لطفاً کليه فايل هاي قابل دانلود در اين سايت، مخصوصاً فايل هاي پيوست شده را با نرم افزارهاي مخصوص مديريت دانلود، دريافت نماييد مانند نرم افزار دانلود منيجر که در این لينک قابل دريافت و نصب است http://mcaf.ee/6wz9g در صورت عدم استفاده از نرم افزارهاي مخصوص دانلود و استفاده از دانلود منيجر داخلي مرورگرها احتمال دانلود ناقص فايل ها وجود دارد
نمایش نتایج: از شماره 1 تا 3 , از مجموع 3
  1. #1
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل7

    الكتاب : شرح ابن عقيل
    مصدر الكتاب : الإنترنت
    [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

    أو " ليت هنا غير البذي " أي الوقح، فيجوز تقديم " فيها، وهنا " على " غير " وتأخيرهما عنها.
    والثاني: أنه يجب تقديمه، نحو: " ليت في الدار صاحبها " فلا يجوز تأخير " في الدار " لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
    ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور، نحو: " إن زيدا آكل طعامك " فلا يجوز " إن طعامك زيدا آكل " وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا، نحو: " إن زيدا واثق بك " أو " جالس عندك " فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم، فلا تقول: " إن بك زيدا واثق " أو " إن عندك زيدا جالس " وأجازه بعضهم، وجعل منه قوله: 95 - فلا تلحني فيها، فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلابله * * *
    .
    __________
    95 - هذا البيت من شواهد سيبويه الخمسين التي لم ينسبوها إلى قائل معين (انظر كتاب سيبويه 1 / 280).
    اللغة: " لا تلحني " - من باب فتح - أي: لا تلمني ولا تعذلني " جم " كثير، عظيم " بلابله " أي وساوسه، وهو جمع بلبال، وهو الحزن واشتغال البال.
    المعنى: قال الاعلم في شرح شواهد سيبويه " يقول لا تلمني في حب هذه المرأة فقد أصيب قلبي بها، واستولى عليه حبها، فالعذل لا يصرفني عنها " اه.
    الاعراب: " فلا " ناهية " تلحني " تلح: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والنون للوقاية، والياء مفعول به " فيها " جار ومجرور متعلق بتلحني " فإن " الفاء تعليلية، إن: حرف توكيد ونصب " بحبها " الجار والمجرور متعلق بقوله " مصاب " الآتي، وحب مضاف، وها: ضمير الغائبة مضاف إليه " أخاك " أخا: اسم إن، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه " مصاب " خبر إن، ومصاب مضاف و " القلب " مضاف إليه " جم " خبر ثان لان " بلابله " بلابل: فاعل لجم، مرفوع بالضمة الظاهرة، وبلابل مضاف وضمير الغائب العائد إلى " أخاك " مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر.
    = (*)
    (1/349)

    وهمز إن افتح لسد مصدر مسدها، وفي سوى ذاك اكسر (1) " إن " لها ثلاثة أحوال: وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الامرين: فيجب فتحها إذا قدرت بمصدر، كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل (2)،.
    __________
    = الشاهد فيه: تقديم معمول خبر " إن " وهو قوله " بحبها " على اسمها وهو قوله " أخاك " وخبرها وهو قوله " مصاب القلب " وأصل الكلام " إن أخاك مصاب القلب بحبها " فقدم الجار والمجرور على الاسم، وفصل به بين إن واسمها، مع بقاء
    الاسم مقدما على الخبر، وإجازة هذا هو ما رآه سيبويه شيخ النحاة (انظر الكتاب 1 / 280).
    (1) " وهمز " مفعول مقدم على عامله، وهو قوله " افتح " الآتي، وهمز مضاف و " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " افتح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لسد " جار ومجرور متعلق بافتح، وسد مضاف و " مصدر " مضاف إليه " مسدها " مسد: مفعول مطلق، ومسد مضاف والضمير مضاف إليه " وفي سوى " جار ومجرور متعلق بقوله " اكسر " الآتي، وسوى مضاف واسم الاشارة من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " اكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (2) شمل قول الشارح " مرفوع فعل " ما إذا وقعت أن في موضع الفاعل كالمثال الذي ذكره، ومنه قوله تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا) أي: أو لم يكفهم إنزالنا، وما إذا وقعت في موضع النائب عن الفاعل، نحو قوله تعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) أي: قل أوحي إلي استماع نفر من الجن، ولا فرق بين أن يكون الفعل ظاهرا كما في هذه الامثلة، وبين أن يكون الفعل مقدرا، وذلك بعد " ما " المصدرية نحو قولهم: " لا أكلمه ما أن في السماء نجما " وقولهم: " لا أفعل هذا ما أن حراء مكانه " التقدير: لا أكلمه ما ثبت كون نجم في السماء، ولا أفعله ما ثبت كون حراء في مكانه، وبعد " لو " الشرطية في مذهب الكوفيين، وذلك كما في نحو قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم) أي لو ثبت صبرهم.
    (*)
    (1/350)

    نحو: " يعجبني أنك قائم " أي: قيامك، أو منصوبه، نحو: " عرفت أنك قائم " أي: قيامك، أو في موضع مجرور حرف، نحو: " عجبت من أنك قائم " أي: من قيامك (1)، وإنما قال: " لسد مصدر مسدها " ولم يقل: " لسد مفرد مسدها " لانه قد يسد المفرد مسدها ويجب كسرها، نحو: " ظننت
    زيدا إنه قائم "، فهذه يجب كسرها وإن سد مسدها مفرد، لانها في موضع المفعول الثاني، ولكن لا تقدر بالمصدر، إذ لا يصح " ظننت زيدا قيامه ".
    فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها، بل تكسر: وجوبا، أو جوازا، على ما سنبين، وتحت هذا قسمان، أحدهما: وجوب الكسر، والثاني: جواز الفتح والكسر، فأشار إلى وجوب الكسر بقوله:.
    __________
    (1) ذكر المؤلف ضابطا عاما للمواضع التي يجب فيها فتح همزة " إن " وهو أن يسد المصدر مسدها - وقد ذكر الشارح ثلاثة منها، وبقيت عليه خمسة مواضع أخرى: الاول: أن تقع في موضع مبتدأ مؤخر، نحو قوله تعالى: (ومن آياته أنك ترى الارض) أي ومن آياته رؤيتك الارض.
    الثاني: أن تقع في موضع خبر مبتدأ، بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قوله، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقا على ذلك المبتدأ، نحو قولك: ظني أنك مقيم معنا اليوم، أي ظني إقامتك معنا اليوم.
    الثالث: أن تقع في موضع المضاف إليه نحو قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) أي مثل نطقكم، فما: صلة، ومثل مضاف وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالاضافة.
    الرابع: أن تقع في موضع المعطوف على شئ مما ذكرناه، نحو قوله تعالى: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، وأني فضلتكم على العالمين) أي: اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم.
    الخامس: أن تقع في موضع البدل من شئ مما ذكرناه، نحو قوله تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) أي: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم، فهو بدل اشتمال من المفعول به.
    (*)
    (1/351)

    فاكسر في الابتدا، وفي بدء صله وحيث " إن " ليمين مكمله (1) أو حكيت بالقول، أو حلت محل حال، كزرته وإني ذو أمل (2) وكسروا من بعد فعل علقا باللام، كاعلم إنه لذو تقى (3).
    __________
    (1) " فاكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في الابتدا " جار ومجرور متعلق باكسر " وفي بدء " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق، وبدء مضاف و " صله " مضاف إليه " وحيث " الواو عاطفة، حيث: ظرف معطوف على الجار والمجرور " إن " قصد لفظه: مبتدأ " ليمين " جار ومجرور متعلق بقوله " مكمله " الآتي " مكمله " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة " حيث " إليها.
    (2) " أو " حرف عطف " حكيت " حكى: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن، والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة " بالقول " جار ومجرور متعلق بحكيت " أو " حرف عطف " حلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن " محل " مفعول فيه، ومحل مضاف، و " حال " مضاف إليه " كزرته " الكاف جارة لقول محذوف، كما سلف مرارا، زرته: فعل وفاعل ومفعول " وإني " الواو واو الحال، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " ذو " خبرها، وذو مضاف، و " أمل " مضاف إليه، والجملة من إن واسمها وخبرها في محل نصب حال صاحبه ناء المتكلم في " زرته ".
    (3) " وكسروا " الواو عاطفة، وكسروا: فعل وفاعل " من بعد " جار ومجرور متعلق بكسروا، وبعد مضاف، و " فعل " مضاف إليه " علقا " علق: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل والجملة في محل جر نعت لفعل " باللام " جار ومجرور متعلق بعلق " كاعلم " الكاف جارة
    لقول محذوف، اعلم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إنه " إن حرف توكيد ونصب، والهاء اسمها " لذو " اللام هي لام الابتداء، وهي المعلقة، ذو: خبر إن مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لانه من الاسماء الستة، وذو مضاف، و " تقى " مضاف إليه.
    (*)
    (1/352)

    [ فذكر أنه ] يجب الكسر في ستة مواضع: الاول: إذا وقعت " إن " ابتداء، أي: في أول الكلام، نحو: " إن زيدا قائم " ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء، فلا تقول: " أنك فاضل عندي " بل يجب التأخير، فتقول: " عندي أنك فاضل " وأجاز بعضهم الابتداء بها.
    الثاني: أن تقع " إن " صدر صلة، نحو: " جاء الذي إنه قائم "، ومنه قوله تعالى: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء).
    الثالث: أن تقع جوابا للقسم وفي خبرها اللام، نحو: " والله إن زيدا لقائم " وسيأتي الكلام على ذلك.
    الرابع: أن تقع في جملة محكية بالقول، نحو: " قلت إن زيدا قائم " [ قال تعالى: (قال إني عبد الله) ]، فإن لم تحك - به بل أجرى القول مجرى الظن - فتحت، نحو: " أتقول أن زيدا قائم " أي: أتظن.
    الخامس: أن تقع في جملة في موضع الحال، كقوله: " زرته وإني ذو أمل " ومنه قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) وقول الشاعر: 96 - ما أعطياني ولا سألتهما إلا وإني لحاجزي كرمي.
    __________
    96 - البيت لكثير عزة، وهو كثير بن عبد الرحمن، من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان بن الحكم وأخاه عبد العزيز بن مروان، وأول هذه القصيدة قوله:
    دع عنك سلمى إذ فات مطلبها واذكر خليليك من بني الحكم اللغة: " مطلبها " يجوز أن يكون ههنا مصدرا ميميا بمعنى الطلب، ويجوز أن يكون اسم زمان بمعنى وقت الطلب، والثاني أقرب " إلا " رواية سيبويه - رحمه الله - على أنها أداة استثناء مكسورة الهمزة مشددة اللام، ورواية أبي العباس المبرد بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أنها أداة استفتاح، ورواية سيبويه أعرف وأشهر وأصلح من جهة = (23 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/353)

    السادس: أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام، نحو: " علمت إن زيدا لقائم " وسنبين هذا في باب " ظن " فإن لم في خبرها اللام فتحت، نحو: " علمت أن زيدا قائم ".
    هذا ما ذكره المصنف، وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إن " فيها: الاول: إذا وقعت بعد " ألا " الاستفتاحية، نحو: " ألا إن زيدا قائم ".
    ومنه قوله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء)..
    __________
    = المعنى " حاجزي " أي مانعي، وتقول: حجزه يحجزه من باب ضرب - إذا منعه وكفه.
    الاعراب: " ما " نافية " أعطياني " أعطي: فعل ماض، وألف الاثنين فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، والتقدير: ما أعطياني شيئا " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " سألتهما " فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، وتقديره كالسابق " إلا " أداة استثناء، والمستثنى منه محذوف، أي: ما أعطياني ولا سألتهما في حالة من الاحوال " وإني " الواو واو الحال، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " لحاجزي " اللام للتأكيد، حاجز: خبر إن، وحاجز مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله " كرمي " كرم:
    فاعل بحاجز، وكرم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، وجملة إن واسمها وخبرها في محل نصب حال، وهذه الحال في المعنى مستثناة من عموم الاحوال، وكأنه قال: ما أعطياني ولا سألتهما في حالة إلا هذه.
    الشاهد فيه: قوله " إلا وإني - إلخ " حيث جاءت همزة " إن " مكسورة لانها وقعت موقع الحال، وثمت سبب آخر في هذه العبارة يوجب كسر همزة " إن " وهو اقتران خبرها باللام، وقال الاعلم (ج 1 ص 472): الشاهد فيه كسر إن، لدخول اللام في خبرها، ولانها واقعة موقع الجملة النائبة عن الحال، ولو حذف اللام لم تكن إلا مكسورة لذلك " اه.
    ومثل هذا البيت قول الله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق) فإن في هذه الآية الكريمة مكسورة الهمزة وجوبا لسببين كل واحد منهما يقتضي ذلك على استقلاله: وقوعها موقع الحال، واقتران خبرها باللام.
    (*)
    (1/354)

    الثاني: إذا وقعت بعد " حيث "، نحو: " اجلس حيث إن زيدا جالس ".
    الثالث: إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين، نحو: " زيد إنه قائم ".
    ولا يرد عليه شئ من هذه المواضع، لدخولها تحت قوله: " فاكسر في الابتدا " لان هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها.
    * * * بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده بوجهين نمي (1) مع تلو فا الجزا، وذا يطرد في نحو " خير القول إني أحمد " (2).
    __________
    (1) " بعد " ظرف متعلق بقوله " نمي " في آخر البيت، وبعد مضاف، و " إذا " مضاف إليه، وإذا مضاف و " فجاءة " مضاف إليه، وهي من إضافة الدال إلى المدلول " أو " حرف عطف " قسم " معطوف على إذا " لا " نافية للجنس " لام " اسمها
    " بعده " بعد: ظرف متعلق بمحذوف خبر لا، وبعد مضاف والهاء مضاف إليه، وجملة لا واسمها وخبرها في محل جر نعت لقسم " بوجهين " جار ومجرور متعلق بقوله " نمي " الآتي " نمي " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى همز إن.
    (2) " مع " ظرف معطوف على قوله " بعد " السابق بعاطف مقدر، ومع مضاف و " تلو " مضاف إليه، وتلو مضاف و " فا " قصر للضرورة: مضاف إليه، وفا مضاف و " الجزا " قصر للضرورة أيضا: مضاف إليه " ذا " اسم إشارة مبتدأ " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على اسم الاشارة، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " في نحو " جار ومجرور متعلق بيطرد " خير " مبتدأ، وخير مضاف و " القول " مضاف إليه " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " أحمد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وجملة المضارع وفاعله في محل رفع خبر إن، وجملة إن ومعموليها في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة " نحو " إليه.
    (*)
    (1/355)

    يعني أنه يجوز فتح " إن " وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية، نحو " خرجت فإذا إن زيدا قائم " فمن كسرها جعلها جملة، والتقدير: خرجت فإذا زيد قائم، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا، وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية، والتقدير " فإذا قيام زيد " أي ففي الحضرة قيام زيد، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، والتقدير " خرجت فإذا قيام زيد موجود " (1)، ومما جاء بالوجهين قوله: 97 - وكنت أرى زيدا - كما قيل - سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم.
    __________
    (1) هذان الوجهان اللذان جوزهما المؤلف على تقدير فتح همز أن بعد إذا الفجائية
    مبنيان على الخلاف في إذا الفجائية: أهي حرف أم ظرف ؟ (انظر ص 244 وما بعدها) فمن قال هي ظرف مكاني أو زماني جعلها الخبر، وفتح الهمزة، ومن قال هي حرف أجاز جعل إن واسمها وخبرها جملة أو جعلها في تأويل مفرد، وهذا المفرد إما أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وإما أن يكون مبتدأ والخبر محذوفا، فإن جعلتها جملة كسرت الهمزة، وإن جعلتها مفردا فتحت الهمزة.
    والحاصل أن من قال " إذا حرف مفاجأة " وهو ابن مالك - جاز عنده كسر همزة إن بعدها على تقدير أن ما بعدها جملة تامة، وجاز عنده أيضا فتح الهمزة على تقدير أن ما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ خبره محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف، وأما من جعل إذا ظرفا زمانيا أو مكانيا فقد أوجب فتح همزة أن على أنها في تأويل مصدر مبتدأ خبره الظرف قبله.
    ومن هنا يتبين لك أن كلام الناظم وجعله " إن " بعد " إذا " ذات وجهين لا يتم إلا على مذهبه أن إذا الفجائية حرف، أو على التلفيق من المذهبين: بأن يكون الفتح على مذهب من قال بظرفيتها والكسر على مذهب من قال بحرفيتها، مع أن من قال بحرفيتها يجوز فيها الفتح أيضا.
    97 - هذا البيت من شواهد سيبويه التي لم ينسبوها، وقال سيبويه قبل أن ينشده (472 1): " وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به " اه.
    اللغة: " اللهازم " جمع لهزمة - بكسر اللام والزاي - وهي طرف الحلقوم، ويقال: هي عظم ناتئ تحت الاذن، وقوله " عبد القفا واللهازم " كناية عن الخسة والدناءة والذلة، وذلك لان القفا موضع الصفع، واللهزمة موضع اللكز، فأنت إذا = (*)
    (1/356)

    .
    __________
    نظرت إلى هذين الموضعين منه اتضح لك أنه يضرب على قفاه ولهزمته، وليس أحد يضرب على قفاه ولهزمته غير العبد، فتعرف من ذلك عبوديته وذلته ودناءته.
    المعنى: كنت أظن زيدا سيدا كما قيل لي عنه، فإذا هو ذليل خسيس لا سيادة له ولا شرف.
    الاعراب: " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " أرى " بزنة المبني للمجهول ومعناه أظن - فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " زيدا " مفعوله الاول " كما " الكاف جارة، وما: مصدرية " قيل " فعل ماض مبني للمجهول وما المصدرية مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف: أي كقول الناس، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا، والتقدير: ظنا موافقا قول الناس " سيدا " مفعول ثان لارى، والجملة من " أرى " وفاعلها ومفعوليها في محل نصب خبر كان " إذا " فجائية " إنه " إن: حرف توكيد ونصب، والهاء اسمه " عبد " خبر إن، وعبد مضاف و " القفا " مضاف إليه " واللهازم " معطوف على القفا.
    الشاهد فيه: قوله " إذا أنه " حيث جاز في همزة " إن " الوجهان، فأما الفتح فعلى أن تقدرها مع معموليها بالمفرد الذي هو مصدر، وإن كان هذا المفرد محتاجا إلى مفرد آخر لتتم بهما جملة، وهذا الوجه يتأتى على الراجح عند الناظم من أن إذا حرف لا ظرف، كما أنه يتأتى على القول بأنها ظرف، وأما الكسر فلتقديرها مع مفعوليها جملة، وهي في ابتدائها، قال سيبويه: " فحال إذا ههنا كحالها إذا قلت: مررت فإذا أنه عبد، تريد مررت به فإذا العبودية واللؤم، كأنك قلت: مررت فإذا أمره العبودية واللؤم، ثم وضعت أن في هذا الموضع جاز " اه، وقال الاعلم: " الشاهد فيه جواز فتح إن وكسرها يعد إذا، فالكسر على نية وقوع المبتدأ، والاخبار عنه بإذا، والتقدير فإذا العبودية، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا على تقدير: فإذا العبودية شأنه " اه.
    والمحصل من وجوه الاعراب الجائز في هذا الاسلوب أن نقول لك:
    أما من ذهب إلى أن إذا الفجائية ظرف فأوجب فتح همزة إن، وجعل أن وما دخلت = (*)
    (1/357)

    روى بفتح " أن " وكسرها، فمن كسرها جعلها جملة [ مستأنفة ]، والتقدير " إذا هو عبد القفو اللهازم " ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ، وفي خبره الوجهان السابقان، والتقدير على الاول " فإذا عبوديته " أي: ففي الحضرة عبوديته، وعلى الثاني " فإذا عبوديته موجودة ".
    وكذا يجوز فتح " إن " وكسرها إذا وقعت جواب قسم، وليس في خبرها اللام، نحو " حلفت أن زيدا قائم " بالفتح والكسر، وقد روي بالفتح والكسر قوله: 98 - لتقعدن مقعد القصي مني ذي القاذورة المقلي أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبي.
    __________
    = عليه في تأويل مصدر، ويجوز لك - حينئذ - ثلاثة أوجه من الاعراب: الاول أن يكون المصدر مبتدأ خبره إذا نفسها، والثاني أن يكون المصدر مبتدأ خبره محذوف، أي فإذا العبودية شأنه، أو فإذا العبودية موجودة، وهذا تقدير الشارح كغيره، والثالث أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف، والتقدير فإذا شأنه العبودية، وهذا تقدير سيبويه كما سمعت في عبارته.
    وأما من ذهب إلى أن إذا الفجائية حرف فأجاز فتح همزة إن وأجاز كسرها، فإن فتحتها فهي ومدخولها في تأويل مصدر، ولك وجهان من الاعراب، الاول أن تجعل المصدر مبتدأ خبره محذوف، والثاني: أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف، وليس لك على هذا أن تجعل " إذا " نفسها خبر المبتدأ، لان إذا حينئذ حرف وليست ظرفا، وإن كسرتها فليس لك إلا الاعراب الظاهر، إذ ليس في الكلام تقدير، فاحفظ هذا والله تعالى يرشدك.
    98 - البيتان ينسبان إلى رؤبة بن العجاج، وقال ابن برى: " هما لاعرابي قدم من سفر فوجد امرأته وضعت ولدا فأنكره ".
    اللغة: " القصي " البعيد النائي " ذي القاذورة " المراد به الذي لا يصاحبه الناس لسوء خلقه، ويقال: هذا رجل قاذورة، وهذا رجل ذو قاذورة، إذا كان الناس = (*)
    (1/358)

    .
    __________
    يتحامون صحبته لسوء أخلاقه ودنئ طباعه " المقلي " المكروه، اسم مفعول مأخوذ من قولهم: قلاه يقليه، إذا أبغضه واجتواه، ويقال في فعله أيضا: قلاه يقلوه، فهو يائي واوي، إلا أنه ينبغي أن يكون اسم المفعول الذي معنا في هذا الشاهد مأخوذا من اليائي، لانه لو كان من الواوي لقال: مقلو، كما تقول: مدعو ومغزو، من دعا يدعو، وغزا يغزو.
    الاعراب: " لتقعدن " اللام واقعة في جواب قسم محذوف، تقعدن: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الامثال، وياء المؤنثة المخاطبة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين فاعل، والنون للتوكيد، وأصله " نقعدينن " فحذفت نون الرفع فرارا من اجتماع ثلاث نونات، فلما حذفت التقى ساكنان، فحذفت ياء المؤنثة المخاطبة للتخلص من التقائهما وهي كالثابتة، لكون حذفها لعلة تصريفية، وللدلالة عليها بكسر ما قبلها " مقعد " مفعول فيه أو مفعول مطلق، ومقعد مضاف و " القصي " مضاف إليه " مني " جار ومجرور متعلق بتقعدن، أو بالقصي، أو بمحذوف حال " ذي " نعت للقصي، وذي مضاف و " القاذورة " مضاف إليه " المقلي " نعت ثان للقصي " أو " حرف عطف بمعنى إلا " تحلفي " فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو، وعلامة نصبه حذف النون، وياء المخاطبة فاعل " بربك " الجار والمجرور متعلق بتحلفي، ورب مضاف والكاف مضاف إليه " العلي " صفة لرب " أني " أن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمه " أبو " خبر أن، وأبو مضاف وذيا من " ذيالك " اسم إشارة مضاف
    إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " الصبي " بدل من اسم الاشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له.
    الشاهد فيه: قوله " أني " حيث يجوز في همزة " إن " الكسر والفتح، لكونها واقعة بعد فعل قسم لا لام بعده.
    أما الفتح فعلى تأويل أن مع اسمها وخبرها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أو تحلفي على كوني أبا لهذا الصبي.
    وأما الكسر فعلى اعتبار إن واسمها وخبرها جملة لا محل لها من الاعراب جواب القسم.
    ووجه جواز هذين الوجهين في هذا الموضع أن القسم يستدعي جوابا لابد أن = (*)
    (1/359)

    ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح " إن " وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام، سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية، والفعل فيها ملفوظ به، نحو " حلفت إن زيدا قائم " أو غير ملفوظ به، نحو " والله إن زيدا قائم " أو اسمية، نحو " لعمرك إن زيدا قائم " (1)..
    __________
    = يكون جملة، ويستدعي محلوفا عليه يكون مفردا ويتعدى له فعل القسم بعلي، فإن قدرت " أن " بمصدر كان هو المحلوف عليه وكان مفردا مجرورا بعلي محذوفة، وإن قدرت أن جملة فهي جواب القسم، فتنبه لهذا الكلام.
    (1) اعلم أن ههنا أربع صور: الاولى: أن يذكر فعل القسم، وتقع اللام في خبر إن، نحو قولك: حلفت بالله إنك لصادق، ومنه قوله تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) وقوله جل شأنه: (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم).
    والثانية: أن يحذف فعل القسم، وتقع اللام أيضا في خبر إن، نحو قولك: والله
    إنك لمؤدب، ومنه قوله تعالى: (والعصر إن الانسان لفي خسر).
    ولا خلاف في أنه يتعين كسر همزة إن في هاتين الصورتين، لان اللام لا تدخل إلا على خبر إن المكسورة.
    والصورة الثالثة: أن يذكر فعل القسم، ولا تقترن اللام بخبر إن، كما في البيت الشاهد السابق (رقم 98).
    ولا خلاف أيضا في أنه يجوز في هذه الصورة وجهان: كسر همزة إن، وفتحها، على التأويلين اللذين ذكرهما الشارح، وذكرناهما في شرح الشاهد السابق.
    والصورة الرابعة: أن يحذف فعل القسم، ولا تقترن اللام بخبر إن، نحو قولك، والله إنك عالم، ومنه قوله تعالى: (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه).
    وفي هذه الصورة خلاف، والكوفيون يجوزون فيها الوجهين، والبصريون لا يجوزون فتح الهمزة، ويوجبون كسرها، والذي حققه أثبات العلماء أن مذهب الكوفيين في هذا الموضع غير صحيح، فقد نقل ابن هشام إجماع العرب على الكسر، وقال السيوطي في جمع الجوامع: " وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط، لانه لم يسمع " اه.
    = (*)
    (1/360)

    وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " إن " بعد فاء الجزاء، نحو " من يأتني فإنه مكرم " فالكسر على جعل " إن " ومعموليها جملة أجيب بها الشرط، فكأنه قال: من يأتني فهو مكرم، والفتح على جعل " أن " وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير " من يأتني فإكرامه موجود " ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا، والتقدير " فجزاؤه الاكرام ".
    ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه
    من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) قرئ (فإنه غفور رحيم) بالفتح [ والكسر، فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن، والفتح ] على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف، والتقدير " فالغفران جزاؤه " أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير " فجزاؤه الغفران ".
    وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " أن " بعد مبتدأ هو في المعنى قول وخبر " إن " قول، والقائل واحد، نحو " خير القول إني أحمد [ الله ] " فمن فتح جعل " أن " وصلتها مصدرا خبرا عن " خير "، والتقدير " خير القول حمد لله " ف " خير ": مبتدأ، و " حمد الله ": خبره، ومن كسر جعلها جملة خبرا عن " خير " كما تقول " أول قراءتي (سبح اسم ربك الاعلى) " فأول: مبتدأ، و " سبح اسم ربك الاعلى " جملة خبر عن " أول " وكذلك " خير القول " مبتدأ، و " إني أحمد الله " خبره، ولا تحتاج هذه.
    __________
    = وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام الناظم، فيكون تجويز الوجهين مخصوصا بذكر فعل القسم مع عدم اقتران الخبر باللام، وهي الصورة التي أجمعوا فيها على جواز الوجهين.
    (*)
    (1/361)

    الجملة إلى رابط، لانها نفس المبتدأ في المعنى، فهي مثل " نطقي الله حسبي " ومثل سيبويه هذه المسألة بقوله: " أول ما أقول أني أحمد الله " وخرج الكسر على الوجه الذي تقدم ذكره، وهو أنه من باب الاخبار بالجمل، وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين: كالمبرد، والزجاج، والسيرافي، وأبي بكر بن طاهر، وعليه أكثر النحويين.
    * * *
    وبعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء، نحو: إني لوزر (1) يجوز دخول لام الابتداء على خبر " إن " المكسورة (2)، نحو " إن زيدا لقائم "..
    __________
    (1) " بعد " ظرف متعلق بقوله تصحب الآتي، وبعد مضاف، و " ذات " مضاف إليه، وذات مضاف، و " الكسر " مضاف إليه " تصحب " فعل مضارع " الخبر " مفعول به لتصحب مقدم على الفاعل " لام " فاعل مؤخر عن المفعول، ولام مضاف و " ابتداء " مضاف إليه " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء التي هي ضمير المتكلم اسمها " لوزر " اللام لام الابتداء، وهي للتأكيد، وزر: خبر إن، ومعناه الملجأ الذي يستعان به.
    (2) يشترط في خبر إن الذي يجوز اقتران اللام به ثلاثة شروط.
    ذكر المصنف منها شرطين فيما يأتي: الاول: أن يكون مؤخرا عن الاسم، فإن تقدم على الاسم لم يجز دخول اللام عليه نحو قولك: إن في الدار زيدا، ولافرق في حالة تأخره على الاسم بين أن يتقدم معموله عليه وأن يتأخر عنه، وزعم ابن الناظم أن معمول الخبر لو تقدم عليه امتنع دخول اللام على الخبر، وهو مردود بنحو قوله تعالى: (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) فقد دخلت اللام على الخبر في أفصح الكلام مع تقدم معموليه وهما " بهم " و " يومئذ ".
    الثاني: أن يكون الخبر مثبتا غير منفي، فإن كان منفيا امتنع دخول اللام عليه.
    الثالث: أن يكون الخبر غير جملة فعلية فعلها ماض متصرف غير مقترن بقد، وذلك = (*)
    (1/362)

    وهذه اللام حقها أن تدخل على أول الكلام، لان لها صدر الكلام، فحقها أن تدخل على " إن " نحو " لان زيدا قائم " لكن لما كانت اللام
    للتأكيد، وإن للتأكيد، كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد، فأخروا اللام إلى الخبر.
    ولا تدخل هذه اللام على خبر باقي أخوات " إن "، فلا تقول " لعل زيدا لقائم " وأجاز الكوفيون دخولها في خبر " لكن "، وأنشدوا: 99 - يلومونني في حب ليلى عواذلي ولكنني من حبها لعميد.
    __________
    = بأن يكون واحدا من خمسة أشياء، أولها: المفرد نحو " إن زيدا لقائم "، وثانيها: الجملة الاسمية نحو " إن أخاك لوجهه حسن "، والثالث: الجملة الفعلية التي فعلها مضارع نحو " إن زيدا ليقوم "، والرابع: الجملة الفعلية التي فعلها ماض جامد نحو " إن زيدا لعسى أن يزورنا "، والخامس: الجملة الفعلية التي فعلها ماض متصرف مقترن بقد، نحو " إن زيدا لقد قام ".
    ثم إذا كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على أول جزءيها نحو " إن زيدا لوجهه حسن "، وعلى الثاني منهما نحو " إن زيدا وجهه لحسن "، ودخولها على أول الجزءين أولى، بل ذكر صاحب البسيط أن دخولها على ثانيهما شاذ.
    99 - هذا البيت مما ذكر النحاة أنه لا يعرف له قائل، ولم أجد أحدا ذكر صدره قبل الشارح العلامة، بل وقفت على قول ابن النحاس: " ذهب الكوفيون إلى جواز دخول اللام في خبر لكن، واستدلوا بقوله: * ولكنني من حبها لعميد * والجواب أن هذا لا يعرف قائله ولا أوله، ولم يذكر منه إلا هذا، ولم ينشده أحد ممن وثق في العربية، ولا عزى إلى مشهور بالضبط والاتقان " اه كلامه، ومثله للانباري في الانصاف (214)، وقال ابن هشام في مغنى اللبيب: " ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير " اه.
    ولا ندري أرواية الصدر على هذا الوجه مما نقله الشارح العلامة أم وضعه من عند = (*)
    (1/363)

    .
    __________
    = نفسه أم مما أضافه بعض الرواة قديما لتكميل البيت غير متدبر لما يجره هذا الفعل من عدم الثقة، وإذا كان الشارح هو الذي رواه فمن أي المصادر ؟ مع تضافر العلماء من قبله ومن بعده على ما ذكرنا.
    اللغة: " عميد " من قولهم: عمده العشق، إذا هذه، وقيل: إذا انكسر قلبه من المودة.
    الاعراب: " يلومونني " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر مقدم، وهذا إذا جرينا على اللغة الفصحى، وإلا فالواو حرف دال على الجمع، وعواذلي: هو فاعل يلوم، وقوله " في حب " جار ومجرور متعلق بيلوم، وحب مضاف، و " ليلى " مضاف إليه " عواذلي " مبتدأ مؤخر على الفصحى " ولكنني " لكن: حرف استدراك ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمه " من حبها " الجار والمجرور متعلق بقوله عميد الآتي، وحب مضاف، وها: مضاف إليه " لعميد " اللام لام الابتداء، أو هي زائدة على على ما ستعرف في بيان الاستشهاد، وعميد خبر لكن.
    الشاهد فيه: قوله " لعميد " حيث دخلت لام الابتداء - في الظاهر - على خبر لكن، وجواز ذلك هو مذهب الكوفيين.
    والبصريون يأبون هذا وينكرونه، ويجيبون عن هذا البيت بأربعة أجوبة.
    أحدها: أن هذا البيت لا يصح، ولم ينقله أحد من الاثبات.
    الثاني: ما ذكره الشارح العلامة من أن اللام زائدة، وليست لام الابتداء.
    الثالث: سلمنا صحة البيت، وأن اللام فيه للابتداء، ولكنها ليست داخلة على خبر " لكن " وإنما هي داخلة على خبر " إن " المكسورة الهمزة المشددة النون، وأصل الكلام " ولكن إنني من حبها لعميد " فحذفت همزة " إن " تخفيفا، فاجتمع
    أربع نونات إحداهن نون " ولكن " واثنتان نونا " إن " والرابعة نون الوقاية، فحذفت واحدة منهن، فبقي الكلام على ما ظننت.
    الرابع: سلمنا أن هذا البيت صحيح، وأن اللام هي لام الابتداء، وأنها داخلة على خبر لكن، ولكننا لا نسلم أن هذا مما يجوز القياس عليه، بل هو ضرورة وقعت في هذا البيت بخصوصه، والبيت المفرد والبيتان لا تبنى عليهما قاعدة.
    = (*)
    (1/364)

    وخرج على أن اللام زائدة، كما شذ زيادتها في خبر " أمسى " نحو قوله: 100 - مروا عجالى، فقالوا: كيف سيدكم ؟ فقال من سألوا: أمسى لمجهودا.
    __________
    = والتخريجان الثالث والرابع متحتمان فيما ذكره الشارح من الشواهد (100، 101) وما نذكره من قول كثير في شرح الشاهد الآتي، وكذلك في قول الآخر: أمسى أبان ذليلا بعد عزته وما أبان لمن أعلاج سودان 100 - حكى العيني أن هذا البيت من أبيات الكتاب، ولم ينسبوه إلى أحد، وأنشده أبو حيان في التذكرة مهملا أيضا، وأنشده ثعلب في أماليه، وأنشده أبو علي الفارسي، وأنشده أبو الفتح ابن جنى، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين، وقد راجعت كتاب سيبويه لاحقق ما قاله العيني فلم أجده بين دفتيه.
    اللغة: " عجالى " جمع عجلان - كسكران وسكارى - ومن العلماء من يرويه " عجالا " بكسر العين على أنه جمع عجل - بفتح فضم مثل رجل ورجال - ومنهم يرويه " سراعا " على أنه جمع سريع " كيف سيدكم " روى في مكانه " كيف صاحبكم " وقوله " من سألوا " يروى هذا الفعل بالبناء للمعلوم، على أن جملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، وتقدير الكلام: فقال الذي سألوه
    ويروى ببناء الفعل للمجهول، على أن الجملة صلة، والعائد للموصول هو واو الجماعة، وكأنه قال: فقال الذين سئلوا " مجهودا " نال منه المرض والعشق حتى أجهداه وأتعباه.
    الاعراب: " مروا " فعل وفاعل " عجالى " حال " فقالوا " فعل وفاعل " كيف " اسم استفهام خبر مقدم " سيدكم " سيد: مبتدأ مؤخر، وسيد مضاف، والضمير مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول " قال " فعل ماض " من " اسم موصول فاعل قال " سألوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، أي سألوه، وقد بينا أنه يروى بالبناء للمجهول، وعليه يكون العائد هو واو الجماعة التي هي نائب الفاعل، ويكون الشاعر قد راعى معنى من = (*)
    (1/365)

    أي: أمسى مجهودا، وكما زيدت في خبر المبتدأ شذوذا، كقوله: 101 - أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من اللحم بعظم الرقبه.
    __________
    = " أمسى " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سيدكم " لمجهودا " اللام زائدة، مجهودا: خبر أمسى، وجملة أمسى ومعموليها مقول القول في محل نصب.
    الشاهد فيه: قوله " لمجهودا " حيث زيدت اللام في خبر " أمسى " وهي زيادة شاذة، ومثل هذا قول كثير عزة: وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها لكالهائم المقصى بكل سبيل حيث زاد اللام في خبر " زال " - وهو قوله لكالهائم - زيادة شاذة.
    وفي ذلك رد لما زعم الكوفيون من أن اللام الداخلة في خبر لكن في قول الشاعر: * ولكنني من حبها لعميد *
    هي لام الابتداء، وحاصل الرد عليهم بهذين الشاهدين أنا لا نسلم أن اللام التي في خبر لكن هي - كما زعمتم - لام الابتداء، بل هي لام زائدة مقحمة اقترنت بخبر لكن بدليل أن مثل هذه اللام قد دخلت على أخبار قد وقع الاجماع منا ومنكم على أن لام الابتداء لا تقترن بها كخبر أمسى وخبر زال في البيتين.
    101 - نسب جماعة هذا البيت - ومنهم الصاغاني - إلى عنترة آبن عروس مولى بني ثقيف، ونسبه آخرون إلى رؤبة بن العجاج، والاول أكثر وأشهر، ورواه الجوهري.
    اللغة: " الحليس " هو تصغير حلس، والحلس - بكسر فسكون - كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وهذه الكنية في الاصل كنية الانان - وهي أنثى الحمار - أطلقها الراجز على امرأة تشبيها لها بالانان " شهربة " بفتح الشين والراء بينهما هاء ساكنة، والمراد بها ههنا الكبيرة الطاعنة في السن " ترضى من اللحم " من هنا بمعنى البدل مثلها في قوله تعالى (لجعلنا منكم ملائكة) أي بدلكم، وإذا قدرت مضافا تجره بالباء، وجعلت أصل الكلام: ترضى من اللحم بلحم عظم الر قبة - كانت من دالة على التبعيض.
    = (*)
    (1/366)

    وأجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة، وقد قرئ شاذا: (إلا أنهم ليأكلون الطعام) بفتح " أن "، وبتخرج أيضا على زيادة اللام.
    * * * ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الافعال ما كرضيا (1).
    __________
    = الاعراب: " أم " مبتدأ، وأم مضاف، و " الحليس " مضاف إليه " لعجوز " خبر المبتدأ " شهربة " صفة لعجوز " ترضى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أم الحليس، والجملة صفة ثانية لعجوز " من اللحم " جار
    ومجرور متعلق بترضى " بعظم " مثله، وعظم مضاف و " الرقبة " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " لعجوز " حيث زاد اللام في خبر المبتدأ، والذهاب إلى زيادة اللام أحد تخريجات في هذا البيت، ومنها أن " عجوز " خبر لمبتدأ محذوف كانت اللام مقترنة - به وأصل الكلام على هذا: أم الحليس لهي عجوز - إلخ.
    فحذف المبتدأ، فاتصلت اللام بخبره، وهي في صدر المذكور من جملتها وقد مضى بحث ذلك في باب المبتدأ والخبر (انظر ما تقدم لنا ذكره في شرح الشاهد رقم 53) ومثل هذا البيت قول أبي عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد امتن عليه يوم بدر: فإنك من حاربته لمحارب شقي، ومن سالمته لسعيد الشاهد في قوله: " من حاربته لمحارب " وفي قوله " من سالمته لسعيد " فإن " من " اسم موصول مبتدأ في الموضعين، وقد دخلت اللام على خبره في كل منهما.
    (1) " ولا " نافية " يلي " فعل مضارع " ذي " اسم إشارة مفعول به ليلي مقدم على الفاعل " اللام " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة، أو نعت له " ما " اسم موصول فاعل يلي " قد " حرف تحقيق " نفيا " نفي: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " من الافعال " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الآتية " ما " اسم موصول معطوف على " ما " = (*)
    (1/367)

    وقد يليها مع قد، كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا (1) إذا كان خبر " إن " منفيا لم تدخل عليه اللام، فلا تقول " إن زيدا لما يقوم " وقد ورد في الشعر، كقوله: 102 - وأعلم إن تسليما وتركا للامتشابهان ولا سواء
    .
    __________
    = الاولى " كرضيا " قصد لفظه: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف، تقع جملته صلة " ما " الثانية، وتقدير البيت: ولا يلي هذه اللام اللفظ الذي تقدمته أداة نفي، ولا الماضي الذي يشبه رضى حال كونه من الافعال.
    (1) " وقد " حرف تقليل " يليها " يلي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضي المعبر عنه بقوله " ما كرضى " وها: ضمير عائد إلى اللام مفعول به ليلي " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل يلي، ومع مضاف و " قد " قصد لفظه مضاف إليه " كإن " الكاف جارة لقول محذوف، إن: حرف تأكيد ونصب " ذا " اسم إشارة: اسم إن " لقد " اللام لام التأكيد، وقد: حرف تحقيق " سما " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الاشارة، والجملة خبر إن في محل رفع " على العدا " جار ومجرور متعلق بسما " مستحوذا " حال من الضمير المستتر في " سما ".
    102 - البيت لابي حزام - غالب بن الحارث - العكلي.
    اللغة: " إن " إذا جريت على ما هو الظاهر فالهمزة مكسورة، لان اللام في خبر، وإذا جعلت اللام زائدة فتحت الهمزة، والاول أقرب، لان الذي يعلق " أعلم " عن العمل هو لام الابتداء، لا الزائدة " تسليما " أراد به التسليم على الناس، أو تسليم الامور إلى ذويها وعدم الدخول فيما لا يعني " تركا " أراد به ترك ما عبر عنه بالتسليم.
    الاعراب: " أعلم " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " إن " حرف توكيد ونصب " تسليما " اسمه " وتركا " معطوف عليه " للامتشابهان " اللام لام الابتداء أو زائدة على ما ستعرف، ولا: نافية، ومتشابهان: خبر إن " ولا " الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي " سواء " معطوف على خبر إن.
    = (*)
    (1/368)

    وأشار بقوله: " ولا من الافعال ما كرضيا " إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام، فلا تقول " إن زيدا لرضي " وأجاز ذلك الكسائي، وهشام، فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " للامتشابهان " حيث أدخل اللام في الخبر المنفي بلا، وهو شاذ.
    وقد اختلف العلماء في رواية صدر هذا البيت، فظاهر كلام الرضي وهو صريح كلام ابن هشام أن همزة إن مكسورة، لوجود اللام في خبرها.
    قال ابن هشام: " إن بالكسر لدخول اللام على الخبر " اه، وهذا مبني على ما هو الظاهر من أن اللام لام الابتداء، كما ذكرنا لك في لغة البيت.
    وذهب ابن عصفور - تبعا للفراء - إلى أن الهمزة مفتوحة، ومجازه عندنا أنه اعتبر اللام زائدة، وليست لام الابتداء.
    فإذا جعلت همزة إن مكسورة - على ما هو كلام ابن هشام، وهو الذي يجري عليه كلام الشارح ههنا - كان في البيت شذوذ واحد، وهو دخول اللام على خبر إن المنفي.
    وإذا جريت على كلام ابن عصفور، فإن اعتبرت اللام لام الابتداء كان في هذا الشاهد شذوذان: أحدهما دخول اللام على خبر أن المفتوحة، وثانيهما: دخولها على خبر أن المنفي.
    ويخلص من هذا كله أن نعتبر اللام زائدة كما اعتبروها كذلك في الشواهد السابقة.
    وقال ابن جنى: " إنما أدخل اللام وهي للايجاب على لا وهي للنفي من قبل أنه شبه لا بغير، فكأنه قال: لغير متشابهين، كما شبه الآخر ما التي للنفي بما التي بمعنى الذي في قوله:
    لما أغفلت شكرك فاجتنبني فكيف ومن عطائك جل مالي ؟ ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية لولا ما ذكرت لك من الشبه " انتهى كلامه.
    (24 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/369)

    عليه، ولا فرق بين المتصرف نحو " إن زيدا ليرضى " وغير المتصرف، نحو " إن زيدا ليذر الشر " هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف، فإن اقترنت به ]، نحو " إن زيدا سوف يقوم " أو " سيقوم " ففي جواز دخول اللام عليه خلاف، [ فيجوز إذا كان " سوف " على الصحيح، وأما إذا كانت السين فقليل ].
    وإن كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف [ جواز ] دخول اللام عليه، فتقول: " إن زيدا لنعم الرجل، وإن عمرا لبئس الرجل " وهذا مذهب الاخفش والفراء، والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك.
    فإن قرن الماضي المتصرف ب " قد " جاز دخول اللام عليه، وهذا هو المراد بقوله: " وقد يليها مع قد " نحو " إن زيدا لقد قام ".
    * * * وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل، واسما حل قبله الخبر (1) تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسط بين اسم إن والخبر، نحو " إن زيدا لطعامك آكل " وينبغي أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثلنا (2) فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح دخولها.
    __________
    (1) " وتصحب " الواو عاطفة، تصحب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى اللام " الواسط " مفعول به لتصحب " معمول " بدل منه، أو حال منه، ومعمول مضاف، و " الخبر " مضاف إليه " والوصل " معطوف على
    الواسط " واسما " معطوف على الواسط أيضا " حل " فعل ماض " قبله " قبل: ظرف متعلق بحل، وقبل مضاف والضمير الذي للغائب العائد إلى قوله " اسما " مضاف إليه " الخبر " فاعل لحل، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب نعت لقوله " اسما ".
    (2) يشترط لدخول اللام على معمول الخبر أربعة شروط: الاول: أن يكون هذا المعمول متوسطا بين ما بعد إن، سواء أكان التالي لان هو = (*)
    (1/370)

    على المعمول، كما إذا كان [ الخبر ] فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون ب " قد " لم يصح دخول اللام على المعمول، فلا تقول " إن زيدا لطعامك أكل " وأجاز ذلك بعضهم، وإنما قال المصنف: " وتصحب الواسط " أي: المتوسط تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر، فلا تقول " إن زيدا آكل لطعامك ".
    وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسط لا تدخل على الخبر، فلا تقول " إن زيدا لطعامك لآكل "، وذلك من جهة أنه خصص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط، وقد سمع ذلك قليلا، حكى من كلامهم " إني لبحمد الله لصالح "..
    __________
    = اسمها كما في مثال الشارح، أم كان التالي لان هو خبرها الظرف أو الجار والمجرور، نحو " إن عندي لفي الدار زيدا " أم كان التالي لها معمولا آخر للخبر المؤخر، نحو " إن عندي لفي الدار زيدا جالس " ويشمل كل هذه الصور قول الناظم " الواسط معمول الخبر "، وإن كان تفسير الشارح قد قصره على صورة واحدة منها.
    الشرط الثاني: أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه، وهذا يستفاد من قول الناظم " معمول الخبر " فإن أل في الخبر للعهد الذكرى، والمعهود هو الخبر الذي تدخل اللام عليه، والذي بينه وذكر شروطه فيها قبل ذلك.
    الشرط الثالث: ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر، وهو الشرط الذي بين الشارح أن كلام الناظم يشعر به، وقد بين أيضا وجه إشعار كلامه به.
    الشرط الرابع: ألا يكون المعمول حالا ولا تمييزا، فلا يصح أن تقول " إن زيدا لراكبا حاضر " ولا تقول " إن زيدا لعرقا يتصبب " وقد نص الشارح على الحال، ونص غيره على التمييز، وزاد أبو حيان ألا يكون المعمول مفعولا مطلقا ولا مفعولا لاجله، فعنده لا يجوز أن تقول " إن زيدا لركوب الامير راكب " ولا أن تقول " إن زيدا لتأديبا ضارب ابنه " واستظهر جماعة عدم صحة دخول اللام على المستثنى من الخبر، ولا على المفعول معه، وإن كان المتقدمون لم ينصوا على هذين.
    (*)
    (1/371)

    وأشار بقوله: " والفصل (1) " إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل، نحو " إن زيدا لهو القائم " وقال الله تعالى: (إن هذا لهو القصص الحق) ف " هذا " اسم " إن "، و " هو " ضمير الفصل، ودخلت عليه اللام، و " القصص " خبر " إن ".
    وسمى ضمير الفصل لانه يفصل بين الخبر والصفة، وذلك إذا قلت " زيد هو القائم " فلو لم تأت ب " هو " لاحتمل أن يكون " القائم " صفة لزيد، وأن يكون خبرا عنه، فلما أتيت ب " هو " تعين أن يكون " القائم " خبرا عن زيد.
    وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر (2)، نحو " زيد هو القائم " أو بين ما أصله المبتدأ والخبر، نحو " إن زيدا لهو القائم "..
    __________
    (1) البصريون يسمونه " ضمير الفصل " ووجه تسميته بذلك ما ذكره الشارح، ومن العلماء من يسميه " الفصل " كما قال الناظم " والفصل " والكوفيون يسمونه " عمادا " ووجه تسميتهم إياه بذلك أنه يعتمد عليه في تأدية المعنى المراد، وقد اختلفوا
    فيه: أهو حرف أم اسم وإذا كان اسما فهل له محل من الاعراب أم لا محل له من الاعراب وإذا كان له محل من الاعراب فهل محله هو محل الاسم الذي قبله أم محل الاسم الذي بعده ؟ فالاكثرون على أنه حرف وضع على صورة الضمير وسمي " ضمير الفصل " ومن النحاة من قال: هو اسم لا محل له من الاعراب، ومنهم من قال: هو اسم محله محل الاسم المتقدم عليه، فهو في محل رفع إذا قلت " زيد هو القائم " أو قلت " كان زيد هو القائم "، وفي محل نصب إذا قلت " إن زيدا هو القائم " ومنهم من قال: هو اسم محله محل الاسم المتأخر عنه، فهو في محل رفع في المثالين الاول والثالث، وفي محل نصب في نحو قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم).
    (2) يشترط في ضمير الفصل بقطع النظر عن كونه بين معمولي إن أربعة شروط: الاول: أن يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصلهما ذلك، وقد ذكر الشارح هذا الشرط.
    = (*)
    (1/372)

    وأشار بقوله: " واسما حل قبلة الخبر " إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر، نحو " إن في الدار لزيدا " قال الله تعالى: (وإن لك لاجرا غير ممنون).
    وكلامه يشعر [ أيضا ] بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر، وهو كذلك، فلا تقول: " إن زيدا لهو لقائم "، ولا " إن لفي الدار لزيدا ".
    ومقتضى إطلاقه في قوله: إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر - أن كل معمول إذا توسط جاز دخول اللام عليه، كالمفعول الصريح، والجار والمجرور، والظرف، والحال، وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال، فلا تقول: " إن زيدا لضاحكا راكب ".
    * * * ووصل " ما " بذي الحروف مبطل إعمالها، وقد يبقى العمل (1).
    __________
    = الشرط الثاني: أن يكون الاسمان اللذان يقع بينهما معرفتين نحو " إن محمدا هو المنطلق " أو أولهما معرفة حقيقة وثانيهما يشبه المعرفة في عدم قبوله أداة التعريف كأفعل التفضيل المقترن بمن، نحو " محمد أفضل من عمرو ".
    الشرط الثالث: أن يكون ضمير الفصل على صيغة ضمير الرفع كما في هذه الامثلة.
    الشرط الرابع: أن يطابق ما قبله في الغيبة أو الحضور، وفي الافراد أو التثنية أو الجمع، نحو قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) فأنت للخطاب، وهو في الخطاب وفي الافراد كما قبله، ونحو (وإنا لنحن الصافون) فنحن للتكلم كما قبله.
    (1) " ووصل " مبتدأ، ووصل مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " بذي " جار ومجرور متعلق بوصل " الحروف " بدل أو عطف بيان من ذي " مبطل " = (*)
    (1/373)

    إذا اتصلت " ما " غير الموصولة بإن وأخواتها كفتها عن العمل، إلا " ليت " فإنه يجوز فيها الاعمال [ والاهمال ] فتقول: " إنما زيد قائم " ولا يجوز نصب " زيد " وكذلك أن [ وكأن ] ولكن ولعل، وتقول: " ليتما زيد قائم " وإن شئت نصبت " زيدا " فقلت: " ليتما زيدا قائم " وظاهر كلام المصنف - رحمه الله تعالى ! - أن " ما " إن اتصلت بهذه الاحرف كفتها عن العمل، وقد تعمل قليلا، وهذا مذهب جماعة من النحويين (1) [ كالزجاجي، وابن السراج ]، وحكى الاخفش والكسائي " إنما.
    __________
    = خبر المبتدأ، وفاعله ضمير مستتر فيه " إعمالها " إعمال: مفعول به لمبطل، وإعمال مضاف وها مضاف إليه " وقد " حرف تقليل " يبقى " فعل مضارع مبني للمجهول " العمل "
    نائب فاعل يبقى.
    (1) ذهب سيبويه إلى أن " ما " غير الموصولة إذا اقترنت بهذه الادوات أبطلت عملها، إلا ليت، فإن إعمالها مع ما جائز، وعللوا ذلك بأن هذه الادوات قد أعملت لاختصاصها بالاسماء ودخول " ما " عليها يزيل هذا الاختصاص، ويهيئها للدخول على جمل الافعال نحو قوله تعالى: (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) وقوله سبحانه: (كأنما يساقون إلى الموت) ونحو قول امرئ القيس: ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وتسمى " ما " هذه ما الكافة، أو ما المهيئة، ووجه هاتين التسميتين ظاهر بعد الذي ذكرناه لك من شأنها، وتسمى أيضا ما الزائدة، ولكون " ما " هذه لا تزيل اختصاص " ليت " بالجمل الاسمية، بل هي باقية معها على اختصاصها بالاسماء، لم تبطل عملها، وقد جاء السماع معضدا لذلك، كما في قول النابغة الذبياني: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد فإنه يروى بنصب " الحمام " ورفعه، فأما النصب فعلى إعمال ليت في اسم الاشارة والحمام بدل منه أو عطف بيان عليه أو نعت له، وأما الرفع فعلى إهمال ليت، وذهب الزجاج في كتابه " الجمل " إلى أن جميع هذه الادوات بمنزلة واحدة، وأنها إذا اقترنت بها " ما " لم يجب إهمالها، بل يجوز فيها الاعمال والاهمال، غير أن الاهمال أكثر في = (*)
    (1/374)

    زيدا قائم " والصحيح المذهب الاول، وهو أنه لا يعمل منها مع " ما " إلا " ليت "، وأما ما حكاه الاخفش والكسائي فشاذ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل، بل تعمل معها، والمراد من الموصولة التي بمعنى " الذي "، نحو " إن ما عندك حسن " [ أي: إن الذي عندك حسن ]، والتي هي مقدرة بالمصدر، نحو " إن ما فعلت حسن " أي:
    إن فعلك حسن.
    * * * وجائز رفعك معطوفا على منصوب " إن "، بعد أن تستكملا (1) أي: إذا أتي بعد اسم " إن " وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان، أحدهما: النصب عطفا على اسم " إن " نحو " إن زيدا قائم وعمرا ".
    __________
    = الجميع، أما الاعمال فعلى اختصاصها الاصلي، وأما الاهمال فلما حدث لها من زوال الاختصاص وذكر الزجاج أن ذلك مسموع في الجميع، قال: " من العرب من يقول: إنما زيدا قائم، ولعلما بكرا جالس، وكذلك أخواتها: ينصب بها، ويلغى ما " اه، وتبعه على ذلك تلميذه الزجاجي، وابن السراج، وهو الذي يفيده كلام الناظم.
    (1) " وجائز " خبر مقدم " رفعك " رفع: مبتدأ مؤخر، ورفع مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله " معطوفا " مفعول به للمصدر " على منصوب " جار ومجرور متعلق بمعطوف، ومنصوب مضاف وقوله " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق برفع " أن " مصدرية " تستكملا " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إن، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة " بعد " إليه، وثمة مفعول لتستكمل محذوف، والتقدير: بعد استكمالها معموليها.
    (*)
    (1/375)

    والثاني: الرفع نحو " إن زيدا قائم وعمرو " واختلف فيه (1)، فالمشهور أنه معطوف على محل اسم " إن " فإنه في الاصل مرفوع لكونه مبتدأ، وهذا يشعر به [ ظاهر ] كلام المصنف، وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: وعمرو كذلك، وهو الصحيح.
    فإن كان العطف قبل أن تستكمل " إن " - أي قبل أن تأخذ خبرها - تعين النصب عند جمهور النحويين، فتقول: إن زيدا وعمرا قائمان، وإنك وزيدا ذاهبان، وأجاز بعضهم الرفع..
    __________
    (1) مما لا يستطيع أن يجحده واحد من النحاة أنه قد ورد عن العرب - في جملة صالحة من الشعر، وفي بعض النثر - وقوع الاسم المرفوع مسبوقا بالواو بعد اسم إن المنصوب وقبل خبرها، ومنه قول ضابئ بن الحارث البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب ومنه ما أنشده ثعلب، ولم يعزه إلى قائل معين: خليلي هل طب فإني وأنتما - وإن لم تبوحا بالهوى - دنفان ! وقد ورد في القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذن البيتين، الاولى قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) والثانية قراءة بعضهم: (إن الله وملائكته يصلون) برفع " ملائكته ".
    وقد اختلف النحاة في تخريج ذلك، فذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إن باعتباره مبتدأ قبل دخول إن، وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبره المذكور فيما بعد وخبر إن هو المحذوف وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها، وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو حسن، لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه، لان خبر إن متأخر في اللفظ أو في التقدير عن جملة المبتدأ والخبر، وخبر إن جزء من الجملة المعطوف عليها.
    (*)
    (1/376)

    وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن (1)
    حكم " أن " المفتوحة و " لكن " في العطف على اسمهما حكم " إن " المكسورة، فتقول: " علمت أن زيدا قائم وعمرو " برفع " عمرو " ونصبه، وتقول: " علمت أن زيدا وعمرا قائمان " بالنصب فقط عند الجمهور، وكذلك تقول: " ما زيد قائما، لكن عمرا منطلق وخالدا " بنصب خالد ورفعه، و " ما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان " بالنصب فقط.
    وأما " ليت، ولعل، وكأن " فلا يجوز معها إلا النصب.
    [ سواء تقدم المعطوف، أو تأخر، فتقول: " ليت زيدا وعمرا قائمان، وليت زيدا قائم وعمرا " بنصب " عمرو " في المثالين، ولا يجوز رفعه، وكذلك " كأن، ولعل "، وأجاز الفراء الرفع فيه - متقدما ومتأخرا - مع الاحرف الثلاثة.
    * * * وخففت إن فقل العمل وتلزم اللام إذا ما تهمل (2).
    __________
    (1) " وألحقت " الواو عاطفة، ألحق: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " بإن " جار ومجرور متعلق بألحق " لكن " قصد لفظه: نائب فاعل لالحق " وأن " معطوف على لكن " من دون " جار ومجرور متعلق بألحق أيضا، ودون مضاف و " ليت " قصد لفظه: مضاف إليه " ولعل، وكأن " معطوفان على ليت.
    (2) " وخففت " الواو عاطفة، خفف: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " إن " نائب فاعل خفف " فقل " الفاء عاطفة، قل: فعل ماض معطوف بالفاء على خفف " العمل " فاعل لقل " وتلزم " فعل مضارع " اللام " فاعل تلزم " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " تهمل " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أن المخففة، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إذا ما تهمل إن التي خففت لزمتها اللام.
    (*)
    (1/377)

    وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا (1) إذا خففت " إن " فالاكثر في لسان العرب إهمالها، فتقول: " إن زيد لقائم " وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين " إن " النافية، ويقل إعمالها فتقول: " إن زيدا قائم " وحكى الاعمال سيبويه، والاخفش، رحمهما الله تعالى (2)، فلا تلزمها حينئذ اللام، [ لانها لا تلتبس - والحالة هذه -.
    __________
    (1) " وربما " الواو عاطفة، رب حرف تقليل، وما كافة " استغنى " فعل ماض مبني للمجهول " عنها " جار ومجرور نائب عن الفاعل لاستغنى، والضمير المجرور محلا عائد على اللام المحدث عنها بأنها تلزم عند تخفيف إن في حالة إهمالها " إن " شرطية " بدا " فعل ماض فعل الشرط " ما " اسم موصول فاعل بدا " ناطق " مبتدأ، وهو فاعل في المعنى، فلذا جاز أن يبتدأ به مع كونه نكرة " أراده " أراد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ناطق، والهاء مفعول به، والجملة من أراد وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول " معتمدا " حال من الضمير المستتر في " أراد ".
    (2) على الاعمال في التخفيف ورد قوله تعالى (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) في قراءة من قرأ بسكون نون " إن " وتخفيف ميم " لما "، وفي هذه الآية - على هذه القراءة - إعرابان: أولهما أن " إن " مؤكدة مخففة من الثقيلة " كلا " اسم إن المخففة " لما " اللام لام الابتداء، وما اسم موصول بمعنى الذين خبر إن المؤكدة المخففة " ليوفينهم " اللام واقعة في جواب قسم محذوف، يوفى: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب، وضمير الغائبين العائد على الذين مفعول أول، و " ربك " رب فاعل يوفى، ورب مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه، وأعمال: مفعول ثان ليوفى، وأعمال مضاف
    وضمير الغائبين العائد على الذين مضاف إليه، وجملة الفعل المضارع وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الاعراب جواب القسم المحذوف، وتقدير الكلام: وإن كلا للذين والله ليوفينهم ربك أعمالهم، والجملة القسمية لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، ويرد على هذا الاعراب أن جملة القسم إنشائية، وجملة الصلة يجب أن تكون خبرية معهودة، وقد = (*)
    (1/378)

    بالنافية ] لان النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود [ بها ] فإن ظهر المقصود [ بها ] فقد يستغنى عن اللام، كقوله: 103 - ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن.
    __________
    = أجاب ابن هشام عن هذا في كتابه المغنى بأن صلة الموصول في الحقيقة هي جملة جواب القسم لا جملة القسم، وجملة جواب القسم خبرية لا إنشائية، والاعراب الثاني أن " إن " مؤكدة مخففة " كلا " اسم إن " لما " اللام لام الابتداء، وما زائدة " ليوفينهم " اللام مؤكدة للام الاولى، ويوفى فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والضمير مفعول به أول " ربك " فاعل، ومضاف إليه، و " أعمالهم " مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة من الفعل المضارع ومفعوليه في محل رفع خبر إن المؤكدة المخففة.
    103 - البيت للطرماح - الحكم بن حكيم - وكنيته " أبو نفر "، وهو شاعر طائي، وستعرف نسبه في بيان لغة البيت.
    اللغة: " ونحن أباة الضيم " يروى في مكانه " أنا ابن أباة الضيم " وأباة: جمع آب اسم فاعل من أبى يأبى - أي امتنع - تقول: أمرت فلانا أن يفعل كذا فأبى، تريد أنه امتنع أن يفعله والضيم: الظلم " مالك " هو اسم قبيلة الشاعر، فإن الطرماح هو الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أبان
    ابن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ " كرام المعادن " طيبة الاصول شريفة المحتد.
    الاعراب: " ونحن " مبتدأ " أباة " خبر المبتدأ، وأباة مضاف، و " الضيم " مضاف إليه " من آل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثان، أو حال من الخبر، وآل مضاف و " مالك " مضاف إليه " وإن " مخففة من الثقيلة مهملة " مالك " مبتدأ " كانت " كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى مالك باعتبار القبيلة، والتاء تاء التأنيث " كرام " خبر كان، وكرام مضاف و " المعادن " مضاف إليه، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو مالك.
    =
    (1/379)

    التقدير: وإن مالك لكانت، فحذفت اللام، لانها لا تلتبس بالنافية، لان المعنى على الاثبات، وهذا هو المراد بقوله: " وربما استغنى عنها إن بدا إلى آخر البيت ".
    واختلف النحويون في هذه اللام: هل هي لام الابتداء أدخلت للفرق بين " إن " النافية و " إن " المخففة من الثقيلة، أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق ؟ وكلام سيبويه يدل على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.
    وتظهر فائدة هذا الخلاف في مسألة جرت بين ابن أبي العافية وابن الاخضر، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: " قد علمنا إن كنت لمؤمنا " فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر " إن " ومن جعلها لا ما أخرى اجتلبت للفرق فتح أن، وجرى الخلاف في هذه المسألة قبلهما بين أبي الحسن علي بن سليمان البغدادي الاخفش الصغير، وبين أبي علي الفارسي، فقال الفارسي: هي لام غير.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " وإن مالك كانت إلخ " حيث ترك لام الابتداء التي تجتلب
    في خبر " إن " المكسورة الهمزة المخففة من الثقيلة عند إهمالها، فرقانا بينها وبين " إن " النافية، وإنما تركها هنا اعتمادا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع، وثقة منه بأنه لا يمكن توجيهه إلى الجحد، بقرينة أن الكلام تمدح وافتخار، وصدر البيت واضح في هذا، والنفي يدل على الذم، فلو حمل عجز البيت عليه لتناقض الكلام واضطرب، ألا ترى أنك لو حملت الكلام على أن " إن " نافية لكان معنى عجز البيت: وليست مالك كرام المعادن، أي فهي قبلة دنيئة الاصول، فيكون هذا ذما ومتناقضا مع ما هو بصدده، فلما كان المقام مانعا من جواز إرادة النفي ارتكن الشاعر عليه، فلم يأت باللام، فالقرينة ههنا معنوية.
    ومثل هذا البيت - في اعتماد الشاعر على القرينة المعنوية - قول الشاعر: إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم لو لم تمنوا بوعد غير مكذوب ألا ترى أنه في مكان إظهار الالم وشكوى ما نزل به من فراق أحبابه ؟ فلو حملت " إن " في صدر البيت على النفي فسد المعنى على هذا، ولم يستقم الكلام.
    (*)
    (1/380)

    لام الابتداء اجتلبت للفرق، وبه قال ابن أبي العافية، وقال الاخفش الصغير: انما هي لام الابتداء أدخلت للفرق، وبه قال ابن الاخضر (1).
    * * * والفعل إن لم يك ناسخا فلا تلفيه غالبا بإن ذي موصلا (2).
    __________
    (1) قد علمت فيما مضى أن لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ، أو على ما أصله المبتدأ، وأنها تدخل في باب إن على الخبر أو معموله أو ضمير الفصل، وعلمت أيضا أنها لا تدخل على خبر إن إلا إذا كان مثبتا متأخرا غير ماض متصرف خال من قد، ولو أنك نظرت في شواهد هذه المسألة لوجدت هذه اللام الفارقة بين " إن " النافية والمخففة من الثقيلة تدخل على مفعول ليس أصله مبتدأ ولا خبرا كما في قول عاتكة
    بنت زيد بن عمرو، وسيأتي شرحه: شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد وهو الشاهد رقم 104 ويأتي قريبا جدا.
    وتدخل على الماضي المتصرف الذي لم يسبقه " قد " نحو قولك: إن زيد لقام، وتدخل على المنصوب المؤخر عن ناصبه نحو قوله تعالى: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)، فلما كان شأن اللام التي تدخل لاجل الفرق بين المخففة المؤكدة والنافية غير شأن لام الابتداء كان القول بأن إحداهما غير الاخرى أصح نظرا وأقوم حجة، فمذهب أبي علي الفارسي الذي أخذ به ابن أبي العافية مذهب مستقيم في غاية الاستقامة.
    (2) " والفعل " مبتدأ " إن " شرطية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وهو فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل " ناسخا " خبر يك " فلا " الفاء لربط الجواب بالشرط، ولا: نافية " تلفيه " تلفي: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول لتلفي، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فأنت لا تلفيه، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط " غالبا " حال من الهاء في " تلفيه " السابق " بإن " جار ومجرور متعلق بقوله " موصلا " الآتي " ذي " نعت لان " موصلا " مفعول ثان لتلفي.
    (*)
    (1/381)

    إذا خففت " إن " فلا يليها من الافعال إلا الافعال الناسخة للابتداء، نحو كان وأخواتها، وظن وأخواتها، قال الله تعالى: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)، وقال الله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم)، وقال الله تعالى: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ويقل أن يليها غير الناسخ، وإليه أشار بقوله: " غالبا " ومنه قول بعض
    العرب: " إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه " وقولهم: " إن قنعت كاتبك لسوطا " وأجاز الاخفش " إن قام لانا (1) ".
    ومنه قول الشاعر: 104 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد * * *.
    __________
    (1) ههنا أربع مراتب، أولاها: أن يكون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) ونحو (إن كدت لتردين) والثانية: أن يكون الفعل مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك)، ونحو (وإن نظنك لمن الكاذبين) والثالثة: أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قول عاتكة " إن قتلت لمسلما " والرابعة: أن يكون الفعل مضارعا غير ناسخ نحو قول بعض العرب " إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه " وهي مرتبة على هذا الترتيب الذي سقناها به، ويجوز القياس على كل واحدة منها عند الاخفش، ومنع جمهور البصريين القياس على الثالثة والرابعة.
    104 - البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القريشية العدوية، ترثي زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله.
    اللغة: " شلت " بفتح الشين، وأصل الفعل شللت - بكسر العين التي هي اللام الاولى - والناس يقولونه بضم الشين على أنه مبني للمجهول، وذلك خطأ " حلت عليك " أي نزلت، ويروى مكانه " وجبت عليك ".
    = (*)
    (1/382)

    وإن تخفف أن فاسمها استكن والخبر اجعل جملة من بعد أن (1) إذا خففت أن [ المفتوحة ] بقيت على ما كان لها من العمل، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا (2)، وخبرها لا يكون إلا جملة، وذلك نحو " علمت
    أن زيد قائم " ف " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وهو محذوف، والتقدير [ " أنه "، و " زيد قائم " في جملة في موضع رفع خبر " أن " والتقدير ] " علمت أنه زيد قائم " وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، كقوله:.
    __________
    = الاعراب: " شلت " شل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " يمينك " يمين: فاعل شل، ويمين مضاف والكاف مضاف إليه " إن " مخففة من الثقيلة " قتلت " فعل وفاعل " لمسلما " اللام فارقة، مسلما: مفعول به لقتل " حلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " عليك " جار ومجرور متعلق بحل " عقوبة " فاعل لحل، وعقوبة مضاف و " المتعمد " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " إن قتلت لمسلما " حيث ولى " إن " المخففة من الثقيلة فعل ماض غير ناسخ وهو " قتلت " وذلك شاذ لا يقاس عليه إلا عند الاخفش.
    (1) " وإن " شرطية " تخفف " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط " أن " قصد لفظه: نائب فاعل لتخفف " فاسمها " الفاء لربط الجواب بالشرط، اسم: مبتدأ، واسم مضاف والضمير مضاف إليه " استكن " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسمها، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط " والخبر " مفعول مقدم على عامله وهو قوله " اجعل " الآتي " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " جملة " مفعول ثان لاجعل " من بعد " جار ومجرور متعلق باجعل، وبعد مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه.
    (2) الذي اشترط في أن المخففة أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا من النحاة هو ابن الحاجب، فأما الناظم والجمهور فلم يشترطوا فيه ذلك، لانهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس، فلا يحمل الكلام عليه ما وجد له وجه آخر، ومن أجل ذلك قدر سيبويه - رحمه الله ! - في قوله تعالى: (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا)
    أنك يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
    (*)
    (1/383)

    105 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق * * *.
    *
    __________
    105 - البيت مما أنشده الفراء، ولم يعزه إلى قائل معين: اللغة: " أنك " بكسر كاف الخطاب لان المخاطب أنثى، بدليل ما بعده، والتاء في " سألتني " مكسورة أيضا لذلك " صديق " يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول فيكون تذكيره مع أن المراد به أنثى قياسا، لان فعيلا بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره غالبا كجريح وقتيل، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل، ويكون تذكيره مع المؤنث جاريا على غير القياس، والذي سهل ذلك فيه أنه أشبه في اللفظ فعيلا بمعنى مفعول، أو أنهم حملوه على " عدو " الذي هو ضده في المعنى، لان من سننهم أن يحملوا الشئ على ضده كما يحملونه على مثله وشبيهه.
    المعنى: لو أنك سألتني إخلاء سبيلك قبل إحكام عقدة النكاح بيننا لم أمتنع من ذلك ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لي، وخص يوم الرخاء لان الانسان قد لا يعز عليه أن يفارق أحبابه في يوم الكرب والشدة.
    الاعراب: " فلو " لو: شرطية غير جازمة " أنك " أن: مخففة من الثقيلة، والكاف اسمها " في يوم " جار ومجرور متعلق بقوله " سألتني " الآتي، ويوم مضاف و " الرخاء " مضاف إليه " سألتني " فعل وفاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول " فراقك " فراق: مفعول ثان لسأل، وفراق مضاف والكاف مضاف إليه " لم " حرف نفي وجزم وقلب " أبخل " فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة جواب الشرط غير الجازم، فلا محل لها من الاعراب " وأنت " الواو
    واو الحال، أنت: ضمير منفصل مبتدأ " صديق " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
    الشاهد فيه: قوله " أنك " حيث خففت " أن " المفتوحة الهمزة وبرز اسمها وهو الكاف، وذلك قليل، والكثير عند ابن الحاجب الذي جرى الشارح على رأيه أن يكون اسمها ضمير الشأن واجب الاستتار، وخبرها جملة.
    (*)
    (1/384)

    وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا (1) فالاحسن الفصل بقد، أو نفي، أو تنفيس، أو لو، وقليل ذكر لو (2).
    __________
    = واعلم أن الاسم إذا كان محذوفا - سواء أكان ضمير شأن أم كان غيره فإن الخبر يجب أن يكون جملة.
    أما إذا كان الاسم مذكورا شذوذا كما في هذا الشاهد، فإنه لا يجب في الخبر أن يكون جملة، بل قد يكون جملة كما في البيت، وقد يكون مفردا، وقد اجتمع مع ذكر الاسم كون الخبر مفردا وكونه جملة، في قول جنوب بنت العجلان من كلمة ترثي فيها أخاها عمرو بن العجلان: لقد علم الضيف والمرملون إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأنك ربيع وغيث مريع وأنك هناك تكون الثمالا ألا ترى أنه خفف " أن " وجاء بها مرتين مع اسمها، وخبرها في المرة الاولى مفرد، وذلك قوله " بأنك ربيع " وخبرها في المرة الثانية جملة، وذلك قوله " وأنك تكون الثمالا ".
    (1) " وإن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " فعلا " خبر يكن " ولم " الواو واو الحال لم: حرف نفي وجزم وقلب " يكن " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، واسمه ضمير مستتر
    فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، أو إلى الخبر " دعا " قصر للضرورة: خبر يكن المنفي بلم، والجملة من يكن المنفي بلم واسمه وخبره في محل نصب حال " ولم " الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب " يكن " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم " تصريفه " تصريف: اسم يكن، وتصريف مضاف، والهاء مضاف إليه " ممتنعا " خبر يكن الاخير.
    (2) " فالاحسن " الفاء واقعة في جواب الشرط الواقع في أول البيت السابق، الاحسن: مبتدأ " الفصل " خبر المبتدأ " بقد " جار ومجرور متعلق بقوله " الفصل " " أو نفي، أو تنفيس، أو لو " كل واحد منها معطوف على " قد " " وقليل " الواو عاطفة، وقليل خبر مقدم " ذكر " مبتدأ مؤخر، وذكر مضاف و " لو " قصد لفظه مضاف إليه.
    (25 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/385)

    إذا وقع خبر " أن " المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل، فتقول: " علمت أن زيد قائم " من غير حرف فاصل بين " أن " وخبرها، إلا إذا قصد النفي، فيفصل بينهما بحرف [ النفي ] كقوله تعالى: (وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون).
    وإن وقع خبرها جملة فعلية، فلا يخلو: إما أن يكون الفعل متصرفا، أو غير متصرف، فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل، نحو قوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) وقوله تعالى: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) وإن كان متصرفا، فلا يخلو: إما أن يكون دعاء، أو لا، فإن كان دعاء لم يفصل، كقوله تعالى: (والخامسة أن غضب الله عليها) في قراءة من قرأ (غضب) بصيغة الماضي، وإن لم يكن دعاء فقال قوم: يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا، وقالت فرقة منهم المصنف: يجوز الفصل وتركه (1) والاحسن الفصل، والفاصل
    .
    __________
    (1) مما ورد فيه الخبر جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء ولم يفصل بفاصل من هذه الفواصل - سوى ما سينشده الشارح - قول النابغة الذبياني: فلما رأى أن ثمر الله ماله وأثل موجودا وسد مفاقره أكب على فأس يحد غرابها مذكرة من المعاول باتره فأن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، وثمر: فعل ماض، والله: فاعل، ومال: مفعول به لثمر، ومال مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، وجملة الفعل الماضي وفاعله في محل رفع خبر أن، وهذا الفعل: ماض متصرف غير دعاء ولم يفصل وممن قال بوجوب الفصل الفراء وابن الانباري.
    وقد اختلف العلماء في السبب الذي دعا إلى هذا الفصل، فذهب الجمهور إلى أن هذا الفصل يكون للتفر قة بين أن المخففة من الثقيلة وأن المصدرية.
    وعلى هذا ينبغي أن يقسم الفصل إلى قسمين: واجب، وغير واجب، فيجب إذا كان الموضع يحتملهما، ولا يجب إذا كان مما تتعين فيه إحداهما كما فيما بعد العلم غير المؤول = (*)
    (1/386)

    أحد أربعة أشياء.
    الاول: " قد " كقوله تعالى: (ونعلم أن قد صدقتنا).
    الثاني: حرف التنفيس، وهو السين أو سوف، فمثال السين قوله تعالى: (علم أن سيكون منكم مرضى) ومثال " سوف " قول الشاعر: 106 - واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا.
    __________
    = بالظن، فإن هذا الموضع يكون لان المخففة لا غير، إلا عند الفراء وابن الانباري، فليس عندهما موضع تتعين فيه المخففة، ولذلك أوجبا الفصل بواحد من هذه الاشياء للتفرقة دائما.
    وقال قوم: إن المقصود بهذا الفصل جبر الوهن الذي أصاب أن المؤكدة بتخفيفها
    ويشكل على هذا أن الوهن موجود إذا كان الخبر جملة اسمية، أو جملة فعلية فعلها جامد أو دعاء، فلماذا لم يجبر الوهن مع شئ من ذلك ؟ ! 106 - هذا البيت أنشده أبو علي الفارسي وغيره، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين، والبيت من الكامل، وقد وهم العيني رحمه الله في زعمه أنه من الرجز المسدس.
    الاعراب: " واعلم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فعلم " مبتدأ، وعلم مضاف، و " المرء " مضاف إليه " ينفعه " ينفع: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " علم " والهاء مفعول به لينفع، والجملة من ينفع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف وجوبا " سوف " حرف تنفيس " يأتي " فعل مضارع " كل " فاعل يأتي، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر أن، وكل مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " قدرا " قدر: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة من قدر ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    الشاهد فيه: قوله " أن سوف يأتي " حيث أتى بخبر " أن " المخففة من الثقيلة جملة فعلية، وليس فعلها دعاء، وقد فصل بين " أن " وخبرها بحرف التنفيس، وهو " سوف ".
    = (*)
    (1/387)

    الثالث: النفي، كقوله تعالى: (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) وقوله تعالى: (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه) وقوله تعالى: (أيحسب أن لم يره أحد).
    الرابع: " لو " - وقل من ذكر كونها فاصلة من النحويين ومنه قوله [ تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة) وقوله ] تعالى: (أو لم يهد للذين
    يرثون الارض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم).
    ومما جاء بدون فاصل قوله: 107 - علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل.
    __________
    = ومثل هذا البيت قول الفرزدق: أبيت أمني النفس أن سوف نلتقي وهل هو مقدور لنفسي لقاؤها 107 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
    الاعراب: " علموا " فعل وفاعل " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف " يؤملون " فعل مضارع مبني للمجهول، وواو الجماعة نائب فاعل، والجملة في محل رفع خبر " أن " المخففة " فجادوا " الفاء عاطفة، وجادوا: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة علموا " قبل " ظرف متعلق بجاد " أن " مصدرية " يسألوا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن المصدرية، وواو الجماعة نائب فاعل، وقبل مضاف و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مضاف إليه " بأعظم " جار ومجرور متعلق بجاد، وأعظم مضاف، و " سؤل " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " أن يؤملون " حيث استعمل فيه " أن " المخففة من الثقيلة، وأعملها في الاسم الذي هو ضمير الشأن المحذوف، وفي الخبر الذي هو جملة " يؤملون " ومع أن جملة الخبر فعلية فعلها متصرف غير دعاء لم يأت بفاصل بين " أن " وجملة الخبر.
    والاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب الجمهور الذين يذهبون إلى أن " أن " الواقعة بعد علم غير مؤول بالظن تكون مخففة من الثقيلة لا غير، فأما على مذهب الفراء وابن الانباري اللذين لا يريان للمخففة موضعا يخصها وأوجبا الفصل بواحد من الامور التي ذكرها الشارح للتفرقة، فإنهما ينكران أن تكون " أن " في هذا البيت = (*)
    (1/388)

    وقوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) في قراءة من رفع (يتم) في قول،
    والقول الثاني: أن " أن " ليست مخففة من الثقيلة، بل هي الناصبة للفعل المضارع، وارتفع (يتم) بعده شذوذا (1).
    * * * وخففت كأن أيضا فنوي منصوبها، وثابتا أيضا روي (2).
    __________
    = مخففة من الثقيلة، ويزعمان أنها هي المصدرية التي تنصب المضارع، وأنها لم تنصبه في هذا البيت كما لم تنصبه في قول الشاعر: أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام، وأن لا تشعرا أحدا وكما لم تنصبه في قوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) في قراءة من قرأ برفع " يتم " وكما لم تنصبه في حديث البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها (6 / 120 الطبعة السلطانية) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها " وما منعك أن تأذنين له ؟ عمك "، إلا أنه قد يقال: إنه لا يجوز على مذهبهما أيضا أن تكون " أن " في البيت الشاهد مصدرية مهملة، من قبل أن الشاعر قد قال بعد ذلك " قبل أن يسألوا " فنصب الفعل بحذف النون، فدل ذلك على أن لغة هذا القائل النصب بأن المصدرية، فيكون هذا قرينة على أن " أن " الاولى مخففة من الثقيلة، فإن من البعيد أن يجمع الشاعر بين لغتين في بيت واحد.
    (1) قد ذكر العلماء أن هذه لغة لجماعة من العرب، يهملون " أن " المصدرية كما أن عامة العرب يهملون " ما " المصدرية فلا ينصبون بها، وأنشدوا على ذلك شواهد كثيرة، وتحقيق هذا الموضوع على الوجه الاكمل مما لا تتسع له هذه العجالة، ولكنا قد ذكرنا لك في شرح الشاهد السابق بعض شواهد من القرآن الكريم ومن الحديث الصحيح ومن الشعر.
    (2) " وخففت " الواو عاطفة، خفف: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء تاء التأنيث " كأن " قصد لفظه: نائب فاعل لخفف " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " فنوى "
    الفاء عاطفة، نوى: فعل ماض مبني للمجهول " منصوبها " منصوب: نائب فاعل نوى، ومنصوب مضاف والضمير مضاف إليه " وثابتا " الواو عاطفة، وثابتا: حال مقدم = (*)
    (1/389)

    إذا خففت " كأن " نوي اسمها، وأخبر عنها بجملة اسمية (1)، نحو " كأن زيد قائم " أو جملة فعلية مصدرة ب " لم (2) " كقوله تعالى: (كأن لم تغن بالامس) أو مصدرة ب " قد " كقول الشاعر: أفد الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا، وكأن قد [ 2 ] (3).
    __________
    = على صاحبه وهو الضمير المستتر في قوله " روى " الآتي، و " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " روى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منصوبها.
    (1) لم يستشهد الشارح هنا لمجئ خبر " كأن " جملة اسمية، ومن شواهد ذلك قول الشاعر (ش 108) في رواية أخرى غير التي ذكرها الشارح في إنشاد البيت، ولكنه أشار إليها بعد: وصدر مشرق اللون كأن ثدياه حقان فكأن: حرف تشبيه ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، وثدياه.
    مبتدأ ومضاف إليه، وحقان: خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر كأن.
    (2) إذا كانت جملة خبر " كأن " المخففة فعلية، فإن قصد بها الثبوت اقترنت حتما بقد كبيت النابغة الذي أنشده الشارح (رقم 2)، وكقول الآخر: لا يهولنك اصطلاء لظى الحرب فمحذورها كأن قد ألما وإن قصد بها النفي اقترنت بلم كما في الآية الكريمة، وكما في قول الخنساء: كأن لم يكونوا حمى يتقى إذ الناس إذ ذاك من عزبزا وكقول شاعر من غطفان (انظره في معجم البلدان 6 / 18).
    كأن لم يدمنها أنيس، ولم يكن لها بعد أيام الهدملة عامر (3) هذا هو الشاهد رقم (2) وقد شرحنا هذا البيت في مبحث التنوين أول الكتاب، فانظره هناك، والاستشهاد به هنا في قوله " وكأن قد " حيث خففت " كأن " وحذف اسمها وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد، والتقدير: وكأنه (أي الحال والشأن) قد زالت، ثم حذفت جملة الخبر، لانه قد تقدم في الكلام ما يرشد إليها ويدل عليها، وهو قوله " لما تزل برحالنا ".
    (*)
    (1/390)

    أي: " وكأن قد زالت " فاسم " كأن " في هذه الامثلة محذوف، وهو ضمير الشأن، والتقدير " كأنه زيد قائم، وكأنه لم تغن بالامس، وكأنه قد زالت " والجملة التي بعدها خبر عنها، وهذا معنى قوله: " فنوي منصوبها " وأشار بقوله " وثابتا أيضا روي " إلى أنه قد روي إثبات منصوبها، ولكنه قليل، ومنه قوله: 108 - وصدر مشرق النحر كأن ثدييه حقان
    __________
    108 - هذا الشاهد أحد الابيات التي استشهد بها سيبويه (ج 1 ص 281) ولم ينسبوها.
    اللغة: " وصدر " قد روى سيبويه في مكان هذه الكلمة " ووجه " وروى غيره في مكانها " ونحر " وعلى هاتين الروايتين تكون الهاء في قوله " ثدييه " عائدة إلى " وجه " أو " نحر " بتقدير مضاف، وأصل الكلام: كأن ثديي صاحبه، فحذف المضاف وهو الصاحب وأقام المضاف إليه مقامه " مشرق اللون " مضئ لانه ناصع البياض، وهذا هو الثابت، وقد رواه الشارح كما ترى " حقان " تثنية حقة، وحذفت التاء التي في المفرد من التثنية كما حذفت في تثنية " خصية، وألية " فقالوا: خصيان، وأليان، هكذا قالوا، وليس هذا الكلام بشئ، بل حقان
    تثنية حق بضم الحاء وبدون تاء وقد ورد في فصيح شعر العرب بغير تاء، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم التغلبي: وصدرا مثل حق العاج رخصا حصانا من أكف اللامسينا والعرب تشبه الثديين بحق العاج كما في بيت الشاهد وكما في بيت عمرو، ووجه التشبيه أنهما مكتنزان ناهدان.
    الاعراب: " وصدر " بعضهم يرويه بالرفع فهو مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ولها صدر، والاكثرون على روايته بالجر، فالواو واو رب، وصدر: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد " مشرق " صفة لصدر، ومشرق مضاف و " اللون " مضاف إليه " كأن " مخففة من الثقيلة " ثدييه " ثديي: اسمها، وثديي مضاف والضمير مضاف إليه = (*)
    (1/391)

    ف " ثدييه " اسم كأن، وهو منصوب بالياء لانه مثنى، و " حقان " خبر كأن، وروى " كأن ثدياه حقان " فيكون اسم " كأن " محذوفا وهو ضمير الشأن، والتقدير " كأنه ثدياه حقان " و " ثدياه حقان ": مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر كأن، ويحتمل أن يكون " ثدياه " اسم " كأن " وجاء بالالف على لغة من يجعل المثنى بالالف في الاحوال كلها.
    * * *.
    __________
    = " حقان " خبر كأن، ومن روى " ثدياه حقان " وهي الرواية التي أنشدنا البيت عليها في تعليقة سبقت قريبا (ص 390) فهي جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر كأن، واسمها محذوف، والتقدير: كأنه - أي الحال والشأن - ثدياه حقان، وجملة كأن واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ، وقد ذكر الشارح - رحمه الله ! - الروايتين جميعا، وبين وجه كل واحدة منهما بما لا يخرج عما ذكرناه.
    الشاهد فيه: قوله " كأن ثدييه حقان " حيث روى بنصب " ثدييه " بالياء المفتوح ما قبلها: على أنه اسم " كأن " المخففة من الثقيلة، وهذا قليل، بالنظر إلى حذف اسمها ومجئ خبرها جملة، ولهذا يروى برفع ثدييه على ما ذكرناه في إعراب البيت، فيكون البيت على هذه الرواية جاريا على ا لكثير الغالب.
    ولا داعي لما أجازه الشارح على رواية " كأن ثدياه " من أن يكون " ثدياه " اسم كأن أتى به الشاعر على لغة من يلزم المثنى الالف، فإن في ذلك شيئين كل واحد منهما خلاف الاصل، أحدهما: أن مجئ المثنى في الاحوال كلها بالالف لغة مهجورة قديمة لبعض العرب.
    ثانيهما: أن فيه حمل البيت على القليل النادر - وهو ذكر اسم كأن - مع إمكان حمله على الكثير المشهور، والذي يتعين على المعربين ألا يحملوا الكلام على وجه ضعيف متى أمكن حمله على وجه صحيح راجح.
    (*)
    (1/392)

    لا التي لنفي الجنس عمل إن اجعل للا في نكره * مفردة جاءتك أو مكرره (1) هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء، وهي " لا " التي لنفي الجنس، والمراد بها " لا " التي قصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله.
    وإنما قلت " التنصيص " احترازا عن التي يقع الاسم بعدها مرفوعا، نحو: " لا رجل قائما "، فإنها ليست نصا في نفي الجنس، إذ يحتمل نفي الواحد ونفي الجنس، فبتقدير إرادة نفي الجنس لا يجوز " لا رجل قائما بل رجلان " وبتقدير إرادة نفي الواحد يجوز " لا رجل قائما بل رجلان "، وأما " لا " هذه فهي لنفي الجنس ليس إلا، فلا يجوز " لا رجل قائم بل رجلان ".
    وهي تعمل عمل " إن "، فتنصب المبتدأ اسما لها، وترفع الخبر خبرا لها،
    ولا فرق في هذا العمل بين المفردة - وهي التي لم تتكرر - نحو " لا غلام رجل قائم " وبين المكررة، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " (2)..
    __________
    (1) " عمل " مفعول أول مقدم على عامله وهو قوله " اجعل " الآتي، وعمل مضاف و " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " للا " جار ومجرور متعلق باجعل، وهو المفعول الثاني لاجعل " في نكره " جار ومجرور متعلق باجعل " مفردة " حال من الضمير المستتر في " جاءتك " الآتي " جاءتك " جاء: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " لا " والتاء للتأنيث، والكاف مفعول به لجاء " أو " عاطفة " مكررة " معطوف على مفردة.
    (2) ومع أنها تعمل مفردة ومكررة فعملها بعد استيفاء شروطها وهي مفردة واجب، وعملها مكررة جائز.
    (*)
    (1/393)

    ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة (1)، فلا تعمل في المعرفة، وما ورد من ذلك مؤول بنكرة، كقولهم " قضية ولا أبحسن لها " فالتقدير: ولا مسمى بهذا الاسم لها (2) ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك " لا أبا حسن حلالا لها " ولا يفصل بينها وبين اسمها، فإن فصل بينهما ألغيت، كقوله تعالى: (لا فيها غول).
    فانصب بها مضافا، أو مضارعه وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه (3).
    __________
    (1) الشروط التي يجب توافرها لاعمال " لا " عمل إن ستة، وهي: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي بها الجنس، وأن يكون النفي نصا في ذلك، وألا يدخل عليها جار كما دخل عليها في نحو قولهم: جئت بلا زاد، وقولهم: غضبت من لا شئ، وأن يكون
    اسمها وخبرها نكرتين، وألا يفصل بينها وبين اسمها فاصل أي فاصل ولا خبرها، وقد صرح الشارح هنا بشرطين وهما الخامس والسادس، وأشار في صدر كلامه إلى الثلاثة الاولى، وترك واحدا، وهو ألا يدخل عليها جار.
    (2) هكذا أوله الشارح، وليس تأويله بصحيح، لان المسمى بأبي حسن موجود وكثيرون، فالنفي غير صادق.
    وقد أوله العلماء بتأويلين آخرين، أحدهما أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: ولا مثل أبي حسن لها، ومثل كلمة متوغلة في الابهام لا تتعرف بالاضافة، ونفي المثل كناية عن نفي وجود أبي الحسن نفسه، والثاني: أن يجعل " أبا حسن " عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل: ولا فيصل لها، وهذا مثل تأويلهم في باب الاستعارة نحو " حاتم " بالمتناهي في الجود، ونحو " مادر " بالمتناهي في البخل، ونحو " يوسف " بالمتناهي في الحسن، وضابطه: أن يؤول الاسم العلم بما اشتهر به من الوصف.
    (3) " فانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بها " جار ومجرور متعلق بانصب " مضافا " مفعول به لانصب " أو " عاطفة " مضارعه " مضارع بمعنى: مشابه: معطوف على قوله " مضافا " ومضارع مضاف والهاء العائدة إلى قوله " مضافا " مضاف إليه " وبعد " ظرف متعلق بقوله " اذكر " الآتي، وبعد مضاف، =
    (1/394)

    وركب المفرد فاتحا: كلا حول ولا قوة، والثاني اجعلا (1) مرفوعا، أو منصوبا، أو مركبا، وإن رفعت أولا لا تنصبا (2).
    __________
    = و " ذا " من " ذاك " اسم إشارة: مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الخبر " مفعول به لاذكر الآتي " اذكر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره
    أنت " رافعة " رافع: حال من الضمير المستتر في " اذكر " ورافع مضاف والهاء مضاف إليه، من إضافة الصفة لمعمولها، وهي لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا، ولذلك وقع هذا المضاف حالا.
    (1) " وركب " الواو عاطفة، ركب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المفرد " مفعول به لركب " فاتحا " حال من الضمير المستتر في " ركب " ومتعلقه محذوف، والتقدير: فاتحا له " كلا " الكاف جارة لقول محذوف على ما سبق غيره مرة، ولا: نافية للجنس " حول " اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، والتقدير: لا حول موجود " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية للجنس أيضا " قوة " اسمها، وخبرها محذوف، وهذه الجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة " والثاني " مفعول أول قدم على عامله، وهو قوله اجعلا الآتي " اجعلا " اجعل: فعل أمر، مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وحرك بالفتح لاجل مناسبة الالف، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف للاطلاق، أو هو فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لاجل الوقف لامحل له من الاعراب، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الاعراب.
    (2) " مرفوعا " مفعول ثان لاجعل في البيت السابق " أو منصوبا " أو: حرف عطف، منصوبا: معطوف على مرفوع " أو مركبا " معطوف على قوله " مرفوعا " السابق " وإن " الواو عاطفة، إن: شرطية " رفعت " رفع: فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح المقدر في محل جزم، وتاء المخاطب فاعل " أولا " مفعول به لرفعت " لا " ناهية " تنصبا ": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة = (*)
    (1/395)

    لا يخلو اسم " لا " [ هذه ] من ثلاثة أحوال، الحال الاول: أن يكون مضافا [ نحو " لا غلام رجل حاضر " ].
    الحال الثاني: أن يكون مضارعا
    للمضاف، أي مشابها له، والمراد به: كل اسم له تعلق بما بعده: إما بعمل، نحو " لا طالعا جبلا ظاهر، ولا خيرا من زيد راكب "، وإما بعطف نحو: " لا ثلاثة وثلاثين عندنا " ويسمى المشبه بالمضاف: مطولا، وممطولا، أي: ممدودا، وحكم المضاف والمشبه به النصب لفظا، كما مثل، والحال الثالث: أن يكون مفردا، والمراد به - هنا - ما ليس بمضاف، ولا مشبه بالمضاف، فيدخل فيه المثنى والمجموع، وحكمه البناء على ما كان ينصب به، لتركبه مع " لا " وصيرورته معها كالشئ الواحد، فهو معها كخمسة عشر، ولكن محله النصب بلا، لانه اسم لها، فالمفرد الذي ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح، لان نصبه بالفتحة نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء نحو " لا مسلمين لك، ولا مسلمين " فمسلمين ومسلمين مبنيان، لتركبهما مع " لا " كما بنى " رجل " [ لتركبه ] معها.
    وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن " رجل " في قولك: " لا رجل " معرب، وأن فتحته فتحة إعراب، لا فتحة بناء، وذهب المبرد إلى أن " مسلمين " و " مسلمين " معربان (1)..
    __________
    = المنقلبة ألفا لاجل الوقف في محل جزم بلا الناهية، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذف منها الفاء ضرورة، وكان حقه أن يقول: وإن رفعت أولا فلا تنصبا.
    (1) ذهب أبو العباس المبرد إلى أن اسم " لا " إذا كان مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما فهو معرب منصوب بالياء، وليس مبنيا كما ذهب إليه جمهور النحاة، واحتج لما ذهب إليه بأن التثنية والجمع من خصائص الاسماء، وقد علمنا أن من شرط بناء الاسم لشبهه = (*)
    (1/396)

    وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم: مبني على ما كان ينصب به وهو الكسر، فتقول: " لا مسلمات لك " بكسر التاء، ومنه قوله: 109 - إن الشباب الذي مجد عواقبه فيه نلذ، ولا لذات للشيب.
    __________
    = بالحرف في وجه من وجوه الشبه التي تقدم بيانها: ألا يعارض هذا الشبه شئ من خصوصيات الاسماء، والجواب على هذه الشبهة من وجهين: أولهما وهو وجه عقلي أن ما كان من خصائص الاسماء إنما يقدح في بناء الاسم ويعارضه إذا طرأ على الاسم بعد كونه مبنيا، فأما إذا كان ما هو من خصائص الاسماء موجودا في الاسم ثم عرض لهذا الاسم ما يقتضي شبهه بالحرف من بعد ذلك فإنه لهذا لا يعارض سبب البناء ولا يمنع منه، ونحن ندعي أن الاسم كان مثنى أو مجموعا، ثم دخلت عليه لا فتركب معها تركب خمسة عشر، فوجد سبب البناء طارئا على ما هو من خصائص الاسم، الثاني - وهو نقض لمذهبه بعدم الاطراد - أن المبرد نفسه قد اتفق مع الجمهور على بناء اسم لا المجموع جمع تكسير، ولم يعبأ معه بما هو من خصائص الاسم وهو الجمع، كما اتفق مع الجمهور على بناء المنادى المثنى أو المجموع جمع المذكر السالم على ما يرفع به، ولم يعبأ بما هو من خصائص الاسماء.
    109 - البيت لسلامة بن جندل السعدي، من قصيدة له مستجادة، وأولها قوله أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب أودى، وذلك شأو غير مطلوب ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه لو كان يدركه ركض اليعاقيب اللغة: " أودى " ذهب وفنى، وكرر هذه الكلمة تأكيدا لمضمونها، لانه إنما أراد إنشاء التحسر والتحزن على ذهاب شبابه " حميدا " محمودا " التعاجيب " العجب، وهو جمع لا واحد له من لفظه، ويروى في مكانه " الاعاجيب " وهو جمع أعجوبة، وهي الامر الذي يتعجب منه " شأو " هو الشوط " حثيثا " سريعا " اليعاقيب " جمع
    يعقوب، وهو ذكر الحجل " مجد عواقبه " المراد أن نهايته محمودة " الشيب " بكسر الشين جمع أشيب وهو الذي ابيض شعره، وروى صدر البيت المستشهد به هكذا: * أودى الشباب الذي مجد.
    إلخ * = (*)
    (1/397)

    وأجاز بعضهم الفتح، نحو " لا مسلمات لك " (1)..
    __________
    = الاعراب: " إن " حرف توكيد ونصب " الشباب " اسم إن " الذي " اسم موصول: نعت للشباب " مجد " يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو مجد، وعواقبه على هذا نائب فاعل مجد، لانه مصدر بمعنى اسم المفعول كما فسرناه ويجوز أن يكون " مجد " خبرا مقدما، و " عواقبه " مبتدأ مؤخرا، وجاز الاخبار بالمفرد وهو مجد عن الجمع وهو عواقب لان الخبر مصدر، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد، لانه لا يثنى ولا يجمع، وعلى كل حال فجملة " مجد عواقبه " سواء أقدرت مبتدأ أم لم تقدر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله نلذ الآتي " نلذ " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن " ولا " نافية للجنس " لذات " اسم لا، مبني على الكسرة نيابة عن الفتحة لانه جمع مؤنث سالم في محل نصب " للشيب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " الشاهد فيه: قوله " ولا لذات للشيب " حيث جاء اسم لا - وهو لذات - جمع مؤنث سالما، ووردت الرواية ببنائه على الكسرة نيابة عن الفتحة، كما كان ينصب بها لو أنه معرب.
    (1) اعلم أن للعلماء في اسم " لا " إذا كان جمع مؤنث سالما أربعة مذاهب: الاول: أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة من غير تنوين، وهذا مذهب جمهرة النحاة.
    الثاني: أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لكن يبقى له تنوينه، وهذا مذهب
    صححه ابن مالك صاحب الالفية، وجزم به في بعض كتبه، ونقله عن قوم، وحجتهم في عدم حذف التنوين أنه قد تقرر أن تنوين جمع المؤنث السالم هو تنوين المقابلة، وهو لا ينافي البناء، فلا يحذف.
    الثالث: أنه مبني على الفتح، وهذا مذهب المازني والفارسي، ورجحه ابن هشام في المغنى والمحقق الرضي في شرح الكافية وابن مالك في بعض كتبه.
    الرابع: أن يجوز فيه البناء على الكسرة نيابة عن الفتحة، والبناء على الفتح.
    وزعم كل شراح الالفية أن بيت سلامة بن جندل (الشاهد رقم 109) يروى بالوجهين جميعا، فإذا صح ذلك لم يكن لايجاب أحد الامرين بعينه وجه وجيه، ويؤخذ = (*)
    (1/398)

    وقول المصنف: " وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه " معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم " لا " مرفوعا، والرافع له " لا " عند المصنف وجماعة [ وعند سيبويه الرافع له لا ] إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف، وإن كان الاسم مفردا فاختلف في رافع الخبر، فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا ب " لا " وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ، لان مذهبه أن " لا " واسمها المفرد في موضع رفع بالابتداء، والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ، ولم تعمل " لا " عنده في هذه الصورة إلا في الاسم، وذهب الاخفش إلى أن الخبر مرفوع ب " لا " فتكون " لا " عاملة في الجزءين كما عملت فيهما مع المضاف والمشبه به.
    وأشار بقوله: " والثاني اجعلا " إلى أنه إذا أتى بعد " لا " والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت " لا " نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " يجوز فيهما خمسة أوجه، وذلك لان المعطوف عليه: إما أن يبنى مع " لا " على الفتح، أو ينصب، أو يرفع.
    فإن بنى معها على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه:
    الاول: البناء على الفتح، لتركبه مع " لا " الثانية، وتكون [ لا ] الثانية عاملة عمل إن، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " (1).
    __________
    = من كلام ابن الانباري أن بيت سلامة يروى بالفتح دون الكسر، فيكون تأييدا لمذهب المازني ومن معه، ولكنا لا نستطيع أن نرد رواية الكسر بمجرد كون ابن الانباري لم يحفظها.
    (1) وعلى تركيب الثانية مع اسمها كتركيب الاولى مع اسمها قرأ أبو عمرو وابن كثير في قوله سبحانه: (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) بفتح بيع وخلة وشفاعة، و " لا " في المواضع الثلاثة نافية للجنس عاملة عمل إن، والاسم المفتوح بعدها اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها - فيما عدا الاول - محذوف لدلالة ما قبله عليه.
    ومن شواهد ذلك قول الراجز (وقد أنشدناه في شرح الشاهد رقم 27 السابق): نحن بنو خويلد صراحا لا كذب اليوم ولا مزاحا (*)
    (1/399)

    الثاني: النصب عطفا على محل اسم " لا "، وتكون " لا " الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف، نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " ومنه قوله: 110 - لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع.
    __________
    110 - البيت لانس بن العباس بن مرداس، وقيل: بل هو لابي عامر جد العباس ابن مرداس، ويروى عجز البيت كما رواه الشارح العلامة من كلمة عينية، وبعده: كالثوب إذ أنهج فيه البلى أعيا على ذي الحيلة الصانع وروى أبو علي القالي صدر هذا البيت مع عجز آخر، وهو: * اتسع الخرق على الراتق * من كلمة قافية، وقبله: لا صلح بيني فاعلموه ولا بينكم، ما حملت عاتقي
    سيفي، وما كنا بنجد، وما قرقر قمر الواد بالشاهق اللغة: " خلة " بضم الخاء وتشديد اللام هي الصداقة، وقد تطلق الخلة على الصديق نفسه، كما في قول رجل من بني عبد القيس، وهو أحد شعراء الحماسة.
    ألا أبلغا خلتي راشدا وصنوي قديما إذا ما تصل " الراقع " ومثله " الراتق " الذي يصلح موضع الفساد من الثوب " أنهج " أخذ في البلى " أعيا " صعب، وشق، واشتد " العاتق " موضع الرداء من المنكب " قرقر قمر " قرقر: صوت، وصاح، و " قمر " يجوز أن يكون جمع أقمر، فوزانه وزان أحمر وحمر وأصفر وصفر، ويجوز أن يكون جمع قمري، كروم في جمع رومي " الشاهق " الجبل المرتفع.
    الاعراب: " لا " نافية للجنس " نسب " اسمها، مبني على الفتح في محل نصب " اليوم " ظرف متعلق بمحذوف خبر لا " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " خلة " معطوف على نسب، بالنظر إلى محل اسم " لا " الذي هو النصب " اتسع " فعل ماض " الخرق " فاعل لاتسع " على الراقع " جار ومجرور متعلق بقوله " اتسع ".
    = (*)
    (1/400)

    الثالث: الرفع، وفيه ثلاثة أوجه، الاول: أن يكون معطوفا على محل " لا " واسمها، لانهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وحينئذ تكون " لا " زائدة، الثاني: أن تكون " لا " الثانية عملت عمل " ليس "، الثالث: أن يكون مرفوعا بالابتداء، وليس للاعمل فيه، وذلك نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله " ومنه قوله: 111 - هذا - لعمركم - الصغار بعينه لا أم لي - إن كان ذاك - ولا أب
    .
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " ولا خلة " حيث نصب على تقدير أن تكون " لا " زائدة للتأكيد، ويكون " خلة " معطوفا بالواو على محل اسم " لا " وهو قوله " نسب " عطف مفرد على مفرد، وهذا هو الذي حمله الشارح تبعا لجمهور النحاة عليه.
    وقال يونس بن حبيب: إن " خلة " مبني على الفتح في محل نصب، ولكنه نونه للضرورة، وبناؤه على الفتح عنده على أن " لا " الثانية عاملة عمل " إن " مثل الاولى، وخبرها محذوف يرشد إليه خبر الاولى، والتقدير " ولا خلة اليوم " والواو قد عطفت جملة " لا " الثانية مع اسمها وخبرها على جملة لا الاولى، وهو كلام لا متمسك له، بل يجب ألا يحمل عليه الكلام، لان الحمل على وجه يستتبع الضرورة لا يجوز متى أمكن الحمل على وجه سائغ لا ضرورة معه.
    وقال الزمخشري في مفصله: إن " خلة " منصوب بفعل مضمر، وليس معطوفا على لفظ اسم لا، ولا على محله، والتقدير عنده: لانسب اليوم ولا تذكر خلة، وهو تكلف لا مقتضى له، ويلزم عليه عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، والافضل في العطف توافق الجملة المعطوفة مع الجملة المعطوف عليها في الفعلية والاسمية ونحوهما.
    111 - اختلف العلماء في نسبة هذا البيت، فقيل: هو لرجل من مذحج، وكذلك نسبوه في كتاب سيبويه، وقال أبو رياش: هو لهمام بن مرة أخي جساس بن مرة قاتل كليب، وقال ابن الاعرابي: هو لرجل من بني عبد مناف، وقال الحاتمي: هو لابن أحمر، وقال الاصفهاني: هو لضمرة بن ضمرة، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدا، ولا يعرف له قائل.
    = (26 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/401)

    .
    __________
    = اللغة: " هذا لعمركم " العمر بفتح فسكون الحياة، وقد فصل بين المبتدأ الذي هو اسم الاشارة وخبره، بجملة القسم وهي قوله " لعمركم " مع خبره المحذوف ويروى " هذا وجدكم " والجد: الحظ والبخت، وهو أيضا أبو الاب " الصغار "
    بزنة سحاب الذل، والمهانة، والحقارة " بعينه " يزعم بعض العلماء أن الباء زائدة، وكأنه قد قال: هذا الصغار عينه، ولا داعي لذلك.
    الاعراب: " هذا " اسم اشارة مبتدأ " لعمركم " اللام لام الابتداء، وعمر: مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا، والتقدير: لعمركم قسمي، وعمر مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة معترضة بين المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب " الصغار " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة " بعينه " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، وقيل: الباء زائدة، وعليه يكون قوله عين تأكيدا للصغار، وعين مضاف والهاء مضاف إليه " لا " نافية للجنس " أم " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا " إن " شرطية " كان " فعل ماض ناقص فعل الشرط، مبني على الفتح في محل جزم " ذاك " ذا: اسم كان، وخبرها محذوف، والتقدير: إن كان ذاك محمودا، أو نحوه " ولا " الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي " أب " بالرفع - معطوف على محل لا واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وفيه إعرابان آخران ستعرفهما في بيان الاستشهاد بالبيت.
    الشاهد فيه: قوله " ولا أب " حيث جاء مرفوعا على واحد من ثلاثة أوجه: إما على أن يكون معطوفا على محل " لا " مع اسمها كما ذكرناه، أو على أن " لا " الثانية عاملة عمل ليس، و " أب " اسمها، وخبرها محذوف، أو على أن تكون " لا " غير عاملة أصلا، بل هي زائدة، ويكون " أب " مبتدأ خبره محذوف، وقد ذكر ذلك الشارح العلامة.
    ومثله قول جرير بن عطية: بأي بلاء يا نمير بن عامر وأنتم ذنابى، لا يدين ولا صدر ؟ وقد ورد على غرار ذلك قول المتنبي: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
    (1/402)

    وإن نصب المعطوف عليه جاز في المعطوف الاوجه الثلاثة المذكورة - أعني البناء، والرفع، والنصب - نحو: لا غلام رجل ولا امرأة، ولا امرأة، ولا امرأة.
    وإن رفع المعطوف عليه جاز في الثاني وجهان، الاول البناء على الفتح، نحو " لا رجل ولا امرأة، ولا غلام رجل ولا امرأة " ومنه قوله: 112 - فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به أبدا مقيم.
    __________
    112 - البيت لامية بن أبي الصلت، ولكن الشارح - كغيره من النحاة - قد لفق صدر بيت من أبيات كلمة أمية على عجز بيت آخر منها، وصواب إنشاد البيتين هكذا: ولا لغو ولا تأثيم فيها ولا حين ولا فيها مليم وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به أبدا مقيم اللغة: " لغو " أي.
    قول باطل، وما لا يعتد به من الكلام " تأثيم " هو مصدر أثمته - بتشديد الثاء - بمعنى نسبته إلى الاثم بأن قلت له: يا آثم، يريد أن بعضهم لا ينسب بعضا إلى الاثم، لانهم لا يفعلون ما يصحح نسبتهم إليه " حين " هلاك وفناء " مليم " بضم الميم وهو الذي يفعل ما يلام عليه " ساهرة " هي وجه الارض، يريد أن في الجنة لحم حيوان البر.
    الاعراب: " فلا " نافية ملغاة " لغو " مبتدأ، مرفوع بالضمة الظاهرة " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية للجنس تعمل عمل إن " تأثيم " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب " فيها " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " وخبر المبتدأ محذوف يدل عليه خبر لا هذا، ويجوز عكس ذلك على ضعف فيه فيكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف خبر المبتدأ، ويكون خبر لا هو المحذوف، وعلى أية حال فإن الواو قد عطفت جملة لا مع اسمها وخبرها على جملة المبتدأ والخبر " وما " اسم موصول مبتدأ " فاهوا " فعل وفاعل، والجملة من فاه وفاعله لا محل لها صلة الموصول " به "
    جار ومجرور متعلق بفاهوا " أبدا " منصوب على الظرفية ناصبه فاهوا أو مقيم " مقيم " خبر المبتدأ، ويجوز أن تكون لا الاولى نافية عاملة عمل ليس، ولغو: اسمها، وخبرها محذوف يدل عليه خبر لا الثانية العاملة عمل إن أو خبر لا الاولى هو = (*)
    (1/403)

    والثاني: الرفع، نحو " لا رجل ولا امرأة، ولا غلام رجل ولا امرأة (1) ".
    ولا يجوز النصب للثاني، لانه إنما جاز بها تقدم للعطف على [ محل ] اسم " لا " و " لا " هنا ليست بناصبة، فيسقط النصب، ولهذا قال المصنف: " وإن رفعت أولا لا تنصبا ".
    * * * ومفردا نعتا لمبني يلي فافتح، أو انصبن، أو ارفع، تعدل (2).
    __________
    = المذكور بعد، وخبر الثانية محذوف يدل عليه خبر الاولى، وتكون الواو قد عطفت جملة لا الثانية العاملة عمل إن على جملة لا الاولى العاملة عمل ليس، ولكن الوجه الثاني من وجهي الخبر ضعيف، لما يلزم عليه من العطف قبل استكمال المعطوف عليه.
    الشاهد فيه: قوله " فلا لغو ولا تأثيم " حيث ألغى لا الاولى، أو أعملها عمل ليس، فرفع الاسم بعدها، وأعمل " لا " الثانية عمل " إن " على ما بيناه في إعراب البيت.
    ومثل هذا الشاهد قول عامر بن جوين الطائي، وهو الشاهد رقم 146 الآتي في باب الفاعل: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها الرواية فيه برفع " مزنة " بالضمة الظاهرة وبفتح " أرض " والقول فيهما كالقول في " لا لغو ولا تأثيم ".
    (1) من شواهد هذا الوجه قول الله تعالى: (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة)
    يرفع الثلاثة في قراءة غير أبي عمرو وابن كثير، وقول عبيد بن حصين الراعي: وما هجرتك حتى قلت معلنة: لا ناقة لي في هذا ولا جمل وقد نسج عليه أبو الطيب المتنبي في قوله: بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن ؟ (2) " ومفردا نعتا " يجوز أن يكون مفردا مفعولا مقدما تنازعه العوامل الثلاثة = (*)
    (1/404)

  2. #2
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل8

    إذا كان اسم " لا " مبنيا، ونعت بمفرد يليه - أي لم يفصل بينه وبينه بفاصل - جاز في النعت ثلاثة أوجه: الاول: البناء على الفتح، لتركبه مع اسم " لا "، نحو " لا رجل ظريف ".
    الثاني: النصب، مراعاة لمحل اسم " لا " نحو " لا رجل ظريفا ".
    الثالث: الرفع، مراعاة لمحل " لا " واسمها، لانهما في موضع رفع عند سيبويه كما تقدم، نحو " لا رجل ظريف ".
    * * * وغير ما يلي، وغير المفرد لا تبن، وانصبه، أو الرفع اقصد (1).
    __________
    = الآتية ويكون نعتا بدلا منه، ويجوز أن يكون مفردا حالا من نعتا، وجاز مجئ الحال من النكرة لتقدمه عليها ولتخصصه بالمتعلق أو بالوصف، ويكون نعتا مفعولا تنازعه العوامل الثلاثة " لمبني " جار ومجرور متعلق بقوله نعتا، أو بمحذوف صفة له " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نعت، والجملة في محل نصب صفة لقوله نعتا " فافتح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، " أو " عاطفة " انصبن " فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لا محل له من
    الاعراب " أو " حرف عطف " ارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " تعدل " فعل مضارع مجزوم في جواب الامر، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لاجل الروى.
    (1) " وغير " مفعول مقدم على عامله، وهو قوله " لا تبن " الآتي، وغير مضاف و " ما " اسم موصول: مضاف إليه " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة ما " وغير " الواو عاطفة، غير: معطوف على غير السابقة، وغير مضاف، و " المفرد " مضاف إليه " لا " = (*)
    (1/405)

    تقدم في البيت الذي قبل هذا أنه إذا كان النعت مفردا، والمنعوت مفردا، ووليه النعت، جاز في النعت ثلاثة أوجه، وذكر في هذا البيت أنه إن لم يل النعت المفرد المنعوت المفرد، بل فصل بينهما بفاصل، لم يجز بناء النعت، فلا تقول " لا رجل فيها ظريف " ببناء ظريف، بل يتعين رفعه، نحو " لا رجل فيها ظريف " أو نصبه، نحو " لا رجل فيها ظريفا " وإنما سقط البناء على الفتح لانه إنما جاز عند عدم الفصل لتركب النعت مع الاسم، ومع الفصل لا يمكن التركيب، كما لا يمكن التركيب إذا كان المنعوت غير مفرد، نحو " لا طالعا جبلا ظريفا " ولا فرق في امتناع البناء على الفتح في النعت عند الفصل بين أن يكون المنعوت مفردا، كما مثل، أو غير مفرد.
    وأشار بقوله: " وغير المفرد " إلى أنه إن كان النعت غير مفرد كالمضاف والمشبه بالمضاف تعين رفعه أو نصبه، فلا يجوز بناؤه على الفتح، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنعوت مفردا أو غير مفرد، ولا بين أن يفصل بينه وبين النعت أو لا يفصل، وذلك نحو " لا رجل صاحب بر فيها، ولا غلام رجل فيها صاحب بر ".
    وحاصل ما في البيتين: أنه إن كان النعت مفردا، والمنعوت مفردا، ولم يفصل بينهما، جاز في النعت ثلاثة أوجه، نحو " لا رجل ظريف، وظريفا، وظريف " وإن لم يكن كذلك تعين الرفع أو النصب، ولا يجوز البناء.
    * * *.
    __________
    = ناهية " تبن " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وانصبه " الواو عاطفة، انصب: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الاعراب، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به لا نصب " أو " عاطفة " الرفع " مفعول به مقدم لا قصد " اقصد " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
    (*)
    (1/406)

    والعطف إن لم تتكرر " لا " احكما له بما للنعت ذي الفصل انتمى (1) تقدم أنه إذا عطف على اسم " لا " نكرة مفردة، وتكررت " لا " يجوز في المعطوف ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والبناء على الفتح، نحو " لا رجل ولا امرأة، ولا امرأة، ولا امرأة " وذكر في هذا البيت أنه إذا لم تتكرر " لا " يجوز في المعطوف ما جاز في النعت المفصول، وقد تقدم [ في البيت الذي قبله ] أنه يجوز فيه: الرفع، والنصب (2)، ولا يجوز فيه البناء على الفتح،.
    __________
    (1) " والعطف " مبتدأ " إن " شرطية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تتكرر " فعل مضارع فعل الشرط " لا " قصد لفظه: فاعل تتكرر " احكما " فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لاجل الوقف، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الاعراب، وفاعل احكم ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذفت منه الفاء ضرورة،
    وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ " له، بما " جاران ومجروران يتعلقان باحكم، وما: اسم موصول " للنعت " جار ومجرور متعلق بقوله انتمى الآتي " ذي " نعت للنعت، وذي مضاف، و " الفصل " مضاف إليه " انتمى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " الموصولة، والجملة من انتمى وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول.
    وحاصل البيت: والعطف إن لم تتكرر لا فاحكم له بالحكم الذي انتمى للنعت صاحب الفصل من منعوته، وذلك الحكم هو امتناع البناء وجواز ما عداه من الرفع والنصب.
    (2) من شواهد هذه المسألة قول رجل من بني مناة بن كنانة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك: فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فأنت تراه قد عطف " ابنا " على اسم لا الذي هو " أب " وأتى بالمعطوف = (*)
    (1/407)

    فتقول: " لا رجل وامرأة، وامرأة " ولا يجوز البناء على الفتح، وحكى الاخفش " لا رجل وامرأة " بالبناء على الفتح، على تقدير تكرر " لا " فكأنه قال: " لا رجل ولا امرأة " ثم حذفت " لا ".
    وكذلك إذا كان المعطوف غير مفرد لا يجوز فيه إلا الرفع والنصب، سواء تكررت " لا " نحو " لا رجل ولا غلام امرأة " أو لم تتكرر، نحو " لا رجل وغلام امرأة " (1).
    هذا كله إذا كان المعطوف نكرة، فإن كان معرفة لا يجوز فيه إلا الرفع، على كل حال، نحو " لا رجل ولا زيد فيها "، أو " لا رجل وزيد فيها ".
    * * * وأعط " لا " مع همزة استفهام ما تستحق دون الاستفهام (2).
    __________
    = منصوبا، وقد كان يجوز له أن يأتي به مرفوعا بالعطف على محل " لا " مع اسمها، فإن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه، كما تقدم ذكره مرارا.
    (1) ذكر الناظم والشارح حكم العطف على اسم لا، وحكم نعته، ولم يذكر واحد منهما حكم البدل منه.
    وحاصله أن البدل إما أن يكون نكرة كاسم لا، وإما أن يكون معرفة، فإذا كان البدل نكرة جاز فيه الرفع والنصب، فتقول: لا أحد رجلا وامرأة فيها، وتقول: لا أحد رجل وامرأة فيها، وإن كان البدل معرفة لم يجز فيه إلا الرفع، فتقول: لا أحد زيد وعمرو فيها.
    وأما التوكيد فلا يأتي منه المعنوي، لان ألفاظه معارف، واسم " لا " نكرة، ولا تؤكد النكرة توكيدا معنويا على ما ستعرف في باب التوكيد إن شاء الله.
    (2) " وأعط " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لا " قصد لفظه: مفعول أول لاعط " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من " لا " ومع مضاف، و " همزة " مضاف إليه، وهمزة مضاف، و " استفهام " مضاف إليه " ما " = (*)
    (1/408)

    إذا دخلت همزة الاستفهام على " لا " النافية للجنس بقيت على ما كان لها من العمل، وسائر الاحكام التي سبق ذكرها، فتقول: " ألا رجل قائم، وألا غلام رجل قائم، وألا طالعا جبلا ظاهر " وحكم المعطوف والصفة - بعد دخول همزة الاستفهام - كحكمهما قبل دخولها.
    هكذا أطلق المصنف - رحمه الله تعالى ! - هنا، وفي كل ذلك تفصيل.
    وهو: أنه إذا قصد بالاستفهام التوبيخ، أو الاستفهام عن النفي، فالحكم كما ذكر، من أنه يبقى عملها وجميع ما تقدم ذكره: من أحكام العطف،
    والصفة، وجواز الالغاء.
    فمثال التوبيخ قولك: " ألا رجوع وقد شبت ؟ " ومنه قوله: 113 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته وآذنت بمشيب بعده هرم ؟.
    __________
    = اسم موصول: مفعول ثان لاعط " تستحق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " لا " ومفعوله ضمير محذوف يعود على " ما " الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال من " لا " ودون مضاف و " الاستفهام " مضاف إليه.
    وحاصل البيت: وأعط " لا " النافية حال كونها مصاحبة الهمزة الدالة على الاستفهام نفس الحكم الذي كانت " لا " هذه تستحقه حال كونها غير مصحوبة بأداة الاستفهام.
    113 - هذا البيت لم ينسبه أحد ممن استشهد - به فيما بين أيدينا من المراجع - إلى قائل معين.
    اللغة: " ارعواء " أي: انتهاء، وانكفاف، وانزجار، وهو مصدر ارعوى يرعوي: أي كف عن الامر وتركه " آذنت " أعلمت " ولت " أدبرت " مشيب " شيخوخة وكبر " هرم " فناء للقوة وذهاب للفتاء ودواعي الصبوة.
    = (*)
    (1/409)

    ومثال الاستفهام عن النفي قولك: " ألا رجل قائم ؟ " ومنه قوله: 114 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ؟ إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي.
    __________
    = المعنى: أفما يكف عن المقابح ويدع دواعي النزق والطيش هذا الذي فارقه الشباب وأعلمته الايام أن جسمه قد أخذ في الاعتلال، وسارعت إليه أسباب الفناء والزوال ؟ !
    الاعراب: " ألا " الهمزة للاستفهام، ولا: نافية للجنس، وقصد بالحرفين جميعا التوبيخ والانكار " ارعواء " اسم لا " لمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " ومن: اسم موصول " ولت " ولى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " شبيبته " شبيبة: فاعل ولت، وشبيبة مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من ولت وفاعله لا محل لها صلة الموصول " وآذنت " الواو عاطفة، آذن: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى شبيبة " بمشيب " جار ومجرور متعلق بآذنت " بعده " بعد: ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم، وبعد مضاف والهاء ضمير المشيب مضاف إليه " هرم " مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جر صفة لمشيب.
    الشاهد فيه: قوله " ألا ارعواه " حيث أبقى للا النافية عملها الذي تستحقه مع دخول همزة الاستفهام عليها، لانه قصد بالحرفين جميعا التوبيخ والانكار.
    114 - نسب هذا البيت لمجنون بني عامر قيس بن الملوح، ويروى في صدره اسمها هكذا: * ألا اصطبار لليلى أم لها جلد * اللغة: " اصطبار " تصبر، وتجلد، وسلوان، واحتمال " لاقاه أمثالي " كناية عن الموت.
    المعنى: ليت شعري إذا أنا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت أيمتنع الصبر على سلمى أم يبقى لها تجلدها وصبرها ؟.
    الاعراب: " ألا " الهمزة للاستفهام، ولا: نافية للجنس " اصطبار " اسم " لا " مبني على الفتح في محل نصب " لسلمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لا " =
    (1/410)

    وإذا قصد بألا التمني: فمذهب المازني أنها تبقى على جميع ما كان لها من
    الاحكام، وعليه يتمشى إطلاق المصنف، ومذهب سيبويه أنه يبقى لها عملها في الاسم، ولا يجوز إلغاؤها، ولا الوصف أو العطف بالرفع مراعاة للابتداء.
    ومن استعمالها للتمني قولهم: " ألا ماء ماء باردا " وقول الشاعر: 115 ألا عمر ولى مستطاع رجوعه فيرأب ما أثأت يد الغفلات * * *.
    __________
    = " أم " عاطفة " لها " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " جلد " مبتدأ مؤخر.
    والجملة معطوفة على جملة " لا " واسمها وخبرها " إذا " ظرفية " ألاقي " فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " الذي " اسم موصول: مفعول به لالاقي " لاقاه " لاقى: فعل ماض، والهاء مفعول به للاقى تقدم على فاعله " أمثالي " أمثال: فاعل لاقى، وأمثال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها صلة الموصول.
    الشاهد فيه: قوله " ألا اصطبار " حيث عامل " لا " بعدد دخول همزة الاستفهام مثل ما كان يعاملها به قبل دخولها، والمراد من الهمزة هنا الاستفهام، ومن " لا " النفي، فيكون معنى الحرفين معا الاستفهام عن النفي، وبهذا البيت يندفع ما ذهب إليه الشلوبين من أن الاستفهام عن النفي لا يقع، وكون الحرفين (معا) ؟ دالين على الاستفهام عن النفي في هذا البيت مما لا يرتاب فيه أحد، لان مراد الشاعر أن يسأل: أينتفي عن محبوبته الصبر إذا مات، فتجزع عليه، أم يكون لها جلد وتصبر ؟ 115 - احتج بهذا البيت جماعة من النحاة ولم ينسبه أحد منهم - فيما نعلم - إلى قائل معين.
    اللغة: " ولى " أدبر، وذهب " فيرأب " (يجبر) ؟ ويصلح " أثأت " فتقت، وصدعت = (*)
    (1/411)

    وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر (1).
    __________
    = وشعبت، وأفسدت، تقول: رأب فلان الصدع، ورأب فلان الاناء، إذا أصلح ما فسد منهما، وقال الشاعر: يرأب الصدع والثأي برصين من سجايا آرائه ويغير (يغير - بفتح باء المضارعة - بمعنى يمير: أي يمون الناس).
    الاعراب: " ألا " كلمة واحدة للتمني، ويقال: الهمزة للاستفهام، وأريد بها التمني ولا: نافية للجنس، وليس لها خبر لا لفظا ولا تقديرا " عمر " اسمها " ولى " فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عمر، والجملة في محل نصب صفة لعمر " مستطاع " خبر مقدم " رجوعه " رجوع: مبتدأ مؤخر، ورجوع مضاف والضمير العائد إلى العمر مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب صفة ثانية لعمر " فيرأب " الفاء للسببية، يرأب: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية في جواب التمني، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عمر " ما " اسم موصول: مفعول به ليرأب " أثأت " أثأى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " يد " فاعل أثأت، ويد مضاف و " الغفلات " مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب محذوف تقديره " أثأته ".
    الشاهد فيه: قوله " ألا عمر " حيث أريد بالاستفهام مع " لا " مجرد التمني، وهذا كثير في كلام العرب، ومما يدل على كون " ألا " للتمني في هذا البيت نصب المضارع بعد فاء السببية في جوابه.
    (1) " وشاع " فعل ماض " في " حرف جر " ذا " اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي، والجار والمجرور متعلق بشاع " الباب " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " إسقاط " فاعل شاع، وإسقاط مضاف و " الخبر " مضاف إليه " إذا "
    ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " المراد " فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وتقديره: إذا ظهر المراد " مع " ظرف متعلق بقوله " ظهر " الآتي، ومع مضاف وسقوط من " سقوطه " مضاف إليه، وسقوط مضاف والهاء مضاف إليه " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المراد، والجملة من ظهر لا محل لها من الاعراب مفسرة.
    (*)
    (1/412)

    إذا دل دليل على خبر " لا " النافية للجنس وجب حذفه عند التميميين والطائيين، وكثر حذفه عند الحجازيين، ومثاله أن يقال: هل من رجل قائم ؟ فتقول: " لا رجل " وتحذف الخبر - وهو قائم - وجوبا عند التميميين والطائيين، وجوازا عند الحجازيين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخبر غير ظرف ولا جار ومجرور، كما مثل، أو ظرفا أو جارا ومجرورا، نحو أن يقال: هل عندك رجل ؟ أو هل في الدار رجل ؟ فتقول: " لا رجل ".
    فإن لم يدل على الخبر دليل لم يجز حذفه عند الجميع، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: " لا أحد أغير من الله " وقول الشاعر: 116 * ولا كريم من الولدان مصبوح *.
    __________
    116 - نسب الزمخشري في المفصل (1 / 89 بتحقيقنا) هذا الشاهد لحاتم الطائي، ونسبه الجرمي - مع صدره - لابي ذؤيب الهذلي، والصواب أنه كما قال - الاعلم لرجل جاهلي من بني النبيت بن قاسط (وصوابه ابن مالك) - وهو حي من اليمن - وكان قد اجتمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند امرأة يقال لها ماوية بنت عفزر يخطبونها، فآثرت حاتما عليهما، وصدر هذا الشاهد: * إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها * وبعض النحاة - كسيبويه، والاعلم، وتبعهم الاشموني - يجعل صدر هذا
    الشاهد قوله: * ورد جازرهم حرفا مصرمة * وهذا من تركيب صدر بيت على عجز بيت آخر، وهاك ثلاثة أبيات منها البيت الشاهد لتعلم صحة الانشاد.
    هلا سألت النبيتيين ما حسبي عند الشتاء إذا ما هبت الريح ورد جازرهم حرفا مصرمة في الرأس منها وفي الاصلاء تمليح = (*)
    (1/413)

    وإلى هذا أشار المصنف بقوله: " إذا المراد مع سقوطه ظهر " واحترز بهذا مما لا يظهر المراد مع سقوطه، فإنه لا يجوز حينئذ الحذف كما تقدم.
    * * *
    __________
    = إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها ولا كريم من الولدان مصبوح اللغة: " اللقاح " جمع لقوح، وهي الناقة الحلوب " أصرتها " جمع صرار، وهو خيط يشد به رأس الضرع لئلا يرضعها ولدها، وإنما تلقى الاصرة حين لا يكون در، وذلك في سني القحط " مصبوح " اسم مفعول من صبحته - بتخفيف الباء - إذا سقيته الصبوح، وهو - بفتح الصاد وضم الباء الموحدة - الشرب بالغداة، والغداة: الوقت ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
    الاعراب: " إذا " ظرف للزمان المستقبل تضمن معنى الشرط " اللقاح " اسم لغدا محذوفا يدل عليه المذكور بعده، وخبره محذوف يدل عليه ما بعده أيضا، والتقدير: إذا غدت اللقاح ملقى أصرتها " غدت " غدا: فعل ماض ناقص بمعنى صار، والتاء للتأنيث، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على اللقاح " ملقى " خبر غدا، وهو اسم مفعول " أصرتها " أصرة: نائب فاعل لملقى، وأصرة مضاف والضمير العائد إلى اللقاح مضاف إليه " ولا " نافية للجنس " كريم " اسمها " من الولدان "
    جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لكريم " مصبوح " خبر لا.
    الشاهد فيه: قوله " ولا كريم من الولدان مصبوح " حيث ذكر خبر لا، وهو قوله " مصبوح " لكونه ليس يعلم إذا حذف، ولو أنه حذفه فقال " ولا كريم من الولدان " لفهم منه أن المراد ولا كريم من الولدان موجود، لان الذي يحذف عند عدم قيام قرينة هو الكون العام، ولا شك أن هذا المعنى غير المقصود له.
    هذا تخريج البيت على ما يريد الشارح والناظم تبعا لسيبويه شيخ النحاة.
    وقد أجاز الاعلم الشنتمري وأبو علي الفارسي وجار الله الزمخشري أن يكون الخبر محذوفا، وعليه يكون قوله " مصبوح " نعتا لاسم لا، باعتبار أصله، وهو المعبر عنه بأنه تابع على محل لا واسمها معا، لانهما في التقدير مبتدأ عند سيبويه، كما تقدم بيانه.
    = (*)
    (1/414)

    .
    __________
    قال الاعلم: " ويجوز أن يكون نعتا لاسمها محمولا على الموضع، ويكون الخبر محذوفا لعلم السامع، وتقديره موجود ونحوه " اه.
    وقال الزمخشري: " وقول حاتم * ولا كريم إلخ * يحتمل أمرين: أحدهما أن يترك فيه طائيته إلى اللغة الحجازية، والثاني ألا يجعل مصبوح خبرا، ولكن صفة محمولة على محل لا مع المنفي " اه.
    ويريد بترك طائيته أنه ذكر خبر لا، لانك قد علمت أن لغة الطائيين حذف خبر لا مطلقا، أعني سواء أكان ظرفا أو جارا ومجرورا أم كان غيرهما، متى فهم ودلت عليه قرينة، أو كان كونا مطلقا، ويكون حاتم قد تكلم في هذا البيت على لغة أهل الحجاز الذين يذكرون خبر لا، عند عدم قيام القرينة على حذفه، أو عند تعلق الغرض بذكره لداعية من الدواعي، لكن الذي يقرره العلماء أن العربي لا يستطيع أن يتكلم بغير لغته التي درب عليها لسانه، فإذا نحن راعينا ذلك وجب أن نصير إلى الوجه الآخر
    وهو أن نقدر قوله " مصبوح " نعتا لقوله " لا كريم " أي نعتا على محل لا مع اسمها وهو الرفع حتى يكون كلامه جاريا على لغة قومه، فاعرف هذا، والله يرشدك ويبصرك.
    (*)
    (1/415)

    ظن وأخواتها انصب بفعل القلب جزءي ابتدا أعني: رأى، خال، علمت، وجدا (1) ظن، حسبت، وزعمت، مع عد حجا، درى، وجعل اللذ كاعتقد (2) وهب، تعلم، والتي كصيرا أيضا بها انصب مبتدا وخبرا (3) هذا هو القسم الثالث من الافعال الناسخة للابتداء، وهو ظن وأخواتها.
    وتنقسم إلى قسمين، أحدهما: أفعال القلوب، والثاني: أفعال التحويل.
    فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين، أحدهما: ما يدل على اليقين، وذكر المصنف منها خمسة: رأى، وعلم، ووجد، ودرى، وتعلم، والثاني منهما:.
    __________
    (1) " انصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير ه أنت " بفعل " جار ومجرور متعلق بانصب، وفعل مضاف، و " القلب " مضاف إليه " جزءي " مفعول به لانصب، وجزءي مضاف، و " ابتدا " مضاف إليه " أعني " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " رأى " قصد لفظه: مفعول به لاعني " خال، علمت، وجدا " كلهن معطوفات على رأى بعاطف مقدر.
    (2) " ظن، حسبت، وزعمت " كلهن معطوفات على " رأى " المذكور في البيت السابق بعاطف مقدر فيما عدا الاخير " مع " ظرف متعلق بأعني، ومع مضاف، و " عد " قصد لفظه: مضاف إليه " حجا، درى، وجعل " معطوفات على عد بعاطف مقدر فيما عدا الاخير " اللذ " اسم موصول وهو لغة في الذي صفة لجعل " كاعتقد " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول.
    (3) " وهب، تعلم " معطوفان على " عد " بعاطف محذوف من الثاني " والتي "
    اسم موصول: مبتدأ " كصيرا " جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة التي " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " بها " جار ومجرور متعلق بقوله انصب الآتي " انصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مبتدا " مفعول به لانصب " وخبرا " معطوف على مبتدا، وجملة انصب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (*)
    (1/416)

    ما يدل على الرجحان، وذكر المصنف منها ثمانية: خال، وظن، وحسب، وزعم، وعد، وحجا، وجعل، وهب.
    فمثال رأى قول الشاعر: 117 - رأيت الله أكبر كل شئ محاولة، وأكثرهم جنودا فاستعمل " رأى " فيه لليقين، وقد تستعمل " رأى " بمعنى " ظن " (1)، كقوله تعالى: (إنهم يرونه بعيدا) أي: يظنونه..
    __________
    117 - البيت لخداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة بن بكر ابن هوازن.
    اللغة: " محاولة " تطلق المحاولة على القوة والقدرة، وتطلق على طلب الشئ بحيلة، والمعنى الثاني من هذين لا يليق بجانب الله تعالى " وأكثرهم جنودا " قد لفق الشارج العلامة - تبعا لكثير من النحاة - هذه اللفظة من روايتين: إحداهما رواها أبو زيد، وهي * وأكثرهم عديدا * والثانية رواها أبو حاتم، وهي * وأكثره جنودا *.
    الاعراب: " رأيت " فعل وفاعل " الله " منصوب على التعظيم، وهو المفعول الاول " أكبر " مفعول ثان لرأى، وأكبر مضاف، و " كل " مضاف إليه، وكل مضاف و " شئ " مضاف إليه " محاولة " تمييز " وأكثرهم " الواو عاطفة، أكثر:
    معطوف على " أكبر "، وأكثر مضاف والضمير مضاف إليه " جنودا " تمييز أيضا.
    الشاهد فيه: قوله " رأيت الله أكبر.
    إلخ " فإن رأى فيه دالة على اليقين، وقد نصبت مفعولين، أحدهما لفظ الجلالة، والثاني قوله " أكبر " على ما بيناه في الاعراب.
    (1) تأتي رأى بمعنى علم، وبمعنى ظن، وقد ذكرهما الشارح هنا، وتأتي كذلك بمعنى حلم، أي رأى في منامه وتسمى الحلمية وسيذكرها الناظم بعد، وهي بهذه المعاني الثلاثة تتعدى لمفعولين، وتأتي بمعنى أبصر نحو " رأيت الكواكب "، وبمعنى اعتقد نحو " رأى أبو حنيفة حل كذا " وتأتي بمعنى أصاب رئته وتقول " رأيت محمدا " = (37 - شح ابن عقيل 1) (*)
    (1/417)

    ومثال " علم " " علمت زيدا أخاك " وقول الشاعر: 118 - علمتك الباذل المعروف، فانبعثت إليك بي واجفات الشوق والامل.
    __________
    = تريد ضربته فأصبت رئته، وهي بهذه المعاني الثلاثة تتعدى لمفعول واحد، وقد تتعدى التي بمعنى اعتقد إلى مفعولين، كقول الشاعر: رأى الناس إلا من رأى مثل رأيه خوارج تراكين قصد المخارج وقد جمع الشاعر في هذا البيت بين تعديتها لواحد وتعديتها لاثنين، فأما تعديتها لواحد ففي قوله " رأى مثل رأيه " وأما تعديتها لاثنين ففي قوله " رأى الناس خوارج " هكذا قيل، ولو قلت إن خوارج حال من الناس لم تكن قد أبعدت.
    118 - هذا البيت من الشواهد التي لم ينسبوها لقائل معين.
    اللغة: " الباذل " اسم فاعل من البذل، وهو الجود والاعطاء، وفعله من باب نصر " المعروف " اسم جامع لكل ما هو من خيري الدنيا والآخرة، وفي الحديث " صنائع المعروف تقى مصارع السوء "، " فانبعثت " ثارت ومضت ذاهبة في طريقها
    " واجفات " أراديها دواعي الشوق وأسبابه التي بعثته على الذهاب إليه، وهي جمع واجفة، وهي مؤنث اسم فاعل من الوجيف، وهو ضرب من السير السريع، وتقول: وجف البعير يجف وجفا - بوزان وعد يعد وعدا - ووجيفا، إذا سار، وقد أوجفه صاحبه، وفي الكتاب العزيز (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب).
    الاعراب: " علمتك " فعل وفاعل ومفعول أول " الباذل " مفعول ثان لعلم " المعروف " يجوز جره بالاضافة، ويجوز نصبه على أنه مفعول به للباذل " فانبعثت " الفاء عاطفة، وانبعث: فعل ماض، والتاء للتأنيث " إليك، بي " كل منهما جار ومجرور متعلق بانبعث " واجفات " فاعل بانبعث، وواجفات مضاف و " الشوق " مضاف إليه " والامل " معطوف على الشوق.
    الشاهد فيه: قوله " علمتك الباذل.
    إلخ) فإن علم في هذه العبارة فعل دال على اليقين، وقد نصب به مفعولين: أحدهما الكاف، والثاني قوله الباذل، على ما بيناه في الاعراب.
    = (*)
    (1/418)

    ومثال " وجد " قوله تعالى: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين).
    ومثال " درى " قوله: 119 - دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط فإن اغتباطا بالوفاء حميد.
    __________
    = والذي يدل على أن " علم " في هذا البيت بمعنى اليقين أن المقصود مدح المخاطب واستجداؤه، وذلك يستدعي أن يكون مراده إني أيقنت بأنك جواد كريم تعطي من سألك، فلهذا أسرعت إليك مؤملا جدواك.
    وقد تأتي " علم " بمعنى ظن، ويمثل لها العلماء بقوله تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار).
    وهي - إذا كانت بمعنى اليقين أو الظن - تتعدى إلى مفعولين.
    وقد تأتي بمعنى عرف فتتعدى الواحد، وقد تأتي بمعنى صار أعلم أي مشقوق الشفة العليا فلا تتعدى أصلا.
    119 - وهذا الشاهد - أيضا - لم ينسبوه إلى قائل معين.
    اللغة: " دريت " بالبناء للمجهول - من درى - إذا علم " فاغتبط " أمر من الغبطة، وهي أن تتمنى مثل حال الغير من غير أن تتمنى زوال حاله عنه، وأراد الشاعر بأمره بالاغتباط أحد أمرين، أولهما: الدعاء له بأن يدوم له ما يغبطه الناس من أجله، والثاني: أمره بأن يبقى على اتصافه بالصفات الحميدة التي تجعل الناس يغبطونه.
    المعنى: إن الناس قد عرفوك الرجل الذي يفي إذا عاهد، فيلزمك أن تغتبط بهذا، وتقربه عينا، ولا لوم عليك في الاغتباط به.
    الاعراب: " دريت " درى: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وهو المفعول الاول " الوفي " مفعول ثان " العهد " يجوز جره بالاضافة، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، ورفعه على الفاعلية، لان قوله " الوفي " صفة مشبهة، والصفة يجوز في معمولها الاوجه الثلاثة المذكورة " يا عرو " يا: حرف نداء، وعرو: منادى مرخم بحذف التاء، وأصله عروة " فاغتبط " الفاء عاطفة، اغتبط: فعل = (*)
    (1/419)

    ومثال " تعلم " - وهي التي بمعنى اعلم (1) - قوله: 120 تعلم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر.
    __________
    = أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فإن " الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب " اغتباطا " اسم إن " بالوفاء " جار ومجرور متعلق باغتباط، أو بمحذوف صفة لاغتباط " حميد " خبر " إن " مرفوع بالضمة الظاهرة.
    الشاهد فيه: قوله " دريت الوفي العهد " فإن " درى " فعل دال على اليقين، وقد نصب به مفعولين، أحدهما: التاء التي وقعت نائب فاعل، والثاني هو قوله " الوفي " على ما سبق بيانه.
    هذا، واعلم أن " درى " يستعمل على طريقين، أحدهما: أن يتعدى لواحد بالباء نحو قولك: دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة تعدى بها لواحد ولثان بالباء كما في قوله تعالى: (ولا أدراكم به) والثاني: أن ينصب مفعولين بنفسه كما في بيت الشاهد، ولكنه قليل.
    (1) احترز بقوله " وهي التي بمعنى اعلم " عن التي في نحو قولك: تعلم النحو، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه، أحدها: أن قولك " تعلم النحو " أمر بتحصيل العلم في المستقبل، وذلك بتحصيل أسبابه، وأما قولك " تعلم أنك ناجح " فإنه أمر بتحصيل العلم بما يذكر مع الفعل من المتعلقات في الحال، وثانيهما: أن التي من أخوات ظن تتعدى إلى مفعولين، والاخرى تتعدى إلى مفعول واحد، وثالثها: أن التي من أخوات ظن جامدة غير متصرفة، وتلك متصرفة، تامة التصرف، تقول: تعلم الحساب يتعلمه وتعلمه أنت.
    120 - البيت لزياد بن سيار بن عمرو بن جابر.
    اللغة: " تعلم " اعلم واستيقن " شفاء النفس " قضاء مأربها " لطف " رفق " التحيل " أخذ الاشياء بالحيلة.
    المعنى: اعلم أنه إنما يشفى نفوس الرجال أن يستطيعوا قهر أعدائهم والتغلب عليهم، فيلزمك أن تبالغ في الاحتيال لذلك، لكي تبلغ ما تريد.
    الاعراب: " تعلم " فعل بمعنى اعلم، وهو فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " شفاء " مفعول أول لتعلم، وشفاء مضاف، و " النفس " مضاف إليه " قهر " مفعول ثان لتعلم، وقهر مضاف، وعدو من " عدوها " مضاف إليه، وعدو = (*)
    (1/420)

    وهذه مثل الافعال الدالة على اليقين.
    ومثال الدالة على الرجحان قولك: " خلت زيدا أخاك " وقد تستعمل " خال " لليقين، كقوله: 121 دعاني الغواني عمهن، وخلتني لي اسم، فلا أدعى به وهو أول.
    __________
    = مضاف، وها مضاف إليه " فبالغ " الفاء للتفريع، بالغ: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجولا تقديره أنت " بلطف " جار ومجرور متعلق ببالغ " في التحيل " جار ومجرور متعلق بلطف، أو بمحذوف صفة له " والمكر " معطوف على التحيل.
    الشاهد فيه: قوله " تعلم شفاء النفس قهر عدوها " حيث ورد فيه " تعلم " بمعنى اعلم، ونصب به مفعولين، على ما ذكرناه في الاعراب.
    ثم اعلم أن هذه الكلمة أكثر ما تتعدى إلى " أن " المؤكدة ومعموليها، كما في قول النابغة الذبياني: تعلم أنه لا طير إلا على متطير، وهو الثبور وقول الحارث بن ظالم المرئ: تعلم - أبيت اللعن ! - أني فاتك من اليوم أو من بعده بابن جعفر وكذلك قول الحارث بن عمرو، وينسب لعمرو بن يكرب: تعلم أن خير الناس طرا قتيل بين أحجار الكلاب ويندر أن تنصب مفعولين كل منهما اسم مفرد غير جملة كما في بيت الشاهد.
    121 - هذا البيت للنمر بن تولب العكلي، من قصيدة له مطلعها قوله: تأبد من أطلال جمرة مأسل فقد أقفرت منها سراء فيذبل اللغة: " دعاني الغواني " الغواني: جمع غانية، وهي التي استغنت بجمالها عن الزينة أو هي التي استغنت ببيت أبيها عن الازواج، أو هي اسم فاعل من " غنى بالمكان "
    أي أقام به، ويروى: " دعاني العذارى " والعذارى: جمع عذراء، وهي الجارية البكر، ويروى: " دعاء العذارى " ودعاء - في هذه الرواية - مصدر دعا مضاف إلى فاعله، وعمهن مفعوله.
    = (*)
    (1/421)

    و " ظننت زيدا صاحبك " وقد تستعمل لليقين كقوله تعالى: (وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه) و " حسبت زيدا صاحبك " وقد تستعمل لليقين، كقوله: 122 - حسبت التقى والجود خير تجارة رباحا، إذا ما المرء أصبح ثاقلا.
    __________
    = الاعراب: " دعاني " دعا: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول أول " الغواني " فاعل دعا " عمهن " عم: مفعول ثان لدعا، وعم مضاف والضمير مضاف إليه " وخلتني " فعل وفاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول في كونهما ضميرين متصلين لمسمى واحد وهو المتكلم وذلك من خصائص أفعال القلوب " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " اسم " مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان لخال " فلا " نافية " أدعى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " وهو " الواو واو الحال، وهو: ضمير منفصل مبتدأ " أول " خبر للمبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
    الشاهد فيه: قوله " وخلتني لي اسم " فإن " خال " فيه بمعنى فعل اليقين، وليس هو بمعنى فعل الظن، لانه لا يظن أن لنفسه اسما، بل هو على يقين من ذلك، وقد نصب بهذا الفعل مفعولين، أولهما ضمير المتكلم، وهو الياء، وثانيهما جملة " لي اسم " من المبتدأ والخبر، على ما بيناه في الاعراب.
    122 - هذا البيت للبيد بن ربيعة العامري، من قصيدة طويلة عدتها اثنان وتسعون بيتا، وأولها قوله: كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا وكانت له خبلا على النأى خابلا تربعت الاشراف ثم تصيفت حساء البطاح وانتجعن المسايلا اللغة: " كبيشة " على زنة التصغير اسم امرأة " عاقلا " بالعين المهملة والقاف: اسم جبل، قال ياقوت: " الذي يقتضيه الاشتقاق أن يكون عاقل اسم جبل، والاشعار التي قيلت فيه بالوادي أشبه، ويجوز أن يكون الوادي منسوبا إلى الجبل، لكونه من = (*)
    (1/422)

    ومثال " زعم " قوله: 123 - فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
    __________
    = لحفه " اه " خبلا " الخبل: فساد العقل، ويروى " وكانت له شغلا على النأى شاغلا " وقوله " تربعت الاشراف " معناه: نزلت به في وقت الربيع، والاشراف: اسم موضع، ولم يذكره ياقوت " تصيفت حساء البطاح " نزلت به زمان الصيف، وحساء البطاح: منزل لبني يربوع، وهو بضم باء البطاح كما قال ياقوت، ووهم العيني في ضبطه بكسر الباء لظنه أنه جمع بطحاء " رباحا " بفتح الراء الربح " ثاقلا " ميتا، لان البدن يكون خفيفا ما دامت الروح فيه، فإذا فارقته ثقل.
    المعنى: لقد أيقنت أن أكثر شئ ربحا إذا اتجر فيه الانسان إنما هو تقوى الله تعالى والجود، وإنه ليعرف الربح إذا مات، حيث يرى جزاء عمله حاضرا عنده.
    الاعراب: " حسبت " فعل وفاعل " التقى " مفعول أول " والجود " معطوف على التقى " خير " مفعول ثان لحسبت، وخير مضاف، و " تجارة " مضاف إليه " رباحا " تييز " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " ما " زائدة " المرء " اسم لاصبح
    محذوفة تفسرها المذكورة بعد، وخبرها محذوف أيضا، والتقدير إذا أصبح المرء ثاقلا، والجملة من أصبح المحذوفة ومعموليها في محل جر بإضافة " إذا " إليها " أصبح " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المرء " ثاقلا " خبر أصبح، وهذه الجملة لا محل لها مفسرة.
    الشاهد فيه: قوله " حسبت التقى خبر تجارة إلخ " حيث استعمل الشاعر فيه " حسبت " بمعنى علمت، ونصب به مفعولين، أولهما قوله " التقى " وثانيهما قوله " خير تجارة " على ما بيناه في الاعراب.
    123 - هذا البيت لابي ذؤيب الهذلي اللغة: " أجهل " الجهل هو الخفة والسفه " الحلم " التؤدة والرزانة.
    المعنى: لئن كان يترجح لديك أنى كنت موصوفا بالنزق والطيش أيام كنت أقيم بينكم، فإنه قد تغير عندي كل وصف من هذه الاوصاف، وتبدلت بها رزانة وخلقا كريما.
    =
    (1/423)

    .
    __________
    = الاعراب: " إن " شرطية " تزعميني " فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بحذف النون، وياء المخاطبة فاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول أول " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " أجهل " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة من أجهل وفاعله في محل نصب خبر كان، والجملة من " كان " واسمها وخبرها في محل نصب مفعول ثان لتزعم " فيكم " جار ومجرور متعلق بأجهل " فإني " الفاء واقعة في جواب الشرط، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " شريت " فعل وفاعل، والجملة من شرى وفاعله في محل رفع خبر " إن " والجملة من إن ومعموليها في محل جزم جواب الشرط " الحلم " مفعول به لشريت " بعدك " بعد: ظرف متعلق بشريت، وبعد مضاف والكاف ضمير المخاطبة مضاف إليه " بالجهل "
    جار ومجرور متعلق بشريت.
    الشاهد فيه: قوله " تزعميني كنت أجهل " حيث استعمل المضارع من " زعم " بمعنى فعل الرجحان، ونصب به مفعولين، أحدهما ياء المتكلم، والثاني جملة " كان " ومعموليها، على ما ذكرناه في إعراب البيت.
    واعلم أن الاكثر في " زعم " أن تتعدى إلى معموليها بواسطة " أن " المؤكدة، سواء أكانت مخففة من الثقيلة نحو قوله تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا)، وقوله سبحانه: (بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا) أم كانت مشددة كما في قول عبيد الله بن عتبة: فذق هجرها، قد كنت تزعم أنه رشاد، ألا يا ربما كذب الزعم وكما في قول كثير عزة: وقد زعمت أني تغيرت بعدها ومن ذا الذي يا عز لا يتغير ؟ وهذا الاستعمال مع كثرته ليس لازما، بل قد تتعدى " زعم " إلى المفعولين بغير توسط " أن " بينهما، فمن ذلك بيت الشاهد الذي نحن بصدده، ومنه قول أبي أمية الحنفي، واسمه أوس: زعمتني شيخا، ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا =
    (1/424)

    ومثال " عد " قوله: 124 - فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ولكنما المولى شريكك في العدم.
    __________
    = وزعم الازهري أي " زعم " لا تتعدى إلى مفعوليها بغير توسط " أن " وعنده أن ما ورد مما يخالف ذلك ضرورة من ضرورات الشعر لا يقاس عليها، وهو محجوج بما روينا من الشواهد، وبأن القول بالضرورة خلاف الاصل.
    124 - هذا البيت للنعمان بن بشير، الانصاري، الخزرجي.
    اللغة: " لا تعدد " لا تظن " المولى " يطلق - في الاصل - على عدة معان سبق بيانها (ص 211) والمراد منه هنا الحليف، أو الناصر " العدم " هو هنا بضم العين وسكون الدال الفقر، ويقال: عدم الرجل يعدم - بوزن علم يعلم - وأعدم فهو معدم، إذا افتقر.
    المعنى: لا تظن أن صديقك هو الذي يشاطرك المودة أيام غناك، فإنما الصديق الحق هو الذي يلوذ بك ويشاركك أيام فقرك وحاجتك.
    الاعراب: " فلا " ناهية " تعدد " فعل مضارع مجزوم بلا، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المولى " مفعول أول لتعدد " شريكك " شريك: مفعول ثان لتعدد، وشريك مضاف، والكاف مضاف إليه " في الغنى " جار ومجرور متعلق بشريك " ولكنما " الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك، وما: كافة " المولى " مبتدأ " شريكك " شريك: خبر المبتدأ، وشريك مضاف والكاف مضاف إليه " في العدم " جار ومجرور متعلق بشريك.
    الشاهد فيه: قوله " فلا تعدد المولى شريكك " حيث استعمل المضارع من " عد " بمعنى تظن، ونصب به مفعولين، أحدهما قوله " المولى " والثاني قوله " شريك " على ما سبق بيانه في الاعراب.
    ومثل بيت الشاهد في ذلك قول أبي دواد جارية بن الحجاج: لا أعد الاقتار عدما، ولكن فقد من قد فقدته الاعدام فقوله " أعد " بمعنى أظن، والاقتار: مصدر أقتر الرجل، إذا افتقر، وهو مفعوله الاول، وعدما: مفعول الثاني، ومثله أيضا قول جرير بن عطية: (*) =
    (1/425)

    ومثال " حجا " قوله:
    125 - قد كنت أحجو أبا عمر وأخا ثقة حتى ألمت بنا يوما ملمات.
    __________
    = تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى، لولا الكمي المقنعا فتعدون: بمعنى تظنون، وعقر النيب: مفعوله الاول، وأفضل مجدكم: مفعوله الثاني 125 - هذا البيت نسبه ابن هشام إلى تميم [ بن أبي ] بن مقبل، ونسبه صاحب المحكم إلى أبي شنبل الاعرابي، ونسبه ثعلب في أماليه إلى أعرابي يقال له القنان، ورواه ياقوت في معجم البلدان (1657) أول أربعة أبيات، وبعده قوله: فقلت، والمرء تخطيه عطيته: أدنى عطيته إياي ميئات اللغة: " أحجو " أظن " ألمت " نزلت، والملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدهر المعنى: لقد كنت أظن أبا عمرو صديقا يركن إليه في النوازل، ولكني قد عرفت مقدار مودته، إذ نزلت بي نازلة فلم يكن منه إلا أن نفر مني وأعرض عني ولم يأخذ بيدي فيها.
    الاعراب: " قد " حرف تحقيق " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " أحجو " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " أبا " مفعول أول لاحجو، وأبا مضاف و " عمرو " مضاف إليه " أخا " مفعول ثان لاحجو، وجملة أحجو ومعموليه في محل نصب خبر كان " ثقة " يقرأ بالنصب منونا مع تنوين أخ، فهو حينئذ صفة له، ويقرأ بالجر منونا، فأخا - حينئذ - مضاف، و " ثقة " مضاف إليه، وعلى الاول هو معرب بالحركات، وعلى الثاني هو معرب بالحروف لاستيفائه شروط الاعراب بها " حتى " حرف غاية " ألمت " ألم: فعل ماض، والتاء للتأنيث " بنا " جار ومجرور متعلق بألم " يوما " ظرف زمان متعلق بألم " ملمات " فاعل ألم.
    الشاهد فيه: قوله " أحجو أبا عمرو أخا " حيث استعمل المضارع من " حجا " بمعنى ظن، ونصب به مفعولين، أحدهما " أبا عمرو " والثاني " أخا ثقة ".
    هذا، واعلم أن العيني صرح بأنه لم ينقل أحد من النحاة أن " حجا يحجر " ينصب مفعولين غير ابن مالك رحمه الله.
    (*) =
    (1/426)

    ومثال " جعل " قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا).
    وقيد المصنف " جعل " بكونها بمعنى اعتقد احترازا من " جعل " التي بمعنى " صير " فإنها من أفعال التحويل، لا من أفعال القلوب.
    ومثال " هب " قوله: 126 - فقلت: أجرني أبا مالك، وإلا فهبني امرأ هالكا.
    __________
    = واعلم أيضا أن " حجا " تأتي بمعنى غلب في المحاجاة، وهي: أن تلقى على مخاطبك كلمة يخالف لفظها معناها، وتسمى الكلمة أحجية وأدعية، وتأتي حجا أيضا بمعنى قصد، ومنه قول الاخطل: حجونا بني النعمان إذ عص ملكهم وقبل بني النعمان حاربنا عمرو (عص ملكهم: أي صلب واشتد) وتأتي أيضا بمعنى أقام، ومنه قول عمارة ابن يمن: * حيث تحجى مطرق بالفالق * وقول العجاج: فهن يعكفن به إذا حجا عكف النبيط يلعبون الفنزجا والتي بمعنى غلب في المحاجاة أو قصد تتعدى إلى مفعول واحد، والتي بمعنى أقام في المكان لا تتعدى بنفسها، وإنما تتعدى بالباء، كما رأيت في الشواهد.
    126 - البيت لابن همام السلولي.
    اللغة: " أجرني " اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه، هذا أصله، ثم أريد منه
    لازم ذلك، وهو الغياث والدفاع والحماية " أبا مالك " يروى في مكانه " أبا خالد " " هبني " أي عدني واحسبني.
    المعنى: فقلت أغثني يا أبا مالك، فإن لم تفعل فظن أني رجل من الهالكين.
    الاعراب: " فقلت " فعل وفاعل " أجرني " أجر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والنون للوقاية، والياء مفعول به لاجر " أبا " منادى = (*)
    (1/427)

    ونبه المصنف بقوله: " أعني رأى " على أن أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين وهو " رأى " وما بعده مما ذكره المصنف في هذا الباب، ومنها ما ليس كذلك، وهو قسمان: لازم، نحو " جبن زيد " ومتعد إلى واحد، نحو " كرهت زيدا ".
    هذا ما يتعلق بالقسم الاول من أفعال هذا الباب، وهو أفعال القلوب.
    وأما أفعال التحويل وهي المرادة بقوله: " والتي كصيرا إلى آخره " فتتعدى أيضا إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، وعدها بعضهم سبعة: " صير " نحو " صيرت الطين خزفا " و " جعل " نحو قوله تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) و " وهب " كقولهم " وهبني الله.
    __________
    = بحرف نداء محذوف، وأبا مضاف، و " مالك " مضاف إليه " وإلا " هي إن الشرطية مدغمة في لا النافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله من الكلام، وتقديره: وإن لا تفعل، مثلا " فهبني " الفاء واقعة في جواب الشرط، هب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والنون للوقاية، والياء مفعول أول " امرأ " مفعول ثان لهب " هالكا " نعت لامرئ.
    الشاهد فيه: قوله " فهبني امرأ " فإن " هب " فيه بمعنى فعل الظن، وقد نصب مفعولين، أحدهما ياء المتكلم، وثانيهما قوله " امرأ " على ما أوضحناه في الاعراب.
    واعلم أن " هب " بهذا المعنى فعل جامد لا يتصرف، فلا يجئ منه ماض ولا مضارع، بل هو ملازم لصيغة الامر، فإن كان من الهبة وهي التفضل بما ينفع الموهوب له كان متصرفا تام التصرف، قال الله تعالى: (ووهبنا له إسحاق) وقال سبحانه: (يهب لمن يشاء إناثا) وقال: (هب لي حكما).
    واعلم أيضا أن الغالب على " هب " أن يتعدى إلى مفعولين صريحين كما في البيت الشاهد، وقد يدخل على " أن " المؤكدة ومعموليها، فزعم ابن سيده والجرمي أنه لحن، وقال الاثبات من العلماء المحققين: ليس لحنا، لانه واقع في فصيح العربية، وقد روى ؟ حديث عمر " هب أن أبانا كان حمارا "، وهو مع فصاحته قليل.
    (1/428)

    فداك " أي صيرني، و " تخذ " كقوله تعالى: (لتخذت عليه أجرا) و " اتخذ " كقوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) و " ترك " كقوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) وقول الشاعر: 127 - وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه.
    __________
    127 - البيت لفرعان بن الاعرف - ويقال: هو فرعان بن الاصبح بن الاعرف أحد بني مرة، ثم أحد بني نزار بن مرة، من كلمة له يقولها في ابنه منازل، وكان له عاقا، والبيت من أبيات رواها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي: 4 - 18 بتحقيقنا) وأول ما رواه صاحب الحماسة منها قوله: جزت رحم بيني وبين منازل جزاء كما يستنزل الدر حالبه لربيته حتى إذ آض شيظما يكاد يساوي غارب الفحل غاربه فلما رآني أبصر الشخص أشخصا قريبا، وذا الشخص البعيد أقاربه تغمط حقي باطلا، ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه اللغة: " واستغنى عن المسح شاربه " كناية عن أنه كبر، واكتفى بنفسه، ولم
    تعد به حاجة إلى الخدمة.
    الاعراب: " ربيته " فعل وفاعل ومفعول " حتى " ابتدائية " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " تركته " فعل ماض وفاعله ومفعوله الاول، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " أخا " مفعول ثان لترك، وأخا مضاف، و " القوم " مضاف إليه " واستغنى " فعل ماض " عن المسح " جار ومجرور متعلق باستغنى " شاربه " شارب: فاعل استغنى، وشارب مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " تركته أخا القوم " حيث نصب فيه ب " ترك " مفعولين، لانه في معنى فعل التصيير، أحدهما الهاء التي هي ضمير الغائب، وثانيهما قوله " أخا القوم "، وقد أوضحناهما في الاعراب، هذا، وقد قال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة: إن " أخا القوم " حال من الهاء في " تركته " وساغ وقوعه حالا مع كونه معرفة، لانه مضاف إلى المحلى بأل والحال لا يكون إلا نكرة، لانه لا يعني قوما بأعيانهم، ولا (*) =
    (1/429)

    و " رد " كقوله: 128 - رمى الحدثان نسوة آل حرب بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضا ورد وجوههن البيض سودا * * *
    __________
    = يخص قوما دون قوم، وإنما عنى أنه تركه قويا مستغنيا لاحقا بالرجال، اه بإيضاح، وعليه لا استشهاد في البيت، ولكن الذي عليه الجماعة أولى بالنظر والاعتبار.
    128 - البيتان لعبد الله بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء الاسدي، وهما مطلع كلمة له اختارها أبو تمام في ديوان الحماسة، وقد رواها أبو علي القالي في ذيل أماليه (ص 151) ولكنه نسبها إلى الكميت بن معروف الاسدي، وروى ابن قتيبة في عيون الاخبار (2 / 676) البيتين اللذين استشهد بهما الشارح ونسبهما إلى فضالة
    ابن شريك، والمعروف المشهور هو ما ذكره أبو تمام (انظر التبريزي 2 / 494) وبعد البيتين قوله: فإنك لو رأيت بكاء هند ورملة إذ تصكان الخدودا سمعت بكاء باكية وباك أبان الدهر واحدها الفقيدا اللغة: " الحدثان " جعله العيني عبارة عن الليل والنهار، وكأنه حسبه مثنى، وإنما الحدثان - بكسر فسكون - نوازل الدهر وحوادثه " سمدن " من باب قعد - أي حزن وأقمن متحيرات، وتوهمه العيني مبنيا للمجهول " فرد وجوههن إلخ " يريد أنه قد صير شعورهن بيضا من شدة الحزن ووجوههن سودا من شدة اللطم، ويشبه هذا ما روى أن العريان بن الهيثم دخل على عبد الملك بن مروان، فسأله عن حاله، فقال: ابيض مني ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض.
    يريد ابيض شعره وكبرت سنه وذهبت نضارة وجهه ورونق شبابه، فصار أسود كابيا.
    الاعراب: " رمى " فعل ماض " الحدثان " فاعل رمى " نسوة " مفعول به لرمي، ونسوة مضاف و " آل " مضاف إليه، وآل مضاف، و " حرب " مضاف إليه " بمقدار " جار ومجرور متعلق برمى " سمدن " فعل وفاعل " له " جار ومجرور (*) =
    (1/430)

    وخص بالتعليق والالغاء ما من قبل هب، والامر هب قد ألزما (1) كذا تعلم، ولغير الماض من سواهما اجعل كل ماله زكن (2).
    __________
    = متعلق بسمد " سمودا " مفعول مطلق مؤكد لعامله " فرد " الفاء عاطفة، رد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحدثان " شعورهن " شعور: مفعول به أول لرد، وشعور مضاف وضمير النسوة مضاف إليه " السود " صفة لشعور " بيضا " مفعول ثان لرد، ورد وجوههن البيض سودا " مثل الجملة السابقة.
    الشاهد فيه: قوله " فرد شعورهم إلخ "، وقوله " ورد وجوههن إلخ "
    حيث استعمل " رد " في معنى التصيير والتحويل، ونصب به في كل واحد من الموضعين مفعولين.
    (1) " وخص " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالتعليق " جار ومجرور متعلق بخص " والالغاء " معطوف على التعليق " ما " اسم موصول: مفعول به لخص، مبني على السكون في محل نصب، ويجوز أن يكون خص فعلا ماضيا مبنيا للمجهول، وعليه يكون " ما " اسما موصولا مبنيا على السكون في محل رفع نائب فاعل لخص، ولعل هذا أولى، لان الجملة المعطوفة على هذه الجملة خبرية " من قبل " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما، وقبل مضاف و " هب " قصد لفظه: مضاف إليه " والامر " الواو حرف عطف، الامر - بالنصب - مفعول ثان مقدم على عامله.
    وهو " ألزم " الآتي " هب " قصد لفظه: مبتدأ " قد " حرف تحقيق " ألزما " ألزم: فعل ماض مبني للمجهول.
    والالف للاطلاق، ونائب الفاعل - وهو مفعوله الاول - ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على هب، والجملة من ألزم ومعمولاته في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " تعلم " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " ولغير " الواو عاطفة، لغير: جار ومجرور متعلق بقوله " اجعل " الآتي، وغير مضاف، و " الماض ": مضاف إليه " من سواهما " الجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لغير، وسوى مضاف، والضمير مضاف إليه " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كل " مفعول به لاجعل، وكل مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بزكن الآتي " زكن " (*) =
    (1/431)

    تقدم أن هذه الافعال قسمان، أحدهما: أفعال القلوب، والثاني: أفعال التحويل.
    فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى: متصرفة، وغير متصرفة.
    فالمتصرفة: ما عدا " هب، وتعلم " فيستعمل منها الماضي، نحو " ظننت زيدا قائما " وغير الماضي - وهو المضارع، نحو " أظن زيدا قائما " والامر، نحو " ظن زيدا قائما " واسم الفاعل، ونحو " أنا ظان زيدا قائما " واسم المفعول، نحو " زيد مظنون أبوه قائما " فأبوه: هو المفعول الاول، ارتفع لقيامه مقام الفاعل، و " قائما " المفعول الثاني، والمصدر، نحو " عجبت من ظنك زيدا قائما " - ويثبت لها كلها من العمل وغيره ما ثبت للماضي.
    وغير المتصرف اثنان - وهما: هب، وتعلم، بمعنى اعلم - فلا يستعمل منهما إلا صيغة الامر، كقوله: تعلم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر [ 120 ] (1) وقوله: فقلت: أجرني أبا مالك وإلا فهبني امرأ هالكا [ 126 ] (2) واختصت القلبية ا لمتصرفة بالتعليق والالغاء (3)، فالتعليق هو: ترك العمل.
    __________
    = فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من زكن ونائب نائب فاعله لا محل لها صلة الموصول.
    (1) ارجع إلى شرح هذا البيت في (ص 420) وهو الشاهد 12 ؟.
    (2) قد شرحنا هذا الشاهد آنفا، فارجع إليه في (ص 427) وهو الشاهد 126.
    (3) هذه العبارة موهمة " أن التعليق والالغاء لا يجري واحد منهما في غير أفعال القلوب إلا ما استثناه، وليس كذلك، بل يجري التعليق في أنواع من الافعال سنذكرها لك فيما بعد، وعلى هذا يكون معنى كلام الناظم والشارح أن الالغاء والتعليق معا مما (*) =
    (1/432)

    لفظا دون معنى لمانع، نحو " ظننت لزيد قائم "، فقولك " لزيد قائم " لم تعمل فيه " ظننت " لفظا، لاجل المانع لها من ذلك، وهو اللام، ولكنه في موضع نصب، بدليل أنك لو عطفت عليه لنصبت، نحو " ظننت لزيد قائم وعمرا منطلقا "، فهي عاملة في " لزيد قائم " في المعنى دون اللفظ (1).
    والالغاء هو: ترك العمل لفظا ومعنى، لا لمانع، نحو " زيد ظننت قائم " فليس ل " ظننت " عمل في " زيد قائم ": لا في المعنى، ولا في اللفظ.
    ويثبت للمضارع وما بعده من التعليق وغيره ما ثبت للماضي، نحو " أظن لزيد قائم " و " زيد أظن قائم " وأخواتها..
    __________
    = يختص بأفعال القلوب دون جميع ما عداها من الافعال، وهذا لا ينافي أن واحدا منهما بمفرده قد يجري في غير أفعال هذا الباب، وهو التعليق.
    ثم إن التعليق يجري في أربعة أنواع من الفعل: (الاول) كل فعل شك لا ترجيح فيه لاحد الجانبين على الآخر، نحو: شككت أزيد عندك أم عمرو، ونسيت أإبراهيم مسافر أم خالد، وترددت أكان معي خالد أمس أم لم يكن (والثاني) كل فعل يدل على العلم، نحو: تبينت أصادق أنت أم كاذب، واتضح لي أمجتهد أنت أم مقصر (النوع الثالث) كل فعل يطلب به العلم نحو: فكرت أتقيم أم تسافر، وامتحنت عليا أيصبر أم يجزع، وبلوت إبراهيم أيشكر الصنيعة أم يكفرها، وسألت أتزورنا غدا أم لا، واستفهمت أمقيم أنت أم راحل (الرابع) كل فعل من أفعال الحواس الخمس، نحو: لمست، وأبصرت، واستمعت، وشممت، وذقت.
    (1) مثل ذلك قول كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة: وما كنت أدري قبل عزة ما البكى ولا موجعات القلب حتى نولت فأنت ترى أنه عطف " موجعات القلب " بالواو على جملة " ما البكى " التي علق عنها " أدري " بسبب " ما " الاستفهامية.
    وقد أتى بالمعطوف منصوبا بالكسرة نيابة عن
    الفتحة لانه جمع مؤنث سالم.
    (*)
    (1/433)

    وغير المتصرفة لا يكون فيها تعليق ولا إلغاء، وكذلك أفعال التحويل، نحو " صير " وأخواتها.
    * * * وجوز الالغاء، لا في الابتدا، وانو ضمير الشأن، أو لام ابتدا (1) في موهم إلغاء ما تقدما والتزم التعليق قبل نفي " ما " [ (2) ] ؟ و " إن " و " لا "، لام ابتداء، أو قسم، كذا، والاستفهام ذا له انحتم (2).
    __________
    (1) " وجوز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الالغاء " مفعول به لجوز " لا " حرف عطف " في الابتدا " جار ومجرور معطوف على محذوف، والتقدير: جوز الالغاء في التوسط وفي التأخر لا في الابتداء " وانو " الواو حرف عطف، انو: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ضمير " مفعول به لانو، وضمير مضاف، و " الشأن " مضاف إليه " أو " عاطفة " لام " معطوف على ضمير، ولام مضاف، و " ابتدا " مضاف إليه وقد قصره للضرورة.
    (2) " في موهم " جار ومجرور متعلق بانو في البيت السابق، وفاعل " موهم " ضمير مستتر فيه " إلغاء " مفعول به لموهم، وإلغاء مضاف، وما اسم موصول مضاف إليه " تقدما " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة والجملة من تقدم وفاعله لامحل لها صلة ما الموصولة " والتزم " فعل ماض مبني للمجهول " التعليق " نائب فاعل لالتزم " قبل " ظرف متعلق بالتزم، وقبل مضاف و " نفي " مضاف إليه، ونفي مضاف، و " ما " قصد لفظه مضاف إليه.
    (3) " وإن، ولا " معطوفان على " ما " في البيت السابق " لام " مبتدأ، ولام
    مضاف و " ابتداء " مضاف إليه " أو " عاطفة " قسم " معطوف على ابتداء " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " والاستفهام " مبتدأ أول " ذا " اسم إشارة: مبتدأ ثان " له " جار ومجرور متعلق بانحتم الآتي " انحتم " فعل ماض، (*) =
    (1/434)

    يجوز إلغاء هذه الافعال المتصرفة إذا وقعت في غير الابتداء، كما إذا وقعت وسطا، نحو " زيد ظننت قائم " أو آخرا، نحو " زيد قائم ظننت " (1)، وإذا توسطت، فقيل: الاعمال والالغاء سيان، وقيل: الاعمال أحسن من الالغاء، وإن تأخرت فالالغاء أحسن، وإن تقدمت امتنع الالغاء عند البصريين، فلا تقول: " ظننت زيد قائم " بل يجب الاعمال، فتقول: " ظننت زيدا قائما " فإن جاء من لسان العرب ما يوهم إلغاءها متقدمة أول على إضمار ضمير الشأن، كقوله: 129 - أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل.
    __________
    = وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الاشارة، والجملة من انحتم وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
    (1) ظاهر هذه العبارة أن الالغاء جائز في كل حال، ما دام العامل متوسطا أو متأخرا، وليس كذلك، بل للالغاء - مع ذلك - ثلاثة أحوال: حال يجب فيه، وحال يمتنع فيه، وحال يجوز فيه، فأما الحال الذي يجب فيه الالغاء فله موضعان: أحدهما أن يكون العامل مصدرا مؤخرا نحو قولك: عمرو مسافر ظني، فلا يجوز الاعمال ههنا، لان المصدر لا يعمل متأخرا، وثانيهما: أن يتقدم المعمول وتقترن به أداة تستوجب التصدير، نحو قولك: لزيد قائم ظننت، وأما الحال الذي يمتنع فيه الالغاء فله موضع واحد، وهو: أن يكون العامل منفيا، نحو قولك: زيدا قائما لم أظن، فلا يجوز هنا أن تقول: زيد قائم لم أظن، لئلا يتوهم أن صدر الكلام مثبت،
    ويجوز الالغاء والاعمال فيما عدا ذلك.
    129 - هذا البيت لكعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدته التي يمدح بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، متيم إثرها، لم يفد مكبول (وما) ؟ سعاد غداة البين إذ رحلت إلا أغن غضيض الطرف مكحول = (*)
    (1/435)

    فالتقدير " وما إخاله لدينا منك تنويل " فالهاء ضمير الشأن، وهي المفعول الاول، و " لدينا منك تنويل " جملة في موضع المفعول الثاني، وحينئذ فلا إلغاء، أو على تقدير لام الابتداء، كقوله:.
    __________
    = اللغة: " بانت " بعدت، وفارقت " متبول " اسم مفعول من تبله الحب: أي أضناه وأسقمه " متيم " اسم مفعول من تيمه الحب بالتضعيف إذا ذلله وقهره وعبده " إثرها " بعدها، وهو ظرف متعلق بمتيم " يفد " أصله من قولهم: فدى فلان الاسير يفديه فداء، إذا دفع لآسريه جزاء إطلاقه " مكبول " اسم مفعول مأخوذ من قولهم: كبل فلان الاسير، إذا وضع فيه الكبل، وهو القيد " تدنو " تقرب " تنويل " عطاء.
    الاعراب: " أرجو " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " وآمل " مثله " أن " مصدرية " تدنو " فعل مضارع منصوب بأن، وسكنت الواو ضرورة " مودتها " مودة: فاعل تدنو، ومودة مضاف وها: مضاف إليه " وما " نافية " إخال " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " لدينا " لدى: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ولدى مضاف ونا مضاف إليه " منك " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه تنويل " تنويل " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان لاخال، والمفعول الاول ضمير شأن محذوف.
    الشاهد فيه: قوله " وما إخال لدينا منك تنويل " فإن ظاهره أنه ألغى " إخال " مع كونها متقدمة، وليس هذا الظاهر مسلما، فإن مفعولها الاول مفرد محذوف هو ضمير الشأن ومفعولها الثاني جملة " لدينا تنويل منك " كما قررناه في إعراب البيت.
    وهذا أحد توجيهات في البيت، وهو الذي ذكره الشارح، وفيه توجيه ثان، وحاصله أن " ما " موصولة مبتدأ، وقوله " تنويل " خبرها، و " إخال " عاملة في مفعولين أحدهما ضمير غيبة محذوف، وهو العائد على " ما " والثاني هو متعلق قوله " لدينا " والتقدير: والذي إخاله كائنا لدينا منك هو تنويل.
    وفيه توجيهات أخرى لا تتسع لها هذه العجالة.
    (*)
    (1/436)

    130 - كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الادب التقدير: " أني وجدت لملاك الشيمة الادب " فهو من باب التعليق، وليس من باب الالغاء في شئ..*
    __________
    130 - هذا البيت مما اختاره أبو تمام في حماسته، ونسبه إلى بعض الفزاريين ولم يعينه (وانظر شرح التبريزي على الحماسة 3 / 147 بتحقيقنا).
    اللغة: " كذاك أدبت " الكاف في مثل هذا التعبير اسم بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف، واسم الاشارة يراد به مصدر الفعل المذكور بعده، وتقدير الكلام: تأديبا مثل ذلك التأديب، وذلك التأديب هو الذي ذكره في البيت السابق عليه، وهو قوله: أكنيه حين أناديه لاكرمه ولا ألقبه، والسوأة اللقب " ملاك " بزنة كتاب - قوام الشئ وما يجمعه " الشيمة " الخلق، وجمعها شيم
    كقيمة وقيم.
    الاعراب: " كذاك " الكاف اسم بمعنى مثل نعت لمحذوف، واسم الاشارة مضاف إليه، أو الكاف جارة لمحل اسم الاشارة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لادبت، والتقدير على كل حال: تأديبا مثل هذا التأديب أدبت " أدبت " أدب: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء ضمير المتكلم نائب فاعل " حتى " ابتدائية " صار " فعل ماض ناقص " من خلقي " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر صار مقدم، وخلق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " أني " أن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " وجدت " فعل وفاعل، والجملة من وجد وفاعله في محل رفع خبر أن، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر اسم صار " ملاك " مبتدأ، وملاك مضاف و " الشيمة " مضاف إليه " الادب " خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب سدت مسد مفعولي وجد، على تقدير لام ابتداء علقت هذا الفعل عن العمل في لفظ جزأى هذه الجملة، والاصل: وجدت لملاك الشيمة الادب، أو الجملة في محل نصب مفعول ثان لوجد، ومفعوله الاول ضمير شأن محذوف، وأصل الكلام: وجدته (أي الحال والشأن) ملاك الشيمة الادب.
    (*) =
    (1/437)

    وذهب الكوفيون - وتبعهم أبو بكر الزبيدي وغيره - إلى جواز إلغاء المتقدم، فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين.
    وإنما قال المصنف: " وجوز الالغاء " لينبه على الالغاء ليس بلازم، بل هو جائز، فحيث جاز الالغاء جاز الاعمال كما تقدم، وهذا بخلاف التعليق [ فإنه لازم، ولهذا قال: " والتزم التعليق " ] فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل " ما " النافية، نحو " ظننت ما زيد قائم ".
    أو " إن " النافية، نحو " علمت إن زيد قائم " ومثلوا له بقوله تعالى:
    (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا)، وقال بعضهم: ليس هذا من باب التعليق في شئ، لان شرط التعليق أنه إذا حذف المعلق تسلط العامل على ما بعده فينصب مفعولين، نحو " ظننت ما زيد قائم "، فلو حذفت " ما " لقلت: " ظننت زيدا قائما " والآية الكريمة لا يتأتى فيها ذلك، لانك لو حذفت المعلق - وهو " إن " - لم يتسلط " تظنون " على " لبثتم "، إذ لا يقال: وتظنون لبثتم، هكذا زعم هذا القائل، ولعله مخالف لما هو كالمجمع عليه من أنه لا يشترط في التعليق هذا الشرط الذي ذكره وتمثيل النحويين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " وجدت ملاك الشيمة الادب " فإن ظاهره أنه ألغى " وجدت " مع تقدمه، لانه لو أعمله لقال " وجدت ملاك الشيمة الادبا " بنصب " ملاك " و " الادب " على أنهما مفعولان، ولكنه رفعهما، فقال الكوفيون: هو من باب الالغاء والالغاء جائز مع التقدم مثل جوازه مع التوسط والتأخر، وقال البصريون: ليس كذلك، بل هو إما من باب التعليق، ولام الابتداء مقدرة الدخول على " ملاك " وإما من باب الاعمال، والمفعول الاول ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مفعول ثان، على ما بيناه في إعراب البيت، والمنصف الذي يعرف مواطن الحق يدرك ما في هذين التأويلين من التكلف.
    (*)
    (1/438)

    وكذلك يعلق الفعل إذا وقع بعده " لا " النافية، نحو " ظننت لا زيد قائم ولا عمرو " أو لام الابتداء، نحو " ظننت لزيد قائم " أو لام القسم، نحو " علمت ليقومن زيد " ولم يعدها أحد من النحويين من المعلقات (1)، أو الاستفهام، وله صور ثلاث، أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام، نحو " علمت أيهم أبوك "، الثانية: أن يكون مضافا إلى اسم استفهام، نحو
    " علمت غلام أيهم أبوك "، الثالثة: أن تدخل عليه أداة الاستفهام، نحو " علمت أزيد عندك أم عمرو " ؟ و " علمت هل زيد قائم أم عمرو " ؟.
    * * *.
    __________
    (1) قد ذهب إلى أن لام القسم معلقة للفعل عن العمل في لفظ الجملة - مع بقاء الفعل على معناه - قوم: منهم الاعلم الشنتمري، وتبعه الناظم، وابنه، وابن هشام الانصاري في أغلب كتبه، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) وبقول الشاعر: ولقد علمت لتأتين منيتي لا بعدها خوف علي ولا عدم وبقول لبيد بن ربيعة: ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها وذهب سيبويه - رحمه الله ! - وتبعه المحقق الرضي، وجمهرة النحاة، إلى أن " علم " في هذه الشواهد كلها قد خرجت عن معناها الاصلي، ونزلت منزلة القسم، وما بعدها جملة لا محل لها من الاعراب جواب القسم الذي هو علمت، وحينئذ تخرج عما نحن بصدده، فلا تقتضي معمولا، ولا تتصف بإلغاء ولا تعليق ولا إعمال، قال سيبويه (ج 1 ص 256 254) " هذا باب الافعال في القسم.
    وقال لبيد * ولقد علمت لتأتين * كأنه قال: والله لتأتين منيتي، كما قال: لقد علمت لعبد الله خير منك " اه.
    وقال المحقق الرضي (ج 2 ص 261: " وأما قوله * ولقد علمت لتأتين * فإنما أجرى لقد علمت معنى التحقيق " اه.
    (*)
    (1/439)

    لعلم عرفان وظن تهمه تعدية لواحد ملتزمه (1) إذا كانت " علم " بمعنى عرف تعدت إلى مفعول واحد، كقولك: " علمت زيدا " أي: عرفته، ومنه قوله تعالى: (والله أخرجكم من بطون
    أمهاتكم لا تعلمون شيئا).
    وكذلك إذا كانت " ظن " بمعنى اتهم تعدت إلى مفعول واحد، كقولك: ظننت زيدا " أي: اتهمته، ومنه قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين) أي: بمتهم.
    * * * ولرأى الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى (2) إذا كانت رأى حلمية (3) - أي: للرؤيا في المنام - تعدت إلى المفعولين كما تتعدى إليهما " علم " المذكورة من قبل، وإلى هذا أشار بقوله: " ولرأى.
    __________
    (1) " لعلم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعلم مضاف و " عرفان " مضاف إليه " وظن " معطوف على علم، وظن مضاف و " تهمة " مضاف إليه " تعدية " مبتدأ مؤخر " لواحد " جار ومجرور متعلق بتعدية " ملتزمة " نعت لتعدية.
    (2) " لرأى " جار ومجرور متعلق بانم، ورأى المقصود لفظه مضاف و " الرؤيا " مضاف إليه " انم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ما " اسم موصول: مفعول به لانم " لعلما " جار ومجرور متعلق بانتمى " طالب " حال من علم، وطالب مضاف و " مفعولين " مضاف إليه " من قبل " جار ومجرور متعلق بانتمى " انتمى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من انتمى وفاعله ومتعلقاته لا محل لها صلة الموصول: أي انسب لرأى الرؤيا ما انتسب لعلم حال كونه طالب مفعولين.
    (3) " حلمية " هو بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها - نسبة إلى الحلم - بوزان قفل أو عنق - وهو مصدر حلم يحلم، مثل قتل يقتل إذا رأى في منامه شيئا.
    (*)
    (1/440)

    الرؤيا انم " أي: انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا ما نسب لعلم المتعدية إلى
    اثنين، فعبر عن الحلمية بما ذكر، لان " الرؤيا " وإن كانت تقع مصدرا لغير " رأى " الحلمية، فالمشهور كونها مصدرا لها (1)، ومثال استعمال " رأى " الحلمية متعدية إلى اثنين قوله تعالى: (إني أراني أعصر خمرا)، فالياء مفعول أول، و " أعصر خمرا " جملة في موضع المفعول الثاني، وكذلك قوله: 131 - أبو حنش يؤرقني، وطلق، وعمار، وآونة أثالا أراهم رفقتي، حتى إذا ما تجافى الليل وانخزل انخزالا إذا أنا كالذي يجري لورد إلى آل، فلم يدرك بلالا فالهاء والميم في " أراهم ": المفعول الاول، و " رفقتي " هو المفعول الثاني.
    * * *.
    __________
    (1) المشهور عند علماء اللغة أنك تقول: رأيت رؤيا صالحة، إذا كنت تريد أنك أبصرت بعينك في حال يقظتك، وبعض أهل اللغة يوجبون ذلك، ولا يجيزون خلافه، وبعضهم يجيز أن تقول: رأيت رؤيا - بالالف - وأنت تريد معنى أبصرت في حال اليقظة ويستشهدون على صحة ذلك بقول الراعي: فكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشر قلبا كان جما بلابله ومع أنهم جوزوا ذلك، واستدلوا لصحته، ليس في مكنتهم أن يدعوا كثرته، بل الكثير المشهور المتعارف هو ما ذكرناه أولا، ولهذا كان قول الناظم: " ولرأى الرؤيا " إشارة إلى رأى الحلمية.
    131 - هذه الابيات لعمرو بن أحمر الباهلي، من قصيدة له يندب فيها قومه ويبكيهم، وأولها قوله: أبت عيناك إلا أن تلحا وتحتالا بما بهما احتيالا كأنهما سعينا مستغيث يرجي طالعا بهما ثقالا وهي خرزاهما، فالماء يجري خلالهما، وينسل انسلالا = (*)
    (1/441)

    ...
    __________
    = على حيين في عامين شتى فقد عنى طلابهما وطالا فأية ليلة تأتيك سهوا فتصبح لا ترى فيهم خيالا والبيت الاول من ثلاثة الابيات التي رواها الشارح قد استشهد به سيبويه (ج 1 ص 243) في باب الترخيم في غير النداء للضرورة، وستعرف وجه ذلك فيما يلي في الاعراب.
    اللغة: " تلحا " من قولهم " ألح السحاب " إذا دام مطره، يريد أن تدوما على البكاء " سعينا مستغيث " سعينا: مثنى سعين، وهو تصغير سعن - بوزن قفل - وهي القربة تقطع من نصفها لينبذ فيها، وربما اتخذت دلوا يستقى بها، والمستغيث: طالب الغيث وهو المطر " على حيين " متعلق بقوله تلحا، يقول: امتنعت عيناك عن كل شئ إلا أن يدوم بكاؤهما على حيين " وهي " ضعف أو انشق " أبو حنش، وطلق، وعمار، وأثالا " أعلام رجال " تجافى الليل وانخزل انخزالا " كنايتان عن الظهور، وبيان ما كان مبهما من أمر هؤلاء " آل " هو السراب وما تراه وسط النهار كأنه ماء وليس بماء " بلالا " - بزنة - كتاب - ما تبل به حلقك من الماء وغيره " آونة " جمع أوان، مثل زمان وأزمنة ومكان وأمكنة، والاوان والزمان بمعنى واحد " رفقتي " بضم الراء أو كسرها جمع رفيق " لورد " بكسر الواو وسكون الراء إتيان الماء.
    الاعراب: " أبو حنش " مبتدأ، وجملة " يؤرقني " في محل رفع خبر المبتدأ " وعمار " وسائر الاعلام معطوفات على " أبو حنش "، وقد رخم " أثال " في غير النداء ضرورة، وأصله أثالة ولم يكتف بترخيمه بحذف آخره، بل جعل إعرابه على الحرف المحذوف، وأبقى الحرف الذي قبله على ما كان عليه، فهو مرفوع بضمة ظاهرة على الحرف المحذوف للترخيم " أراهم " أرى: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والضمير المتصل البارز مفعول أول " رفقتي " رفقة: مفعول ثان
    لارى، ورفقة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " أراهم رفقتي " حيث أعمل " أرى " في مفعولين أحدهما الضمير البارز المتصل به، والثاني قوله " رفقتي " ورأى بمعنى حلم: أي رأى في منامه، وقد أجريت مجرى " علم "، وإنما عملت مثل عملها لان بينهما تشابها، لان الرؤيا إدراك بالحس الباطن، فلذا أجريت مجراه.
    (*)
    (1/442)

    ولا تجز هنا بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول (1) لا يجوز في هذا الباب سقوط المفعولين، ولا سقوط أحدهما، إلا إذا دل دليل على ذلك.
    فمثال حذف المفعولين للدلالة أن يقال: " هل ظننت زيدا قائما " ؟ فتقول: " ظننت "، التقدير: " ظننت زيدا قائما " فحذفت المفعولين لدلالة ما قبلهما عليهما، ومنه قوله: 132 - بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارا علي وتحسب ؟ أي: " وتحسب حبهم عارا علي " فحذف المفعولين - وهما: " حبهم "، و " عارا على " - لدلالة ما قبلهما عليهما..
    __________
    (1) " ولا " ناهية " تجز " فعل مضارع مجزوم بلا، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " هنا " ظرف مكان متعلق بتجز " بلا دليل " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير ظهر إعرابه على ما بعده، بطريق العارية، وهو مجرور محلا بالباء، والجار والمجرور متعلق بتجز، ولا مضاف و " دليل " مضاف إليه " سقوط " مفعول به لتجز، وسقوط مضاف و " مفعولين " مضاف إليه " أو مفعول " معطوف على مفعولين.
    132 - البيت للكميت بن زيد الاسدي، من قصيدة هاشمية يمدح فيها آل الرسول
    صلى الله عليه وسلم، وأولها قوله: طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب، ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب ؟ ولم يلهني دار ولا رسم منزل ولم يتطربني بنان مخضب اللغة: " ترى حبهم " رأى ههنا من الرأى بمعنى الاعتقاد، مثل أن تقول: رأى أبو حنيفة حل كذا، ويمكن أن تكون رأى العلمية بشئ من التكلف " عارا " العار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة، وتقول: عيرته كذا، ولا تقل: عيرته بكذا، فهو يتعدى إلى المفعولين بنفسه وفي لامية السموأل قوله، وفيه دلالة غير قاطعة: = (*)
    (1/443)

    ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال: " هل ظننت أحدا قائما " ؟ فتقول: " ظننت زيدا " أي: ظننت زيدا قائما، فتحذف الثاني للدلالة عليه، ومنه قوله: 133 - ولقد نزلت - فلا تظني غيره - مني بمنزلة المحب المكرم أي: " فلا تظني غيره واقعا " ف " غيره " هو المفعول الاول، و " واقعا " هو المفعول الثاني..
    __________
    = تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل ومن نقله اللغة من أجاز أن تقول: عيرته بكذا، ولكنه قليل " وانظر شرح الحماسة 1 - 232 بتحقيقنا) " وتحسب " أي تظن، من الحسبان.
    الاعراب: " بأي " جار ومجرور متعلق بقوله " ترى " الآتي، وأي مضاف و " كتاب " مضاف إليه " أم " عاطفة " بأية " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور الاول، وأية مضاف، و " سنة " مضاف إليه " ترى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حبهم " حب: مفعول أول لترى، وحب مضاف
    وهم: مضاف إليه " عارا " مفعول ثان لترى، سواء أجعلت رأى اعتقادية أم جعلتها علمية، ويجوز على الاول جعله حالا " علي " جار ومجرور متعلق بعار، أو بمحذوف صفة له " وتحسب " الواو عاطفة، تحسب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعولاه محذوفان يدل عليهما الكلام السابق، والتقدير " وتحسب حبهم عارا علي ".
    الشاهد فيه: قوله " وتحسب " حيث حذف المفعولين لدلالة سابق الكلام عليهما كما أوضحناه في الاعراب، وبينه الشارح.
    133 - هذا البيت لعنترة بن شداد العبسي، من معلقته المشهورة التي مطلعها: هل غادر الشعراء من متردم ؟ أم هل عرفت الدار بعد توهم ؟ اللغة: " غادر " ترك " متردم " بزنة اسم المفعول وهو في الاصل اسم مكان = (*)
    (1/444)

    وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحويين.
    فإن لم يدل دليل على الحذف لم يجز: لا فيهما، ولا في أحدهما، فلا تقول: " ظننت "، ولا " ظننت زيدا "، ولا " ظننت قائما " تريد " ظننت زيدا قائما ".
    * * * وكتظن اجعل " تقول " إن ولي مستفهما به ولم ينفصل (1)
    __________
    = من قولك: ردمت الشئ، إذا أصلحته، ويروى " مترنم " بالنون - وهو صوت خفي ترجعه بينك وبين نفسك، يريد هل أبقى الشعراء معنى إلا سبقوك إليه ؟ ! وهل يتهيأ لك أو لغيرك أن تجئ بشئ جديد ؟ " المحب " اسم مفعول من أحب، وهو القياس، ولكنه قليل في الاستعمال، والاكثر أن يقال في اسم المفعول: محبوب، أو حبيب، مع أنهم هجروا الفعل الثلاثي، وفي اسم الفاعل قالوا: محب، من الفعل المستعمل
    الذي هو المزيد فيه.
    المعنى: أنت عندي بمنزلة المحب المكرم، فلا تظني غير ذلك حاصلا.
    الاعراب: " ولقد " الواو للقسم، واللام للتأكيد، وقد: حرف تحقيق " نزلت " فعل وفاعل " فلا " ناهية " تظني " فعل مضارع مجزوم بحذف النون، وياء المخاطبة فاعل " غيره " غير: مفعول أول لتظني، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، والمفعول الثاني محذوف " مني " جار ومجرور متعلق بقوله نزلت " بمنزلة " جار ومجرور متعلق أيضا بنزلت، ومنزلة مضاف، و " المحب " مضاف إليه " المكرم " نعت للمحب.
    الشاهد فيه: قوله " فلا تظني غيره " حيث حذف المفعول الثاني اختصارا، وذلك جائز عند جمهرة النحاة، خلافا لابن ملكون.
    (1) " كتظن " جار ومجرور متعلق باجعل " اجعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " تقول " قصد لفظه: مفعول به لاجعل " إن " شرطية " ولي " فعل ماض، فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى = (*)
    (1/445)

    بغير ظرف، أو كظرف، أو عمل وإن ببعض ذي فصلت يحتمل (1) القول شأنه إذا وقعت بعده جملة أن تحكى، نحو " قال زيد عمرو منطلق "، و " تقول زيد منطلق " لكن الجملة بعده في موضع نصب على المفعولية.
    ويجوز إجراؤه مجرى الظن، فينصب المبتدأ والخبر مفعولين، كما تنصبهما " ظن ".
    والمشهور أن للعرب في ذلك مذهبين، أحدههما - وهو مذهب عامة العرب - أنه لا يجرى القول مجرى الظن إلا بشروط - ذكرها المصنف - أربعة، وهي التي ذكرها عامة النحويين، الاول: أن يكون الفعل مضارعا، الثاني:
    أن يكون للمخاطب، وإليهما أشار بقوله: " اجعل نقول " فإن " تقول " مضارع، وهو للمخاطب، الشرط الثالث: أن يكون مسبوقا باستفهام،.
    __________
    = تقول " مستفهما " مفعول به لولي " به " جار ومجرور في موضع نائب فاعل لمستفهم، لانه اسم مفعول " ولم ينفصل " الواو للحال، ولم: حرف نفي وجزم وقلب، ينفصل: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لاجل الروى.
    وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تقول، وجملة لم ينفصل وفاعله في محل نصب حال.
    (1) " بغير " جار ومجرور متعلق بينفصل في البيت السابق.
    وغير مضاف و " ظرف " مضاف إليه " أو " عاطفة " كظرف " الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على غير، والكاف مضاف، وظرف: مضاف إليه " أو " عاطفة " عمل " معطوف على غير " وإن " شرطية " ببعض " جار ومجرور متعلق بفصلت الآتي.
    وبعض مضاف، و " ذي " مضاف إليه " فصلت " فصل: فعل ماض، فعل الشرط، والتاء ضمير المخاطب فاعل " يحتمل " فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بالسكون، لانه جواب الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفصل المفهوم من قوله فصلت.
    (*)
    (1/446)

    وإليه أشار بقوله: " إن ولي مستفهما به "، الشرط الرابع: أن لا يفصل بينهما - أي بين الاستفهام والفعل - بغير ظرف، ولا مجرور، ولا معمول الفعل، فإن فصل بأحدها لم يضر، وهذا هو المراد بقوله: " ولم ينفصل بغير ظرف - إلى آخره ".
    فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قولك: " أتقول عمرا منطلقا "، فعمرا: مفعول أول، ومنطلقا: مفعول ثان، ومنه قوله:
    134 - متى تقول القلص الرواسما يحملن أم قاسم وقاسما.
    __________
    134 البيت لهدبة بن خشرم العذري، من أرجوزة رواها غير واحد من حملة الشعر، ومنهم التبريزي في شرح الحماسة (2 / 46) ولكن رواية التبريزي للبيت المستشهد به على غير الوجه الذي يذكره النحاة، وروايته: لقد أراني والغلام الحازما نزجى المطي ضمرا سواهما متى يقود الذبل الرواسما والجلة الناجية العواهما اللغة: " القلص " بزنة كتب وسرر جمع قلوص، وهي الشابة الفتية من الابل، وهي أول ما يركب من إناث الابل خاصة " الرواسم " المسرعات في سيرهن، مأخوذ من الرسيم، وهو ضرب من سير الابل السريع " يحملن " يروى في مكانه " يدنين " ومعناه يقربن " أم قاسم " هي كنية امرأة، وهي أخت زيادة بن زيد العذري.
    المعنى: متى تظن النوق المسرعات يقربن مني من أحب أن يحملنه إلي ؟ الاعراب: " متى " اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، وعامله تقول " تقول " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " القلص " مفعول به أول لتقول " الرواسما " نعت للقلص " يحملن " يحمل: فعل مضارع، ونون الاناث فاعل، والجملة في محل نصب مفعول ثان لتقول " أم " مفعول به ليحملن، وأم مضاف و " قاسم " مضاف إليه " وقاسما " معطوف على أم قاسم.
    الشاهد فيه: قوله " تقول القلص يحملن " حيث أجرى تقول مجرى تظن، فنصب به مفعولين الاول قوله " القلص " والثاني جملة " يحملن " كما قررناه = (*)
    (1/447)

    فلو كان الفعل غير مضارع، نحو " قال زيد عمرو منطلق " لم ينصب القول مفعولين عند هؤلاء، وكذا إن كان مضارعا بغير تاء، نحو " يقول زيد عمرو منطلق " أو لم يكن مسبوقا باستفهام، نحو " أنت تقول عمرو منطلق "
    أو سبق باستفهام ولكن فصل بغير ظرف، ولا [ جار و ] مجرور، ولا معمول له، نحو " أأنت تقول زيد منطلق " فإن فصل بأحدها لم يضر، نحو " أعندك تقول زيدا منطلقا "، و " أفي الدار تقول زيدا منطلقا "، و " أعمرا تقول منطلقا "، ومنه قوله: (*) 135 - أجهالا تقول بني لؤي لعمر أبيك أم متجاهلينا فبني [ لؤي ]: مفعول أول، وجهالا: مفعول ثان..
    __________
    = في الاعراب، وذلك لاستيفائه الشروط، ويرويه بعضهم * متى تظن..إلخ * فلا شاهد فيه، ولكنه دليل على أن " تقول " يجري مجرى تظن، لانه إذا وردت روايتان في بيت واحد، وجاءت كلمة في إحدى الروايتين مكان كلمة في الرواية الاخرى، دل ذلك على أن الكلمتين بمعنى واحد، إذ لو اختلف معناهما لم يسغ لراو ولا لشاعر آخر أن يضع إحداهما مكان الاخرى، لئلا يفسد المعنى الذي قصد إليه قائل البيت، لان شرط الرواية بالمعنى ألا تغير المراد.
    135 - هذا البيت للكميت بن زيد الاسدي.
    اللغة: " أجهالا " الجهال: جمع جاهل، ويروى في مكانه " أنواما " وهو جمع نائم " بنو لؤي " أراد بهم جمهور قريش وعامتهم، لان أكثرهم ينتهي نسبه إلى لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، وهو أبو قريش كلها " متجاهلينا " المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس به جهل، والذين رووا في صدر البيت " أنواما " يروون هنا " متناومينا " والمتناوم: الذي يتصنع النوم، والمراد تصنع الغفلة عما يجري حولهم من الاحداث.
    المعنى: أتظن قريشا جاهلين حين استعملوا في ولاياتهم اليمنيين وآثروهم على المصريين أم تظنهم عالمين بحقيقة الامر مقدرين سوء النتائج غير غافلين عما ينبغي العمل به.
    ولكنهم يتصنعون الجهل ويتكلفون الغفلة لمأرب لهم في أنفسهم ؟.
    = (*)
    (1/448)

    وإذا اجتمعت الشروط المذكورة جاز نصب المبتدأ والخبر مفعولين لتقول، نحو " أتقول زيدا منطلقا " وجار رفعهما على الحكاية، نحو " أتقول زيد منطلق ".
    * * * وأجري القول كظن مطلقا عند سليم، نحو " قل ذا مشفقا " (1) أشار إلى المذهب الثاني للعرب في القول، وهو مذهب سليم، فيجرون القول مجرى الظن في نصب المفعولين، مطلقا، أي: سواء كان مضارعا، أم غير مضارع، وجدت فيه الشروط المذكورة، أم لم توجد، وذلك.
    __________
    = الاعراب " أجهالا " الهمزة للاستفهام، جهالا: مفعول ثان مقدم على عامله وعلى المفعول الاول " تقول " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بني " مفعول أول لتقول، وبني مضاف، و " لؤي " مضاف إليه " لعمر " اللام لام الابتداء، عمر، مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا، وعمر مضاف، وأبي من " أبيك " مضاف إليه، وأبي مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه " أم " عاطفة " متجاهلينا " معطوف على قوله " جهالا ".
    الشاهد فيه: قوله " أجهالا تقول بني لؤي " حيث أعمل " تقول " عمل " تظن " فنصب به مفعولين، أحدهما قوله " جهالا " والثاني قوله " بني لؤي " مع أنه فصل بين أداة الاستفهام - وهي الهمزة والفعل.
    بفاصل - وهو قوله " جهالا " - وهذا الفصل لا يمنع الاعمال، لان الفاصل معمول للفعل، إذ هو مفعول ثان له.
    (1) " أجرى " فعل ماض مبني للمجهول " القول " نائب فاعل لاجرى " كظن " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من القول " مطلقا " حال ثان من القول " عند " ظرف متعلق بأجرى، وعند مضاف و " سليم " مضاف إليه " نحو " خبر لمبتدأ محذوف
    " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذا " مفعول أول لقل " مشفقا " مفعول ثان.
    (29 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/449)

    نحو " قل ذا مشفقا " ف " ذا " مفعول أول، و " مشفقا " مفعول ثان، ومن ذلك قوله: 136 قالت وكنت رجلا فطينا: هذا لعمر الله إسرائينا ف " هذا ": مفعول أول لقالت، و " إسرائينا ": مفعول ثان.
    * * *.
    __________
    136 - البيت لاعرابي صاد ضبا فأتى به أهله، فقالت له امرأته " هذا لعمر الله إسرائيل " أي: هو ما مسخ من بني إسرائيل، ورواه الجواليقي في كتابه " المعرب " هكذا: وقال أهل السوق لما جينا: هذا لعمر الله إسرائينا اللغة: " فطينا " وصف من الفطنة، وتقول: فطن الرجل يفطن - بوزان علم يعلم، فطنة - بكسر فسكون - وفطانة، وفطانية - بفتح الفاء فيهما - وتقول أيضا: فطن يفطن بوزان قعد يقعد، والفطنة: الفهم، والوصف المشهور من هذه المادة فطن - بفتح فكسر - " جينا " أصله جئنا - بالهمزة - فلينه بقلب الهمزة الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها " إسرائين " لغة في إسرائيل، كما قالوا: جبرين، وإسماعين.
    يريدون: جبريل، وإسماعيل.
    الاعراب: " قالت " قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " وكنت " الواو واو الحال، كان: فعل ماض ناقص.
    والتاء اسمه " رجلا " خبر كان " فطينا " صفة لرجل، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل نصب حال " هذا " ها: حرف تنبيه، واسم الاشارة مفعول أول لقالت، بمعنى ظننت
    " لعمر " اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا، والتقدير لعمر الله يميني، وعمر مضاف و " الله " مضاف إليه، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب معترضة بين المفعول الاول والثاني " إسرائينا " مفعول ثان لقالت.
    الشاهد فيه: قوله " قالت.
    هذا.
    إسرائينا " حيث أعمل " قال " عمل " ظن " فنصب به مفعولين، أحدهما: اسم الاشارة - وهو " ذا " من " هذا " = (*)
    (1/450)

    .
    __________
    والثاني " إسرائينا " هكذا قالوا.
    والذي حملهم على هذا أنهم وجدوا " إسرائينا " منصوبا.
    وأنت لو تأملت بعض التأمل لوجدت أنه يمكن أن يكون " هذا " مبتدأ، " إسرائينا " مضاف إلى محذوف يقع خبرا، وتقدير الكلام " هذا ممسوخ إسرائينا " فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره بالفتحة نيابة عن الكسرة، لانه لا ينصرف للعلمية والعجمة.
    وحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره جائز، وإن كان قليلا في مثل ذلك، وقد قرئ في قوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) بجر الآخرة على تقدير مضاف محذوف يقع منصوبا مفعولا به ليريد، والاصل: والله يريد ثواب الآخرة.
    وهكذا خرجه ابن عصفور، وتخريج الجماعة أولى، لان الاصل عدم الحذف، لان حذف المضاف وبقاء المضاف إليه على حاله قليل في هذه الحالة، ونصب المفعولين بالقول مطلقا لغة لبعض العرب كما قرره الناظم والشارح.
    (*)
    (1/451)

    أعلم وأرى إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا، إذا صارا أرى وأعلما (1) أشار بهذا الفصل إلى ما يتعدى من الافعال إلى ثلاثة مفاعيل، فذكر سبعة
    أفعال: منها " أعلم، وأرى " فذكر أن أصلهما " علم، ورأى "، وأنهما بالهمزة يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل، لانهما قبل دخول الهمزة عليهما كانا يتعديان إلى مفعولين، نحو " علم زيد عمرا منطلقا، ورأى خالد بكرا أخاك " فلما دخلت عليهما همزة النقل زادتهما مفعولا ثالثا، وهو الذي كان فاعلا قبل دخول الهمزة، وذلك نحو: " أعلمت زيدا عمرا منطلقا " و " أريت خالدا بكرا أخاك "، فزيدا، وخالدا: مفعول أول، وهو الذي كان فاعلا حين قلت: " علم زيد، ورأى خالد ".
    وهذا هو شأن الهمزة، وهو: أنها تصير ما كان فاعلا مفعولا، فإن كان الفعل قبل دخولها لازما صار بعد دخولها متعديا إلى واحد، نحو: " خرج زيد، وأخرجت زيدا " وإن كان متعديا إلى واحد صار بعد دخولها متعديا إلى اثنين، نحو: " لبس زيد جبة " فتقول: " ألبست زيدا جبة " وسيأتي الكلام عليه، وإن كان متعديا إلى اثنين صار متعديا إلى ثلاثة، كما تقدم في " أعلم، وأرى ".
    * * *.
    __________
    (1) " إلى ثلاثة " جار ومجرور متعلق بعدوا " رأى " مفعول به مقدم لعدوا " وعلما " معطوف على رأى " عدوا " فعل وفاعل " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " صارا " صار: فعل ماض ناقص.
    وألف الاثنين اسمه " رأى " قصد لفظه: خبر صار " وأعلما " معطوف على أرى، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام، والاصل: إذا صارا أرى وأعلما فقد عدوهما إلى ثلاثة مفاعيل.
    (*)
    (1/452)

    وما لمفعولي علمت مطلقا للثان والثالث أيضا حققا (1)
    أي: يثبت للمفعول الثاني والمفعول الثالث من مفاعيل " أعلم، وأرى " ما ثبت لمفعولي " علم، ورأى ": من كونهما مبتدأ وخبرا في الاصل، ومن جواز الالغاء والتعليق بالنسبة إليهما، ومن جواز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دل على ذلك دليل، ومثال ذلك " أعلمت زيدا عمرا قائما " فالثاني والثالث من هذه المفاعيل أصلهما المبتدأ والخبر - وهما " عمرو قائم " - ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما، نحو: " عمرو أعلمت زيدا قائم " ومنه قولهم: " البركة أعلمنا الله مع الاكابر " ف " نا ": مفعول أول، و " البركة ": مبتدأ، و " مع الاكابر " ظرف في موضع الخبر، وهما اللذان كانا مفعولين، والاصل: " أعلمنا الله البركة مع الاكابر "، ويجوز التعليق عنهما، فتقول: " أعلمت زيدا لعمرو قائم " ومثال حذفهما للدلالة أن يقال: هل أعلمت أحدا عمرا قائما ؟ فتقول: أعلمت زيدا، ومثال حذف أحدهما للدلالة أن تقول في هذه الصورة: " أعلمت زيدا عمرا " أي: قائما، أو " أعلمت زيدا قائما " أي: عمرا قائما.
    * * * وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلا (2).
    __________
    (1) " وما " اسم موصول مبتدأ " لمفعولي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما، ومفعولي مضاف و " علمت " قصد لفظه: مضاف إليه " مطلقا " حال من الضمير المستتر في الصلة " للثان " جار ومجرور متعلق بحقق الآتي " والثالث " معطوف على الثاني " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " حققا " حقق: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة الواقعة مبتدأ، والجملة من حقق ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    (2) " وإن " شرطية " تعديا " فعل ماض فعل الشرط، وألف الاثنين فاعل، = (*)
    (1/453)

    والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به في كل حكم ذو ائتسا (1) تقدم أن " رأى، وعلم " إذا دخلت عليهما همزة النقل تعديا إلى ثلاثة مفاعيل، وأشار في هذين البيتين إلى أنه إنما يثبت لهما هذا الحكم إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى مفعولين، وأما إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى واحد كما إذا كانت " رأى " بمعنى أبصر، نحو " رأى زيد عمرا " و " علم " بمعنى عرف نحو " علم زيد الحق " فإنهما يتعديان بعد الهمزة إلى مفعولين، نحو: " أريت زيدا عمرا " و " أعلمت زيدا الحق " والثاني من هذين المفعولين كالمفعول الثاني من مفعولي " كسا " و " أعطى " نحو " كسوت زيدا جبة ".
    __________
    = " لواحد " جار ومجرور متعلق بقوله تعديا " بلا همز " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء، وقد ظهر إعرابه على ما بعده على طريق العارية، والجار والمجرور متعلق بتعديا أيضا، ولا مضاف و " همز " مضاف إليه " فلاثنين " الفاء واقعة في جواب الشرط، لاثنين: جار ومجرور متعلق بقوله توصلا الآتي " به " جار ومجرور متعلق بتوصلا أيضا " توصلا " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، ويجوز أن يكون توصلا فعلا ماضيا مبنيا للمعلوم، والالف ضمير الاثنين عائد إلى رأى وعلم وهو فاعل توصل.
    (1) " والثان " مبتدأ " منهما " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير المستكن في الخبر الآتي " كثاني " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وثاني مضاف و " اثنى " مضاف إليه، واثنى مضاف، و " كسا " قصد لفظه: مضاف إليه " فهو " مبتدأ " به " جار ومجرور متعلق بائتسا الآتي " في كل " جار ومجرور متعلق بائتسا أيضا، وكل مضاف و " حكم " مضاف إليه " ذو " خبر المبتدأ، وذو
    مضاف، و " ائتسا " مضاف إليه، وأصله ممدود فقصره للضرورة، والائتساء أصله بمعنى الاقتداء، والمراد به هنا أنه مثله في كل حكم.
    (*)
    (1/454)

    و " أعطيت زيدا درهما ": في كونه لا يصح الاخبار به عن الاول، فلا تقول [ زيد الحق، كما لا تقول ] " زيد درهم "، وفي كونه يجوز حذفه مع الاول، وحذف الثاني وإبقاء الاول، وحذف الاول وإبقاء الثاني، وإن لم يدل على ذلك دليل، فمثال حذفهما " أعلمت، وأعطيت "، ومنه قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) ومثال حذف الثاني وإبقاء الاول " أعلمت زيدا، وأعطيت زيدا " ومنه قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومثال حذف الاول وإبقاء الثاني نحو: " أعلمت الحق، وأعطيت درهما " ومنه قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وهذا معنى قوله: " والثاني منهما - إلى آخر البيت (1) ".
    * * * وكأرى السابق نبا أخبرا حدث، أنبأ، كذاك خبرا (2).
    __________
    (1) عبارة الناظم وهي قوله " فهو به في كل حكم ذو ائتسا " - عامة، ولم يتعرض الشارح - رحمه الله ! - في كلامه إلى نقد هذا العموم كعادته، فهذا العموم يعطى أن رأى البصرية وعلم العرفانية إذا اتصلت بهما همزة النقل فصارا يتعديان إلى مفعولين، فشأن مفعولهما الثاني كشأن المفعول الثاني من مفعولي كسا، ومن شأن المفعول الثاني من مفعولي كسا أنه لا يعلق عنه العامل، ولكن المفعول الثاني من مفعولي رأى البصرية وعلم العرفانية يعلق عنه العامل، ومن التعليق عنه قوله تعالى: (رب أرني كيف تحيي الموتى) فأرني هنا بصرية، لان إبراهيم عليه السلام كان يطلب مشاهدة كيفية إحياء الله تعالى الموتى.
    ومفعولها الاول ياء المتكلم، ومفعولها الثاني جملة
    (كيف تحيي الموتى) وقد علق العامل عنها باسم الاستفهام، ومن التعليق قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟).
    (2) " وكأرى " الواو عاطفة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " السابق " نعت لارى " نبأ " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " أخبرا، حدث، أنبأ " = (*)
    (1/455)

    تقدم أن المصنف عد الافعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل سبعة، وسبق ذكر " أعلم، وأرى " وذكر في هذا البيت الخمسة الباقية، وهي: " نبأ " كقولك: " نبأت زيدا عمرا قائما " ومنه قوله: 137 - نبئت زرعة - والسفاهة كاسمها - يهدي إلي غرائب الاشعار.
    __________
    = معطوفات على نبأ بحرف عطف مقدر " كذاك " الكاف حرف جر، وذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والكاف بعده حرف خطاب، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " خبرا " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر.
    137 - هذا البيت للنابغة الذبياني، من كلمة له يهجو فيها زرعة بن عمرو بن خويلد، وكان قد لقيه في سوق عكاظ، فأشار زرعة على النابغة الذبياني بأن يحمل قومه على معاداة بني أسد وترك محالفتهم، فأبى النابغة ذلك، لما فيه من الغدر، فتركه زرعة ومضى، ثم بلغ النابغة أن زرعة يتوعده، فقال أبياتا يهجوه فيها، وهذا البيت الشاهد أولها.
    اللغة: " نبئت " أخبرت، والنبأ كالخبر وزنا ومعنى، ويقال: النبأ أخص من الخبر، لان النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن وخطر من الاخبار " والسفاهة كاسمها " السفاهة: الطيش وخفة الاحلام، وأراد أن السفاهة في معناها قبيحة كما أن اسمها قبيح " غرائب الاشعار " الغرائب: جمع غريبة، وأراد بها ما لا يعهد مثله، ويروى
    مكانه " أوابد الاشعار " والاوابد: جمع آبدة، وأصلها اسم فاعل من " أبدت الوحوش " إذا نفرت ولم تأنس.
    الاعراب: " نبئت " نبئ: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء التي للمتكلم نائب فاعل، وهو المفعول الاول " زرعة " مفعول ثان " والسفاهة كاسمها " الواو واو الحال، وما بعده جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب حال " يهدي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زرعة، والجملة من يهدي وفاعله في محل نصب مفعول ثالث لنبئ " إلى " جار ومجرور متعلق بيهدي " غرائب " مفعول به ليهدي، وغرائب مضاف و " الاشعار " مضاف إليه.
    = (*)
    (1/456)

    و " أخبر " كقولك: " أخبرت زيدا أخاك منطلقا " ومنه قوله: 138 - وما عليك - إذا أخبرتني دنفا وغاب بعلك يوما - أن تعوديني ؟ !..
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " نبئت زرعة.
    يهدي " حيث أعمل " نبأ " في مفاعيل ثلاثة، أحدها النائب عن الفاعل وهو التاء، والثاني " زرعة " والثالث جملة يهدي مع فاعله ومفعوله.
    138 - هذا البيت لرجل من بني كلاب، وهو من مختار أبي تمام في ديوان الحماسة، ولكن رواية الحماسة هكذا: وما عليك إذا خبرتني دنفا رهن المنية يوما أن تعودينا أو تجعلي نطفة في القعب باردة وتغمسي فاك فيها ثم تسقينا وانظر شرح التبريزي على الحماسة 3 - 353 بتحقيقنا.
    اللغة: " دنفا " بزنة كتف هو الذي لازمه مرض العشق، وهو وصف من الدنف بفتح الدال والنون جميعا وهو المرض الملازم الذي ينهك القوى " وغاب
    بعلك " بعل المرأة: زوجها، وقد رأيت أن رواية الحماسة في مكان هذه العبارة " رهن المنية " والمنية: الموت، وفلان رهن كذا: أي مقيد به، يريد أنه في حال من المرض الشديد تجعله في سياق الموت، وقوله " أن تعوديني " العيادة: زيارة المريض خاصة، ولا تقال في زيارة غيره.
    الاعراب: " وما " اسم استفهام مبتدأ " عليك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " أخبرتني " أخبر: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وهو المفعول الاول، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول ثان لا خبر " دنفا " مفعول ثالث، والجملة من الفعل وفاعله ومفعولاته الثلاث في محل جر بإضافة إذا إليها " وغاب بعلك " الواو واو الحال، وما بعده جملة من فعل وفاعل في محل نصب حال، وهي - عند أبي العباس المبرد - على تقدير " قد " أي: وقد غاب بعلك، ويجوز أن تكون الواو للعطف، والجملة في محل جر بالعطف على جملة " أخبرتني دنفا " المجرورة محلا بإضافة إذا إليها " أن تعوديني " في تأويل = (*)
    (1/457)

    و " حدث " كقولك " حدثت زيدا بكرا مقيما " ومنه قوله: 139 - أو منعتم ما تسألون، فمن حد ثتموه له علينا الولاء ؟.
    __________
    = مصدر مجرور بفي محذوفة، والتقدير: في عيادتي، وحذف حرف الجر ههنا قياس، والجار والمجرور متعلق بخبر.
    الشاهد فيه: قوله " أخبرتني دنفا " حيث أعمل " أخبر " في ثلاثة مفاعيل: أحدها نائب الفاعل وهو تاء المخاطبة، والثاني ياء المتكلم، والثالث قوله " دنفا ".
    139 - البيت للحارث بن حلزة اليشكري، من معلقته المشهورة التي مطلعها: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
    اللغة: " منعتم ما تسألون " معناه: إن منعتم عنا ما نسألكم أن تعطوه من النصفة والاخاء والمساواة فلاي شئ كان ذلك منكم مع ما تعلمون من عزنا ومنعتنا ؟ " فمن حدثتموه له علينا الولاء " يقول: من الذي بلغكم عنه أنه قد صارت له علينا الغلبة في سالف الدهر، وأنتم تمنون أنفسكم بأن تكونوا مثله ؟ والاستفهام بمعنى النفي، يريد لم يكن لاحد سلطان في الزمن الغابر علينا، ويروى " له علينا العلاء " بالعين المهملة، من العلو، وهو الرفعة، ويروى " الغلاء " بالغين المعجمة، وهو الارتفاع أيضا.
    الاعراب: " منعتم " فعل وفاعل " ما " اسم موصول: مفعول به لمنع " تسألون " جملة من فعل ونائب فاعل لا محل لها صلة الموصول " فمن " اسم استفهام مبتدأ " حدثتموه " حدث: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المخاطبين نائب فاعل، وهاء الغائب مفعول ثان، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " له، علينا " يتعلقان بمحذوف خبر مقدم " الولاء " مبتدأ مؤخر، والجملة من هذا المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثالث لحدث.
    الشاهد فيه: قوله " حدثتموه.
    له علينا الولاء " حيث أعمل " حدث " في ثلاثة مفاعيل: أحدها نائب الفاعل، وهو ضمير المخاطبين، والثاني هاء الغائب، والثالث جملة " له علينا الولاء " كما أوضحناه في الاعراب.
    (*)
    (1/458)

    و " أنبأ " كقولك: " أنبأت عبد الله زيدا مسافرا " ومنه قوله: 140 - وأنبئت قيسا ولم أبله كما زعموا خير أهل اليمن و " خبر " كقولك: " خبرت زيدا عمرا غائبا " ومنه قوله: 141 - وخبرت سوداء الغميم مريضة فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
    .
    __________
    140 - هذا البيت للاعشى ميمون بن قيس، من كلمة يمدح بها قيس بن قيس بن معديكرب، وأولها قوله: لعمرك ما طول هذا الزمن على المرء إلا عناء معن اللغة: " معن " هو اسم فاعل من عناه - بتشديد النون - إذا أورثه العناء والمشقة " ولم أبله " تقول: بلوته أبلوه، إذا اختبرته، ويروى في مكانه " ولم آته " ويذكر الرواة أن قيسا حين سمع هذا البيت قال: أو شك ؟ ثم أمر بحبسه.
    الاعراب: " وأنبئت " أنبئ: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الاول " قيسا " مفعول ثان " ولم أبله " الواو واو الحال، وما بعده جملة من فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا، ومفعول، في محل نصب حال " كما " الكاف جارة، وما: يحتمل أن تكون موصولة مجرورة المحل بالكاف، وأن تكون مصدرية، وعلى الاول فجملة " زعموا " لا محل لها صلة، وعلى الثاني تكون " ما " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف أي كزعمهم " خير " مفعول ثالث لانبئت، وخير مضاف و " أهل " مضاف إليه، وأهل مضاف و " اليمن " مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكن لاجل الوقف.
    الشاهد فيه: قوله " وأنبئت قيسا.
    خير أهل اليمن " حيث أعمل أنبأ في مفاعيل ثلاثة، الاول تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل، والثاني قوله " قيسا "، والثالث قوله " خير أهل اليمن ".
    141 - هذا البيت للعوام بن عقبة بن كعب بن زهير، وكان قد عشق امرأة من بني عبد الله بن غطفان، وكلف بها، وكانت هي تجد به أيضا، فخرج إلى مصر في = (*)
    (1/459)

    .
    __________
    ميرة، فبلغه أنها مريضة، فترك ميرته، وكر نحوها راجعا، وهو يقول أبياتا أولها بيت الشاهد، وبعده قوله:
    فيا ليت شعري هل تغير بعدنا ملاحة عيني أم يحيى وجيدها ؟ وهل أخلقت أثوابها بعد جدة ألا حبذا أخلاقها وجديدها ؟ ولم يبق يا سوداء شئ أحبه وإن بقيت أعلام أرض وبيدها (وانظر شرح التبريزي على الحماسة 3 / 344 بتحقيقنا)، اللغة: " الغميم " بفتح الغين المعجمة وكسر الميم - اسم موضع في بلاد الحجاز، ويقال: هو بضم الغين على زنة التصغير، ويروى " ونبئت سوداء الغميم " ويروى أيضا " ونبئت سوداء القلوب " فيجوز أن اسمها سوداء ثم أضافها إلى القلوب كما فعل ابن الدمينة في قوله: قفي يا أميم القلب نقض لبانة ونشك الهوى، ثم افعلي ما بدا لك ويجوز أن يكون أراد أنها تحل من القلوب محل السويداء، ويجوز أن يكون قد أراد أنها قاسية القلب، ولكنه جمع لانه أراد القلب وما حوله، أو أراد أن لها مع كل محب قلبا، ويروون عجز البيت " فأقبلت من مصر إليها أعودها "، الاعراب: " خبرت " خبر: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الاول " سوداء " مفعول ثان، وسوداء مضاف و " الغميم " مضاف إليه " مريضة " مفعول ثالث لخبر " فأقبلت " فعل وفاعل " من أهلي " الجار والمجرور متعلق بأقبل، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بمصر " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو حال من أهل المضاف لياء المتكلم " أعودها " أعود: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وهاء: مفعول به، والجملة في محل نصب حال من التاء في " أقبلت ".
    الشاهد فيه: قوله " وخبرت سوداء الغميم مريضة " حيث أعمل " خبر " في ثلاثة مفاعيل، أحدها تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل، والثاني قوله " سوداء الغميم "، والثالث قوله " مريضة " كما اتضح لك في إعراب البيت.
    هذا، وأنت لو تأملت في جميع هذه الشواهد التي جاء بها الشارح لهذه المسألة = (*)
    (1/460)

    وإنما قال المصنف: " وكأرى السابق " لانه تقدم في هذا الباب أن " أرى " تارة تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وتارة تتعدى إلى اثنين، وكان قد ذكر أولا [ أرى ] المتعدية إلى ثلاثة، فنبه على أن هذه الافعال الخمسة مثل " أرى " السابقة، وهي المتعدية إلى ثلاثة، لا مثل " أرى " المتأخرة، وهي المتعدية إلى اثنين.
    * * *.
    __________
    = لوجدت الافعال فيها كلها مبنية للمجهول، وقد تعدت إلى مفعولين بعد نائب الفاعل، وبعضها تجد المفعول الثاني والمفعول الثالث فيه مفردين، وبعضها تجد فيه المفعول الثالث جملة كبيت الحارث بن حلزة (رقم 139) وشأن ما لم يذكره الشارح من الشواهد كشأن ما ذكره منها، حتى قال شيخ الاسلام زكريا الانصاري: " ولم يسمع تعديها إلى ثلاثة صريحة " اه.
    (*)
    (1/461)

    الفاعل الفاعل الذي كمرفوعي " أتى زيد " " منيرا وجهه " " نعم الفتى " (1) لما فرغ من الكلام على نواسخ الابتداء شرع في ذكر ما يطلبه الفعل التام من المرفوع وهو الفاعل، أو نائبه وسيأتي الكلام على نائبه في الباب الذي يلي هذا الباب.
    فأما الفاعل فهو: الاسم، المسند إليه فعل، على طريقة فعل، أو شبهه، وحكمه الرفع (2)، والمراد بالاسم: ما يشمل الصريح، نحو: " قام زيد " والمؤول.
    __________
    (1) " الفاعل " مبتدأ " الذي " اسم موصول: خبر المبتدأ " كمرفوعي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " أتى زيد " فعل وفاعل، ومرفوعي مضاف،
    وجملة الفعل والفاعل بمتعلقاتها في محل جر مضاف إليه " منيرا " حال، وهو اسم فاعل " وجهه " وجه: فاعل بمنير، ووجه مضاف والضمير مضاف إليه " نعم الفتى " فعل وفاعل.
    (2) وقد ينصب الفاعل ويرفع المفعول إذا أمن اللبس، وقد ورد عن العرب قولهم خرق الثوب المسمار، وقولهم: كسر الزجاج الحجر.
    وقال الاخطل: مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سوآتهم هجر وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ألم تسأل الاطلال والمتربعا ببطن حليات دوارس أربعا إلى الشرى من وادي المغمس بدلت معالمه وبلا ونكباء زعزعا وربما نصبوا الفاعل والمفعول جميعا، كما قال الراجز: قد سالم الحيات منه القدما الافعوان والشجاع الشجعما وربما رفعوهما جميعا، كما قال الشاعر: إن من صاد عقعقا لمشوم كيف من صاد عقعقان وبوم = (*)
    (1/462)

    به، نحو: " يعجبني أن تقوم " أي: قيامك.
    فخرج ب " المسند إليه فعل " ما أسند إليه غيره، نحو: " زيد أخوك " أو جملة، نحو: " زيد قام أبوه " أو " زيد قام " أو ما هو في قوة الجملة، نحو: " زيد قائم غلامه " أو " زيد قائم " أي: هو وخرج - بقولنا " على طريقة فعل " ما أسند إليه فعل على طريقة فعل، وهو النائب عن الفاعل، نحو: " ضرب زيد ".
    __________
    = وسيشير الشارح في مطلع باب المفعول به إلى هذه المسألة.
    ونتعرض هناك للكلام عليها مرة أخرى، إن شاء الله تعالى.
    والمبيح لذلك كله اعتمادهم على انفهام المعنى، وهم لا يجعلون ذلك قياسا، ولا يطردونه في كلامهم.
    وقد يجر لفظ الفاعل بإضافة المصدر، نحو قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس) أو بإضافة اسم المصدر، نحو قوله عليه الصلاة والسلام: " من قبلة الرجل امرأته الوضوء ".
    وقد يجر الفاعل بالباء الزائدة.
    وذلك واجب في أفعل الذي على صورة فعل الامر في باب التعجب، نحو قوله تعالى: (أسمع بهم وأبصر) ونحو قول الشاعر: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للابواب أن يلجا وهو كثير غالب في فاعل " كفى " نحو قوله تعالى: (كفى بالله شهيدا) ومن القليل في فاعل كفى تجرده من الباء، كما في قول سحيم الرياحي: عميرة ودع إن تجهزت غازيا كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا فقد جاء بفاعل " كفى " وهو قوله " الشيب " غير مجرور بالباء.
    ويشذ جر الفاعل بالباء فيما عدا أفعل في التعجب وفاعل كفى، وذلك نحو قول الشاعر: ألم ياتيك والانباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد فالباء في " بما " زائدة، وما: موصول اسمي فاعل يأتي، في بعض تخريجات هذا البيت.
    وقد يجر الفاعل بمن الزائدة إذا كان نكرة بعد نفي أو شبهه، نحو قوله تعالى: (ما جاءنا من بشير) والفاعل حينئذ مرفوع بضمة مقدرة على الراجح، فاحفظ ذلك كله.
    (*)
    (1/463)

    والمراد بشبه الفعل المذكور: اسم الفاعل، نحو: " أقائم الزيدان "، والصفة المشبهة، نحو: " زيد حسن وجهه والمصدر، نحو: " عجبت من ضرب زيد عمرا " واسم الفعل، نحو: " هيهات العقيق " والظرف والجار والمجرور، نحو: " زيد عندك أبوه " أو " في الدار غلاماه " وأفعل التفضيل، نحو:
    " مررت بالافضل أبوه " فأبوه: مرفوع بالافضل، وإلى ما ذكر أشار المصنف بقوله: " كمرفوعي أتى - إلخ ".
    والمراد بالمرفوعين ما كان مرفوعا بالفعل أو بما يشبه الفعل، كما تقدم ذكره، ومثل للمرفوع بالفعل بمثالين: أحدهما ما رفع بفعل متصرف، نحو: " أتى زيد " والثاني ما رفع بفعل غير متصرف، نحو: " نعم الفتى " ومثل للمرفوع بشبه الفعل بقوله: " منيرا وجهه ".
    * * * وبعد فعل فاعل، فإن ظهر فهو، وإلا فضمير استتر (1).
    __________
    (1) " وبعد " ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وبعد مضاف، و " فعل " مضاف إليه " فاعل " مبتدأ مؤخر " فإن " شرطية " ظهر " فعل ماض، فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فاعل " فهو " الفاء لربط الجواب بالشرط، هو: مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير " فإن ظهر فهو المطلوب " مثلا، والجملة في محل جزم جواب الشرط " وإلا " الواو عاطفة، وإن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: وإلا يظهر " فضمير " الفاء لربط الجواب بالشرط، ضمير: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فهو ضمير، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، وجملة " استتر " مع فاعله المستتر فيه في محل رفع صفة لضمير.
    وهذا البيت يشير إلى حكمين من أحكام الفاعل، أولهما أن الفاعل يجب أن يكون بعد الفعل، فلا يجوز عنده تقديم الفاعل، وهذا هو الذي ذكره الشارح = (*)
    (1/464)

  3. #3
    خادم سايت حوزه
    تاریخ عضویت
    Jun 2007
    نوشته ها
    412

    پیش فرض متن کامل کتاب شرح ابن عقیل 9

    حكم الفاعل التأخر عن رافعه - وهو الفعل أو شبهه - نحو " قام الزيدان، وزيد قائم غلاماه، وقام زيد " ولا يجوز تقديمه على رافعه، فلا تقول: " الزيدان قام " ولا " زيد غلاماه قائم "، ولا " زيد قام " على
    أن يكون " زيد " فاعلا مقدما، بل على أن يكون مبتدأ، والفعل بعده رافع لضمير مستتر، والتقدير " زيد قام هو " وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فأجازوا التقديم في ذلك كله (2)...
    __________
    = بقوله: " حكم الفاعل التأخر عن رافعه - إلخ " وثاني الحكمين أنه لا يجوز حذف الفاعل، بل إما أن يكون ملفوظا به، وإما أن يكون ضميرا مستترا، وهذا هو الذي ذكره الشارح بقوله: " وأشار بقوله فإن ظهر - إلخ، إلى أن الفعل وشبهه لابد له من مرفوع " وليس هذا الحكم مطردا، بل له استثناء سنذكره فيما بعد (اقرأ الهامشة 1 ص 466).
    (2) استدل الكوفيون على جواز تقديم الفاعل على رافعه، بوروده عن العرب في نحو قول الزباء: ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا في رواية من روى " مشيها " مرفوعا، قالوا: ما: اسم استفهام مبتدأ، وللجمال: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، مشى: فاعل تقدم على عامله وهو وئيدا الآتي ومشى مضاف والضمير العائد إلى الجمال مضاف إليه، ووئيدا: حال من الجمال منصوب بالفتحة الظاهرة، وتقدير الكلام: أي شئ ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها.
    واستدل البصريون على أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله بوجهين، أحدهما: أن الفعل وفاعله كجزأين لكلمة واحدة متقدم أحدهما على الآخر وضعا، فكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها لا يجوز تقديم الفاعل على فعله، وثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ، وذلك أنك إذا قلت " زيد قام " وكان تقديم الفاعل جائزا لم يدر السامع أأردت الابتداء بزيد والاخبار عنه بجملة قام وفاعله المستتر، أم أردت إسناد قام المذكور إلى زيد على أنه فاعل، وقام حينئذ خال من الضمير ؟ ولا = (30 - شرح ابن عقيل 1)
    (1/465)

    وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الاخيرة وهي صورة الافراد نحو " زيد قام "، فتقول على مذهب الكوفيين: " الزيدان قام، والزيدون قام " وعلى مذهب البصريين يجب أن تقول: " الزيدان قاما، والزيدون قاموا "، فتأتى بألف وواو في الفعل، ويكونان هما الفاعلين، وهذا معنى قوله: " وبعد فعل فاعل ".
    وأشار بقوله: " فإن ظهر - إلخ " إلى أن الفعل وشبهه لا بد له من مرفوع (1)، فإن ظهر فلا إضمار، نحو " قام زيد " وإن لم يظهر فهو ضمير، نحو " زيد قام " أي: هو.
    * * *.
    __________
    = شك أن بين الحالتين فرقا، فإن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث القيام بعد أن لم يكن، وجملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على الثبوت وعلى تأكيد إسناد القيام لزيد، ولا يجوز إغفال هذا الفرق بادعاء أنه مما لا يتعلق به المقصود من إفادة إسناد القيام لزيد على جهة وقوعه منه، وأنه مما يتعلق به غرض أهل البلاغة الذين يبحثون عن معان للتراكيب غير المعاني الاولية التي تدل عليها الالفاظ مع قطع النظر عن التقديم والتأخير ونحوهما.
    وأجابوا عما استدل به الكوفيون بأن البيت يحتمل غير ما ذكروا من وجوه الاعراب، إذا يجوز أن يكون " مشى " مبتدأ، والضمير مضاف إليه، و " وئيدا " حال من فاعل فعل محذوف، والتقدير: مشيها يظهر وئيدا، وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ومتى كان البيت محتملا لم يصلح دليلا.
    (1) بعض الافعال لا يحتاج إلى فاعل، فكان على الشارح أن يستثنيه من هذا العموم، ونحن نذكر لك ثلاثة مواضع من هذه القبيل: (الاول) الفعل المؤكد في نحو قول الشاعر:
    * أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس * = (*)
    (1/466)

    وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع ك " فاز الشهدا " (1) وقد يقال: سعدا، وسعدوا، والفعل للظاهر - بعد - مسند (2) مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر - مثنى، أو مجموع - وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع، فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد، فتقول: " قام الزيدان، وقام الزيدون، وقامت الهندات "، كما تقول: " قام زيد " ولا تقول على مذهب هؤلاء: " قاما الزيدان "،.
    __________
    (الثاني) " كان " الزائدة في نحو قول الشاعر، وقد أنشدناه مع نظائره في باب كان وأخواتها عند الكلام على مواضع زيادتها.
    لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل بناء على الراجح عند المحققين من أن كان الزائدة لا فاعل لها.
    (الثالث) الفعل المكفوف بما، نحو قلما، وطالما، وكثر ما، بناء على ما ذهب إليه سيبويه.
    ومن العلماء من يزعم أن " ما " في نحو " طالما نهيتك " مصدرية سابكة لما بعدها بمصدر هو فاعل طال، والتقدير: طال نهيي إياك.
    (1) " وجرد " الواو عاطفة، جرد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الفعل " مفعول به لجرد " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " أسندا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والجملة من أسند ونائب فاعله في محل جر بإضافة " إذا " إليها " لاثنين " جار ومجرور متعلق بأسند " أو جمع " معطوف على اثنين " كفاز الشهدا " الكاف جارة لقول محذوف، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب بذلك
    المجرور المحذوف، وأصل الكلام: وذلك كائن كقولك فاز الشهداء.
    (2) " وقد " حرف تقليل " يقال " فعل مضارع مبني للمجهول " سعدا وسعدوا " قصد لفظهما: نائب عن الفاعل ومعطوف عليه " والفعل " الواو للحال، والفعل: مبتدأ " للظاهر، بعد " متعلقان بمسند الآتي " مسند " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
    (*)
    (1/467)

    ولا " قاموا الزيدون "، ولا " قمن الهندات " فتأتي بعلامة في الفعل الرافع للظاهر، على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعا به، وما اتصل بالفعل - من الالف، والواو، والنون - حروف تدل على تثنية الفاعل أو جمعه، بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا، والفعل المتقدم وما اتصل به اسما في موضع رفع به، والجملة في موضع رفع خبرا عن الاسم المتأخر.
    ويحتمل وجها آخر، وهو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعا به كما تقدم، وما بعده بدل مما اتصل بالفعل من الاسماء المضمرة - أعني الالف، والواو، والنون - ومذهب طائفة من العرب - وهم بنو الحارث بن كعب، كما نقل الصفار في شرح الكتاب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر - مثنى، أو مجموع - أتي فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع (1)، فتقول: " قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات " فتكون الالف والواو والنون حروفا تدل على التثنية والجمع، كما كانت التاء في " قامت هند " حرفا تدل على التأنيث عند جميع العرب (2)، والاسم الذي بعد الفعل المذكور مرفوع به، كما ارتفعت " هند " ب " قامت "، ومن ذلك قوله:.
    __________
    (1) وليس الاتيان بعلامة التثنية إذا كان الفاعل مثنى أو بعلامة الجمع إذا كان الفاعل
    مجموعا واجبا عند هؤلاء، بل إنهم ربما جاءوا بالعلامة، وربما تركوها.
    (2) الفرق بين علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع من ثلاثة أوجه: الاول: أن إلحاق علامة التثنية والجمع لغة لجماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طيئ، ويقال: هم أزدشنوءة - وأما إلحاق تاء التأنيث فلغة جميع العرب.
    الثاني: أن إلحاق علامة التثنية والجمع عند من يلحقها جائز في جميع الاحوال، ولا يكون واجبا أصلا، فأما إلحاق علامة التأنيث فيكون واجبا إذا كان الفاعل = (*)
    (1/468)

    142 تولى قتال المارقين بنفسه وقد أسلماه مبعد وحميم.
    __________
    = ضميرا متصلا لمؤنث مطلقا، وإذا كان الفاعل اسما ظاهرا حقيقي التأنيث، على ما سيأتي بيانه وتفصيله في هذا الباب.
    الثالث: أن احتياج الفعل إلى علامة التأنيث أقوى من احتياجه إلى علامة التثنية والجمع، لان الفاعل قد يكون مؤنثا بدون علامة ويكون الاسم مع هذا مشتركا بين المذكر والمؤنث كزيد وهند، فقد سمى بكل من زيد وهند مذكر وسمى بكل منهما مؤنث، فإذا ذكر الفعل بدون علامة التأنيث لم يعلم أمؤنث فاعله أم مذكر، فأما المثنى والجمع فإنه لا يمكن فيهما احتمال المفرد.
    142 - البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات، يرثي مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وكان عبيد الله بن قيس هذا من شيعة الزبيريين، وكان مصعب قد خرج على الخلافة الاموية مع أخيه عبد الله بن الزبير، وعبيد الله بن قيس الرقيات هو الذي يقول: كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء ؟ تذهل الشيخ عن بنيه، وتبدي عن براها العقيلة العذراء ولما قتل مصعب بن الزبير قال كلمة يرثيه بها، منها بيت الشاهد، وأول رثائها قوله:
    لقد أورث المصرين حزنا وذلة قتيل بدير الجاثليق مقيم اللغة: " المارقين " الخارجين عن الدين كما يخرج السهم من الرمية " مبعد " أراد به الاجنبي " وحميم " الصديق الذي يهتم لامر صديقه " أسلماه " خذلاه، ولم يعيناه.
    الاعراب: " تولى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على مصعب " قتال " مفعول به لتولى، وقتال مضاف، و " المارقين " مضاف إليه " بنفسه " جار ومجرور متعلق بتولى، أو الباء زائدة، ونفس: تأكيد للضمير المستتر في تولى، ونفس مضاف وضمير الغائب العائد إلى مصعب مضاف إليه " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " أسلماه " أسلم: فعل ماض، والالف حرف دال على التثنية، والهاء ضمير الغائب العائد إلى مصعب مفعول به لاسلم " مبعد " فاعل أسلم " وحميم " الواو حرف عطف، حميم: معطوف على مبعد.
    =
    (1/469)

    وقوله: 143 - يلومونني في اشتراء النخيل أهلي، فكلهم يعذل.
    __________
    = الشاهد فيه: قوله " وقد أسلماه مبعد وحميم " حيث وصل بالفعل ألف التثنية مع أن الفاعل اسم ظاهر.
    وكان القياس على الفصحى أن يقول " وقد أسلمه مبعد وحميم ".
    وسيأتي لهذا الشاهد نظائر في شرح الشاهدين الآتيين رقم 143 و 144.
    143 - هذا البيت من الشواهد التي لم يعينوا قائلها، وبعده قوله: وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الاول اللغة: " يلومونني " تقول: لام فلان فلانا على كذا يلومه لوما - بوزان قال يقول قولا - ولومة، وملامة، وإذا أردت المبالغة قلت: لومه - بتشديد الواو " يعذل " العذل - بفتح فسكون - هو اللوم، وفعله من باب ضرب " يلحونه " تقول: لحا
    فلان فلانا يلحوه - مثل دعاه يدعوه - ولحاه يلحاه - مثل نهاه ينهاه - إذا لامه وعذله.
    الاعراب: " يلومونني " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو حرف دال على الجماعة، والنون للوقاية، والياء مفعول به ليلوم " في اشتراء " جار ومجرور متعلق بيلوم، واشتراء مضاف، و " النخيل " مضاف إليه " أهلي " أهل: فاعل يلوم، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " فكلهم " كل: مبتدأ، وكل مضاف، وهم: مضاف إليه " يعذل " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل الواقع مبتدأ، والجملة من يعذل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
    الشاهد فيه: قوله " يلومونني.
    أهلي " حيث وصل واو الجماعة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل، وهذه لغة طيئ، وقيل: لغة أزدشنوءة.
    وبذكر النحاة مع هذا الشاهد والذي قبله قول الشاعر (وهو أبو فراس الحمداني): نتج الربيع محاسنا ألقحنها غر السحائب ومثله قول " تميم " وهو من شعراء اليتيمة: إلى أن رأيت النجم وهو مغرب وأقبلن رايات الصباح من الشرق فقد وصل كل منهما نون النسوة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده، = (*)
    (1/470)

    وقوله: 144 - رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر.
    __________
    = وهو قوله " غر السحائب " في الاول، و " رايات الصباح " في الثاني، وكذلك قول عمرو بن ملقط: ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه
    فقد وصل ألف الاثنين بالفعل في قوله " ألفيتا " مع كونه مسندا إلى المثنى الذي هو قوله " عيناك " وكذلك قول عروة بن الورد: وأحقرهم وأهونهم عليه وإن كانا له نسب وخير فقد ألحق ألف الاثنين بالفعل في قوله " كانا " مع كونه مسندا إلى اثنين قد عطف أحدهما على الآخر، وذلك قوله " نسب وخير " ومثله قول الاخر: نسيا حاتم وأوس لدن فاضت عطاياك يا ابن عبد العزيز ومحل الاستشهاد في قوله " نسيا حاتم وأوس " وهذا مع ما أنشدناه من بيت عمرو بن ملقط يدل على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل، وسيأتي لهذه المسألة شواهد أخرى في شرح الشاهد 144 الآتي.
    144 - البيت لابي عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبي، من ولد عتبة بن أبي سفيان.
    اللغة: " الغواني " جمع غانية، وهي هنا التي استغنت بجمالها عن الزينة " لاح " ظهر " النواضر " الجميلة، مأخوذ من النضرة، وهي الحسن والرواء، والنواضر: جمع ناضر.
    الاعراب: " رأين " رأى: فعل ماض، وهي هنا بصرية، والنون حرف دال على جماعة الاناث " الغواني " فاعل رأى " الشيب " مفعول به لرأى " لاح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الشيب " بعارضي " الباء حرف جر، وعارض: مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بلاح، وعارض مضاف، = (*)
    (1/471)

    ف " مبعد وحميم " مرفوعان بقوله " أسلماه " والالف في " أسلماه " حرف يدل على كون الفاعل اثنين، وكذلك " أهلي " مرفوع بقوله " يلومونني " والواو حرف يدل على الجمع، و " الغواني " مرفوع ب " رأين " والنون
    حرف يدل على جمع المؤنث، وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله: " وقد يقال سعدا وسعدوا إلى آخر البيت ".
    ومعناه أنه قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدل على التثنية، أو الجمع، فأشعر قوله " وقد يقال " بأن ذلك قليل، والامر كذلك.
    وإنما قال: " والفعل للظاهر بعد مسند " لينبه على أن مثل هذا التركيب.
    __________
    = وياء المتكلم مضاف إليه " فأعرضن " فعل وفاعل " عني، بالخدود " جاران ومجروران متعلقان بأعرض " النواضر " صفة للخدود.
    الشاهد فيه: قوله " رأين الغواني " فإن الشاعر قد وصل الفعل بنون النسوة في قوله " رأين " مع ذكر الفاعل الظاهر بعده، وهو قوله " الغواني " كما أوضحناه في الاعراب، ومثله قول الآخر: فأدركنه خالاته فخذلنه ألا إن عرق السوء لا بد مدرك ومن شواهد المسألة الشاهد رقم 99 الذي سبق في باب إن وأخواتها وقول الشاعر: نصروك قومي، فاعتززت بنصرهم ولو انهم خذلوك كنت ذليلا فقد ألحق علامة جمع الذكور - وهي الواو - بالفعل في قوله " نصروك " مع أن هذا الفعل مسند إلى فاعل ظاهر بعده، وهو قوله " قومي ".
    وقد ورد في الحديث كثير على هذه اللغة، فمن ذلك ما جاء في حديث وائل بن حجر " ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه " وقوله " يخرجن العواتق وذوات الخدود " وقوله " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " وسنتكلم على هذا الحديث الاخير بعد هذا كلاما خاصا (انظر الهامشة 1 في ص 473)، لان ابن مالك يسمي هذه اللغة " لغة يتعاقبون فيكم الملائكة ".
    (*)
    (1/472)

    إنما يكون قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذي بعده، وأما إذا جعلته
    مسندا إلى المتصل به - من الالف، والواو، والنون - وجعلت الظاهر مبتدأ، أو بدلا من الضمير، فلا يكون ذلك قليلا، وهذه اللغة القليلة هي التي يعبر عنها النحويون بلغة " أكلوني البراغيث "، ويعبر عنها المصنف في كتبه بلغة " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " (1)، ف " البراغيث " فاعل " أكلوني " و " ملائكة " فاعل " يتعاقبون " هكذا زعم المصنف.
    * * * ويرفع الفاعل فعل أضمرا كمثل " زيد " في جواب " من قرا " ؟ (2).
    __________
    (1) قد استشهد ابن مالك على هذه اللغة بهذا الحديث، وذلك على اعتبار أن الواو في " يتعاقبون " علامة جمع الذكور، و " ملائكة " وهو الفاعل مذكور بعد الفعل المتصل بالواو.
    وقد تكلم على هذا الاستدلال قوم، من المؤلفين، وقالوا: إن هذه الجملة قطعة من حديث مطول، وقد روى هذه القطعة مالك رضي الله عنه في الموطأ، وأصله " إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار " فإذا نظرت إلى الحديث المطول كانت الواو في " يتعاقبون " ليست علامة على جمع الذكور، ولكنها ضمير جماعة الذكور، وهي فاعل، وجملة الفعل وفاعله صفة لملائكة الواقع اسم إن، و " ملائكة " المرفوع بعده ليس فاعلا، ولكنه من جملة مستأنفة القصد منها تفصيل ما أجمل أولا، فهو خبر مبتدأ محذوف، ولورود هذا الكلام على هذا الاستدلال تجد الشارح يقول في آخر تقريره: " هكذا زعم المصنف " يريد أن يبرأ من تبعته، ولقائل أن يقول: إن الاستدلال بالقطعة التي رواها مالك بن أنس في الموطأ، بدون التفات إلى الحديث المطول المروى في رواية أخرى.
    (2) " ويرفع " فعل مضارع " الفاعل " مفعول به ليرفع " فعل " فاعل يرفع " أضمرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره
    هو يعود إلى فعل، والجملة من أضمر ونائب فاعله في محل رفع صفة لفعل " كمثل " الكاف = (*)
    (1/473)

    إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه، وإبقاء فاعله، كما إذا قيل لك: " من قرأ " ؟ فتقول: " زيد " التقدير: " قرأ زيد " وقد يحذف الفعل وجوبا، كقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) ف " أحد " فاعل بفعل محذوف وجوبا، والتقدير " وإن استجارك [ أحد استجارك ] "، وكذلك كل اسم مرفوع وقع بعد " إن " أو " إذا " فإنه مرفوع بفعل محذوف وجوبا، ومثال ذلك في " إذا " قوله تعالى: (إذا السماء انشقت) ف " السماء " فاعل بفعل محذوف، والتقدير " إذا انشقت السماء انشقت " وهذا مذهب جمهور النحويين (1)، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب الاشتغال، إن شاء الله تعالى.
    * * *.
    __________
    = زائدة، مثل: خبر لمبتدأ محذوف " زيد " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: قرأ زيد " في جواب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من زيد " من " اسم استفهام مبتدأ " قرا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الاستفهامية الواقعة مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
    (1) خلاصة القول في هذه المسألة أن فيها ثلاثة مذاهب: أولها: مذهب جمهور البصريين، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور بعده، وهو الذي قرره الشارح.
    والمذهب الثاني: مذهب جمهور النحاة الكوفيين، وحاصله أن هذا الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بنفس الفعل المذكور بعده، وليس في الكلام محذوف يفسره.
    المذهب الثالث: مذهب أبي الحسن الاخفش، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن
    وإذا الشرطيتين مبتدأ، وأن الفعل المذكور بعده مسند إلى ضمير عائد على ذلك الاسم، والجملة من ذلك الفعل وفاعله المضمر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير.
    = (*)
    (1/474)

    وتاء تأنيث تلي الماضي، إذا كان لانثى، ك " أبت هند الاذى " (1).
    __________
    = فأما سبب هذا الاختلاف فيرجع إلى أمرين: الامر الاول: هل يجوز أن تقع الجملة الاسمية بعد أدوات الشرط، فالجمهور من الكوفيين والبصريين على أنه لا يجوز ذلك، ولو وقع في الكلام ما ظاهره ذلك فهو مؤول بتقدير الفعل متصلا بالاداة، غير أن البصريين قالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة، فعل محذوف يرشد إليه الفعل المذكور، وأما الكوفيون فقالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة هو نفس الفعل المذكور بعد الاسم.
    وذهب أبو الحسن الاخفش إلى أنه يجوز في إن وإذا خاصة من دون سائر أدوات الشرط - أن تقع بعدهما الجمل الاسمية، وعلى هذا لسنا في حاجة إلى تقدير محذوف، ولا إلى جعل الكلام على التقديم والتأخير.
    والامر الثاني: هل يجوز أن يتقدم الفاعل على فعله ؟ فذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، ولهذا جعلوا الاسم المرفوع بعد الاداتين فاعلا بذلك الفعل المتأخر، وذهب جمهور البصريين إلى أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على رافعه - فعلا كان هذا الرافع أو غير - فعل فلهذا اضطروا إلى تقدير فعل محذوف يفسره الفعل المذكور ليرتفع به ذلك الاسم.
    وقد نسب جماعة من متأخري المؤلفين - كالعلامة الصبان - مذهب الاخفش إلى الكوفيين.
    والصواب ما قدمنا ذكره.
    وبعد، فانظر ما يأتي لنا تحقيقه في شرح الشاهد 157 (1) " وتاء " مبتدأ، وتاء مضاف، و " تأنيث " مضاف إليه " تلي " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى تاء تأنيث، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " الماضي " مفعول به لتلي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضي، وخبره محذوف " لانثى " جار ومجرور متعلق بخبر " كان " المحذوف، أي إذا كان مسندا لانثى " كأبت هند الاذى " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كاتن كقولك، وما بعد الكاف فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل نصب بذلك المقول المحذوف.
    (*)
    (1/475)

    إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثا، ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي، نحو " قامت هند، وطلعت الشمس "، لكن لها حالتان: حالة لزوم، وحالة جواز، وسيأتي الكلام على ذلك.
    * * * وإنما تلزم فعل مضمر متصل، أو مفهم ذات حر (1) تلزم تاء التأنيث الساكنة الفعل الماضي في موضعين: أحدهما: أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل، ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي، فتقول: " هنا قامت، والشمس طلعت "، ولا تقول: " قام " ولا " طلع " فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء، نحو " هند ما قام إلا هي ".
    الثاني: أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث، نحو " قامت هند "
    وهو المراد بقوله " أو مفهم ذات حر " وأصل حر حرح، فحذفت لام الكلمة.
    وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين، فلا تلزم في المؤنث.
    __________
    (1) " وإنما " حرف دال على الحصر " تلزم " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على تاء التأنيث " فعل " مفعول به لتلزم، وفعل مضاف، و " مضمر " مضاف إليه " متصل " نعت لمضمر " أو مفهم " معطوف على مضمر، وفاعل مفهم ضمير مستتر فيه، لانه اسم فاعل " ذات " مفعول به لمفهم، وذات مضاف، و " حر " مضاف إليه.
    (*)
    (1/476)

    المجازي الظاهر، فتقول: " طلع الشمس، وطلعت الشمس " ولا في الجمع، على ما سيأتي تفصيله.
    * * * وقد يبيح الفصل ترك التاء، في نحو " أتى القاضي بنت الواقف " (1) إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير " إلا " جاز إثبات التاء وحذفها، والاجود الاثبات، فتقول: " أتى القاضي بنت الواقف " والاجود " أتت " وتقول: " قام اليوم هند " والاجود " قامت ".
    * * * والحذف مع فصل بإلا فضلا، ك " ما زكا إلا فتاة ابن العلا " (2) وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث ب " إلا " لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول: " ما قام إلا هند، وما طلع إلا الشمس " ولا يجوز.
    __________
    (1) " وقد " حرف تقليل " يبيح " فعل مضارع " الفصل " فاعل يبيح " ترك " مفعول به ليبيح، وترك مضاف، و " التاء " مضاف إليه " في نحو " جار ومجرور
    متعلق بيبيح " أتى " فعل ماض " القاضي " مفعول به مقدم على الفاعل " بنت " فاعل أتى مؤخر عن المفعول، وبنت مضاف، " الواقف " مضاف إليه، وجملة الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها.
    (2) " والحذف " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في " فضلا " الآتي، ومع مضاف، و " فصل " مضاف إليه " بإلا " جار ومجرور متعلق بفصل " فضلا " فضل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كما " الكاف جارة لقول محذوف، وما: نافية " زكا " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " فتاة " فاعل زكا، وفتاة مضاف و " ابن " مضاف إليه، وابن مضاف، و " العلا " مضاف إليه.
    (*)
    (1/477)

    " ما قامت إلا هند "، ولا " ما طلعت إلا الشمس "، وقد جاء في الشعر كقوله: 145 - * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع *.
    __________
    145 هذا عجز بيت لذي الرمة - غيلان بن عقبة - وصدره: * طوى النحز والاجراز ما في غروضها * وهذا البيت من قصيدة له طويلة، أولها قوله: أمنزلتي مي، سلام عليكما ! هل الا زمن اللائي مضين رواجع ؟ وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الاثافي والديار البلاقع ؟ اللغة: " النحز " - بفتح فسكون - الدفع، والنخس، والسوق الشديد " والاجراز " جمع: جرز - بزنة سبب أو عنق - وهي الارض اليابسة لانبات فيها " غروضها " جمع غرض - بفتح أوله - وهو للرحل بمنزلة الحزام للسرج، والبطان للقتب، وأراد هنا ما تحته، وهو بطن الناقة وما حوله، بعلاقة المجاورة " الجراشع " جمع جرشع -
    بزنة قنفذ - وهو المنتفخ.
    المعنى: يصف ناقته بالكلال والضمور والهزال مما أصابها من توالي السوق، والسير في الارض الصلبة، حتى دق ما تحت غرضها، ولم يبق إلا ضلوعها المنتفخة، فكأنه يقول: أصاب هذه الناقة الضمور والهزال والطوى بسبب شيئين: أولهما استحثاثي لها على السير بدفعها وتخسها، والثاني أنها تركض في أرض يابسة صلبة ليس بها نبات، وهي مما يشق السير فيه.
    الاعراب: " طوى " فعل ماض " النحز " فاعل " والاجراز " معطوف على الفاعل " ما " اسم موصول: مبني على السكون في محل نصب مفعول به لطوى " في غروضها " الجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، وغروض مضاف، وها: ضمير عائد إلى الناقة مضاف إليه " فما " نافية " بقيت " بقي: فعل ماض، والتاء للتأنيث " إلا " أداة استثناء ملغاة " الضلوع " فاعل بقيت " الجراشع " صفة للضلوع.
    الشاهد فيه: قوله " فما بقيت إلا الضلوع " حيث أدخل تاء التأنيث على الفعل، = (*)
    (1/478)

    فقول المصنف: " إن الحذف مفضل على الاثبات " يشعر بأن الاثبات - أيضا - جائز، وليس كذلك (1)، لانه إن أراد به أنه مفضل عليه باعتبار أنه ثابت في النثر والنظم، وأن الاثبات إنما جاء في الشعر، فصحيح، وإن أراد أن الحذف أكثر من الاثبات فغير صحيح، لان الاثبات قليل جدا.
    * * * والحذف قد يأتي بلا فصل، ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع (2).
    __________
    = لان فاعله مؤنث، مع كونه قد فصل بين الفعل والفاعل بإلا، وذلك - عند الجمهور - مما لا يجوز في غير الشعر.
    ومثل هذا الشاهد قول الراجز: ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم
    (1) إن الذي ذكره الشارح تجن على الناظم، وإلزام له بمذهب معين قد لا يكون ذهب إليه في هذا الكتاب، وذلك بأن هذه المسألة خلافية بين علماء النحو، فمنهم من ذهب إلى أن لحاق تاء التأنيث وعدم إلحاقها جائزان إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث بإلا، ومع جواز الامرين حذف التاء أفضل، وهذا هو الذي يصح أن يحمل عليه كلام الناظم، لانه صريح الدلالة عليه.
    ومن العلماء من ذهب إلى أن حذف التاء في هذه الحالة أمر واجب لا يجوز العدول عنه إلا في ضرورة الشعر، من أجل أن الفاعل على التحقيق ليس هو الاسم الواقع بعد إلا، ولكنه اسم مذكر محذوف، وهو المستثنى منه، فإذا قلت " لم يزرني إلا هند " فإن أصل الكلام: لم يزرني أحد إلا هند، وأنت لو صرحت بهذا المحذوف على هذا التقدير لم يكن لك إلا حذف التاء، لان الفاعل مذكر، وهذا هو الذي يريد الشارح أن يلزم به الناظم، لانه مذهب الجمهور، وهو إلزام ما لا يلزم، على أن لنا في هذا التعليل وفي ترتيب الحكم عليه كلاما لا تتسع له هذه العجالة.
    (2) " والحذف " مبتدأ، وجملة " قد يأتي " وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " بلا فصل " جار ومجرور متعلق بيأتي " ومع " الواو عاطفة أو للاستئناف، مع ظرف متعلق بوقع الآتي، ومع مضاف، و " ضمير " مضاف إليه، وضمير مضاف و " ذي " بمعنى صاحب: مضاف إليه، وذي مضاف و " المجاز " مضاف إليه " في شعر " جار ومجرور متعلق بوقع الآتي " وقع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود = (*)
    (1/479)

    قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل، وهو قليل جدا، حكى سيبويه: " قال فلانة "، وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي، وهو مخصوص بالشعر، كقوله: 146 - فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها * * *
    .
    __________
    = إلى الحذف، وتقدير البيت: وحذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى مؤنث قد يجئ في كلام العرب من غير فصل بين الفعل وفاعله، وقد وقع ذلك الحذف في الشعر مع كون الفاعل ضميرا عائدا إلى مؤنث مجازي التأنيث.
    146 - البيت لعامر بن جوين الطائي، كما نسب في كتاب سيبويه (1 - 240) وفي شرح شواهده للاعلم الشنتمري.
    اللغة: " المزنة " السحابة المثقلة بالماء " الودق " المطر، وفي القرآن الكريم (فترى الودق يخرج من خلاله) " أبقل " أنبت البقل، وهو النبات.
    الاعراب: " فلا " نافية تعمل عمل ليس " مزنة " اسمها، وجملة " ودقت " وفاعله المستتر العائد إلى مزنة في محل نصب خبر لا " ودقها " ودق: منصوب على المفعولية المطلقة، وودق مضاف وها: مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة لجملة على جملة، ولا: نافية للجنس تعمل عمل إن " أرض " اسم لا، وجملة " أبقل " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبرها " إبقالها " إبقال: مفعول مطلق، وإبقال مضاف وضمير الغائبة في محل جر مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " ولا أرض أثقل " حيث حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث، وهذا الفعل هو " أبقل " وهو مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الارض، وهي مؤنثة مجازية التأنيث، ويروى: * ولا أرض أبقلت ابقالها * بنقل حركة الهمزة من " إبقالها " إلى التاء في " أبقلت " وحينئذ لا شاهد فيه.
    ومثل هذا البيت قول الاعشى ميمون بن قيس: فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها = (*)
    (1/480)

    والتاء مع جمع سوى السالم من
    مذكر كالتاء مع إحدى اللبن (1) والحذف في " نعم الفتاة " استحسنوا لان قصد الجنس فيه بين (2).
    __________
    = ومحل الاستشهاد منه قوله " أودى بها " حيث لم يلحق تاء التأنيث بالفعل الذي هو قوله " أودى " مع كونه مسندا إلى ضمير مستتر عائد إلى اسم مؤنث وهو الحوادث الذي هو جمع حادثة، وقد عرفت أن الفعل إذا أسند إلى ضمير راجع إلى مؤنث وجب تأنيثه، سواء أكان مرجعه حقيقي التأنيث، أم كان مرجع الضمير مجازي التأنيث، وترك التاء حينئذ مما لا يجوز ارتكابه إلا في ضرورة الشعر، فلما اضطر الشاعر في بيت الشاهد وفيما أنشدناه من قول الاعشى على الرواية المشهورة حذف علامة التأنيث من الفعل.
    (1) " والتاء " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال منه، أو من الضمير المستتر في خبره، ومع مضاف، و " جمع " مضاف إليه " سوى " نعت لجمع، وسوى مضاف و " السالم " مضاف إليه " من مذكر " جار ومجرور متعلق بالسالم " كالتاء " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من التاء المجرور بالكاف، ومع مضاف و " إحدى " مضاف إليه، وإحدى مضاف و " اللبن " مضاف إليه.
    (2) " والحذف " بالنصب: مفعول مقدم لاستحسنوا " في نعم الفتاة " جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بالحذف أو باستحسنوا " استحسنوا " فعل وفاعل " لان " اللام حرف جر، أن: حرف توكيد ونصب " قصد " اسم أن، وقصد مضاف و " الجنس " مضاف إليه " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله بين الآتي " بين " خبر " أن " وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بقوله استحسنوا، وتقدير الكلام: استحسنوا الحذف في " نعم الفتاة " لظهور قصد
    الجنس فيه، ويجوز أن يكون الحذف بالرفع مبتدأ، وجملة " استحسنوا " خبره، والرابط محذوف، والتقدير: الحذف استحسنوه إلخ، وهذا الوجه ضعيف، لاحتياجه إلى التقدير، وسيبويه يأبى مثله.
    (*)
    (1/481)

    إذا أسند الفعل إلى جمع: فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر، أولا، فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء، فتقول: " قام الزيدون "، ولا يجوز " قامت الزيدون " (1)، وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر - بأن كان.
    __________
    (2) الاشياء التي تدل على معنى الجمع ستة أشياء، الاول: اسم الجمع نحو قوم ورهط ونسوة، والثاني: اسم الجنس الجمعي نحو روم وزنج وكلم، والثالث: جمع التكسير لمذكر نحو رجال وزيود، والرابع: جمع التكسير لمؤنث نحو هنود وضوارب، والخامس: جمع المذكر السالم نحو الزيدين والمؤمنين والبنين، والسادس: جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات، وللعلماء في الفعل المسند إلى هذه الاشياء ثلاثة مذاهب: المذهب الاول: مذهب جمهور الكوفيين، وهو أنه يجوز في كل فعل أسند إلى شئ من هذه الاشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا، والسر في هذا أن كل واحد من الاشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث، فنقول على هذا: جاء القوم، وجاءت القوم، وفي الكتاب العزيز (وقال نسوة في المدينة) وتقول: زحف الروم، وزحفت الروم، وفي الكتاب الكريم: (غلبت الروم) وتقول: جاء الرجال، وجاءت الرجال، وتقول: جاء الهنود، وجاءت الهنود، وتقول جاء الزينبات، وجاءت الزينبات، وفي التنزيل: (إذا جاءك المؤمنات) وقال عبدة بن الطييب من قصيدة له:
    فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والظاعنون إلي، ثم تصدعوا وتقول: جاء الزيدون، وجاءت الزيدون، وفي التنزيل: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) وقال قريط بن أنيف أحد شعراء الحماسة: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا والمذهب الثاني: مذهب أبي علي الفارسي، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في جميع هذه الانواع، إلا نوعا واحدا، وهو جمع المذكر السالم، فإنه لا يجوز في الفعل الذي يسند إليه إلا التذكير، وأنت لو تأملت في كلام الناظم لوجدته بحسب ظاهره مطابقا لهذا المذهب، لانه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر.
    = (*)
    (1/482)

    جمع تكسير لمذكر كالرجال، أو لمؤنث كالهنود، أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات - جاز إثبات التاء وحذفها، فتقول: " قام الرجال، وقامت الرجال، وقام الهنود، وقامت الهنود، وقام الهندات، وقامت الهندات "، فإثبات التاء لتأوله بالجماعة، وحذفها لتأوله بالجمع.
    وأشار بقوله: " كالتاء مع إحدى اللبن " إلى أن التاء مع جمع التكسير، وجمع السلامة لمؤنث، كالتاء مع [ الظاهر ] المجازي التأنيث كلبنة، فكما تقول: " كسرت اللبنة، وكسر اللبنة " تقول: " قام الرجال، وقامت الرجال " وكذلك باقي ما تقدم.
    وأشار بقوله: " والحذف في نعم الفتاة - إلى آخر البيت " إلى أنه يجوز في " نعم " وأخواتها - إذا كان فاعلها مؤنثا - إثبات التاء وحذفها، وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا، فتقول: " نعم المرأة هند، ونعمت المرأة هند " وإنما جاز ذلك لان فاعلها مقصود به استغراق الجنس، فعومل معاملة جمع التكسير في جواز إثبات التاء وحذفها، لشبهه به في أن المقصود به متعدد،
    .
    __________
    = والمذهب الثالث: مذهب جمهور البصريين، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في أربعة أنواع، وهي: اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، وجمع التكسير لمذكر، وجمع التكسير لمؤنث، وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز في فعله إلا التذكير، وأما جمع المؤنث السالم فلا يجوز في فعله إلا التأنيث، وقد حاول جماعة من الشراح كالاشموني أن يحملوا كلام الناظم عليه، فزعموا أن الكلام على نية حذف الواو والمعطوف بها، وأن أصل الكلام " سوى السالم من جمع مذكر ومن جمع مؤنث " ولكن شارحنا رحمه الله لم يتكلف هذا التكلف، لانه رأى أن لظاهر الكلام محملا حسنا، وهو أن يوافق مذهب أبي علي الفارسي، فاحفظ هذا التحقيق واحرص عليه، فإنه نفيس دقيق قلما تعثر عليه مشروحا مستدلا له في يسر وسهولة.
    (*)
    (1/483)

    ومعنى قوله " استحسنوا " أن الحذف في هذا ونحوه حسن، ولكن الاثبات أحسن منه.
    * * * والاصل في الفاعل أن يتصلا والاصل في المفعول أن ينفصلا (1) وقد يجاء بخلاف الاصل، وقد يجي المفعول قبل الفعل (2) الاصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل، لانه كالجزء منه، ولذلك يسكن له آخر الفعل: إن كان ضمير متكلم، أو مخاطب، نحو " ضربت، وضربت "، وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات، وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة، فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.
    والاصل في المفعول أن ينفصل من الفعل: بأن يتأخر عن الفاعل، ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره، فتقول " ضرب زيدا عمرو "،
    وهذا معنى قوله: " وقد يجاء بخلاف الاصل "..
    __________
    (1) " والاصل " مبتدأ " في الفاعل " جار ومجرور متعلق بالاصل " أن " مصدرية " يتصلا " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الفاعل، و " أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ " والاصل في المفعول أن ينفصلا " مثل الشطر السابق تماما، وتقدير الكلام: والاصل في الفاعل اتصاله بالفعل، والاصل في المفعول انفصاله من الفعل بالفاعل.
    (2) " وقد " حرف تقليل " يجاء " فعل مضارع مبني للمجهول " بخلاف " جار ومجرور في موضع نائب فاعل ليجاء، وخلاف مضاف، و " الاصل " مضاف إليه " وقد " حرف تقليل " يجي " فعل مضارع " المفعول " فاعل يجي " قبل " ظرف متعلق بمحذوف حال من المفعول، وقبل مضاف، و " الفعل " مضاف إليه.
    (*)
    (1/484)

    وأشار بقوله: " وقد يجي المفعول قبل الفعل " إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل، وتحت هذا قسمان: أحدهما: ما يجب تقديمه، وذلك (1) كما إذا كان المفعول اسم شرط، نحو " أيا تضرب [ أضرب ] " أو اسم استفهام، نحو " أي رجل ضربت ؟ " أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله، نحو (إياك نعبد) فلو أخر المفعول لزم الاتصال، وكان يقال: " نعبدك " فيجب التقديم، بخلاف قولك " الدرهم إياه أعطيتك " فإنه لا يجب تقديم " إياه " لانك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله، على ما تقدم في باب المضمرات، فكنت تقول: " الدرهم أعطيتكه، وأعطيتك إياه "..
    __________
    (1) يجب تقديم المفعول به على الفعل العامل فيه في ثلاثة مواضع، وقد ذكر الشارح موضعين منها من غير ضبط.
    الموضع الاول: أن يكون المفعول واحدا من الاشياء التي يجب لها التصدر، وذلك بأن يكون اسم شرط أو اسم استفهام، أو يكون المفعول " كم " الخبرية، نحو: كم عبيد ملكت، أو مضافا إلى واحد مما ذكر، نحو غلام من تضرب أضرب، ونحو غلام من ضربت ؟ ونحو مال كم رجل غصبت.
    الموضع الثاني: أن يكون المفعول ضميرا منفصلا في غير باب " سلنيه " و " خلتنيه " اللذين يجوز فيهما الفصل والوصل مع التأخر، نحو قوله تعالى: (إياك نعبد، وإياك نستعين).
    الموضع الثالث: أن يكون العامل في المفعول واقعا في جواب " أما " وليس معنا ما يفصل بين " أما " والفعل من معمولاته سوى هذا المفعول، سواء أكانت " أما " مذكورة في الكلام نحو قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) أم كانت مقدرة نحو قوله سبحانه (وربك فكبر) فإن وجد ما يكون فاصلا بين " أما " والفعل سوى المفعول لم يجب تقديم المفعول على الفعل، نحو قولك: أما اليوم فأد واجبك، والسر في ذلك أن " ما " يجب أن يفصل بينها وبين الفاء بمفرد، فلا يجوز أن تقع الفاء بعدها مباشرة، ولا أن يفصل بينها وبين الفاء بجملة، كما سيأتي بيانه في بابها.
    (*)
    (1/485)

    والثاني: ما يجوز تقديمه وتأخيره، نحو " ضرب زيد عمرا "، فتقول: " عمرا ضرب زيد " (1).
    * * * وأخر المفعول إن لبس حذر، أو أضمر الفاعل غير منحصر (2).
    __________
    (1) بقيت صورة أخرى، وهي أنه قد يجب تأخير المفعول عن الفعل، وذلك في خمسة مواضع: الاول: أن يكون المفعول مصدرا مؤولا من أن المؤكدة ومعموليها، مخففة
    كانت " أن " أو مشددة، نحو قولك: عرفت أنك فاضل، ونحو قوله تعالى " علم أن لن تحصوه " إلا أن تتقدم عليه " أما " نحو قولك: أما أنك فاضل فعرفت.
    الموضع الثاني: أن يكون الفعل العامل فيه فعل تعجب، نحو قولك: ما أحسن زيدا، وما أكرم خالدا.
    الموضع الثالث: أن يكون الفعل العامل فيه صلة لحرف مصدري ناصب وذلك أن وكي نحو قولك: يعجبني أن تضرب زيدا، ونحو قولك: جئت كي أضرب زيدا فإن كان الحرف المصدري غير ناصب لم يجب تأخير المفعول عن العامل فيه، نحو قولك: وددت لو تضرب زيدا، يجوز أن تقول: وددت لو زيدا تضرب، ونحو قولك يعجبني ما تضرب زيدا، فيجوز أن تقول: يعجبني ما زيدا تضرب.
    الموضع الرابع: أن يكون الفعل العامل فيه مجزما بجازم ما، وذلك كقولك لم تضرب زيدا، لا يجوز أن تقول: لم زيدا تضرب، فإن قدمت المفعول على الجازم - فقلت زيدا لم تضرب - جاز.
    الموضع الخامس: أن يكون الفعل العامل منصوبا بلن عند الجمهور أو بإذن عند غير الكسائي، نحو قولك: لن أضرب زيدا، ونحو قولك: إذن أكرم المجتهد، فلا يجوز أن تقول: لن زيدا أضرب: كما لا يجوز عند الجمهور أن تقول: إذن المجتهد أكرم، وأجاز الكسائي أن تقول: إذا المجتهد أكرم.
    (2) " وأخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المفعول " = (*)
    (1/486)

    يجب تقديم الفاعل على المفعول، إذا خيف التباس أحدهما بالآخر، كما إذا خفي الاعراب فيهما، ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول، وذلك نحو " ضرب موسى عيسى " فيجب كون " موسى " فاعلا، و " عيسى " مفعولا، وهذا مذهب الجمهور، وأجاز بعضهم تقديم المفعول في هذا ونحوه، قال: لان العرب لها
    غرض في الالتباس كما لها غرض في التبيين (1)..
    __________
    = مفعول به لاخر " إن " شرطية " لبس " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده " حذر " فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لبس، والجملة من حذر المذكور ونائب فاعله لا محل لها تفسيرية " أو " عاطفة " أضمر " فعل ماض مبني للمجهول " الفاعل " نائب فاعل أضمر " غير " حال من قوله الفاعل، وغير مضاف، و " منحصر " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.
    (1) الذي ذكر ذلك هو ابن الحاج، وقد أخطأ الجادة، فإن العرب لا يمكن أن يكون من أغراضها الالباس، إذ من شأن الالباس أن يفهم السامع غير ما يريد المتكلم ولم توضع اللغة إلا للافهام، وما ذكره ابن الحاج لتدعيم حجته مما جاء عن العرب كله ليس من الالباس في شئ، وإنما هو من باب الاجمال، فلما التبس عليه الفرق بين الالباس والاجمال لم يفرق بين حكمهما، والفرق بينهما أن الاجمال هو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر من غير أن يسبق أحد المعنيين إلى ذهن السامع، ألا ترى أنك لو سمعت كلمة " عمير " - بزنة التصغير - لاحتمل عندك أن يكون تصغير عمر كما يحتمل أن يكون تصغير عمرو، بدون أن يكون أحدهما أسبق إلى ذهنك من الآخر، فأما الالباس فهو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر مع تبادر غير المقصود منهما إلى ذهن السامع، وذلك كما في المثال الذي ذكره الشارح، ألا ترى أنك لو قلت " ضرب موسى عيسى " لاحتمل هذا الكلام أن يكون موسى مضروبا ولكنه يسبق إلى ذهنك أنه ضارب، بسبب أن الاصل أن يكون الفاعل واليا لفعله، ولا يمكن أن يكون هذا من مقاصد البلغاء، فافهم ذلك وتدبره.
    (*)
    (1/487)

    فإذا وجدت قرينة تبين الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره،
    فتقول: " أكل موسى الكمثرى، وأكل الكمثرى موسى (1) " وهذا معنى قوله: " وأخر المفعول إن لبس حذر ".
    ومعنى قوله: " أو أضمر الفاعل غير منحصر " أنه يجب - أيضا - تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور، نحو " ضربت زيدا " فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره، نحو " ما ضرب زيدا إلا أنا " (2) * * * وما بإلا أو بإنما انحصر أخر، وقد يسبق إن قصد ظهر (3).
    __________
    (1) قد تكون القرينة الدالة على الفاعل معنوية، وقد تكون لفظية، فالقرينة المعنوية كما في مثال الشارح، وقولك: أرضعت الصغرى الكبرى، إذ لا يجوز أن يكون الارضاع قد حصل من الصغرى للكبرى، كما لا يجوز أن يكون موسى مأكولا والكمثرى هي الآكل، والقرينة اللفظية ثلاثة أنواع، الاول: أن يكون لاحدهما تابع ظاهر الاعراب كقولك: ضرب موسى الظريف عيسى، فإن " الظريف " تابع لموسى فلو رفع كان موسى مرفوعا، ولو نصب كان موسى منصوبا كذلك، الثاني: أن يتصل بالسابق منهما ضمير يعود على المتأخر نحو قولك: ضرب فتاه موسى، فهنا يتعين أن يكون " فتاه " مفعولا، إذ لو جعلته فاعلا لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز، بخلاف مالو جعلته مفعولا فإن الضمير حينئذ عائد على متأخر لفظا متقدم رتبة وهو جائز الثالث: أن يكون أحدهما مؤنثا وقد اتصلت بالفعل علامة التأنيث، وذلك كقولك: ضربت موسى سلمى، فإن اقتران التاء بالفعل دال على أن الفاعل مؤنث، فتأخره حينئذ عن المفعول لا يضر.
    (2) ومن ذلك قول عمرو بن معد يكرب وأنشدناه في مباحث الضمير.
    قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا (3) " وما " اسم موصول: مفعول مقدم لاخر " بإلا " جار ومجرور متعلق = (*)
    (1/488)

    يقول: إذا انحصر الفاعل أو المفعول ب " إلا " أو ب " إنما " وجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور، إذا ظهر المحصور من غيره، وذلك كما إذا كان الحصر ب " إلا " فأما إذا كان الحصر ب " إنما " فإنه لا يجوز تقديم المحصور، إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره، بخلاف المحصور ب " إلا " فإنه يعرف بكونه واقعا بعد " إلا "، فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر.
    فمثال الفاعل المحصور ب " إنما " قولك: " إنما ضرب عمرا زيد " ومثال المفعول المحصور بإنما " إنما ضرب زيد عمرا " ومثال الفاعل المحصور ب " إلا " " ما ضرب عمرا إلا زيد " ومثال المفعول المحصور بإلا " ما ضرب زيد إلا عمرا " ومثال تقدم الفاعل المحصور ب " إلا " قولك: " ما ضرب إلا عمرو زيدا " ومنه قوله: 147 - فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا عشية آناء الديار وشامها.
    __________
    = بانحصر الآتي " أو " عاطفة " بإنما " جار ومجرور معطوف على " بإلا " " انحصر " فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من الفعل وفاعله لامحل لها صلة ما الموصولة " أخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وقد " حرف دال على التقليل " يسبق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما " إن " شرطية " قصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن ظهر قصد " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها تفسيرية.
    147 - هذا البيت من الشواهد التي لم ينسبها أحد ممن احتج به من أئمة النحو،
    وهو من شواهد سيبويه (1 - 270) وقد عثرت بعد طويل البحث على أنه من قصيدة طويلة لذي الرمة غيلان بن عقبة، وأولها قوله: = (*)
    (1/489)

    .
    __________
    = مررنا على دار لمية مرة وجاراتها، قد كاد يعفو مقامها وبعده بيت الشاهد، ثم بعده قوله: وقد زودت مي على النأي قلبه علاقات حاجات طويل سقامها فأصبحت كالهيماء: لا الماء مبرد صداها، ولا يقضي عليها هيامها اللغة: " آناء " من الناس من يرويه بهمزة ممدودة كآبار وآرام، ومنهم من يرويه بهمزة في أوله غير ممدودة وهمزة بعد النون ممدودة بوزن أعمال، وقد جعله العيني جمع نأي - بفتح النون - ومعناه البعد، وعندي أنه جمع نؤي - بزنة قفل أو صرد أو ذئب أو كلب وهو الحفيرة تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر.
    ويجوز أن تكون الهمزة في أوله ممدودة على أنه قدم الهمزة التي هي العين على النون فاجتمع في الجمع همزتان متجاورتان وثانيتهما ساكنة فقلبها ألفا من جنس حركة الاولى كما فعلوا بآبار وآرام جمع بئر ورئم.
    كما يجوز أن تكون المدة في الهمزة الثانية على الاصل.
    وقد جعله الشيخ خالد بكسر الهمزة الاولى على أنه مصدر بزنة الابعاد ومعناه، وهو بعيد فلا تلتفت إليه " وشامها " ضبطه غير واحد بكسر الواو بزنة جبال على أنه جمع وشم، وهو ما تجعله المرأة على ذراعها ونحوه: تغرز ذراعها بالايرة ثم تحشوه بدخان الشحم.
    وليس ذلك بصواب أصلا.
    وقد تحرف الكلام عليهم فانطلقوا يخرجونه ويتمحلون له والواو مفتوحة، وهي واو العطف، والشام: جمع شامة، وهي العلامة، وشام: معطوف إما على آناء وإما على عشية على ما سنبينه لك في الاعراب.
    هذا، ورواية الديوان هكذا: فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا أهلة آناء الديار وشامها
    المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى مقدار ما هيجته فينا من كوامن الشوق هذه العشية التي قضيناها بجوار آثار دار المحبوبة.
    وعلامات هذه الدار، الاعراب: " فلم " الفاء حرف عطف، لم: حرف نفي وجزم وقلب " يدر " فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء " إلا " أداة استثناء ملغاة " الله " فاعل يدري " ما " اسم موصول مفعول به ليدري، وجملة " هيجت " مع فاعله الآتي لا محل لها صلة = (*)
    (1/490)

    ومثال تقديم المفعول المحصور بإلا قولك: " ما ضرب إلا عمرا زيد "، ومنه قوله: 148 - تزودت من ليلى بتكليم ساعة فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها.
    __________
    = الموصول " لنا " جار ومجرور متعلق بهيجت " عشية " يجوز أن يكون فاعل لهيجت، وعيشة مضاف و " آناء " مضاف إليه، وآناء مضاف، و " الديار " مضاف إليه " وشامها " الواو حرف عطف، وشام: معطوف على عشية إن جعلته فاعل هيجت، وشام مضاف وضمير الغائبة العائد على الديار مضاف إليه، ولا تلتفت لغير هذا من أعاريب، ويجوز نصب عشية على الظرفية، ويكون " آناء " فاعلا لهيجت، ويكون قد حذف تنوين عشية للضرورة أو ألقى حركة الهمزة من آناء على تنوين عشية ثم حذف الهمزة، ويكون " شامها " معطوفا على آناء الديار.
    الشاهد فيه: قوله " فلم يدر إلا الله ما - إلخ " حيث قدم الفاعل المحصور بإلا، على المفعول، وقد ذهب الكسائي إلى تجويز ذلك استشهادا بمثل هذا البيت، والجمهور على أنه ممنوع، وعندهم أن " ما " اسم موصول مفعول به لفعل محذوف.
    والتقدير: فلم يدر إلا الله، درى ما هيجت لنا، وسيذكر ذلك الشارح.
    148 - نسب كثير من العلماء هذا البيت لمجنون بني عامر قيس بن الملوح، ولم
    أعثر عليه في ديوانه، ولعل السر في نسبتهم البيت له ذكر " ليلى " فيه.
    الاعراب: " تزودت " فعل ماض وفاعل " من ليلى، بتكليم " متعلقان بتزود وتكليم مضاف، و " ساعة " مضاف إليه " فما " نافية " زاد " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " ضعف " مفعول به لزاد، وضعف مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " بي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كلامها " كلام: فاعل زاد، وكلام مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى ليلى مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها " حيث قدم المفعول به، وهو قوله " ضعف " على الفاعل، وهو قوله " كلامها " مع كون المفعول منحصرا " بإلا " وهذا جائز عند الكسائي وأكثر البصريين، وبقية البصريين يتأولون ذلك البيت = (*)
    (1/491)

    هذا معنى كلام المصنف، واعلم أن المحصور ب " إنما " لا خلاف في أنه لا يجوز تقديمه، وأما المحصور بإلا ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها - وهو مذهب أكثر البصريين، والفراء، وابن الانباري - أنه لا يخلو: إما أن يكون المحصور بها فاعلا، أو مفعولا، فإن كان فاعلا امتنع تقديمه، فلا يجوز " ما ضرب إلا زيد عمرا " فأما قوله: * فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا (1) * [ 147 ] فأول على أن " ما هيجت " مفعول بفعل محذوف، والتقدير: " درى ما هيجت لنا " فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول، لان هذا ليس مفعولا للفعل المذكور، وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه، نحو " ما ضرب إلا عمرا زيد " الثاني - وهو مذهب الكسائي - أنه يجوز تقديم المحصور ب " إلا ": فاعلا كان، أو مفعولا.
    الثالث - وهو مذهب بعض البصريين، واختاره الجزولي، والشلوبين أنه لا يجوز تقديم المحصور ب " إلا ": فاعلا كان، أو مفعولا.
    * * * وشاع نحو " خاف ربه عمر " وشذ نحو " زان نوره الشجر " (2).
    __________
    = ونحوه بأن في " زاد " ضميرا مستترا يعود على تكليم ساعة، وهو فاعله، وقوله " كلامها " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: زاده كلامها، وهو تأويل مستبعد، ولا مقتضى له.
    (1) قدمنا ذكر الكلام على هذا الشاهد، وهو الشاهد رقم 147.
    (2) " وشاع " فعل ماض " نحو " فاعل شاع " خاف " فعل ماض " ربه " رب: منصوب على التعظيم، ورب مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمر المتأخر لفظا مضاف إليه " عمر " فاعل خاف، والجملة من خاف وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها " وشذ " فعل ماض " نحو " فاعل شذ " زان " فعل ماض " نوره " نور: فاعل زان، ونور مضاف، وضمير الغائب العائد إلى الشجر المتأخر لفظا ورتبة مضاف إليه " الشجر " مفعول به لزان، وجملة زان وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة = (*)
    (1/492)

    أي: شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر (1)، وذلك نحو " خاف ربه عمر " ف " ربه " مفعول، وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى " عمر " وهو الفاعل، وإنما جاز ذلك - وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لفظا - لان الفاعل منوي التقديم على المفعول، لان الاصل في الفاعل أن يتصل بالفعل، فهو متقدم رتبة، وإن تأخر لفظا.
    فلو اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى ما اتصل بالفاعل، فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل ؟ في ذلك خلاف، وذلك نحو " ضرب غلامها جار هند " فمن أجازها وهو الصحيح وجه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم، لان المتصل بالمتقدم متقدم.
    وقوله: " وشذ إلى آخره " أي شذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على
    المفعول المتأخر، وذلك نحو " زان نوره الشجر " فالهاء المتصلة بنور الذي هو الفاعل عائدة على " الشجر " وهو المفعول، وإنما شذ ذلك لان فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، لان " الشجر " مفعول، وهو متأخر لفظا، والاصل فيه أن ينفصل عن الفعل، فهو متأخر رتبة، وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين وما ورد من ذلك تأولوه، وأجازها أبو عبد الله الطوال من الكوفيين، وأبو الفتح بن جنى، وتابعهما المصنف (2)، ومما ورد من ذلك قوله:.
    __________
    = نحو إليها، والمراد بنحو " خاف ربه عمر ": كل كلام اتصل فيه ضمير الفاعل المتأخر بالمفعول المتقدم، والمراد بنحو " زان نوره الشجر ": كل كلام اتصل فيه ضمير المفعول المتأخر بالفاعل المتقدم.
    (1) من ذلك قول الاعشى ميمون: كناطح صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل (2) ذهب إلى هذا الاخفش أيضا، وابن جنى تابع فيه له.
    وقد أيدهما في ذلك = (*)
    (1/493)

    149 - لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا وكاد، لو ساعد المقدور، ينتصر.
    __________
    = المحقق الرضي، قال: والاولى تجويز ما ذهبا إليه، ولكن على قلة، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا، اه، وهو يشير إلى رأى البصريين في التنازع من تجويزهم إعمال العامل الثاني المتأخر في لفظ المعمول، وإعمال المتقدم من العاملين في ضميره، إذ فيه عود الضمير على المتأخر.
    149 - البيت لاحد أصحاب مصعب بن الزبير - رضي الله عنهما ! - يرثيه.
    اللغة: " طالبوه " الذين قصدوا قتاله " ذعروا " أخذهم الخوف " كاد ينتصر " لان خوفهم منه أعظم وسيلة لانتصاره عليهم، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم
    " نصرت بالرعب ".
    الاعراب: " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب بذعر الآتي " رأى " فعل ماض " طالبوه " طالبو: فاعل رأى، وطالبو مضاف والضمير العائد إلى مصعب مضاف إليه، والجملة من رأى وفاعله في محل جر بإضافة لما الظرفية إليها " مصعبا " مفعول به لرأى " ذعروا " فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعل " وكاد " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب " لو " شرطية غير جازمة " ساعد المقدور " فعل وفاعل، وهو شرط لو " ينتصر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب، والجملة من ينتصر وفاعله في محل نصب خبر " كاد " وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد، وجملة الشرط والجواب لا محل لها اعتراضية بين كاد واسمها وبين خبرها.
    الشاهد فيه: قوله " رأى طالبوه مصعبا " حيث أخر المفعول عن الفاعل، مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
    ومن شواهد هذه المسألة مما لم يذكره الشارح - قول الشاعر: لما عصى أصحابه مصعبا أدى إليه الكيل صاعا بصاع وقول الآخر: ألا ليت شعري هل يلومن قومه زهيرا على ما جر من كل جانب = (*)
    (1/494)

    وقوله: 150 - كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد.
    __________
    = وسننشد في شرح الشاهد رقم 153 الآتي بعض شواهد لهذه المسألة، ونذكر لك ما نرجحه من أقوال العلماء.
    150 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
    اللغة: " كسا " فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: كسوت محمدا جبة، كما تقول: ألبست عليا قميصا " حلمه " الحلم: الاناة والعقل، وهو أيضا تأخير العقوبة وعدم المعاجلة فيها " سؤدد " هو السيادة " ورقى " بتضعيف القاف أصل معناه جعله يرقى: أي يصعد، والمرقاة: السلم الذي به تصعد من أسفل إلى أعلى، والمراد رفعه وأعلى منزلته من بين نظرائه " الندى " المراد به الجود والكرم " ذرى " بضم الذال - جمع ذروة، وهي أعلى الشئ.
    الاعراب: " كسا " فعل ماض " حلمه " حلم: فاعل كسا، وحلم مضاف والضمير مضاف إليه " ذا الحلم " ذا: مفعول أول لكسا، وذا مضاف والحلم مضاف إليه " أثواب سؤدد " أثواب: مفعول ثان لكسا، وأثواب مضاف وسؤدد مضاف إليه " ورقى " فعل ماض " نداه " فاعل ومضاف إليه " ذا الندى " مفعول به ومضاف إليه " في ذرى " جار ومجرور متعلق برقى.
    وذرى مضاف، و " المجد " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " كسا حلمه ذا الحلم، ورقى نداه ذا الندى " فإن المفعول فيهما متأخر عن الفاعل مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فيكون فيه إعادة الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة جميعا، وذلك لا يجوز عند جمهور البصريين، خلافا لابن جنى - تبعا للاخفش - وللرضي، وابن مالك في بعض كتبه.
    كذا قالوا، ونحن نرى أنه لا يبعد - في هذا البيت أن يكون الضمير في " حلمه، ونداه " عائدا على ممدوح ذكر في أبيات تقدمت البيت الشاهد، فيكون المعنى أن حلم هذا الممدوح هو الذي أثر فيمن تراهم من أصحاب الحلم، إذ ائتسوا به وجعلوه قدوة لهم، واستمر تأثيره فيهم حتى بلغوا الغاية من هذه الصفة، وأن ندى هذا الممدوح أثر كذلك فيمن تراهم من أصحاب الجود، فافهم وأنصف.
    *
    (1/495)

    وقوله: 151 - ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا من الناس أبقى مجده الدهر مطعما وقوله: 152 - جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل.
    __________
    151 - البيت لشاعر الانصار سيدنا حسان بن ثابت، يرثي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، أحد أجواد مكة، وأول هذه القصيدة قوله: أعين ألا ابكي سيد الناس، واسفحي بدمع، فإن أنزفته فاسكبي الدما اللغة: " أعين " أراد يا عيني، فحذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة التي قبلها " اسفحي " أسيلي وصبي " أنزفته " أنفدت دمعك فلم يبق منه شئ " أخلد " كتب له الخلود، ودوام البقاء.
    المعنى: يريد أنه لا بقاء لاحد في هذه الحياة مهما يكن نافعا لمجموع البشر.
    الاعراب: " لو " شرطية غير جازمة " أن " حرف توكيد ونصب " مجدا " اسم أن، وجملة " أخلد " مع فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر أن، وأن مع دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير: لو ثبت إخلاد مجد صاحبه، وهذا الفعل هو فعل الشرط " الدهر " منصوب على الظرفية الزمانية، وعامله أخلد " واحدا " مفعول به لاخلد " من الناس " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد " أبقى " فعل ماض " مجده " مجد: فاعل أبقى، ومجد مضاف وضمير الغائب العائد إلى مطعم المتأخر مضاف إليه، والجملة من أبقى وفاعله ومفعوله لا محل لها من الاعراب جواب " لو " " مطعما " مفعول به لابقى.
    الشاهد فيه: قوله " أبقى مجده مطعما " حيث أخر المفعول وهو قوله مطعما عن
    الفاعل، وهو قوله " مجده " مع أن الفاعل مضاف إلى ضمير يعود على المفعول، فيقتضى أن يرجع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة.
    152 - البيت لابي الاسود الدؤلي، يهجو عدي بن حاتم الطائي، وقد نسبه ابن = (*)
    (1/496)

    وقوله: 153 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار
    __________
    = جنى إلى النابغة الذبياني، وهو انتقال ذهن من أبي الفتح، وسببه أن للنابغة الذبياني قصيدة على هذا الروى.
    اللغة: " جزاء الكلاب العاويات " هذا مصدر تشبيهي، والمعنى: جزاه الله جزاء مثل جزاء الكلاب العاويات، ويروى " الكلاب العاديات " بالدال بدال الواو وهو جمع عاد، والعادي: اسم فاعل من عدا يعدو، إذا ظلم وتجاوز قدره " وقد فعل " يريد أنه تعالى استجاب فيه دعاءه، وحقق فيه رجاءه.
    المعنى: يدعو على عدي بن حاتم بأن يجزيه الله جزاء الكلاب، وهو أن يطرده الناس وينبذوه ويقذفوه بالاحجار، ثم يقول: إنه سبحانه قد استجاب دعاءه عليه.
    الاعراب: " جزى " فعل ماض " ربه " فاعل، ومضاف إليه " عني " جار ومجرور متعلق بجزى " عدي " مفعول به لجزى " ابن " صفة لعدي، وابن مضاف و " حاتم " مضاف إليه " جزاء " مفعول مطلق مبين لنوع عامله وهو جزى، وجزاء مضاف، و " الكلاب " مضاف إليه " العاويات " صفة للكلاب " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " فعل " فعل ماض مبني على الفتح لا محل له، وسكن لاجل الوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ربه، والجملة في محل نصب حال.
    الشاهد فيه: قوله " جزى ربه.
    عدي " حيث أخر المفعول، وهو قوله " عدي " وقدم الفاعل، وهو قوله " ربه "، مع اتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول.
    153 - نسبوا هذا البيت لسليط بن سعد، ولم أقف له على سابق أو لاحق.
    اللغة: " أبا الغيلان " كنية لرجل لم أقف على تعريف له " سنمار " بكسر السين والنون بعدهما ميم مشددة اسم رجل رومي، يقال: إنه الذي بنى الخورنق وهو القصر الذي كان بظاهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة، وإنه لما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر، لئلا يعمل مثل لغيره، فخر ميتا، وقد ضربت به العرب المثل في سوء المكافأة، يقولون: " جزاني جزاء سنمار " قال الشاعر (انظر المثل رقم 828 في مجمع الامثال 1 / 159 بتحقيقنا): جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا جزاء سنمار، وما كان ذانب = (32 - شرح ابن عقيل 1) (*)
    (1/497)

    فلو كان الضمير المتصل [ بالفاعل ] المتقدم عائدا على ما اتصل بالمفعول المتأخر امتنعت المسالة، وذلك نحو " ضرب بعلها صاحب هند "، وقد نقل بعضهم في هذه المسالة أيضا خلافا، والحق فيها المنع.
    * * *.
    __________
    = الاعراب: " جزى " فعل ماض " بنوه " فاعل، ومضاف إليه " أبا الغيلان " مفعول به ومضاف إليه " عن كبر " جار ومجرور متعلق بجزى " وحسن فعل " الواو عاطفة، وحسن: معطوف على كبر، وحسن مضاف وفعل مضاف إليه " كما " الكاف للتشبيه، وما: مصدرية " يجزى " فعل مضارع مبني للمجهول " سنمار " نائب فاعل يجزى، و " ما " ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا مبينا لنوع " جزى "، وتقدير الكلام: جزى بنوه أبا الغيلان جزاء مشابها لجزاء سنمار.
    الشاهد فيه: قوله " جزى بنوه أبا الغيلان " حيث أخر المفعول، وهو قوله " أبا الغيلان " عن الفاعل، وهو قوله " بنوه "، مع أن الفاعل متصل بضمير عائد
    على المفعول.
    هذا، ومن شواهد هذه المسألة مما لم ينشده الشارح - زيادة على ما ذكرناه في شرح الشاهد رقم 149 - قول الشاعر: وما نفعت أعماله المرء راجيا جزاء عليها من سوى من له الامر حيث قدم الفاعل وهو قوله " أعماله " - على المفعول - وهو قوله " المرء " مع أنه قد اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول، فجملة ما أنشده الشارح وأنشدناه لهذه المسألة ثمانية شواهد.
    ولكثرة شواهد هذه المسألة نرى أن ما ذهب إليه الاخفش - وتابعه عليه أبو الفتح ابن جنى، والامام عبد القاهر الجرجاني، وأبو عبد الله الطوال، وابن مالك، والمحقق الرضي من جواز تقديم الفاعل المتصل بضمير يعود إلى المفعول، هو القول الخليق بأن تأخذ به وتعتمد عليه، ونرى أن الانصاف واتباع الدليل يوجبان علينا أن نوافق هؤلاء الائمة على ما ذهبوا إليه وإن كان الجمهور على خلافه، لان التمسك بالتعليل مع وجود النص على خلافه مما لا يجوز، وأحكام العربية يقضى فيها على وفق ما ورد عن أهلها.
    (*)
    (1/498)

    النائب عن الفاعل ينوب مفعول به عن فاعل فيما له، كنيل خير نائل (1) يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه، فيعطى ما كان للفاعل: من لزوم الرفع، ووجوب التأخر عن رافعه، وعدم جواز حذفه (2)، وذلك نحو " نيل خير نائل ".
    __________
    (1) " ينوب " فعل مضارع " مفعول " فاعل ينوب " به " جار ومجرور متعلق بمفعول " عن فاعل " جار ومجرور متعلق بينوب أيضا " فيما " مثله، وما اسم موصول " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كنيل " الكاف جارة لقول محذوف، نيل: فعل ماض مبني للمجهول " خير نائل " نائب فاعل، ومضاف إليه.
    (2) الاغراض التي تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل كثيرة جدا، ولكنها - على كثرتها - لا تخلو من أن سببها إما أن يكون شيئا لفظيا أو معنويا.
    فأما الاسباب اللفظية فكثيرة: منها القصد إلى الايجاز في العبارة نحو قوله تعالى: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) ومنها المحافظة على السجع في الكلام المنثور نحو قولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته، إذ لو قيل " حمد الناس سيرته " لاختلف إعراب الفاصلتين، ومنها المحافظة على الوزن في الكلام المنظوم، كما في قول الاعشى ميمون ابن قيس: علقتها عرضا، وعلقت رجلا غيري، وعلق أخرى غيرها الرجل فأنت ترى الاعشى قد بنى " علق " في هذا البيت ثلاث مرات للمجهول، لانه لو ذكر الفاعل في كل مرة منها أو في بعضها لما استقام له وزن البيت، والتعليق ههنا: المحبة، وعرضا: أي من غير قصد منى، ولكن عرضت لي فهويتها.
    وأما الاسباب المعنوية فكثيرة: منها كون الفاعل معلوما للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره له، وذلك نحو قوله تعالى: (خلق الانسان من عجل) ومنها كونه مجهولا للمتكلم فهو لا يستطيع تعيينه للمخاطب وليس في ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة وذلك كما تقول: سرق متاعي، لانك لا تعرف ذات السارق، وليس في قولك " سرق اللص متاعي " فائدة زائدة في الافهام على قولك " سرق متاعي " ومنها رغبة المتكلم = (*)
    (1/499)

    فخير نائل: مفعول قائم مقام الفاعل، والاصل: " نال زيد خير نائل " فحذف الفاعل - وهو " زيد " - وأقيم المفعول به مقامه - وهو " خير نائل " ولا يجوز تقديمه، فلا تقول: " خير نائل نيل " على أن يكون مفعولا مقدما، بل على أن يكون مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده وهي " نيل "، والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر والتقدير: " [ نيل ] هو "، وكذلك لا يجوز
    حذف " خير نائل فتقول: " نيل ".
    * * * فأول الفعل اضممن، والمتصل بالآخر اكسر في مضي كوصل (1).
    __________
    = في الابهام على السامع، كقولك: تصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: بصون اسمه عن أن يجري على لسانه، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر، كقولك: خلق الخنزير، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره لئلا يناله منه مكروه، ومنها خوف المتكلم على الفاعل فيعرض عن اسمه لئلا يمسه أحد بمكروه.
    (1) " فأول " مفعول مقدم، والعامل فيه " اضممن " الآتي، وأول مضاف و " الفعل " مضاف إليه " اضممن " اضمم: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " والمتصل " الواو حرف عطف، المتصل: مفعول مقدم، والعامل فيه " اكسر " الآتي " بالآخر " جار ومجرور متعلق بالمتصل " اكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في مضي " جار ومجرور يتعلق باكسر أو بمحذوف حال " كوصل " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك إلخ، ووصل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة مقول القول المحذوف.
    (*)
    (1/500)

    واجعله من مضارع منفتحا كينتحي المقول فيه: ينتحى (1) يضم أول الفعل الذي لم يسم فاعله مطلقا، أي: سواء كان ماضيا، أو مضارعا
    ويكسر ما قبل آخر الماضي، ويفتح ما قبل آخر المضارع.
    ومثال ذلك في الماضي قولك في وصل: " وصل " وفي المضارع قولك في " ينتحي ": " ينتحى ".
    * * * والثاني التالي تا المطاوعة كالاول اجعله بلا منازعه (2) وثالث الذي بهمز الوصل كالاول اجعلنه كاستحلي (3).
    __________
    (1) " واجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " من مضارع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء " منفتحا " مفعول ثان لاجعل " كينتحي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " المقول " نعت لينتحي الذي قصد لفظه " فيه " جار ومجرور متعلق بالمقول " ينتحى " قصد لفظه: محكى بالقول، فهو نائب فاعل للمقول.
    (2) " والثاني " مفعول أول لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: واجعل الثاني " التالي " نعت للثاني " تا " قصر للضرورة مفعول به للتالي، وفاعله ضمير مستتر فيه، وتا مضاف، و " المطاوعة " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل الآتي " اجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " بلا منازعة " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، والجار والمجرور متعلق باجعل، ولا مضاف، ومنازعة: مضاف إليه، مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية، وسكن لاجل الوقف.
    (3) " وثالث " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، وثالث مضاف و " الذي " مضاف إليه " بهمز " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الذي، وهمز مضاف، = (*)
    (1/501)

    إذا كان الفعل المبني للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضم أوله وثانيه، وذلك كقولك في " تدحرج ": " تدحرج " وفي " تكسر "، " تكسر " وفي " تغافل ": " تغوفل ".
    وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضم أوله وثالثه، ذلك كقولك في " استحلى ": " استحلي " وفي " اقتدر ": " اقتدر " وفي " انطلق ": " انطلق ".
    * * * واكسر أو اشمم فاثلاثي أعل عينا، وضم جا ك " بوع " فاحتمل (1) إذا كان الفعل المبني للمفعول ثلاثيا معتل العين سمع في فائه ثلاثة أوجه: (1) إخلاص الكسر، نحو " قيل، وبيع " ومنه قوله: 154 - حيكت على نيرين إذ تحاك تختبط الشوك ولا تشاك.
    __________
    = " الوصل " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل مقدما عليه " اجعلنه " اجعل: فعل أمر، والنون للتوكيد، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " كاستحلي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف على النحو الذي سبق مرارا.
    (1) " واكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو اشمم " مثله، والجملة معطوفة على الجملة السابقة " فا " مفعول به تنازعه العاملان، وفا مضاف، و " ثلاثي " مضاف إليه " أعل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثلاثي، والجملة في محل جر نعت لثلاثي " عينا " تمييز " وضم " مبتدأ " جا " أصله جاء، وقصره للضرورة: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كبوع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " فاحتمل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ضم ".
    154 - البيت لراجز لم يعينوه.
    اللغة: " حيكت " نسجت، وتقول: حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة " نيرين " = (*)
    (1/502)

    (2) وإخلاص الضم، نحو " قول، وبوع " ومنه قوله: 155 - ليت، وهل ينفع شيئا ليت ؟ ليت شبابا بوع فاشتريت وهي لغة بني دبير وبني فقعس [ وهما من فصحاء بني أسد ]..
    __________
    = تثنية نير بكسر النون بعدها ياء مثناة وهو علم الثوب أو لحمته، فإذا نسج الثوب على نيرين فذلك أصفق له وأبقى، وإذا أرادوا أن يصفوا ثوبا بالمتانة والاحكام قالوا: هذا ثوب ذو نيرين، وقد قالوا من ذلك أيضا: هذا رجل ذو نيرين، وهذا رأى ذو نيرين، وهذه حرب ذات نيرين، يريدون أنها شديدة، وقالوا: هذا ثوب منير على زنة معظم إذا كان منسوجا على نيرين، وقد روى في موضع هذه العبارة " حوكت على نولين " ونولين: مثنى نول بفتح النون وسكون الواو وهو اسم للخشبة التي يلف عليها الحاثك الشقة حين يريد نسجها " تختبط الشوك " تضربه بعنف " ولا تشاك " لا يدخل فيها الشوك ولا يضرها.
    المعنى: وصف ملفحة أو حلة بأنها محكمة النسج، تامة الصفاقة، وأنها إذا اصطدمت بالشواك لم يؤذها ولم يعلق بها.
    الاعراب: " حيكت " حيك: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " على نيرين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في حيكت " إذ " ظرف للزمان الماضي مبني على السكون في محل نصب يتعلق بحيك، وجملة " تحاك " ونائب الفاعل المستتر فيه في محل جر بإضافة " إذ " إليها " تختبط " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي
    " الشوك " مفعول به لتختبط " ولا " نافية " تشاك " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.
    الشاهد فيه: قوله " حيكت " حيث إنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص كسر فائه، ويروى " حوكت على نيرين " بالواو ساكنة، وعلى هذا يكون شاهدا للوجه الثاني، وهو إخلاص ضم الفاء.
    155 - ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت في زياداته أبياتا منها هذا البيت، وهي قوله: =
    (1/503)

    .
    __________
    = يا قوم قد حوقلت أو دنوت وبعض حيقال الرجال الموت مالي إذا أجذبها صأيت أكبر قد عالني أو بيت ليت، وهل ينفع شيئا ليت ؟ ليت شبابا...وقد روى أبو علي القالي في أماليه (1 - 20 طبع الدار) البيتين السابقين على بيت الشاهد، ولم ينسبهما، وقال أبو عبيد البكري في التنبيه (97): " هذا راجز يصف جذبه للدلو " اه، ولم يعينه أيضا.
    اللغة: " حوقلت " ضعفت وأصابني الكبر " دنوت " قربت " حيقال " هو مصدر حوقل " أجذبها " أراد أنزع الدلو من البئر " صأيت " صحت، مأخوذ من قولهم: صأي الفرخ، إذا صاح صياحا ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه " قد عالني " غلبني وقهرني وأعجزني، وفي رواية أبي علي القالي * أكبر غيرني.
    * " أم بيت " يريد أم زوجة، وذلك لان العزب أقوى وأشد " ينفع شيئا ليت " قد قصد لفظ ليت هذه قصيرها اسما وأعربها وجعلها فاعلا، ومثل هذا في " ليت " - قول الشاعر: ليت شعري، وأين مني ليت ؟ إن ليتا وإن لوا عناء ومثله قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
    ليت شعري، وهل يردن ليت ؟ هل لهذا عند الرباب جزاء ؟ وقول الآخر: ليت شعري مسافر بن أبي عمرو، وليت يقولها المحزون ونظيره في " لو " إذ قصد لفظها وجعلت اسما قول الآخر: ألام على لو، ولو كنت عالما بأذناب لو لم تفتني أوائله الاعراب: " ليت " حرف تمن ونصب " وهل " حرف استفهام المقصود منه النفي " ينفع " فعل مضارع " شيئا " مفعول به لينفع " ليت " قصد لفظه: فاعل ينفع، والجملة لا محل لها معترضة " ليت " حرف تمن مؤكد للاول " شبابا " اسم ليت الاول " بوع " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره =
    (1/504)

    (3) والاشمام وهو الاتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ، ولا يظهر في الخط، وقد قرئ في السبعة قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء) بالاشمام في " قيل، وغيض ".
    * * * وإن بشكل خيف لبس يجتنب وما لباع قد يرى لنحو حب (1) إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب: فإما أن يكون واويا، أو يائيا.
    فإن كان واويا نحو " سام " من السوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الاشمام، فتقول: " سمت "، [ ولا يجوز الضم،.
    __________
    = هو يعود على شباب، والجملة في محل رفع خبر ليت الاول " فاشتريت " فعل وفاعل، وجملتهما معطوفة بالفاء على جملة بوع.
    الشاهد فيه: قوله " بوع " فإنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب منهم من حكى الشارح، ومنهم بعض بني تميم، ومنهم ضبة، وحكيت عن هذيل.
    (1) " وإن " شرطية " بشكل " جار ومجرور متعلق بخيف " خيف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " لبس " نائب فاعل خيف " يجتنب " فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شكل " وما " اسم موصول: مبتدأ " لباع " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " لنحو " جار ومجرور متعلق بيرى، ونحو مضاف، و " حب " قصد لفظه: مضاف إليه.
    (*)
    (1/505)

    فلا تقول: " سمت " ]، لئلا يلتبس بفعل الفاعل، فإنه بالضم ليس إلا، نحو " سمت العبد " وإن كان يائيا - نحو " باع " من البيع - وجب - عند المصنف أيضا - ضمه أو الاشمام، فتقول: " بعت يا عبد " ولا يجوز الكسر، فلا تقول: " بعت "، لئلا يلتبس بفعل الفاعل، فإنه بالكسر فقط، نحو " بعت الثوب ".
    وهذا معنى قوله: " وإن بشكل خيف لبس يجتنب " أي: وإن خيف اللبس في شكل من الاشكال السابقة - أعني الضم، والكسر، والاشمام عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه.
    هذا ما ذكره المصنف، والذي ذكره غيره أن الكسر في الواوي، والضم
    في اليائي، والاشمام، هو المختار، ولكن لا يجب ذلك، بل يجوز الضم في الواوي، والكسر في اليائي.
    وقوله: " وما لباع قد يرى لنحو حب " معناه أن الذي ثبت لفاء " باع " - من جواز الضم، والكسر، والاشمام - يثبت لفاء المضاعف، نحو " حب "، فتقول: " حب "، و " حب " وإن شئت أشممت.
    * * * وما لفا باع لما العين تلي في اختار وانقاد وشبه ينجلي (1).
    __________
    (1) " وما " اسم موصول مبتدأ " لفا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة، وفا مضاف و " باع " قصد لفظه: مضاف إليه " لما " اللام جارة، وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " العين " مبتدأ، وجملة " تلي " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة " ما " المجرورة باللام " في اختار " جار ومجرور متعلق بتلي " وانقاد، وشبه " معطوفان على اختار " ينجلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شبه، والجملة في محل جر نعت لشبه.
    (*)
    (1/506)

    أي: يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن " افتعل " أو " انفعل " وهو معتل العين ما يثبت لفاء " باع ": من جواز الكسر، والضم، وذلك نحو " اختار، وانقاد " وشبههما، فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه: الضم، نحو " اختور "، و " انقود " والكسر، نحو " اختير "، و " انقيد " والاشمام، وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف.
    * * *
    وقابل من ظرف أو من مصدر أو حرف جر بنيابة حري (1) تقدم أن الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل، وأشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجار والمجرور مقامه، وشرط في كل [ واحد ] منها أن يكون قابلا للنيابة، أي: صالحا لها، واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة، كالظرف الذي لا يتصرف، والمراد به: ما لزم النصب على الظرفية (2)، نحو " سحر " إذا أريد به سحر.
    __________
    (1) " وقابل " مبتدأ، وخبره قوله " حري " في آخر البيت " من ظرف " جار ومجرور متعلق بقابل " أو من مصدر " معطوف على الجار والمجرور السابق " أو حرف جر " معطوف على مصدر ومضاف إليه " بنيابة " جار ومجرور متعلق بجر " جر " خبر المبتدأ الذي هو قابل في أول البيت كما ذكرنا من قبل.
    (2) الظروف على ثلاثة أنواع: النوع الاول: ما يلزم النصب على الظرفية، ولا يفارقها أصلا، ولا إلى الجر بمن، وذلك مثل قط، وعوض، وإذا، وسحر.
    والنوع الثاني: ما يلزم أحد أمرين: النصب على الظرفية، والجر بمن، وذلك مثل عند، وثم، بفتح الثاء.
    = (*)
    (1/507)

    يوم بعينه، ونحو " عندك " فلا تقول: " جلس عندك " ولا " ركب سحر "، لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب، وكالمصادر التي لا تتصرف، نحو " معاذ الله " فلا يجوز رفع " معاذ الله "، لما تقدم في الظرف، وكذلك ما لا فائدة فيه: من الظرف، والمصدر، [ والجار ] والمجرور، فلا تقول: " سير وقت "، ولا " ضرب ضرب "، ولا " جلس في دار " لانه لا فائدة في ذلك.
    ومثال القابل من كل منها قولك: " سير يوم الجمعة، وضرب ضرب شديد، ومر بزيد " (1).
    * * *.
    __________
    = وهذان النوعان يقال لكل منهما: " ظرف غير متصرف "، والفرق بينهما ما علمت.
    والنوع الثالث: ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن، إلى التأثر بالعوامل المختلفة: كزمن، ووقت، وساعة، ويوم، ودهر، وحين، وهذا هو الظرف المتصرف.
    (1) حاصل الذي أومأ إليه الشارح في هذه المسألة أنه يشترط في صحة جواز إنابة كل واحد من الظرف والمصدر شرطان، أحدهما: أن يكون كل منهما متصرفا، وثانيهما: أن يكون كل واحد منهما مختصا، فإن فقد أحدهما واحدا من هذين الشرطين لم تصح نيابته.
    فالمتصرف من الظروف هو: ما يخرج عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى التأثر بالعوامل، كما علمت مما أوضحناه لك قريبا.
    وأما المتصرف من المصادر فهو: ما يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، وذلك كضرب وقتل، وما لا يخرج من المصدر عن النصب على المصدرية كمعاذ الله فإنه مصدر غير متصرف لا يقع إلا منصوبا على المفعولية المطلقة.
    وأما المختص من الظروف فهو: ما خص بإضافة، أو وصف، أو نحوهما.
    = (*)
    (1/508)

    ولا ينوب بعض هذي، إن وجد في اللفظ مفعول به وقد يرد (1) مذهب البصريين إلا الاخفش أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله: مفعول به، ومصدر، وظرف، وجار ومجرور تعين إقامة
    المفعول به مقام الفاعل، فتقول: ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الامير في داره، ولا يجوز إقامة غيره [ مقامه ] مع وجوده، وما ورد من ذلك شاذ أو مؤول.
    ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود: تقدم، أو تأخر، فتقول: " ضرب ضرب شديد زيدا، وضرب زيدا ضرب شديد " وكذلك في الباقي، واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر (ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) وقول الشاعر:.
    __________
    = وأما المختص من المصادر فهو: ما كان دالا على العدد، أو على النوع، أما نحو " ضرب ضرب " فهو غير مختص، ولا يجوز نيابته عن الفاعل.
    ويشترط في نيابة الجار والمجرور ثلاثة شروط، أولها: أن يكون مختصا بأن يكون المجرور معرفة أو نحوها وثانيها: ألا يكون حرف الجر ملازما لطريقة واحدة، كمذ ومنذ الملازمين لجر الزمان، وكحروف القسم الملازمة لجر المقسم به، وثالثها: ألا يكون حرف الجر دالا على التعليل كاللام، والباء، ومن، إذا استعملت إحداها في الدلالة على التعليل، ولهذا امتنعت نيابة المفعول لاجله.
    (1) " ولا " نافية " ينوب " فعل مضارع " بعض " فاعل ينوب، وبعض مضاف، واسم الاشارة في " هذي " مضاف إليه " إن " شرطية " وجد " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " في اللفظ " جار ومجرور متعلق بوجد " مفعول " نائب فاعل لوجد " به " متعلق بمفعول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن وجد في اللفظ مفعول به فلا ينوب بعض هذه الاشياء " وقد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نيابة بعض هذه الاشياء مناب الفاعل مع وجود المفعول به في اللفظ المستفاد من قوله " ولا ينوب إلخ ".
    (*)
    (1/509)

    156 - لم يعن بالعلياء إلا سيدا ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى.
    __________
    156 - نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت في زيادات الديوان، لا في أصله، وقبله قوله: وقد كفى من بدئه ما قد بدا وإن ثنى في العود كان أحمدا اللغة: " بدئه " مبتدأ أمره وأول شأنه " بدا " ظهر " ثنى " عاد، تقول: ثنى يثني بوزن رمى يرمي وأصل معناه جمع طرفي الحبل فصير ما كان واحدا اثنين " كان أحمدا " مأخوذ من قولهم: عود أحمد، يريدون أنه محمود " يعن " فعل مضارع ماضيه عنى، وهو من الافعال الملازمة للبناء للمفعول، ومعناه على هذا أولع أو اهتم، تقول: عنى فلان بحاجتي وهو معني بها، إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها " العلياء " هي خصال المجد التي تورث صاحبها سموا ورفعة قدر " شفى " أبرأ، وأراد به ههنا هدى، مجازا " الغي " الجري مع هوى النفس والتمادي في الاخذ بما يوبقها ويهلكها " هدى " بضم الهاء وهو الرشاد وإصابة الجادة.
    المعنى: لم يشتغل بمعالي الامور، ولم يولع بخصال المجد، إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوي النفوس المريضة والاهواء المتأصلة من دائهم الذي أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.
    الاعراب: " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يعن " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الالف، والفتحة قبلها دليل عليها " بالعلياء " جار ومجرور نائب عن الفاعل " إلا " أداة استثناء ملغاة " سيدا " مفعول به ليعن " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " شفى " فعل ماض " ذا " مفعول لشفى مقدم على الفاعل، وذا مضاف، و " الغي " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء ملغاة " ذو " فاعل شفى، وذو مضاف، و " هدى " مضاف إليه.
    الشاهد فيه: قوله " لم يعن بالعلياء إلا سيدا " حيث ناب الجار والمجرور وهو قوله " بالعلياء " عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " سيدا ".
    والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به منصوبا، ولو أنه أنابه لرفعه، فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيد، = (*)
    (1/510)

    ومذهب الاخفش أنه إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل [ واحد ] منهما، فتقول: ضرب في الدار زيد، وضرب في الدار زيدا، وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به، نحو " ضرب زيد في الدار "، فلا يجوز " ضرب زيدا في الدار ".
    * * * وباتفاق قد ينوب الثان من باب " كسا " فيما التباسه أمن (1).
    __________
    = والداعي لذلك أن القوافي كلها منصوبة، فاضطراره لتوافق القوافي هو الذي دعاه وألجأه إلى ذلك.
    ومثل هذا البيت قول الراجز: وإنما يرضي المنيب ربه ما دام معنيا بذكر قلبه ومحل الاستشهاد في قوله " معنيا بذكر قلبه " حيث أناب الجار والمجرور - وهو قوله " بذكر " - عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " قلبه " - بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.
    والبيتان حجة للكوفيين والاخفش جميعا، لان النائب عن الفاعل في البيتين متقدم في كل واحد منهما عن المفعول به، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.
    (1) " وباتفاق " الواو للاستئناف، باتفاق: جار ومجرور متعلق بينوب الآتي
    " قد " حرف تقليل " ينوب " فعل مضارع " الثان " فاعل ينوب " من باب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثاني، وباب مضاف، و " كسا " قصد لفظه: مضاف إليه " فيما " جار ومجرور متعلق بينوب " التباسه " التباس: مبتدأ، والتباس مضاف والهاء مضاف إليه " أمن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التباس، والجملة من أمن ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب صلة " ما " المجرورة محلا بفي.
    (*)
    (1/511)

    إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله: فإما أن يكون من باب " أعطى "، أو من باب " ظن (1) "، فإن كان من باب " أعطى " - وهو المراد بهذا البيت - فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الاول منهما وكذلك الثاني، بالاتفاق، فتقول: " كسي زيد جبة، وأعطي عمرو درهما "، وإن شئت أقمت الثاني، فنقول: " أعطي عمرا درهم، وكسي زيدا جبة ".
    هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني، فإذا حصل لبس وجب إقامة الاول، [ وذلك نحو " أعطيت زيدا عمرا " فتتعين إقامة الاول ] فتقول: " أعطي زيد عمرا " ولا يجوز إقامة الثاني حينئذ: لئلا يحصل لبس، لان كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا، بخلاف الاول.
    ونقل المصنف الاتفاق على أن الثاني من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن.
    __________
    (1) قد ينصب فعل من الافعال مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، نحو ظننت زيدا قائما وعلمت أخاك مسافرا، ولا ينصب المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إلا ظن وأخواتها، وهذا هو مراد الشارح هنا بقوله " باب ظن "، ومراد الناظم بقوله " في باب ظن وأرى " لان " أرى " تنصب ثلاثة مفاعيل: أصل الثاني والثالث
    منها مبتدأ وخبر، على ما علمت.
    وقد ينصب فعل من الافعال مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وهذا النوع على ضربين، لان نصبه لاحد هذين المفعولين إما أن يكون على نزع الخافض، كما في قولك: اخترت الرجال محمدا، وكما في قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) الاصل اخترت من الرجال محمدا، واختار موسى من قومه سبعين رجلا، وإما أن يكون نصبه للمفعولين لانه من طبيعته متعد إلى اثنين، وذلك نحو قولك: منحت الفقير درهما، وأعطيت إبراهيم دينارا، وكسوت محمدا جبة.
    وهذا الضرب الاخير هو مراد الناظم والشارح بباب كسا، فهو: كل فعل تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وكان تعديه إليهما بنفسه، لا بواسطة حذف حرف الجر من أحدهما وإيصال الفعل إلى المجرور.
    (*)
    (1/512)

    اللبس، فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد، لان مذهب الكوفيين أنه إذا كان الاول معرفة والثاني نكرة تعين إقامة الاول، فتقول: " أعطي زيد درهما "، ولا يجوز عندهم إقامة الثاني، فلا تقول: " أعطي درهم زيدا ".
    * * * في باب " ظن، وأرى " المنع اشتهر ولا أرى منعا إذا القصد ظهر (1) يعني أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الاصل، كظن وأخواتها، أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها - فالاشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الاول، ويمتنع إقامة الثاني في باب " ظن " والثاني والثالث في باب " أعلم "، فتقول: " ظن زيد قائما " ولا يجوز " ظن زيدا
    قائم " وتقول: " أعلم زيد فرسك مسرجا " ولا يجوز إقامة الثاني، فلا تقول: " أعلم زيدا فرسك مسرجا " ولا إقامة الثالث، فتقول: " أعلم زيدا.
    __________
    (1) " في باب " جار ومجرور متعلق باشتهر الآتي، وباب مضاف، و " ظن " قصد لفظه: مضاف إليه " وأرى " معطوف على ظن " المنع " مبتدأ، وجملة " اشتهر " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ " ولا " نافية " أرى " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منعا " مفعول به لارى " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " القصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا ظهر القصد، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور في مجل جر بإضافة إذا إليها " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية.
    (*)
    (1/513)

    فرسك مسرج " ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث، ونقل الاتفاق - أيضا - ابن المصنف.
    وذهب قوم - منهم المصنف - إلى أنه لا يتعين إقامة الاول، لا في باب " ظن " ولا باب " أعلم " لكن يشترط ألا يحصل لبس، فتقول: " ظن زيدا قائم، وأعلم زيدا فرسك مسرجا ".
    وأما إقامة الثالث من باب " أعلم " فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه، وليس كما زعما، فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك (1)، فتقول: " أعلم زيدا فرسك مسرج ".
    فلو حصل لبس تعين إقامة الاول في باب " ظن، وأعلم " فلا تقول: " ظن زيدا عمرو " على أن " عمرو " هو المفعول الثاني، ولا " أعلم زيدا خالد منطلقا ".
    * * * وما سوى النائب مما علقا بالرافع النصب له محققا (2).
    __________
    (1) حاصل الخلاف الذي نقله غيرهما أن بعض النحاة أجازه بشرط ألا يوقع في لبس كما مثل الشارح، وحكاية الخلاف هو ظاهر كلام الناظم في كتابه التسهيل، بل يمكن أن يكون مما يشير إليه كلامه في الالفية لان ثالث مفاعيل أعلم هو ثاني مفعولي علم، وقد ذكر اختلاف النحاة في ثاني مفعولي علم.
    (2) " وما " اسم موصول: مبتدأ أول " سوى النائب، مما " متعلقان بمحذوف صلة " ما " الواقع مبتدأ " علقا " علق: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لما، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بمن " بالرافع " متعلق بقوله علق " النصب " مبتدأ ثان " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهو " ما " في أول البيت " محققا " حال من الضمير المستكن في الخبر.
    (*)
    (1/514)

    حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل، فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا، كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا (1)، فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل، ونصبت الباقي، فتقول: " أعطي زيد درهما، وأعلم زيد عمرا قائما، وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الامير في داره ".
    * * *.
    __________
    (1) يريد لا يرفع على أنه نائب فاعل إلا واحد من المفاعيل التي كان الفعل ناصبا لها وهو مبني للمعلوم.
    (*)
    (1/515)

    اشتغال العامل عن المعمول (1).
    __________
    (1) أركان الاشتغال ثلاثة: مشغول عنه، وهو الاسم المتقدم، ومشغول، وهو الفعل المتأخر، ومشغول به، وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالواسطة، ولكل واحد من هذه الاركان الثلاثة شروط لابد من بيانها.
    فأما شروط المشغول عنه - وهو الاسم المتقدم في الكلام - فخمسة: الاول: ألا يكون متعددا لفظا ومعنى: بأن يكون واحدا، نحو زيدا ضربته، أو متعددا في اللفظ دون المعنى، نحو زيدا وعمرا ضربتهما، لان العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد، فإن تعدد في اللفظ والمعنى - نحو زيدا درهما أعطيته - لم يصح.
    الثاني: أن يكون متقدما، فإن تأخر - نحو ضربته - ؟ لم يكن من باب الاشتغال، بل إن نصبت زيدا فهو بدل من الضمير، وإن رفعته فهو مبتدأ خبره الجملة قبله.
    الثالث: قبوله الاضمار، فلا يصح الاشتغال عن الحال، والتمييز، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كحتى.
    الرابع: كونه مفتقرا لما بعده، فنحو " جاءك زيد فأكرمه " ليس من باب الاشتغال لكون الاسم مكتفيا بالعامل المتقدم عليه.
    الخامس: كونه صالحا للابتداء به، بألا يكون نكرة محضة، فنحو قوله تعالى: (ورهبانية ابتدعوها) ليس من باب الاشتغال، بل (رهبانية) معطوف على ما قبله بالواو، وجملة (ابتدعوها) صفة.
    وأما الشروط التي يجب تحققها في المشغول - وهو الفعل الواقع بعد الاسم - فاثنان: الاول: أن يكون متصلا بالمشغول عنه، فإن انفصل منه بفاصل لا يكون لما بعده عمل فيما قبله - كأدوات الشرط، وأدوات الاستفهام، ونحوهما - لم يكن من باب الاشتغال، وسيأتي توضيح هذا الشرط في الشرح.
    الثاني: كونه صالحا للعمل فيما قبله: بأن يكون فعلا متصرفا، أو اسم فاعل،
    أو اسم مفعول، فإن كان حرفا، أو اسم فعل، أو صفة مشبهة، أو فعلا جامدا كفعل التعجب - وكل هذه العوامل لضعفها لا تعمل فيما تقدم عليها - لم يصح.
    وأما الذي يجب تحققه في المشغول به - وهو الضمير - فشرط واحد، وهو: ألا يكون أجنبيا من المشغول عنه، فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه، نحو زيدا ضربته، أو مررت به، = (*)
    (1/516)

    إن مضمر اسم سابق فعلا شغل عنه: بنصب لفظه، أو المحل (1) فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما، موافق لما قد أظهرا (2) الاشتغال: أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه فعل، [ قد ] عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببيه - وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق - فمثال المشتغل بالضمير " زيدا ضربته، وزيدا مررت به " ومثال المشتغل بالسببي " زيدا ضربت غلامه " وهذا هو المراد بقوله: " إن مضمر اسم إلى آخره " والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن ذلك الاسم بنصب المضمر لفظا نحو " زيدا ضربته " أو بنصبه محلا، نحو " زيدا مررت به " فكل واحد من " ضربت، ومررت " اشتغل بضمير " زيد " لكن " ضربت " وصل إلى.
    __________
    = ويصح أن يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه، نحو زيدا ضربت أخاه، أو مررت بغلامه.
    (1) " إن " شرطية " مضمر " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن شغل مضمر، ومضمر مضاف، و " اسم " مضاف إليه " سابق " نعت لاسم " فعلا " مفعول به لشغل مقدم عليه " شغل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " عنه، بنصب " متعلقان بشغل، ونصب مضاف، ولفظ من " لفظه " مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، ولفظ مضاف، والهاء مضاف إليه " أو " حرف عطف " المحل " معطوف على لفظ.
    (2) " فالسابق " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فانصب السابق " انصبه " انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " بفعل " جار ومجرور متعلق بانصب، وجملة " أضمر " ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، في محل جر نعت لفعل " حتما " مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: حتم ذلك ذلك حتما " موافق " نعت ثان لفعل " لما " جار ومجرور متعلق بموافق " قد " حرف تحقيق، وجملة " أظهرا " ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، لا محل لها من الاعراب صلة " ما " المجرورة محلا باللام.
    (*)
    (1/517)

    الضمير بنفسه، و " مررت " وصل إليه بحرف جر، فهو مجرور لفظا ومنصوب محلا، وكل من " ضربت، ومررت " لو لم يشتغل بالضمير لتسلط على " زيد " كما تسلط على الضمير، فكنت تقول: " زيدا ضربت " فتنصب " زيدا " ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره، وتقول: " بزيد مررت " فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضميره، ويكون منصوبا محلا كما كان الضمير.
    وقوله " فالسابق انصبه - إلى آخره " معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على الهيئة المذكورة، فيجوز لك نصب الاسم السابق، واختلف النحويون في ناصبه: فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا، [ لانه لا يجمع بين المفسر والمفسر ] ويكون الفعل المضمر موافقا في المعنى لذلك المظهر، وهذا يشمل ما وافق لفظا ومعنى نحو قولك في " زيدا ضربته ": إن التقدير " ضربت زيدا ضربته " وما وافق معنى دون لفظ كقولك في " زيدا مررت به ": إن التقدير
    " جاوزت زيدا مررت به " (1) وهذا هو الذي ذكره المصنف.
    __________
    * (1) اعلم أن الفعل المشغول قد يكون متعديا ناصبا للمشغول به بلا واسطة، وقد يكون لازما ناصبا للمشغول به معنى وهو مجرور بحرف جر، وعلى كل حال إما أن يكون المشغول به ضمير الاسم المتقدم، وإما أن يكون سببيه، فهذه أربعة أحوال: فيكون تقدير العامل في الاسم المتقدم المشغول عنه من لفظ العامل المشغول ومعناه في صورة واحدة، وهي أن يجتمع في العامل المشغول شيئان هما: كونه متعديا بنفسه، وكونه ناصبا لضمير الاسم المتقدم - نحو قولك: زيدا ضربته.
    ويكون تقدير العامل في الاسم المتقدم المشغول عنه من معنى العامل المشغول دون لفظه، في ثلاث صور: = (*)
    (1/518)

    والمذهب الثاني: أنه منصوب بالفعل المذكور بعده، وهذا مذهب كوفي، واختلف هؤلاء، فقال قوم: إنه عامل في الضمير وفي الاسم معا، فإذا قلت: " زيدا ضربته " كان " ضربت " ناصبا ل " زيد " وللهاء، ورد هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد في ضمير اسم ومظهره، وقال قوم: هو عامل في الظاهر، والضمير ملغى، ورد بأن الاسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل.
    * * * والنصب حتم، إن تلا السابق ما يختص بالفعل: كإن وحيثما (1).
    __________
    = الاولى: أن يكون العامل في المشغول به لازما، والمشغول به ضمير الاسم المتقدم، نحو قولك: أزيدا مررت به، فإن التقدير: أجاوزت زيدا مررت به.
    الثانية: أن يكون العامل لازما، والمشغول به اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم السابق، نحو قولك: زيدا مررت بغلامه، فإن التقدير: لابست زيدا مررت بغلامه،
    ولا تقدره: " جاوزت زيدا مررت بغلامه " كما قدرت في الصورة الاولى، لان المعنى على هذا التقدير هنا غير مستقيم، لانك لم تجاوز زيدا ولم تمرر به، وإنما جاوزت غلامه ومررت به، وجاوز من معنى مر، وليس من لفظه كما هو ظاهر.
    الثالثة: أن يكون العامل متعديا، ولكنه نصب اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق، نحو قولك: زيدا ضربت أخاه، فإن التقدير: أهنت زيدا ضربت أخاه.
    وهكذا تقدر في كل صورة من هذه الصور الثلاث فعلا ينصب بنفسه، ويصح معه المعنى.
    (1) " والنصب " مبتدأ " حتم " خبر المبتدأ " إن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: إن تلا السابق ما يختص بالفعل فالنصب واجب " السابق " فاعل لتلا " ما " اسم موصول: مفعول به لتلا = (*)
    (1/519)

    ذكر النحويون أن مسائل هذا الباب على خمسة أقسام، أحدها: ما يجب فيه النصب، والثاني: ما يجب فيه الرفع، والثالث: ما يجوز فيه الامران والنصب أرجح، والرابع: ما يجوز فيه الامران والرفع أرجح، والخامس: ما يجوز فيه الامران على السواء.
    فأشار المصنف إلى القسم الاول بقوله: " والنصب حتم - إلى آخره " ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأدوات الشرط (1) نحو إن، وحيثما، فتقول: " إن زيدا أكرمته أكرمك، وحيثما زيدا تلقه فأكرمه "، فيجب نصب " زيدا " في المثالين وفيما أشبههما، ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ، إذ لا يقع [ الاسم ] بعد هذه.
    __________
    = " يختص " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما،
    والجملة من يختص وفاعله لا محل لها صلة الموصول " بالفعل " جار ومجرور متعلق بيختص " كإن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كإن - إلخ، " وحيثما " معطوف على " إن " المجرورة محلا بالكاف.
    (1) الادوات التي تختص بالفعل أربعة أنواع: الاول: أدوات الشرط كإن، وحيثما، نحو ما مثل به الشارح، واعلم أن الاشتغال إنما يقع بعد أدوات الشرط في ضرورة الشعر، فأما في النثر فلا يقع الاشتغال إلا بعد أداتين منهما: الاولى " إن " بشرط أن يكون الفعل المشغول ماضيا، نحو: إن زيدا لقيته فأكرمه، والثانية: " إذا " مطلقا، نحو إذا زيدا لقيته - أو تلقاه - فأكرمه.
    النوع الثاني: أدوات التحضيض، نحو هلا زيدا أكرمته.
    النوع الثالث: أدوات العرض، نحو ألا زيدا أكرمته.
    النوع الرابع: أدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو هل زيدا أكرمته، فأما الهمزة فلا تختص بالفعل، بل يجوز أن تدخل على الاسماء كما تدخل على الافعال، وإن كان دخولها على الافعال أكثر.
    (*)
    (1/520)

    الادوات، وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها، فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء، كقول الشاعر: 157 - لا تجزعي إن منفس أهلكته فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
    __________
    157 - هذا البيت ساقط من أكثر النسخ، ولم نشرحه في الطبعة الاولى لهذه العلة، وهو من كلمة للنمر بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبذير، وكان من حديثه أن قوما نزلوا به في الجاهلية، فنحر لهم أربع قلائص، واشترى لهم زق
    خمر، فلامته امرأته على ذلك، ففي هذا يقول: قالت لتعذلني من الليل: اسمع، سفه تبيتك الملامة فاهجعي لا تجزعي لغد، وأمر غد له، أتعجلين الشر ما لم تمنعي قامت تبكي أن سبات لفتية زقا وخابية بعود مقطع اللغة: " لا تجزعي " لا تحزني، والجزع هو: ضعف المرء عن تحمل ما ينزل به من بلاء، وهو أيضا أشد الحزن " منفس " هو المال الكثير، وهو الشئ النفيس الذي يضن أهله به " أهلكته " أذهبته وأفنيته " هلكت " مت.
    الاعراب: " لا " ناهية " تجزعي " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل " إن " شرطية " منفس " فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط، وقوله " أهلكته " جملة من فعل وفاعل ومفعول لا محل لها تفسيرية " فإذا " الفاء عاطفة، إذا: ظرفية تضمنت معنى الشرط " هلكت " فعل وفاعل، وجملتهما في محل جر بإضافة " إذا " إليها " فبعد " الفاء زائدة، وبعد: ظرف متعلق بقوله " اجزعي " في آخر البيت، وبعد مضاف واسم الاشارة من " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " فاجزعي " الفاء واقعة في جواب إذا، وما بعدها فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والجملة جواب إذا لا محل لها من الاعراب.
    الشاهد فيه: قوله " إن منفس " حيث وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط التي هي " إن " والاكثر أن يلي هذه الاداة الفعل.
    = (*)
    (1/521)

    تقديره: " إن هلك منفس " (1)، والله أعلم.
    * * *.
    __________
    = وقبل: أن نقرر لك ما في هذا البيت نخبرك أنه يروى بنصب " منفس " يروى برفعه.
    فأما رواية النصب فهي التي رواها سيبويه وجمهور البصريين (انظر كتاب سيبويه 1 - 68، ومفصل الزمخشري 1 - 149 بتحقيقنا) ولا إشكال على هذه الرواية، لان " منفسا " حينئذ منصوب بفعل محذوف مفسر بفعل من لفظ الفعل المذكور بعده، والتقدير: إن أهلكت منفسا أهلكته.
    والرواية الثانية برفع " منفس " وهي رواية الكوفيين، وأعربوها على أن " منفس " مبتدأ، وجملة " أهلكته " خبره، وهذا هو صريح عبارة الشارح قبل إنشاده البيت، واستدلوا به وبمثله على جواز وقوع الجملة الاسمية بعد " إن " و " إذا " الشرطيتين، وقالوا: إن الاسم المرفوع بعد هاتين الاداتين مبتدأ، والجملة بعده في محل رفع خبر، ومنهم من يجعل هذا الاسم المرفوع فاعلا لنفس الفعل المذكور بعده في نحو " إن زيد يزورك فأكرمه " بناء على مذهبهم من جواز تقديم الفاعل على الفعل الرافع له، فأما البصريون فلا يسلمون أولا رواية الرفع، ثم يقولون: إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على جواز وقوع الجمل الاسمية بعد أداة الشرط، ولا تدل على جواز تقدم الفاعل على فعله، لان واحدا من هذين الوجهين غير متعين في إعراب الاسم المرفوع بعد أداة الشرط، بل هذا الاسم فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده، ويقدر المحذوف من لفظ المذكور إن كان الذي بعده قد رفع الضمير على الفاعلية، ومن معنى الفعل المتأخر إن كان قد نصب ضمير الاسم كما في هذا البيت المستشهد به، ومن الاول قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) وهذا هو الراجح، وهو الذي قدره الشارح بعد إنشاد البيت، ثم ارجع إلى ما ذكرناه في تقدير العامل في المشغول عنه (في ص 518)، ثم انظر ما ذكرناه في باب الفاعل (1) هذا التقدير هو تقدير البصريين، ولا يتفق ذكره هنا بهذا الشكل مع ما ذكره الشارح قبل إنشاد البيت، ولو أنه قال: " وتقديره عند البصريين إن هلك منفس " لاستقام الكلام.
    (*)
    (1/522)

    وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا (1) كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولا لما بعد وجد (2) أشار بهذين البيتين إلى القسم الثاني، وهو ما يجب فيه الرفع (3)، فيجب رفع.
    __________
    (1) " وإن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط " السابق " فاعل تلا " ما " اسم موصول: مفعول به لتلا " بالابتدا " جار ومجرور متعلق بيختص الآتي " يختص " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة " فالرفع " الفاء لربط الجواب بالشرط، الرفع: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فالتزم الرفع التزمه، والجملة في محل جزم جواب الشرط " التزمه " التزم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " أبدا " منصوب على الظرفية، والجملة من فعل الامر وفاعله المستتر فيه لا محل لها مفسرة.
    (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة بفعل مدلول عليه بالسابق، والتقدير: والتزم الرفع التزاما مشابها لذلك الالتزام إذا تلا الفعل إلخ " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " الفعل " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا تلا الفعل " تلا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والجملة لا محل لها من الاعراب تفسيرية " ما " اسم موصول مفعول به لتلا " لم يرد " مضارع مجزوم بلم " ما " اسم موصول فاعل يرد، والجملة لا محل لها صلة ما الواقع مفعولا به لتلا " قبل " ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " الواقع فاعلا " معمولا " حال من فاعل يرد " لما " جار ومجرور متعلق بمعمول " بعد " ظرف متعلق بوجد " وجد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة المجرورة محلا باللام، والجملة
    لا محل لها صلة " ما " المجرورة محلا باللام.
    (3) للمؤلفين اختلاف في اعتبار هذا القسم برمته من باب الاشتغال، فابن الحاجب لم يذكره أصلا، وابن هشام ينص على أنه ليس من باب الاشتغال، ولا يصدق ضابطه عليه، وذلك لاننا اشترطنا في ضابط الاشتغال: أن العامل في المشغول به لو تفرغ من الضمير وسلط على الاسم السابق المشغول عنه لعمل فيه (انظر كلام الشارح في ص 518) = (*)
    (1/523)

مجوز های ارسال و ویرایش

  • شما نمیتوانید موضوع جدیدی ارسال کنید
  • شما امکان ارسال پاسخ را ندارید
  • شما نمیتوانید فایل پیوست در پست خود ضمیمه کنید
  • شما نمیتوانید پست های خود را ویرایش کنید
  •