[ شرح إبن عقيل - ابن عقيل ]
الكتاب : شرح إبن عقيل
المؤلف : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني
الناشر : دار الفكر - دمشق
الطبعة الثانية ، 1985
تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد
عدد الأجزاء : 4 جمع تكسير لمذكر كالرجال أو لمؤنث كالهنود أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات جاز إثبات التاء وحذفها فتقول قام الرجال وقامت الرجال وقام الهنود وقامت الهنود وقام الهندات وقامت الهندات فإثبات التاء لتأوله بالجماعة وحذفها لتأوله بالجمع
وأشار بقوله كالتاء مع إحدى اللبن إلى أن التاء مع جمع التكسير وجمع السلامة لمؤنث كالتاء مع الظاهر المجازي التأنيث كلبنة فكما تقول كسرت اللبنة وكسر اللبنة تقول قام الرجال وقامت الرجال وكذلك باقي ما تقدم
وأشار بقوله والحذف في نعم الفتاة إلى آخر البيت إلى أنه يجوز في نعم وأخواتها إذا كان فاعلها مؤنثا إثبات التاء وحذفها وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا فتقول نعم المرأة هند ونعمت المرأة هند وإنما جاز ذلك لأن فاعلها مقصود به استغراق الجنس فعومل معاملة جمع التكسير في جواز إثبات التاء وحذفها لشبهه به في أن المقصود به متعدد
(2/95)

ومعنى قوله استحسنوا أن الحذف في هذا ونحوه حسن ولكن الإثبات أحسن منه
( والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا )
( وقد يجاء بخلاف الأصل ... وقد يجى المفعول قبل الفعل )
الأصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل لأنه كالجزء منه ولذلك يسكن له آخر الفعل إن كان ضمير متكلم أو مخاطب نحو ضربت وضربت وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة
والأصل في المفعول أن ينفصل من الفعل بأن يتأخر عن الفاعل ويجوز تقديمه علىالفاعل إن خلا مما سيذكره فتقول ضرب زيدا عمرو وهذا معنى قوله وقد يجاه بخلاف الأصل
(2/96)

وأشار بقوله وقد يجي المفعول قبل الفعل إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل وتحت هذا قسمان
أحدهما ما يجب تقديمه وذلك كما إذا كان المفعول اسم شرط نحو أيا تضرب أضرب أو اسم استفهام نحو أي رجل ضربت أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله نحو إياك نعبد فلو أخر المفعول لزم الاتصال وكان يقال نعبدك فيجب التقديم بخلاف قولك الدرهم إياه أعطيتك فإنه لا يجب تقديم إياه لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله على ما تقدم في باب المضمرات فكنت تقول الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه
(2/97)

والثاني ما يجوز تقديمه وتأخيره نحو ضرب زيد عمرا فتقول عمرا ضرب زيد
( وأخر المفعول إن لبس حذر ... أو أضمر الفاعل غير منحصر )
(2/98)

يجب تقديم الفاعل على المفعول إذا خيف التباس أحدهما بالآخر كما إذا خفى الإعراب فيهما ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول وذلك نحو ضرب موسى عيسى فيجب كون موسى فاعلا وعيسى مفعولا
وهذا مذهب الجمهور وأجاز بعضهم تقديم المفعول في هذا ونحوه قال لأن العرب لها غرض فى الالتباس كما لها غرض في التبيين
(2/99)

فإذا وجدت قرينة تبين الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره فتقول أكل موسى الكمثرى وأكل الكمثرى موسى وهذا معنى قوله وأخر المفعول إن لبس حذر
ومعنى قوله أو أضمر الفاعل غير منحصر أنه يجب أيضا تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور نحو ضربت زيدا
فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره نحو ما ضرب زيدا إلا أنا
( وما بإلا أو بإنما انحصر ... أخر وقد يسبق إن قصد ظهر )
(2/100)

يقول إذا انحصر الفاعل أو المفعول بإلا أو بإنما وجب تأخيره وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور إذا ظهر المحصور من غيره وذلك كما إذا كان الحصر بإلا فأما إذا كان الحصر بإنما فإنه لا يجوز تقديم المحصور إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره بخلاف المحصور بإلا فإنه يعرف بكونه واقعا بعد إلا فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر
فمثال الفاعل المحصور بإنما قولك إنما ضرب عمرا زيد ومثال المفعول المحصور بإنما إنما ضرب زيد عمرا ومثال الفاعل المحصور بإلا ما ضرب عمرا إلا زيد ومثال المفعول المحصور بإلا ما ضرب زيد إلا عمرا ومثال تقدم الفاعل المحصور بإلا قولك ما ضرب إلا عمرو زيدا ومنه قوله 147 -
( فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا ... عشية آناء الديار وشامها )
(2/101)

ومثال تقديم المفعول المحصور بإلا قولك ما ضرب إلا عمرا زيد ومنه قوله 148 -
( تزودت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها )
(2/103)

هذا معنى كلام المصنف
واعلم أن المحصور بإنما لا خلاف في أنه يجوز تقديمه وأما المحصور بالإ ففية ثلاثة مذاهب
أحدها وهو مذهب أكثر البصريين والفراء وابن الأنباري أنه لا يخلو إما أن يكون المحصور بها فاعلا أو مفعولا فإن كان فاعلا امتنع تقديمه فلا يجوز ما ضرب إلا زيد عمرا فأما قوله فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا فأول على أن ما هيجت مفعول بفعل محذوف والتقدير درى ما هيجت لنا فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول لأن هذا ليس مفعولا للفعل المذكور وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه نحو ما ضرب إلا عمرا زيد
الثاني وهو مذهب الكسائي أنه يجوز تقديم المحصور بإلا فاعلا كان أو مفعولا
الثالث وهو مذهب بعض البصريين واختاره الجزولي والشلوبين أنه لا يجوز تقديم المحصور بإلا فاعلا كان أو مفعولا
( وشاع نحو خاف ربه عمر ... وشذ نحو زان نوره الشجر )
(2/104)

أي شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر وذلك نحو خاف ربه عمر فربه مفعول وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى عمر وهو الفاعل وإنما جاز ذلك وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لفظا لأن الفاعل منوي التقديم على المفعول لأن الأصل في الفاعل أن يتصل بالفعل فهو متقدم رتبة وإن تأخر لفظا
فلو اشتمل المفعول علىضمير يرجع إلى ما اتصل بالفاعل فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل في ذلك خلاف وذلك نحو ضرب غلامها جار هند فمن أجازها وهو الصحيح وجه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم لأن المتصل بالمتقدم متقدم
وقوله وشذ إلى آخره أي شذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخر وذلك نحو زان نوره الشجر فالهاء المتصلة بنور الذي هو الفاعل عائدة على الشجر وهو المفعول وإنما شذ ذلك لأن فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة لأن الشجر مفعول وهو متأخر لفظا والأصل فيه أن ينفصل عن الفعل فهو متأخر رتبة
وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين وما ورد من ذلك تأولوه وأجازها أبو عبد الله الطوال من الكوفيين وأبو الفتح ابن جنى وتابعهما المصنف ومما ورد من ذلك قوله
(2/105)

-
( لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا ... وكاد لو ساعد المقدور ينتصر )
(2/106)

وقوله 150 -
( كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورفى نداه ذا الندى في ذرى المجد )
(2/107)

وقوله 151 -
( ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما ) وقوله 152 -
( جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل )
(2/108)

وقوله 153 -
( جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزي سنمار )
(2/109)

فلو كان الضمير المتصل بالفاعل المتقدم عائدا على ما اتصل بالمفعول المتأخر امتنعت المسألة وذلك نحو ضرب بعلها صاحب هند وقد نقل بعضهم في هذه المسألة أيضا خلافا والحق فيها المنع
(2/110)

النائب عن الفاعل
( ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له كنيل خير نائل )
يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه فيعطى ما كان للفاعل من لزوم الرفع ووجوب التأخر عن رافعه وعدم جواز حذفه وذلك نحو نيل خير نائل
(2/111)

فخير نائل مفعول قائم مقام الفاعل والأصل نال زيد خير نائل فخذف الفاعل وهو زيد وأقيم المفعول به مقامه وهو خير نائل ولا يجوز تقديمه فلا تقول خير نائل نيل على أن يكون مفعولا مقدما بل على أن يكون مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي نيل والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر والتقدير نيل هو وكذلك لا يجوز حذف خير نائل فتقول نيل
( فأول الفعل اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل )
(2/112)

( واجعله من مضارع منفتحا ... كينتحى المقول فيه ينتحى )
يضم أول الفعل الذي لم يسم فاعله مطلقا أي سواء كان ماضيا أو مضارعا ويكسر ما قبل آخر الماضي ويفتح ما قبل آخر المضارع
ومثال ذلك في الماضي قولك في وصل وصل وفي المضارع قولك في ينتحي ينتحى
( والثاني التالي تا المطاوعه ... كالأول اجعله بلا منازعه )
( وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه كاستحلي )
(2/113)

إذا كان الفعل المبنى للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضم أوله وثانيه وذلك كقولك في تدحرج تدحرج وفي تكسر تكسر وفي تغافل تغوفل
وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضم أوله وثالثه وذلك كقولك في استحلي استحلي وفي اقتدر اقتدر وفي انطلق انطلق
( واكسر أواشمم فاثلاثي أعل ... عينا وضم جا كبوع فاحتمل )
إذا كان الفعل المبني للمفعول ثلاثيا معتل العين سمع في فائه ثلاثة أوجه 1 -
إخلاص الكسر نحو قيل وبيع ومنه قوله 154 -
( حيكت على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك )
(2/114)

-
وإخلاص الضم نحو قول وبوع ومنه قوله 155 -
( ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت )
وهي لغة بني دبير وبني فقعس وهما من فصحاء بني أسد
(2/115)

3 - والإشمام وهو الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ ولا يظهر في الخط وقد قريء في السبعة قوله تعالى ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء ) وبالإشمام في قيل وغيض
( وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يرى لنحو حب )
إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب فإما أن يكون واويا أو يائيا
فإن كان واويا نحو سام من السوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الإشمام فتقول سمت ولا يجوز الضم
(2/117)

فلا تقول سمت لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالضم ليس إلا نحو سمت العبد
وإن كان يائيا نحو باع من البيع وجب عند المصنف أيضا ضمه أو الإشمام فتقول بعت يا عبد ولا يجوز الكسر فلا تقول بعت لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالكسر فقط نحو بعت الثوب
وهذا معنى قوله وإن بشكل خيف لبس يجتنب أي وإن خيف اللبس في شكل من الأشكال السابقة أعني الضم والكسر والإشمام عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه
هذا ما ذكره المصنف والذي ذكره غيره أن الكسر في الواوي والضم في اليائي والإشمام هو المختار ولكن لا يجب ذلك بل يجوز الضم فىالواوي والكسر فى اليائى
وقوله وما لباع قد يرى لنحو حب معناه أن الذي ثبت لفاء باع من جواز الضم والكسر والإشمام يثبت لفاء المضاعف نحو حب فتقول حب وحب وإن شئت أشممت
(2/118)

أي يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن افتعل أو انفعل وهو معتل العين ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم وذلك نحو اختار وانقاد وشبههما فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه الضم نحو اختور وانقود والكسر نحو اختير وانقيد والإشمام وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف
( وقابل من ظرف أو من مصدر ... أو حرف جر بنيابة حري )
تقدم أن الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل وأشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجار والمجرور مقامه وشرط في كل واحد منها أن يكون قابلا للنيابة أي صالحا لها واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة كالظرف الذي لا يتصرف والمراد به ما لزم النصب على الظرفية نحو سحر إذا أريد به سحر يوم
(2/119)

بعينه ونحو عندك فلا تقول جلس عندك ولا ركب سحر لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب وكالمصادر التي لا تتصرف نحو معاذ الله فلا يجوز رفع معاذ الله لما تقدم في الظرف وكذلك ما لا فائدة فيه من الظرف والمصدر والجار والمجرور فلا تقول سير وقت ولا ضرب ضرب ولا جلس في دار لأنه لا فائدة في ذلك
ومثال القابل من كل منها قولك سير يوم الجمعة وضرب ضرب شديد ومر بزيد
(2/120)

( ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد )
مذهب البصريين إلا الأخفش أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر وظرف وجار ومجرور تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل فتقول ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده وما ورد من ذلك شاذ أو مؤول
ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود تقدم أو تأخر فتقول ضرب ضرب شديد زيدا وضرب زيدا ضرب شديد وكذلك في الباقي واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر ( ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) وقول الشاعر
(2/121)

-
( لم يعن بالعلياء إلا سيدا ... ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى )
(2/122)

ومذهب الأخفش أنه إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل واحد منهما فتقول ضرب في الدار زيد وضرب في الدار زيدا وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به نحو ضرب زيد في الدار فلا يجوز ضرب زيدا في الدار
( وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب كسا فيما التباسه أمن )
(2/123)

إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله فإما أن يكون من باب أعطى أو من باب ظن
فإن كان من باب أعطى وهو المراد بهذا البيت فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثاني وبالاتفاق فتقول كسي زيد جبة وأعطي عمرو درهما وإن شئت أقمت الثاني فتقول أعطي عمرا درهم وكسي زيدا جبة
هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول وذلك نحو أعطيت زيدا عمرا فتتعين إقامة الأول فتقول أعطي زيد عمرا ولا يجوز إقامة الثاني حينئذ لئلا يحصل لبس لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا بخلاف الأول
ونقل المصنف الاتفاق على أن الثاني من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن
(2/124)

اللبس فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد لأن مذهب الكوفيين أنه إذا كان الأول معرفة والثاني نكرة تعين إقامة الأول فتقول أعطي زيد درهما ولا يجوز عندهم إقامة الثاني فلا تقول أعطي درهم زيدا
( في باب ظن وأرى المنع اشتهر ... ولا أرى منعا إذا القصد ظهر )
يعني أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل كظن وأخواتها أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن والثاني والثالث في باب أعلم فتقول ظن زيد قائما ولا يجوز ظن زيدا قائم وتقول أعلم زيد فرسك مسرجا ولا يجوز إقامة الثاني فلا تقول أعلم زيدا فرسك مسرجا ولا إقامة الثالث فتقول أعلم زيدا فرسك
(2/125)

مسرج ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث ونقل الاتفاق أيضا ابن المصنف
وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا باب أعلم لكن يشترط ألا يحصل لبس فتقول ظن زيدا قائم وأعلم زيدا فرسك مسرجا
وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه وليس كما زعما فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك فتقول أعلم زيدا فرسك مسرج
فلوحصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم فلا تقول ظن زيدا عمرو على أن عمرو هو المفعول الثاني ولا أعلم زيدا خالد منطلقا
( وماسوى النائب مما علقا ... بالرافع النصب له محققا )
(2/126)

حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل ونصبت الباقي فتقول أعطي زيد درهما وأعلم زيد عمرا قائما وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره
(2/127)

اشتغال العامل عن المعمول
(2/128)

( إن مضمر اسم سابق فعلا شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل )
( فالسابق انصبه بفعل أضمرا ... حتما موافق لما قد أظهرا )
الاشتغال أن يتقدم اسم ويتأخر عنه فعل قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سبيبه وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق فمثال المشتغل بالضمير زيدا ضربته وزيدا مررت به ومثال المشتغل بالسببي زيدا ضربت غلامه وهذا هو المراد بقوله إن مضمر اسم إلى آخره والتقدير إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن ذلك الاسم المضمر لفظا نحو زيدا ضربته أو بنصبه محلا نحو زيدا مررت به فكل واحد من ضربت ومررت اشتغل
(2/129)

بضمير زيد لكن ضربت وصل إلى الضمير بنفسه ومررت وصل إليه بحرف جر فهو مجرور لفظا ومنصوب محلا وكل من ضربت ومررت لو لم يشتغل بالضمير لتسلط على زيد كما تسلط على الضمير فكنت تقول زيدا ضربت فتنصب زيدا ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره وتقول بزيد مررت فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضميره ويكون منصوبا محلا كما كان الضمير
وقوله فالسابق انصبه إلى آخره معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على الهيئة المذكورة فيجوز لك نصب الاسم السابق
واخلتف النحويون في ناصبه
فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا لأنه لا يجمع بين المفسر والمفسر ويكون الفعل المضمر موافقا في المعنى لذلك المظهر وهذا يشمل ما وافق لفظا نحو قولك في زيدا ضربته إن التقدير ضربت زيدا ضربته وما وافق معنى دون لفظ كقولك في زيدا مررت به إن التقدير جاوزت زيدا مررت به وهذا هو الذي ذكره المصنف
(2/130)

والمذهب الثاني أنه منصوب بالفعل المذكور بعده وهذا مذهب كوفي واختلف هؤلاء فقال قوم إنه عمل في الضمير وفي الاسم معا فإذا قلت زيدا ضربته كان ضربت ناصبا لزيد وللهاء ورد هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد في ضمير اسم ومظهره وقال قوم هو عامل في الظاهر والضمير ملغى ورد بأن الأسماءلا تلغى بعد اتصالها بالعوامل
( والنصب حتم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل كإن وحيثما )
(2/131)

ذكر النحويون أن مسائل هذا الباب على خمسة أقسام أحدها ما يجب فيه النصب والثاني ما يجب فيه الرفع والثالث ما يجوز فيه الأمران والنصب أرجح والرابع ما يجوز فيه الأمران والرفع أرجح والخامس ما يجوز فيه الأمران على السواء
فأشار المصنف إلى القسم الأول بقوله والنصب حتم إلى آخره ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لايليها إلا الفعل كأدوات الشرط نحو إن وحيثما فتقول إن زيدا أكرمته أكرمك وحيثما زيدا تلقه فأكرمه فيجب نصب زيدا في المثالين وفيما أشبههما ولا يجوز
(2/132)

الرفع على أنه مبتدأ إذ لا يقع الاسم بعد هذه الأدوات وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء كقول الشاعر 157 -
( لا تجزعي إن منفس أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي )
(2/133)

تقديره إن هلك منفس والله أعلم
(2/134)

( وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا )
( كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد )
أشار بهذين البيتين إلى القسم الثاني وهوما يجب فيه الرفع فيجب رفع
(2/135)

الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختص بالابتداء كإذا التي للمفاجأة فتقول خرجت فإذا زيد يضربه عمرو برفع زيد ولا يجوز نصبه لأن إذا هذه لا يقع بعدها الفعل لا ظاهرا ولا مقدرا
وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولى الفعل المشتغل بالضمير أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها كأدوات الشرط والاستفهام وما النافية نحو زيد إن لقيته فأكرمه وزيد هل تضربه وزيد ما لقيته فيجب رفع زيد في هذه الأمثلة ونحوها ولا يجوز نصبه لأن ما لا يصلح أن يعمل
(2/136)

فيما قبله لا يصلح أن يفسر عاملا فيما قبله وإلى هذا أشار بقوله كذا إذا الفعل تلا إلى آخره
أي كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئا لا يرد ما قبله معمولا لما بعده ومن أجاز عمل ما بعد هذه الأدوات فيما قبلها فقال زيدا ما لقيت أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدر فيقول زيدا ما لقيته
( واختير نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب )
( وبعد عاطف بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أولا )
(2/137)

هذا هو القسم الثالث وهو ما يختار فيه النصب
وذلك إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب كالأمر والنهى والدعاء نحو زيدا اضربه وزيدا لا تضربه وزيدا رحمه الله فيجوز رفع زيد ونصبه والمختار النصب
وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل كهمزة الاستفهام نحو أزيدا ضربته بالنصب والرفع والمختار النصب
وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية ولم يفصل بين العاطف والاسم نحو قام زيد وعمرا أكرمته فيجوز رفع عمرو ونصبه والمختار النصب لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية
فلو فصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شيء نحو قام زيد وأما عمرو فأكرمته فيجوز رفع عمرو ونصبه والمختار الرفع كما سيأتي وتقول قام زيد وأما عمرا فأكرمه فيختار النصب كما تقدم لأنه وقع قبل فعل دال على طلب
(2/138)

( وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا )
أشار بقوله فاعطفن مخيرا إلى جواز الأمرين على السواء وهذا هو الذي تقدم أنه القسم الخامس
وضبط النحويون ذلك بأنه إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة ذات وجهين جاز الرفع والنصب على السواء وفسروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة صدرها اسم وعجزها فعل نحو زيد قام وعمرو أكرمته فيجوز رفع عمرو مراعاة للصدر ونصبه مراعاة للعجز
( والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أبيح افعل ودع مالم يبح )
(2/139)

هذا هو الذي تقدم أنه القسم الرابع وهو ما يجوز فيه الأمران ويختار الرفع وذلك كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ولا ما يوجب رفعه ولا ما يرجح نصبه ولا ما يجوز فيه الأمرين على السواء وذلك نحو زيد ضربته فيجوز رفع زيد ونصبه والمختار رفعه لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار
وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب لما فيه من كلفة الإضمار وليس بشيء فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية وهو كثير وأنشد أبو السعادات ابن الشجري في أماليه على النصب قوله 158 -
( فارسا ما غادروه ملحما ... غير زميل ولا نكس وكل )
ومنه قوله تعالى ( جنات عدن يدخلونها ) بكسر تاء جنات
(2/140)

( وفصل مشغول بحرف جر ... أو بإضافة كوصل يجري )
يعني أنه لا فرق في الأحوال الخمسة السابقة بين أن يتصل الضمير بالفعل المشغول به نحو زيد ضربته أو ينفصل منه بحرف جر نحو زيد مررت به أو بإضافة نحو زيد ضربت غلامه أو غلام صاحبه أو مررت بغلامه أو بغلام صاحبه فيجب النصب في نحو إن زيدا مررت به أكرمك كما يجب في إن زيدا لقيته أكرمك وكذلك يجب الرفع في خرجت فإذا زيد مر به عمرو ويختار النصب في أزيدا مررت به ويختار الرفع
(2/141)

في زيد مررت به ويجوز الأمران على السواء في زيد قام وعمرو مررت به وكذلك الحكم في زيد ضربت غلامه أو مررت بغلامه
( وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل إن لم يك مانع حصل )
يعني أن الوصف العامل في هذا الباب يجري مجرى الفعل فيما تقدم والمراد بالوصف العامل اسم الفاعل واسم المفعول
واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل نحو زيد دراكه فلا يجوز نصب زيد لأن أسماء الأفعال لا تعمل فيما قبلها فلا تفسر عاملا فيه
واحترز بقوله ذا عمل من الوصف الذي لا يعمل كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى نحو زيد أنا ضاربه أمس فلا يجوز نصب زيد لأن مالا يعمل لايفسر عاملا
ومثال الوصف العامل زيد أنا ضاربه الآن أو غدا والدرهم أنت معطاه فيجوز نصب زيد والدرهم ورفعهما كما كان يجوز ذلك مع الفعل
(2/142)

واحترز بقوله إن لم يك مانع حصل عما إذا دخل على الوصف مانع يمنعه من العمل فيما قبله كما إذا دخلت عليه الألف واللام نحو زيد أنا الضاربه فلا يجوز نصب زيد لأن ما بعد الألف واللام لا يعمل فيما قبلهما فلا يفسر عاملا فيه والله أعلم
( وعلقه حاصلة بتابع ... كعلقة بنفس الاسم الواقع )
تقدم أنه لا فرق في هذا الباب بين ما اتصل فيه الضمير بالفعل نحو زيدا ضربته وبين ما انفصل بحرف جر نحو زيدا مررت به أو بإضافة نحو زيدا ضربت غلامه
(2/143)

وذكر في هذا البيت أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسببي ومعناه أنه إذ عمل الفعل في أجنبي وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق من صفة نحو زيدا ضربت رجلا يحبه أو عطف بيان نحو زيدا ضربت عمرا أباه أو معطوف بالواو خاصة نحو زيدا ضربت عمرا وأخاه حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببي فينزل زيدا ضربت رجلا يحبه منزلة زيدا ضربت غلامه وكذلك الباقى
وحاصله أن الأجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببي والله أعلم
(2/144)

تعدي الفعل ولزومه
( علامة الفعل المعدى أن تصل ... ها غير مصدر به نحو عمل )
ينقسم الفعل إلى متعد ولازم فالمتعدي هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر نحو ضربت زيدا واللازم ما ليس كذلك وهو ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر نحو مررت بزيد أولا مفعول له نحو قام زيد
(2/145)

ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه فعلا متعديا ووافعا ومجاوزا وما ليس كذلك يسمى لازما وقاصرا وغير متعد ويسمى متعديا بحرف جر
وعلامة الفعل المتعدي أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر وهي هاء المفعول به نحو الباب أغلقته
واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر فإنها تتصل بالمتعدي واللازم فلا تدل على تعدي الفعل فمثال المتصلة بالمتعدي الضرب ضربته زيدا أي ضربت الضرب زيدا ومثال المتصلة باللازم القيام قمته أي قمت القيام
( فانصب به مفعوله إن لم ينب ... عن فاعل نحو تدبرت الكتب )
(2/146)

شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله نحو تدبرت الكتب فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم نحو تدبرت الكتب
وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس كقولهم خرق الثوب المسمار ولا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على السماع
(2/147)

والأفعال المتعدية علىثلاثة أقسام
أحدها ما يتعدى إلى مفعولين وهي قسمان أحدهما ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر كظن وأخواتها والثاني ما ليس أصلهما ذلك كأعطى وكسا
والقسم الثاني ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كأعلم وأرى
والقسم الثالث ما يتعدى إلى مفعول واحد كضرب ونحوه
( ولازم غير المعدى وحتم ... لزوم أفعال السجايا كنهم )
( كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نظافة أو دنسا )
( أو عرضا أو طاوع المعدى ... لواحد كمده فامتدا )
(2/148)

اللازم هو ما ليس بمتعد وهو ما لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية وهي الطبيعة نحو شرف وكرم وظرف ونهم وكذا كل فعل على وزن افعلل نحو اقشعر واطمأن أو على وزن أفعنلل نحو اقعنسس واحرنجم أو دل على نظافة كطهر الثوب ونظف أو على دنس كدنس الثوب ووسخ أو دل على عرض نحو مرض زيد واحمر أو كان مطاوعا لما تعدى إلى مفعول واحد نحو مددت الحديد فامتد ودحرجت زيدا فتدحرج
واحترز بقوله لواحد مما طاوع المتعدي إلى اثنين فإنه لا يكون لازما بل يكون متعديا إلى مفعول واحد نحو فهمت زيدا المسألة ففهمها وعلمته النحو فتعلمه
( وعد لازما بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر )
(2/149)

( نقلا وفي أن وأن يطرد ... مع أمن لبس كعجبت أن يدوا )
تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر نحو مررت بزيد وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه نحو مررت زيدا قال الشاعر 159 -
( تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام )
(2/150)

أي تمرون بالديار ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير أن وأن بل يقتصر فيه على السماع وذهب أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي وهو الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا بشرط تعين الحرف ومكان الحذف نحو بريت القلم بالسكين فيجوز عنده حذف الباء فتقول بريت القلم السكين فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف نحو رغبت في زيد فلا يجوز حذف في لأنه لا يدرى حينئذ هل التقدير رغبت عن زيد أو في زيد وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز نحو اخترت القوم من بني تميم فلا يجوز الحذف فلا تقول اخترت القوم بني تميم إذ لا يدرى هل الأصل اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم
وأما أن وأن فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا بشرط أمن اللبس كقولك عجبت أن يدوا والأصل عجبت من أن يدوا أي من أن يعطوا الدية ومثال ذلك مع أن بالتشديد عجبت من أنك قائم فيجوز حذف من فتقول عجبت أنك قائم فإن حصل لبس لم يجز الحذف
(2/151)

نحو رغبت في أن تقوم أو رغبت في أنك قائم فلا يجوز حذف في لاحتمال أن يكون المحذوف عن فيحصل اللبس
واختلف في محل أن وأن عند حذف حرف الجر فذهب الأخفش إلى أنهما في محل جر وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين
(2/152)

وحاصله أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر ثم إن كان المجرور غير أن وأن لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا وإن كان أن وأن جاز ذلك قياسا عند أمن اللبس وهذا هو الصحيح
( والأصل سبق فاعل معنى كمن ... من ألبسن من زاركم نسج اليمن )
إذا تعدى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل فالأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى نحو أعطيت زيدا درهما فالأصل تقديم زيد
(2/153)

على درهم لأنه فاعل في المعنى لأنه الآخذ للدرهم وكذا كسوت زيدا جبة وألبسن من زاركم نسج اليمن فمن مفعول أول ونسج مفعول ثان والأصل تقديم من على نسج اليمن لأنه اللابس ويجوز تقديم ما ليس فاعلا معنى لكنه خلاف الأصل
( ويلزم الأصل لموجب عرى ... وترك ذاك الأصل حتما قد يرى )
أي يلزم الأصل وهو تقديم الفاعل في المعنى إذا طرأ ما يوجب ذلك وهو خوف اللبس نحو أعطيت زيدا عمرا فيجب تقديم الآخذ منهما ولا يجوز تقديم غيره لأجل اللبس إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل
وقد يجب تقديم ما ليس فاعلا في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى نحو أعطبت الدرهم صاحبه فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا في المعنى فلا تقول أعطيت صاحبه الدرهم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو ممتنع والله أعلم
(2/154)

( وحذف فضلة أجز إن لم يضر ... كحذف ما سيق جوابا أو حصر )
الفضلة خلاف العمدة والعمدة ما لا يستغنى عنه كالفاعل والفضلة ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر كقولك
(2/155)

في ضربت زيدا ضربت بحذف المفعول به وكقولك في أعطيت زيدا درهما أعطيت ومنه قوله تعالى ( فأما من أعطى واتقى ) وأعطيت زيدا ومنه قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وأعطيت درهما قيل ومنه قوله تعالى ( حتى يعطوا الجزية ) التقدير والله أعلم حتى يعطوكم الجزية
فإن ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها كما إذا وقع المفعول به في جواب سؤال نحو أن يقال من ضربت فتقول ضربت زيدا أو وقع محصورا نحو ما ضربت إلا زيدا فلا يجوز حذف زيدا في الموضعين إذ لا يحصل في الأول الجواب ويبقى الكلام في الثاني دالا على نفي الضرب مطلقا والمقصود نفيه عن غير زيد فلا يفهم المقصود عنه حذفه
( ويحذف الناصبها إن علما ... وقد يكون حذفه ملتزما )
يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل نحو أن يقال من ضربت فتقول زيدا التقدير ضربت زيدا فحذف ضربت لدلالة ما قبله عليه وهذا الحذف جائز وقد يكون واجبا كما تقدم في باب الاشتغال نحو زيدا ضربته التقدير ضربت زيدا ضربته فحذف ضربت وجوبا كما تقدم والله أعلم
(2/156)

التنازع في العمل
( إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منهما العمل )
( والثان أولى عند أهل البصره ... واختار عكسا غيرهم ذا أسره )
التنازع عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحد نحو ضربت
(2/157)

وأكرمت زيدا فكل واحد من ضربت وأكرمت يطلب زيدا بالمفعولية وهذا معنى قوله إن عاملان إلى آخره
وقوله قبل معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع
وقوله فللواحد منهما العمل معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر والآخر يهمل عنه ويعمل في ضميره كما سيذكره
(2/159)

ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر ولكن اختلفوا في الأولى منهما
فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به لقربه منه
وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به لتقدمه
( وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ما التزما )
(2/160)

( كيحسنان ويسيء ابناكا ... وقد بغى واعتديا عبداكا )
أي إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر وأهملت الآخر عنه فأعمل المهمل في ضمير الظاهر والتزم الإضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه كالفاعل وذلك كقولك يحسن ويسيء ابناك فكل واحد من يحسن ويسيء يطلب ابناك بالفاعلية فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول فاعله فتقول يحسنان ويسيء ابناك وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار في الثاني فتقول يحسن ويسيئان ابناك ومثله بغى واعتديا عبداك وإن أعملت الثاني في هذا المثال قلت بغيا واعتدى عبداك ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول يحسن ويسيء إبناك ولا بغى واعتدى عبداك لأن تركه يؤدي إلى حذف الفاعل والفاعل ملتزم الذكر وأجاز الكسائي ذلك على الحذف
(2/161)

بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل وأجازه الفراء على توجه العاملين معا إلى الاسم الظاهر وهذا بناء منهما على منع الإضمار في الأول عند إعمال الثاني فلا تقول يحسنان ويسيء ابناك وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة
( ولا تجي مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا )
( بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر )
(2/162)

تقدم أنه إذا أعمل أحد العاملين في الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل في ضميره ويلزم الإضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره كالفاعل أو نائبه ولا فرق في وجوب الإضمار حينئذ بين أن يكون المهمل الأول أو الثاني فتقول يحسنان ويسيء ابناك ويحسن ويسيئان ابناك
وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو إما أن يكون عمدة فى الأصل وهو مفعول ظن وأخواتها لأنه مبتدأ في الأصل أو خبر وهو المراد بقوله إن يكن هو الخبر أولا فإن لم يكن كذلك فإما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الأول لم يجز الإضمار فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد ولا تضمر فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد وقد جاء في الشعر كقوله 160 -
( إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد )
( وألغ أحاديث الوشاة فقلما ... يحاول واش غير هجران ذي ود )
(2/163)

وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الإضمار فتقول ضربني وضربته زيد ومر بي ومررت به زيد ولا يجوز الحذف فلا تقول ضربني وضربت زيد ولا مر بي ومررت زيد وقد جاء في الشعر كقوله 161 - بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه
والأصل لمحوه فحذف الضمير ضرورة وهو شاذ كما شذ عمل المهمل الأول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الأصل
(2/165)

هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل فإن كان عمدة في الأصل فلا يخلو إما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الطالب له هو الأول وجب إضماره مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته متصلا كان أو منفصلا فتقول ظننت وظننيه زيدا قائما وظننت وظنني إياه زيدا قائما
ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول لم تأت معه بضمير غير مرفوع وهو المنصوب والمجرور فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد بل يلزم الحذف فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد إلا إذا كان المفعول خبرا في الأصل فإنه لا يجوز حذفه بل يجب الإتيان به مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه
(2/166)

ومفهومه أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقا مرفوعا كان أو مجرورا أو منصوبا عمدة في الأصل أو غير عمدة
( وأظهر ان يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا )
( نحو أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا )
أي يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره لكونه خبرا في الأصل عما لا يطابق المفسر كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسره مثنى نحو أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين فزيدا مفعول أول لأظن وعمرا معطوف عليه وأخوين مفعول ثان لأظن والياء مفعول أول ليظنان فيحتاج إلى مفعول ثان فلو أتيت به ضميرا فقلت
(2/167)

أظن ويظناني إياه زيدا أخوين لكان إياه مطابقا للياء في أنهما مفردان ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو أخوين لأنه مفرد وأخوين مثنى فتفوت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لا يجوز وإن قلت أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين حصلت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لكون إياهما مثنى وأخوين كذلك ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء والمفعول الثاني غير مفرد وهو إياهما ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار فتقول أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين فزيدا وعمرا أخوين مفعولا أظن والياء مفعول يظنان الأول وأخا مفعوله الثاني ولا تكون المسألة حينئذ من باب التنازع لأن كلا من العاملين عمل في ظاهر وهذا مذهب البصريين
وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه فتقول أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين وأجازوا أيضا الحذف فتقول أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين
(2/168)

المفعول المطلق
( المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل كأمن من أمن )
الفعل يدل على شيئين الحدث والزمان فقام يدل على قيام في زمن ماض ويقوم يدل على قيام في الحال أو الاستقبال وقم يدل على قيام في الاستقبال والقيام هو الحدث وهو أحد مدلولي الفعل وهو المصدر وهذا معنى قوله ما سوى الزمان من مدلولي الفعل فكأنه قال المصدر اسم الحدث كأمن فإنه أحد مدلولي أمن
والمفعول المطلق هو المصدر المنتصب توكيدا لعامله أو بيانا لنوعه أو عدده نحو ضربت ضربا وسرت سير زيد وضربت ضربتين
وسمى مفعولا مطلقا لصدق المفعول عليه غير مقيد بحرف جر ونحوه بخلاف غيره من المفعولات فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا كالمفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول له
( بمثله او فعل او وصف نصب ... وكونه أصلا لهذين انتخب )
(2/169)

ينتصب المصدر بمثله أي بالمصدر نحو عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا أو بالفعل نحو ضربت زيدا ضربا أو بالوصف نحو أنا ضارب زيدا ضربا
(2/170)

ومذهب البصريين أن المصدر أصل والفعل والوصف مشتقان منه وهذا معنى قوله وكونه أصلا لهذين انتخب أي المختار أن المصدر أصل لهذين أي الفعل والوصف
ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل والمصدر مشتق منه
وذهب قوم إلى أن المصدر أصل والفعل مشتق منه والوصف مشتق من الفعل
وذهب ابن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل برأسه وليس أحدهما مشتقا من الآخر
والصحيح المذهب الأول لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك لأن كلا منهما يدل على المصدر وزيادة فالفعل يدل على المصدر والزمان والوصف يدل على المصدر والفاعل
( توكيدا أو نوعا يبين أو عدد ... كسرت سيرتين سير ذي رشد )
(2/171)

المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال كما تقدم
أحدها أن يكون مؤكدا نحو ضربت ضربا
الثاني أن يكون مبينا للنوع نحو سرت سير ذي رشد وسرت سيرا حسنا
الثالث أن يكون مبينا للعدد نحو ضربت ضربة وضربتين وضربات
( وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد وافرح الجذل )
(2/172)

قد ينوب عن المصدر ما يدل عليه ككل وبعض مضافين إلى المصدر نحو جد كل الجد وكقوله تعالى ( فلا تميلوا كل الميل ) وضربته بعض الضرب
وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور نحو قعدت جلوسا وافرح الجذل فالجلوس نائب مناب القعود لمرادفته له والجذل نائب مناب الفرح لمرادفته له
(2/173)

وكذلك ينوب مناب المصدر اسم الإشارة نحو ضربته ذلك الضرب وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر فلا بد من وصفه بالمصدر كما مثلنا وفيه نظر فمن أمثلة سيبويه ظننت ذاك أي ظننت ذاك الظن فذاك إشارة إلى الظن ولم يوصف به
وينوب عن المصدر أيضا نحو ضربته زيدا أي ضربت الضرب ومنه قوله تعالى ( لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي لا أعذب العذاب
وعدده نحو ضربته عشرين ضربة ومنه قوله تعالى ( فاجلدوهم ثمانين جلدة )
والآلة نحو ضربته سوطا والأصل ضربته ضرب سوط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والله تعالى أعلم
( ولو لتوكيد فوحد أبدا ... وثن واجمع غيره وأفرادا )
لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله ولا جمعه بل تجب إفراده فتقول ضربت ضربا وذلك لأنه بمثابة تكرر الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع
(2/174)

وأما غير المؤكد وهو المبين للعدد والنوع فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه
فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه نحو ضربت ضربتين وضربات
وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه إذا اختلفت أنواعه نحو سرت سيرى زيد الحسن والقبيح
وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا بل يقتصر فيه على السماع وهذا اختيار الشلوبين
( وحذف عامل المؤكد امتنع ... وفي سواه لدليل متسع )
المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله لأنه مسوق لتقرير عامله وتقويته والحذف مناف لذلك
وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه جوازا ووجوبا
فالمحذوف جوازا كقولك سير زيد لمن قال أي سير سرت وضربتين لمن قال كم ضربت زيدا والتقدير سرت سير زيد وضربته ضربتين وقول ابن المصنف إن قوله وحذف عامل المؤكد امتنع سهو منه لأن حذف
(2/175)

قولك ضربا زيدا مصدر مؤكد وعامله محذوف وجوبا كما سيأتي ليس بصحيح وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد بما سيأتي ليس منه وذلك لأن ضربا زيدا ليس من التأكيد في شيء بل هو أمر خال من التأكيد بمثابة اضرب زيدا لأنه واقع موقعه فكما أن اضرب زيدا لا تأكيد فيه كذلك ضربا زيدا وكذلك جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شيء لأن المصدر فيها نائب مناب العامل دال على ما يدل عليه وهو عوض منه ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكد
ومما يدل أيضا على أن ضربا زيدا ونحوه ليس من المصدر المؤكد لعامله أن المصدر المؤكد لا خلاف في أنه لا يعمل واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل هل يعمل أولا والصحيح أنه يعمل فزيدا في قولك ضربا زيدا منصوب بضربا على الأصح وقيل إنه منصوب بالفعل المحذوف وهو اضرب فعلى القول الأول ناب ضربا عن اضرب في الدلالة على معناه وفي العمل وعلى القول الثاني ناب عنه في الدلالة على المعنى دون العمل
( والحذف حتم مع آت بدلا ... من فعله كندلا اللذ كاندلا )
(2/176)

يحذف عامل المصدر وجوبا في مواضع
منها إذا وقع المصدر بدلا من فعله وهو مقيس فى الأمر والنهي نحو قياما لا قعودا أي قم قياما ولا تقعد قعودا والدعاء نحو سقيا لك أي سقاك الله
وكذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ نحو أتوانيا وقد علاك المشيب أي أتتوانى وقد علاك
ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به الخبر نحو أفعل وكرامة أي وأكرمك
فالمصدر في هذه الأمثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه
(2/177)

وأشار بقوله كندلا إلى ما أنشده سيبويه وهو قول الشاعر 162 -
( يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب )
( على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب )
(2/178)

فندلا نائب مناب فعل الأمر وهو اندل والندل خطف الشيء بسرعة وزريق منادى والتقدير ندلا يا زريق المال وزريق اسم رجل وأجاز المصنف أن يكون مرفوعا بندلا وفيه نظر لأنه إن جعل ندلا نائبا مناب فعل الأمر للمخاطب والتقدير أندل لم يصح أن يكون مرفوعا به لأن فعل الأمر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهرا فكذلك ما ناب منابه وإن جعل نائبا مناب فعل الأمر للغائب والتقدير ليندل صح أن يكون مرفوعا به لكن المنقول أن المصدر لاينوب مناب فعل الأمر للغائب وإنما ينوب مناب فعل الأمر للمخاطب نحو ضربا زيدا أي اضرب زيدا والله أعلم
( وما لتفصيل كإما منا ... عامله يحذف حيث عنا )
(2/179)

يحذف أيضا عامل المصدر وجوبا إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه كقوله تعالى ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) فمنا وفداء مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا والتقدير والله أعلم فإما تمنون منا وإما تفدون فداء وهذا معنى قوله وما لتفصيل إلى آخره أي يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل حيث عن أي عرض
( كذا مكرر وذو حصر ورد ... نائب فعل لاسم عين استند )
(2/180)

أي كذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين أي أخبر به عنه وكان المصدر مكررا أو محصورا فمثال المكرر زيد سيرا سيرا والتقدير زيد يسير سيرا فحذف يسير وجوبا لقيام التكرير مقامه ومثال المحصور ما زيد إلا سيرا وإنما زيد سيرا والتقدير إلا يسير سيرا فحذف يسير وجوبا لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير
فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف نحو زيد سيرا التقدير زيد يسير سيرا فإن شئت حذفت يسير وإن شئت صرحت به والله أعلم
( ومنه ما يدعونه مؤكدا ... لنفسه أو غيره فالمبتدا )
(2/181)

( نحو له علي ألف عرفا ... والثان كابني أنت حقا صرفا )
أي من المصدر المحذوف عامله وجوبا ما يسمى المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره
فالمؤكد لنفسه الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره نحو له علي ألف عرفا أي اعترافا فاعترافا مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير أعترف اعترافا ويسمى مؤكدا لنفسه لأنه مؤكد للجملة قبله وهي نفس المصدر بمعنى أنها لا تحتمل سواه وهذا هو المراد بقوله فالمبتدا أي فالأول من القسمين المذكورين في البيت الأول
والمؤكد لغيره هو الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره فتصير بذكره نصا فيه نحو أنت ابني حقا فحقا مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير أحقه حقا وسمي مؤكدا لغيره لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره لأن قولك أنت ابني يحتمل أن يكون حقيقة وأن يكون مجازا على معنى أنت
(2/182)

عندي في الحنو بمنزلة ابني فلما قال حقا صارت الجملة نصا في أن المراد البنوة حقيقة فتأثرت الجملة بالمصدر لأنها صارت به نصا فكان مؤكدا لغيره لوجوب مغايرة المؤثر للمؤثر فيه
( كذاك ذو التشبيه بعد جملة ... كلي بكا بكاء ذات عضله )
أي كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى نحو لزيد صوت صوت حمار وله بكاء بكاء الثكلى
(2/183)

فصوت حمار مصدر تشبيهي وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير يصوت صوت حمار وقبله جملة وهي لزيد صوت وهي مشتملة على الفاعل فىالمعنى وهو زيد وكذلك بكاء الثكلى منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير يبكي بكاء الثكلى
فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة وجب الرفع نحو صوته صوت حمار وبكاؤه بكاء الثكلى وكذا لو كان قبله جملة وليست مشتملة على الفاعل في المعنى نحو هذا بكاء بكاء الثكلى وهذا صوت صوت حمار
ولم يتعرض المصنف لهذا الشرط ولكنه مفهوم من تمثيله
(2/184)

المفعول له
( ينصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلا كجد شكرا ودن )
( وهو بما يعمل فيه متحد ... وقتا وفاعلا وإن شرط فقد )
( فاجرره بالحرف وليس يمتنع ... مع الشروط كلزهد ذا قنع )
(2/185)

المفعول له هو المصدر المفهم علة المشارك لعامله في الوقت والفاعل نحو جد شكرا فشكرا مصدر وهو مفهم للتعليل لأن المعنى جد لأجل الشكر ومشارك لعامله وهو جد فى الوقت لأن زمن الشكر وهو زمن الجود وفي الفاعل لأن فاعل الجود هو المخاطب وهو فاعل الشكر
وكذلك ضربت ابني تأديبا فتأديبا مصدر وهو مفهم للتعليل إذ يصح أن يقع في جواب لم فعلت الضرب وهو مشارك لضربت في الوقت والفاعل
وحكمه جواز النصب إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة أعني المصدرية وإبانة التعليل واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل
فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جره بحرف التعليل وهو اللام أو من أو في أو الباء
فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك جئتك للسمن
ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت جئتك اليوم للإكرام غدا
ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل جاء زيد لإكرام عمرو له
ولا يمتنع الجر بالحرف مع استكمال الشروط نحو هذا قنع لزهد
وزعم قوم أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدرا ولا يشترط اتحاده مع عامله في الوقت ولا في الفاعل فجوزوا نصب إكرام في المثالين السابقين والله أعلم
(2/186)

( وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب أل وأنشدوا )
( لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء )
المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال أحدها أن يكون مجردا عن الألف واللام والإضافة والثاني أن يكون محلى بالألف واللام والثالث أن يكون مضافا وكلها يجوز أن تجر بحرف التعليل لكن الأكثر فيما تجرد عن الألف واللام والإضافة النصب نحو ضربت ابني تأديبا ويجوز جره فتقول ضربت ابني لتأديب وزعم الجزولي أنه لا يجوز جره وهو خلاف ما صرح به النحويون وما صحب الألف واللام بعكس المجرد فالأكثر جره ويجوز النصب فضربت ابني للتأديب أكثر من ضربت ابني التأديب ومما جاء فيه منصوبا ما أنشده المصنف 163 -
( لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... )
(2/187)

البيت فالجبن مفعول له أي لا أقعد لأجل الجبن ومثله قوله 164 -
( فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا )
(2/189)

وأما المضاف فيجوز فيه الأمران النصب والجر على السواء فتقول ضربت ابني تأديبه ولتأديبه وهذا قد يفهم من كلام المصنف لأنه لما ذكر أنه يقل جر المجرد ونصب المصاحب للألف واللام علم أن المضاف لا يقل فيه واحد منهما بل يكثر فيه الأمران ومما جاء منصوبا قوله تعالى ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) ومنه قوله 165 -
( وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما )
(2/190)

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا
( الظرف وقت أو مكان ضمنا ... فى باطراد كهنا امكث أزمنا )
عرف المصنف الظرف بأنه زمان أو مكان ضمن معنى في باطراد نحو أمكث هنا أزمنا فهنا ظرف مكان وأزمنا ظرف زمان وكل منهما تضمن معنى في لأن المعنى امكث في هذا الموضع وفي أزمن
واحترز بقوله ضمن معنى في مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان معنى في كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ أو خبرا نحو يوم الجمعة يوم مبارك ويوم عرفة يوم مبارك والدار لزيد فإنه لا يسمى ظرفا والحالة هذه وكذلك ما وقع منهما مجرورا نحو سرت في يوم الجمعة وجلست في الدار على أن في هذا ونحوه خلافا في تسميته ظرفا في الاصطلاح وكذلك ما نصب منهما مفعولا به نحو بنيت الدار وشهدت يوم الجمل
واحترز بقوله باطراد من نحو دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشأم فإن كل واحد من البيت والدار والشأم متضمن معنى في ولكن تضمنه معنى في ليس مطردا لأن أسماء المكان المختصة لا يجوز حذف في معها فليس البيت والدار والشأم في المثل منصوبة
(2/191)

على الظرفية وإنما هي منصوبة على التشبيه بالمفعول به لأن الظرف هو ما تضمن معنى في باطراد وهذه متضمنة معنى في لا باطراد
هذا تقرير كلام المصنف وفيه نظر لأنه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى في لأن المفعول به غير متضمن معنى في فكذلك ما شبه به فلايحتاج إلىقوله باطراد ليخرجها فإنها خرجت بقوله ما ضمن معنى في والله تعالى أعلم
( فانصبه بالواقع فيه مظهرا ... كان وإلا فانوه مقدرا )
حكم ما تضمن معنى في من أسماء الزمان والمكان النصب والناصب له ما وقع فيه وهو المصدر نحو عجبت من ضربك زيدا يوم الجمعة عند الأمير أو الفعل نحو ضربت زيدا يوم الجمعة أمام الأمير أو الوصف نحو أنا ضارب زيدا اليوم عندك
وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط وهو المصدر وليس كذلك بل ينصبه هو وغيره كالفعل والوصف
(2/192)

والناصب له إما مذكور كما مثل أو محذوف جوازا نحو أن يقال متى جئت فتقول يوم الجمعة وكم سرت فتقول فرسخين والتقدير جئت يوم الجمعة وسرت فرسخين
أو وجوبا كما إذا وقع الظرف صفة نحو مررت برجل عندك أو صلة نحو جاء الذي عندك أو حالا نحو مررت بزيد عندك أو خبرا في الحال أو في الأصل نحو زيد عندك وظننت زيدا عندك
فالعامل في هذه الظروف محذوف وجوبا فى هذه المواضع كلها والتقدير في غير الصلة استقر أو مستقر وفي الصلة استقر لأن الصلة لا تكون إلا جملة والفعل مع فاعله جملة واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة والله أعلم
(2/193)

( وكل وقت قابل ذاك وما ... يقبله المكان إلا مبهما )
( نحو الجهات والمقادير وما ... صيغ من الفعل كمرمى من رمى )
يعني أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية مبهما كان نحو سرت
(2/194)

لحظة وساعة أو مختصا إما فإضافة نحو سرت يوم الجمعة أو بوصف نحو سرت يوما طويلا أو بعدد نحو سرت يومين
وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان أحدهما المبهم والثاني ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره والمبهم كالجهات الست نحو فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف ونحو هذا كالمقادير نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد تقول جلست فوق الدار وسرت غلوة فتنصبهما على الظرفية
وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس زيد ومقعده فشرط نصبه قياسا أن يكون عامله من لفظه نحو قعدت مقعد زيد وجلست مجلس عمرو فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي نحو جلست في مرمى زيد فلا تقول جلست مرمى زيد إلا شذوذا
ومما ورد من ذلك قولهم هو مني مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا والقياس هو مني في مقعد القابلة وفي مزجر الكلب وفي مناط الثريا ولكن نصب شذوذا ولا يقاس عليه خلافا للكسائي وإلى هذا أشار بقوله
(2/195)

( وشرط كون ذا مقيسا أن يقع ... ظرفا لما في أصله معه اجتمع )
أي وشرط كون نصب ما اشتق من المصدر مقيسا أن يقع ظرفا لما اجتمع معه في أصله أي أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد كمجامعة جلست بمجلس في الاشتقاق من الجلوس فأصلهما واحد وهو الجلوس
وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من المصدر مبهمان أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة لأنها وإن كانت معلومة المقدار فهي مجهولة الصفة وذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من الظروف المبهمة لأنها معلومة المقدار وأما ما صيغ من المصدر فيكون مبهما نحو جلست مجلسا ومختصا نحو جلست مجلس زيد
وظاهر كلامه أيضا أن مرمى مشتق من رمى وليس هذا على مذهب البصريين فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر لا من الفعل
وإذا تقرر أن المكان المختص وهو ما له أقطار تحويه لا ينتصب ظرفا فاعلم أنه سمع نصب كل مكان مختص مع دخل وسكن ونصب
(2/196)

الشأم مع ذهب نحو دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشأم واختلف الناس في ذلك فقيل هي منصوبة على الظرفية شذوذا وقيل منصوبة على إسقاط حرف الجر والأصل دخلت في الدار فحذف حرف الجر فانتصب الدار نحو مررت زيدا وقيل منصوبة على التشبيه بالمفعول به
(2/197)

( وما يرى ظرفا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف )
( وغير ذي التصرف الذي لزم ... ظرفية أو شبهها من الكلم )
ينقسم اسم الزمان واسم المكان إلى متصرف وغير متصرف فالمتصرف من ظرف الزمان أو المكان ما استعمل ظرفا وغير ظرف كيوم ومكان
(2/198)

فإن كل واحد منهما يستعمل ظرفا نحو سرت يوما وجلست مكانا ويستعمل مبتدأ نحو يوم الجمعة يوم مبارك ومكانك حسن وفاعلا نحو جاء يوم الجمعة وارتفع مكانك
وغير المتصرف هو مالا يستعمل إلا ظرفا أو شبهه نحو سحر إذا أردته من يوم بعينه فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف كقوله تعالى ( إلا آل لوط نجيناهم بسحر ) وفوق نحو جلست فوق الدار فكل واحد من سحر وفوق لا يكون إلا ظرفا
والذي لزم الظرفية أو شبهها عند ولدن والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجرورا بمن نحو خرجت من عند زيد ولا تجر عند إلا بمن فلا يقال خرجت إلى عنده وقول العامة خرجت إلى عنده خطأ
(2/199)

( وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر )
ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا كقولك جلست قرب زيد أي مكان قرب زيد فحذف المضاف وهو مكان وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه وهو النصب على الظرفية ولا ينقاس ذلك فلا تقول آتيك جلوس زيد تريد مكان جلوسه
ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان نحو آتيك طلوع الشمس وقدوم الحاج وخروج زيد والأصل وقت طلوع الشمس ووقت قدوم الحاج ووقت خروج زيد فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه وهو مقيس في كل مصدر
(2/200)

المفعول معه
( ينصب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه )
( بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحق )
المفعول معه هو الاسم المنتصب بعد واو بمعنى مع
والناصب له ما تقدمه من الفعل أو شبهه
فمثال الفعل سيري والطريق مسرعة أي سيري مع الطريق فالطريق منصوب بسيري
ومثال شبه الفعل زيد سائر والطريق وأعجبني سيرك والطريق فالطريق منصوب بسائر وسيرك
وزعم قوم أن الناصب للمفعول معه الواو وهو غير صحيح لأن كل حرف
(2/202)

اختص بالاسم ولم يكن كالجزء منه لم يعمل إلا الجر كحروف الجر وإنما قيل ولم يكن كالجزء منه احترازا من الألف واللام فإنها اختصت بالاسم ولم تعمل فيه شيئا لكونها كالجزء منه بدليل تخطي العامل لها نحو مررت بالغلام
ويستفاد من قول المصنف في نحير سيري والطريق مسرعة أن المفعول معه مقيس فيما كان مثل ذلك وهو كل اسم وقع بعد واو بمعنى مع وتقدمه فعل أو شبهه وهذا هو الصحيح من قول النحويين
وكذلك يفهم من قوله بما من الفعل وشبهه سبق أن عامله لا بد أن يتقدم عليه فلا تقول والنيل سرت وهذا باتفاق أما تقدمه على مصاحبه نحو سار والنيل زيد ففيه خلاف والصحيح منعه
(2/203)

( وبعد ما استفهام أو كيف نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب )
حق المفعول معه أن يسبقه فعل أو شبهه كما تقدم تمثيله وسمع من كلام العرب نصبه بعد ما وكيف الاستفهاميتين من غير أن يلفظ بفعل
(2/204)

نحو ما أنت وزيدا وكيف أنت وقصعة من ثريد فخرجه النحويون على أنه منصوب بفعل مضمر مشتق من الكون والتقدير ما تكون وزيدا وكيف تكون وقصعة من ثريد فزيدا وقصعة منصوبان بتكون المضمرة
( والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق )
(2/205)

( والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب )
الاسم الواقع بعد هذه الواو إما أن يمكن عطفه على ما قبله أولا فإن أمكن عطفه فإما أن يكون بضعف أو بلا ضعف
فإن أمكن عطفه بلا ضعف فهو أحق من النصب نحو كنت أنا وزيد كالأخوين فرفع زيد عطفا على المضمر المتصل أولى من نصبه مفعولا معه لأن العطف ممكن للفصل والتشريك أولى من عدم التشريك ومثله سار زيد وعمرو فرفع عمرو أولى من نصبه
وإن أمكن العطف بضعف فالنصب على المعية أولى من التشريك
(2/206)

لسلامته من الضعف نحو سرت وزيدا فنصب زيد أولى من رفعه لضعف العطف على المضمر المرفوع المتصل بلا فاصل
وإن لم يمكن عطفه تعين النصب على المعية أو على إضمار فعل يليق به كقوله 116 -
( علفتها تبنا وماء باردا ... )
(2/207)

فماء منصوب على المعية أو على إضمار فعل يليق به والتقدير وسقيتها ماء باردا وكقوله تعالى ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) فقوله وشركاءكم لا يجوز عطفه على أمركم لأن العطف على نية تكرار العامل إذ لا يصح أن يقال أجمعت شركائي وإنما يقال أجمعت أمري وجمعت شركائي فشركائي منصوب على المعية والتقدير والله أعلم فأجمعوا أمركم مع شركائكم أو منصوب بفعل يليق به والتقدير فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم
(2/208)

الاستثناء
( ما استثنت الا مع تمام ينتصب ... وبعد نفي أو كنفي انتخب )
( إتباع ما اتصل وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع )
حكم المستثنى بإلا النصب إن وقع بعد تمام الكلام الموجب سواء
(2/209)

كان متصلا أو منقطعا نحو قام القوم إلا زيدا وضربت القوم إلا زيدا ومررت بالقوم إلا زيدا وقام القوم إلا حمارا وضربت القوم إلا حمارا
(2/210)

ومررت بالقوم إلا حمارا فزيدا في هذه المثل منصوب على الاستثناء وكذلك حمارا
والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة إلا واختار المصنف في غير هذا الكتاب أن الناصب له إلا وزعم أنه مذهب سيبويه وهذا معنى قوله ما استثنت الا مع تمام ينتصب أي أنه ينتصب الذى استثنته إلا مع تمام الكلام إذا كان موجبا
(2/211)

فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجب وهو المشتمل على النفي أو شبهه والمراد بشبه النفي النهي والاستفهام فإما أن يكون الاستثناء متصلا أو منقطعا والمراد بالمتصل أن يكون المستثنى بعضا مما قبله وبالمنقطع ألا يكون بعضا مما قبله
فإن كان متصلا جاز نصبه على الاستثناء وجاز إتباعه لما قبله في الإعراب وهو المختار والمشهور أنه بدل من متبوعه وذلك نحو ما قام أحد إلا زيد
(2/212)

وإلا زيدا ولا يقم أحد إلا زيد وإلا زيدا وهل قام أحد إلا زيد وإلا زيدا وما ضربت أحدا إلا زيدا ولا تضرب أحدا إلا زيدا وهل ضربت أحدا إلا زيدا فيجوز في زيدا أن يكون منصوبا على الاستثناء وأن يكون منصوبا على البدلية من أحد وهذا هو المختار وتقول ما مررت بأحد
(2/213)

إلا زيد وإلا زيدا ولا تمرر بأحد إلا زيد وإلا زيدا وهل مررت بأحد إلا زيد وإلا زيدا
وهذا معنى قوله وبعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل أي اختير إتباع الاستثناء المتصل إن وقع بعد نفي أو شبه نفي
(2/214)

وإن كان الاستثناء منقطعا تعين النصب عند جمهور العرب فتقول ما قام القوم إلا حمارا ولا يجوز الإتباع وأجازه بنو تميم فتقول ما قام القوم إلا حمار وما ضربت القوم إلا حمارا وما مررت بالقوم إلا حمار
وهذا هو المراد بقوله وانصب ما انقطع أي انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم وأمابنو تميم فيجيزون إتباعه
فمعنى البيتين أن الذي استثني بإلا ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه وقد نبه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب سواء كان متصلا أو منقطعا
وإن كان غير موجب وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي انتخب أي اختير إتباع ما اتصل ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع
( وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد )
(2/215)

إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب
فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى نحو قام إلا زيدا القوم
وإن كان غير موجب فالمختار نصبه فتقول ما قام إلا زيدا القوم ومنه قوله 167 -
( فمالي إلا آل أحمد شيعة ... ومالي إلا مذهب الحق مذهب )
وقد روي رفعه فتقول ما قام إلا زيد القوم قال سيبويه حدثني
(2/216)

يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون مالي إلا أخوك ناصر وأعربوا الثاني بدلا من الأول على القلب لهذا السبب ومنه قوله 168 -
( فإنهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلا النبيون شافع )
فمعنى البيت إنه قد ورد في المستثنى السابق غير النصب وهو الرفع
(2/217)

وذلك إذا كان الكلام غير موجب نحو ما قام إلا زيد القوم ولكن المختار نصبه
وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفي أن الموجب يتعين فيه النصب نحو قام إلا زيدا القوم
( وإن يفرغ سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو الا عدما )
إذا تفرغ سابق إلا لما بعدها أي لم يشتغل بما يطلبه كان الاسم الواقع بعد إلا معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل إلا قبل دخولها وذلك نحو ما قام إلا زيد وما ضربت إلا زيدا وما مررت إلا بزيد فزيد فاعل مرفوع بقام وزيدا منصوب بضربت وبزيد متعلق بمررت كما لو لم تذكر إلا
(2/218)

وهذا هو الاستثناء المفرغ ولا يقع في كلام موجب فلا تقول ضربت إلا زيدا
( وألغ إلا ذات توكيد كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا )
إذا كررت إلا لقصد التوكيد لم تؤثر فيما دخلت عليه شيئا ولم تفد
(2/219)

غير توكيد الأولى وهذا معنى إلغائها وذلك في البدل والعطف نحو ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك فأخيك بدل من زيد ولم تؤثر فيه إلا شيئا أي لم تفد فيه استثناء مستقلا وكأنك قلت ما مررت بأحد إلا زيد أخيك ومثله لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا والأصل لا تمرر بهم إلا الفتى العلا فالعلا بدل من الفتى وكررت إلا توكيدا ومثال العطف قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا والأصل إلا زيدا وعمرا ثم كررت إلا توكيدا ومنه قوله
( هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها )
والأصل وطلوع الشمس وكررت إلا توكيدا حذف
(2/220)

وقد اجتمع تكرارها في البدل والعطف في قوله 170 -
( مالك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله )
(2/221)

والأصل إلا عمله رسيمه ورمله فرسيمة بدل من عمله ورمله معطوف على رسيمه وكررت إلا فيهما توكيدا
( وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع )
( فى واحد مما بإلا استثني ... وليس عن نصب سواه مغنى )
إذا كررت إلا لغير التوكيد وهي التي يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ولو أسقطت لما فهم ذلك فلا يخلو إما أن يكون الاستثناء مفرغا أو غير مفرغ
(2/222)

فإن كان مفرغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقي فتقول ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا ولا يتعين واحد منها لشغل العامل بل أيها شئت شغلت العامل به ونصبت الباقي وهذا معنى قوله فمع تفريغ إلى آخره أي مع الاستثناء المفرغ اجعل العامل في واحد مما استثنيته بإلا وانصب الباقي
وإن كان الاستثناء غير مفرغ وهذا هو المراد بقوله
( ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم )
( وانصب لتأخير وجيء بواحد ... منها كما لو كان دون زائد )
( كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأول )
(2/223)

فلا يخلو إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه أو تتأخر
فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب نحو قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم وهذا معنى قوله ودون تفريغ البيت
وإن تأخرت فلا يخلو إما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب فإن كان موجبا وجب نصب الجميع فتقول قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء فيبدل مما قبله وهو المختار أو ينصب وهو قليل كما تقدم وأما باقيها فيجب نصبه وذلك نحو ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا فزيد بدل من أحد وإن شئت أبدلت غيره من الباقين ومثله قول المصنف لم يفوا إلا امرؤ إلا علي فامرؤ بدل من الواو في يفوا وهذا معنىقوله وانصب لتأخير إلى آخره أي وانصب المستثنيات كلها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا وإن كان غير موجب فجيء بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى وانصب الباقي
ومعنى قوله وحكمها في القصد حكم الأول أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الأول فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول والخروج ففي قولك قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا الجميع
(2/224)

مخرجون وفي قولك ما قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا الجميع داخلون وكذا في قولك ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا الجميع داخلون ( واستثن مجرورا بغير معربا ... بما لمستثنى بإلا نسبا )
استعمل بمعنى إلا في الدلالة على الاستثناء ألفاظ منها ما هو اسم وهو غير وسوى وسوى وسواء ومنها ما هو فعل وهو ليس ولا يكون ومنها ما يكون فعلا وحرفا وهو عدا وخلا وحاشا وقد ذكرها المصنف كلها
فأما غير وسوى وسوى وسواء فحكم المستثنى بها الجر لإضافتها إليه وتعرب غير بما كان يعرب به المستثنى مع إلا فتقول قام القوم غير زيد بنصب غير كما تقول قام القوم إلا زيدا بنصب زيد وتقول ما قام أحد غير زيد وغير زيد بالإتباع والنصب والمختار الإتباع كما تقول ما قام أحد إلا زيد ولا زيدا وتقول ما قام غير زيد فترفع غير وجوبا كما تقول ما قام إلا زيد برفعه حذف
(2/225)

وجوبا وتقول ما قام أحد غير حمار بنصب غير عند غير بني تميم والإتباع عند بني تميم كما تفعل في قولك ما قام أحد إلا حمار وإلا حمارا
وأما سوى فالمشهور فيهاكسر السين والقصر ومن العرب من يفتح سينها ويمد ومنهم من يضم سينها ويقصر ومنهم من يكسر سينها ويمد وهذه اللغة لم يذكرها المصنف وقل من ذكرها وممن ذكرها الفاسي في شرحه للشاطبية
ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا فإذا قلت قام القوم سوى زيد فسوى عندهم منصوبة علىالظرفية وهي مشعرة بالاستثناء ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر
واختار المصنف أنها كغير فتعامل بما تعامل به غير من الرفع والنصب والجر وإلى هذا أشار بقوله
( ولسوى سوى سواء اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا )
فمن استعمالها مجرورة قوله ( دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها ) وقوله ( ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض ) وقول الشاعر
(2/226)

-
( ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا )
(2/227)

ومن استعمالها مرفوعة قوله 172 -
( وإذ تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري )
وقوله 173 -
( ولم يبق سوى العدوان ... دناهم كما دانوا )
(2/228)

فسواك مرفوع بالابتداء وسوى العدوان مرفوع بالفاعلية
ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفيه قوله 174 -
( لديك كفيل بالمنى لمؤمل ... وإن سواك من يؤمله يشقى )
(2/229)

فسواك اسم إن هذا تقرير كلام المصنف
ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل
(2/230)

( واستثن ناصبا بليس وخلا ... وبعدا وبيكون بعد لا )
أي استثن بليس وما بعدها ناصبا المستثنى فتقول قام القوم ليس زيدا وخلا زيدا وعدا زيدا ولا يكون زيدا فزيدا في قولك ليس زيدا ولا يكون زيدا منصوب على أنه خبر ليس ولا يكون واسمهما ضمير مستتر والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم
(2/232)

والتقدير ليس بعضهم زيدا ولا يكون بعضهم زيدا وهو مستتر وجوبا وفي قولك خلا زيدا وعدا زيدا منصوب على المفعولية وخلا وعدا فعلان فاعلهما في المشهور ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدم وهو مستتر وجوبا والتقدير خلا بعضهم زيدا وعدا بعضهم زيدا
ونبه بقوله وبيكون بعد لا وهو قيد في يكون فقط على أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير يكون وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد لا فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفي نحو لم وإن ولن ولما وما
( واجرر بسابقي يكون إن ترد ... وبعد ما انصب وانجرار قد يرد )
(2/233)

أي إذا لم تتقدم ما على خلا وعدا فاجرر بهما إن شئت فتقول قام القوم خلا زيد وعدا زيد فخلا وعدا حرفا جر ولم يحفظ سيبويه الجر بهما وإنما حكاه الأخفش فمن الجر بخلا قوله 175 -
( خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالى شعبة من عيالكا )
(2/234)

ومن الجر بعدا قوله 176 -
( تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النسور )
( أبحنا حيهم قتلا وأسرا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير )
(2/236)

فإن تقدمت عليهما ما وجب النصب بهما فتقول قام القوم ماخلا زيدا وما عدا زيدا فما مصدرية وخلا وعدا صلتها وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره وزيدا مفعول وهذا معنى قوله وبعد ما انصب هذا هو المشهور
وأجاز الكسائي الجر بهما بعد ما على جعل ما زائدة وجعل خلا وعدا حرفي جر فتقول قام القوم ما خلا زيد وما عدا زيد وهذا معنى قوله وانجرار قد يرد وقد حكى الجرمي في الشرح الجر بعد ما عن بعض العرب
( وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان )
(2/237)

أي إن جررت بخلا وعدا فهما حرفا جر وإن نصبت بهما فهما فعلان وهذا مما لا خلاف فيه
( وكخلا حاشا ولا تصحب ما ... وقيل حاش وحشا فاحفظهما )
المشهور أن حاشا لا تكون إلا حرف جر فتقول قام القوم حاشا زيد بجر زيد وذهب الأخفش والجرمي والمازني والمبرد وجماعة منهم المصنف إلى أنها مثل خلا تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها وحرفا فتجر
(2/238)

ما بعدها فتقول قام القوم حاشا زيدا وحاشا زيد وحكى جماعة منهم الفراء وأبو زيد الأنصاري والشيباني النصب بها ومنه اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الإصبع وقوله 177 -
( حاشا قريشا فإن الله فضلهم ... على البرية بالإسلام والدين )
وقول المصنف ولا تصحب ما معناه أن حاشا مثل خلا في أنها تنصب ما بعدها أو تجره ولكن لا تتقدم عليها ما كما تتقدم على خلا فلا تقول قام القوم ما حاشا زيدا وهذا الذي ذكره هو الكثير وقد صحبتها ما قليلا ففي مسند أبي أمية الطرسوسي عن ابن عمر أن رسول الله ( قال أسامه أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة )
(2/239)

وقوله 178 -
( رأيت الناس ما حاشا قريشا ... فإنا نحن أفضلهم فعالا )
ويقال في حاشا حاش وحشا
(2/240)

الحال
( الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا أذهب )
عرف الحال بأنه الوصف الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة نحو فردا أذهب ففردا حال لوجود القيود المذكورة فيه
(2/242)

وخرج بقوله فضلة الوصف الواقع عمدة نحو زيد قائم
وبقوله للدلالة على الهيئة التمييز المشتق نحو لله دره فارسا فإنه تمييز لا حال على الصحيح إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة بل التعجب من فروسيته فهو لبيان المتعجب منه لا لبيان هيئته
وكذلك رأيت رجلا راكبا فإن راكبا لم يسق للدلالة على الهيئة بل لتخصيص الرجل
وقول المصنف مفهم في حال هو معنى قولنا للدلالة على الهيئة
(2/243)

( وكونه منتقلا مشتقا ... يغلب لكن ليس مستحقا )
ألأكثر في الحال أن تكون منتقلة مشتقة
ومعنى الانتقال ألا تكون ملازمة للمتصف بها نحو جاء زيد راكبا فراكبا وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد بأن يجيء ماشيا
وقد تجيء الحال غير منتقلة أي وصفا لازما نحو دعوت الله سميعا وخلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها وقوله
179 - ( فجاءت به سبط العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء )
فسميعا وأطول وسبط أحوال وهي أوصاف لازمة
(2/244)

وقد تأتي الحال جامدة ويكثر ذلك في مواضع ذكر المصنف بعضها بقوله
( ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف )
( كبعه مدا بكذا يدا بيد ... وكر زيد أسدا أي كأسد )
(2/245)

يكثر مجيء الحال جامدة إن دلت على سعر نحو بعد مدا بدرهم فمدا حال جامدة وهي في معنى المشتق إذ المعنى بعه مسعرا كل مد بدرهم ويكثر جمودها أيضا فيما دل على تفاعل نحو بعته يدا بيد أي مناجزة أو على تشبيه نحو كر زيد أسدا أي مشبها الأسد فيد وأسد جامدان وصح وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق كما تقدم وإلى هذا أشار بقوله وفي مبدي تأول أي يكثر مجيء الحال جامدة حيث ظهر تأولها بمشتق
وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة معناه أن ذلك هو الغالب لا أنه لازم وهذا معنى قوله فيما تقدم لكن ليس مستحقا
(2/246)

( والحال إن عرف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد )
مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة وأن ما ورد منها معرفا لفظا فهو منكر معنى كقولهم جاءوا الجماء الغفير 180 -
( وأرسلها العراك )
(2/248)

واجتهد وحدك وكلمته فاه إلى في فالجماء والعراك ووحدك وفاه أحوال وهي معرفة لكنها مؤولة بنكرة والتقدير جاءوا جميعا وأرسلها معتركة واجتهد منفردا وكلمته مشافهة
(2/249)

وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا بلا تأويل فأجازوا جاء زيد الراكب
وفصل الكوفيون فقالوا إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها وإلا فلا فمثال ما تضمن معنى الشرط زيد الراكب أحسن منه الماشي
(2/250)

فالراكب والماشي حالان وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط إذ التقدير زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى فإن لم تتقدر بالشرط لم يصح تعريفها فلا تقول جاء زيد الراكب إذ لا يصح جاء زيد إن ركب
(2/251)

( ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة كبغتة زيد طلع )
حق الحال أن يكون وصفا وهو ما دل على معنى وصاحبه كقائم وحسن ومضروب فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى
(2/252)

وقد كثر مجيء الحال مصدرا نكرة ولكنه ليس بمقيس لمجيئه على خلاف الأصل ومنه زيد طلع بغتة فبغتة مصدر نكرة وهو منصوب على الحال والتقدير زيد طلع باغتا هذا مذهب سيبويه والجمهور
(2/253)

وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب علىالمصدرية والعامل فيه محذوف والتقدير طلع زيد يبغت بغتة فيبغت عندهما هو الحال لا بغتة
وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور وهو طلع لتأويله بفعل من لفظ المصدر والتقدير
(2/254)

في قولك زيد طلع بغتة زيد بغت بغتة فيؤولون طلع ببغت وينصبون به بغتة
( ولم ينكر غالبا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن )
(2/255)

( من بعد نفي أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا )
حتى صاحب الحال أن يكون معرفة ولا ينكر في الغالب إلا عند وجود مسوغ وهو أحد أمور
(2/256)

منها أن يتقدم الحال على النكرة نحو فيها قائما رجل وكقول الشاعر وأنشده سيبويه 181 -
( وبالجسم مني بينا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد ) وكقوله 182 -
( وما لام نفسي مثلها لي لائم ... ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي )
(2/257)

فقائما حال من رجل وبينا حال من شحوب ومثلها حال من لائم
ومنها أن تخصص النكرة بوصف أو بإضافة فمثال ما تخصص بوصف قوله تعالى ( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا )
(2/258)

وكقول الشاعر 183 -
( نجيت يا رب نوحا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليم مشحونا )
( وعاش يدعو بآيات مبينة ... في قومه ألف عام غير خمسينا )
(2/259)

ومثال ما تخصص بالإضافة قوله تعالى ( في أربعة أيام سواء للسائلين )
ومنها أن تقع النكرة بعد نفي أو شبهه وشبه النفي هو الاستفهام والنهي وهو المراد بقوله أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه فمثال ما وقع بعد النفي قوله 184 -
( ما حم من موت حمى واقيا ... ولا ترى من أحد باقيا )
(2/260)

ومنه قوله تعالى ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) فلها كتاب جملة في موضع الحال من قرية وصح مجيء الحال من النكرة لتقدم النفي عليها ولا يصح كون الجملة صفة لقرية خلافا للزمخشري لأن الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف وأيضا وجود إلا مانع من ذلك إذ لا يعترض بإلا بين الصفة والموصوف وممن صرح بمنع ذلك أبو الحسن الأخفش في المسائل وأبو علي الفارسي في التذكرة
ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله 185 -
( يا صاح هل حم عيش باقيا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا )
(2/261)

ومثال ما وقع بعد النهي قول المصنف لا يبغ امرؤ على امريء مستسهلا وقول قطري بن الفجاءة 186 -
( لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام )
(2/262)

واحترز بقوله غالبا مما قل مجيء الحال فيه من النكرة بلا مسوغ من المسوغات المذكورة ومنه قولهم مررت بماء قعدة رجل وقولهم عليه مائة بيضا وأجاز سيبويه فيها رجل قائما وفي الحديث ( صلى رسول الله قاعدا وصلى وراءه رجال قياما )
( وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد )
(2/263)

مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف فلا تقول في مررت بهند جالسة مررت جالسة بهند
وذهب الفارسي وابن كيسان وابن برهان إلى جواز ذلك وتابعهم المصنف لورود السماع بذلك ومنه قوله 187 -
( لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب )
(2/264)

فهيمان وصاديا حالان من الضمير المجرور بإلى وهو الياء وقوله 188 -
( فإن تك أذواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال ) ف فرغا حال من قتل
(2/265)

وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز نحو جاء ضاحكا زيد وضربت مجردة هندا
( ولا تجز حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله )
( أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا )
(2/266)

لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف مما يصح عمله في الحال كاسم الفاعل والمصدر ونحوهما مما تضمن معنى الفعل فتقول هذا ضارب هند مجردة وأعجبني قيام زيد مسرعا ومنه قوله تعالى ( إليه مرجعكم جميعا ) ومنه قول الشاعر 189 -
( تقول ابنتى إن انطلاقك واحدا ... إلى الروع يوما تاركي لا أباليا )
(2/267)

وكذلك يجوز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه أو مثل جزئه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه فمثال ما هو جزء من المضاف إليه قوله تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا ) فإخوانا حال من الضمير المضاف إليه صدور والصدور جزء من المضاف إليه ومثال ما هو مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه قوله تعالى ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) فحنيفا حال من
(2/268)

إبراهيم والملة كالجزء من المضاف إليه إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنها فلو قيل في غير القرآن أن اتبع ابراهيم حنيفا لصح
فإن لم يكن المضاف مما يصح أن يعمل في الحال ولا هو جزء من المضاف إليه ولا مثل جزئه لم يجز أن يجيء الحال منه فلا تقول جاء غلام هند ضاحكة خلافا للفارسي وقول ابن المصنف رحمه الله تعالى إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف ليس بجيد فإن مذهب الفارسي جوازها كما تقدم وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه
( والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا )
( فجائز تقديمه كمسرعا ... ذا راحل ومخلصا زيد دعا )
(2/269)

يجوز تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف والمراد بها ما تضمن معنى الفعل وحروفه وقبل التأنيث والتثنية والجمع كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة فمثال تقديمها على الفعل المتصرف مخلصا زيد دعا فدعا فعل متصرف وتقدمت عليه الحال ومثال تقديمها على الصفة المشبهة له مسرعا ذا راحل
فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف لم يجز تقديمها عليه فتقول ما أحسن زيدا ضاحكا ولا تقول ضاحكا ما أحسن زيدا لأن فعل التعجب غير متصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله وكذلك إن كان الناصب
(2/270)

لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمها عليه وذلك لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فلم يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله فلا تقول زيد ضاحكا أحسن من عمرو بل يجب تأخير الحال فتقول زيد أحسن من عمرو ضاحكا
( وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرا لن يعملا )
( كتلك ليت وكأن وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر )
لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه كأسماء الإشارة وحروف التمني والتشبيه والظرف والجار
(2/271)

والمجرور نحو تلك هند مجردة وليت زيدا أميرا أخوك وكأن زيدا راكبا أسد وزيد في الدار أو عندك قائما فلا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي في هذه المثل ونحوها فلا تقول مجردة تلك هند ولا أميرا ليت زيدا أخوك ولا راكبا كأن زيدا أسد
وقد ندر تقديمها على عاملها الظرف نحو زيد قائما عندك والجار والمجرور
(2/272)

نحو سعيد مستقرا في هجر ومنه قوله تعالى ( والسموات مطويات بيمينه ) في قراءة من كسر التاء وأجازه الأخفش قياسا
( ونحو زيد مفردا أنفع من ... عمرو معانا مستجاز لن يهن )
تقدم أن أفعل التفضيل لا يعمل في الحال متقدمة واستثنى من ذلك هذه المسألة وهي ما إذا فضل شيء في حال على نفسه أو غيره في حال أخرى فإنه يعمل في حالين إحداهما متقدمة عليه والأخرى متأخرة عنه وذلك نحو زيد قائما أحسن منه قاعدا وزيد مفردا أنفع من عمرو معانا فقائما ومفردا منصوبان بأحسن وأنفع وهما حالان وكذا قاعدا ومعانا وهذا مذهب الجمهور
(2/273)

وزعم السيرافي أنهما خبران منصوبان بكان المحذوفة والتقدير زيد إذا كان قائما أحسن منه إذا كان قاعدا وزيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا
ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ولا تأخيرهما عنه فلا تقول زيد قائما قاعدا أحسن منه ولا تقول زيد أحسن منه قائما قاعدا
( والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد فاعلم وغير مفرد ) يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد أو متعدد
فمثال الأول جاء زيد راكبا ضاحكا فراكبا وضاحكا حالان من زيد والعامل فيهما جاء
ومثال الثاني لقيت هندا مصعدا منحدرة فمصعدا حال من التاء ومنحدرة حال من هند والعامل فيهما لقيت ومنه قوله 190 -
( لقي ابني أخويه خائفا ... منجديه فأصابوا مغنما )
(2/274)

فخائفا حال من ابني ومنجديه حال من أخويه والعامل فيهما لقي
فعند ظهور المعنى ترد كل حال إلى ما تليق به وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثاني الاسمين وثانيهما لأول الاسمين ففي قولك لقيت زيدا مصعدا منحدرا يكون مصعدا حالا من زيد ومنحدرا حالا من التاء
( وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو لاتعث في الأرض مفسدا )
(2/275)

تنقسم الحال إلى مؤكده وغير مؤكدة فالمؤكدة على قسمين وغير المؤكدة ما سوى القسمين
فالقسم الأول من المؤكدة ما أكدت عاملها وهي المراد بهذا البيت وهي كل وصف دل على معنى عامله وخالفه لفظا وهو الأكثر أو وافقه لفظا وهو دون الأول في الكثرة فمثال الأول لا تعث في الأرض مفسدا ومنه قوله تعالى ( ثم وليتم مدبرين ) وقوله تعالى ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ومن الثاني قوله تعالى ( وأرسلناك للناس رسولا ) وقوله تعالى ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره )
( وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها ولفظها يؤخر )
هذا هو القسم الثاني من الحال المؤكده وهي ما أكدت مضمون الجملة
(2/276)

وشرط الجملة أن تكون إسمية وجزآها معرفتان جامدان نحو زيد أخوك عطوفا وأنا زيد معروفا ومنه قوله 191 -
( أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة با للناس من عار )
فعطوفا ومعروفا حالان وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا والتقدير في الأول أحقه عطوفا وفي الثاني أحق معروفا
ولا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة فلا تقول عطوفا زيد أخوك ولا معروفا أنا زيد ولا توسطها بين المبتدأ والخبر فلا تقول زيد عطوفا أخوك
(2/277)

( وموضع الحال تجيء جمله ... كجاء زيد وهو ناو رحله )
الأصل في الحال والخبر والصفة الإفراد وتقع الجملة موقع الحال كما تقع موقع الخبر والصفة ولا بد فيها من رابط وهو في الحالية إما ضمير نحو جاء زيد يده على رأسه أو واو وتسمى واو الحال وواو الابتداء وعلامتها صحة وقوع إذ موقعها نحو جاء زيد وعمرو قائم التقدير إذ عمرو قائم أو الضمير والواو معا نحو جاء زيد وهو ناو رحلة
(2/278)

( وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرا ومن الواو خلت )
( وذات واو بعدها انو مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندا )
الجملة الواقعة حالا إن صدرت بمضارع مثبت لم يجز أن تقترن بالواو بل لا تربط إلا بالضمير نحو جاء زيد يضحك وجاء عمرو تقاد الجنائب بين يديه ولا يجوز دخول الواو فلا تقول جاء زيد ويضحك
فإن جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أول على إضمار مبتدأ بعد الواو ويكون المضارع خبرا عن ذلك المبتدأ وذلك نحو قولهم قمت وأصك عينه وقوله 192 -
( فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكا )
(2/279)

فأصك وأرهنهم خبران لمبتدأ محذوف والتقدير وأنا أصك وأنا أرهنهم
( وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما )
(2/280)

الجملة الحالية إما أن تكون إسمية أو فعلية والفعل إما مضارع أو ماض وكل واحدة من الاسمية والفعلية إما مثبتة أو منفية وقد تقدم أنه إذا صدرت الجملة بمضارع مثبت لا تصحبها الواو بل لا تربط إلا بالضمير فقط وذكر في هذا البيت أن ما عدا ذلك يجوز فيه أن يربط بالواو
(2/281)

وحدها أو بالضمير وحده أو بهما فيدخل في ذلك الجملة الاسمية مثبتة أو منفية والمضارع المنفي والماضي المثبت والمنفي
فتقول جاء زيد وعمرو قائم وجاء زيد يده على رأسه وجاء زيد ويده على رأسه وكذلك المنفي وتقول جاء زيد لم يضحك أو ولم يضحك أو ولم يقم عمرو وجاء زيد وقد قام عمرو وجاء زيد قد قام أبوه وجاء زيد وقد قام أبوه وكذلك المنفي ونحو جاء زيد وما قام عمرو وجاء زيد ما قام أبوه أو وما قام أبوه
ويدخل تحت هذا أيضا المضارع المنفي بلا فعلى هذا تقول جاء زيد ولا يضرب عمرا بالواو
وقد ذكر المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يجوز اقترانه بالواو كالمضارع المثبت وأن ما ورد مما ظاهره ذلك يؤول على إضمار مبتدأ كقراءة ابن ذكوان
(2/282)

( فاستقيما ولا تتبعان ) بتخفيف النون والتقدير وأنتما لا تتبعان فلا تتبعان خبر لمبتدأ محذوف
( والحال قد يحذف ما فيها عمل ... وبعض ما يحذف ذكره حظل ) يحذف عامل الحال جوازا أو وجوبا
فمثال ما حذف جوازا أن يقال كيف جئت فتقول راكبا تقديره جئت راكبا وكقولك بلىمسرعا لمن قال لك لم تسر والتقدير بلى سرت مسرعا ومنه قوله تعالى ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه التقدير والله أعلم بلى نجمعها قادرين
ومثال ما حذف وجوبا قولك زيد أخوك عطوفا ونحوه من الحال المؤكده لمضمون الجملة وقد تقدم ذلك وكالحال النائبة مناب الخبر
(2/283)

نحو ضربى زيدا قائما التقدير إذا كان قائما وقد سبق تقرير ذلك في باب المبتدأ والخبر
(2/284)

ومما حذف فيه عامل الحال وجوبا قولهم اشتريته بدرهم فصاعدا وتصدقت بدينار فسافلا فصاعدا وسافلا حالان عاملهما محذوف وجوبا والتقدير فذهب الثمن صاعدا وذهب المتصدق به سافلا
هذا معنى قوله وبعض ما يحذف ذكره حظل أي بعض ما يحذف من عامل الحال منع ذكره
(2/285)

التمييز
( اسم بمعنى من مبين نكره ... ينصب تمييزا بما قد فسره )
( كشبر أرضا وقفيز برا ... ومنوين عسلا وتمرا )
تقدم من الفضلات المفعول به والمفعول المطلق والمفعول له والمفعول فيه والمفعول معه والمستثنى والحال وبقي التمييز وهو المذكور في هذا الباب ويسمى مفسرا وتفسيرا ومبينا وتبيينا ومميزا وتمييزا
وهو كل اسم نكرة متضمن معنى من لبيان ما قبله من إجمال نحو طاب زيد نفسا وعندي شبر أرضا
واحترز بقوله متضمن معنى من من الحال فإنها متضمنه معنى في
وقوله لبيان ما قبله احتراز مما تضمن معنى من وليس فيه بيان لما قبله كاسم لا التي لنفي الجنس نحو لا رجل قائم فإن التقدير لا من رجل قائم
(2/286)

وقوله لبيان ما قبله من إجمال يشمل نوعي التمييز وهما المبين إجمال ذات والمبين إجمال نسبة
فالمبين إجمال الذات هو الواقع بعد المقادير وهي الممسوحات نحو له شبر أرضا والمكيلات نحو له قفيز برا والموزونات نحو له منوان عسلا وتمرا والأعداد نحو عندي عشرون درهما
وهو منصوب بما فسره وهو شبر وقفيز ومنوان وعشرون
والمبين إجمال النسبة هو المسوق لبيان ما تعلق به العامل من فاعل أو مفعول نحو طاب زيد نفسا ومثله ( اشتعل الرأس شيبا ) وغرست الأرض شجرا ومثله ( وفجرنا الأرض عيونا )
فنفسا تمييز منقول من الفاعل والأصل طابت نفس زيد وشجرا منقول من المفعول والأصل غرست شجر الأرض فبين
(2/287)

نفسا الفاعل الذي تعلق به الفعل وبين شجرا المفعول الذي تعلق به الفعل
والناصب له في هذا النوع هو العامل الذي قبله
( وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... أضفتها كمد حنطة غذا )
( والنصب بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الأرض ذهبا )
أشار بذي إلى ما تقدم ذكره في البيت من المقدرات وهو ما دل
(2/288)

على مساحة أو كيل أو وزن فيجوز جر التمييز بعد هذه بالإضافة إن لم يضف إلى غيره نحو عندي شبر أرض وقفيز بر ومنوا عسل وتمر
فإن أضيف الدال على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز نحو ما في السماء قدر راحة سحابا ومنه قوله تعالى ( فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا )
وأما تمييز العدد فسيأتي حكمه في باب العدد
( والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا كأنت أعلى منزلا )
التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبه وإن لم يكن كذلك وجب جره بالإضافة
وعلامة ما هو فاعل في المعنى أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا نحو أنت أعلى منزلا وأكثر مالا فمنزلا ومالا يجب نصبهما إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا فتقول أنت علا منزلك وكثر مالك
ومثال ما ليس بفاعل في المعنى زيد أفضل رجل وهند أفضل امرأة
(2/289)

فيجب جره بالإضافة إلا إذا أضيف أفعل إلى غيره فإنه ينصب حينئذ نحو أنت أفضل الناس رجلا )
( وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز كأكرم بأبي بكر أبا )
يقع التمييز بعد كل ما دل على تعجب نحو ما أحسن زيدا رجلا
(2/290)

وأكرم بأبي بكر أبا ولله درك عالما وحسبك بزيد رجلا وكفى به عالما 193 -
( ويا جارتا ما أنت جاره ... )
(2/291)

( واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسا تفد )
يجوز جر التمييز بمن إن لم يكن فاعلا في المعنى ولا مميزا لعدد فتقول عندي شبر من أرض وقفيز من بر ومنوان من عسل وتمر وغرست الأرض من شجر ولا تقول طاب زيد من نفس ولا عندي عشرون من درهم
( وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا سبقا )
(2/292)

مذهب سيبويه رحمه الله أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله سواء كان متصرفا أو غير متصرف فلا تقول نفسا طاب زيد ولا عندي درهما عشرون
وأجاز الكسائي والمازني والمبرد تقديمه على عامله المتصرف فتقول نفسا طاب زيد وشيبا اشتعل رأسي ومنه قوله 194 -
( أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب )
(2/293)

وقوله 195 -
( ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا )
ووافقهم المصنف في غير هذا الكتاب على ذلك وجعله في هذا الكتاب قليلا
(2/294)

فإن كان العامل غير متصرف فقد منعوا التقديم سواء كان فعلا نحو ما أحسن زيدا رجلا أو غيره نحو عندي عشرون درهما
وقد يكون العامل متصرفا ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع وذلك نحو كفى بزيد رجلا فلا يجوز تقديم رجلا على كفى وإن كان فعلا متصرفا
(2/295)

لأنه بمعنى فعل غير متصرف وهو فعل التعجب فمعنى قولك كفى بزيد رجلا ما أكفاه رجلا
(2/296)

بسم الله الرحمن الرحيم
حروف الجر
( هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على )
( مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والباء ولعل ومتى )
هذه الحروف العشرون كلها مختصة بالأسماء وهي تعمل فيها الجر وتقدم الكلام على خلا وحاشا وعدا في الاستثناء وقل من ذكر كي ولعل ومتى في حروف الجر
فأما كي فتكون حرف جر في موضعين
أحدهما إذا دخلت على ما الاستفهامية نحو كيمة أي لمه فما استفهامية مجرورة بكى وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها وجيء بالهاء للسكت
(3/3)

الثاني قولك جئت كي أكرم زيدا فأكرم فعل مضارع منصوب بأن بعد كى وأن والفعل مقدران بمصدر مجرور بكى والتقدير جئت كي إكرام زيد أي لإكرام زيد
وأما لعل فالجر بها لغة عقيل ومنه قوله
196 - ( لعل أبي المغوار منك قريب )
(3/4)

وقوله
197
- ( لعل الله فضلكم علينا ... بشيء أن أمكم شريم )
ف أبي المغوار والاسم الكريم مبتدآن وقريب وفضلكم خبران ولعل حرف جر زائد دخل على المبتدأ فهو كالباء في بحسبك درهم
(3/5)

وقد روى على لغة هؤلاء في لامها الأخيرة الكسر والفتح وروى أيضا حذف اللام الأولى فتقول عل بفتح اللام وكسرها
وأما متى فالجر بها لغة هذيل ومن كلامهم أخرجها متى كمه يريدون من كمه ومنه قوله
198 - ( شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج )
(3/6)

وسيأتي الكلام على بقية العشرين عند كلام المصنف عليها
ولم يعد المصنف في هذا الكتاب لولا من حروف الجر وذكرها في غيره
ومذهب سيبويه أنها من حروف الجر لكن لا تجر إلا المضمر فتقول لولاى ولولاك ولولاه فالياء والكاف والهاء عند سيبويه مجرورات ب لولا
وزعم الأخفش أنها في موضع رفع بالابتداء ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع فلم تعمل لولا فيها شيئا كما لا تعمل في الظاهر نحو لولا زيد لأتيتك
وزعم المبرد أن هذا التركيب أعنى لولاك ونحوه لم يرد من لسان العرب وهو محجوج بثبوت ذلك عنهم كقوله
199 - ( أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن )
(3/7)
وقوله
200 - ( وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قنة النيق منهوى )
(3/9)
( بالظاهر أخصص منذ مذ وحتى ... والكاف والواو ورب والتا )
( وأخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب ... منكرا والتاء لله ورب )
( وما رووا من نحو ربه فتى ... نزر كذا كها ونحوه أتى )
(3/10)
من حروف الجر ما لا يجر إلا الظاهر وهي هذه السبعة المذكورة في البيت الأول فلا تقول منذه ولا مذه وكذا الباقي
ولا تجر منذ ومذ من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان فإن كان الزمان حاضرا كنات بمعنى في نحو ما رأيته منذ يومنا أي في يومنا وإن كان الزمان ماضيا كانت بمعنى من نحو ما رأيته مذ يوم الجمعة أي من يوم الجمعة وسيذكر المصنف هذا في آخر الباب وهذا معنى قوله واخصص بمذ ومنذ وقتا
وأما حتى فسيأتي الكلام على مجرورها عند ذكر المصنف له وقد شذ جرها للضمير كقوله
201 - ( فلا والله لا يلفى أناس ... فتى حتاك يا ابن أبي زياد )
(3/11)
ولا يقاس على ذلك خلافا لبعضهم ولغة هذيل إبدال حائها عينا وقرأ ابن مسعود ( فتربصوا به حتى حين )
وأما الواو فمختصة بالقسم وكذلك التاء ولا يجوز ذكر فعل القسم معهما فلا تقول أقسم والله ولا أقسم تالله
ولا تجر التاء إلا لفظ الله فتقول تالله لأفعلن وقد سمع جرها رب مضافا إلى الكعبة قالوا ترب الكعبة وهذا معنى قوله والتاء لله ورب وسمع أيضا تالرحمن وذكر الخفاف في شرح الكتاب أنهم قالوا تحياتك وهذا غريب
ولا تجر رب إلا نكرة نحو رب رجل عالم لقيت وهذا معنى قوله وبرب منكرا أي واخصص برب النكرة وقد شذ جرها ضمير الغيبة كقوله
202 - ( واه رأبت وشيكا صدع أعظمه ... وربه عطبا أنقذت من عطبه )
(3/12)
كما شذ جر الكاف له كقوله
203 - ( خلى الذنابات شمالا كثبا ... وأم أوعال كها أو أقربا )
(3/13)
وقوله
204 - ( ولا ترى بعلا ولا حلائلا ... كه ولا كهن إلا حاظلا )
وهذا معنى قوله وما رووا البيت أي والذي روى من جر رب المضمر نحو ربه فتى قليل وكذك جر الكاف المضمر نحو كها
(3/14)
( بعض وبين وابتدىء في الأمكنه ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنة )
( وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كمالبالغ من مفر )
تجيء من للتبعض ولبيان الجنس ولابتداء الغاية في غير الزمان كثيرا وفي الزمان قليلا وزائدة
فمثالها للتبعيض قولك أخذت من الدراهم ومنه قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله )
ومثالها لبيان الجنس قوله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )
ومثالها لابتداء الغاية في المكان قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى )
ومثالها لابتداء الغاية في الزمان قوله تعالى ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) وقول الشاعر
(3/15)
205 - ( تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب )
ومثال الزائدة ما جاءني من أحد ولا تزاد عند جمهور البصريين إلا بشرطين
(3/16)
أحدهما أن يكون المجرور بها نكرة
الثاني أن يسبقها نفي أو شبهه والمراد بشبه النفي النهى نحو لا تضرب من أحد والاستفهام نحو هل جاءك من أحد
ولا تزاد في الإيجاب ولا يؤتى بها جارة لمعرفة فلا تقول جاءني من زيد خلافا للأخفش وجعل منه قوله تعالى ( يغفر لكم من ذنوبكم )
وأجاز الكوفيون زيادتها في الإيجاب بشرط تنكير مجرورها ومنه عندهم قد كان من مطر أي قد كان مطر
للانتها حتى ولام وإلى ... ومن وباء يفهمان بدلا )
يدل على انتهاء الغاية إلى وحتى واللام والأصل من هذه الثلاثة إلى فلذلك بحر الآخر وغيره نحو سرت البارحة إلى آخر الليل أو إلى نصفه ولا تجر حتى إلا ما كان آخرا أو متصلا بالآخر كقوله
(3/17)
تعالى ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) ولا تجر غيرهما فلا تقول سرت البارحة حتى نصف الليل واستعمال اللام للانتهاء قليل ومنه قوله تعالى ( كل يجرى لأجل مسمى )
ويستعمل من والباء بمعنى بدل فمن استعمال من بمعنى بدل قوله عز و جل ( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) أي بدل الآخرة وقوله تعالى ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) أي بدلكم وقول الشاعر
206 - ( جاريه لم تأكل المرققا ... ولم تذق من البقول الفستقا )
(3/18)
أي بدل البقول ومن استعمال الباء بمعنى بدل ما ورد في الحديث ما يسرني بها حمر النعم أي بدلها وقول الشاعر
( فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا ) 154
( واللام للملك وشبهه وفي ... تعدية أيضا وتعليل قفى )
( وزيد والظرفية استبن بباو ... في وقد يبينان السببا )
(3/19)
تقدم أن اللام تكون للانتهاء وذكر هنا أنها تكون للملك نحو ( لله ما في السموات وما في الأرض ) والمال لزيد ولشبه الملك نحو الجل للفرس والباب للدار وللتعدية نحو وهبت لزيد مالا ومنه قوله تعالى ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وللتعليل نحو جئتك لإكرامك وقوله
207 - ( وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر )
(3/20)
وزائدة قياسا نحو لزيد ضربت ومنه قوله تعالى ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) وسماعا نحو ضربت لزيد
وأشار بقوله والظرفية استبن إلى آخره إلى معنى الباء وفي فذكر أنهما اشتركا في إفادة الظرفية والسببية فمثال الباء للظرفية قوله تعالى ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ) أي وفي الليل ومثالها للسببية قوله تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) ومثال في للظرفية قولك زيد في المسجد وهو الكثير فيها ومثالها للسببية قوله دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض
(3/21)