتدأ مؤخر " إن " شرطية " مولاك " مولى: فاعل لفعل محذوف يقع فعل الشرط، يفسره المذكور بعده، ومولى مضاف والكاف ضمير خطاب مضاف إليه " عز " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك، والجملة لا محل لها مفسرة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، أي: إن عز مولاك فلك العز " وإن " الواو عاطفة، وإن: شرطية " يهن " فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة مجزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك " فأنت " الفاء واقعة في جواب الشرط، أنت: ضمير منفصل مبتدأ " لدى " ظرف متعلق بكائن الآتي، ولدى مضاف و " بحبوحة " مضاف إليه، وبحبوحة مضاف و " الهون " مضاف إليه " كائن " خبر المبتدأ، والجلمة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.
    الشاهد فيه: قوله " كائن " حيث صرح به - وهو متعلق الظرف الواقع خبرا - شذوذا، وذلك لان الاصل عند الجمهور أن الخبر - إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا - أن يكون كل منهما متعلقا بكون عام، وأن يكون هذا الكون العام واجب الحذف، كما قرره الشارح العلامة، فإن كان متعلقهما كونا خاصا وجب ذكره، إلا أن تقوم قرينة تدل عليه إذا حذف، فإن قامت هذه القرينة جاز ذكره وحذفه، وذهب ابن جنى إلى أنه يجوز ذكر هذا الكون العام لكون الذكر أصلا، وعلى هذا يكون ذكره في هذا البيت ونحوه ليس شاذا، كذلك قالوا.
    والذي يتجه للعبد الضعيف - عفا الله تعالى عنه - ! وذكره كثير من أكابر =
    (1/212)

    وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور - إذا وقعا خبرا - كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة، نحو: " مررت برجل عندك، أو في الدار " أو حالا، نحو: " مررت بزيد عندك، أو في الدار " أو صلة، نحو: " جاء الذي عندك، أو في الدار " لكن يجب في الصلة أن يكون المحذوف فعلا، التقدير: " جاء الذي استقر عندك، أو في الدار " وأما الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم.
    * * * ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة، وإن يفد فأخبرا (1).
    __________
    = العلماء أن " كائنا، واستقر " قد يراد بهما مجرد الحصول والوجود فيكون كل منهما كونا عاما واجب الحذف، وقد يراد بهما حصول مخصوص كالثبات وعدم قبول التحول والانتقال ونحو ذلك فيكون كل منهما كونا خاصا، وحينئذ يجوز ذكره، و " ثابت " و " ثبت " بهذه المنزلة، فقد يراد بهما الوجود المطلق الذي هو ضد الانتقال فيكونان عامين، وقد يراد بهما القرار وعدم قابلية الحركة مثلا، وحينئذ يكونان خاصين، وبهذا يرد على ابن جنى ما ذهب إليه، وبهذا - أيضا - يتجه ذكر " كائن " في هذا البيت وذكر " مستقر " في نحو قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده)، لان المعنى أنه لما رآه ثابتا كما لو كان موضعه بين يديه من أول الامر.
    (1) " ولا " الواو للاستئناف، ولا: نافية " يكون " فعل مضارع ناقص " اسم " هو اسم يكون، واسم مضاف و " زمان " مضاف إليه " خبرا " خبر يكون " عن جثة " جار ومجرور متعلق بقوله خبرا، أو بمحذوف صفة لخبر " وإن " الواو للاستئناف، إن: شرطية " يفد " فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر
    فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كون الخبر اسم زمان " فأخبرا " الفاء واقعة في جواب الشرط، أخبر فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من فعل الامر وفاعله في محل جزم جواب الشرط.
    (*)
    (1/213)

    ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد عندك " وعن المعنى نحو: " القتال عندك " وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي، نحو: " القتال يوم الجمعة، أو في يوم الجمعة " ولا يقع خبرا عن الجثة، قال المصنف: إلا إذا أفاد نحو " الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع " فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد اليوم " وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا، فإن جاء شئ من ذلك يؤول، نحو قولهم: الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع، التقدير: طلوع الهلال الليلة، ووجود الرطب شهري ربيع، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى جواز ذلك من غير شذوذ [ لكن ] بشرط أن يفيد (1)، كقولك: " نحن في يوم طيب، وفي شهر كذا "،.
    __________
    (1) هنا أمران يحسن بنا أن نبينهما لك تبيينا واضحا، الاول: أن الاسم الذي يقع مبتدأ، إما أن يكون اسم معنى كالقتل والاكل والنوم، وإما أن يكون اسم جثة، والمراد بها الجسم على أي وضع كان، كزيد والشمس والهلال والورد، والظرف الذي يصح أن يقع خبرا، إما أن يكون اسم زمان كيوم وزمان وشهر ودهر، وإما أن يكون اسم مكان نحو عند ولدى وأمام وخلف، والغالب أن الاخبار باسم المكان يفيد سواء أكان المخبر عنه اسم جثة أم كان المخبر عنه اسم معنى، والغالب أن الاخبار باسم الزمان يفيد إذا كان المخبر عنه اسم معنى، فلما كان الغالب في هذه الاحوال الثلاثة حصول الفائدة
    أجاز الجمهور الاخبار بظرف المكان مطلقا وبظرف الزمان عن اسم المعنى بدون شرط إعطاء للجميع حكم الاغلب الاكثر، ومن أجل أن الاخبار بالظرف المكاني مطلقا وبالزمان عن اسم المعنى مفيد غالبا لا دائما، ومعنى هذا أن حصول الفائدة ليس بواجب في الاخبار حينئذ، من أجل ذلك استظهر جماعة من المحققين أنه لا يجوز الاخبار إلا إذا حصلت الفائدة به فعلا، فلو لم تحصل الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن المعنى نحو " القتال زمانا " أو لم تحصل من الاخبار باسم المكان نحو " زيد مكانا " ونحو " القتال مكانا " لم يجز الاخبار، وإذن فالمدار عند هذا الفريق على حصول الفائدة في الجميع، والغالب أن الاخبار باسم الزمان عن الجثة لا يفيد، وهذا هو السر في تخصيص الجمهور هذه الحالة بالنص عليها.
    = (*)
    (1/214)

    وإلى هذا أشار بقوله: " وإن يفد فأخبرا " فإن لم يفد امتنع، نحو: " زيد يوم الجمعة ".
    * * * ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفد: كعند زيد نمره (1) وهل فتى فيكم ؟ فما خل لنا، ورجل من الكرام عندنا (2).
    __________
    = الامر الثاني: أن الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن اسم الجثة تحصل بأحد أمور ثلاثة، أولها: أن يتخصص اسم الزمان بوصف أو بإضافة، ويكون مع ذلك مجرورا بفي، نحو قولك: " نحن في يوم قائظ، ونحن في زمن كله خير وبركة " ولا يجوز في هذا إلا الجر بفي، فلا يجوز أن تنصب الظرف ولو أن نصبه على تقدير في، وثانيها أن يكون الكلام على تقدير مضاف هو اسم معنى، نحو قولهم: الليلة الهلال فإن تقديره الليلة طلوع الهلال، ونحو قول امرئ القيس بن حجر الكندي بعد مقتل أبيه: اليوم خمر، وغدا أمر، فإن التقدير عند النحاة في هذا المثل: اليوم شرب خمر، وثالثها:
    أن يكون اسم الجثة مما يشبه اسم المعنى في حصوله وقتا بعد وقت، نحو قولهم: " الرطب شهري ربيع، والورد أيار، ونحو قولنا: القطن سبتمبر، ويجوز في هذا النوع أن تجره بفي، فتقول: الرطب في شهري ربيع، والورد في أيار وهو شهر من الشهور الرومية يكون زمن الربيع.
    (1) " لا " نافية " يجوز " فعل مضارع " الابتدا " فاعل يجوز " بالنكرة " جار ومجرور متعلق بالابتدا " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تفد " فعل مضارع مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على النكرة " كعند " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند مضاف و " زيد " مضاف إليه " نمرة " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كقولك عند زيد نمرة.
    (2) " هل " حرف استفهام " فتى " مبتدأ " فيكم " جار ومجرور متعلق = (*)
    (1/215)

    ورغبة في الخير خير، وعمل بر يزين، وليقس ما لم يقل (1) الاصل في المبتدأ أن يكون معرفة (2) وقد يكون نكرة، لكن بشرط أن تفيد، وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة: أحدها: أن يتقدم الخبر عليها، وهو ظرف أو جار ومجرور (3)، نحو: " في.
    __________
    = بمحذوف خبر المبتدأ " فما " نافية " خل " مبتدأ " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ورجل " مبتدأ " من الكرام " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرجل " عندنا " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه.
    (1) " رغبة " مبتدأ " في الخير " جار ومجرور متعلق به " خير " خبر المبتدأ " وعمل " مبتدأ، وعمل مضاف و " بر " مضاف إليه " يزين " فعل مضارع، وفاعله
    ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عمل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " وليقس " الواو عاطفة أو للاستئناف، واللام لام الامر، يقس: فعل مضارع مجزوم بلام الامر، وهو مبني للمجهول " ما " اسم موصول نائب فاعل يقس " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يقل " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة من الفعل المبني للمجهول ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة.
    (2) المبتدأ محكوم عليه، والخبر حكم، والاصل في المبتدأ أن يتقدم على الخبر، والحكم على المجهول لا يفيد، لان ذكر المجهول أول الامر يورث السامع حيرة، فتبعثه على عدم الاصغاء إلى حكمه، ومن أجل هذا وجب أن يكون المبتدأ معرفة حتى يكون معينا، أو نكرة مخصوصة.
    ولم يجب في الفاعل أن يكون معرفة ولا نكرة مخصصة، لان حكمه - وهو المعبر عنه بالفعل - متقدم عليه البتة، فيتقرر الحكم أولا في ذهن السامع ثم يطلب له محكوما عليه أيا كان، ومن هنا تعرف الفرق بين المبتدأ والفاعل، مع أن كل واحد منهما محكوم عليه، وكل واحد منهما معه حكمه، ومن هنا تعرف أيضا السر في جواز أن يكون المبتدأ نكرة إذا تقدم الخبر عليه.
    (3) مثل الظرف والجار والمجرور الجملة، نحو قولك: قصدك غلامه لرجل، فرجل مبتدأ مؤخر، وجملة " قصدك غلامه " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم، لسوغ للابتداء بالنكرة، هو تقديم خبرها وهو جملة، واعلم أنه لابد - مع تقديم = (*)
    (1/216)

    الدار رجل "، و " عند زيد نمرة " (1)، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز، نحو: " قائم رجل ".
    الثاني: أن يتقدم على النكرة استفهام (2)، نحو: " هل فتى فيكم ".
    الثالث: أن يتقدم عليها نفي (3)، نحو: " ما خل لنا "..
    __________
    = الخبر وكونه أحد الثلاثة: الجملة، والظرف، والجار والمجرور - من أن يكون مختصا، وذلك بأن يكون المجرور أو ما أضيف إليه والمسند إليه في الجملة مما يجوز الاخبار عنه، لو قلت: في دار رجل رجل، أو قلت عند رجل رجل، أو قلت ولد له ولد رجل - لم يصح.
    (1) النمرة - بفتح النون وكسر الميم - كساء مخطط تلبسه الاعراب، وجمعه نمار.
    (2) اشترط جماعة من النحويين - منهم ابن الحاجب - لجواز الابتداء بالنكرة بعد الاستفهام شرطين، الاول: أن يكون حرف الاستفهام الهمزة، والثاني: أن يكون بعده " أم " نحو أن تقول: أرجل عندك أم امرأة ؟ وهذا الاشتراط غير صحيح، فلهذا بادر الناظم والشارح بإظهار خلافه بالمثال الذي ذكراه، فإن قلت: فلماذا كان تقدم الاستفهام على النكرة مسوغا للابتداء بها ؟ فالجواب: أن نذكرك بأن الاستفهام إما إنكاري وإما حقيقي، أما الاستفهام الانكاري فهو بمعنى حرف النفي، وتقدم حرف النفي على النكرة يجعلها عامة، وعموم النكرة عند التحقيق هو المسوغ للابتداء بها، إذ الممنوع إنما هو الحكم على فرد مبهم غير معين، فأما الحكم على جميع الافراد فلا مانع منه، وأما الاستفهام الحقيقي فوجه تسويغه أن المقصود به السؤال عن فرد غير معين بطلب بالسؤال تعيينه، وهذا الفرد غير المعين شائع في جميع الافراد، فكأن السؤال في الحقيقة عن الافراد كلهم، فأشبه العموم، فالمسوغ إما العموم الحقيقي وإما العموم الشبيه به.
    (3) قد عرفت مما ذكرناه في وجه تسويغ الاستفهام الابتداء بالنكرة أن الاصل فيه هو النفي، لان النفي هو الذي يجعل النكرة عامة متناولة جميع الافراد، وحمل الاستفهام الانكاري عليه لانه بمعناه، وحمل الاستفهام الحقيقي عليه لانه شبيه بما هو بمعنى النفي، فالوجه في النفي هو صيرورة النكرة عامة.
    (*)
    (1/217)

    الرابع: أن توصف (1)، نحو: " رجل من الكرام عندنا ".
    الخامس: أن تكون عاملة (2)، نحو: " رغبة في الخير خير ".
    السادس: أن تكون مضافة، نحو: " عمل بر يزين ".
    هذا ما ذكره المصنف في هذا الكتاب، وقد أنهاها غير المصنف إلى نيف وثلاثين موضعا [ وأكثر من ذلك (3) ]، فذكر [ هذه ] الستة المذكورة..
    __________
    (1) يشترط في الوصف الذي يسوغ الابتداء بالنكرة أن يكون مخصصا للنكرة فإن لم يكن الوصف مخصصا للنكرة - نحو أن تقول: رجل من الناس عندنا لم يصح الابتداء بالنكرة، والوصف على ثلاثة أنواع، النوع الاول: الوصف اللفظي، كمثال الناظم والشارح، والنوع الثاني: الوصف التقديري، وهو الذي يكون محذوفا من الكلام لكنه على تقدير ذكره في الكلام، كقوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) فإن تقدير الكلام: وطائفة من غيركم، بدليل ما قبله، وهو قوله تعالى (يغشى طائفة منكم) والنوع الثالث: الوصف المعنوي، وضابطه ألا يكون مذكورا في الكلام ولا محذوفا على نية الذكر، ولكن صيغة النكرة تدل عليه، ولذلك موضعان، الموضع الاول: أن تكون النكرة على صيغة التصغير، نحو قولك: رجيل عندنا، فإن المعنى رجل صغير عندنا، والموضع الثاني: أن تكون النكرة دالة على التعجب، نحو " ما " التعجبية في قولك: ما أحسن زيدا، فإن الذي سوغ الابتداء بما التعجبية وهي نكرة كون المعنى: شئ عظيم حسن زيدا، فهذا الامر الواحد وهو كون النكرة موصوفة - يشتمل على أربعة أنواع.
    (2) قد تكون النكرة عاملة الرفع، نحو قولك: ضرب الزيدان حسن - بتنوين ضرب، لانه مصدر - وهو مبتدأ، والزيدان: فاعل المصدر، وحسن: خبر المبتدأ، وقد تكون عاملة النصب كما في مثال الناظم والشارح، فإن الجار والمجرور في محل نصب على أنه مفعول به للمصدر، وقد تكون عاملة الجر، كما في قوله عليه الصلاة والسلام
    " خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة " ومن هذا تعلم أن ذكر الامر الخامس يغني عن ذكر السادس، لان السادس نوع منه.
    (3) قد علمت أن بعض الامور الستة يتنوع كل واحد منها إلى أنواع، فالذين = (*)
    (1/218)

    والسابع: أن تكون شرطا، نحو: " من يقم أقم معه ".
    الثامن: أن تكون جوابا، نحو أن يقال: من عندك ؟ فتقول: " رجل "، التقدير " رجل عندي ".
    التاسع: أن تكون عامة، نحو: " كل يموت ".
    العاشر: أن يقصد بها التنويع، كقوله: 44 - فأقبلت زحفا على الركبتين فثوب لبست، وثوب أجر [ فقوله " ثوب " مبتدأ، و " لبست " خبره، وكذلك " ثوب أجر " ]..
    __________
    = عدوا أمورا كثيرة لم يكتفوا بذكر جنس يندرج تحته الانواع المتعددة، وإنما فصلوها تفصيلا لئلا يحوجوا المبتدئ إلى إجهاد ذهنه، وستري في بعض ما يذكره الشارح زيادة على الناظم أنه مندرج تحت ما ذكره كالسابع والتاسع والثاني عشر والرابع عشر وسنبين ذلك.
    44 - هذا البيت من قصيدة لامرئ القيس أثبتها له أبو عمرو الشيباني، والمفضل الضبي، وغيرهما، وأول هذه القصيدة قوله: لا، وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وزعم الاصمعي - في روايته عن أبي عمرو بن العلاء - أن القصيدة لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة بن جشم، وأولها عنده: أحار ابن عمرو كأني خمر ويعدو على المرء ما يأتمر ويروى صدر البيت الشاهد هكذا:
    * فلما دنوت تسديتها * اللغة: " تسديتها " تخطيت إليها، أو علوتها، والباقي ظاهر المعنى، ويروى " فثوب نسيت ".
    الاعراب: " فأقبلت " الفاء عاطفة، أقبلت: فعل ماض مبني على فتح مقدر وفاعل " زحفا " يجوز أن يكون مصدرا في تأويل اسم الفاعل فيكون حالا من التاء في " أقبلت " ويجوز بقاؤه على مصدريته فهو مفعول مطلق لفعل محذوف، = (*)
    (1/219)

    الحادي عشر: أن تكون دعاء، نحو: (سلام على آل ياسين).
    الثاني عشر: أن يكون فيها معنى التعجب (1)، نحو: " ما أحسن زيدا ! "..
    __________
    = تقديره: أزحف زحفا " على الركبتين " جار ومجرور متعلق بقوله " زحفا " " فثوب " مبتدأ " نسيت " أو " لبست " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير محذوف، والتقدير نسيته، أو لبسته " وثوب " الواو عاطفة، ثوب: مبتدأ " أجر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير منصوب محذوف، والتقدير: أجره، والجملة من المبتدأ وخبره معطوفة بالواو على الجملة السابقة.
    الشاهد فيه: قوله " ثوب " في الموضعين، حيث وقع كل منهما مبتدأ - مع كونه نكرة - لانه قصد التنويع، إذ جعل أثوابه أنواعا، فمنها نوع أذهله حبها عنه فنسيه، ومنها نوع قصد أن يجره على آثار سيرهما ليعفيها حتى لا يعرفهما أحد، وهذا توجيه ما ذهب إليه العلامة الشارح.
    وفي البيت توجيهان آخران ذكرهما ابن هشام وأصلهما للاعلم، أحدهما: أن جملتي " نسيت، وأجر " ليستا خبرين، بل هما نعتان للمبتدأين، وخبراهما محذوفان، والتقدير: فمن أثوابي ثوب منسى وثوب مجرور، والتوجيه الثاني: أن الجملتين خبران
    ولكن هناك نعتان محذوفان، والتقدير: فثوب لي نسيته وثوب لي أجره، وعلى هذين التوجيهين فالمسوغ للابتداء بالنكرة كونها موصوفة، وفي البيت رواية أخرى، وهي * فثوبا نسيت وثوبا أجر * بالنصب فيهما، على أن كلا منهما مفعول للفعل الذي بعده، ولا شاهد في البيت على هذه الرواية، ويرجح هذه الرواية على رواية الرفع أنها لا تحوج إلى تقدير محذوف، وأن حذف الضمير المنصوب العائد على المبتدأ من جملة الخبر مما لا يجيزه جماعة من النحاة منهم سيبويه إلا لضرورة الشعر.
    (1) قد عرفت أن هذا الموضع والذي بعده داخلان في الموضع الرابع، لاننا بينا لك أن الوصف إما لفظي وإما تقديري، والتقديري: أعم من أن يكون المحذوف هو الوصف أو الموصوف، ومثل هذا يقال في الموضع الرابع عشر، وكذلك في الموضع الخامس عشر على ثاني الاحتمالين، وكان على الشارح ألا يذكر هذه المواضع، تيسيرا للامر على الناشئين، وقد سار ابن هشام في أوضحه على ذلك.
    (*)
    (1/220)

    الثالث عشر: أن تكون خلفا من موصوف، نحو: " مؤمن خير من كافر ".
    الرابع عشر: أن تكون مصغرة، نحو: " رجيل عندنا "، لان التصغير فيه فائدة معنى الوصف، تقديره " رجل حقير عندنا ".
    الخامس عشر: أن تكون في معنى المحصور، نحو: " شر أهر ذا ناب، وشئ جاء بك " التقدير " ما أهر ذا ناب إلا شر، وما جاء بك إلا شئ ".
    على أحد القولين، والقول الثاني [ أن التقدير ] " شر عظيم أهر ذا ناب، وشئ عظيم جاء بك "، فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا، لان الوصف أعم من أن يكون ظاهرا أو مقدرا، وهو ها هنا مقدر.
    السادس عشر: أن يقع قبلها واو الحال، كقوله: 45 - سرينا ونجم قد أضاء، فمذ بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق
    .
    __________
    45 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها.
    اللغة: " سرينا " من السري - بضم السين - وهو السير ليلا " أضاء " أنار " بدا " ظهر " محياك " وجهك.
    المعنى: شبه الممدوح بالبدر تشبيها ضمنيا، ولم يكتف بذلك حتى جعل ضوء وجهه أشد من نور البدر وغيره من الكواكب المشرقة.
    الاعراب: " سرينا " فعل وفاعل " ونجم " الواو للحال، نجم: مبتدأ " قد " حرف تحقيق " أضاء " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فمذ " اسم دال على الزمان في محل رفع مبتدأ " بدا " فعل ماض " محياك " محيا: فاعل بدا، ومحيا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة مذ إليها، وقيل: مذ مضاف إلى زمن محذوف، والزمن مضاف إلى الجملة " أخفى " فعل ماض " ضوؤه " ضوء: فاعل أخفى، وضوء مضاف والضمير مضاف إليه " كل " مفعول به لاخفى، وكل مضاف و " شارق " مضاف إليه، والجملة من الفعل - الذي هو أخفى - والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ وهو مذ.
    الشاهد فيه: قوله " ونجم قد أضاء " حيث أتى بنجم مبتدأ - مع كونه نكرة - = (*)
    (1/221)

    السابع عشر: أن تكون معطوفة على معرفة، نحو: " زيد ورجل قائمان ".
    الثامن عشر: أن تكون معطوفة على وصف، نحو: " تميمي ورجل في الدار ".
    التاسع عشر: أن يعطف عليها موصوف، نحو: " رجل وامرأة طويلة في الدار ".
    العشرون: أن تكون مبهمة، كقول امرئ القيس: 46 - مرسعة بين أرساغه به عسم يبتغي أرنبا.
    __________
    = لسبقه بواو الحال، والذي نريد أن ننبهك إليه ها هنا أن المدار في التسويغ على وقوع
    النكرة في صدر الجملة الحالية، سواء أكانت مسبوقة بواو الحال كهذا الشاهد، أم لم تكن مسبوقة به، كقول شاعر الحماسة (انظر شرح التبريزي 4 / 130 بتحقيقنا): تركت ضأني تود الذئب راعيها وأنها لا تراني آخر الابد الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي الشاهد فيهما قوله " مدية " فإنه مبتدأ مع كونه نكرة، وسوغ الابتداء به وقوعه في صدر جملة الحال، لان جملة " مدية بيدي " في محل نصب حال من ياء المتكلم في قوله " تراني ".
    ويجوز أن يكون مثل بيت الشاهد قول الشاعر: عندي اصطبار، وشكوى عند فاتنتي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا ؟ فإن الواو في قوله " وشكوى عند فاتنتي " يجوز أن تكون واو الحال، وشكوى مبتدأ وهو نكرة، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، فإذا أعربناه على هذا الوجه كان مثل بيت الشاهد تماما.
    46 - اتفق الرواة على أن هذا البيت لشاعر اسمه امرؤ القيس، كما قاله الشارح العلامة، لكن اختلفوا فيما وراء ذلك، فقيل: لامرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر المشهور، وقال أبو القاسم الكندي: ليس ذلك بصحيح، بل هو لامرئ القيس = (*)
    (1/222)

    .
    __________
    = ابن مالك الحميري، لكن الثابت في نسخة ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي - برواية أبي عبيدة والاصمعي وأبي حاتم والزيادي، وفيما رواه الاعلم الشنتمري من القصائد المختارة - نسبة هذا البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، وقال السيد المرتضى في شرح القاموس، نقلا عن العباب، مانصه: " هو لامرئ القيس بن مالك
    الحميري، كما قاله الآمدي، وليس لابن حجر كما وقع في دواوين شعره، وهو موجود في أشعار حمير " اه، ومهما يكن من شئ فقد روى الرواة قبل بيت الشاهد قوله: أيا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا اللغة: " بوهة " هو بضم الباء - الرجل الضعيف الطائش، وقيل: هو الاحمق " عقيقته " العقيقة الشعر الذي يولد به الطفل " أحسبا " الاحسب من الرجال: الرجل الذي ابيضت جلدته.
    وقال القتيبي: أراد بقوله " عليه عقيقته " أنه لا يتنظف، وقال أبو علي: معناه أنه لم يعق عنه في صغره فما زال حتى كبر وشابت معه عقيقته " مرسعة " هي التميمة يعلقها مخافة العطب على طرف الساعد فيما بين الكوع والكرسوع، وقيل: هي مثل المعاذة، وكان الرجل من جهلة العرب يشد في يده أو رجله حرزا لدفع العين أو مخافة أن يموت أو يصيبه بلاء " بين أرساغه " الارساغ جمع رسغ - بوزن قفل - يعني أنه يجعلها في هذا المكان، ويروى " بين أرباقه " والارباق: جمع ربق - بكسر فسكون - وهو الحبل فيه عدة عرى، ومعناه أنه يجعل تميمته في حبال " عسم " اعوجاج في الرسغ ويبس " أرنبا " حيوان معروف، وإنما طلب الارنب دون الظباء ونحوها لما كانت تزعمه العرب من أن الجن تجتنبها، فمن اتخذ كعبها تميمة لم يقربه جن، ولم يؤذه سحر، كذا كانوا يزعمون وأراد أنه جبان شديد الخوف.
    المعنى: يخاطب هندا أخته - فيما ذكر الرواة - ويقول لها: لا تتزوجي رجلا من جهلة العرب: يضع التمائم، ويقعد عن الخروج للحروب، وفي رسغه اعوجاج ويبس، لا يبحث إلا عن الارانب ليتخذ كعوبها تمائم جبنا وفرقا.
    الاعراب: " مرسعة " مبتدأ " بين " ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وبين مضاف وأرساغ من " أرساغه " مضاف إليه، وأرساغ مضاف والضمير مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب نعت لبوهة في البيت السابق، = (*)
    (1/223)

    الحادي والعشرون: أن تقع بعد " لولا "، كقوله: 47 - لولا اصطبار لاودى كل ذي مقة لما استقلت مطاياهن للظعن.
    __________
    = والرابط بين جملة الصفة والموصوف هو الضمير المجرور محلا بالاضافة في قوله أرساغه " به " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " عسم " بمتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب صفة ثانية لبوهة " يبتغي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بوهة، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب صفة لبوهة أيضا " أرنبا " مفعول به ليبتغي، فقد وصف البوهة في هذين البيتين بخمس صفات: الاولى قوله " عليه عقيقه " والثانية قوله " أحسبا " والثالثة جملة " مرسعة بين أرساغه "، والرابعة جملة " به عسم "، والخامسة جملة " يبتغي أرنبا ".
    الشاهد فيه: قوله " مرسعة " فإنها نكرة وقعت مبتدأ، وقد سوغ الابتداء بها إبهامها، ومعنى ذلك أن المتكلم قصد الابهام بهذه النكرة، ولم يكن له غرض في البيان والتعيين أن تقليل الشيوع، وأنت خبير بأن الابهام قد يكون من مقاصد البلغاء ألا ترى أنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، وهذا معنى قصد الابهام الذي ذكره الشارح.
    واعلم أن الاستشهاد بهذا البيت لا يتم إلا على رواية مرسعة بتشديد السين مفتوحة، وبرفعها وتفسيرها بما ذكرنا، وقد رويت بتشديد السين مكسورة، ومعناها الرجل الذي فسد موق عينه، وعلى هذا تروى بالرفع والنصب، فرفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو مرسعة، أي البوهة السابق مرسعة، ونصبها على أنها صفة لبوهة في البيت السابق من باب الوصف بالمفرد، ولا شاهد في البيت لما نحن فيه الآن على إحدى هاتين الروايتين.
    47 - لم ينسبوا هذا الشاهد إلى قائل معين.
    اللغة: " أودى " فعل لازم معناه هلك " مقة " حب، وفعله ومقه يمقه مقة كوعده يعده عدة - والتا، في مقة عوض عن فاء الكلمة - وهي الواو - كعدة وزنة ونحوهما " استقلت " نهضت وهمت بالمسير " الظعن " الرحيل والسفر، وهو بفتح العين هنا.
    المعنى: يقول: إنه صبر على سفر أحبابه، وتجلد حين اعتزموا الرحيل، ولولا ذلك الصبر الذي أبداه وتمسك به لظهر منه ما يهلك بسببه كل من يحبه ويعطف عليه.
    = (*)
    (1/224)

    الثاني والعشرون: أن تقع بعد فاء الجزاء، كقولهم: " إن ذهب عير فعير في الرباط " (1).
    الثالث والعشرون: أن تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو " لرجل قائم "..
    __________
    = الاعراب: " لولا " حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط " اصطبار " مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا تقديره: موجود، وقوله " لاودى " اللام واقعة في جواب لولا، وأودى: فعل ماض " كل " فاعل أودى، وكل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف و " مقة " مضاف إليه " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب متعلق بقوله أودى " استقلت " استقل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " مطاياهن " مطايا: فاعل استقل، ومطايا مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " للظعن " جار ومجرور متعلق باستقلت.
    الشاهد فيه: قوله " اصطبار " فإنه مبتدأ - مع كونه نكرة - والمسوغ لوقوعه مبتدأ وقوعه بعد " لولا ".
    وإنما كان وقوع النكرة بعد " لولا " مسوغا للابتداء بها لان " لولا " تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ فيها نكرة، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع هذه النكرة.
    (1) هذا من أمثال العرب، والعير بفتح فسكون - هو الحمار، والرباط - بزنة كتاب - ما تشد به الدابة، ويقال: قطع الظبي رباطه، ويريدون قطع حبالته، يضرب للرضا بالحاضر وعدم الاسف على الغائب، والاستشهاد به في قوله " فعير " حيث وقع مبتدأ مع كونه نكرة لكونه واقعا بعد الفاء الواقعة في جواب الشرط، وانظر هذا المثل في مجمع الامثال للميداني (1 / 21 طبع بولاق، رقم 82 في 1 / 25 بتحقيقنا) وانظره في جمهرة الامثال لابي هلال العسكري (1 / 81 بهامش مجمع الامثال طبع الخيرية) ورواه هناك " إن هلك عير فعير في الرباط " وقال بعد روايته: يضرب مثلا للشئ يقدر على العوض منه فيستخف بفقده، ونحو هذا المثل في المعنى قول كثير عزة: هل وصل عزة إلا وصل غانية في وصل غانية من وصلها بدل (15 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/225)

    الرابع والعشرون: أن تكون بعد " كم " الخبرية، نحو قوله: 48 - كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري.
    __________
    48 - البيت للفرزدق بهجو جريرا، وقبله قوله: كم من أب لي يا جرير كأنه قمر المجرة أو سراج نهار ورث المكارم كابرا عن كابر ضخم الدسيعة كل يوم فخار اللغة: " المجرة " باب السماء، وقيل: هي الطريق التي تسير منها الكواكب " الدسيعة " الجفنة، أو المائدة الكبيرة، وضخامتها: كناية عن الكرم، لان ذلك يدل على كثرة الاكلة الذين يلتفون حولها " فدعاء " هي المرأة التي اعوجت إصبعها من كثرة حلبها، ويقال: الفدعاء هي التي أصاب رجلها الفدع من كثرة مشيها وراء الابل، والفدع: زيغ في القدم بينها وبين الساق، وقال ابن فارس: الفدع اعوجاج
    في المفاصل كأنها قد زالت عن أماكنها " عشاري " العشار: جمع عشراء - بضم العين المهملة وفتح الشين - وهي الناقة التي أتى عليها من وضعها عشرة أشهر، وفي التنزيل الكريم: (وإذا العشار عطلت).
    الاعراب: " كم " يجوز أن تكون استفهامية، وأن تكون خبرية " عمة " يجوز فيها وفي " خالة " المعطوفة عليها الحركات الثلاث: أما الجر فعلى أن " كم " خبرية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الخبرية مجرور كما هو معلوم، وخالة: معطوف عليها، وأما النصب فعلى أن " كم " استفهامية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " أيضا، وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الاستفهامية منصوب كما هو معلوم، وخالة معطوف عليها، وأما الرفع فعلى أن كم خبرية أو استفهامية في محل نصب ظرف متعلق بحلبت أو مفعول مطلق عامله " حلبت " الآتي، وعلى هذين يكون قوله " عمة " مبتدأ، وقوله " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت له، وجملة " قد حلبت " في محل رفع خبره، وتمييز " كم " على هذا الوجه محذوف، وهي - على ما عرفت - يجوز أن تكون خبرية فيقدر تمييزها مجرورا، ويجوز أن تكون استفهامية فيقدر تمييزها منصوبا، و " فدعاء " صفة لخالة، وقد حذف صفة لعمة ممائلة لها كما حذف صفة لخالة ممائلة لصفة عمة، وأصل الكلام قبل الحذفين " كم عمة لك فدعاء، وكم خالة لك فدعاء " فحذف من الاول كلمة فدعاء وأثبتها في الثاني، وحذف من الثاني كلمة = (*)
    (1/226)

    وقد أنهى بعض المتأخرين ذلك إلى نيف وثلاثين موضعا، وما لم أذكره منها أسقطته، لرجوعه إلى ما ذكرته، أو لانه ليس بصحيح.
    * * * والاصل في الاخبار أن تؤخرا وجوزوا التقديم إذ لا ضررا (1) الاصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، وذلك لان الخبر وصف في المعنى
    للمبتدأ، فاستحق التأخير كالوصف، ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه، على ما سيبين، فتقول " قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وأبوه منطلق زيد، وفي الدار زيد، وعندك عمرو " وقد وقع في كلام بعضهم أن مذهب.
    __________
    = لك وأثبتها في الاول، فحذف من كل مثل الذي أثبته في الآخر، وهذا ضرب من البديع يسميه أهل البلاغة " الاحتباك ".
    الشاهد فيه: قوله " عمة " على رواية الرفع حيث وقعت مبتدأ - مع كونها نكرة لوقوعها بعد " كم " الخبرية، كذا قال الشارح العلامة، وأنت خبير بعد ما ذكرناه لك في الاعراب أن " عمة " على أي الوجوه موصوفة بمتعلق الجار والمجرور وهو قوله " لك " وبفدعاء المحذوف الذي يرشد إليه وصف خالة به، وعلى هذا لا يكون المسوغ في هذا البيت وقوع النكرة بعد " كم " الخبرية، وإنما هو وصف النكرة، وبحثت عن شاهد فيه الابتداء بالنكرة بعد كم الخبرية، ولا مسوغ فيه سوى ذلك، فلم أوفق للعثور عليه.
    (1) " والاصل " مبتدأ " في الاخبار " جار ومجرور متعلق به " أن " مصدرية " تؤخرا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الاخبار، والالف للاطلاق، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ " وجوزوا " فعل وفاعل " التقديم " مفعول به لجوزوا " إذ " ظرف زمان متعلق بجوزوا " لا " نافية للجنس " ضررا " اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، والالف للاطلاق، وخبر لا محذوف، أي: لا ضرر موجود، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذ إليها.
    (*)
    (1/227)

    الكوفيين منع تقدم الخبر الجائز التأخير [ عند البصريين ] وفيه نظر (1)، فإن بعضهم نقل الاجماع - من البصريين، والكوفيين - على جواز " في داره
    زيد " فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح، هكذا قال بعضهم، وفيه بحث (1)، نعم منع الكوفيون التقديم في مثل " زيد قائم، وزيد قام أبوه،.
    __________
    (1) في كلام الشارح في هذا الموضوع قلق وركاكة لا تكاد تتبين منهما غرضه واضحا فهو أولا ينقل عن بعضهم أنه ذكر أن الكوفيين لم يجوزوا تقديم الخبر على المبتدأ.
    ثم يعترض على هذا النقل بقوله " وفيه نظر " وينقل عن بعض آخر أن الكوفيين يجوزون عبارة ظاهر أمرها أنها من باب تقديم الخبر، فيكون كلام الناقل الاول على إطلاقه باطلا، وكان ينبغي - على ذلك - تخصيصه بما عدا هذه الصورة.
    ثم يعترض على النقل الثاني بقوله: " وفيه بحث "، وظاهر المعنى من ذلك أن هذه العبارة التي ظنها ناقل المثال الثاني من باب تقديم الخبر ليست منه على وجه الجزم والقطع، لانه يجوز فيها أن يكون " زيد " من قوله " في داره زيد " فاعلا بالجار والمجرور، ولو لم يعتمد على نفي أو استفهام، لان الاعتماد ليس شرطا عند الكوفيين، فيكون تجويز الكوفيين هذه العبارة ليس دليلا على أنهم يجوزون تقديم الخبر في صورة من الصور، فقد رجع الشارح على أول كلامه بالنقض، هذا من حيث تعبيره.
    فأما من حيث الموضوع في ذاته، فقد ذكر أبو البركات بن الانباري في كتابه " الانصاف، في مسائل الخلاف " (ص 46 طبعة ثالثة بتحقيقنا) أن علماء الكوفة يرون أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ، مفردا كان أو جملة، وعقد في ذلك مسألة خاصة، وعلى هذا لا يجوز أن يكون قولك " في الدار زيد " من باب تقديم الخبر على المبتدأ عندهم.
    فإن قلت: فهذا الخبر جار ومجرور، والذي نقلته عنهم عدم تجويز التقديم إذا كان الخبر مفردا أو جملة.
    فالجواب أن الجار والمجرور - عند الجمهور، خلافا لابن السراج الذي جعله قسما يرأسه - لا يخلو حاله من أن يكون في تقدير المفرد، أو في تقدير الجملة، وأيضا فقد
    عللوا عدم تجويز التقديم بأن الخبر اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ، فلو قدمناه لتقدم الضمير على مرجعه، وذلك لا يجوز عندهم، وهذه العلة نفسها موجودة في الجار والمجرور سواء أقدرت متعلقه اسما مشتقا أم قدرته فعلا.
    (*)
    (1/228)

    وزيد أبوه منطلق " والحق الجواز، إذ لا مانع من ذلك، وإليه أشار بقوله " وجوزوا التقديم إذ لا ضررا " فتقول: " قائم زيد " ومنه قولهم: " مشنوء من يشنؤك " فمن: مبتدأ ومشنوء: خبر مقدم، و " قام أبوه زيد " ومنه قوله: 49 - قد ثكلت أمه من كنت واحده وبات منتشبا في برثن الاسد ف " من كنت واحده " مبتدأ مؤخر، و " قد ثكلت أمه ": خبر مقدم، و " أبوه منطلق زيد "، ومنه قوله:.
    __________
    49 - البيت لشاعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الانصاري اللغة: " ثكلت أمه " هو من الثكل، وهو فقد المرأة ولدها " منتشبا " عالقا داخلا " برثن الاسد " مخلبه، وجمعه براثن، مثل برقع وبراقع، والبراثن للسباع بمنزلة الاصابع للانسان، وقال ابن الاعرابي: البرثن: الكف بكمالها مع الاصابع.
    الاعراب: " قد " حرف تحقيق " ثكلت " ثكل: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " أمه " أم: فاعل ثكلت، وأم مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم " من " اسم موصول مبتدأ مؤخر " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " واحده " واحد خبر كان، وواحد مضاف، والضمير مضاف إليه، والجملة من " كان " واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول الذي هو من " وبات " الواو عاطفة، بات: فعل ماض ناقص،
    واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " منتشبا " خبر بات " في برثن " جار ومجرور متعلق بمنتشب، وبرئن مضاف و " الاسد " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " قد ثكلت أمه من كنت واحده " حيث قدم الخبر، وهو جملة " ثكلت أمه " على المبتدأ وهو " من كنت واحده " وفي جملة الخبر المتقدم ضمير يعود على المبتدأ المتأخر، وسهل ذلك أن المبتدأ - وإن وقع متأخرا - بمنزلة المتقدم في اللفظ، فإن رتبته التقدم على الخبر كما ترى في بيت الناظم وفي مطلع شرح المؤلف لهذا الموضوع.
    (*)
    (1/229)

    50 - إلى ملك ما أمه من محارب أبوه، ولا كانت كليب تصاهره ف " أبوه ": مبتدأ [ مؤخر ]، و " ما أمه من محارب ": خبر مقدم..
    __________
    50 - هذا البيت من كلمة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك بن مروان.
    اللغة: " محارب " ورد في عدة قبائل: أحدها من قريش، وهو محارب بن فهر ابن مالك بن النضر، والثاني من قيس عيلان، وهو محارب بن خصفة بن قيس عيلان، والثالث من عبد القيس، وهو محارب بن عمر بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس " كليب " بزنة التصغير - اسم ورد في عدة قبائل أيضا: أحدها في خزاعة، وهو كليب بن حبشية بن سلول، والثاني في تغلب بن واثل، وهو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، والثالث في تميم، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك، والرابع في النخع، وهو كليب بن ربيعة بن خزيمة بن معد بن مالك بن النخع، والخامس في هوازن، وهو كليب بن ربيعة بن صعصعة.
    الاعراب: " إلى ملك " جار ومجرور متعلق بقوله " أسوق مطيتي " في بيت سابق على بيت الشاهد، وهو قوله: رأوني، فنادوني، أسوق مطيتي
    بأصوات هلال صعاب جرائره " ما " نافية تعمل عمل ليس " أمه " أم: اسم ما، وأم مضاف والضمير مضاف إليه " من محارب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ما " وجملة " ما " ومعموليها في محل رفع خبر مقدم " أبوه " أبو: مبتدأ مؤخر، وأبو مضاف والضمير مضاف إليه وجملة المبتدأ وخبره في محل جر صفة لملك " ولا " الواو عاطفة، لا نافية " كانت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " كليب " اسم كان " تصاهره " تصاهر: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى كليب، والضمير البارز مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب خبر " كان " وجملة كان واسمها وخبرها في محل جر معطوفة على جملة الصفة.
    الشاهد فيه: في هذا البيت شاهد للنحاة وشاهد لعلماء البلاغة، فأما النحاة فيستشهدون به على تقديم الخبر - وهو جملة " ما أمه من محارب " على المبتدأ - وهو قوله " أبوه " والتقدير: إلى ملك أبوه ليست أمه من محارب، وأما علماء البلاغة فيذكرونه شاهدا على = (*)
    (1/230)

    ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري الاجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة، وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف في ذلك عن الكوفيين.
    * * * فامنعه حين يستوي الجزآن: عرفا، ونكرا، عادمي بيان (1) كذا إذا ما الفعل كان الخبرا، أو قصد استعماله منحصرا (2).
    __________
    = التعقيد اللفظي الذي سببه التقديم والتأخير، ومثله في ذلك قول الفرزدق أيضا يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو خال هشام بن عبد الملك بن مروان: وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه
    التقدير: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه.
    (1) " فامنعه " امنع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز العائد على تقديم الخبر - مفعول به لا منع " حين " ظرف زمان متعلق بامنع " يستوي " فعل مضارع " الجزآن " فاعل يستوي، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " حين " إليها " عرفا " تمييز " ونكرا " معطوف عليه " عادمي " حال من " الجزآن " وعادمي مضاف و " بيان " مضاف إليه، والتقدير: فامنع تقديم الخبر في وقت استواء جزءي الجملة - وهما المبتدأ والخبر - من جهة التعريف والتنكير، بأن يكونا معرفتين أو نكرتين كل منهما صالحة للابتداء بها، حال كونهما عادمي بيان، أي لا قرينة معهما تعين المبتدأ منهما من الخبر.
    (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بامنع " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " الفعل " اسم لكان محذوفة تفسرها المذكورة بعدها، والخبر محذوف أيضا، والجملة من كان المحذوفة واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذا إليها " كان " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل " الخبرا " الخبر: خبر " كان " والالف للاطلاق، والجملة لا محل = (*)
    (1/231)

  2. #2
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 5

    أو كان مسندا: لذي لام ابتدا، أو لازم الصدر، كمن لي منجدا (1) ينقسم الخبر - بالنظر إلى تقديمه على المبتدأ أو تأخيره عنه - ثلاثة أقسام: قسم يجوز فيه التقديم والتأخير، وقد سبق ذكره، وقسم يجب فيه تأخير الخبر، وقسم يجب فيه تقديم الخبر.
    فأشار بهذه الابيات إلى الخبر الواجب التأخير، فذكر منه خمسة مواضع: الاول: أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ، ولا مبين للمبتدأ من الخبر، نحو " زيد أخوك، وأفضل من زيد
    أفضل من عمرو " ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه، لانك لو قدمته فقلت " أخوك زيد، وأفضل من عمرو أفضل من زيد " لكان المقدم مبتدأ (2)، وأنت.
    __________
    = لها مفسرة " أو " عاطفة " قصد " فعل ماض مبني للمجهول " استعماله " استعمال: نائب فاعل قصد، واستعمال مضاف والضمير مضاف إليه " منحصرا " حال من المضاف إليه لان المضاف عامل فيه.
    (1) " أو " عاطفة " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " مسندا " خبر كان " لذي " جار ومجرور متعلق بمسند، وذي مضاف، و " لام " مضاف إليه، ولام مضاف، و " ابتدا " مضاف إليه " أو " عاطفة " لازم " معطوف على ذي، ولازم مضاف، و " الصدر " مضاف إليه " كمن " الكاف جارة لقول محذوف كما تقدم مرارا " من " اسم استفهام مبتدأ " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " منجدا " حال من الضمير المستتر في الخبر الذي هو الجار والمجرور، وذلك الضمير عائد على المبتدأ الذي هو اسم الاستفهام.
    (2) إذا كانت الجملة مكونة من مبتدأ وخبر، وكانا جميعا معرفتين، فللنحاة في إعرابها أربعة أقوال، أولها: أن المقدم مبتدأ والمؤخر خبر، سواء أكانا متساويين في درجة التعريف أم كانا متفاوتين، وهذا هو الظاهر من عبارة الناظم والشارح، وثانيها أنه يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ، لصحة الابتداء بكل واحد منهما، والثالث: أنه إن كان أحدهما مشتقا والآخر جامدا فالمشتق هو الخبر، سواء أتقدم أم تأخر، وإلا = (*)
    (1/232)

    تريد أن يكون خبرا، من غير دليل يدل عليه، فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز، كقولك " أبو يوسف أبو حنيفة " فيجوز تقدم الخبر وهو أبو حنيفة - لانه معلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، لا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف، ومنه قوله:
    51 - بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الاباعد.
    __________
    - بأن كانا جامدين، أو كان كلاهما مشتقا - فالمقدم مبتدأ، والرابع: أن المبتدأ هو الاعرف عند المخاطب سواء أتقدم أم تأخر، فإن تساويا عنده فالمقدم هو المبتدأ.
    51 - نسب جماعة هذا البيت للفرزدق، وقال قوم: لا يعلم قائله، مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني والفرضيين.
    الاعراب: " بنونا " بنو: خبر مقدم، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه " بنو " مبتدأ مؤخر، وبنو مضاف وأبناء من " أبنائنا " مضاف إليه، وأبناء مضاف والضمير مضاف إليه " وبناتنا " الواو عاطفة، بنات: مبتدأ أول، وبنات مضاف والضمير مضاف إليه " بنوهن " بنو: مبتدأ ثان، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه " أبناء " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وأبناء مضاف و " الرجال " مضاف إليه " الاباعد " صفة للرجال.
    الشاهد فيه: قوله " بنونا بنو أبنائنا " حيث قدم الخبر وهو " بنونا " على المبتدأ وهو " بنو أبنائنا " مع استواء المبتدأ والخبر في التعريف، فإن كلا منهما مضاف إلى ضمير المتكلم - وإنما ساغ ذلك لوجود قرينة معنوية تعين المبتدأ منهما، فإنك قد عرفت أن الخبر هو محط الفائدة، فما يكون فيه أساس التشبيه وهو الذي تذكر الجملة لاجله - فهو الخبر.
    وبعد، فقد قال ابن هشام يعترض على ابن الناظم استشهاده بهذا البيت: " قد يقال إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير، وإنه جاء على التشبيه - المقلوب، كقول ذي الرمة: * ورمل كأوراك العذارى قطعته * = (*)
    (1/233)

    فقوله " بنونا " خبر مقدم، و " بنو أبنائنا " مبتدأ مؤخر، لان المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبني أبنائهم.
    والثاني: أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا، نحو " زيد قام " فقام وفاعله المقدر (1): خبر عن زيد، ولا يجوز التقديم، فلا يقال " قام زيد " على أن يكون " زيد " مبتدأ مؤخرا، والفعل خبرا مقدما، بل يكون " زيد " فاعلا لقام، فلا يكون من باب المبتدأ والخبر، بل من باب الفعل والفاعل، فلو كان الفعل رافعا لظاهر - نحو " زيد قام أبوه " - جاز التقديم، فتقول.
    __________
    = فكان ينبغي أن يستشهد بما أنشده في شرح التسهيل من قول حسان بن ثابت: قبيلة ألام الاحياء أكرمها وأغدر الناس بالجيران وافيها إذ المراد الاخبار عن أكرمها بأنه ألام الاحياء، وعن وافيها بأنه أغدر الناس، (") ؟ لا العكس " اه كلام ابن هشام.
    والجواب عنه من وجهين، أحدهما: أن التشبيه المقلوب من الامور النادرة، والحمل على ما يندر وقوعه لمجرد الاحتمال مما لا يجوز أن يصار إليه، وإلا فإن كل كلام يمكن تطريق احتمالات بعيدة إليه، فلا تكون ثمة طمأنينة على إفادة غرض المتكلم بالعبارة، وثانيهما: أن ما ذكره في بيت حسان من أن الغرض الاخبار عن أكرم هذه القبيلة بأنه ألام الاحياء وعن أوفى هذه القبيلة بأنه أغدر الاحياء، هذا نفسه يجري في بيت الشاهد فيقال: إن غرض المتكلم الاخبار عن أبناء أبنائهم بأنهم يشبهون أبناءهم، وليس الغرض أن يخبر عن بنيهم بأنهم يشبهون بني أبنائهم، فلما صح أن يكون غرض المتكلم معينا للمبتدأ صح الاستشهاد ببيت الشاهد.
    ومثل بيت الشاهد قول الكميت بن زيد الاسدي: كلام النبيين الهداة كلامنا وأفعال أهل الجاهلية نفعل
    فإن الغرض تشبيه كلامهم بكلام النبيين الهداة، لا العكس.
    (1) أراد بالمقدر ههنا المستتر فيه.
    (*)
    (1/234)

    " قام أبوه زيد "، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك (1)، وكذلك يجوز التقديم إذا رفع الفعل ضميرا بارزا، نحو " الزيدان قاما " فيجوز أن تقدم الخبر فتقول " قاما الزيدان " ويكون " الزيدان " مبتدأ مؤخرا، و " قاما " خبرا مقدما، ومنع ذلك قوم.
    وإذا عرفت هذا فقول المصنف: " كذا إذا ما الفعل كان الخبر " يقتضي [ وجوب ] تأخير الخبر الفعلي مطلقا، وليس كذلك، بل إنما يجب تأخيره إذا رفع ضميرا للمبتدأ مستترا، كما تقدم.
    الثالث: أن يكون الخبر محصورا بإنما، نحو " إنما زيد قائم " أو بإلا، نحو " ما زيد إلا قائم " وهو المراد بقوله " أو قصد استعماله منحصرا "، فلا يجوز تقديم " قائم " على " زيد " في المثالين، وقد جاء التقديم مع " إلا " شذوذا، كقول الشاعر: 52 - فيارب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم ؟ وهل إلا عليك المعول ؟.
    __________
    (1) يريد خلاف البصريين والكوفيين، حيث جوز البصريون التقديم، ومنعه الكوفيون (واقرأ الهامشة رقم 1 في ص 228).
    52 - البيت للكميت بن زيد الاسدي، وهو الشاعر المقدم، العالم بلغات العرب، الخبير بأيامها، وأحد شعراء مضر المتعصبين على القحطانية، والبيت من قصيدة له من قصائد تسمى الهاشميات قالها في مدح بني هاشم، وأولها قوله: ألا هل عم في رأيه متأمل ؟ وهل مدبر بعد الاساءة مقبل ؟
    اللغة: " عم " العمى ذهاب البصر من العينين جميعا، ولا يقال عمى إلا على ذلك، ويقال لمن ضل عنه وجه الصواب: هو أعمى، وعم، والمرأة عمياء وعمية " مدبر " هو في الاصل من ولاك قفاه، ويراد منه الذي يعرض عنك ولا يباليك " المعول " تقول: عولت على فلان، إذا جعلته سندك الذي تلجأ إليه، وجعلت أمورك كلها بين يديه، والمعول ههنا مصدر ميمي بمعنى التعويل.
    = (*)
    (1/235)

    الاصل " وهل المعول إلا عليك " فقدم الخبر.
    الرابع: أن يكون خبرا لمبتدإ قد دخلت عليه لام الابتداء، نحو " لزيد قائم " وهو المشار إليه بقوله: " أو كان مسندا لذي لام ابتدا " فلا يجوز تقديم الخبر.
    __________
    = الاعراب: " يا رب " يا: حرف نداء، رب: منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بكسر ما قبلها " هل " حرف استفهام إنكاري دال على النفي " إلا " أداة استثناء ملغاة " بك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " النصر " مبتدأ مؤخر " يرتجى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " النصر " ويجوز أن يكون " بك " متعلقا بقوله يرتجى، وجملة يرتجى مع نائب فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر " عليهم " جار ومجرور متعلق في المعنى بالنصر ولكن الصناعة تأباه، لما يلزم عليه من الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، لهذا يجعل متعلقا بيرتجى " وهل " حرف استفهام تضمن معنى النفي " إلا " أداة استثناء ملغاة " عليك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " المعول " مبتدأ مؤخر.
    الشاهد فيه: قوله " بك النصر " و " عليك المعول " حيث قدم الخبر المحصور بإلا في الموضعين شذوذا، وقد كان من حقه أن يقول: هل يرتجى النصر إلا بك، وهل المعول إلا عليك، وأنت خبير بأن الاستشهاد بقوله: " بك النصر " لا يتم إلا
    على اعتبار أن الجار والمجرور خبر مقدم، والنصر مبتدأ مؤخر، فأما على اعتبار أن الخبر هو جملة " يرتجى " فلا شاهد في الجملة الاولى من البيت لما نحن فيه، ويكون الشاهد في الجملة الثانية وحدها.
    وعبارة الشارح تفيد ذلك، فإنه ترك ذكر الاستشهاد بالجملة الاولى لاحتمالها وجها آخر، وقد علمت أن الدليل إذا احتمل وجها آخر سقط الاستدلال به، والحكم بشذوذ هذا التقديم إطلاقا - كما ذكره الشارح - هو رأي جماعة النحاة، فأما علماء البلاغة فيقولون: إن كانت أداة القصر هي " إنما " لم يسغ تقديم الخبر إذا كان مقصورا عليه، وإن كانت إداة القصر " إلا " فإن قدمت الخبر وقدمت معه إلا كما في هذه العبارة صح التقديم، لان المعنى المقصود لا يضيع، إذ تقديم " إلا " معه يبين المراد.
    (*)
    (1/236)

    على اللام، فلا تقول: " قائم لزيد " لان لام الابتداء لها صدر الكلام، وقد جاء التقديم شذوذا، كقول الشاعر: 53 - خالي لانت، ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الاخوالا ف " لانت " مبتدأ [ مؤخر ] و " خالي " خبر مقدم..
    __________
    53 - البيت من الشواهد التي لم يعرف قائلها.
    اللغة: " جرير " يروى في مكانه " تميم "، ويروى أيضا عويف " العلاء " بفتح العين المهملة ممدودا - الشرف والرفعة، وقيل: هو مصدر على في المكان يعلى، مثل رضى يرضى، وأما في المرتبة فيقال: علا يعلو، مثل سما يسمو سموا.
    الاعراب: " خالي لانت " يجوز فيه إعرابان أحدهما أن يكون " خال " مبتدأ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، واللام للابتداء، و " أنت " خبر المبتدأ، وفيه - على هذا الوجه من الاعراب - شذوذ من حيث دخول اللام على الخبر، مع أنها خاصة بالدخول على المبتدأ، وثانيهما أن يكون " خالي " خبرا مقدما، و " لانت " مبتدأ مؤخرا، وهذا الوجه هو الذي قصد الشارح الاستشهاد بالبيت من أجله، وليس
    شاذا من الجهة التي ذكرناها أولا، وإن كان فيه الشذوذ الذي ذكره الشارح، وسنبينه عند الكلام على الاستشهاد " ومن " الواو للاستئناف، من: اسم موصول مبتدأ " جرير " مبتدأ " خاله " خال: خبر المبتدأ الذي هو جرير، وخال مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من جرير وخبره لا محل لها صلة الموصول " ينل " فعل مضارع تشبيها للموصول بالشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " العلاء " مفعول به لينل، وجملة الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر المبتدأ، وهو من " ويكرم " الواو عاطفة، يكرم: فعل مضارع معطوف على " ينل " وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " الاخوالا " قال العيني: هو مفعول به، وهو بعيد كل البعد، ولا يسوغ إلا على أن يكون يكرم مضارع أكرم مبنيا للمجهول، والاولى أن يكون قوله: " يكرم " مضارع كرم ويكون قوله " الاخوالا " تمييزا: إما على مذهب الكوفيين الذين يجوزون دخول " أل " المعرفة على التمييز، وإما على أن تكون أل زائدة على ما قاله البصريون في قول الشاعر: * وطبت النفس يا قيس عن عمرو * = (*)
    (1/237)

    الخامس: أن يكون المبتدأ له صدر الكلام: كأسماء الاستفهام، نحو " من لي منجدا ؟ " فمن: مبتدأ، ولي: خبر، ومنجدا: حال، ولا يجوز تقديم الخبر على " من "، فلا تقول " لي من [ منجدا ] ".
    * * *.
    __________
    = الشاهد فيه: في هذا البيت ثلاثة شواهد للنحاة: الاول: في قوله " ينل العلاء " فإن هذا فعل مضارع لم يسبقه ناصب ولا جازم، وقد كان من حقه أن يجئ به الشاعر مرفوعا فيقول " ينال العلاء " ولكنه جاء به مجزوما، فحذف عين الفعل كما يحذفها في " لم بخف " ونحوه، والحامل له على الجزم
    تشبيه الموصول بالشرط كما شبهه الشاعر به حيث يقول: كذاك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقب ما صنع وليس لك أن تزعم أن من في قوله " من جرير خاله " شرطية، فلذلك جزم المضارع في جوابها، لان ذلك يستدعي أن تجعل جملة " جرير خاله " شرطا، وهو غير جائز عند أحد من النحاة، لان جملة الشرط لا تكون اسمية أصلا (وانظر - مع ذلك - شرح الشاهد رقم 58 الآتي).
    والشاهد الثاني: في قوله " ويكرم الاخوالا " فإنه تمييز، وقد جاء به معرفة، وهذا يدل للكوفيين الذين يرون جواز مجئ التمييز معرفة، والبصريون يقولون: أل في هذا زائدة لا معرفة، والشاهد الثالث: - وهو الذي من أجله أنشد الشارح هذا البيت هنا - في قوله " خالي لانت " حيث قدم الخبر مع أن المبتدأ متصل بلام الابتداء، شذوذا، وفي البيت توجيهات أخرى أشرنا إلى أحدها في الاعراب، والثاني: أنه أراد " لخالي أنت " فأخر اللام إلى الخبر ضرورة، والثالث: أن يكون أصل الكلام " خالي لهو أنت " فخالي: مبتدأ أول، والضمير مبتدأ ثان، وأنت: خبر الثاني، فحذفت الضمير، فاتصلت اللام بخبره مع أنها لا تزال في صدر ما ذكر من جملتها.
    ومثل هذا البيت في هذين التوجيهين قول الراجز: أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من اللحم بعظم الرقبه (*)
    (1/238)

    ونحو عندي درهم، ولي وطر، ملتزم فيه تقدم الخبر (1) كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبينا يخبر (2) كذا إذا يستوجب التصديرا: كأين من علمته نصيرا (3).
    __________
    (1) " ونحو " مبتدأ " عندي " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند
    مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " درهم " مبتدأ مؤخر " ولي " الواو عاطفة، لي: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " وطر " مبتدأ مؤخر " ملتزم " اسم مفعول: خبر المبتدأ الذي هو قوله " نحو " في أول البيت " فيه " جار ومجرور متعلق بملتزم " تقدم " نائب فاعل لقوله " ملتزم " وتقدم مضاف و " الخبر " مضاف إليه.
    (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يدل عليه ما قبله، أي: يلتزم تقدم الخبر التزاما كذا الالتزام " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان، تضمن معنى الشرط " عاد " فعل ماض " عليه " جار ومجرور متعلق بعاد " مضمر " فاعل عاد " مما " جار ومجرور متعلق بعاد أيضا، وما اسم موصول " به، عنه " متعلقان بيخبر الآتي " مبينا " حال من المجرور في " به " " يخبر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة لا محل لها صلة " ما " وجملة " عاد عليه مضمر " في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي شرط إذا، وجوابها محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقدير البيت: يلتزم تقدم الخبر التزاما كذلك الالتزام السابق إذا عاد على الخبر ضمير من المبتدأ الذي يخبر بذلك الخبر عنه حال كونه مبينا - أي مفسرا - لذلك الضمير.
    قال ابن غازي: وهذا البيت مع تعقده وتشتيت ضمائره كان يغنى عنه وعما بعده أن يقول: كذا إذا عاد عليه مضمر من مبتدا، وما له التصدر (3) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف مثل سابقه في أول البيت السابق " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " يستوجب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " التصديرا " مفعول به ليستوجب، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " كأين " الكاف جارة لقول محذوف، أين: اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم " من " اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر " علمته " فعل وفاعل ومفعول أول " نصيرا " مفعول ثان لعلم،
    والجملة لا محل لها صلة.
    (*)
    (1/239)

    وخبر المحصور قدم أبدا: كما لنا إلا اتباع أحمدا (1) أشار في هذه الابيات إلى القسم الثالث، وهو وجوب تقديم الخبر، فذكر أنه يجب في أربعة مواضع: الاول: أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر، والخبر ظرف أو جار ومجرور، نحو " عندك رجل، وفي الدار امرأة "، فيجب تقديم الخبر هنا، فلا تقول: " رجل عندك "، ولا " امرأة في الدار " وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك، وإلى هذا أشار بقوله: " ونحو عندي درهم، ولي وطر البيت "، فإن كان للنكرة مسوغ جاز الامران، نحو " رجل ظريف عندي "، و " عندي رجل ظريف ".
    الثاني: أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على شئ في الخبر، نحو " في الدار صاحبها " فصاحبها: مبتدأ، والضمير المتصل به راجع إلى الدار، وهو جزء من الخبر، فلا يجوز تأخير الخبر، نحو " صاحبها في الدار "، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
    وهذا مراد المصنف بقوله: " كذا إذا عاد عليه مضمر - البيت " أي: كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه، وهو المبتدأ، فكأنه قال: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه، وليست بصحيحة، لان الضمير في قولك " في الدار.
    __________
    (1) " وخبر " مفعول مقدم لقدم الآتي، وخبر مضاف و " المحصور " مضاف إليه " قدم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أبدا " منصوب على الظرفية متعلق بقدم " كما " الكاف جارة لقول محذوف، و " ما " نافية " لنا " جار
    ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " إلا " أداة استثناء ملغاة " اتباع " مبتدأ مؤخر، واتباع مضاف و " أحمدا " مضاف إليه، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، لانه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، والالف للاطلاق.
    (*)
    (1/240)

    صاحبها " إنما هو عائد على جزء من الخبر، لا على الخبر، فينبغي أن تقدر مضافا محذوفا في قول المصنف " عاد عليه " التقدير " كذا إذا عاد على ملابسه " ثم حذف المضاف - الذي هو ملابس - وأقيم المضاف إليه - وهو الهاء - مقامه، فصار اللفظ " كذا إذا عاد عليه ".
    ومثل قولك " في الدار صاحبها " قولهم: " على التمرة مثلها زبدا " وقوله: 54 - أهابك إجلالا، ما بك قدرة علي، ولكن مل ء عين حبيبها.
    __________
    54 - هذا البيت قد نسبه قوم منهم أبو عبيد البكري في شرحه على الامالي (ص 401) - لنصيب بن رياح الاكبر، ونسبه آخرون - ومنهم ابن نباتة المصري في كتابه " سرح العيون " (ص 191 بولاق) إلى مجنون بني عامر من أبيات أولها قوله: وناديت يا رباه أول سؤلتي لنفسي ليلى، ثم أنت حسيبها دعا المحرمون الله يستغفرونه بمكة يوما أن تمحى ذنوبها اللغة: " أهابك " من الهيبة، وهي المخافة " إجلالا " إعظاما لقدرك.
    المعنى: إني لاهابك وأخافك، لا لاقتدارك علي، ولكن إعظاما لقدرك، لان العين تمتلئ بمن تحبه فتحصل المهابة، وهو معنى أكثر الشعراء منه، انظر إلى قول بن الدمينة: وإني لاستحييك حتى كأنما علي بظهر الغيب منك رقيب الاعراب: " أهابك " أهاب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا
    تقديره أنا، والضمير البارز المتصل مفعول به، مبني على الكسر في محل نصب " إجلالا " مفعول لاجله " وما " الواو واو الحال، وما: نافية " بك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " قدرة " مبتدأ مؤخر " علي " جار ومجرور متعلق بقدرة، أو بمحذوف نعت لقدرة " ولكن " حرف استدراك " مل ء " خبر مقدم، ومل ء مضاف و " عين " مضاف إليه " حبيبها " حبيب: مبتدأ مؤخر، وحبيب مضاف والضمير مضاف إليه.
    = (16 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/241)

    فحبيبها: مبتدأ [ مؤخر ] ومل ء عين: خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره، لان الضمير متصل بالمبتدأ - وهو " ها " - عائد على " عين " وهو متصل بالخبر، فلو قلت " حبيبها مل ء عين " عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
    وقد جرى الخلاف في جواز " ضرب غلامه زيدا (1) " مع أن الضمير فيه عائد على متأخر لفظا ورتبة، ولم يجر خلاف - فيما أعلم - في منع " صاحبها في الدار " فما الفرق بينهما ؟ وهو ظاهر، فليتأمل، والفرق [ بينهما ] أن ما عاد عليه الضمير وما اتصل به الضمير اشتركا في العامل في مسألة " ضرب غلامه زيدا " بخلاف مسألة " في الدار صاحبها " فإن العامل فيما اتصل به الضمير وما عاد عليه الضمير مختلف (2)..
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " مل ء عين حبيبها " فإنه قدم الخبر وهو قوله " مل ء عين " على المبتدأ - وهو قوله " حبيبها " - لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر، وهو المضاف إليه، فلو قدمت المبتدأ - مع أنك تعلم أن رتبة الخبر التأخير - لعاد الضمير الذي اتصل بالمبتدأ على متأخر لفظا ورتبة، وذلك لا يجوز، لكنك بتقديمك الخبر قد رجعت الضمير على متقدم لفظا وإن كانت رتبته التأخير، وهذا جائز، ولا إشكال فيه.
    (1) مثل ذلك المثال: كل كلام اتصل فيه ضمير بالفاعل المتقدم، وهذا الضمير عائد
    على المفعول المتأخر، نحو مثال ابن مالك في باب الفاعل من الالفية " زان نوره الشجر " ونحو قول الشاعر: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار ونحو قول الشاعر الآخر: كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد وسيأتي بيان ذلك وإيضاحه في باب الفاعل.
    (2) وأيضا فإن المفعول قد تقدم على الفاعل كثيرا في سعة الكلام، حتى ليظن أن رتبته قد صارت التقدم، بخلاف الخبر، فإنه - وإن تقدم على المبتدأ أحيانا - لا يتصور أحد أن رتبته التقدم، لكونه حكما، والحكم في مرتبة التأخر عن المحكوم عليه البتة، = (*)
    (1/242)

    الثالث: أن يكون الخبر له صدر الكلام، وهو المراد بقوله: " كذا إذا يستوجب التصديرا " نحو " أين زيد " ؟ فزيد: مبتدأ [ مؤخر ]، وأين: خبر مقدم، ولا يؤخر، فلا تقول: " زيد أين "، لان الاستفهام له صدر الكلام، وكذلك " أين من علمته نصيرا " ؟ فأين: خبر مقدم، ومن: مبتدأ مؤخر، و " علمته نصيرا " صلة من.
    الرابع: أن يكون المبتدأ محصورا، نحو " إنما في الدار زيد، وما في الدار إلا زيد " ومثله " ما لنا إلا اتباع أحمد ".
    * * * وحذف ما يعلم جائز، كما تقول " زيد " بعد " من عند كما " (1).
    __________
    = وأيضا فإن الفاعل والفعل المتعدي جميعا يشعران بالمفعول، فكان المفعول كالمتقدم، بخلاف الخبر المتصل بمبتدئه ضمير يعود على ملابسه، فإن المبتدأ إن أشعر بالخبر لم يشعر
    لما يلابس الخبر الذي هو مرجع الضمير.
    (1) " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " يعلم " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول الذي هو ما " جائز " خبر المبتدأ " كما " الكاف جارة، وما مصدرية " تقول " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وما مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، أي: كقولك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كائن كقولك، و " زيد " مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: زيد عندنا " بعد " منصوب على الظرفية متعلق بتقول " من " اسم استفهام مبتدأ " عندكما " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر عن اسم الاستفهام، وعند مضاف والضمير الذي للمخاطب مضاف إليه، والميم حرف عماد، والالف حرف دال على التثنية، والجملة في محل جر بإضافة بعد إليها.
    (*)
    (1/243)

    وفي جواب " كيف زيد " قل " دنف " فزيد استغني عنه إذ عرف (1) يحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل: جوازا، أو وجوبا، فذكر في هذين البيتين الحذف جوازا، فمثال حذف الخبر أن يقال: " من عندكما " ؟ فتقول: " زيد " التقدير " زيد عندنا " ومثله - في رأي - " خرجت فإذا السبع " التقدير (2) " فإذا السبع حاضر " قال الشاعر: 55 - نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف التقدير " نحن بما عندنا راضون "..
    __________
    (1) " وفي جواب " جار ومجرور متعلق بقل " كيف " اسم استفهام خبر مقدم " زيد " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر مقصود لفظها فهي في محل جر بإضافة
    " جواب " إليها " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " دنف " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: زيد دنف " فزيد " الفاء للتعليل، زيد: مبتدأ " استغنى " فعل ماض مبني للمجهول " عنه " نائب فاعل لاستغنى، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " إذ " ظرف متعلق باستغنى، أو حرف دال على التعليل " عرف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد المستغنى عنه في الجواب، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها.
    (2) " إذا " في هذا المثال ونحوه تسمى " إذا الفجائية " وللعلماء فيها خلاف: أهي حرف أم ظرف ؟ والذين قالوا هي ظرف اختلفوا: أهي ظرف زمان أم ظرف مكان ؟ فمن قال هي ظرف جعلها خبرا مقدما، وجعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ مؤخرا، وكأن القائل قد قال - على تقدير أنها ظرف زمان - خرجت ففي وقت خروجي الاسد، أو قال - على تقدير أنها ظرف مكان - خرجت ففي مكان خروجي الاسد، ولا حذف على هذا الوجه بشقيه، ومن قال: هي حرف جعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: خرجت فإذا الاسد موجود، أو حاضر، أو نحو ذلك.
    وهذا الوجه هو الذي عناه الشارح بقوله: " في رأي ".
    55 - هذا البيت نسبه ابن هشام اللخمي وابن بري إلى عمرو بن امرئ القيس = (*)
    (1/244)

    .
    __________
    = الانصاري، ونسبه غيرهما - ومنهم العباسي في معاهد التنصيص (ص 99 بولاق) - إلى قيس بن الخطيم أحد فحول الشعراء في الجاهلية، وهو الصواب، وهو من قصيدة له، أولها قوله: رد الخليط الجمال فانصرفوا ماذا عليهم لو أنهم وقفوا ؟ وقيس بن الخطيم - بالخاء المعجمة - هو صاحب القصيدة التي أولها قوله: أتعرف رسما كاطراد المذاهب لعمرة وحشا غير موقف راكب ؟
    اللغة: " الرأي " أراد به هنا الاعتقاد، وأصل جمعه أرآء، مثل سيف وأسياف وثوب وأثواب، وقد نقلوا العين قبل الفاء، فقالوا: آراء، كما قالوا في جمع بئر آبار وفي جمع رئم آرام، ووزن آراء وآبار وآرام أعفال.
    الاعراب: " نحن " ضمير منفصل مبتدأ، مبني على الضم في محل رفع، وخبره محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير: نحن راضون " بما " جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف " عندنا " عند: ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " المجرورة محلا بالباء، وعند مضاف والضمير مضاف إليه " وأنت " مبتدأ " بما " جار ومجرور متعلق بقوله " راض " الآتي " عندك " عند: ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " المجرورة محلا بالباء، وعند مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " راض " خبر المبتدأ الذي هو " أنت " و " الرأي مختلف " مبتدأ وخبره.
    الشاهد فيه: قوله " نحن بما عندنا " حيث حذف الخبر - احترازا عن العبث وقصدا للاختصار مع ضيق المقام - من قوله " نحن بما عندنا " والذي جعل حذفه سائغا سهلا دلالة خبر المبتدأ الثاني عليه.
    واعلم أولا أن الحذف من الاول لدلالة الثاني عليه شاذ، والاصل الغالب هو الحذف من الثاني لدلالة الاول عليه.
    واعلم ثانيا أن بعض العلماء أراد أن يجعل هذا البيت جاريا على الاصل المذكور، فزعم أن " راض " في الشطر الثاني من البيت ليس خبرا عن " أنت " بل هو خبر عن " نحن " الذي في أول البيت، وذلك بناء على أن " نحن " للمتكلم المعظم نفسه = (*)
    (1/245)

    ومثال حذف المبتدأ أن يقال: " كيف زيد " ؟ فتقول " صحيح " أي: " هو صحيح ".
    وإن شئت صرحت بكل واحد منهما فقلت: " زيد عندنا، وهو صحيح ".
    ومثله قوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها) أي: " من عمل صالحا فعمله لنفسه، ومن أساء فإساءته عليها ".
    قيل: وقد يحذف الجزآن - أعني المبتدأ والخبر - للدلالة عليهما، كقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن) أي: " فعدتهن ثلاثة أشهر " فحذف المبتدأ والخبر - وهو " فعدتهن ثلاثة أشهر " لدلالة ما قبله عليه، وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد، والظاهر أن المحذوف مفرد، والتقدير: " واللائي لم يحضن كذلك " وقوله: (واللائي لم يحضن) معطوف على (واللائي يئسن) والاولى أن يمثل بنحو قولك: " نعم " في جواب " أزيد قائم " ؟ إذ التقدير " نعم زيد قائم ".
    * * * وبعد لولا غالبا حذف الخبر حتم، وفي نص يمين ذا استقر (1).
    __________
    = وهذا كلام غير سديد، لان نحن - وإن كانت كما زعم المتمحل للمتكلم المعظم لنفسه فمعناها حينئذ مفرد - تجب فيها المطابقة بالنظر إلى لفظها، فيخبر عنها بالجمع، كما في قوله تعالى: (ونحن الوارثون) وما أشبهه.
    (1) " بعد " ظرف متعلق بقوله حتم الآتي، وبعد مضاف، و " لولا " مضاف إليه، مقصود لفظه " غالبا " منصوب على نزع الخافض " حذف " مبتدأ، وحذف مضاف و " الخبر " مضاف إليه " حتم " خبر المبتدأ " وفي نص " الواو عاطفة، في نص: جار ومجرور متعلق باستقر الآتي، ونص مضاف و " يمين " مضاف إليه " ذا " اسم إشارة، = (*)
    (1/246)

    وبعد واو عينت مفهوم مع كمثل " كل صانع وما صنع " (1) وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أضمرا (2)
    كضربي العبد مسيئا، وأتم تبيني الحق منوطا بالحكم (3).
    __________
    = مبتدأ " استقر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الاشارة، والجملة من استقر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وتقدير البيت: وحذف الخبر حتم بعد لولا في غالب أحوالها، وهذا الحكم قد استقر في نص يمين: أي إذا كان المبتدأ يستعمل في اليمين نصا، بحيث لا يستعمل في غيره إلا مع قرينة.
    (1) " وبعد " الواو عاطفة، بعد ظرف متعلق باستقر في البيت السابق، وبعد مضاف و " واو " مضاف إليه " عينت " عين: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى واو، والجملة من عين وفاعله في محل جر صفة لواو " مفهوم " مفعول به لعين، ومفهوم مضاف، و " مع " مضاف إليه، مقصود لفظه " كمثل " الكاف زائدة، مثل: خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك مثل " كل " مبتدأ، وكل مضاف و " صانع " مضاف إليه " و " عاطفة " ما " يجوز أن تكون موصولا اسميا معطوفا على كل، ويجوز أن تكون حرفا مصدريا هي ومدخولها في تأويل مصدر معطوف على كل، وجملة " صنع " وفاعله المستتر فيه على الوجه الاول لا محل لها صلة الموصول، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا.
    (2) " وقبل " الواو عاطفة، وقبل: ظرف متعلق باستقر في البيت الاول، وقبل مضاف و " حال " مضاف إليه " لا " نافية " يكون " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حال " خبرا " خبر كان، والجملة من يكون واسمه وخبره في محل جر صفة لحال " عن الذي " جار ومجرور متعلق بخبر " خبره " خبر: مبتدأ، وخبر مضاف والضمير البارز المتصل مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " أضمرا " أضمر: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى خبر، والالف للاطلاق، والجملة من أضمر ونائب الفاعل في محل رفع خبر، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الذي.
    (3) " كضربي " الكاف جارة لقول محذوف، ضرب: مبتدأ، وضرب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، وهي فاعل المصدر " العبد " مفعول المصدر " مسيئا " حال من فاعل كان المحذوفة العائد على العبد، وخبر المبتدأ جملة محذوفة، والتقدير: إذا كان = (*)
    (1/247)

    حاصل ما في هذه الابيات أن الخبر يجب حذفه في أربعة مواضع: الاول: أن يكون خبرا لمبتدأ بعد " لولا "، نحو " لولا زيد لاتيتك " التقدير " لولا زيد موجود لاتيتك " واحترز بقوله " غالبا " عما ورد ذكره فيه شذوذا، كقوله: 56 - لولا أبوك ولولا قبله عمر ألقت إليك معد بالمقاليد ف " عمر " مبتدأ، و " قبله " خبر..
    __________
    = (أي وجد، هو: أي العبد) مسيئا " وأتم " الواو عاطفة، أتم: مبتدأ، وأتم مضاف وتبيين من " تبييني " مضاف إليه، وتبيين مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وهي فاعل له " الحق " مفعول به لتبيين " منوطا " حال من فاعل كان المحذوفة العائد على الحق، على غرار ما قدرناه في العبارة الاولى " بالحكم " جار ومجرور متعلق بقوله منوطا.
    والتقدير: أتم تبييني الحق إذا كان (أي وجد، هو: أي الحق) حال كونه منوطا بالحكم.
    56 - البيت - لابي عطاء السندي - واسمه مرزوق (وقيل: أفلح) بن يسار - مولى بني أسد، وهو من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية، من كلمة يمدح فيها ابن يزيد بن عمر بن هبيرة، وانظر قصة ذلك في الاغاني (16 / 84 بولاق) وقبل البيت المستشهد به قوله: أما أبوك فعين الجود نعرفه وأنت أشبه خلق الله بالجود ويروى صدر البيت " لولا يزيد ولولا إلخ " ويزيد أبو الممدوح، وبعد
    لشاهد قوله: ما ينبت العود إلا في أرومته ولا يكون الجنى إلا من العود اللغة: " معد " هو أبو العرب، وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: إن الميم من أصل الكلمة، لقولهم " تمعدد " بمعنى اتصل بمعد بنسب أو حلف أو جوار، أو بمعنى قوى وكمل، قال الراجز: ربيته حتى إذا تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا لقلة تمفعل في الكلام، ولكن العلماء خالفوه في ذلك، وذهبوا إلى أن الميم في = (*)
    (1/248)

    .
    __________
    = معد زائد بدليل إدغام الدال في الدال، والتزموا أن يكون تمعدد على زنة تمفعل مع قلته، وانظر الجزء الثاني من كتابنا دروس التصريف " المقاليد ": هو جمع لا مفرد له من لفظه، وقبل: مفرده إقليد - على غير قياس - وهو المفتاح، وقد كنى الشاعر بإلقاء المقاليد عن الخضوع والطاعة وامتثال أمر الممدوح.
    المعنى: يقول: أنت خليق بأن يخضع لك بنو معد كلهم، لكفايتك وعظم قدرك وإنما تأخر خضوعهم لك لوجود أبيك ووجود جدك من قبل أبيك.
    الاعراب: " لولا " حرف يدل على امتناع الثاني لوجود الاول، مبني على السكون لا محل له من الاعراب " أبوك " أبو: مبتدأ، وأبو مضاف والكاف مضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا " ولولا " الواو عاطفة كالاول، لولا: حرف امتناع لوجود " قبله " قبل: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقبل مضاف والضمير البارز مضاف إليه " عمر " مبتدأ مؤخر " ألقت " ألقى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " إليك " جار ومجرور متعلق بألقت " معد " فاعل ألقت، والجملة من الفعل الماضي وفاعله لامحل لها جواب لولا " بالمقاليد " جار ومجرور متعلق بألقت.
    الشاهد فيه: قوله " ولولا قبله عمر " حيث ذكر فيه خبر المبتدأ وهو قوله
    " قبله " مع كون ذلك المبتدأ واقعا بعد لولا التي يجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها لانه قد عوض عنه بجملة الجواب، ولا يجمع في الكلام بين العوض والمعوض عنه.
    وفي البيت توجيه آخر، وهو أن " قبله " ظرف متعلق بمحذوف حال، والخبر محذوف، وعلى هذا تكون القاعدة مستمرة، ولا شاهد في البيت لما أتى به الشارح من أجله.
    ومثله في كل ذلك قول الزبير بن العوام رضي الله عنه: ولولا بنوها حولها لخبطتها كخبطة عصفور ولم أتلعثم فإن " لولا " حرف امتناع لوجود، و " بنوها " مبتدأ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لكونه جمع مذكر سالما، والضمير البارز مضاف إليه، و " حول " ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وحول مضاف والضمير البارز مضاف إليه، وعلى هذا يكون فيه شاهد لما جاء الشارح ببيت أبي عطاء من أجله، ويجوز أن يكون " حول " متعلقا بالخبر المحذوف على رأي الجمهور، وعلى ذلك لا يكون شاهدا لما ذكره الشارح.
    (*)
    (1/249)

    وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب - من أن الحذف بعد " لولا " واجب إلا قليلا - هو طريقة لبعض النحويين، والطريقة الثانية: أن الحذف واجب [ دائما (1) ] وأن ما ورد من ذلك بغير حذف في الظاهر مؤول، والطريقة الثالثة أن الخبر: إما أن يكون كونا مطلقا، أو كونا مقيدا، فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه، نحو: " لولا زيد لكان كذا " أي: لولا زيد موجود، وإن كان كونا مقيدا، فإما أن يدل عليه دليل، أو لا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، نحو: " لولا زيد محسن إلي ما أتيت " وإن دل عليه [ دليل ] جاز إثباته وحذفه، نحو أن يقال: هل زيد محسن إليك ؟ فتقول: " لولا زيد لهلكت " أي: " لولا زيد محسن إلي "، فإن شئت حذفت الخبر، وإن شئت أثبته، ومنه قول أبي العلاء المعري،
    .
    __________
    (1) ههنا شيآن نحب أن ننبهك إليهما، الاول أن الطريقة الثانية من الطرق الثلاث التي ذكرها الشارح هي طريقة جمهور النحاة، والفرق بينها وبين الطريقة الاولى أن أهل الطريقة الاولى يقولون: إن ذكر الخبر عندهم بعد " لولا " قليل، وليس شاذا، وذلك بخلاف طريقة الجمهور، فإن ذكر الخبر عندهم بعد " لولا " إن كان صادرا عمن لا يستشهد بكلامه كما في بيت المعري الآتي فهو لحن، وإن كان صادرا عمن يستشهد بكلامه فإن أمكن تأويله كالشاهد 56 وما أنشدناه معه فهو مؤول، وإن لم يمكن تأويله فهو شاذ، ولا شك أن القليل غير الشاذ.
    والامر الثاني: أن الشارح قد حمل كلام الناظم على الطريقة الاولى، وذلك مخالف لما حمله من عداه من الشروح فإنهم جميعا حملوا كلام الناظم على الحالة الثالثة، بدليل أنه اختارها في غير هذا الكتاب، وهو الذي أشرنا إليه عند إعراب البيت، وتلخيصه أن تحمل قوله " غالبا " على حالات " لولا " وذلك لان لولا إما أن يليها كون عام وهو أغلب الامر فيها، وإما أن يليها كون خاص وهو قليل، ثم تحمل قوله " حتم " على الحكم النحوي، وكأنه قد قال: إن كان خبر المبتدأ الواقع بعد لولا كونا عاما وهو الغالب فإنه لا يجوز ذكر ذلك الخبر، وهذا هو - كما ذكرنا - الطريقة الثالثة، فتدبر.
    (*)
    (1/250)

    57 - يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا.
    *
    __________
    57 - البيت لابي العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان، نادرة الزمان، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس، وهو من شعراء العصر الثاني من الدولة العباسية، فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف، والشارح إنما جاء به للتمثيل، لا للاحتجاج والاستشهاد به.
    اللغة: " يذيب " من الاذابة، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات " الرعب " الفزع والخوف " عضب " هو السيف القاطع " الغمد " قراب السيف (وجفنه) ؟.
    الاعراب: " يذيب " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة " الرعب " فاعل يذيب " منه " جار ومجرور متعلق بقوله يذيب " كل " مفعول به ليذيب، وكل مضاف و " عضب " مضاف إليه " فلولا " حرف امتناع لوجود " الغمد " مبتدأ " يمسكه " يمسك: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الغمد، والهاء - التي هي ضمير الغائب العائد إلى السيف - مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وستعرف ما في هذا الاعراب من المقال وتوجيهه في بيان الاستشهاد " لسالا " اللام واقعة في جواب " لولا " وسال: فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى السيف، وجملة سال وفاعله لا محل لها من الاعراب جواب لولا.
    التمثيل به: في قوله " فلولا الغمد يمسكه " حيث ذكر خبر المبتدأ الواقع بعد لولا - وهو جملة " يمسك " وفاعله ومفعوله - لان ذلك الخبر كون خاص قد دل عليه الدليل وخبر المبتدأ الواقع بعد لولا يجوز ذكره كما يجوز حذفه إذا كان كونا خاصا وقد دل عليه الدليل عند قوم، كما ذكره الشارح العلامة، والجمهور على أن الحذف واجب، وذلك بناء منهم على ما اختاروه من أن خبر المبتدأ الواقع بعد " لولا " لا يكون إلا كونا عاما، وحينئذ لا يقال إما أن يدل عليه دليل أو لا، وعندهم أن بيت المعري هذا لحن لذكر الخبر بعد لولا.
    وفي البيت توجيه آخر يصح به على مذهب الجمهور، وهو أن " يمسك " في تأويل = (*)
    (1/251)

    وقد اختار المصنف هذه الطريقة في غير هذا الكتاب.
    الموضع الثاني: أن يكون المبتدأ نصا في اليمين (1)، نحو: " لعمرك لافعلن " التقدير " لعمرك قسمي " فعمرك: مبتدأ، وقسمي: خبره، ولا يجوز التصريح به.
    قيل: ومثله " يمين الله لافعلن " التقدير " يمين الله قسمي " وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف فيه خبرا (1)، لجواز كونه مبتدأ، والتقدير " قسمي يمين..
    __________
    = مصدر بدل اشتمال من الغمد، وأصله " أن يمسكه " فلما حذف " أن " ارتفع الفعل، كقولهم " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " فيمن رواه برفع " تسمع " من غير " أن ".
    وحاصل القول في هذه المسألة أن النحاة اختلفوا، هل يكون خبر المبتدأ الواقع بعد لولا كونا خاصا أو لا ؟ فقال الجمهور: لا يكون كونا خاصا ألبتة، بل يجب كونه كونا عاما ويجب مع ذلك حذفه، فإن جاء الخبر كونا خاصا في كلام ما فهو لحن أو مؤول، وقال غيرهم، يجوز أن يكون الخبر بعد لولا كونا خاصا، لكن الاكثر أن يكون كونا عاما، فإن كان الخبر كونا عاما وجب حذفه كما يقول الجمهور، وإن كان الخبر كونا خاصا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، وإن دل عليه دليل جاز ذكره وجاز حذفه، فلخبر المبتدأ الواقع بعد لولا حالة واحدة عند الجمهور، وهي وجوب الحذف، وثلاثة أحوال عند غيرهم، وهي: وجوب الحذف، ووجوب الذكر، وجواز الامرين، وقد قدمنا لك أن الواجب حمل كلام الناظم على هذا، لانه صرح باختياره في غير هذا الكتاب، وقد ذكر الشارح نفسه أن هذا هو اختيار المصنف.
    (1) المراد بكون المبتدأ نصا في اليمين: أن يغلب استعماله فيه، حتى لا يستعمل في غيره إلا مع قرينة، ومقابل هذا ما ليس نصا في اليمين وهو: الذي يكثر استعماله في غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بقرينة ذكر المقسم عليه، ألا ترى أن " عهد الله " قد كثر استعماله في غير القسم نحو قوله تعالى: (وأوفوا بعهد الله) وقولهم: عهد الله يجب الوفاء به، ويفهم منه القسم إذا قلت: عهد لافعلن كذا، لذكرك المقسم عليه.
    (2) إن كان من غرض الشارح الاعتراض على الذين ذكروا هذا المثال لحذف الخبر وجوبا لكون المبتدأ نصا في اليمين فلا محل لاعتراضه عليهم بأن ذلك يحتمل أن يكون = (*)
    (1/252)

    الله " بخلاف " لعمرك " فإن المحذوف مع يتعين أن يكون خبرا، لان لام الابتداء قد دخلت عليه، وحقها الدخول على المبتدأ.
    فإن لم يكن المبتدأ نصا في اليمين لم يجب حذف الخبر، نحو " عهد الله لافعلن " التقدير " عهد الله علي " فعهد الله: مبتدأ، وعلي: خبره، ولك إثباته وحذفه.
    الموضع الثالث: أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية، نحو " كل رجل وضيعته " فكل: مبتدأ، وقوله " وضيعته " معطوف على كل، والخبر محذوف، والتقدير " كل رجل وضيعته مقترنان " ويقدر الخبر بعد واو المعية.
    وقيل: لا يحتاج إلى تقدير الخبر، لان معنى " كل رجل وضيعته " كل رجل مع ضيعته، وهذا كلام تام لا يحتاج إلى تقدير خبر، واختار هذا المذهب ابن عصفور في شرح الايضاح.
    فإن لم تكن الواو نصا في المعية لم يحذف الخبر وجوبا (2)، نحو " زيد وعمرو قائمان ".
    الموضع الرابع: أن يكون المبتدأ مصدرا، وبعده حال سد [ ت ] مسد الخبر، وهي لا تصلح أن تكون خبرا، فيحذف الخبر وجوبا، لسد الحال مسده، وذلك نحو " ضربي العبد مسيئا " فضربي: مبتدأ، والعبد: معمول.
    __________
    = المحذوف هو المبتدأ، وذلك من وجهين، أولهما: أن المثال يكفي فيه صحة الاحتمال الذي جئ به من أجله، ولم يقل أحد إنه يجب أن يتعين فيه الوجه الذي جئ به له، وثانيهما: أن الغرض من كلامهم أنا إن جعلنا هذا المذكور مبتدأ كان خبره محذوفا
    وجوبا، أما حذفه فلكون ذلك المبتدأ نصا في اليمين، وأما الوجوب فلان جواب اليمين عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه.
    (1) بل إن دل عليه دليل جاز حذفه، وإلا وجب ذكره.
    (*)
    (1/253)

    له، ومسيئا: حال سد [ ت ] مسد الخبر، والخبر محذوف وجوبا، والتقدير " ضربي العبد إذا كان مسيئا " إذا أردت الاستقبال، وإن أردت المضي فالتقدير " ضربي العبد إذ كان مسيئا " فمسيئا: حال من الضمير المستتر في " كان " المفسر بالعبد [ و " إذا كان " أو " إذ كان " ظرف زمان نائب عن الخبر ].
    ونبه المصنف بقوله: " وقبل حال " على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدت مسد الخبر كما تقدم تقريره.
    واحترز بقوله: " لا يكون خبرا " عن الحال التي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور، نحو ما حكى الاخفش - رحمه الله ! - من قولهم " زيد قائما " فزيد: مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير " ثبت قائما " وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا، فتقول " زيد قائم " فلا يكون الخبر واجب الحذف، بخلاف " ضربي العبد مسيئا " فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذي قبلها، فلا تقول: " ضربي العبد مسئ " لان الضرب لا يوصف بأنه مسئ.
    والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر، نحو " أتم تبييني الحق منوطا بالحكم " فأتم: مبتدأ، وتبييني: مضاف إليه، والحق: مفعول لتبييني، ومنوطا: حال سد [ ت ] مسد خبر أتم، والتقدير: " أتم تبييني الحق إذا كان - أو إذ كان - منوطا بالحكم ".
    * * *
    ولم يذكر المصنف المواضع التي يحذف فيها المبتدأ، وجوبا، وقد عدها في غير هذا الكتاب أربعة (1):.
    __________
    (1) بقي عليه موضعان آخران مما يجب فيه حذف المبتدأ (الاول) مبتدأ الاسم = (*)
    (1/254)

    الاول: النعت المقطوع إلى الرفع: في مدح، نحو: " مررت بزيد الكريم " أو ذم، نحو: " مررت بزيد الخبيث " أو ترحم، نحو: " مررت بزيد المسكين " فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا، والتقدير " هو الكريم، وهو الخبيث، وهو المسكين ".
    الموضع الثاني: أن يكون الخبر مخصوص " نعم " أو " بئس " نحو: " نعم.
    __________
    = المرفوع بعد " لا سيما " سواء كان هذا الاسم المرفوع بعدها نكرة كما في قول امرئ القيس بن حجر الكندي الذي أنشدناه في مباحث العائد في باب الموصول (ص 166)، وهو: ألا رب يوم صالح لك منهما * ولا سيما يوم بدارة جلجل أم كان معرفة كما في قولك: أحب النابهين لا سيما علي، فإن هذا الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، والتقدير: ولا مثل الذي هو يوم بدارة جلجل، ولا مثل الذي هو علي، وليس يخفى عليك أن هذا إنما يجري على تقدير رفع الاسم بعد " لا سيما " فأما على جره أو نصبه فلا (الثاني) بعد المصدر النائب عن فعله الذي بين فاعله أو مفعوله بحرف جر، فمثال ما بين حرف الجر فاعل المصدر قولك: سحقا لك، وتعسا لك، وبؤسا لك، التقدير: سحقت وتعست وبؤست، هذا الدعاء لك، فلك: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، ولم يجعل هذا الجار والمجرور متعلقا بالمصدر لان التعدي باللام إنما يكون إلى المفعول لا إلى الفاعل، والتزموا حذف المبتدأ ليتصل الفاعل بفعله، ومثال ما بين حرف الجر المفعول قولك: سقيا لك، ورعيا
    لك، والتقدير: اسق اللهم سقيا وارع اللهم رعيا، هذا الدعاء لك يا زيد، مثلا، فلك: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف وجوبا، ولم يجعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر في هذا لئلا يلزم عليه وجود خطابين لاثنين مختلفين في جملة واحدة، ولهذا لو كان المصدر نائبا عن فعل غير الامر، أو كانت اللام جارة لغير ضمير المخاطب، نحو " شكرا لك ": أي شكرت لك شكرا، ونحو " سقيا لزيد ": أي اسق اللهم زيدا - لم يمتنع جعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر، ويصير الكلام جملة واحدة حينئذ، والتزموا حذف المبتدأ في هذا الموضع أيضا ليتصل العامل بمعموله.
    (*)
    (1/255)

    الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو " فزيد وعمرو: خبران لمبتدإ محذوف وجوبا، والتقدير " هو زيد " أي الممدوح زيد " وهو عمرو " أي المذموم عمرو.
    الموضع الثالث: ما حكى الفارسي من كلامهم " في ذمتي لافعلن " ففي ذمتي: خبر لمبتدإ محذوف واجب الحذف، والتقدير " في ذمتي يمين " وكذلك ما أشبهه، وهو ما كان الخبر فيه صريحا في القسم.
    الموضع الرابع: أن يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل، نحو: " صبر جميل " التقدير " صبري صبر جميل " فصبري: مبتدأ، وصبر جميل: خبره، ثم حذف المبتدأ - الذي هو " صبري " - وجوبا (1).
    * * * وأخبروا باثنين أو بأكثرا عن واحد كهم سراة شعرا (2).
    __________
    (1) وقد ورد من هذا قول الله تعالى: (فصبر جميل) وقول الشاعر: عجب لتلك قضية، وإقامتي فيكم على تلك القضية أعجب وقول الراجز:
    شكا إلي جملي طول السرى صبر جميل فكلانا مبتلى لكن كون هذا مما حذف فيه المبتدأ ليس بلازم، بل يجوز أن يكون مما حذف فيه الخبر، وكون الحذف واجبا ليس بلازم أيضا، فقد جوزوا أن يكون " عجب " مبتدأ و " لتلك " خبره.
    (2) " وأخبروا " فعل ماض وفاعله " باثنين " جار ومجرور متعلق بأخبر " أو " حرف عطف " بأكثرا " جار ومجرور معطوف بأو على الجار والمجرور السابق " عن واحد " جار ومجرور متعلق بأخبر " كهم " الكاف جارة لقول محذوف، وهي ومجرورها تتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وهم: مبتدأ " سراة " خبر أول = (*)
    (1/256)

    اختلف النحويون في جواز تعدد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف، نحو: " زيد قائم ضاحك " فذهب قوم - منهم المصنف - إلى جواز ذلك، سواء (1) كان الخبران في معنى خبر واحد، نحو: " هذا حلو حامض " أي مز، أم لم يكونا كذلك، كالمثال الاول، وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان الخبران في معنى خبر واحد، فإن لم يكونا كذلك تعين العطف، فإن جاء من لسان العرب شئ بغير عطف قدر له مبتدأ آخر، كقوله تعالى: (وهو الغفور الودود ذو العش المجيد) وقل الشاعر: 58 - من يك ذا بت فهذا بتي مقيظ مصيف مشتي.
    __________
    = " شعرا " أصله شعراء فقصره للضرورة، وهو خبر ثان، والجملة من المبتدأ وخبريه في محل نصب مقول القول المقدر.
    (1) الذي يستفاد من كلام الشارح - وهو تابع فيه للناظم في شرح الكافية - أن تعدد الخبر على ضربين (الاول) تعدد في اللفظ والمعنى جميعا، وضابطه: أن يصح الاخبار بكل واحد منهما على انفراده، كالآية القرآنية التي تلاها، وكمثال النظم،
    وكالبيتين اللذين أنشدهما.
    وحكم هذا النوع عند من أجاز التعدد أنه يجوز فيه العطف وتركه، وإذا عطف أحدهما على الآخر جاز أن يكون العطف بالواو وغيرها، فأما عند من لم يجز التعدد فيجب أن يعطف أو يقدر لما عدا الاول مبتدآت (الثاني) التعدد في اللفظ دون المعنى، وضابطه: ألا يصح الاخبار بكل واحد منهما على انفراده، نحو قولهم: الرمان حلو حامض، وقولهم: فلان أعسر أيسر، أي يعمل بكلتا يديه، ولهذا النوع أحكام: منها أنه يمتنع عطف أحد الاخبار على غيره، ومنها أنه لا يجوز توسط المبتدأ بينها، ومنها أنه لا يجوز تقدم الاخبار كلها على المبتدأ، فلا بد في المثالين من تقدم المبتدأ عليهما، والاتيان بهما بغير عطف، لانهما عند التحقيق كشئ واحد، فكل منهما يشبه جزء الكلمة.
    58 - ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وهو من شواهد سيبويه (ج 1 ص 258) ولم ينسبه ولا نسبه الاعلم، وروى ابن منظور هذا البيت في اللسان أكثر من مرة ولم ينسبه في إحداها، وقد روى بعد الشاهد في أحد المواضع قوله: = (17 - شرح ابن عقيل 1)
    (1/257)

    .
    __________
    = * أخذته من نعجات ست * وزاد على ذلك كله في موضع آخر قوله: * سود نعاج كنعاج الدشت * اللغة: بت " قال ابن الاثير: البت الكساء الغليظ المربع، وقيل: طيلسان من خز، وجمعه بتوت، وقوله " مقيظ، مصيف، مشتي " أي: يكفيني للقيظ وهو زمان اشتداد الحر، ويكفيني للصيف، وللشتاء " الدشت " الصحراء، وأصله فارسي، وقد وقع في شعر الاعشى ميمون بن قيس، وذلك قوله: قد علمت فارس وحمير والاعراب بالدشت أيكم نزلا قال أهل اللغة: " وهو فارسي معرب، ويجوز أن يكون مما اتفقت فيه لغة العرب
    ولغة الفرس ".
    المعنى: هذا البيت في وصف كساء من صوف كما قال الجوهري وغيره، ويريد الشاعر أن يقول: إذا كان لاحد من الناس كساء فإن لي كساء أكتفى به في زمان حمارة القيظ وزمان الصيف وزمان الشتاء، يعني أنه يكفيه الدهر كله، وأنه قد أخذ صوفه الذي نسج منه من نعجات ست سود كنعاج الصحراء.
    الاعراب: " من " يجوز أن يكون اسما موصولا، وهو مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، ويجوز أن تكون اسم شرط مبتدأ أيضا، وهو مبني على السكون في محل رفع أيضا " يك " فعل مضارع ناقص مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، فإن قدرت " من " شرطية فهذا فعل الشرط، واسم يك على الحالين ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " من " ولا إشكال في جزمه حينئذ، وإن قدرتها موصولة فإنما جزم - كما أدخل الفاء في " فهذا بتي " لشبه الموصول بالشرط " ذا " خبريك، منصوب بالالف نيابة عن الفتحة لانه من الاسماء الستة، وذا مضاف و " بت " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، والجملة من " يك " واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول إذا قدرت " من " موصولة " فهذا " الفاء واقعة في جواب الشرط إذا قدرت " من " اسم شرط، وإن قدرتها موصولة فالفاء زائدة في خبر المبتدأ لشبهه بالشرط في عمومه، = (*)
    (1/258)

    وقوله: 59 - ينام بإحدى مقلتيه، ويتقي بأخرى المنايا، فهو يقظان نائم.
    __________
    = وها: حرف تنبيه، وذا: اسم إشارة مبتدأ " بتي " بت: خبر المبتدأ، وبت مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " مقيظ، مصيف، مشتي " أخبار متعددة لمبتدأ واحد، وهو اسم الاشارة، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " من " إن قدرت " من " موصولة، وفي محل جزم جواب الشرط إن قدرتها شرطية، وجملة الشرط وجوابه
    جميعا في محل رفع خبر المبتدأ على تقدير من شرطية.
    الشاهد فيه: قوله " فهذا بتي، مقيظ، مصيف، مشتي " فإنها أخبار متعددة لمبتدأ واحد من غير عاطف، ولا يمكن أن يكون الثاني نعتا للاول، لاختلافهما تعريفا وتنكيرا، وتقدير كل واحد مما عدا الاول خبرا لمبتدأ محذوف خلاف الاصل، فلا يصار إليه.
    59 - البيت لحميد بن ثور الهلالي، من كلمة يصف فيها الذئب.
    اللغة: " مقلتيه " عينيه " المنايا " جمع منية، وهي في الاصل فعيلة بمعنى مفعول من منى الله الشئ يمنيه - على وزن رمى يرمي - بمعنى قدره، وذلك لان المنية من مقدرات الله تعالى على عباده، وقوله " فهو يقظان نائم " هكذا وقع في أكثر كتب النحاة، والصواب في إنشاد هذا البيت " فهو يقظان هاجع "، لانه من قصيدة عينية مشهورة لحميد بن ثور، وقبله قوله: إذا خاف جورا من عدو رمت به قصائبه والجانب المتواسع وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها ذراعا، ولم يصبح لها وهو خاشع الاعراب: " ينام " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب " بإحدى " جار ومجرور متعلق بقوله ينام، وإحدى مضاف، ومقلتي من " مقلتيه " مضاف إليه، ومقلتي مضاف والضمير مضاف إليه " ويتقي " الواو عاطفة، يتقي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب، والجملة معطوفة على جملة " ينام " السابقة " بأخرى " جار ومجرور متعلق بقوله يتقي " المنايا " مفعول به ليتقي " فهو " مبتدأ " يقظان " خبره " نائم " أو " هاجع " خبر بعد خبر.
    = (*)
    (1/259)

    وزعم بعضهم أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان من جنس واحد، كأن يكون الخبران مثلا مفردين، نحو: " زيد قائم ضاحك " أو جملتين نحو: " زيد
    قام ضحك " فإما إذا كان أحدهما مفردا والآخر جملة فلا يجوز ذلك، فلاتقول: " زيد قائم ضحك " هكذا زعم هذا القائل، ويقع في كلام المعربين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا، ومنه قوله تعالى: (فإذا هي حية تسعى) جوزوا كون " تسعى " خبرا ثانيا، ولا يتعين ذلك، لجواز كونه حالا (1).
    * * *.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " فهو يقظان نائم " أو قوله " فهو يقظان هاجع " حيث أخبر عن مبتدأ واحد وهو قوله " هو " بخبرين وهما قوله " يقظان هاجع " أو قوله " يقظان نائم " من غير عطف الثاني منهما على الاول.
    والشواهد على ذلك كثيرة في كلام من يحتج بكلامه شعره ونثره، فلا معنى لجحده ونكرانه.
    ومما استشهد به المجيز قوله تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) وقوله سبحانه في قراءة ابن مسعود: (وهذا بعلي شيخ) ومنه قول علي بن أبي طالب أمير المؤمنين: إنا الذي سمتن أمي حيدره كليث غابات غليظ القصره * أكيلكم بالسيف كيل السندره * فإن قوله " أنا " مبتدأ، والاسم الموصول بعده خبره، ويجوز أن يكون " كليث " جارا ومجرورا يتعلق بمحذوف خبر ثان، وقوله " أكيلكم " جملة فعلية في محل رفع خبر ثالث، وهذا دليل لمن أجاز تعدد الخبر مع اختلاف الجنس، وهو ظاهر بعد ما بيناه.
    (1) إذا لم تجعل جملة (تسعى) خبرا ثانيا كما يقول المعربون فهي في محل رفع صفة لحية، وليست في محل نصب حالا من حية كما زعم الشارح، وذلك لان (حية) نكرة لا مسوغ لمجئ الحال منها، وصاحب الحال لا يكون إلا معرفة أو نكرة معها مسوغ، اللهم إلا أن تتمحل للشارح فتزعم أن الجملة حال من الضمير الواقع مبتدأ على رأي
    سيبويه الذي يجيز مجئ الحال من المبتدأ.
    (*)
    (1/260)

    كان وأخواتها ترفع كان المبتدا اسما، والخبر تنصبه، ككان سيدا عمر (1) ككان ظل بات أضحى أصبحا أمسى وصار ليس، زال برحا (2) فتئ، وانفك، وهذي الاربعة لشبه نفي، أو لنفي، متبعه (3) ومثل كان دام مسبوقا ب " ما " كأعط ما دمت مصيبا درهما (4).
    __________
    (1) " ترفع " فعل مضارع " كان " قصد لفظه: فاعل ترفع " المبتدا " مفعول به لترفع " اسما " حال من قوله المبتدأ " والخبر " الواو عاطفة، الخبر مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: وتنصب الخبر " تنصبه " تنصب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " كان "، والضمير البارز المتصل مفعول به، والجملة من تنصب وفاعله ومفعوله لا محل لها تفسيرية " ككان " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك، كان: فعل ماض ناقص " سيدا " خبر كان مقدم " عمر " اسمها مؤخر، مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن للوقف.
    (2) " ككان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و " كان " هنا قصد لفظه " ظل " قصد لفظه أيضا: مبتدأ مؤخر " بات، أضحى، أصبحا، أمسى، وصار ليس، زال، برحا " كلهن معطوفات على ظل بإسقاط حرف العطف مما عدا الخامس.
    (3) " فتئ، وانفك " معطوفان أيضا على " ظل " بإسقاط حرف العطف في الاول " وهذي " الواو للاستئناف، ها: حرف تنبيه، مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وذي: اسم إشارة مبتدأ " الاربعة " بدل من اسم الاشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له، " لشبه " جار ومجرور متعلق بقوله " متبعة " الآتي، وشبه
    مضاف، و " نفي " مضاف إليه " أو " حرف عطف " لنفي " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق " متبعه " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة.
    (4) " ومثل " خبر مقدم، ومثل مضاف و " كان " قصد لفظه: مضاف إليه " دام " قصد لفظه أيضا: مبتدأ مؤخر " مسبوقا " حال من دام " بما " الباء حرف جر، وما = (*)
    (1/261)

    لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء، وهي قسمان: أفعال، وحروف، فالافعال: كان وأخواتها، وأفعال المقاربة، وظن وأخواتها، والحروف: ما وأخواتها، ولا التي لنفي الجنس، وإن وأخواتها.
    فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها، وكلها أفعال اتفاقا، إلا " ليس "، فذهب الجمهور إلى أنها فعل، وذهب الفارسي - في أحد قوليه - وأبو بكر بن شقير - في أحد قوليه - إلى أنها حرف (1)..
    __________
    = قصد لفظه مجرور محلا بالباء، والجار والمجرور متعلق بمسبوقا " كأعط " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا، أعط: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله الاول محذوف، والتقدير " أعط المحتاج " مثلا " ما " مصدرية ظرفية " دمت " دام: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسم دام " مصيبا " خبر دام " درهما " مفعول ثان لاعط، وتلخيص البيت: ودام مثل كان - في العمل الذي هو رفع الاسم ونصب الخبر - لكن في حالة معينة، وهي حالة ما إذا سبقت دام بما المصدرية الظرفية الواقعة في نحو قولك " أعط المحتاج درهما ما دمت مصيبا " أي مدة دوامك مصيبا، والمراد ما دمت تحب أن تكون مصيبا.
    (1) أول من ذهب من النحاة إلى أن ليس حرف، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو علي الفارسي في " الحلبيات " وأبو بكر بن شقير، وجماعة.
    واستدلوا على ذلك بدليلين:
    الدليل الاول، أن " ليس " أشبه الحرف من وجهين: الوجه الاول: أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف، وذلك لانه يدل على النفي الذي يدل عليه " ما " وغيرها من حروف النفي.
    الوجه الثاني: أنه جامد لا يتصرف، كما أن الحرف جامد لا يتصرف.
    والدليل الثاني: أنه خالف سنن الافعال عامة، وبيان ذلك أن الافعال بوجه عام مشتقة من المصدر للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما في عامة الافعال، فإن عامة الافعال الماضية تدل على الزمان الذي انقضى، وهذه الكلمة تدل على نفي = (*)
    (1/262)

    وهي ترفع المبتدأ، وتنصب خبره، ويسمى المرفوع بها اسما لها، والمنصوب بها خبرا لها.
    وهذه الافعال قسمان: منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط، وهي: كان، وظل، وبات، وأضحى، وأصبح، وأمسى، وصار، وليس، ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط، وهو قسمان: أحدهما ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظا أو تقديرا، أو شبه نفي، وهو أربعة: زال، وبرح، وفتئ، وانفك، فمثال النفي لفظا " ما زال زيد قائما " ومثاله تقديرا قوله تعالى: (قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف) أي: لا تفتؤ، ولا يحذف النافي معها قياسا إلا بعد القسم كالآية الكريمة، وقد شذ الحذف بدون القسم، كقول الشاعر:.
    __________
    = الحدث الذي دل عليه خبرها في الزمان الحاضر، إلى أن تقوم قرينة تصرفه إلى الماضي أو المستقبل، فإذا قلت: " ليس خلق الله مثله " فليس أداة نفي، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة الفعل الماضي - وهو خلق - وفاعله في محل نصب خبرها.
    وفي هذا المثال قرينة - وهي كون الخبر ماضيا - على أن المراد نفي الخلق في الماضي،
    وقوله تعالى: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) يشتمل على قرينة تدل على أن المراد نفي صرفه عنهم فيما يستقبل من الزمان، ومن أجل ذلك كله قالوا: هي حرف.
    ويرد ذلك عليهم قبولها علامات الفعل، ألا ترى أن تاء التأنيث الساكنة تدخل عليها، فتقول: ليست هند مفلحة، وأن تاء الفاعل تدخل عليها، فتقول: لست، ولست، ولستما، ولستم، ولستن.
    وأما عدم دلالتها على الحدث كسائر الافعال فإنه منازع فيه، لان المحقق الرضي ذهب إلى أن " ليس " دالة على حدث - وهو الانتفاء - ولئن سلمنا أنها لا تدل على حدث - كما هو الراجح، بل الصحيح عند الجمهور - فإنا نقول: إن عدم دلالتها على حدث - ليس هو بأصل الوضع، ولكنه طارئ عليها وعارض لها بسبب دلالتها على النفي، والمعتبر إنما هو الدلالة بحسب الوضع وأصل اللغة، وهي من هذه الجهة دالة عليه، فلا يضرها أن يطرأ عليها ذلك الطارئ فيمنعها.
    = (*)
    (1/263)

    60 - وأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقا مجيدا.
    __________
    60 - البيت لخداش بن زهير.
    اللغة: " منتطقا " قد فسره الشارح العلامة تفسيرا، ويقال: جاء فلان منتطقا فرسه، إذا جنبه - أي جعله إلى جانبه ولم يركبه - وقال ابن فارس: هذا البيت يحتمل أنه أراد أنه لا يزال يجنب فرسا جوادا، ويحتمل أنه أراد أنه يقول قولا مستجاذا في الثناء على قومه، أي: ناطقا " مجيدا " بضم الميم: يجري على المعنيين اللذين ذكرناهما في قوله " منتطقا "، وهو وصف للفرس على الاول، ووصف لنفسه على الثاني.
    المعنى: يريد أنه سيبقى مدى حياته فارسا، أو ناطقا بماثر قومه، ذاكرا ممادحهم، لانها كثيرة لا تفنى، وسيكون جيد الحديث عنهم، بارع الثناء عليهم، لان صفاتهم الكريمة تنطق الالسنة بذكرهم.
    الاعراب: " أبرح " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ما " مصدرية ظرفية " أدام " فعل ماض " الله " فاعل أدام " قومي " قوم: مفعول به لادام، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بحمد " جار ومجرور متعلق بقوله " أبرح " أو هو متعلق بفعل محذوف، والتقدير " أحمد بحمد " وحمد مضاف، و " الله " مضاف إليه " منتطقا " اسم فاعل فعله انتطق، وهو خبر " أبرح " السابق، وفاعله ضمير مستتر فيه " مجيدا " مفعول به لمنتطق على المعنى الاول، وأصله صفة لموصوف محذوف، فلما حذف الموصوف أقيمت الصفة مقامه، وأصل الكلام: لا أبرح جانبا فرسا مجيدا، وهو خبر بعد خبر على المعنى الثاني، وكأنه قال: لا أبرح ناطقا بمحامد قومي مجيدا في ذلك، لان مآثر قومي تنطق الالسنة بجيد المدح.
    الشاهد فيه: قوله " أبرح " حيث استعمله بدون نفي أو شبه نفي، مع كونه غير مسبوق بالقسم، قال ابن عصفور: وهذا البيت فيه خلاف بين النحويين، فمنهم من قال: إن أداة النفي مرادة، فكأنه قال " لا أبرح " ومنهم من قال: إن " أبرح " غير منفي، لا في اللفظ ولا في التقدير، والمعنى عنده: أزول بحمد الله عن أن أكون منتطقا مجيدا، أي: صاحب نطاق وجواد لان قومي يكفونني هذا، فعلى الوجه الاخير في كلام ابن عصفور لا استشهاد فيه.
    ومثل هذا البيت قول خليفة بن براز: = (*)
    (1/264)

    أي: لا أبرح منتطقا مجيدا، أي: صاحب نطاق وجواد، ما أدام الله قومي، وعنى بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقي له قومه، وهذا أحسن ما حمل عليه البيت.
    ومثال شبه النفي - والمراد به النهي - كقولك: " لا تزل قائما " ومنه قوله:
    61 - صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت، فنسيانه ضلال مبين والدعاء، كقولك: " لا يزال الله محسنا إليك "، وقول الشاعر:.
    __________
    تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه واعلم أن شروط جواز حذف حرف النفي مطلقا ثلاثة: الاول: أن يكون هذا الحرف " لا " دون سائر أخواته من حروف النفي.
    الثاني: أن يكون المنفى به مضارعا كما في الآية، وكما في قول امرئ القيس: فقلت: يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي وقول عبد الله بن قيس الرقيات: والله أبرح في مقدمة أهدي الجيوش علي شكتيه حتى أفجعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهم بنسوتيه وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: تالله أنسى حبها حياتنا أو أقبرا وقول نصيب من مرثية له في أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان: تالله أنسى مصيبتي أبدا ما أسمعتني حنينها الابل الثالث: أن يكون ذلك في القسم كما في الآية الكريمة من سورة يوسف، وبيت امرئ القيس، وبيت عبد الله بن قيس الرقيات، وبيت عمر، وبيت نصيب، وشذ الحذف بدون القسم كما في بيت خداش، وبيت خليفة بن براز.
    61 - البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها.
    = (*)
    (1/265)

    62 - ألا يا اسلمي، يا دارمي، على البلى، ولا زال منهلا بجرعائك القطر.
    __________
    = المعنى: يا صاحبي اجتهد، واستعد للموت، ولا تنس ذكره، فإن نسيانه ضلال
    ظاهر.
    الاعراب: " صاح " مناد حذفت منه ياء النداء، وهو مرخم ترخيما غير قياسي، لانه نكرة، والقياس ألا برخم مما ليس آخره تاء إلا العلم " شمر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ولا " الواو عاطفة، لا: ناهية " تزل " فعل مضارع ناقص مجزوم بحرف النهي، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذاكر " خبر تزل، وذاكر مضاف، و " الموت " مضاف إليه " فنسيانه " الفاء حرف دال على التعليل، نسيان: مبتدأ، ونسيان مضاف والهاء العائدة إلى الموت مضاف إليه " ضلال " خبر المبتدأ " مبين " نعت لضلال.
    الشاهد فيه: قوله " ولا تزل ذاكر الموت " حيث أجرى فيه مضارع " زال " مجرى " كان " في العمل، لكونها مسبوقة بحرف النهي، والنهي شبيه بالنفي.
    62 - البيت لذي الرمة غيلان بن عقبة يقوله في صاحبته مية.
    اللغة: " البلى " من بلى الثوب يبلي على وزن رضى يرضي أي: خلق ورث " منهلا " منسكبا منصبا " جرعائك " الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئا " القطر " المطر.
    المعنى: يدعو لدار حبيبته بأن تدوم لها السلامة على مر الزمان من طوارق الحدثان وأن يدوم نزول الامطار بساحتها، وكنى بنزول الامطار عن الخصب والنماء بما يستتبع من رفاهية أهلها، وإقامتهم في ربوعها، وعدم المهاجرة منها لانتجاع الغيث والكلا.
    الاعراب: " ألا " أداة استفتاح وتنبيه " يا " حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير " يادارمية " " اسلمي " فعل أمر مقصود منه الدعاء، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل " يادار " يا: حرف نداء، ودار: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، ودار مضاف، و " مي " مضاف إليه " على البلى " جار ومجرور متعلق باسلمي " ولا " الواو حرف عطف، لا: حرف دعاء " زال " فعل ماض ناقص " منهلا " خبر زال مقدم
    " بجرعائك " الجار والمجرور متعلق بقوله " منهلا " وجرعاء مضاف وضمير المخاطبة مضاف إليه " القطر " اسم زال مؤخر.
    = (*)
    (1/266)

    وهذا [ هو ] الذي أشار إليه المصنف بقوله: " وهذي الاربعة - إلى آخر البيت ".
    القسم الثاني: ما يشترط في عمله أن يسبقه " ما " المصدرية الظرفية، وهو " دام " كقولك: " أعط ما دمت مصيبا درهما " أي: أعط مدة دوامك مصيبا درهما، ومنه قوله تعالى: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) أي: مدة دوامي حيا..
    __________
    = الشاهد فيه: للنحاة في هذا البيت شاهدان، الاول: في قوله " يا اسلمي " حيث حذف المنادى قبل فعل الامر فاتصل حرف النداء بالفعل لفظا، ولكن التقدير على دخول " يا " على المنادى المقدر، ولا يحسن في مثل هذا البيت أن تجعل " يا " حرف تنبيه، لان " ألا " السابقة عليها حرف تنبيه، ومن قواعدهم المقررة أنه لا يتوالى حرفان بمعنى واحد لغير توكيد، ومثل هذا البيت في ما ذكرنا قول الشماخ.
    يقولون لي: يا احلف، ولست بحالف أخادعهم عنها لكيما أنالها فقد أراد: يقولون لي يا هذا احلف، ومثله قول الاخطل: ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر ولا زال حيانا عدى آخر الدهر أراد: ألا يا هند اسلمي يا هند بني بكر، ومثله قول الآخر: ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد وذات الثنايا الغر والفاحم الجعد أراد: ألا يا ذات الدماليج اسلمي ذات الدماليج إلخ، ومثل الامر الدعاء كما في قول الفرزدق: يا أرغم الله أنفا أنت حامله يا ذا الخنى ومقال الزور والخطل
    يريد: يا هذا أرغم الله أنفا إلخ، ومثله قول الآخر: يا لعنة الله والاقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار فيمن رواه برفع " لعنة الله ".
    والشاهد الثاني في قوله " ولا زال إلخ " حيث أجرى " زال " مجرى " كان " في رفعها الاسم ونصب الخبر، لتقدم " لا " الدعائية عليها، والدعاء شبه النفي.
    (*)
    (1/267)

    ومعنى ظل: اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا، ومعنى بات: اتصافه به ليلا، وأضحى: اتصافه به في الضحى، وأصبح: اتصافه به في الصباح، وأمسى: اتصافه به في المساء، ومعنى صار: التحول من صفة إلى [ صفة ] أخرى، ومعنى ليس: النفي، وهي عند الاطلاق لنفي الحال، نحو: " ليس زيد قائما " أي: الآن وعند التقييد بزمن على حسبه، نحو: " ليس زيد قائما غدا " ومعنى ما زال وأخواتها، ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو: " ما زال زيد ضاحكا، وما زال عمرو أزرق العينين " ومعنى دام: بقى واستمر.
    * * * وغير ماض مثله قد عملا إن كان غير الماض منه استعملا (1) هذه الافعال على قسمين (2): أحدهما ما يتصرف، وهو ما عدا ليس ودام..
    __________
    (1) " وغير " مبتدأ، وغير مضاف، و " ماض " مضاف إليه " مثله " مثل: حال مقدم على صاحبها، وصاحبها هو فاعل " عمل " الآتي، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه، ومثل من الالفاظ المتوغلة في الابهام فلا تفيدها الاضافة تعريفا، فلهذا وقعت حالا " قد " حرف تحقيق " عملا " عمل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضي، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " إن " شرطية " كان " فعل ماض ناقص، فعل الشرط " غير " اسم كان، وغير مضاف، و " الماضي "
    مضاف إليه " منه " جار ومجرور متعلق باستعمل " استعملا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضي، والجملة في محل نصب خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إن كان غير الماضي مستعملا فإنه يعمل مشابها الماضي.
    (2) هي على قسمين إجمالا، ولكنها على ثلاثة أقسام تفصيلا (الاول) ما لا يتصرف أصلا فلم يأت منه إلا الماضي، وهو فعلان: ليس، ودام، فإن قلت: فإنه قد سمع: يدوم، ودم، ودائم، ودوام، قلت: هذه تصرفات دام التامة التي ترفع فاعلا فقط، والكلام = (*)
    (1/268)

    والثاني ما لا يتصرف، وهو ليس ودام، فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الافعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي، وذلك هو المضارع، نحو: " يكون زيد قائما " قال الله تعالى: (ويكون الرسول عليكم شهيدا) والامر، نحو: (كونوا قوامين بالقسط) وقال الله تعالى: (قل كونوا حجارة أو حديدا)، واسم الفاعل، نحو: " زيد كائن أخاك " وقال الشاعر: 63 - وما كل من يبدي البشاشة كائنا أخاك، إذا لم تلفه لك منجدا.
    __________
    = إنما هو في دام الناقصة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر (الثاني) ما يتصرف تصرفا ناقصا، بأن يكون المستعمل منه الماضي والمضارع واسم الفاعل، وهو أربعة أفعال: زال، وفتئ، وبرح، وانفك (الثالث) ما يتصرف تصرفا تاما بأن تجئ منه أنواع الفعل الثلاثة: الماضي، والمضارع، والامر، ويجئ منه المصدر واسم الفاعل، وهو الباقي، وقد اختلف النحاة في مجئ اسم المفعول من القسم الثالث، فمنعه قوم منهم أبو علي الفارسي، فقد سأله تلميذه ابن جنى عن قول سيبويه " مكون فيه " فقال: ما كل داء يعالجه الطبيب !.
    وأجازه غير أبي علي، فاحفظ ذلك.
    63 - البيت من الشواهد التي لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين.
    اللغة: " يبدي " يظهر " البشاشة " طلاقة الوجه " تلفه " تجده " منجدا " مساعدا.
    المعنى: ليس كل أحد يلقاك بوجه ضاحك أخاك الذي تركن إليه، وتعتمد في حاجتك عليه، ولكن أخوك هو الذي تجده عونا لك عند الحاجة.
    الاعراب: " ما " نافية تعمل عمل ليس " كل " اسمها، وكل مضاف، و " من " اسم موصول مضاف إليه " يبدي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " من " والجملة لا محل لها صلة الموصول " البشاشة " مفعول به ليبدي " كائنا " خبر ما النافية، وهو اسم فاعل متصرف من كان الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل " أخاك " أخا: خبر كائن منصوب بالالف نيابة عن الفتحة لانه من الاسماء الستة، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " لم " حرف نفي وجزم " تلفه " تلف: فعل مضارع مجزوم بلم، = (*)
    (1/269)

    والمصدر كذلك، واختلف الناس في " كان " الناقصة: هل لها مصدر أم لا ؟ والصحيح أن لها مصدرا، ومنه قوله: 64 - ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وكونك إياه عليك يسير.
    __________
    = وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول لتلفى " لك " جار ومجرور متعلق بقوله منجدا الآتي " منجدا " مفعول ثان لتلفى، وقال العيني: هو حال وذلك مبني على أن " ظن " وأخواتها تنصب مفعولا واحدا، وهو رأي ضعيف لبعض النحاة.
    الشاهد فيه: قوله " كائنا أخاك " فإن " كائنا " اسم فاعل من كان الناقصة وقد
    عمل عملها، فرفع اسما ونصب خبرا: أما الاسم فهو ضمير مستتر فيه، وأما الخبر فهو قوله " أخاك " على ما بيناه في إعراب البيت.
    64 - وهذا البيت - أيضا - من الشواهد التي لم ينسبوها إلى قائل معين.
    اللغة: " بذل " عطاء " ساد " من السيادة، وهي الرفعة وعظم الشأن.
    المعنى: إن الرجل يسود في قومه وينبه ذكره في عشيرته ببذل المال والحلم، وهو يسير عليك إن أردت أن تكون ذلك الرجل.
    الاعراب: " ببذل " جار ومجرور متعلق بساد، " وحلم " معطوف على بذل " ساد " فعل ماض " في قومه " الجار والمجرور متعلق أيضا بساد، وقوم مضاف والضمير مضاف إليه " الفتى " فاعل ساد " وكونك " كون: مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة، فمن حيث كونه مبتدأ يحتاج إلى خبر، وهو قوله " يسير " الآتي، ومن حيث كونه مصدر كان الناقصة يحتاج إلى اسم وخبر، فأما اسمه فالكاف المتصلة به، فلهذه الكاف محلان أحدهما جر بالاضافة، والثاني رفع على أنها الاسم، وأما خبرها فقوله " إيا " وقوله " عليك " جار ومجرور متعلق بيسير، وقوله " يسير " هو خبر المبتدأ، على ما تقدم ذكره.
    الشاهد فيه: قوله " وكونك إياه " حيث استعمل مصدر كان الناقصة وأجراه مجراها في رفع الاسم ونصب الخبر، وقد بينت لك اسمه وخبره في إعراب البيت.
    (*)
    (1/270)

    وما لا يتصرف منها - وهو دام، وليس (1) - وما كان النفي أو شبهه شرطا فيه - وهو زال وأخواتها - لا يستعمل منه أمر ولا مصدر.
    (* * *) ؟ وفي جميعها توسط الخبر أجز، وكل سبقه دام حظر (2)
    .
    __________
    = فهذا الشاهد يدل على شيئين: أولهما أن " كان " الناقصة قد جاء لها مصدر في كلام العرب، فهو رد على من قال لا مصدر لها.
    وثانيهما أن غير الماضي من هذه الافعال سواء أكان اسما، أم كان فعلا غير ماض يعمل العمل الذي يعمله الفعل الماضي، وهو رفع الاسم ونصب الخبر.
    (1) رجح العلامة (الصبان) ؟ أن الناقصة لها مصدر، ودليله على ذلك شيئان: الاول أنها تستعمل البتة صلة لما المصدرية الظرفية، ووجه الاستدلال بهذا الوجه أن ما المصدرية مع صلتها تستوجب التقدير بمصدر، فاستعمالهم هذا الفعل بعد ما يشير إلى أنهم يعتقدون أن لها مصدرا، والثاني أن العلماء جروا على تقدير ما دام في نحو قوله تعالى: (مادمت حيا) بقولهم: مدة دوامي حيا، ولو أننا التزمنا أن هذا مصدر لدام التامة، أو أن العلماء اخترعوا في هذا التقدير مصدرا لم يرد عن العرب، لكنا بذلك جائرين مسيئين بمن قام على العربية وحفظها الظن كل الاساءة، فلزم أن يكون هذا المصدر مصدر الناقصة فتتم الدعوى.
    (2) " وفي جميعها " الجار والمجرور متعلق بتوسط، وجميع مضاف، وها مضاف إليه " توسط " مفعول به لاجز مقدم عليه، وتوسط مضاف، و " الخبر " مضاف إليه " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كل " مبتدأ " سبقه " سبق: مفعول به مقدم على عامله وهو حظر، وسبق مضاف وضمير الغائب العائد إلى الخبر مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " دام " قصد لفظه مفعول به لسبق " حظر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو كل.
    (*)
    (1/271)

    مراده أن أخبار هذه الافعال إن لم يجب تقديمها على الاسم، ولا تأخيرها عنه - يجوز توسطها بين الفعل والاسم (2)، فمثال وجوب تقديمها على الاسم
    قولك: " كان في الدار صاحبها "، فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم.
    __________
    (2) حاصل القول في هذا الموضوع أن لخبر كان وأخواتها ستة أحوال: الاول: وجوب التأخير، وذلك في مسألتين، إحداهما: أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعا غير ظاهر، نحو: كان صديقي عدوي، وثانيتهما: أن يكون الخبر محصورا نحو قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.
    الثاني: وجوب التوسط بين العامل واسمه، وذلك في نحو قولك: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يجوز في هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم، لئلا يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على أن المصدرية لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، فلم يبق إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا.
    الثالث: وجوب التقدم على الفعل واسمه جميعا، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام، نحو " أين كان زيد " ؟ الرابع: امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه أو التقدم عليهما، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر، ولم يكن ثمة مانع من التقدم على الفعل، نحو " كان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها " يجوز أن تقول ذلك، ويجوز أن تقول: " في الدار كان صاحبها، وغلام هند كان بعلها " - بنصب غلام - ولا يجوز في المثالين التأخير عن الاسم.
    الخامس: امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعا، مع جواز توسطه بينهما أو تأخره عنهما جميعا، نحو " هل كان زيد صديقك " ؟ ففي هذا المثال يجوز هذا، ويجوز " هل كان صديقك زيد " ولا يجوز تقديم الخبر على هل، لان لها صدر الكلام، ولا توسيطه بين هل والفعل، لان الفصل بينهما غير جائز.
    السادس: جواز الامور الثلاثة، نحو " كان محمد صديقك " يجوز فيه ذلك كما يجوز أن تقول: صديقك كان محمد، وأن تقول: كان صديقك محمد، بنصب الصديق.
    (*)
    (1/272)

    قولك: " كان أخي رفيقي " فلا يجوز تقديم رفيقي - على أنه خبر - لانه لا يعلم ذلك، لعدم ظهور الاعراب، ومثال ما توسط فيه الخبر قولك: " كان قائما زيد " قال الله تعالى: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وكذلك سائر أفعال هذا الباب - من المتصرف، وغيره - يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور، ونقل صاحب الارشاد خلافا في جواز تقديم خبر " ليس " على اسمها، والصواب جوازه، قال الشاعر: 65 - سلي - إن جهلت - الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول.
    __________
    65 - البيت - من قصيدة للسموأل بن عادياء الغساني، المضروب به المثل في الوفاء ومطلع قصيدته التي منها بيت الشاهد قوله: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل اللغة: " يدنس " الدنس بفتح الدال المهملة والنون هو الوسخ والقذر، والاصل فيه أن يكون في الامور الحسية، والمراد ههنا الدنس المعنوي " اللؤم " اسم جامع للخصال الدنيئة ومقابح الصفات " رداء " هو في هذا الموضع مستعار للخصلة من الخصال: أي إذا نظف عرض المرء فلم يتصف بصفة من الصفات الدنيئة فإن له بعد ذلك أن يتصف بما يشاء، يريد أن له أن يختار من المكارم وخصال البر الخصلة التي يرغبها " ضيمها " الضيم: الظلم.
    المعنى: يقول لمن يخاطبها: سلي الناس عنا وعمن تقارنينهم بنا إن لم تكوني عالمة بحالنا، مدركة للفرق العظيم الذي بيننا وبينهم لكي يتضح لك الحال، فإن العالم
    بحقيقة الامر ليس كمن جهلها.
    الاعراب: " سلي " فعل أمر، وياء المخاطبة فاعله " إن " شرطية " جهلت " فعل ماض فعل الشرط، وتاء المخاطبة فاعل، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله " عنا " جار ومجرور متعلق بقوله سلي " وعنهم " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور قبله " فليس " الفاء حرف دال على التعليل، وليس: فعل ماض ناقص " سواء " خبر ليس مقدم " عالم " اسم ليس مؤخر " وجهول " معطوف على عالم.
    = (18 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/273)

    وذكر ابن معط أن خبر " دام " لا يتقدم على اسمها، فلا تقول: " لا أصاحبك مادام قائما زيد " والصواب جوازه، قال الشاعر: 66 - لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " فليس سواء عالم وجهول " حيث قدم خبر ليس وهو " سواء " على اسمها وهو " عالم " وذلك جائز سائغ في الشعر وغيره، خلافا لمن نقل المنع عنه صاحب الارشاد.
    66 - البيت من الشواهد التي لم يعين أحد ممن اطلعنا على كلامه قائلها.
    اللغة: " طيب " المراد به اللذة وما ترتاح إلى النفس وتهفو نحوه " منغصة " اسم مفعول من التنغيص وهو التكدير " بادكار " تذكر وأصله " اذتكار " فقلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا، ثم أدغمت الدال في الدال، ويجوز فيه " اذكار " بالذال المعجمة، على أن تقلب المهملة معجمة بعكس الاول ثم تدغم، ويجوز فيه بقاء كل من المعجمة والمهملة على حاله فتقول " اذدكار " وبالوجه الاول ورد قوله تعالى: (فهل من مدكر) أصله مذتكر فقلبت التاء دالا ثم أدغمتا على ما ذكرناه أولا.
    المعنى: لا يرتاح الانسان إلى الحياة ولا يستطيب العيش ما دام يتذكر الايام التي
    تأتي عليه بأوجاعها وآلامها، وما دام لا ينسى أنه مقبل لا محالة على الشيخوخة والموت ومفارقة أحبائه وملاذه.
    الاعراب: " لا " نافية للجنس " طيب " اسمها مبني على الفتح في محل نصب " للعيش " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، أو متعلق بطيب، وخبر لا حينئذ محذوف " ما " مصدرية ظرفية " دامت " دام: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " منغصة " خبر دام مقدم على اسمها " لذاته " لذات: اسم دام مؤخر، ولذات مضاف والهاء العائدة إلى العيش مضاف إليه " بادكار " جار ومجرور متعلق بقوله منغصة، وادكار مضاف، و " الموت " مضاف إليه " والهرم " معطوف بالواو على الموت.
    الشاهد فيه: قوله " مادامت منغصة لذاته " حيث قدم خبر دام وهو قوله " منغصة " على اسمها وهو قوله " لذاته ".
    (*)
    (1/274)

    وأشار بقوله: " وكل سبقه دام حظر " إلى أن كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر " دام " عليها، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على " ما " المتصلة بها، نحو: " لا أصحبك قائما مادام زيد " فمسلم، وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على " دام " وحدها، نحو " لا أصحبك ما قائما دام زيد " - وعلى ذلك حمله ولده في شرحه - ففيه نظر، والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر.
    __________
    = هذا توجيه كلام الشارح العلامة كغيره من النحاة، ردا على ابن معط.
    وفيه خلل من جهة أنه ترتب عليه الفصل بين " منغصة " ومتعلقه وهو قوله " بادكار " بأجنبي عنهما وهو " لذاته ".
    وفي البيت توجيه آخر، وهو أن يكون اسم " دام " ضميرا مستترا، وقوله " منغصة " خبرها، وقوله " لذاته " نائب فاعل لقوله " منغصة "، لانه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، وعلى هذا يخلو البيت من الشاهد، فلا يكون ردا على
    ابن معط ومن يرى رأيه.
    ومن الشواهد التي يستدل بها للرد على ابن معط قول الشاعر: مادام حافظ سري من وثقت به فهو الذي لست عنه راغبا أبدا فإن قوله " حافظ سري " خبر دام، وقوله " من وثقت به " اسمها، وقد تقدم الخبر على الاسم، ولا يرد عليه الاعتراض الذي ورد على البيت الشاهد، ولكنه يحتمل التأويل، إذ يجوز أن يكون اسم دام ضميرا مستترا يعود إلى " من وثقت به " ويكون خبرها هو " حافظ سري "، ويكون قوله " من وثقت به " فاعلا بحافظ، لانه اسم فاعل.
    فإن قلت: فقد عاد الضمير على متأخر.
    قلت: هو كذلك، ولكنه مغتفر ههنا، لان الكلام على هذا يصير من باب الاشتغال لتقدم عاملين وهما: دام، وحافظ سري وتأخر معمول واحد وهو " من وثقت به " فلما أعمل العامل الثاني أضمر في الاول المرفوع، وهو جائز عند البصريين كما ستعرفه في باب الاشتغال، إن شاء الله.
    (*)
    (1/275)

    دام على دام وحدها، فتقول: " لا أصحبك ما قائما دام زيد " كما تقول: " لا أصحبك ما زيدا كلمت ".
    * * * كذاك سبق خبر ما النافية فجئ بها متلوة، لا تاليه (1) يعني أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على ما النافية، ويدخل تحت هذا قسمان، أحدهما: ما كان النفي شرطا في عمله، نحو " ما زال " وأخواتها، فلا تقول: " قائما ما زال زيد " وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس، والثاني: ما لم يكن النفي شرطا في عمله، نحو " ما كان زيد قائما " فلا تقول: " قائما ما كان زيد "،
    وأجازه بعضهم (2).
    ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير " ما " يجوز التقديم، فتقول: " قائما لم يزل زيد، ومنطلقا لم يكن عمرو " ومنعهما بعضهم (3)..
    __________
    (1) " كذاك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " سبق " مبتدأ مؤخر، وسبق مضاف، و " خبر " مضاف إليه، وهو من جهة أخرى فاعل لسبق " ما " مفعول به لسبق " النافية " صفة لما " فجئ " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بها " جار ومجرور متعلق بجئ " متلوة " حال من الضمير المجرور محلا بالباء " لا " عاطفة " تالية " معطوف على متلوة.
    (2) أصل هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو: هل تستوجب " ما " النافية أن تكون في صدر الكلام ؟ ذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تستوجب التصدير، وعلى هذا أجازوا أن يتقدم خبر الناسخ المنفى بها عليها مطلقا، ووافقهم ابنا كيسان والنحاس على جواز تقديم خبر الناسخ عليها إذا كان من النواسخ التي يشترط فيها النفي، لان نفيها حينئذ إيجاب فكأنه لم يكن، بخلاف النوع الثاني.
    (3) ذكر ابن مالك في شرح التسهيل أن الذي منع ذلك هو الفراء، وهذا المنع مردود بقول الشاعر: = (*)
    (1/276)

    ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما، نحو " ما قائما زال زيد " و " ما قائما كان زيد " ومنعه بعضهم.
    * * * ومنع سبق خبر ليس اصطفي، وذو تمام ما برفع يكتفي (1) وما سواه ناقص، والنقص في فتئ ليس زال دائما قفي (2) اختلف النحويون في جواز تقديم خبر " ليس " عليها، فذهب الكوفيون
    .
    __________
    = مه عاذلي فهائما لن أبرحا بمثل أو أحسن من شمس الضحى وقال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: إن ذلك جائز عند الجميع.
    (1) " ومنع " مبتدأ، ومنع مضاف، و " سبق " مضاف إليه، وسبق مضاف و " خبر " مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " ليس " قصد لفظه: مفعول به لسبق " اصطفى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " وذو " الواو للاستئناف، ذو: مبتدأ، وذو مضاف و " تمام " مضاف إليه " ما " اسم موصول خبر المبتدأ " برفع " جار ومجرور متعلق بيكتفي الآتي " يكتفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة، وجملة يكتفي وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    (2) " وما " اسم موصول مبتدأ " سواه " سوى: ظرف متعلق بمحذوف صلة ما، وسوى مضاف والهاء مضاف إليه " ناقص " خبر المبتدأ " والنقص " مبتدأ " في فتئ " جار ومجرور متعلق بقوله " قفى " الآتي " ليس، زال " معطوفان على " فتئ " بإسقاط حرف العطف " دائما " حال من الضمير المستتر في قوله " قفى " الآتي " قفى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على النقص، والجملة من قفى ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وهو " النقص ".
    وتقدير البيت: وما سوى ذي التمام ناقص، والنقص قفى - أي اتبع - حال كونه مستمرا في فتئ وليس وزال.
    (*)
    (1/277)

    والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين - ومنهم المصنف - إلى المنع وذهب أبو علي [ الفارسي ] وابن برهان إلى الجواز، فتقول: " قائما
    ليس زيد " واختلف النقل عن سيبويه، فنسب قوم إليه الجواز، وقوم المنع، ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها، وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها، كقوله تعالى: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) وبهذا استدل من أجاز تقديم خبرها عليها، وتقريره أن " يوم يأتيهم " معمول الخبر الذي هو " مصروفا " وقد تقدم على " ليس " قال: ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل (1).
    * * *.
    __________
    (1) هذه القاعدة ليست مطردة تمام الاطراد، وإن كان العلماء قد اتخذوها دليلا في كثير من المواطن، وجعلوها كالشئ المسلم به الذي لا يتطرق إليه النقض، ونحن نذكر لك عدة مواضع أجازوا فيها تقديم المعمول، ولم يجيزوا فيها تقديم العامل: الموضع الاول: إذا كان خبر المبتدأ فعلا، لم يجز البصريون تقديمه على المبتدأ، لئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل، فلا يقولون " ضرب زيد " على أن يكون في ضرب ضمير مستتر، وجملته خبر مقدم، لكن أجازوا تقديم معمول هذا الخبر على مبتدئه في نحو " عمرو ضرب زيدا ".
    فيقولون " زيدا عمرو ضرب ".
    الموضع الثاني: خبر إن - إذا لم يكن ظرفا أو جارا ومجرورا - لم يجيزوا تقديمه على اسمها، فلا يقولون: " إن جالس زيدا "، وأجازوا تقديم معموله على الاسم، فيقولون: " إن عندك زيدا جالس ".
    الموضع الثالث: الفعل المنفى بلم أو لن - نحو " لم أضرب، ولن أضرب " - لم يجيزوا تقديمه على النفي، وأجازوا تقديم معموله عليه، نحو " زيدا لن أضرب، وعمرا لم أصاحب ".
    الموضع الرابع: الفعل الواقع بعد إما الشرطية، لم يجيزوا إيلاءه لاما، وأجازوا إيلاء معموله لها، نحو قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر).
    = (*)
    (1/278)

    وقوله: " وذو تمام - إلى آخره " معناه أن هذه الافعال انقسمت إلى قسمين، أحدهما: ما يكون تاما وناقصا، والثاني ما لا يكون إناقصا، والمراد بالتام: ما يكتفي بمرفوعه، وبالناقص: ما لا يكتفي بمرفوعه، بل يحتاج معه إلى منصوب.
    وكل هذه الافعال يجوز أن تستعمل تامة، إلا " فتئ "، و " زال " التي مضارعها يزال، لا التي مضارعها يزول فإنها تامة، نحو " زالت الشمس " و " ليس " فإنها لا تستعمل إلا ناقصة.
    ومثال التام قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) أي: إن وجد ذو عسرة، وقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والارض) وقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون).
    * * * ولا يلي العامل معمول الخبر إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر (1)
    __________
    = والغرض من القاعدة التي أصلها هذا المستند: أن الغالب والكثير والاصل هو ألا يتقدم المعمول إلا حيث يجوز أن يتقدم العامل فيه، فلا يضر أن يجوز تقديم المعمول في بعض الابواب لنكتة خاصة به حيث لا يتقدم عامله، ولكل موضع من المواضع الاربعة نكتة لا تتسع هذه العجالة لشرحها.
    (1) " ولا " نافية " يلي " فعل مضارع " العامل " مفعول به ليلي مقدم على الفاعل " معمول " فاعل يلي، ومعمول مضاف و " الخبر " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ظرفا " حال مقدم على صاحبه، وهو الضمير المستتر في أتى " أتى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " معمول الخبر " السابق " أو " حرف عطف " حرف " معطوف على قوله " ظرفا " وحرف مضاف و " جر " مضاف إليه، وجملة = (*)
    (1/279)

    يعني أنه لا يجوز أن يلي " كان " وأخواتها معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور، وهذا يشمل حالين: أحدهما: أن يتقدم معمول الخبر [ وحده على الاسم ] ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم، نحو " كان طعامك زيد آكلا " وهذه ممتنعة عند البصريين، وأجازها الكوفيون.
    الثاني: أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم، ويتقدم المعمول على الخبر، نحو " كان طعامك آكلا زيد " وهي ممتنعة عند سيبويه، وأجازها بعض البصريين.
    ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم، وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة، لانه لم يل " كان " معمول خبرها، فتقول " كان آكلا طعامك زيد " ولا يمنعها البصريون.
    فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز إيلاؤه " كان " عند البصريين والكوفيين، نحو " كان عندك زيد مقيما، وكان فيك زيد راغبا ".
    * * * ومضمر الشأن اسما انو إن وقع موهم ما استبان أنه امتنع (1).
    __________
    = " أتى " وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يفصح عنه الكلام، وتقديره: فإنه يليه، وهذه الجملة كلها في موضع الاستثناء من مستثنى منه محذوف، وهو عموم الاوقات، وكأنه قال: لا يلي معمول الخبر العامل في وقت ما من الاوقات إلا في وقت مجيئه ظرفا أو حرف جر.
    (1) " مضمر " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " انو " الآتي، ومضمر مضاف و " الشأن " مضاف إليه " اسما " حال من مضمر " انو " فعل أمر، وفاعله
    ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " وقع " فعل ماض فعل الشرط، = (*)
    (1/280)

    يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي " كان " وأخواتها معمول خبرها فأوله على أن في كان " ضميرا مستترا هو ضمير الشأن، وذلك نحو قوله: 67 - قنافذ هداجون حول بيوتهم بما كان إياهم عطيه عودا.
    __________
    = مبني على الفتح في محل جزم، وسكن للوقف " موهم " فاعل وقع، وموهم مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " استبان " فعل ماض " أنه " أن: حرف توكيد ونصب، والهاء ضمير الغائب اسمها مبني على الضم في محل نصب " امتنع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر أن، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر فاعل لاستبان، وتقديره: استبان امتناعه، وجملة " استبان " وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    وتقدير البيت: وانو مضمر الشأن حال كونه اسما لكان إن وقع في بعض الكلام ما يوهم الامر الذي وضح امتناعه، وهو إيلاء كان معمول خبرها.
    67 - البيت للفرزدق، من كلمة يهجو فيها جريرا وعبد القيس، وهي من النقائض بين جرير والفرزدق، وأولها قوله: رأى عبد قيس خفقة شورت بها يدا قابس ألوى بها ثم أخمدا اللغة: " قنافذ " جمع قنفذ، وهو بضمتين بينهما سكون، أو بضم القاف وسكون النون وفتح الفاء، وآخره ذال معجمة أو دال مهملة حيوان يضرب به المثل في السرى، فيقال: هو أسرى من القنفذ، وقالوا أيضا " أسرى من أنقد "
    وأنقد: اسم للقنفذ، ولا ينصرف ولا تدخله الالف واللام، كقولهم للاسد: أسامة، وللذئب: ذؤالة، قاله الميداني (1 / 239 الخيرية) ثم قال: " والقنفذ لا ينام الليل، بل يجول ليله أجمع " اه، ويقال في مثل آخر " بات فلا بليل أنقد " وفي مثل آخر " اجعلوا ليلكم ليل أنقد " وذكر مثله العسكري في جمهرة الامثال (بهامش الميداني 2 / 7) " هداجون " جمع هداج وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان، والهدجان بفتحات - ومثله الهدج - بفتح فسكون - مشية الشيخ، أو مشية فيها = (*)
    (1/281)

    .
    __________
    = ارتعاش، وباب فعله ضرب، ويروى " قنافذ دراجون " والدراج: صيغة مبالغة أيضا من " درج الصبي والشيخ " - من باب دخل - إذا سار سيرا متقارب الخطو " عطية " هو أبو جرير.
    المعنى: يريد وصفهم بأنهم خونة فجار، يشبهون القنافذ حيث يسيرون بالليل طلبا للسرقة أو للدعارة والفحشاء، وإنما السبب في ذلك تعويد أبيهم إياهم ذلك.
    الاعراب: " قنافذ " خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم قنافذ، وأصله هم كالقنافذ، فحذف حرف التشبيه مبالغة " هداجون " صفة لقنافذ، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لانه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد " حول " ظرف مكان متعلق بهداجون، وحول مضاف، وبيوت من " بيوتهم " مضاف إليه، وبيوت مضاف والضمير مضاف إليه " بما " الباء حرف جر، وما: يحتمل أن تكون موصولا اسميا، والاحسن أن تكون موصولا حرفيا " كان " فعل ماض ناقص " إياهم " إيا: مفعول مقدم على عامله، وهو عود، وستعرف ما فيه، وقوله " عطية " اسم كان " عودا " فعل ماض، مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عطية، وجملة الفعل والفاعل في محل نصبخبر " كان ".
    وهذا الاعراب إنما هو بحسب الظاهر، وهو الذي يعرب الكوفيون البيت عليه ويستدلون به، وهو إعراب غير مرضي عند جمهرة علماء النحو من البصريين، وستعرف الاعراب المقبول عندهم عند بيان الاستشهاد بالبيت.
    الشاهد فيه: قوله " بما كان إياهم عطية عودا " حيث إن ظاهره يوهم أن الشاعر قد قدم معمول خبر كان وهو " إياهم " على اسمها وهو " عطية " مع تأخير الخبر وهو جملة " عود " عن الاسم أيضا، فلزم أن يقع معمول الخبر بعد الفعل ويليه، هذا هو ظاهر البيت، والقول بجواز هذا الظاهر هو مذهب الكوفيين، وهم يعربون البيت على الوجه غير المرضي الذي ذكرناه في الاعراب، والبصريون يأبون ذلك ويمنعون أن يكون " عطية " اسم كان، ولهم في البيت ثلاثة توجيهات: أحدها: وهو الذي ذكره الشارح العلامة تبعا للمصنف، أن اسم كان ضمير الشأن وقوله " عطية " مبتدأ، وجملة " عودا " في محل رفع خبر المبتدأ، وإياهم: = (*)
    (1/282)

    فهذا ظاهره أنه مثل " كان طعامك زيد آكلا " ويتخرج على أن في " كان " ضميرا مستترا هو ضمير الشأن [ وهو اسم كان ].
    __________
    = مفعول به لعود، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب خبر كان، فلم يتقدم معمول الخبر على الاسم لان اسم كان مضمر يلي العامل.
    والتوجيه الثاني: أن " كان " في البيت زائدة، و " عطية عود " مبتدأ وخبر، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وهو " ما "، أي بالذي عطية عود هموه.
    والثالث: أن اسم " كان " ضمير مستتر يعود على " ما " الموصولة، وجملة عطية عود من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر كان، وجملة كان ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    والعائد - على هذا التوجيه والذي قبله محذوف تقديره هنا: بما كان عطية عود هموه ومنهم من يقول: هذا البيت من الضرورات التي تباح للشاعر، ولا يجوز لاحد من المتكلمين أن يقيس في كلامه عليها.
    قال المحققون من العلماء: والقول بالضرورة متعين في قول الشاعر، ولم نقف على اسمه: باتت فؤادي ذات الخال سالبة فا لعيش إن حم لي عيش من العجب فذات الخال: اسم بات، وسالبة: خبره، وفيه ضمير مستتر هو فاعله يعود على ذات الخال، وفؤادي: مفعول به مقدم على عامله الذي هو قوله سالبة، وزعموا أنه لا يمكن في هذا البيت أن يجري على إحدى التوجيهات السابقة، ومثله قول الآخر: لئن كان سلمى الشيب بالصد مغريا لقد هون السلوان عنها التحلم فالشيب: اسم كان، ومغريا خبره، وفيه ضمير مستتر يعود على الشيب هو فاعله وسلمى مفعول به لمغريا تقدم على اسم كان، ولا تتأتى فيه التوجيهات السابقة.
    ومن العلماء من خرج هذين البيتين تخريجا عجيبا، فزعم أن " فؤادي " منادى بحرف نداء محذوف، وكذلك " سلمى " وكأن الشاعر قد قال: باتت يا فؤادي ذات الخال سالبة إياك، ولئن كان يا سلمى الشيب مغريا إياك بالصد، وجملة النداء في البيتين لا محل لها معترضة بين العامل ومعموليه.
    (*)
    (1/283)

    ومما ظاهره أنه مثل " كان طعامك آكلا زيد " قوله: 68 - فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى تلقي المساكين
    __________
    68 - البيت لحميد الارقط، وكان بخيلا، فنزل به أضياف، فقدم لهم تمرا، والبيت من شواهد كتاب سيبويه (ج 1 ص 35) وقبله قوله:
    باتوا وجلتنا الصهباء بينهم كأن أظفارهم فيها السكاكين اللغة: " جلتنا " بضم الجيم وتشديد اللام مفتوحة - وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيه، وجمعه جلل - بوزن غرفة وغرف - ويجمع أيضا على جلال، وهي عربية معروفة " الصهباء " يريد أن لونها الصهبة، قال الاعلم في شرح شواهد سيبويه: الجلة قفة التمر تتخذ من سعف النخل وليفه، فلذلك وصفها بالصهبة، اه، " فأصبحوا " دخلوا في الصباح " معرسهم " اسم كان من " عرس بالمكان " - بتشديد الراء مفتوحة - أي نزل به ليلا.
    المعنى: يصف أضيافا نزلوا به فقراهم تمرا، يقول: لما أصبحوا ظهر على مكان نزولهم نوى التمر كومة مرتفعة، مع أنهم لم يكونوا يرمون كل نواة يأكلون تمرتها، بل كانوا يلقون بعض النوى ويبلعون بعضا، إشارة إلى كثرة ما قدم لهم منه، وكثرة ما أكلوا، ووصفهم بالشره.
    الاعراب: " فأصبحوا " فعل وفاعل " و " حالية " النوى " مبتدأ " عالي " خبره، وعالي مضاف ومعرس من " معرسهم " مضاف إليه، ومعرس مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من الواو في أصبحوا " ليس " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير الشأن " كل " مفعول به مقدم لقوله " تلقي " وكل مضاف، و " النوى " مضاف إليه " تلقي " فعل مضارع " المساكين " فاعل تلقي، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، وهذا الاعراب جار على الذي اختاره العلماء كما ستعرف.
    الشاهد فيه: قوله " وليس كل النوى تلقي المساكين " ولكي يتضح أمر الاستشهاد بهذا البيت تمام الاتضاح نبين لك أولا أنه يروى برفع كل وبنصبه، ويروى " يلقي المساكين " بياء المضارعة كما يروى " تلقي المساكين " بالتاء، فهذه أربع روايات.
    = (*)
    (1/284)

    .
    __________
    = أما رواية رفع " كل " - سواء أكانت " وليس كل النوى يلقي المساكين " - أم كانت " وليس كل النوى تلقي المساكين " فليس فعل ماض ناقص، وكل: اسم ليس، وكل مضاف، والنوى: مضاف إليه، ويلقي أو تلقي: فعل مضارع، والمساكين: فاعله، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، ولا شاهد في هذا البيت على هاتين الروايتين لما نحن فيه، وليس فيه إيهام لامر غير جائز، غير أن الكلام يحتاج إلى تقدير ضمير يربط جملة خبر ليس باسمها، وأصل الكلام: وليس كل النوى يلقيه المساكين، أو تلقيه المساكين.
    فإن قلت: كيف جاز أن يروى " تلقيه المساكين " بتأنيث الفعل مع أن فاعله مذكر، إذ المساكين جمع مسكين.
    فالجواب عن ذلك: أن المساكين جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز في فعله التذكير والتأنيث بإجماع النحاة بصريهم وكوفيهم، سواء أكان مفرد جمع التكسير مذكرا أم كان مفرده مؤنثا، ومن ورود فعله مؤنثا - مع أن مفرده مذكر - قول الله تعالى: (قالت الاعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا) فإن مفرد الاعراب أعرابي.
    وأما رواية نصب كل والفعل " يلقي " بياء المضارعة، فليس: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير شأن محذوف، وكل مفعول مقدم ليلقي، وكل مضاف والنوى: مضاف إليه، ويلقي: فعل مضارع، والمساكين: فاعله، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، ولا يجوز في البيت على هذه الرواية غير هذا الوجه من الاعراب، نعني أنه لا يجوز أن يكون قوله المساكين اسم ليس مؤخرا، ويلقي فعلا مضارعا فاعله ضمير مستتر يعود إلى المساكين، وجملة يلقي وفاعله في محل نصب خبر ليس تقدم على اسمها.
    فإن قلت: فلم لا يجوز أن يكون المضارع مسندا إلى ضمير مستتر يعود إلى المساكين إذا روى البيت " وليس كل النوى يلقي المساكين " بنصب كل ؟ فالجواب أن ننبهك إلى أن الفعل المسند إلى ضمير يعود إلى جمع التكسير لا يجوز أن يكون كفعل الواحد المذكر، فأنت لا تقول: الاعراب قال، ولا تقول: المساكين يلقي، وإنما يجوز فيه حينئذ أن يكون ضمير الجماعة: فتقول: الاعراب قالوا، وتقول = (*)
    (1/285)

    .
    __________
    المساكين يلقون، ويجوز فيه أن يكون مثل فعل الواحد المؤنث، فتقول: الاعراب قالت: أو تقول: المساكين ألقت أو تلقي، وكذا إذا تقدم الفعل وأسند إلى ضمير جمع التكسير المؤخر عنه يجب أن تقول: يلقون المساكين، أو تقول: تلقون المساكين، أو يقول تلقي المساكين، فلما لم يقل شيئا من ذلك علمنا أنه أسنده إلى الاسم الظاهر بعده.
    وأما رواية نصب " كل " والفعل " تلقي " بالتاء الفوقية فالكوفيون يعربونها هكذا - كل: مفعول مقدم لتلقي، وكل مضاف والنوى: مضاف إليه، وتلقي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المساكين، والجملة من الفعل وفاعله المستتر فيه في محل نصب خبر ليس تقدم على اسمه، والمساكين: اسم ليس تأخر عن خبره، ويستدل الكوفيون بهذا البيت - على هذا الاعراب - على أنه يجوز أن يقع بعد ليس وأخواتها معمول خبرها إذا كان خبرها مقدما على اسمها، كما في البيت.
    والبصريون يقولون: إن هذا الاعراب غير لازم في هذا البيت، وعلى هذا لا يكون البيت دليلا على ما زعمتم، والاعراب الذي نراه هو أن يكون ليس فعلا ناقصا، واسمه ضمير شأن محذوف، وكل: مفعول مقدم لتلقي، والنوى: مضاف إليه، وتلقي فعل مضارع، والمساكين: فاعله، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ليس، والتقدير: وليس (هو: أي الحال والشأن) كل النوى تلقي المساكين، فلم يقع بعد
    ليس معمول خبرها عند التحقيق، بل الواقع بعدها هو اسمها المحذوف وموضعه بعدها وإذا علمت هذا فاعلم أن ابن الناظم قد استشهد بهذا البيت لمذهب الكوفيين على الوجه الذي ذكرناه عنهم من الاعراب، فأنكر العيني عليه ذلك، وقال: وهذا وهم منه، لانه لو كان المساكين اسم ليس لقال " يلقون المساكين " كما تقول: قاموا الزيدون، على أن الجملة من الفعل وفاعله خبر مقدم، والاسم بعدها مبتدأ مؤخر، والبيت لم يرو إلا " يلقي المساكين " بالياء التحتية، واسم ليس في هذا البيت ضمير الشأن عند الكوفيين والبصريين، اه كلامه بحروفه.
    والعبد الضعيف غفر الله له ولوالديه ! - يرى أن في كلام العيني هذا تحاملا على ابن الناظم لا يقره الانصاف، وأن فيه خللا من عدة وجوه.
    = (*)
    (1/286)

    - إذا قرئ بالتاء المثناة من فوق - فيخرج البيتان على إضمار الشأن: والتقدير في الاول " بما كان هو " أي: الشأن، فضمير الشأن اسم كان،.
    __________
    = الاول: أن قوله " والبيت لم يرو إلا يلقي المساكين بالياء التحتية " غير صحيح، فقد علمت أنه يروى بالياء التحتية والتاء الفوقية، وهذه عبارة الشارح العلامة تنادي بأنه قد روى بالتاء، وأن الاستشهاد بالبيت لمذهب الكوفيين إنما يتجه على رواية التاء، فكان عليه أن يمسك عن تخطئته في الرواية، لان الرواية ترجع إلى الحفظ لا إلى العقل، ولا شك أنه اطلع على كلام شارحنا لانه شرح شواهده.
    الثاني: في قوله " ولو كان المساكين اسم ليس لقال يلقون المساكين " ليس بصواب، إذ لا يلزم على كون المساكين اسم ليس أن يقول الشاعر: يلقون المساكين، بل يجوز له أن يقول ذلك، وأن يقول: تلقي المساكين، كما بينا لك، وقد قال العبارة الثانية على رواية الجماعة من أثبات العلماء.
    الثالث: أن تنظيره بقوله " كما تقول قاموا الزيدون، على أن الجملة خبر مقدم
    والاسم بعدها مبتدأ مؤخر " ليس تنظيرا صحيحا، لان الاسم في الكلام الذي نظر به جمع مذكر سالم، ومذهب البصريين أنه لا يجوز في فعله إلا التذكير، فلم يتم له التنظير، والله يغفر لنا وله ! ! ومن مجموع ما قدمنا ذكره من الكلام على هذا البيت تتبين لك خمسة أمور: الاول: أن ثلاث روايات لا يجوز على كل رواية منها في البيت إلا وجه واحد من وجوه الاعراب.
    الثاني: أنه لا شاهد في البيت لمذهب الكوفيين على كل رواية من هذه الروايات الثلاث.
    الثالث: أن استشهاد الكوفيين بالبيت على ما ذهبوا إليه لا يجوز إلا على الرواية الرابعة، وهي " وليس كل النوى تلقي المساكين ".
    الرابع: أن البيت يحتمل على الرواية الرابعة وجها من الاعراب غير ما أعربه عليه الكوفيون.
    الخامس: أن استدلال الكوفيين بالبيت لم يتم، لان الدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، وأنت خبير أن الاستدلال والاستشهاد غير التمثيل.
    (*)
    (1/287)

    وعطية: مبتدأ، وعود: خبره، وإياهم: مفعول عود، والجملة من المبتدأ وخبره خبر كان، فلم يفصل بين " كان " واسمها معمول الخبر، لان اسمها مضمر قبل المعمول.
    والتقدير في البيت الثاني " وليس هو " أي: الشأن، فضمير الشأن اسم ليس، وكل [ النوى ] منصوب بتلقي، وتلقي المساكين: فعل وفاعل [ والمجموع ] خبر ليس، هذا بعض ما قيل في البيتين.
    * * * وقد تزاد كان في حشو: كما كان أصح علم من تقدما (1)
    كان على ثلاثة أقسام، أحدها: الناقصة، والثاني: التامة، وقد تقدم ذكرهما والثالث: الزائدة، وهي المقصودة بهذا البيت، وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين: كالمبتدأ وخبره، نحو " زيد كان قائم " والفعل ومرفوعه، نحو " لم يوجد كان مثلك " والصلة والموصول، نحو " جاء الذي كان أكرمته " والصفة والموصوف، " مررت برجل كان قائم " وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف " وقد تزاد كان في حشو " وإنما تنقاس زيادتها بين " ما ".
    __________
    (1) " وقد " حرف تقليل " تزاد " فعل مضارع مبني للمجهول " كان " قصد لفظه: نائب فاعل تزاد " في حشو " جار ومجرور متعلق بتزاد " كما " الكاف جارة لقول محذوف " ما " تعجبية، وهي نكرة تامة مبتدأ، وسوغ الابتداء بها ما فيها من معنى التعجب " كان " زائدة " أصح " فعل ماض فعل تعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على ما التعجبية " علم " مفعول به لاصح، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر المبتدأ، وعلم مضاف و " من " اسم موصول مضاف إليه " تقدما " فعل ماض، والالف للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة، والجملة من تقدم وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    (*)
    (1/288)

  3. #3
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 6

    وفعل التعجب، نحو " ما كان أصح علم من تقدما (1) " ولا تزاد في غيره إلا سماعا.
    وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه، كقولهم (2): ولدت فاطمة بنت الخرشب الانمارية الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم.
    و [ قد ] سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله: 69 - فكيف إذا مررت بدار قوم وجيران لنا كانوا كرام
    .
    __________
    (1) مما ورد من زيادتها بين " ما " التعجبية وفعل التعجب قول الشاعر: لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل ونظيره قول الحماسي (انظر شرح التبريزي 3 / 22 بتحقيقنا): أبا خالد ما كان أوهى مصيبة أصابت معدا يوم أصبحت ثاويا وقول امرئ القيس بين حجر الكندي (وهو الشاهد رقم 249 الآتي في هذا الكتاب): أرى أم عمر ودمعها قد تحدرا بكاء على عمرو، وما كان أصبرا إذا قدرت الكلام وما كان أصبرها، وقول عروة ابن أذينة: ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا غضا، وأطيب في آصالك الاصلا (2) قائل هذا الكلام هو قيس بن غالب، في فاطمة بنت الخرشب، من بني أنمار ابن بغيض بن ريث بن غطفان، وأولادها هم: أنس الفوارس، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ وربيع الكامل، وأبوهم زياد العبسي، وكان كل واحد منهم نادرة أقرانه شجاعة وبسالة ورفعة شأن.
    69 - البيت للفرزدق، من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عبد الملك - وقيل: يمدح سليمان بن عبد الملك - وقد أنشده سيبويه (ج 1 ص 189) ببعض تغيير.
    الاعراب: " كيف " اسم استفهام أشرب معنى التعجب، وهو مبني على الفتح في = (*)
    (1/289)

    .
    __________
    = محل نصب حال من فاعل هو ضمير مستتر في فعل محذوف، وتقدير الكلام: كيف أكون، مثلا " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " مررت " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " بدار " جار ومجرور متعلق بمررت، ودار مضاف و " قوم " مضاف إليه " وجيران " معطوف على دار قوم " لنا " جار ومجرور متعلق
    بمحذوف صفة لجيران " كانوا " زائدة وستعرف ما فيه " كرام " صفة لجيران مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
    الشاهد فيه: قوله " وجيران لنا كانوا كرام " حيث زيدت " كانوا " بين الصفة وهي قوله " كرام " والموصوف وهو قوله " جيران ".
    هذا مقتضى كلام الشارح العلامة، وهو ما ذهب إليه إمام النحاة سيبويه، لكن قال ابن هشام في توضيحه: إن شرط زيادة " كان " أن تكون وحدها، فلا تزاد مع اسمها، وأنكر زيادتها في هذا البيت، وهو تابع في هذا الكلام لابي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنه منع زيادة كان في هذا البيت، على زعمه أنها إنما تزاد مفردة لا اسم لها ولا خبر، وخرج هذا البيت على أن قوله " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان مقدم عليها، والواو المتصلة بها اسمها، وغاية ما في الباب أن الشاعر فصل بين الصفة وموصوفها بجملة كاملة من كان واسمها وخبرها، وقدم خبر كان على اسمها، وتقدير الكلام - على هذا - وجيران كرام كانوا لنا.
    والذي ذهب إليه سيبويه أولى بالرعاية، لان اتصالها باسمها لا يمنع من زيادتها، ألا ترى أنهم يلغون " ظننت " متأخرة ومتوسطة، ولا يمنعهم إسنادها إلى اسمها من إلغائها، ثم المصير إلى تقديم خبر " كان " عليها والفصل بين الصفة وموصوفها عدول عما هو أصل إلى شئ غيره.
    قال سيبويه: " وقال الخليل: إن من أفضلهم كان زيدا، على إلغاء كان، وشبهه بقوله الشاعر: * وجيران لنا كانوا كرام * " اه وقال الاعلم: " الشاهد فيه إلغاء كان وزيادتها توكيدا وتبيينا لمعنى المضي، والتقدير وجيران لنا كرام كانوا كذلك " اه.
    = (*)
    (1/290)

    وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره، كقوله: 70 - سراة بني أبي بكر تسامى على كان المسومة العراب.
    __________
    = هذا، ومن شواهد زيادة " كان " بين الصفة وموصوفها - من غير أن تكون متصلة باسمها - قول جابر الكلابي (وانظر معجم البلدان مادة كتيفة): وماؤكما العذب الذي لو شربته شفاء لنفس كان طال اعتلالها فإن جملة " طال اعتلالها " في محل جر صفة لنفس، وقد زاد بينهما " كان ".
    70 - أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل، ولم يعرف العلماء له قائلا، ويروى المصراع الاول منه: * جياد بني أبي بكر تسامى * اللغة: " سراة " جمع سرى، وهو جمع عزيز، فإنه يندر جمع فعيل على فعلة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس النفيس " تسامى " أصله تتسامى - بتاءين - فحذف إحداهما تخفيفا " المسومة " الخيل التي جعلت لها علامة ثم تركت في المرعى " العراب " هي خلاف البراذين والبخاتي، ويروى: * على كان المطهمة الصلاب * والمطهمة: البارعة التامة في كل شئ، والصلاب: جمع صلب، وهو القوي الشديد.
    المعنى: من رواه " سراة بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن سادات بني أبي بكر يركبون الخيول العربية التي جعلت لها علامة تتميز بها عما عداها من الخيول.
    ومن رواه " جياد بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن خيول بني أبي بكر لتسمو قيمتها ويرتفع شأنها على جميع ما عداها من الخيول العربية، يريد أن جيادهم أفضل الجياد وأعلاها.
    الاعراب: " جياد " مبتدأ، وجياد مضاف، و " بني " مضاف إليه، وبني
    مضاف و " أبي " مضاف إليه، وأبي مضاف، و " بكر " مضاف إليه " تسامى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى جياد، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " على " حرف جر " كان " زائدة " المسومة " مجرور بعلى " العراب " نعت للمسومة، والجار والمجرور متعلق بقوله تسامى.
    = (*)
    (1/291)

    وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل بن أبي طالب: 71 - أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمأل بليل * * *.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " على كان المسومة " حيث زاد " كان " بين الجار والمجرور، ودليل زيادتها أن حذفها لا يخل بالمعنى.
    71 - البيت - كما قال الشارح - لام عقيل بن أبي طالب، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي زوج أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقوله وهي ترقص ابنها عقيلا، ويروى بيت الشاهد مع ما قبله هكذا: إن عقيلا كاسمه عقيل وبيبي الملفف المحمول أنت تكون السيد النبيل إذا تهب شمأل بليل * يعطي رجال الحي أو ينيل * اللغة: " ماجد " كريم " نبيل " فاضل شريف " تهب " مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا، إذا هاجت " شمأل " هي ريح تهب من ناحية القطب " بليل " رطبة ندية.
    الاعراب: " أنت " ضمير منفصل مبتدأ " تكون " زائدة " ماجد " خبر
    المبتدأ " نبيل " صفة لماجد " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " تهب " فعل مضارع " شمأل " فاعل تهب " بليل " نعت لشمأل، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل حينئذ.
    الشاهد فيه: قولها " أنت تكون ماجد " حيث زادت المضارع من " كان " بين المبتدأ وخبره، والثابت زيادته إنما هو الماضي دون المضارع، لان الماضي لما كان مبنيا أشبه الحرف، وقد علمنا أن الحروف تقع زائدة، كالباء، وقد زيدت الباء في المبتدأ في نحو " بحسبك درهم " وزيدت في خبر ليس في نحو قوله تعالى (أليس الله = (*)
    (1/292)

    ويحذفونها ويبقون الخبر وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر (1) تحذف " كان " مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن، كقوله:.
    __________
    = بكاف عبده) ونحو ذلك، فأما المضارع فهو معرب، فلم يشبه الحرف، بل أشبه الاسم، فتحصن بذلك عن أن يزاد، كما أن الاسماء لا تزاد إلا شذوذا، وهذا إيضاح كلام الشارح وتخريج كلامه وتعليله.
    والقول بزيادة " تكون " شذوذا في هذا البيت قول ابن الناظم وابن هشام وتبعهما من جاء بعدهما من شراح الالفية، وهما تابعان في ذلك لابن السيد وأبي البقاء.
    ومما استدل به على زيادة " تكون " بلفظ المضارع قول حسان بن ثابت: كأنه سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء روياه برفع " مزاجها عسل وماء " على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لسبيئة وزعما أن " يكون " زائدة.
    والرد على ذلك أن الرواية بنصب " مزاجها " على أنه خبر يكون مقدما، ورفع
    " عسل وماء " على أنه اسم يكون مؤخر، ولئن سلمنا رواية رفعهما فليس يلزم عليها زيادة يكون، بل هي عاملة، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب خبرها.
    وكذلك بيت الشاهد، ليست " تكون " فيه زائدة، بل هي عاملة، واسمها ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وخبرها محذوف، والجملة لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره، والتقدير: أنت ماجد نبيل تكونه.
    (1) " يحذفونها " فعل مضارع، وواو الجماعة فاعله، وها العائد على كان مفعول به " ويبقون " الواو حرف عطف، يبقون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعله " الخبر " مفعول به ليبقون " وبعد " ظرف متعلق بقوله اشتهر الآتي، وبعد مضاف و " إن " قصد لفظه مضاف إليه " ولو " معطوف على إن " كثيرا " حال من الضمير المستتر في اشتهر " ذا " اسم إشارة مبتدأ " اشتهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " ذا " الواقع مبتدأ، والجملة من اشتهر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/293)

    72 - قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا فما اعتذارك من قول إذا قيلا ؟.
    __________
    72 - البيت للنعمان بن المنذر ملك العرب في الحيرة، من أبيات يقولها في الربيع ابن زياد العبسي، وهو من شواهد سيبويه (1 / 131) ونسب في الكتاب لشاعر يقوله للنعمان، ولم يتعرض الاعلم في شرح شواهده إلى نسبته بشئ، والمشهور ما ذكرنا أولا من أن قائله هو النعمان بن المنذر نفسه في قصة مشهورة تذكر في أخبار لبيد.
    الاعراب: " قد " حرف تحقيق " قيل " فعل ماض مبني للمجهول " ما " اسم
    موصول نائب فاعل " قيل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " إن " شرطية " صدقا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " إن كان المقول صدقا " " وإن كذبا " مثل قوله " إن صدقا " وكان المحذوفة في الموضعين فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف في الموضعين لدلالة سابق الكلام عليه " فما " اسم الاستفهام مبتدأ " اعتذارك " اعتذار: خبر المبتدأ، واعتذار مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه " من قول " جار ومجرور متعلق باعتذار " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قيلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قول، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب " إذا " محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقديره: إذا قيل قول فما اعتذارك منه.
    الشاهد فيه: قوله " إن صدقا، وإن كذبا " حيث حذف " كان " مع اسمها وأبقى خبرها بعد " إن " الشرطية، وذلك كثير شائع مستساغ، ومثله قول ليلى الاخيلية (انظره في أمالي القالي 1 / 248 ثم انظر اعتراضا عليه في التنبيه 88): لا تقربن الدهر آل مطرف إن ظالما - أبدا - وإن مظلوما وقول النابغة الذبياني: حدبت علي بطون ضنة كلها إن ظالما فيهم وإن مظلوما وقول ابن همام السلولي: وأحضرت عذري عليه الشهود إن عاذرا لي وإن تاركا = (*)
    (1/294)

    التقدير: " إن كان المقول صدقا، وإن كان المقول كذبا " وبعد لو (1)، كقولك: " ائتني بداب ولو حمارا " أي: " ولو كان الماتي به حمارا ".
    وقد شذ حذفها بعد لدن، كقوله: 73 - * من لد شولا فإلى إتلائها * [ التقدير: من لد أن كانت شولا ].
    * * *.
    __________
    = وكذا يكثر حذفها مع اسمها بعد " لو " كما قرره الشارح العلامة، وعليه قول الشاعر: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا جنوده ضاق عنها السهل والجبل (1) ومن ذلك ما ورد في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " التمس ولو خاتما من حديد " التقدير: ولو كان ملتمسك خاتما من حديد، والبيت الذي أنشدناه في آخر شرح الشاهد رقم 72.
    73 - هذا كلام تقوله العرب، ويجري بينها مجرى المثل، وهو يوافق بيتا من مشطور الرجز، وهو من شواهد سيبويه (1 / 134) ولم يتعرض أحد من شراحه إلى نسبته لقائله بشئ.
    اللغة: " شولا " قيل: هو مصدر " شالت الناقة بذنبها " أي رفعته للضراب، وقيل: هو اسم جمع لشائلة - على غير قياس - والشائلة: الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها " إتلائها " مصدر " أتلت الناقة " إذا تبعها ولدها، الاعراب: " من لد " جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: ربيتها من لد - مثلا " شولا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " من لد أن كانت الناقة شولا " " فإلى " الفاء حرف عطف، وإلى: حرف جر " إتلائها " إتلاء: مجرور بإلى، وإتلاء مضاف وها مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف بالفاء على متعلق الجار والمجرور الاول، وتقدير الكلام: رببت هذه الناقة من لد كانت شولا فاستمر ذلك إلى إتلائها.
    = (*)
    (1/295)

    وبعد " أن " تعويض " ما " عنها ارتكب كمثل " أما أنت برا فاقترب " (1) ذكر في هذا البيت أن " كان " تحذف بعد " أن " المصدرية ويعوض عنها " ما " ويبقى اسمها وخبرها، نحو " أما أنت برا فاقترب " والاصل " أن كنت برا فاقترب " فحذفت " كان " فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء، فصار " أن أنت برا " ثم أتى ب " ما " عوضا عن " كان "، فصار.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " من لد شولا " حيث حذف " كان " واسمها وأبقى خبرها وهو " شولا " بعد لد، وهذا شاذ، لانه إنما يكثر هذا الحذف بعد " إن، ولو " كما سبق، هذا بيان كلام الشارح العلامة وأكثر النحويين، وهو المستفاد من ظاهر كلام سيبويه.
    وفي الكلام توجيه آخر، وهو أن يكون قولهم " شولا " مفعولا مطلقا لفعل محذوف، والتقدير " من لد شالت الناقة شولا " وبعض النحويين يذكر فيه إعرابا ثالثا وهو أن يكون نصب " شولا " على التمييز أو التشبيه بالمفعول به، كما ينتصب لفظ " غدوة " بعد " لدن " وعلى هذين التوجيهين لا يكون في الكلام شاهد لما نحن فيه، وراجع هذه المسألة وشرح هذا الشاهد في شرحنا على شرح أبي الحسن الاشموني في (ج 1 ص 386 الشاهد رقم 206) تظفر ببحث ضاف واف.
    (1) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " ارتكب " الآتي، وبعد مضاف، و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " تعويض " مبتدأ، وتعويض مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " عنها " جار ومجرور متعلق بتعويض " ارتكب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض، والجملة من ارتكب ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، " كمثل " الكاف زائدة، مثل: خبر
    لمبتدأ محذوف " أما " هي أن المصدرية المدغمة في ما الزائدة المعوض بها عن كان المحذوفة " أنت " اسم كان المحذوفة " برا " خبر كان المحذوفة " فاقترب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (*)
    (1/296)

    " أن ما أنت برا " [ ثم أدغمت النون في الميم، فصار " أما أنت برا " ]، ومثله قول الشاعر: 74 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع.
    __________
    74 - البيت للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة أبا خراشة، وهو من شواهد سيبويه (ج 1 ص 148) وخفاف - بزنة غراب - شاعر مشهور، وقارس مذكور، من فرسان قيس، وهو ابن عم صخر ومعاوية وأختهما الخنساء الشاعرة المشهورة، وندبة - بضم النون أو فتحها - أمه، واسم أبيه عمير.
    اللغة: " ذا نفر " يريد ذا قوم تعتز بهم وجماعة تمتلئ بهم فخرا " الضبع " أصله الحيوان المعروف، ثم استعملوه في السنة الشديدة المجدبة، قال حمزة الاصفهاني: إن الضبع إذا وقعت في غنم عاثت، ولم تكتف من الفساد بما يكتفي به الذئب، ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارت العرب اسمها للسنة المجدبة، فقالوا: أكلتنا الضبع.
    المعنى: يا أبا خراشة، إن كنت كثير القوم، وكنت تعتز بجماعتك فإن قومي موفورون كثيرو العدد لم تأكلهم السنة الشديدة المجدبة، ولم يضعفهم الحرب ولم تنل منهم الازمات الاعراب: " أبا " منادى حذفت منه ياء النداء، وأبا مضاف، و " خراشة " مضاف إليه " أما " هي عبارة عن أن المصدرية المدغمة في " ما " الزائدة النائبة عن " كان " المحذوفة " أنت " اسم لكان المحذوفة، " ذا " خبر كان المحذوفة، وذا مضاف و " نفر " مضاف إليه " فإن " الفاء تعليلية، إن حرف توكيد ونصب " قومي " قوم اسم إن، وقوم مضاف والياء ضمير المتكلم مضاف إليه " لم " حرف نفي وجزم وقلب
    " تأكلهم " تأكل: فعل مضارع مجزوم بلم والضمير مفعول به لتأكل " الضبع " فاعل تأكل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر " إن ".
    الشاهد فيه: قوله " أما أنت ذا نفر " حيث حذف " كان " التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وعوض عنها " ما " الزائدة وأدغمها في نون أن المصدرية وأبقى اسم " كان " وهو الضمير البارز المنفصل، وخبرها وهو قوله " ذا نفر ".
    وأصل الكلام عند البصريين: فخرت على لان كنت ذا نفر، فحذفت لام التعليل ومتعلقها، فصار الكلام: أن كنت ذا نفر، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال قصدا إلى التخفيف، فانفصل الضمير الذي كان متصلا بكان لانه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير = (*)
    (1/297)

    فأن: مصدرية، وما: زائدة عوضا عن " كان "، وأنت: اسم كان المحذوفة، وذا نفر: خبرها، ولا يجوز الجمع بين كان وما، لكون " ما " عوضا عنها، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض، وأجاز ذلك المبرد، فيقول " أما كنت منطلقا انطلقت " (1).
    ولم يسمع من لسان العرب حذف " كان " وتعويض " ما " عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف، ولم يسمع مع ضمير المتكلم، نحو " أما أنا منطلقا انطلقت " والاصل " أن كنت منطلقا " ولا مع الظاهر، نحو " أما زيد ذاهبا انطلقت " والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب، والاصل " أن كان زيد ذاهبا انطلقت " وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه ب " أما زيد ذاهبا ".
    * * * ومن مضارع لكان منجزم تحذف نون، وهو حذف ما التزم (2).
    __________
    = ثم عوض من كان بما الزائدة، فالتقى حرفان متقاربان - وهما نون أن المصدرية وميم
    ما الزائدة - فأدغمهما، فصار الكلام: أما أنت ذا نفر.
    هذا، وقد روى ابن دريد وأبو حنيفة الدينوري في مكان هذه العبارة " إما كنت ذا نفر " وعلى روايتهما لا يكون في البيت شاهد لما نحن فيه الآن.
    ومن شواهد المسألة قول الشاعر: إما أقمت وأما أنت مرتحلا فالله يكلا ما تأتي وما تذر (1) ادعاء أنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه لا يتم على الاطلاق، بل قد جمعوا بينهما في بعض الاحايين، فهذا الحكم أغلبي، ولهذا أجاز المبرد أن يقال " إما كنت منطلقا انطلقت ".
    (2) " ومن مضارع " جار ومجرور متعلق بقوله " تحذف " الآتي " لكان " = (*)
    (1/298)

    إذا جزم الفعل المضارع من " كان " قيل: لم يكن، والاصل يكون، فحذف الجازم الضمة التي على النون، فالتقى ساكنان: الواو، والنون، فحذف الواو لالتقاء الساكنين، فصار اللفظ " لم يكن " والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شئ آخر، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال (1)، فقالوا: " لم يك " وهو حذف جائز، لا لازم، ومذهب سيبويه ومن تابعه أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن، فلا تقول: " لم يك الرجل قائما " وأجاز ذلك يونس، وقد قرئ شاذا (لم يك الذين.
    __________
    = جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع " منجزم " صفة ثانية لمضارع " تحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " نون " نائب فاعل تحذف " وهو " مبتدأ " حذف " خبر المبتدأ " ما " نافية " التزم " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من التزم ونائب الفاعل في محل رفع صفة لحذف، وتقدير البيت: وتحذف نون من مضارع منجزم آت من مصدر كان
    وهو حذف لم تلتزمه العرب، يريد أنه جائز لا واجب.
    (1) قد جاء هذا الحذف كثيرا جدا في كلام العرب نثره ونظمه، فمن أمثالهم " إن لم يك لحم فنفش " والنفش: الصوف، ويروى " إن لم يكن " وهذه الرواية تدل على أن الحذف جائز لا واجب، ومن شواهد ذلك قول علقمة الفحل: ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يك حقا كل هذا التجنب وقول عروة بن الورد العبسي: ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا يغرر ويطرح نفسه كل مطرح وقول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليب بن ربيعة: فإن يك بالذنائب طال ليلي فقد أبكي من الليل القصير وقول عميرة بن طارق اليربوعي: وإن أك في نجد - سقى الله أهله بمنانة منه ! - فقلبي على قرب وقول الحطيئة العبسي: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء
    (1/299)

    كفروا) وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو: إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا، أولا، فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا، كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد: " إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " (1)، فلا يجوز حذف النون، فلا تقول: " إن يكه، وإلا يكه "، وإن كان غير [ ضمير ] متصل جاز الحذف والاثبات، نحو " لم يكن زيد قائما، ولم يك زيد قائما " وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين " كان " الناقصة والتامة، وقد قرئ: (وإن تك حسنة يضاعفها) برفع حسنة وحذف النون، وهذه هي التامة.
    * * *..
    __________
    (1) روى هذا الحديث بهذه الالفاظ الامام مسلم بن الحجاج في باب ذكر ابن صياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه، ورواه الامام البخاري في باب كيف يعرض الاسلام على الصبي من كتاب الجهاد من صحيحه، ورواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده (رقم 636) بلفظ " إن يكن هو، وإن لا يكن هو ".
    (*)
    (1/300)

    فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس إعمال " ليس " أعملت " ما " دون " إن " مع بقا النفي، وترتيب زكن (1) وسبق حرف جر أو ظرف ك " ما بي أنت معنيا " أجاز العلما (2) تقدم في أول باب " كان " وأخواتها أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال.
    __________
    (1) " إعمال " مفعول مطلق منصوب بقوله " أعملت " الآتي، وإعمال مضاف و " ليس " قصد لفظه: مضاف إليه " أعملت " أعمل: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء تاء التأنيث " ما " قصد لفظه: نائب فاعل أعملت " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال من " ما " ودون مضاف، وقوله " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من " ما " أيضا، ومع مضاف، و " بقا " مقصور من ممدود للضرورة: مضاف إليه، وبقا مضاف، و " النفي " مضاف إليه " وترتيب " معطوف على " بقا " السابق " زكن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترتيب، والجملة من زكن ونائب فاعله في محل جر صفة لترتيب، وحاصل البيت: أعملت ما النافية إعمال ليس، حال كونها غير مقترنة بإن الزائدة، وحال كون نفيها باقيا، وكون اسمها مقدما على خبرها.
    (2) " وسبق " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " أجاز " الآتي، وسبق مضاف، و " حرف " مضاف إليه، وحرف مضاف، و " جر " مضاف إليه " أو ظرف "
    معطوف على حرف جر " كما " الكاف جارة لقول محذوف، ما: نافية حجازية " بي " جار ومجرور متعلق بقوله معنيا الآتي " أنت " اسم ما " معنيا " خبر ما منصوب بالفتحة الظاهرة " أجاز " فعل ماض " العلما " مقصور من ممدود ضرورة: فاعل أجاز.
    وحاصل البيت: وأجاز النحاة العالمون بما يتكلم العرب به تقدم معمول الخبر على اسم ما، بشرط أن يكون ذلك المعمول جارا ومجرورا أو ظرفا، لانه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما، وذلك نحو " ما بي أنت معنيا " أصله ما أنت معنيا بي، تقدم الجار والمجرور على الاسم مع بقاء الخبر مؤخرا عن الاسم، ومعنى: هو الوصف من " عنى فلان بفلان " - بالبناء للمجهول - إذا اهتم بأمره.
    (*)
    (1/301)

    وحروف، وسبق الكلام على " كان " وأخواتها، وهي من الافعال الناسخة، وسيأتي الكلام على الباقي، وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف [ الناسخة ] قسما يعمل عمل " كان " وهو: ما، ولا، ولات، وإن.
    أما " ما " فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئا، فتقول: " ما زيد قائم " فزيد: مرفوع بالابتداء، وقائم: خبره، ولا عمل لما في شئ منهما، وذلك لان " ما " حرف لا يختص، لدخوله على الاسم نحو: " ما زيد قائم " وعلى الفعل نحو: " ما يقوم زيد " وما لا يختص فحقه ألا يعمل، ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل " ليس " لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الاطلاق، فيرفعون بها الاسم، وينصبون بها الخبر، نحو: " ما زيد قائما " قال الله تعالى (ما هذا بشرا) وقال تعالى: (ما هن أمهاتهم) وقال الشاعر: 75 - أبناؤها متكنفون أباهم حنقو الصدور، وما هم أولادها.
    __________
    75 - البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها، وقد أنشده أبو علي ولم ينسبه، وقبله قوله:
    وأنا النذير بحرة مسودة تصل الجيوش إليكم أقوادها اللغة: " النذير " المعلم الذي يخوف القوم بما يدهمهم من عدو ونحوه " بحرة " أصله الارض ذات الحجارة السود، وأراد منه هنا الكتيبة السوداء لكثرة ما تحمل من الحديد " أقوادها " جمع قود، وهي الجماعة من الخيل " أبناؤها " أي أبناء هذه الكتيبة التي ينذرهم بها، وأراد رجالها، وأباهم: القائد " متكنفون " أي: قد احتاطوا به، والتفوا حوله، ويروى " متكنفو آبائهم " بالاضافة.
    الاعراب: " أبناؤها " أبناء: مبتدأ، وأبناء مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الحرة مضاف إليه " متكنفون " خبر المبتدأ " أباهم " أبا: مفعول به لقوله " متكنفون " لانه جمع اسم فاعل، وأبا مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " حنقو " خبر ثان، وحنقو مضاف، و " الصدور " مضاف إليه " وما " نافية حجازية " هم " اسم ما مبني = (*)
    (1/302)

    لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة، ذكر المصنف منها أربعة: الاول: ألا يزاد بعدها " إن " فإن زيدت بطل عملها، نحو: " ما إن زيد قائم " برفع قائم، ولا يجوز نصبه، وأجاز ذلك بعضهم (1).
    الثاني: ألا ينتقض النفي بإلا، نحو: " ما زيد إلا قائم "، فلا يجوز نصب " قائم " و [ كقوله تعالى: (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقوله: (وما أنا إلا نذير) ] خلافا لمن أجازه (2)..
    __________
    = على الضم في محل رفع " أولادها " أولاد: خبر " ما " منصوب بالفتحة الظاهرة، وأولاد مضاف وها ضمير الحرة مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " وما هم أولادها " حيث أعمل " ما " النافية عمل " ليس " فرفع بها الاسم محلا، ونصب خبرها لفظا، وذلك لغة أهل الحجاز.
    (1) أجاز يعقوب بن السكيت، إعمال " ما " عمل ليس مع زيادة " إن " بعدها
    واستدل على ذلك بقول الشاعر: بني غدانة ما إن أنتم ذهبا ولا صريفا، ولكن أنتم الخزف وزعم أن الرواية بالنصب، وأن " ما " نافية، و " أنتم " اسمها، و " ذهبا " خبرها، وجمهور العلماء يروونه " ما إن أنتم ذهب " بالرفع على إهمال " ما "، ومع تسليم صحة الرواية بالنصب فإنا لا نسلم أن " إن " زائدة، ولكنها نافية مؤكدة لنفي ما.
    (2) ذهب يونس بن حبيب شيخ سيبويه - وتبعه الشلوبين - إلى أنه يجوز إعمال " ما " عمل ليس مع انتقاض نفي خبرها بإلا، وقد استدل على ذلك بقول الشاعر: وما الدهر إلا منجنونا بأهله وما صاحب الحاجات إلا معذبا فزعم أن " ما " نافية، و " الدهر " اسمها، و " منجنونا " خبرها، وأن " ما " في الشطر الثاني نافية كذلك، و " صاحب الحاجات " اسمها، و " معذبا " خبرها، وبقول الشاعر: وما حق الذي يعثو نهارا ويسرق ليله إلا نكالا = (*)
    (1/303)

    الثالث: ألا يتقدم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم وجب رفعه، نحو: " ما قائم زيد "، فلا تقول: " ما قائما زيد " وفي ذلك خلاف (1)..
    __________
    = فما: نافية، وحق: اسمها، ونكالا: خبرها، وقد جاء به منصوبا مع كونه مسبوقا بإلا.
    وجمهور البصريين لا يقبلون دلالة هذه الشواهد، ويؤولونها، فمما أولوا به البيت الاول أن " منجنونا " مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يشبه منجنونا، وجملة الفعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك قوله " معذبا " في
    الشطر الثاني: أي وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا، وبعضهم يقول: منجنونا مفعول مطلق لفعل محذوف على تقدير مضاف، ومعذبا ليس اسم مفعول، بل هو مصدر ميمي بمعنى التعذيب، فهو أيضا مفعول مطلق لفعل محذوف، ونكالا في البيت الثاني اسم مصدر، فهو كذلك مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا أي تعذيبا، وما حق الذي يفسد إلا ينكل به نكالا أي تنكيلا، وهذه الجمل الفعلية كلها في محل رفع أخبار للمبتدآت الواقعة بعد ما النافية في المواضع الثلاثة.
    (1) ذهب بعض النحاة إلى أنه يجوز إعمال ما إعمال ليس مع تقدم خبرها على اسمها، واستدل على ذلك بقول الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر قالوا: ما نافية عاملة عمل ليس، ومثل: خبرها مقدم منصوب، والضمير مضاف إليه، وبشر: اسمها تأخر عن خبرها، وزعموا أن الرواية بنصب مثل.
    والجمهور يأبون ذلك، ولا يقرون هذا الاستشهاد، ولهم في الرد على هذا البيت ثلاثة أوجه: الاول: إنكار أن الرواية بنصب مثل، بل الرواية عندهم برفعه على أنه خبر مقدم، وبشر: مبتدأ مؤخر.
    والثاني: أنه على فرض تسليم نصب " مثل " فإن الشاعر قد أخطأ في هذا، = (*)
    (1/304)

    فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت: " ما في الدار زيد "، و " عندك عمرو " فاختلف الناس في " ما " حينئذ: هل هي عاملة أم لا ؟ فمن جعلها عاملة قال: إن الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها، ومن لم يجعلها عاملة قال: إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما،
    وهذا الثاني هو ظاهر كلام المصنف، فإنه شرط في إعمالها أن يكون المبتدأ والخبر بعد " ما " على الترتيب الذي زكن، وهذا هو المراد بقوله: " وترتيب زكن " أي: علم، ويعني به أن يكون المبتدأ مقدما والخبر مؤخرا، ومقتضاه أنه متى تقدم الخبر لا تعمل " ما " شيئا، سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا، أو غير ذلك، وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب.
    الشرط الرابع: ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم بطل عملها، نحو: " ما طعامك زيد آكل " فلا يجوز نصب " آكل " ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الاولى، لتأخر الخبر، وقد يقال: لا يلزم ذلك، لما في.
    __________
    = والسر في ذلك الخطأ أنه تميمي، وأراد أن يتكلم بلغة أهل الحجاز، فلم يعرف أنهم لا يعملون " ما " إذا تقدم الخبر على الاسم، ولعله وجد خبر ليس قد جاء متقدما على اسمها، فتوهم أن ما - لكونها بمعنى لبس - تعطي حكمها، ولم يلتفت إلى أن " ما " فرع من ليس في العمل، وأن الفرع ليس في قوة الاصل.
    والثالث: سلمنا أن الرواية كما يذكرون، وأن الشاعر لم يخطئ.
    ولكنا لا نسلم أن " مثل " منصوب، بل هو مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم، وبشر: مبتدأ مؤخر، وإنما بنيت " مثل " لانها اكتسبت البناء من المضاف إليه، وجاز ذلك البناء ولم يجب، ولهذا شواهد كثيرة منها قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) فمثل في هذه الآية الكريمة صفة لحق مع أن حقا مرفوع ومثل مفتوح، فوجب أن يكون مبنيا على الفتح في محل رفع.
    (20 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/305)

    الاعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله، وهذا غير موجود مع تقدم الخبر.
    فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عملها، نحو: " ما عندك زيد مقيما، وما بي أنت معنيا "، لان الظروف والمجرورات يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها.
    وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف، لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر بما إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا.
    الشرط الخامس: ألا تتكرر " ما "، فإن تكررت بطل عملها، نحو: " ما ما زيد قائم " [ فالاولى نافية، والثانية نفت النفي، فبقي إثباتا ] فلا يجوز نصب " قائم " وأجازه بعضهم (1).
    الشرط السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها، نحو: " ما زيد بشئ إلا شئ لا يعبأ به " فبشئ: في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي.
    __________
    (1) إذا رأيت " ما " متكررة في كلام فالثانية: إما أن تكون نافية لنفي الاولى، وإما أن تكون نافية مؤكدة لنفي الاولى، وإما أن تكون زائدة، فإذا كانت الثانية نافية لنفي الاولى صار الكلام إثباتا، لان نفي النفي إثبات، ووجب إهمالهما جميعا، وإذا كانت الثانية زائدة وجب إهمال الاولى أيضا عند من يهمل " ما " إذا اقترنت بها " إن " الزائدة، وإن كانت " ما " الاولى نافية والثانية مؤكدة لنفي الاولى جاز لك حينئذ الاعمال، وعلى هذا ورد قول الراجز: لا ينسك الاسى تأسيا، فما مامن حمام أحد مستعصما فما الاولى هنا: نافية، والثانية مؤكدة لها، وأحد: اسمها، ومستعصما: خبرها، ومن حمام: جار ومجرور متعلق بمستعصم، وأصل الكلام: فما أحد مستعصما من حمام.
    وبعد، فإنه يجب أن يحمل كلام من أجاز إعمال " ما " عند تكررها على أنه اعتبر الثانية مؤكدة لنفي الاولى، فيكون الخلاف في هذا الموضوع غير حقيقي.
    (*)
    (1/306)

    هو " زيد " ولا يجوز أن يكون في موضع نصب خبرا عن " ما "، وأجازه قوم، وكلام سيبويه - رحمه الله تعالى ! - في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين - أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك - فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور - وهو " ما زيد بشئ، إلى آخره ": استوت اللغتان، يعني لغة الحجاز ولغة تميم، واختلف شراح الكتاب فيما يرجع إليه قوله: " استوت اللغتان " فقال قوم: هو راجع إلى الاسم الواقع قبل " إلا " والمراد أنه لا عمل ل " ما " فيه، فاستوت اللغتان في أنه مرفوع، وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال " ما " ألا يبدل من خبرها موجب، وقال قوم: هو راجع إلى الاسم الواقع بعد " إلا "، والمراد أنه يكون مرفوعا (1) سواء جعلت " ما " حجازية، أو تميمية، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال " ما " ألا يبدل من خبرها موجب، وتوجيه كل من القولين، وترجيح المختار منهما وهو الثاني لا يليق بهذا المختصر.
    * * * ورفع معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب بما الزم حيث حل (2).
    __________
    (1) ظاهر هذا الكلام ليس بسديد، بل يجوز في " شئ " الواقع بعد " إلا " الرفع والنصب، أما النصب فعلى أحد وجهين: الاول الاستثناء، سواء أعملت ما أم أهملتها، الثاني على أنه بدل من شئ المجرور بالباء الزائدة بشرط أن تكون ما عاملة، وأما الرفع فعلى أحد وجهين: الاول أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وكأنه قيل: إلا هو شئ لا يعبأ به، ولا فرق على هذا الوجه بين أن تكون ما عاملة، أو مهملة، والثاني أن يكون بدلا من شئ الاول بشرط أن تكون ما مهملة.
    (2) " ورفع " مفعول به مقدم على عامله، وهو قوله " الزم " الآتي، ورفع
    مضاف و " معطوف " مضاف إليه " لكن " جار ومجرور متعلق بمعطوف " أو ببل " = (*)
    (1/307)

    إذا وقع بعد خبر " ما " عاطف فلا يخلو: إما أن يكون مقتضيا للايجاب، أولا.
    فإن كان مقتضيا للايجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده وذلك نحو " بل، ولكن " - فتقول: " ما زيد قائما لكن قاعد " أو " بل قاعد "، فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير " لكن هو قاعد، وبل هو قاعد " ولا يجوز نصب " قاعد " عطفا على خبر " ما "، لان " ما " لا تعمل في الموجب.
    وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للايجاب - كالواو ونحوها - جاز النصب والرفع، والمختار النصب، نحو " ما زيد قائما ولا قاعدا " ويجوز الرفع، فتقول: " ولا قاعد " وهو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير " ولا هو قاعد ".
    ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد " بل، ولكن " أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما.
    * * * وبعد ما وليس جر البا الخبر وبعد لا ونفي كان قد يجر (1)
    __________
    = معطوف على قوله " بلكن " السابق " من بعد " جار ومجرور متعلق برفع، وبعد مضاف و " منصوب " مضاف إليه " بما " جار ومجرور متعلق بمنصوب " الزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حيث " ظرف متعلق بالزم، مبني على الضم في محل نصب " حل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة من حل وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها.
    (1) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " جر " الآتي، وبعد مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " وليس " قصد لفظه أيضا: معطوف على ما " جر " فعل = (*)
    (1/308)

    تزاد الباء كثيرا في الخبر بعد " ليس، وما " نحو قوله تعالى: (أليس الله بكاف عبده) و (أليس الله بعزيز ذي انتقام) و (وما ربك بغافل عما يعملون) و (وما ربك بظلام للعبيد) ولا تختص زيادة الباء بعد " ما " بكونها حجازية خلافا لقوم، بل تزاد بعدها وبعد التميمية، وقد نقل سيبويه والفراء - رحمهما الله تعالى ! - زيادة الباء بعد " ما " عن بني تميم، فلا التفات إلى من منع ذلك، وهو موجود في أشعارهم (1).
    وقد اضطرب رأي الفارسي في ذلك، فمرة قال: لا تزاد الباء إلا بعد الحجازية، ومرة قال: تزاد في الخبر المنفي.
    وقد وردت زيادة الباء قليلا في خبر " لا " كقوله:.
    __________
    = ماض " البا " قصر للضرورة: فاعل جر " الخبر " مفعول به لجر " وبعد " ظرف متعلق بقوله " يجر " الآتي، وبعد مضاف، و " لا " قصد لفظه: مضاف إليه " ونفي " معطوف على لا، ونفي مضاف، و " كان " قصد لفظه: مضاف إليه " قد " حرف تقليل " يجر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر.
    (1) من ذلك قول الفرزدق يمدح معن بن أوس، والفرزدق تميمي كما قلنا لك آنفا (305): لعمرك ما معن بتارك حفه ولا منسئ معن ولا متيسر ثم إن الباء قد دخلت في خبر " ما " غير العاملة بسبب فقدان شرط من شروط عملها، وذلك كما في قول المتنخل الهذلي:
    لعمرك ما إن أبو مالك بواه، ولا بضعيف قواه فأبو مالك مبتدأ، ولا عمل لما فيه، لكونه قد جاء مسبوقا بإن الزائدة بعد ما ؟ وقد أدخل الباء في خبر هذا المبتدأ - وهو قوله " بواه " فدل ذلك على أن كون " ما " عاملة أو حجازية ليس بشرط لدخول الباء على خبرها.
    (*)
    (1/309)

    76 - فكن لي شفيفا يوم لا ذو شفاعة بمغن فتيلا عن سواد بن قارب وفي خبر [ مضارع ] " كان " المنفية ب " لم " كقوله: 77 - وإن مدت الايدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل * * *.
    __________
    76 - البيت لسواد بن قارب الاسدي الدوسي - يخاطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبله قوله: فأشهد أن الله لا شئ غيره وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا ابن الاكرمين الاطا يب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما جئت شيب الذوائب اللغة: " فتيلا " هو الخيط الرقيق الذي يكون في شق النواة.
    الاعراب: " فكن " فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لي " جار ومجرور متعلق بقوله " شفيعا " الآتي " شفيعا " خبر كان " يوم " منصوب على الظرفية الزمانية ناصبه قوله شفيعا " لا " نافية تعمل عمل ليس " ذو " اسمها مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، وذو مضاف، و " شفاعة " مضاف إليه " بمغن " الباء زائدة، مغن خبر لا، وهو اسم فاعل - فعله متعد - يرفع فاعلا وينصب
    مفعولا، وفاعله ضمير مستتر فيه، و " فتيلا " مفعوله " عن سواد " جار ومجرور متعلق بمغن " ابن " صفة لسواد، وابن مضاف، و " قارب " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " بمغن " حيث أدخل الباء الزائدة على خبر لا النافية كما تدخل على خبر ليس وعلى خبر ما.
    (*) 77 - البيت للشنفري الازدي، وأكثر الرواة على أن اسمه هو لقبه، والبيت من قصيدته المشهورة بين المتأدبين باسم " لامية العرب " وأولها قوله: أقيمو بني أمي صدور مطيسكم فإني إلى قوم سواكم لاميل = (*)
    (1/310)

    في النكرات أعملت كليس " لا " وقد تلي " لات " و " إن " ذا العملا (1).
    __________
    = اللغة: أقيموا صدور مطيكم " هذه كناية عن طلب الاستعداد لعظائم الامور والجد في طلب المعالي، يقول: جدوا في أمركم وانتبهوا من رقدتكم " فإني إلى قوم سواكم إلخ " يؤذن قومه بأنه مرتحل عنهم ومفارقهم، وكأنه يقول ! إن غفلتكم توجب الارتحال عنكم، وإن ما أعاين من تراخيكم وإقراركم بالضيم لخليق بأن يزهدني في البقاء بينكم " أجشع القوم " الجشع - بالتحريك - أشد الطمع " أعجل " هو صفة مشبهة بمعنى عجل، وليس أفعل تفضيل، لان المعنى يأباه، إذ ليس مراده أن الاشد عجلة هو الجشع، ولكن غرضه أن يقول: إن من يحدث منه مجرد العجلة إلى الطعام هو الجشع، فافهم ذلك.
    الاعراب: " إن " شرطية " مدت " مد: فعل ماض فعل الشرط، مبني للمجهول، مبني على الفتح في محل جزم، والتاء تاء التأنيث " الايدي " نائب فاعل لمد " إلى الزاد " جار ومجرور متعلق بقوله " مدت " السابق " لم " حرف نفي وجزم وقلب " أكن " فعل مضارع ناقص، وهو جواب الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " بأعجلهم " الباء زائدة، أعجل: خبر أكن، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع
    من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وأعجل مضاف والضمير مضاف إليه " إذ " كلمة دالة على التعليل قيل: هي حينئذ حرف، وقيل: هي ظرف، وعليه فهو متعلق بقوله " أعجل " السابق، و " أجشع " مبتدأ، وأجشع مضاف، و " القوم " مضاف إليه " أعجل " خبر المبتدأ.
    الشاهد فيه: قوله " بأعجلهم " حيث أدخل الباء الزائدة على خبر مضارع كان المنفى بلم.
    واستشهاد الشارح بهذا البيت يدل على أنه فهم أن مراد المصنف بقوله " نفي كان " نفي هذه المادة أعم من أن تكون بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع، وأعم من هذه العبارة التي في الالفية قول المصنف في كتابه التسهيل " وبعد نفي فعل ناسخ "، لان الفعل الناسخ يشمل كان وأخواتها، وظن وأخواتها، بأي صيغة كانت هذه الافعال.
    (1) " في النكرات " جار ومجرور متعلق بقوله " أعملت " الآتي " أعملت " أعمل: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " كليس " جار ومجرور متعلق = (*)
    (1/311)

    وما ل " لات " في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا، والعكس قل (1) تقدم أن الحروف العاملة عمل " ليس " أربعة، وقد تقدم الكلام على " ما " وذكر هنا " لا " و " لات " و " إن ".
    أما " لا " فمذهب الحجازيين إعمالها عمل " ليس "، ومذهب تميم إهمالها (2).
    *
    __________
    = بمحذوف حال من " لا " أو صفة لموصوف محذوف، والتقدير: إعمالا مماثلا إعمال ليس " لا " قصد لفظه: نائب فاعل أعملت " وقد " حرف تقليل " تلي " فعل مضارع " لات " فاعل تلي " وإن " معطوف على لات " ذا " اسم إشارة مفعول به لتلي " العملا " بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الاشارة، وتقدير البيت:
    أعملت في النكرات " لا " إعمالا مماثلا لاعمال ليس، وقد تلي لات وإن هذا العمل.
    (1) " ما " نافية " للات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " في سوى " جار ومجرور متعلق بقوله عمل الآتي، و " سوى " مضاف، و " حين " مضاف إليه " عمل " مبتدأ مؤخر " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " ذي " بمعنى صاحب: مضاف إليه، وذي مضاف و " الرفع " مضاف إليه " فشا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ذي الرفع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " والعكس " مبتدأ " قل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العكس، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو العكس.
    وتقدير البيت: وما للات عمل في غير لفظ حين وما كان بمعناه، وحذف صاحب الرفع من معموليها مع بقاء المنصوب فاش كثير، والعكس - وهو حذف المنصوب وإبقاء المرفوع - قليل.
    (2) قال أبو حيان: " لم يصرح أحد بأن إعمال لا عمل ليس بالنسبة إلى لغة مخصوصة إلا صاحب المغرب ناصر المطرزي، فإنه قال فيه: بنو تميم يهملونها، وغيرهم يعملها، وفي كلام الزمخشري: أهل الحجاز يعملونهما دون طيئ، وفي البسيط: القياس عند تميم عدم إعمالها، ويحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها " وانظر هذا مع كلام الشارح.
    (*)
    (1/312)

    ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة (1): أحدها: أن يكون الاسم والخبر نكرتين، نحو " لا رجل أفضل منك "، ومنه قوله: 78 - تعز فلا شئ على الارض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا.
    __________
    (1) وبقي من شروط إعمال " لا " عمل ليس شرطان، أولهما: ألا تكون لنفي
    الجنس نصا، فإن كانت لنفي الجنس نصا عملت عمل إن المؤكدة التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وبنى اسمها حينئذ على الفتح إن لم يكن مضافا ولا شبيها به، والشرط الثاني: ألا يتقدم معمول الخبر على اسمها، فإن تقدم نحو " لا عندك رجل مقيم ولا امرأة " أهملت.
    78 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكروا لها قائلا معينا.
    اللغة: " تعز " أمر من التعزي، وأصله من العزاء، وهو التصبر والتسلي على المصائب " وزر " هو الملجأ، والواقي، والحافظ " واقيا " اسم فاعل من الوقاية، وهي الرعاية والحفظ.
    المعنى: اصبر على ما أصابك، وتسل عنه، فإنه لا يبقى على وجه الارض شئ، وليس للانسان ملجأ يقيه ويحفظه مما قضاه الله تعالى.
    الاعراب: " تعز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فلا " الفاء تعليلية، ولا: نافية تعمل عمل ليس " شئ " اسمها " على الارض " جار ومجرور متعلق بقوله " باقيا " الآتي، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشئ " باقيا " خبر لا " ولا " نافية " وزر " اسمها " مما " من: حرف جر، وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن، والجار والمجرور متعلق بقوله " واقيا " الآتي " قضى الله " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: مما قضاه الله، و " واقيا " خبر لا.
    الشاهد فيه: قوله " لا شئ باقيا، ولا وزر واقيا " حيث أعمل " لا " في الموضعين عمل ليس، واسمها وخبرها نكرتان.
    هذا، وقد ذهب أبو الحسن الاخفش إلى أن " لا " ليس لها عمل أصلا، لا في = (*)
    (1/313)

    وقوله:
    79 - نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل فبوئت حصنا بالكماة حصينا.
    __________
    = الاسم ولا في الخبر، وأن ما بعدها مبتدأ وخبر، وذهب الزجاج إلى أن " لا " تعمل الرفع في الاسم ولا تعمل شيئا في الخبر، والخبر بعدها لا يكون مذكورا أبدا، وكلا المذهبين فاسد، وبيت الشاهد رد عليهما جميعا، فالخبر مذكور فيه فكان ذكره ردا لما ذهب إليه الزجاج، وهو منصوب، فكان نصبه ردا لما زعمه الاخفش.
    79 - هذا الشاهد قد أنشده أبو الفتح بن جنى، ولم ينسبه إلى قائل، وكذا كل من وقفنا على كلام له ذكر فيه هذا البيت ممن جاء بعد أبي الفتح.
    اللغة: " بوئت " فعل ماض مبني للمجهول، من قولهم: بوأه الله منزلا، أي أسكنه إياه " الكماة " جمع كمى، وهو الشجاع المتكمى في سلاحه، أي: المستتر فيه المتغطى به، وكان من عادة الفرسان المعدودين أن يكثروا من السلاح وعدد الحرب، ويلبسوا الدرع والبيضة والمغفر وغيرهن، لاحد أمرين، الاول: الدلالة على شجاعتهم الفائقة، والثاني: لانهم قتلوا كثيرا من فرسان أعدائهم، فلكثير من الناس عندهم ثارات، فهم يتحرزون من أن يأخذهم بعض ذوي الثارات على غرة.
    الاعراب: " نصرتك " فعل وفاعل ومفعول به " إذ " ظرف للماضي من الزمان متعلق بنصر " لا " نافية تعمل عمل ليس " صاحب " اسمها " غير " خبر لا، وغير مضاف، و " خاذل " مضاف إليه " فبوثت " الفاء عاطفة، بوئ: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المخاطب نائب فاعل، وهو مقعول أول لبوئ " حصنا " مفعول ثان " بالكماة " جار ومجرور جعله العيني متعلقا بقوله " نصرتك " في أول البيت، وعندي أنه يجوز أن يتعلق بقوله " حصينا " الذي بعده، بل هو أولى وأحسن " حصينا " نعت لقوله حصنا السابق.
    الشاهد فيه: قوله " لا صاحب غير خاذل " حيث أعمل لا مثل عمل ليس، فرفع
    بها ونصب، واسمها وخبرها نكرتان، وهو أيضا كالبيت السابق رد لمذهبي الاخفش والزجاج.
    (*)
    (1/314)

    وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة، وأنشد للنابغة: 80 - بدت فعل ذي ود، فلما تبعتها تولت، وبقت حاجتي في فؤاديا وحلت سواد القلب، لا أنا باغيا سواها، ولا عن حبها متراخيا.
    __________
    80 - البيتان للنابغة الجعدي، أحد الشعراء المعمرين، أدرك الجاهلية، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشده من شعره، فدعا له، والبيتان من مختار أبي تمام.
    اللغة: " فعل ذي ود " أراد أنها تفعل فعل صاحب المودة، فحذف الفعل وأبقى المصدر، والود - بتثليث الواو - المحبة، ومثله الوداد " تولت " أعرضت ورجعت " بقت حاجتي " بتشديد القاف - تركتها باقية " سواد القلب " سويداؤه وهي حبته السوداء " باغيا " طالبا " متراخيا " متهاونا فيه.
    الاعراب: " بدت " بدا: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " فعل " قال العيني: منصوب بنزغ الخافض، أي: كفل، وعندي أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: تفعل فعل مضاف إلخ، وفعل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، و " ود " مضاف إليه " فلما " ظرف بمعنى حين ناصبه قوله " تولت " الذي هو جوابه " تبعتها " فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " تولت " تولى: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " وبقت " مثله " حاجتي " حاجة: مفعول به لبقت، وحاجة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " في فؤاديا " الجار والمجرور متعلق بقوله " بقت " السابق " وحلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " سواد "
    مفعول به لحلت، وسواد مضاف، و " القلب " مضاف إليه " لا " نافية تعمل عمل ليس " أنا " اسمها " باغيا " خبرها، وفاعله ضمير مستتر فيه " سواها " سوى: مفعول به لباغ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية " عن حبها " الجار والمجرور متعلق بقوله متراخيا الآتي، وحب مضاف وضمير المؤنثة الغائبة مضاف إليه " متراخيا " معطوف على قوله باغيا السابق.
    الشاهد فيه: قوله " لا أنا باغيا " حيث أعمل " لا " النافية عمل " ليس " مع أن اسمها معرفة، وهو " أنا "، وهذا شاذ، وقد تأول النحاة هذا البيت ونحوه - كما =
    (1/315)

    واختلف كلام المصنف في [ هذا ] البيت، فمرة قال: إنه مؤول، ومرة قال: إن القياس عليه سائغ (1).
    الشرط الثاني: ألا يتقدم خبرها على اسمها، فلا تقول " لا قائما رجل ".
    الشرط الثالث: ألا ينتقض النفي بإلا، فلا تقول: " لا رجل إلا أفضل من زيد " بنصب " أفضل "، بل يجب رفعه.
    ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين.
    * * *.
    __________
    = أشار إليه الشارح العلامة، نقلا عن المصنف بتأويلات كثيرة، أحدها: أن قوله " أنا " ليس اسما للا، وإنما هو نائب فاعل لفعل محذوف، وأصل الكلام على هذا " لا أرى باغيا " فلما حذف الفعل، وهو " أرى " برز الضمير المستتر، وانفصل أو يكون الضمير مبتدأ، وقوله " باغيا " حال من نائب فاعل فعل محذوف، والتقدير " لا أنا أرى باغيا "، وجملة الفعل المحذوف مع نائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون قد استغنى بالمعمول وهو الحال الذي هو قوله " باغيا " عن العامل فيه الذي هو الفعل المحذوف، وزعموا أنه ليس في هذا التأويل ارتكاب شطط ولا غلو في
    التقدير، فإن من سنن العربية الاستغناء بالمعمول عن العامل كما في الحال السادة مسد الخبر المفصحة عنه، كما اتضح لك ذلك في باب المبتدأ والخبر، فافهم ذلك، والله يرشدك ويتولاك.
    (1) الذي ذهب إلى أن القياس على هذا البيت سائغ، هو أبو حيان، شارح كتاب التسهيل لابن مالك، فإن ابن مالك قال في التسهيل، " ورفعها معرفة نادر " فقال أبو حيان في شرح هذه العبارة ما نصه: " قال المصنف في الشرح (يريد ابن مالك): وشذ إعمالها في معرفة في قول النابغة الجعدي * وحلت سواد القلب لا أنا باغيا * البيت اه، وقد حذا المتنبي حذو النابغة فقال: إذا الجود لم يرزق خلاصا من الاذى فلا الحمد مكسوبا، ولا المال باقيا والقياس على هذا سائغ عندي (والمتكلم هو أبو حيان) وقد أجاز ابن جنى إعمال لا في المعرفة، وذكر ذلك في كتاب التمام " اه كلام أبي حيان بحروفه.
    (*)
    (1/316)

    وأما " إن " النافية فمذهب أكثر البصريين والفراء أنها لا تعمل شيئا، ومذهب الكوفيين - خلا الفراء - أنها تعمل عمل " ليس "، وقال به من البصريين أبو العباس المبرد، وأبو بكر بن السراج، وأبو علي الفارسي، وأبو الفتح بن جنى، واختاره المصنف، وزعم أن في كلام سيبويه - رحمه الله تعالى ! - إشارة إلى ذلك، وقد ورد السماع به، قال الشاعر: 81 - إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين.
    __________
    81 - يكثر استشهاد النحاة بهذا البيت، ومع هذا لم يذكره أحد منهم منسوبا إلى قائل معين.
    اللغة والرواية: يروى عجز هذا البيت في صور مختلفة: إحداها: الرواية التي رواها الشارح.
    والثانية: * إلا على حزبه الملاعين * والثالثة: * إلا على حزبه المناحيس * " مستوليا " هو اسم فاعل من استولى، ومعناه كانت له الولاية على الشئ وملك زمام التصرف فيه " المجانين " جمع مجنون، وهو من ذهب عقله، وأصله عند العرب من خبله الجن، والمناحيس في الرواية الاخرى: جمع منحوس، وهو من حالفه سوء الطالع.
    المعنى: ليس هذا الانسان بذي ولاية على أحد من الناس إلا على أضعف المجانين.
    الاعراب: " إن " نافية تعمل عمل ليس " هو " اسمها " مستوليا " خبرها " على أحد " جار ومجرور متعلق بقوله " مستوليا " السابق " إلا " أداة استثناء " على أضعف " جار ومجرور يقع موقع المستثنى من الجار والمجرور السابق، وأضعف مضاف، و " المجانين " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " إن هو مستوليا " حيث أعمل " إن " النافية عمل " ليس " فرفع بها الاسم الذي هو الضمير المنفصل، ونصب خبرها الذي هو قوله " مستوليا ".
    = (*)
    (1/317)

    وقال آخر: 82 - إن المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا.
    __________
    = وهذا الشاهد يرد على الفراء وأكثر البصريين الذين ذهبوا إلى أن " إن " النافية لا تعمل شيئا، لا في المبتدأ ولا في الخبر، ووجه الرد من البيت ورود الخبر اسما مفردا منصوبا بالفتحة الظاهرة، ولا ناصب له في الكلام إلا " إن "، وليس لهم أن يزعموا
    أن النصب بها شاذ، لوروده في الشعر كثيرا، ولوروده في النثر في نحو قول أهل العالية " إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية "، وقد قرأ بهذه اللغة سعيد بن جبير - رضي الله عنه ! - في الآية الكريمة التي تلاها الشارح.
    ويؤخذ من هذا الشاهد - زيادة على ذلك - أن " إن " النافية مثل " ما " في أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها " لا ": فإن الاسم في البيت ضمير، وقد نص الشارح على هذا، ومثل له.
    ويؤخذ منه أيضا أن انتقاض النفي بعد الخبر بإلا لا يقدح في العمل، لانه استثنى بقوله " إلا على أضعف.
    إلخ ".
    82 - وهذا البيت أيضا من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
    المعنى: ليس المرء ميتا بانقضاء حياته، وإنما يموت إذا بغى عليه باغ فلم يجد عونا له، ولا نصيرا يأخذ بيده، وينتصف له ممن ظلمه، يريد أن الموت الحقيقي ليس شيئا بالقياس إلى الموت الادبي.
    الاعراب: " إن " نافية " المرء " اسمها " ميتا " خبرها " بانقضاء " جار ومجرور متعلق بقوله " ميتا " وانقضاء مضاف، وحياة من " حياته " مضاف إليه، وحياة مضاف والضمير مضاف إليه " ولكن " حرف استدراك " بأن " الباء جارة، وأن مصدرية " يبغى " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر " عليه " جار ومجرور نائب عن الفاعل ليبغي، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء، أي بالبغي عليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير " ولكن يموت بالبغي عليه " وقوله " فيخذلا " الفاء = (*)
    (1/318)

    وذكر ابن جنى - في المحتسب - أن سعيد بن جبير - رضي الله عنه ! - قرأ (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنصب العباد.
    ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين، بل تعمل في النكرة والمعرفة، فتقول: " إن رجل قائما، [ وإن زيد القائم ]، وإن زيد قائما ".
    * * * وأما " لات " فهي " لا " النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة، ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل " ليس "، فترفع الاسم، وتنصب الخبر، لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معا، بل [ إنما ] يذكر معها أحدهما، والكثير في لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها، ومنه قوله تعالى: (ولات حين مناص) بنصب الحين، فحذف الاسم وبقى الخبر، والتقدير " ولات الحين حين مناص " فالحين: اسمها، وحين مناص خبرها، وقد قرئ شذوذا (ولات حين مناص) برفع الحين على أنه اسم " لات " والخبر محذوف، والتقدير " ولات حين مناص لهم " أي: ولات حين مناص كائنا لهم، وهذا هو المراد بقوله: " وحذف ذي الرفع إلى آخر البيت ".
    وأشار بقوله: " وما للات في سوى حين عمل " إلى ما ذكره سيبويه من أن.
    __________
    = عاطفة، ويخذل: فعل مضارع مبني للمجهول، معطوف على يبغى، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المرء، والالف للاطلاق.
    الشاهد فيه: قوله " إن المرء ميتا " حيث أعمل " إن " النافية عمل " ليس " فرفع بها ونصب، وفي هذا الشاهد مثل ما في الشاهد السابق من وجوه الاستنباط التي ذكرناها.
    (1/319)

    " لات " لا تعمل إلا في الحين، واختلف الناس فيه، فقال قوم: [ المراد ] أنها لا تعمل إلا في لفظ الحين، ولا تعمل فيما رادفه كالساعة ونحوها، وقال قوم: المراد أنها لا تعمل إلا في أسماء الزمان، فتعمل في لفظ الحين وفيما رادفه من أسماء
    الزمان، ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر: 83 - ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
    __________
    83 - قيل: إن هذا الشاهد لرجل من طيئ، ولم يسموه، وقال العيني: قائله محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، ويقال: مهلهل بن مالك الكناني، واستشهد الفراء بقوله " ولات ساعة مندم " ثم قال: ولا أحفظ صدره.
    اللغة: " البغاة " جمع باغ، مثل قاض وقضاة وداع ودعاة ورام ورماة، والباغي: الذي يتجاوز قدره " مندم " مصدر ميمي بمعنى الندم " مرتع " اسم مكان من قولهم: رتع فلان في المكان يرتع - من باب فتح - إذا جعله ملهى له وملعبا، ومنه قوله تعالى (نرتع ونلعب) " وخيم " أصله أن يقال: وخم المكان، إذا لم ينجع كلؤه، أو لم يوافقك مناخه.
    الاعراب: " ندم " فعل ماض " البغاة " فاعل ندم " ولات " الواو واو الحال، ولات: نافية تعمل عمل ليس، واسمها محذوف " ساعة " خبرها، والجملة في محل نصب حال، أي: ندم البغاة والحال أن الوقت ليس وقت الندم، لان وقته قد فات، وساعة مضاف و " مندم " مضاف إليه " والبغي " مبتدأ أول مرفوع بالضمة الظاهرة " مرتع " مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة، ومرتع مضاف ومبتغي من " مبتغيه " مضاف إليه ومبتغي مضاف والهاء مضاف إليه " وخيم " خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
    الشاهد فيه: قوله " ولات ساعة مندم " حيث أعمل " لات " في لفظ " ساعة " وهي بمعنى الحين، وليست من لفظه، وهو مذهب الفراء - فيما نقله عنه جماعة منهم الرضي - إذ ذهب إلى أن " لات " لا يختص عملها بلفظ الحين، بل تعمل فيما دل = (*)
    (1/320)

    وكلام المصنف محتمل للقولين، وجزم بالثاني في التسهيل، ومذهب الاخفش أنها لا تعمل شيئا، وأنه إن وجد الاسم بعدها منصوبا فناصبه فعل مضمر، والتقدير " لات أرى حين مناص " وإن وجد مرفوعا فهو مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير " لات حين مناص كائن لهم " والله أعلم.
    * * *.
    __________
    = على الزمان كساعة ووقت وزمان وأوان ونحو ذلك، وفي المسألة كلام طويل لا يليق بسطه بهذه العجالة.
    ومثل البيت الشاهد ما أنشده ابن السكيت في كتاب الاضداد، وهو: ولتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم (21 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/321)

    أفعال المقاربة ككان كاد وعسى، لكن ندر غير مضارع لهذين خبر (1) هذا هو القسم الثاني من الافعال الناسخة [ للابتداء ]، وهو " كاد " وأخواتها، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا، ولا خلاف في أنها أفعال، إلا عسى، فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف، ونسب أيضا إلى ابن السراج (2)،.
    __________
    (1) " ككان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " كاد " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " لكن " حرف استدراك " ندر " فعل ماض " غير " فاعل ندر، وغير مضاف و " مضارع " مضاف إليه " لهذين " جار ومجرور متعلق بقوله خبر الآتي " خبر " حال من فاعل ندر، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة التي تقف على المنصوب المنون بالسكون، كما يقف سائر العرب على المرفوع والمجرور المنونين.
    (2) نص ابن هشام في أكثر كتبه على أن القول بأن " عسى " حرف هو قول الكوفيين، وتبعهم على ذلك ابن السراج، ونص في المغنى وشرح الشذور على أن ثعلبا
    يرى هذا، وثعلب أحد شيوخ الكوفيين، وملخص مذهبهم أنهم قالوا: عسى حرف ترج، واستدلوا على ذلك بأنها دلت على معنى لعل، وبأنها لا تتصرف كما أن لعل كذلك لا تتصرف، ولما كانت لعل حرفا بالاجماع وجب أن تكون عسى حرفا مثلها، لقوة التشابه بينهما.
    ومن العلماء من ذهب إلى أن " عسى " على ضربين (انظر ص 345 الآتية): الضرب الاول ينصب الاسم ويرفع الخبر مثل إن وأخواتها، وهذه حرف ترج، ومن شواهدها قول صخر بن العود الحضرمي: فقلت: عساها نار كأس، وعلها تشكى فآتي نحوها فأعودها والضرب الثاني: يرفع المبتدأ وينصب الخبر - وهو الذي نتحدث عنه في هذا الباب، وهو من أفعال المقاربة - وهذا فعل ماض، بدليل قبوله علامة الافعال الماضية كتاء الفاعل في نحو قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض) وأما جمودها ودلالتها على معنى يدل عليه حرف فلا يخرجانها عن الفعلية، وكم من فعل يدل على معنى يدل عليه حرف، وهو مع ذلك جامد، ولم يخرجه ذلك عن فعليته، أليست = (*)
    (1/322)

    والصحيح أنها فعل، بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها، نحو " عسيت " وعسيت، وعسيتما، وعسيتم، وعسيتن ".
    وهذه الافعال تسمى أفعال المقاربة، وليست كلها للمقاربة، بل هي على ثلاثة أقسام: أحدها: ما دل على المقاربة، وهي: كاد، وكرب، وأوشك.
    والثاني: ما دل على الرجاء، وهي: عسى، وحرى، واخلولق.
    والثالث: ما دل على الانشاء، وهي: جعل، وطفق، وأخذ، وعلق، وأنشأ.
    فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.
    وكلها تدخل على المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ اسما لها، ويكون خبره خبرا لها في موضع نصب، وهذا هو المراد بقوله: " ككان كاد وعسى " لكن الخبر في.
    __________
    = حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهي جامدة، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها، فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها ؟ وهذا الذي ذكرناه - من أن " عسى " على ضربين، وأنها في ضرب منهما فعل، وفي الضرب الآخر حرف - هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابنا على شرح الاشموني ج 1 ص 463 وما بعدها في الكلام على الشاهد رقم 252).
    ومن هذا كله يتضح لك: أن في " عسى " ثلاثة أقوال للنحاة، الاول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة ورجحه المتأخرون، والثاني: أنها حرف في جميع الاحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو النصب أم لم يتصل بها أحدهما، وهو قول جمهرة الكوفيين ومنهم ثعلب، وابن السراج.
    والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما في البيت الذي أنشدناه، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قول سيبويه شيخ النحاة، ولا تتسع هذه العجالة السريعة إلى الاحتجاج لكل رأي وتخريج الشواهد على كل مذهب.
    (*)
    (1/323)

    هذا الباب لا يكون إلا مضارعا، نحو " كاد زيد يقوم، وعسى زيد أن يقوم " وندر مجيئه اسما بعد " عسى، وكاد " كقوله: 84 - أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما.
    __________
    84 - قال أبو حيان: " هذا البيت مجهول، لم ينسبه الشراح إلى أحد " اه، قال ابن هشام: " طعن في هذا البيت عبد الواحد في كتابه بغية الآمل ومنية السائل،
    فقال: هو بيت مجهول، لم ينسبه الشراح إلى أحد، فسقط الاحتجاج به، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه، فإن فيه ألف بيت عرف قائلوها وخمسين بيتا مجهولة القائلين " اه، وقيل: إنه لرؤبة بن العجاج، وقد بحثت ديوان أراجيز رؤبة فلم أجده في أصل الديوان، وهو مما وجدته في أبيات جعلها ناشره ذيلا لهذا الديوان مما وجده في بعض كتب الادب منسوبا إليه، وذلك لا يدل على صحة نسبتها إليه أكثر مما تدل عليه عبارة المؤلف لكتاب الادب الذي نقل عنه.
    اللغة: " العذل " الملامة " ملحا " اسم فاعل من " ألح يلح إلحاحا " أي أكثر.
    الاعراب: " أكثرت " فعل وفاعل " في العذل " جار ومجرور متعلق بأكثر " ملحا " حال من التاء في أكثرت مؤكدة لعاملها " دائما " صفة للحال " لا تكثرن " لا: ناهية، والفعل المضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم بلا، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " عسيت " عسى: فعل ماض ناقص، وتاء المتكلم اسمه " صائما " خبره، والجملة من عسى واسمها وخبرها في محل رفع خبر " إن ".
    الشاهد فيه: قوله " عسيت صائما " حيث أجرى " عسى " مجرى " كان " فرفع بها الاسم ونصب الخبر، وجاء بخبرها اسما مفردا، والاصل أن يكون خبرها جملة فعلية فعلها مضارع، ومثل هذا البيت قولهم في المثل " عسى الغوير أبؤسا ".
    وفي البيت توجيه آخر، وهو أن " عسى " هنا فعل تام يكتفي بفاعل، وهو هنا = (*)
    (1/324)

    وقوله: 85 - فأبت إلى فهم، وما كدت آئبا
    وكم مثلها فارقتها وهي تصفر.
    __________
    = تاء المتكلم، بدليل وقوع جملتها خبرا لان الناصبة للاسم الرافعة للخبر، وذلك لان عسى للترجي، والترجي إنشاء، وأيضا فإن الافعال الناقصة جملتها إنشائية، والجمل الانشائية لا تقع خبرا لان، عند الجمهور الذين يجوزون وقوع الانشائية خبرا للمبتدأ غير المنسوخ، وإذا كان ذلك كذلك فلابد أن تكون الجملة خبرية، فلا تكون " عسى " ناقصة، وأما قوله " صائما " على هذا فهو خبر " لكان " محذوفة مع اسمها، وتقدير الكلام: إني رجوت أن أكون صائما.
    85 - هذا البيت لتأبط شرا - ثابت بن جابر بن سفيان - من كلمة مختارة، اختارها أبو تمام في حماسته (انظر شرح التبريزي 1 / 85 بتحقيقنا) وأولها قوله: إذا المرء لم يحتل وقد جد جده أضا، وقاسى أمره وهو مدبر اللغة: " أبت " رجعت " فهم " اسم قبيلته، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس عيلان " تصفر " أراد تتأسف وتتحزن على إفلاتي منها، بعد أن ظن أهلها أنهم قد قدروا على.
    وقصة ذلك أن قوما من بني لحيان - وهم حي من هذيل - وجدوا تأبط شرا يشتار عسلا من فوق جبل، ورآهم يترصدونه، فخشى أن يقع في أيديهم، فانتحى من الجبل ناحية بعيدة عنهم، وصب ما معه من العسل فوق الصخر، ثم انزلق عليه حتى انتهى إلى الارض، ثم أسلم قدميه للريح، فنجا من قبضتهم.
    المعنى: يقول: إني رجعت إلى قومي بعد أن عز الرجوع إليهم، وكم مثل هذه الخطة فارقتها، وهي تتأسف وتتعجب مني كيف أفلت منها.
    الاعراب: " فأبت " الفاء عاطفة، آب: فعل ماض، وتاء المتكلم فاعله " إلى فهم " جار ومجرور متعلق بأبت " وما " الواو حالية، ما: نافية " كدت " كاد: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " آئبا " خبر كاد، والجملة في محل نصب حال " وكم " الواو حالية، كم: خبرية بمعنى كثير مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " مثلها "
    مثل: تمييز لكم مجرور بالكسرة الظاهرة، ومثل مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه " فارقتها " فعل وفاعل ومفعول به " وهي " الواو للحال، هي: مبتدأ " تصفر " = (*)
    (1/325)

    وهذا هو مراد المصنف بقوله: " لكن ندر - إلى آخره " لكن في قوله " غير مضارع " إيهام، فإنه يدخل تحته: الاسم، والظرف، والجار والمجرور، والجملة الاسمية، والجملة الفعلية بغير المضارع، ولم يندر مجئ هذه كلها خبرا عن " عسى، وكاد " بل الذي ندر مجئ الخبر اسما، وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين.
    * * * وكونه بدون " أن " بعد عسى نزر، وكاد الامر فيه عكسا (1).
    __________
    = فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
    الشاهد فيه: قوله " وما كدت آئبا " حيث أعمل " كاد " عمل " كان " فرفع بها الاسم ونصب الخبر، ولكنه أتى بخبرها اسما مفردا، والقياس في هذا الباب أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع، ولهذا أنكر بعض النحاة هذه الرواية، وزعم أن الرواية الصحيحة هي " وما كنت آئبا ".
    (1) " وكونه " الواو عاطفة، وكون: مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة فيحتاج إلى اسم وخبر سوى خبره من جهة الابتداء وكون مضاف والضمير مضاف إليه وهو اسمه، وخبره محذوف، أي: وكونه واردا " بدون " جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف، ودون مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق أيضا بذلك الخبر المحذوف، وبعد مضاف، و " عسى " قصد لفظه: مضاف إليه " نزر " خبر المبتدأ الذي هو قوله كونه " وكاد " الواو عاطفة، وكاد قصد لفظه: مبتدأ أول " الامر "
    مبتدأ ثان " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله " عكس " الآتي " عكسا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الامر، والجملة من عكس ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
    (*)
    (1/326)

    أي: اقتران خبر " عسى " ب " أن " كثير (1)، وتجريده من " أن " قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من " أن " إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا ب " أن " قال الله تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح)، وقال عزوجل: (عسى ربكم أن يرحمكم).
    ومن وروده بدون " أن " قوله: 86 - عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب.
    __________
    (1) أنت إذا قلت " عسى زيد أن يقوم " فزيد: اسم عسى، وأن والفعل في تأويل مصدر خبره، ويلزم على ذلك الاخبار باسم المعنى وهو المصدر عن اسم الذات وهو زيد، وهو غير الاصل والغالب في كلام العرب.
    وللعلماء في الجواب عن ذلك أربعة وجوه: أولها: أن الكلام حينئذ على تقدير مضاف، إما قبل الاسم وكأنك قلت: عسى أمر زيد القيام، وإما قبل الخبر وكأنك قلت: عسى زيد صاحب القيام، فعلى الاول تكون قد أخبرت باسم معنى عن اسم معنى، وعلى الثاني تكون قد أخبرت باسم يدل على الذات عن اسم ذات، لان اسم الفاعل يدل على الذات التي وقع منها الحدث أو قام بها.
    وثانيها: أن هذا المصدر في تأويل الصفة، وكأنك قد قلت: عسى زيد قائما.
    وثالثها: أن الكلام على ظاهره، والمقصود المبالغة في زيد حتى كأنه هو نفس القيام.
    وهذه الوجوه الثلاثة جارية في كل مصدر صريح أو مؤول يخبر به عن اسم الذات، أو يقع نعتا لاسم ذات، أو يجئ حالا من اسم الذات.
    ورابعها: أن " أن " ليست مصدرية في هذا الموضع، بل هي زائدة، فكأنك قلت: عسى زيد يقوم، وهذا وجه ضعيف، لانها لو كانت زائدة لم تعمل النصب، ولسقطت من الكلام في السعة أحيانا، وهي لا تسقط إلا نادرا لضرورة الشعر.
    86 - البيت لهدبة بن خشرم العذري، من قصيدة قالها وهو في الحبس، وقد = (*)
    (1/327)

    .
    __________
    روى أكثر هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه، وروى أبو السعادات ابن الشجري في حماسته منها أكثر مما رواه أبو علي، وأول هذه القصيدة قوله: طربت، وأنت أحيانا طروب وكيف وقد تعلاك المشيب ؟ يجد النأي ذكرك في فؤادي إذا ذهلت على النأي القلوب يؤرقني اكتئاب أبي نمير فقلبي من كآبته كئيب فقلت له: هداك الله ! مهلا وخير القول ذو اللب المصيب عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب اللغة: " طربت " الطرب: خفة تصيب الانسان من فرح أو حزن " النأي " البعد " الكرب " الهم والغم " أمسيت " قال ابن المستوفى: يروى بضم التاء وفتحها، والنحويون إنما يروونه بضم التاء، والفتح عند أبي حنيفة أولى، لانه يخاطب ابن عمه أبا نمير كما هو ظاهر من الابيات التي رويناها، وكان أبو نمير معه في السجن.
    الاعراب: " عسى " فعل ماض ناقص " الكرب " اسم عسى مرفوع به " الذي " اسم موصول صفة للكرب " أمسيت " أمسى: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " فيه "
    جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أمسى، والجملة من أمسى واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول " يكون " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه " وراءه " وراء: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ووراء مضاف والهاء مضاف إليه " فرج " مبتدأ مؤخر " قريب " صفة لفرج، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر " يكون " والجملة من " يكون " واسمها وخبرها في محل نصب خبر " عسى ".
    الشاهد فيه: قوله " يكون وراءه - إلخ " حيث وقع خبر " عسى " فعلا مضارعا مجردا من " أن " المصدرية، وذلك قليل، ومثله الشاهد الذي بعده (ش 87) وقول الآخر: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب (المنهمر: أراد به المطر الكثير، والجون: الاسود، والرباب: السحاب، والسحاب الاسود دليل على أنه حافل بالمطر) ومثل هذه الابيات قول الآخر: فأما كيس فنجا، ولكن عسى يغتر بي حمق لئيم (*)
    (1/328)

    وقوله: 87 - عسى فرج يأتي به الله، إنه له كل يوم في خليقته أمر وأما " كاد " فذكر المصنف أنها عكس " عسى "، فيكون الكثير في.
    __________
    87 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها، وألفاظه كلها ظاهرة المعنى.
    الاعراب: " عسى " فعل ماض ناقص " فرج " اسمه " يأتي " فعل مضارع " به " جار ومجرور متعلق بيأتي " الله " فاعل يأتي، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر عسى " إنه " إن: حرف توكيد ونصب، والهاء ضمير الشأن اسمه " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " كل " منصوب على الظرفية الزمانية لاضافته إلى اسم الزمان متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله، وكل مضاف، و " يوم " مضاف
    إليه " في خليقته " الجار والمجرور يتعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق، وخليقة مضاف والضمير الموضوع للغائب العائد إلى الله تعالى مضاف إليه " أمر " مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر " إن ".
    الشاهد فيه: قوله: " يأتي به الله " حيث جاء خبر " عسى " فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية، وهذا قليل، ومثله سوى ما ذكرناه مع الشاهد 86 - قول الفرزدق: وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده إذا نحن جاوزنا حفير زياد وفي بيت الفرزدق هذا شاهد آخر، وحاصله: أنه يجوز في الفعل المضارع الذي يقع خبرا لعسى خاصة أن يرفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى اسم عسى.
    فأما غير " عسى " من أفعال هذا الباب فلا يجوز في الفعل المضارع الواقع خبرا لها إلا أن يكون رافعا لضمير يعود على الاسم، وأما قول ذي الرمة: وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه فظاهره أن المضارع الواقع خبرا لكاد وهو " تكلمني " رفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم وهو " أحجاره " فهذا ونحوه شاذ أو مؤول.
    أما بيت الشاهد (رقم 87) فقد رفع المضارع فيه اسما أجنبيا من اسم عسى، فلا هو ضمير الاسم، ولا هو اسم ظاهر مضاف إلى الاسم، وذلك شاذ أيضا.
    (*)
    (1/329)

    خبرها أن يتجرد (1) من " أن " ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نص عليه الاندلسيون من أن اقتران خبرها ب " أن " مخصوص بالشعر، فمن تجريده من " أن " قوله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) وقال: (من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم) (1) ومن اقترانه ب " أن " قوله صلى الله عليه وسلم: " ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب " وقوله:
    88 - كادت النفس أن تفيض عليه إذ غدا حشو ريطة وبرود * * *.
    __________
    (1) ومثل الآيتين الكريمتين قول أحد أصحاب مصعب بن الزبير، يرثيه وهو الشاهد (رقم 149) الآتي في باب الفاعل: لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا وكاد - لو ساعد المقدور - ينتصر الشاهد فيه: قوله " كاد ينتصر " فإن الفعل المضارع الواقع خبرا لكاد لم يقترن بأن.
    88 - هذا البيت من الشواهد التي يذكرها كثير من النحاة وعلماء اللغة غير منسوبة إلى قائل معين، وقد عثرنا بعد طويل البحث على أنه من كلمة لمحمد بن مناذر، أحد شعراء البصرة يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وقبله: إن عبد المجيد يوم توفي هد ركنا ما كان بالمهدود ليت شعري، وهل درى حاملوه ما على النعش من عفاف وجود ؟ اللغة: " تفيض " من قولهم " فاضت نفس فلان " ويرى في مكانه " تفيظ " وكل الرواة يجيزون أن تقول " فاضت نفس فلان " إلا الاصمعي فإنه أبي إلا أن تقول " فاظت نفس فلان " بالظاء، وكلام غير الاصمعي أسد، فهذا البيت الذي نشرحه دليل على صحته، وكذلك قول الآخر: تفيض نفوسها ظمأ، وتخشى حماما، فهي تنظر من بعيد قول الراجز: تجمع الناس، وقالوا: عرس ففقئت عين، وفاضت نفس = (*)
    (1/330)

    وكعسى حرى، ولكن جعلا خبرها حتما ب " أن " متصلا (1)
    __________
    = وقول الشاعر في بيت الشاهد " ريطة " بفتح الراء وسكون الياء المثناة - الملاءة
    إذا كانت قطعة واحدة، وأراد هنا الاكفان التي يلف فيها الميت.
    الاعراب: " كادت " كاد: فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث " النفس " اسم كاد " أن " مصدرية " تفيض " فعل مضارع منصوب بأن، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود للنفس، والجملة خبر " كاد " في محل نصب " عليه " جار ومجرور متعلق بقوله تفيض السابق " إذ " ظرف للماضي من الزمان متعلق بقوله " تفيض " أيضا " غدا " فعل ماض بمعنى صار، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عبد المجيد المرثى " حشو " خبر غدا، وحشو مضاف و " ريطة " مضاف إليه " وبرود " معطوف على ريطة.
    الشاهد فيه: قوله " أن تفيض " حيث أنى بخبر " كاد " فعلا مضارعا مقترنا بأن، وذلك قليل، والاكثر أن يتجرد منها، ومثل هذا البيت قول الشاعر: أبيتم قبول السلم منا، فكدتم لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل وقول رؤبة بن العجاج: ربع عفاه الدهر طولا فامحى قد كاد من طول البلى أن يمصحا ومنه قول جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه ! - " كاد قلبي أن يطير " ومع ورود المضارع الواقع خبرا لكاد مقترنا بأن - في الشعر والنثر نرى أن قول الاندلسيين: إن اقترانه بأن مع كاد ضرورة لا يجوز ارتكابها إلا في الشعر، غير سديد، والصواب ما ذكره الناظم وهو في هذا تابع لسيبويه.
    (1) " كعسى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " حرى " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " ولكن " حرف استدراك " جعلا " جعل: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق " خبرها " خبر: نائب فاعل جعل وهو مفعول أول وخبر مضاف والضمير مضاف إليه " حتما " صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا، أي: اتصالا حتما " بأن " جار ومجرور متعلق بقوله متصلا الآتي " متصلا " مفعول
    ثان لجعل.
    (*)
    (1/331)

    وألزموا اخلولق " أن " مثل حرى وبعد أوشك انتفا " أن " نزرا (1) يعني أن " حرى " مثل " عسى " في الدلالة على رجاء الفعل، لكن يجب اقتران خبرها ب " أن "، نحو " حرى زيد أن يقوم " ولم يجرد خبرها من " أن " لا في الشعر ولا في غيره، وكذلك " اخلولق " تلزم " أن " خبرها نحو " اخلولقت السماء أن تمطر " وهو من أمثلة سيبويه، وأما " أوشك " فالكثير اقتران خبرها ب " أن " ويقل حذفها منه، فمن اقترانه بها قوله: 89 - ولو سئل الناس التراب لاوشكوا - إذا قيل هاتوا - أن يملوا ويمنعوا.
    __________
    (1) " وألزموا " فعل وفاعل " اخلولق " قصد لفظه: مفعول أول لالزم " أن " قصد لفظه أيضا: مفعول ثان لالزم " مثل " حال صاحبه قوله " اخلولق " السابق، ومثل مضاف و " حرى " قصد لفظه: مضاف إليه " وبعد " ظرف متعلق بقوله " انتفا " الآتي، وبعد مضاف، و " أوشك " قصد لفظه: مضاف إليه " انتفا " قصر للضرورة: مبتدأ، وانتفا مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " نزرا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتفا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو انتفا، وتقدير البيت: وألزم العرب اخلولق أن حال كونه مشبها في ذلك حرى، وانتفاء أن بعد أوشك قد قل.
    89 - هذا البيت أنشده ثعلب في أماليه (ص 433) عن ابن الاعرابي، ولم ينسبه إلى أحد، ورواه الزجاجي في أماليه أيضا (ص 126) وقبله: أبا مالك، لا تسأل الناس، والتمس بكفيك فضل الله، والله أوسع
    المعنى: إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا أتفه الاشياء، وأهونها خطرا، وأقلها قيمة لما أجابوا، بل إنهم ليمنعون السائل ويملون السؤال.
    الاعراب: " ولو " شرطية غير جازمة " سئل " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " الناس " نائب فاعل سئل، وهو المفعول الاول " التراب " مفعول ثان لسئل " لاوشكوا " اللام واقعة في جواب " لو " وأوشك: فعل ماض ناقص، = (*)
    (1/332)

    ومن تجرده منها قوله: 90 - يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها * * *.
    __________
    = وواو الجماعة اسمه " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان " قيل " فعل ماض مبني للمجهول " هاتوا " فعل أمر وفاعله، وجملتهما في محل رفع نائب فاعل لقيل، وجملة قيل ونائب فاعله في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وجواب الشرط محذوف، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين أوشك مع مرفوعها وخبرها " أن " مصدرية " يملوا " فعل مضارع منصوب بأن، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل نصب خبر أوشك " ويمنعوا " معطوف على يملوا.
    الشاهد فيه: يستشهد النحاة بهذا البيت ونحوه على أمرين، الاول: في قوله " لاوشكوا " حيث ورد " أوشك " بصيغة الماضي، وهو يرد على الاصمعي وأبي علي اللذين أنكرا استعمال " أوشك " وزعما أنه لم يستعمل من هذه المادة إلا " يوشك " المضارع وسيأتي للشارح ذكر هذا، والاستشهاد له بهذا البيت (ص 338)، والامر الثاني: في قوله " أن يملوا " حيث أتي بخبر " أوشك " جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن، وهو الكثير.
    ومن الشواهد على هذين الامرين قول جرير يهجو العباس بن يزيد الكندي:
    إذا جهل الشقي ولم يقدر ببعض الامر أوشك أن يصابا وقول الكلحبة اليربوعي: إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا 90 - البيت لامية بن أبي الصلت، أحد شعراء الجاهلية، وزعم صاعد أن البيت لرجل من الخوارج، وليس ذلك بشئ، وهو من شواهد سيبويه (ج 2 ص 479).
    اللغة: " منيته " المنية الموت " غراته " جمع غرة بكسر الغين وهي الغفلة " يوافقها " يصيبها ويقع عليها.
    المعنى: إن من فر من الموت في الحرب لقريب الوقوع بين برائنه في بعض غفلاته، = (*)
    (1/333)

    ومثل كاد في الاصح كربا وترك " أن " مع ذي الشروع وجبا (1) كأنشأ السائق يحدو، وطفق، كذا جعلت، وأخذت، وعلق (2).
    __________
    = والغرض تشجيع المخاطبين على اقتحام أهوال الحروب وخوض معامعها، إذ كان الموت ولا بد نازل بكل أحد.
    الاعراب: " يوشك " فعل مضارع ناقص " من " اسم موصول اسم يوشك " فر " فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول والجملة لا محل لها صلة " من منيته " الجار والمجرور متعلق بفر، ومنية مضاف والهاء مضاف إليه " في بعض " الجار والمجرور متعلق بقوله " يوافقها " الآتي، وبعض مضاف وغرات من " غراته " مضاف إليه، وغرات مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " يوافقها " يوافق: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والضمير البارز الذي هو للغائبة مفعول به، وجملة يوافقها في محل نصب خبر " يوشك ".
    الشاهد فيه: قوله " يوافقها " حيث أتى بخبر " يوشك " جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من " أن " وهذا قليل.
    (1) " مثل " خبر مقدم، ومثل مضاف، و " كاد " قصد لفظه: مضاف إليه " في الاصح " جار ومجرور متعلق بقوله مثل لتضمنه معنى المشتق " كربا " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " وترك " مبتدأ، وترك مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بترك، ومع مضاف و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف و " الشروع " مضاف إليه " وجبا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك الواقع مبتدأ، والجملة من وجب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) " كأنشأ " الكاف جارة لقول محذوف، أنشأ: فعل ماض ناقص " السائق " اسمه " يحدو " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة من الفعل المضارع وفاعله في محل نصب خبر أنشأ " وطفق " معطوف على أنشأ " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " جعلت " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " وأخذت، وعلق " معطوفان على جعلت.
    (*)
    (1/334)

    لم يذكر سيبويه في " كرب " إلا تجرد خبرها من " أن "، وزعم المصنف أن الاصح خلافه، وهو أنها مثل " كاد "، فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من " أن " ويقل اقترانه بها، فمن تجريده قوله: 91 - كرب القلب من جواه يذوب حين قال الوشاة: هند غضوب وسمع من اقترانه بها قوله: 92 - سقاها ذوو الاحلام سجلا على الظما وقد كربت أعناقها أن تقطعا
    .
    __________
    91 - قيل: إن هذا البيت لرجل من طيئ، وقال الاخفش: إنه للكلحبة اليربوعي أحد فرسان بني تميم وشعرائهم المجيدين.
    اللغة: " جواه " الجوى: شدة الوجد " الوشاة " جمع واش، وهو التمام الساعي بالافساد بين المتوادين، والذي يستخرج الحديث بلطف، ويروى " حين قال العذول " وهو اللائم " غضوب " صفة من الغضب يستوي فيها المذكر المؤنث كصبور.
    المعنى: لقد قرب قلبي أن يذوب من شدة ما حل به من الوجد والحزن، حين أبلغني الوشاة الذين يسعون بالافساد بيني وبين من أحبها أنها غاضبة علي.
    الاعراب: " كرب " فعل ماض ناقص " القلب " اسمه " من جواه " الجار والمجرور متعلق بقوله " يذوب " الآتي، أو بقوله " كرب " السابق، وجوى مضاف وضمير الغائب العائد إلى القلب مضاف إليه " يذوب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القلب، والجملة من يذوب وفاعله في محل نصب خبر كرب " حين " منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بقوله يذوب السابق " قال " فعل ماض " الوشاة " فاعل قال " هند " مبتدأ " غضوب " خبره، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول، وجملة قال وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة " حين " إليها.
    الشاهد فيه: قوله " يذوب " حيث أتى بخبر " كرب " فعلا مضارعا مجردا من أن.
    92 - البيت لابي يزيد الاسلمي، من كلمة له يهجو فيها إبراهيم بن هشام = (*)
    (1/335)

    .
    __________
    = ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته، ولم يعطه، ولم يكتف بالحرمان، بل أمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة قوله:
    مدحت عروقا للندى مصت الثرى حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى وحلبت الايام والدهر أضرعا اللغة: " مصت الثرى حديثا " أراد أنهم حديثو عهد بنعمة، فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام " بأن تترعرعا " يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة، ويروى " تتزعزها " بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك، ومعناه تتحرك، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق، فليس لهم في الكرم عرق ثابت، فهم لا يتحركون للبذل، ولا تهش نفوسهم للعطاء " نقائذ " جمع نقيذ، بمعنى اسم المفعول، يريد أن ذوي قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر " أضرع " هو جمع ضرع، والعبارة مأخوذة من قول العرب: حلب فلان الدهر أشطره، يريدون ذاق جلوه ومره " ذوو الاحلام " أصحاب العقول، ويروى " ذوو الارحام " وهم الاقارب من جهة النساء " سجلا " - بفتح فسكون - الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهي دلو لا غير.
    ولا يقال حينئذ سجل، والغرب - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، وكذلك الذنوب - بفتح الذال المعجمة - مثل السجل، يريد أن الذي منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شئ كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية، فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.
    المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت، ويقصد بذوي أرحامها بني مروان.
    = (*)
    (1/336)

    والمشهور في " كرب " فتح الراء، ونقل كسرها أيضا.
    ومعنى قوله " وترك أن مع ذي الشروع وجبا " أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره ب " أن " لما بينه وبين " أن " من المنافاة، لان المقصود به الحال، و " أن " للاستقبال، وذلك نحو " أنشأ السائق يحدو، وطفق زيد يدعو، وجعل يتكلم، وأخذ ينظم، وعلق يفعل كذا ".
    * * * واستعملوا مضارعا لاوشكا وكاد لا غير، وزادوا موشكا (1).
    __________
    = الاعراب: " سقاها " سقى: فعل ماض، وضمير الغائبة مفعوله الاول " ذوو " فاعل سقى، وذوو مضاف، و " الاحلام " مضاف إليه " سجلا " مفعول ثان لسقى " على الظما " جار ومجرور متعلق بسقاها " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " كربت " كرب: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " أعناقها " أعناق اسم كرب، وأعناق مضاف والضمير مضاف إليه " أن " مصدرية " تقطعا " فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين وأصله تتقطعا منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أعناق، والجملة في محل نصب خبر كرب، والجملة من كرب واسمها وخبرها في محل نصب حال.
    الشاهد فيه: قوله " أن تقطعا " حيث أنى بخبر " كرب " فعلا مضارعا مقترنا بأن وهو قليل، حتى إن سيبويه لم يحك فيه غير التجرد من " أن "، وفي هذا البيت (و) ؟ عليه، ومثله قول الراجز، وهو العجاج بن رؤبة: قد برت أو كربت أن تبورا لما رأيت ييهسا مثبورا ومن ورود خبر " كرب " مضارعا غير مقترن بأن سوى الشاهد السابق (رقم 91) قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
    فلا تحرمي نفسا عليك مضيقة وقد كربت من شدة الوجد تطلع (1) " واستعملوا " فعل وفاعل " مضارعا " مفعول به لاستعمل " لاوشكا " جار = (22 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/337)

    أفعال هذا الباب لا تتصرف، إلا " كاد، وأوشك "، فإنه قد استعمل منهما المضارع، نحو قوله تعالى: (يكادون يسطون) وقول الشاعر: * يوشك من فر من منيته (1) * [ 90 ] وزعم الاصمعي أنه لم يستعمل " يوشك " إلا بلفظ المضارع [ ولم تستعمل " أوشك " بلفظ الماضي ] وليس بجيد، بل قد حكى الخليل استعمال الماضي، وقد ورد في الشعر، كقوله: ولو سئل الناس التراب لاوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا (2) [ 89 ] نعم الكثير فيها استعمال المضارع [ وقل استعمال الماضي ] وقول المصنف: " وزادوا موشكا " معنا أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من " أوشك " كقوله: 93 - فموشكة أرضنا أن تعود خلاف الانيس وحوشا يبابا.
    __________
    = ومجرور متعلق بقوله استعملوا " وكاد " معطوف على أوشك " لا " عاطفة " غير " معطوف على أوشك، مبني على الضم لقطعه عن الاضافة في محل جر " وزادوا " فعل وفاعل " موشكا " مفعول به لزاد.
    (1) هذا هو الشاهد رقم (90) وقد سبق شرحه قريبا، فانظره (ص 333) ومحل الشاهد فيه هنا قوله " يوشك " حيث استعمل فعلا مضارعا لاوشك، كما بيناه في الموضع الذي أحلناك عليه.
    (2) هذا هو الشاهد رقم (89) وقد سبق شرحه قريبا، فانظره في (ص 332)
    والاستشهاد به ههنا لقوله " أوشكوا " حيث استعمل الفعل الماضي، وفيه رد على الاصمعي وأبي علي حيث أنكرا استعمال الفعل الماضي وصيغة المضارع المبني للمجهول، على ما حكاه ابن مالك عنهما، وقد بينا ذلك في الموضع الذي أحلناك عليه.
    93 - هذا البيت لابي سهم الهذلي، وبعده قوله: = (*)
    (1/338)

    وقد يشعر تخصيصه " أوشك " بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من " كاد "، وليس كذلك، بل قد ورد استعماله في الشعر، كقوله: 94 - أموت أسى يوم الرجام، وإنني يقينا لرهن بالذي أنا كائد وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب..
    __________
    = وتوحش في الارض بعد الكلام ولا تبصر العين فيه كلابا اللغة: " خلاف الانيس " أي بعد المؤانس " وحوشا " قفرا خاليا، وقد ضبطه بعض العلماء بضم الواو على أنه جمع وحش، والوحش: صفة مشبهة، تقول: أرض وحش، تريد خالية، وضبطه آخرون بفتح الواو على أنه صفة كصبور " يبابا " قال ابن منظور في اللسان: " اليباب عند العرب: الذي ليس فيه أحد، قال عمر بن أبي ربيعة: ما على الرسم بالبليين لو بين رجع الجواب أو لو أجابا ؟ فإلى قصر ذي العشيرة فالصالف أمسى من الانيس يبابا معناه خاليا لا أحد به " اه.
    الاعراب: " فموشكة " خبر مقدم وهو اسم فاعل من أوشك، ويحتاج إلى اسم وخبر، واسمه ضمير مستتر فيه " أرضنا " أرض: مبتدأ مؤخر، وأرض مضاف والضمير مضاف إليه " أن " مصدرية " تعود " فعل مضارع منصوب بأن، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أرض " خلاف " منصوب على الظرفية،
    وناصبه " تعود " وخلاف مضاف، و " الانيس " مضاف إليه " وحوشا " حال من الضمير المستتر في تعود، وقوله " يبابا " حال ثانية، وقيل: تأكيد لانه بمعناه، وقيل: معطوف عليه بحرف عطف مقدر، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر موشك.
    الشاهد فيه: قوله " فموشكة " حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك، ومثله قول كثير بن عبد الرحمن الشهير بكثير عزة: فإنك موشك ألا تراها وتعدو دون غاضرة العوادي 94 - هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة، وهو من قصيدة له = (*)
    (1/339)

    وأفهم كلام المصنف أن غير " كاد، وأوشك " من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل وحكى غيره خلاف ذلك، فحكى صاحب.
    __________
    = طويلة يقولها في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي العادل، وقبل بيت الشاهد قوله: وكدت وقد سالت من العين عبرة سها عاند منها وأسبل عاند قذيت بها والعين سهو دموعها وعوارها في بان الجفن زائد فإن تركت للكحل لم يترك البكى وتشرى إذا ما حثحثتها المراود اللغة: " سها عاند " يقال: عرق عاند، إذا سال فلم يكد يرقأ، وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال: إنه عرق عاند " قذيت بها " أصابني القذى بسببها " سهو دموعها " ساكنة لينة " عوارها " قذاها " تشرى " تلح " حثحثتها " حركتها " المراود " جمع مرود بزنة منبر وهو ما يحمل به الكحل إلى العين " أسى " حزنا وشدة لوعة " الرجام " بالراء المهملة المكسورة والجيم موضع بعينه، ويصحفه جماعة بالزاي والحاء المهملة.
    الاعراب: " أموت " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره
    أنا " أسى " مفعول لاجله، ويجوز أن يكون حالا بتقدير " آسيا " أي حزينا " يوم " منصوب على الظرفية الزمانية، وناصبه " أموت " ويوم مضاف و " الرجام " مضاف إليه " وإنني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " يقينا " مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أوقن يقينا " لرهن " اللام مؤكدة، ورهن: خبر إن " بالذي " جار ومجرور متعلق برهن " أنا " مبتدأ " كائد " خبره، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب بفعل محذوف تقع جملته في محل نصب خبرا لكائد من حيث نقصانه، واسمه ضمير مستتر فيه، وتقدير الكلام: بالذي أنا كائد ألقاه، مثلا.
    الشاهد فيه: قوله " كائد " بهمزة بعد ألف فاعل منقلبة عن واو حيث استعمل الشاعر اسم الفاعل من " كاد " هذا توجيه كلام الشارح العلامة، وقد تبع فيه قوما من النحاة، وقيل: إن الصواب في الرواية " كابد " بالباء الموحدة من المكابدة، فلا شاهد فيه.
    (*)
    (1/340)

    الانصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من " عسى " قالوا: عسى يعسي فهو عاس، وحكى الجوهري مضارع " طفق "، وحكى الكسائي مضارع " جعل ".
    * * * بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد غنى ب " أن يفعل " عن ثان فقد (1) اختصت " عسى، واخلولق، وأوشك " بأنها تستعمل ناقصة وتامة.
    فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.
    وأما التامة فهي المسندة إلى " أن " والفعل، نحو " عسى أن يقوم، واخلولق أن يأتي، وأوشك أن يفعل " ف " أن " والفعل في موضع رفع فاعل " عسى،
    واخلولق، وأوشك " واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها.
    وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد " أن " اسم ظاهر يصح رفعه به، فإن وليه نحو " عسى أن يقوم زيد " فذهب الاستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذي بعد " أن " ف " أن " وما بعدها فاعل لعسى، وهي تامة، ولا خبر لها، وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز
    __________
    (1) " بعد " ظرف متعلق بقوله يرد الآتي، وبعد مضاف، و " عسى " قصد لفظه مضاف إليه " اخلولق، أوشك " معطوفان على " عسى " بعاطف مقدر " قد " حرف تحقيق " يرد " فعل مضارع " غنى " فاعل يرد " بأن يفعل " جار ومجرور متعلق بقوله " غنى " ومثله قوله " عن ثان " وقوله " فقد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثان، والجملة من فقد ونائب فاعله في محل جر صفة لثان.
    (*)
    (1/341)

    ما ذكره الشلوبين وتجويز وجه آخر، وهو: أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد " أن " مرفوعا بعسى اسما لها، و " أن " والفعل في موضع نصب بعسى، وتقدم على الاسم، والفعل الذي بعد " أن " فاعله ضمير يعود على فاعل " عسى " وجاز عوده عليه - وإن تأخر - لانه مقدم في النية.
    وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول - على مذهب غير الشلوبين - " عسى أن يقوما الزيدان، وعسى أن يقوموا الزيدون، وعسى أن يقمن الهندات " فتأتي بضمير في الفعل، لان الظاهر ليس مرفوعا به، بل هو مرفوع ب " عسى " وعلى رأي الشلوبين يجب أن تقول: " عسى أن يقوم الزيدان، وعسى أن يقوم الزيدون، وعسى أن تقوم الهندات " فلا تأتي في الفعل بضمير، لانه رفع الظاهر الذي بعده.
    * * * وجردن عسى، أو ارفع مضمرا بها، إذا اسم قبلها قد ذكرا (1).
    __________
    (1) " وجردن " جرد: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " عسى " قصد لفظه: مفعول به لجرد " أو " حرف عطف معناه التخيير " ارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مضمرا " مفعول به لارفع " بها " جار ومجرور متعلق بارفع " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان، تضمن معنى الشرط " اسم " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، أي: إذا ذكر اسم " قبلها " قبل: ظرف متعلق بذكر الآتي، وقبل مضاف وها: مضاف إليه " قد " حرف دال على التحقيق مبني على السكون لا محل له من الاعراب " ذكرا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم، والجملة من ذكر ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها تفسيرية.
    (*)
    (1/342)

    اختصت " عسى " من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق، وهذه لغة تميم، وجاز تجريدها عن الضمير، وهذه لغة الحجاز، وذلك نحو " زيد عسى أن يقوم " فعلى لغة تميم يكون في " عسى " ضمير مستتر يعود على " زيد " و " أن يقوم " في موضع نصب بعسى، وعلى لغة الحجاز لا ضمير في " عسى " و " أن يقوم " في موضع رفع بعسى.
    وتظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول - على لغة - تميم: " هند عست أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندان عستا أن تقوما، والهندات عسين أن يقمن " وتقول - على لغة
    الحجاز: " هند عسى أن تقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن يقوموا، والهندان عسى أن تقوما، والهندات عسى أن يقمن ".
    وأما غير " عسى " من أفعال هذا الباب فيجب الاضمار فيه، فتقول: " الزيدان جعلا ينظمان " ولا يجوز ترك الاضمار، فلا تقول: " الزيدان جعل ينظمان " كما تقول: " الزيدان عسى أن يقوما ".
    * * * والفتح والكسر أجز في السين من نحو " عسيت "، وانتقا الفتح زكن (1).
    __________
    (1) " والفتح " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " أجز " الآتي " والكسر " معطوف على الفتح " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في السين " جار ومجرور متعلق بأجز " من نحو " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من السين، ونحو مضاف وقوله " عسيت " قصد لفظه: مضاف إليه " وانتقا " الواو = (*)
    (1/343)

    إذا اتصل ب " عسى " ضمير موضوع للرفع، وهو لمتكلم، نحو " عسيت " أو لمخاطب، نحو " عسيت، وعسيت، وعسيتما، وعسيتم، وعسيتن " أو لغائبات، نحو " عسين " جاز كسر سينها وفتحها، والفتح أشهر، وقرأ نافع: (فهل عسيتم إن توليتم) - بكسر السين - وقرأ الباقون بفتحها.
    * * *.
    __________
    = عاطفة، انتقا: مبتدأ: وانتقا مضاف و " الفتح " مضاف إليه " زكن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتقا الفتح، والجملة من زكن ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/344)

    إن وأخواتها لان، أن، ليت، لكن، لعل، كأن عكس ما لكان من عمل (1) كإن زيدا عالم بأني كف ء، ولكن ابنه ذو ضغن (2) هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء، وهي ستة أحرف (3):.
    __________
    (1) " لان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أن، ليت، لكن، لعل، كأن " كلهن معطوف على المجرور بعاطف مقدر " عكس " مبتدأ مؤخر، وعكس مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " لكان " جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة الموصول: أي عكس الذي استقر لكان " من عمل " جار ومجرور متعلق بما تعلق به الاول.
    (2) " كإن " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة، إن: حرف توكيد ونصب " زيدا " اسمها " عالم " خبرها " بأني " الباء جارة، وأن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " كف ء " خبرها، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بقوله " عالم " السابق " ولكن " حرف استدراك ونصب " ابنه " ابن: اسم لكن، وابن مضاف والهاء مضاف إليه " ذو " خر لكن، وذو مضاف و " ضغن " مضاف إليه.
    (3) قد عرفت مما قدمنا لك ذكره في أول الكلام على أفعال المقاربة (ص 322) أن سيبويه رحمه الله يرى أن " عسى " قد تكون حرفا دالا على الترجي مثل لعل وأنها على مذهبه تكون عاملة عمل إن، فتنصب الاسم، وترفع الخبر، وذلك في حالة واحدة، وهي أن يتصل بها ضمير نصب، نحو قول الشاعر: * فقلت عساها نار كأس وعلها * وقد تقدم إنشاده كاملا في الموضع الذي أحلناك عليه، ومثله قول الراجز: تقول بنتي: قد أنى أناكا، يا أبتا علك أو عساكا
    ومثله قول عمران بن حطان الخارجي: = (*)
    (1/345)

    إن، وأن، وكأن، ولكن، وليت، ولعل، وعدها سيبويه خمسة، فأسقط " أن " المفتوحة لان أصلها " إن " المكسورة، كما سيأتي.
    ومعنى " إن، وأن " التوكيد، ومعنى " كأن " التشبيه، و " لكن " للاستدراك، وليت " للتمني، و " لعل " للترجي والاشفاق، والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن، نحو: " ليت زيدا قائم " وفي غير الممكن، نحو: " ليت الشباب يعود يوما " (1)، وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن، فلا تقول: " لعل الشباب يعود " والفرق بين الترجي والاشفاق أن الترجي يكون في المحبوب، نحو: " لعل الله يرحمنا " والاشفاق في المكروه نحو: " لعل العدو يقدم ".
    وهذه الحروف تعمل عكس عمل " كان " فتنصب الاسم، وترفع الخبر (2).
    __________
    = ولي نفس أقول لها إذا ما تنازعني: لعلي أو عساني ولهذا تجد ابن هشام عد هذه الحروف سبعة: الستة التي عدها الناظم والشارح، والسابع عسى، عند سيبويه وجماعة من النحاة، فاعرف ذلك.
    (1) قد وردت هذه الجملة في بيت لابي العتاهية، وهو قوله: ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب (2) ههنا أمران يجب أن تتنبه لهما: الاول: أن هذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيها حذف المبتدأ، كما لا تدخل على مبتدأ لا يخرج عن الابتدائية، مثل " ما " التعجبية، كما لا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير - أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا الاخير ضمير الشأن، فإنه مما يجب تصديره، وقد دخلت عليه إن في قول الاخطل التغلبي:
    إن من يدخل الكنيسة يوما يلق فيها جآذرا وظباء فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، ومن: اسم شرط مبتدأ وخبره جملة الشرط وجوابه أو إحداهما، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، ولا يجوز أن تجعل اسم الشرط اسما لان، لكونه مما يجب له التصدير، وقد حمل على = (*)
    (1/346)

    .
    __________
    = ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمصورون: مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وهذا هو الراجح في إعراب هذا الحديث على هذه الرواية، ومنهم من جعل من في قوله " من أشد " زائدة على مذهب الكسائي الذي يجيز زيادة من الجارة في الايجاب، ويجعل " أشد " اسم إن.
    و " المصورون " خبرها وهو مبني على رأي ضعيف، ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا، فأما قوله تعالى (إنهم ساء ما كانوا يعملون) وقوله سبحانه (إن الله نعما يعظكم به) وقول الشاعر: إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبرا لان، وتقع هذه الجمل الانشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم مقول في شأنهم لا تحسبوا إلخ، وكذلك الباقي، هكذا قالوا، وهو عندي تكلف والتزام ما لا لزوم له.
    ويستثنى من ذلك عند هم أن المفتوحة، فإنها انفردت بجواز وقوع خبرها جملة إنشائية، وهو مقيس فيما إذا خففت نحو قوله تعالى (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) وقوله جل شأنه: (والخامسة أن غضب الله عليها).
    الامر الثاني: أن جماعة من العلماء - منهم ابن سيده - قد حكوا أن قوما من
    العرب ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا، واستشهدوا على ذلك بقول (وينسب إلى عمر بن أبي ربيعة، ولم أجده في ديوانه): إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافا، إن حراسنا أسدا ويقول محمد بن ذؤيب العماني الفقيمي الراجز يصف فرسا: كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا ويقول ذي الرمة: كأن جلودهن مموهات على أبشارها ذهبا زلالا ويقول الراجز: = (*)
    (1/347)

    نحو: " إن زيدا قائم "، فهي عاملة في الجزءين، وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول " إن " وهو خبر المبتدأ.
    * * * وراع ذا الترتيب، إلا في الذي كليت فيها - أو هنا - غير البذي (1) أي: يلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر، إلا إذا كان الخبر ظرفا، أو جارا ومجرورا، فإنه لا يلزم تأخيره، وتحت هذا قسمان: أحدهما: أنه يجوز تقديمه وتأخيره، وذلك نحو: " ليت فيها غير البذي ".
    __________
    = * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وزعم ابن سلام أن لغة جماعة من تميم - هم قوم رؤبة بن العجاج - نصب الجزأين بإن وأخواتها، ونسب ذلك أبو حنيفة الدينوري إلى تميم عامة.
    وجمهرة النحاة لا يسلمون ذلك كله، وعندهم أن المنصوب الثاني منصوب بعامل محذوف، وذلك العامل المحذوف هو خبر إن، وكأنه قال: إن حراسنا يشبهو ن أسدا،
    ياليت أيام الصبا تكون رواجع.
    (1) " وراع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذا " اسم إشارة مفعول به لراع " الترتيب " يدل، أو عطف بيان، أو نعت لاسم الاشارة " إلا " أداة استثناء " في الذي " جار ومجرور يقع موقع المستثنى من محذوف.
    والتقدير: راع هذا الترتيب في كل تركيب إلا في التركيب الذي إلخ - " كليت " الكاف جارة لقول محذوف، وهي ومجرورها متعلقان بفعل محذوف تقع جملته صلة الذي وليت: حرف تمن ونصب " فيها " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم على اسمها " أو " عاطفة، معناه التخيير " هنا " ظرف مكان معطوف على قوله " فيها " " غير " اسم " ليت " مؤخر، وغير مضاف، و " البذي " مضاف إليه، والمراد بالتركيب الذي كليت فيها - إلخ: كل تركيب وقع فيه خبر إن ظرفا أو جارا ومجرورا (*)
    (1/348)

مجوز های ارسال و ویرایش

  • شما نمیتوانید موضوع جدیدی ارسال کنید
  • شما امکان ارسال پاسخ را ندارید
  • شما نمیتوانید فایل پیوست در پست خود ضمیمه کنید
  • شما نمیتوانید پست های خود را ویرایش کنید
  •